CMP: AIE: رواية نارة الفصل الثاني2 بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي
أخر الاخبار

رواية نارة الفصل الثاني2 بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي


 

رواية نارة

 الفصل الثاني2

 بقلم ياسمين السيد قنديل وايمان شريف الحوفي


وقف عند الباب يطالعها بتمعن وهي ترتدي المعطف الطبي الذي جلبه لها، أخرجت خصلاتها الناعمة الطويلة من داخله، وعندما انتهت اقتربت منه وقالت بابتسامة جميلة :

- خلاص خلصت ..قولي بقا هنعمل إيه؟

لم يجبها بل كان هائمًا في ملامحها الخلابة؛ فعقدت حاجبيها بتساؤل، هاتفة وهي تشير بيديها أمام عينيه :

- هييي ! رُحت فين؟

انتبه لها فتمتم بارتباك :

- هاه ... أنتِ كنتِ بتقولي حاجة؟

اجابتة بمرح :

- أصلا!! لا كده اتطمنت، ربنا يستر.

هتف معتذرًا :

- معلش شكلي سرحت شوية.

صمتٌ غلف المكان لدقائق قبل أن يستطرد، وهو يبصرها بتدقيق :

- ناقصك حاجة واحدة بس ..

كانت علي وشك أن تسأله ما هي؛ فوجدته يقترب منها ويسحب السماعة الطبية عن رقبته، ثم وضعها علي رقبتها .. ابتعدت عن يديه بخجل، وهي تهمس :

- شكرا !

ابتسم لها وابتعد عنها متجهًا الي الباب، وفتحهُ قليلًا؛ ليطل برأسه منه ويرقب الأوضاع، وبعد دقائق أغلق الباب والتفت إليها هاتفًا بجدية :

- اسمعي.. أنا هخرج دلوقتي وأنتِ هتخرجي بعدي بخمس دقائق، هتنزلي الدور اللي تحتنا علي طول هتلاقي سلم علي اليمين مكتوب عليه للطورئ هتنزلي وتخرجي من الباب الأخير، هتلاقيني مستنيكي بعربيتي قدام الباب ..

صمت للحظات، بينما تتطالعه هي بتركيز؛ فأكمل بتحذير :

- ياريت تمشي بثقة ومتلفتيش الأنظار ليكِ..

أجابته بثقة أقرب منها إلى الغرور :

- لا ولا يكون عندك فكر، شوف..رئيس المستشفى نفسه مش هيشك إني من الفريق الطبي، ثق فيا!

هتف باضطراب من ثقتها الزائدة :

- ربنا يستر ...اجهزي يالا علشان أنا هخرج دلوقتي.

أومأت له بابتسامة يملؤها الحماسة؛ ففتح الباب وخرج يدعو الله ألا تتسبب تلك الفتاة في رفده من المشفى التى طالما سعى لينال فرصة العمل بها، وعندما جاء ليستقل المصعد أوقفته إحدى الممرضات هاتفة بصوت عالٍ :

- دكتور شهاب دقيقة لو سمحت ..

التفت إليها بتساؤل؛ فأكملت وهي تعطيه تقرير طبي لأحد المرضي :

- ممكن حضرتك تشوف تقرير الحالة دي، وتقولي هتاخد جرعة قد إية من الدواء اللي مكتوب ..

أومأ لها باسمًا وهو ينظر الي الملف تارة والي غرفة نارة تارة أخرى ..دقائق وخرجت نارة من الغرفة وهي تتلفت حولها يمينا ويسارًا، غير أنها بدأت تفرك يديها بطريقة ملفتة تنم عن التوتر والارتباك ..فجزَّ شهاب علي أسنانه بغضب مهمهمًا:

- نهارك أسود ومنيل هو دا اللي مش هلفت نظر حد ..

قالت الممرضة باستغراب :

- بتقول حاجة يا دكتور !؟

تنهد بضيق محاولًا التحكم في أعصابه، وأعطي الملف للمرضة وأخبرها عن الجرعة المحددة التي تناسب المريض، وعندما أخذت الممرضة الملف وذهبت، التفت إلى نارة لتجحظ عينه بصدمة يتمتم ساخطًا:

- نهارك أسود ومنيل بنيلة ..

كانت نارة في طريقها إلى الطابق المنشود، تتلفت حولها كاللصة من حين لآخر وعندما اقتربت من الدرج لتهبط إلى الطابق السفلي أوقفتها امرأة عجوز هاتفة بوهن :

- لحظة يا دكتورة لو سمحتي!

تيبست مكانها من الصدمة وأغمضت عينيها محاولة استجماع شجاعتها وقدرتها على تقمص دور الطبيبة، فاقتربت منها المرأة هاتفة :

- والنبي يا دكتورة ابني تحت في الاستقبال وتعبان أوي ولسه ماجاش حد يكشف عليه معلشي تيجي معايا تشوفيه ..

نظرت نارة حولها، ومن ثم عادت بنظراتها الي المرأة هاتفة ببلاهة وهي تشير الي نفسها :

- انا !؟

- أيوة يا بنتي هو في حد غيرك واقف قدامي ...

أغمضت نارة عينيها وقلبت شفتيها بحيرة، تفكر كيف تخرج من هذه الورطة، ولكن صوته جاء إليها كالنجدة..

أزاحها شهاب من أمام المرأة وهتف لها بابتسامة عريضة جعلت منه مخبولًا بهيئة طبيب :

- اؤمري يا ست الكل حضرتك محتاجه إيه؟

أجابته المرأة :

- ابني تعبان اوى تحت فى الطوارئ وكنت عاوزة الدكتورة تكشف عليه ..

أحاط شهاب كتف السيدة بيديه، وقال بحنان :

- تعالي معايا يا أمي، وأنا هكشف عليه ..

فدعت له السيدة هاتفة :

- ربنا يريح قلبك يا ابني ويرزقك ببنت الحلال يا قادر يا كريم ..

وبينما يذهب شهاب مع السيدة، أرسل إشارة بيده الأخري من الخلف إلى نارة التي كانت تقف تطالعهم ببلاهة، وعندما أدركت إشارته، ركضت بسرعة متابعة طريقها.

********

في فيلا كامل العدوي:

كان يجلس كامل في مكتبه واضعًا رأسه بين يديه منتظرًا اتصال من العميد شريف صديقه الذي أعطاه معلومات كافية عن نارة ليستخبر عن مكانها، دلفت إليه زوجته قائلة باضطراب :

- أنت كويس يا كامل ؟

رفع رأسه؛ ليطالعها بنظرات أرعبتها، وهتف بحدة :

- بنتك بس تقع في إيدي وأنا هبقا في أحسن حال ..

كانت علي وشك أن تجادله بعدما نفد صبرها، ولكن قاطعها رنين هاتفه؛ فانتفض من مجلسه مسرعًا ملتقطًا هاتفه وأجاب بتلهف:

- ها يا شريف لقيتها؟

أجابه شريف من الجانب الاخر :

- في بنت لقوها امبارح بنفس موصفات نارة في مخزن أحذية حصل فيه حريق، وهي دلوقتي في المستشفى بس الحمد لله حالتها..

قاطعه كمال مستخبرًا :

- مستشفى إيه؟

أعطاه شريف اسم المشفى وأغلق معه كامل وهو يلتقط حاجياته الخاصة استعدادًا للخروج ..اقتربت منه مشيرة والدموع قد أغرقت وجهها :

- بنتي مالها يا كامل حصلها إيه؟

أزاحها من طريقه بحدة، هاتفًا بسخرية وهو يخرج :

- هيكون مالها يعني ياختي زي القطط بسبعة أرواح ..

دلفت في ذلك الوقت بتول، وهي ترى والدها يخرج متعجلًا من الفيلا؛ فسألت والدتها :

- مامي هو في إيه؟

- مش عارفة والله يا بتول كل اللي فهمته إن نارة في المستشفي وكامل رايح يجيبها ..

شهقت بتول هاتفة بجزع :

- هي كويسة يا مامي؟

- مش عارفة والله يا بنتي.

احتضنت بتول والدتها وهي تربت علي كتفها هامسة بحنان :

- اهدي يا مامي.. أكيد نارة بخير.

***********





أمام الباب الخلفي للمشفي الخاص بالطوارئ كانت تقف نارة تنظر حولها منتظرة شهاب ..دقائق مرت حتى وجدت شهاب يتوقف أمامها بالسيارة هاتفًا بضيق :

- اركبي بسرعة!

صعدت إلي المقعد بجانبه، وعندما انطلق بالسيارة التفتت له متسائلة :

- قل لي بقا هنروح فين دلوقتي ؟

لم يجبها؛ فنظرت له بتمعن وجدته يضغط علي أسنانه بقوه محاولاً التحكم في غضبه؛ فزاغت مقلتيها يمينًا ويسارًا بتفكر متمتمة :

- هو أنا عملت حاجه غلط؟

تنفس بعمق قبل أن ينظر إليها بطرف عينيه مجيبًا بسخرية:

- غلط إزاي يا بنتي، دا أنتِ كنتِ هايلة، دا أنا من كتر دهشتي من موهبتك التمثيلية ماعرفتكيش.

- حاسة إنك بتتريق؟

- حاسة مش متأكدة!

اعتدلت في مقعدها بغضب تنظر إلى الأمام، قائلة بتهكم:

- قصر ذيل.. حقود!

مسح علي وجهة مستغفرًا في سره، وعاد ينظر أمامه بتركيز محاولا تجاهل نوباتها الاستفزازية غير مدرك سبب توريطه في تلك المسألة الجنونية "مساعدة فتاة هاربة يوم زفافها" بيد أنه قد ندم على إقدامه على تقديم يد العون لها، فلن ينقصه من المتاعب ما قد ينغص حياته التي لم تستقر بعد.

************

مد بخطواته بسرعة إلى داخل المشفي، وعندما وصل إلى الاستقبال، قال بلهجة غاضبة :

- في بنت جات امبارح بليل في حادثة حريق ...

نظرت موظفة الاستقبال أمامها لثوان، ثم هتفت بعملية :

- أيوه يا فندم، وهي دلوقتي في الغرفة 205 في الدور الثالث.

ركض بسرعة إلى المصعد، وهو يتوعد نارة بأشد العذاب، وعندما وصل إلى الطابق المنشود خرج من المصعد عدوًا إلى الغرفة ..

مد يده على مقبض الباب وهو يرسم نظرات الشر في عينيه ومن ثم فتحه بقوة وكانت الصدمة أنه لم يجد أحدًا في الغرفة؛ فذهب كالمجنون يبحث عنها في الحمام المرفق بالغرفة ولم يجدها؛ فخرج في عجلة من الغرفة وأوقف إحدى الممرضات :

- البنت اللي جاية في حادث الحريق امبارح مش في غرفتها متعرفيش هي فين؟

- حضرتك تقصد البنت اللي الدكتور شهاب أنقذها امبارح؟

- أيوه هي، ماتعرفيش ألاقيها فين أو ألاقي الدكتور شهاب ده فين؟

رفعت كتفيها دلالة علي عدم معرفتها، هاتفة بوضوح :

- والله يا أستاذ، أنا دخلت للبنت من شوية عشان أديها الدوا وكانت موجودة وقتها .. أما الدكتور شهاب شفته من شوية وهو بياخد إذن وخرج.

أخرج من جيبه بضع ورقات مالية ووضعها في يد الممرضة قائلاً :

- ماتعرفيش بقا بيت الدكتور شهاب ده فين؟

التقطت منه الممرضة المال بترقب ألا يراها أحد واضعة إياه في جيب معطفها وهتفت بابتسامة مشرقة :

- إلا أعرف يا باشا هو في حاجة هنا تخفى عليا، طب ده أنا مسميني...

قاطعها بضيق : 

- أنتِ هتحكي لي قصة حياتك اخلصي قولي لي بيته فين؟

أخرجت الممرضة دفترًا صغيرًا من جيبها ودوَّنت علي إحدى وريقاته عنوان شهاب وأعطته لـ كامل الذي انتشل الورقة منها وركض خارجًا .


في منزل شهاب:

دس شهاب المفتاح في الباب وعندما فتح أشار إلى نارة بالدخول، دلفت نارة الي المنزل وهي تتطلع حولها بتوتر وخوف ظهر جلي علي ملامح وجهها الناعمة، منزل أنيق رغم مساحته الصغيرة، بيد أن صاحبه ذو ذوق رفيع في انتقاء أثاثاته وتناغم ألوانه وزخارفه التي تجمع بين الحداثة والكلاسيكية، طغى على المنزل مزيج بين اللون الأزرق والأبيض مما يجعله مريحًا للأعصاب خاصة لطبيب يقضي معظم أوقاته مضغوط الأعصاب واللون الأحمر هو اكثر ما يراه، لاحظ شهاب شرودها واستبين ما يجول بخاطرها فهتف مشاكسًا:

- يا سلاااام! خايفة دلوقتي؟ وكنتِ عاملالي فيها بس سبع رجالة في بعض؟!

رمقته بنظرة نارية ودلفت تدك الأرض بخطاها ومطت فمها بضحكة صفراء قائلة من بين أسنانها:

- نارة يوم ما تخاف مش هتخاف من واحد زيك!

- اللهم طولك يا روح! أنتِ إيه يا بت؟ إيه البجاحة دي، ده بدل ما تشكريني إني بساعدك  ..

- آه قول كده بقا، هتذلني علشان بتساعدني، طب يا سيدي متشكرين، بس خليك عارف إن نارة مابتنساش جميل حد، يعني يوم ما تحتاحني هقف في ضهرك وهساعدك بكل اللي أقدر عليه.

وقف يطالعها بعينين متسعتين كادت مقلتيه تخرجان من محجريهما، فاغرًا فمه بذهول، وما لبث أن هز رأسه بيأس متمتمًا:

- يمهل ولا يهمل!

انحنى ينظف طاولة الانتريه، يرفع عنها الأكواب الفارغة، ولما عاد وجدها جالسة صامتة شاردة وكأن هناك ما طرأ على فكرها؛ فتنهد وسألها:

- إيه تاني؟

نظرت إليه بتعقل وثم عادت بنظرها إلى اللا شيء وقالت:

- بصراحة خايفة بابا يعرف مكاني، مش عارفة وقتها إيه اللي ممكن يحصل!

لمس شهاب في حديثها الخوف؛ فـ لان جانبه وأرسل لها نظرة شفوقة ثم هتف شهاب بنبرة حانية ليدخل الطمأنينة إلى قلبها:

- ماتخافيش محدش هيقدر يلاقيكي هنا.

- أصلك ماتعرفش بابا.

- كفاية عليا بنته هي ناقصة!

ضحكت رغمًا عنها؛ فتبسم وقال بهدوء:

- صدقيني مش هيقدر يعرف مكانك هنا..ثقي فيا!


قاطع حديثها جرس المنزل وطرقات قوية علي الباب جعلتها تجفل ولا إراديا وقفت خلفه وقبضت علي ذراعه بقوة هامسة بنبرة علي وشك البكاء :

-ده أكيد بابا.

حدقها بارتباك هاتفًا:

- مش قلت لك ثقي فيا!

ورغم ذلك كان قلبها يطرق ذراعه بنبضاته المذعورة، تسارعت دقات قلبه من قربها منه وشعر وكأن حرارة جسده علي وشك الاشتعال؛ فتنحنح وأبعدها عنه برفق هامسًا بحنان :

- ماتخافيش أنا معاكي.

أومأت له بتوتر؛ فأكمل هو بجدية :

- ادخلي الأوضة دي واقفلي علي نفسك الباب وأنا هشوف مين.

اتجهت إلى حيث أشار تطالعه تارة وتطالع الباب تارة أخري، تضطرب دواخلها، وما إن أغلقت عليها باب الغرفة حتى تنهد بعمق واقترب من الباب وفتحه فوجد رجلًا قُطعت ملامحه من جليد على عكس نيران الغضب التي تتوهج في عينيه، قال شهاب:

- أفندم اؤمر!

- أنت دكتور شهاب؟

- أيوا، خير مين حضرتك؟

- شوف من غير لف ولا دوران، بنتي فين؟

عقد شهاب ساعديه أمامه ولعق شفتيه بلسانه يطالع الرجل بكبرياء قائلًا:

- معلش مش مترجم.. بنت مين، وحضرتك تبقى مين؟





فأجابه كامل بتكبر :

- أنا كامل العدوي والد نارة.

- اتشرفنا بس مين نارة دي؟

تنهد كامل بضيق يعرف أن شهاب يراوغه:

- نارة اللي أنت وديتها المستشفي امبارح في حادثة الحريق .

ابتسم شهاب باصطناع وتمتم:

- أيوا أيوا افتكرت، وحضرتك بقا جاي تطمن عليها هنا صح؟

فاجأه كامل بإجابة صدمتة :

- لأ، عايز أعرف هي فين، على العموم، ده شيء ما يخصكش، أنا متأكد إنك تعرف مكانها.

حدث شهاب نفسه : ليها حق تهرب هو في أب كده!

قطع كامل أفكاره هاتفًا بتساؤل حاد :

- وديت بنتي فين يا دكتور؟

أجابه شهاب باستفزاز :

- من باب أولى حضرتك تشكرني إني انقذت بنتك، مش تتهجم عليا فى بيتي وتتهمني بخطف بنتك اللي أنا أصلا ماعرفهاش.

أردف كامل بحدة يعتريها الضيق :

- شكرًا يا سيدي ..اخلص بقا وقولي بنتي فين ؟

حاول شهاب التحكم في أعصابه ولكنه للأسف الشديد لم يستطع فصاح بحدة مماثلة :

- شوف حضرتك أنا انقذت بنتك ووديتها المستشفى وسيبتها ومشيت وأكيد يعني أنا مش الحارس بتاعها عشان أعرف هي راحة فين وجت منين، مهمتي هي علاجها وبس.

هتف كامل بتهديد :

- ماشي يا دكتور بس لو عرفت إنك لك يد في اختفائها وقتها ماتلومش إلا نفسك.

طالعه شهاب ببرود؛ فاغتاظ كامل منه وخرج صافعًا الباب خلفه.

زفر شهاب بارتياح، وجلس علي أول مقعد واضعًا رأسه بين كفيه، في البداية اعتراه شعور بالضيق كونه يكذب على والدها مفكرًا في المخاوف والآلام التي يمكن أن تعانيها الأسرة باختفاء ابنتهم، لكنه بعد تلك المقابلة لم يعد يشعر بالأسف بل زاده الأمر حقدًا على الرجل وإصرارًا على مساعدتها.


قاطع تفكيره لمسة يدها التي وضعتها علي كتفه وقولها المتوتر :

- أنت كويس؟

أمسك يدها وأنزلها عن كتفه؛ فارتكبت وقد ظهر ذلك بوضوح علي ملامحها، لكنه لم يعطِ للأمر أهمية وسحبها لتجلس إلى جواره قائلًا :

- ماتقلقيش أنا كويس.

بادلته الابتسامة فأكمل هو بمرح محاولًا تغيير حدة الوضع :

- قولي لي صحيح أنتِ ازاي عيشتي العمر دا كله مع أبوكي ده ومافكرتيش تهربي الا دلوقتي؟!

انفلتت ضحكة ناعمة من بين شفتيها؛ فسرح هو في بديع خلقها ورقتها، وعندما لاحظت نظراته الهائمة حمحمت بإرتباك؛ فانتبه وقال بتوتر :

- معلش شكلي سرحت شوية.

- ولا يهمك .

عم الصمت للحظات قبل أن تقول هي بخوف :

- بابي كده هيعرف مكاني بكل سهولة طالما عرف طريق بيتك .

قال شهاب بجدية : متخافيش انا هاخدك مكان آمن ومحدش هيقدر يوصل لك.

نارة بتساؤل :






- فين المكان ده ؟

اجابها ببتسامة :

- هوديكي البلد عن أبويا وأمي، في المنوفية.

أمسكت يده، وشدت عليها بشكل غريزي اعرابًا له عن امتنانها متمتمة: 

- ميرسي أوي بجد على كل اللي بتعمله معايا.

اضطرب من لمستها ونظر إلى يدها ثم أعاد النظر إليها ولم يستطع منع الابتسامة التى أخذت طريقها إلى شفتيه، ثم رفع يده الأخرى لتستقر على يدها وهز رأسه بما معناه "لا شكر على واجب".

بعد لحظات ابتعدت عنه بإرتباك وهي ترجع خصلات شعرها خلف أذنها هامسة بإعتذار :

- انا اسفة بس أنا من فرحتيـ...

قاطعها بابتسامة جذابة:

- ولا يهمك ..المهم دلوقتي لازم نمشي من هنا في أسرع وقت، استعدي عقبال ما أكلم دكتور زميلي ياخد لي أجازة أسبوع.

اومأت له ببتسامة خجولة؛ فأخرج هو هاتفه واستدار مبتعدًا ليجري مكالمته، إذ به يسمعها تهمس باسمه لأول مرة ..وليته لم يسعمها! فـ لأول مره يعجب باسمه لهذه الدرجة التي ترتجف معها أوتار قلبه، وكأنه معزوفة جميلة خرجت من شفتيها لتطرب أذنيه وتخطف دقات قلبه من رقتها.

التفت اليها بإرتباك فهمست هي بابتسامة رقيقة :

- شكرًا مرة تانية!

أجبره ارتباكه على إطلاق ضحكة قصيرة خافتة قائلًا :

- العفو!

**********

دلف الي الفيلا وهو علي وشك الانفجار من الغضب ولكن لحظة واحدة وتبدل الغضب وحل محله الخوف والارتباك، عندما وجد معتز حسين الزوج المستقبلي لنارة يقف في البهو وأمارات الغضب واضحة علي وجهه وبجانبه تقف مشيرة تحاول تهدئة ثائرته، وخلفه تجلس بتول علي الأريكة، وتقضم بأسنانها قطعه من التفاح بكل برود .

انتبه معتز علي وجود كامل؛ فاقترب منه صارخا بحدة :

- نارة فين يا عمي ؟ عرفت توصل لها؟

ارتبك كامل أكثر بسبب صراخ معتز لكنه جلس على المقعد  تحت أنظار معتز الغاضبة ومشيرة القلقة، وأجابه باستسلام:

- هربت يا بني. ومعرفلهاش طريق

شد معتز علي شعره بجنون هاتفًا :

- هربت ازاي؟ يعني إيه هربت؟

ردت بتول هذه المرة بخبث يتقافز من نظراتها :

- مش ده السؤال اللي المفروض تسأله يا ميزو، حضرتك المفروض تسأل هي هربت ليه؟

نظر لها بغضب وقد احمرت عيناه؛ فأشاحت بتول بعينيها محاولة عدم الضحك علي منظره، اقترب كامل من معتز محاولا تهدأته :

- اهدي يا بني وهنلاقيها أنا مخلي رجالتي تدور عليها في كل مكان.

دفعه معتز بغيظ هامسًا بهسيس مرعب :

- هما يومين بالظبط، لو بنتك مظهرتش خلالهم وبقت علي ذمتي وقتها بقا تبقا تخلي المدام تجهزلك عيش وحلاوة، انت فاهم يا.. عمي!

حاول كامل أن يترجاه ولكن معتز لم يعطه الفرصة وأزاحه من طريقة وذهب مغادرًا.

اقتربت مشيرة من كامل هاتفة بقلب ملكوم علي ابنتها :

- نارة كويسة يا كامل؟

صرخ كامل بوجهها :






- ابعدي عن وشي الساعة دي يا مشيرة وإلا أقسم بالله أرمي عليكي يمين الطلاق ..

اقتربت بتول من والدتها وحثتها علي السير معها الي الأعلى وهي تحدج والدها بنظرات لائمة، ومشيرة تترك العنان لدموعها المنهمرة بصمت علي فلذة كبدها.

همهم كامل بتوعد بعد اختفاء مشيرة وبتول :

- ماشي يا نارة! ماشي يا بنت الكلب، بقا أنا يتعمل فيا كده، اصبري عليا بس لما الاقيكي هربيكي من اول وجديد .


في الخارج أمام بوابة فيلا كامل العدوي كان يقف معتز واضعًا هاتفه علي أذنه متحدثًا بغضب إلى أحد رجاله  :

-.عايزك يا أيمن تقلب عليها الدنيا وتجبها لي مذلولة أنت فاهم؟

أجابه أيمن من الطرف الاخر :

- فاهم يا باشا.. اطمن!


                الفصل الثالث من هنا

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-