رواية حب خلق بداية الفصل الثامن8بقلم مروة محمد


رواية حب خلق بداية 
الفصل الثامن8
بقلم مروة محمد




همس لها لكي لا تستمع إليهما شقيقتها ميارا، يريد مقابلتها خارج المنزل،لأنه شعر أنها تريد فسخ خطبتها من قدري منذ أن رأته يهتم بأمر شقيقتها في حفلة عيد الميلاد، وبالرغم من شرودها فيما حدث، إلا إنها أسرعت لتقابل شقيقها، حتى تعرف ماذا يريد منها وتخبره بقراراها بخصوص رغبتها في فسخ خطوبتها، هي على أتم الاستعداد أن تتنازل عن خطيبها لو شعرت أن شقيقتها تريده، وعلى استعداد للوقوف معها وليس ضدها، كانت هذه نيتها وهي ذاهبة لمقابلة شقيقها نور.

جلست أمام شقيقها تقاوم استجوابه قائلة:

- خير يا نور؟ ليه عايزانا نتقابل لوحدنا؟

شرد نور قائلًا:

- لازم نكون لوحدنا، علشان أقولك ليه قدري قدم هدية لميارا.

عبست بوجهها قائلة:

- آه، إيه هتبلغني إنه بيحبها وخطيبي خطبني علشان يقرب منها؟ طيب وأنا مالي؟

واستطردت وهي تطيح بيدها في الهواء بلا مبالاة مصطنعة قائلة:

- الموضوع ما يهمنيش، أنا كل اللي يهمني إني قلقانة على حالة أختي من ساعتها.

زفر نور بخنق قائلًا:

- لا ماخطبكيش علشان كدا، بس فيه سبب لتقديم الهدية، فيه حد السبب في لخبطة حال حليم وقدري وميارا .

قطبت جبينها قائلة:

- إيه اللي بتقوله دا؟ إيه دخل حليم بالموضوع؟ أنا كنت شايفاه يومها واقف ولا كأن حاجة حصلت.

واستكملت وهي تزفر بخنق قائلة:

- أنا حتى استغربت فين حليم وغيرته علينا، وعلى ميارا بالذات، دا محمل نفسه ذنب إنها عرفت كل حاجة عن مامتهم.

أشار نور بسبابته قائلًا:

- جينا لمربط الفرس، قدري يبقى ابن مامتهم يعني أخوهم التالت.

اتسعت حدقة عينيها وهتفت بذهول قائلة:

- نعم بتقول إيه؟

تنهد نور قائلًا:

- أنا عارف إن اللي قولته صدمة، بس دا اللي حصل، الأكبر من كدا بقى إن الست أمهم رجعت وكلمت حليم وراح ليها.

وضعت هاجر يدها على وجهها من الصدمة، ثم مسحت على وجهها وأردفت قائلة:

- بس ليه رجعت بعد السنين دي كلها؟ وجاية ليه؟ أكيد جاية تدمر الكل.

وسرعان ما تعالى غضبها قائلة:

- ما تسيبهم في حالهم وتسيبنا احنا كمان، ويا ترى هتسيب ماما في حالها؟

ابتسم نور بسخرية قائلًا:

- استحالة، دا لسه التقيل جاي ورا، دي عايزة تاخد ميارا وتسافر بحجة إن عمك خطاب وحش ومتفق مع ماما إنه يجوز ابنه لميارا علشان يرجع الود بينه وبين ماما ثريا.

ذهلت هاجر مما قاله لها نور، ورغمًا عنها انصاعت لطلبه بعدم إخبار ميارا في الوقت الحالي بأمر قدري أو بخبر عودة والداتها حتى لا تنقلب الأمور.

عاد نور إلى عمله وجد ثريا تنتظره ويبدو عليها القلق، انتفاضة صدرت منها أول ما رأته، قامت وأوصدت الباب بإحكام والتفتت إليه قائلة:

- نور انت كنت فين؟ أنا محتاجة أقولك حاجة مهمة، بس توعدني مش عايزة لاحليم ولا ميارا يعرفوا، وأتبعت وهي تبتلع ريقها قائلة:

- لحد ما أشوف حل للبلوى اللي أنا فيها دلوقتي.

توتر نور وابتلع ريقه وأخذ يفكر، هل هي تقصد خبر قدري أم خبر عودة ولاء، فسألها بتوجس قائلًا:

- هو لسه فيه حاجات هتقوليها؟ مش خلاص كله اتقال؟

هزت ثريا رأسه بيأس قائلة:

- بس في حاجة حصلت وانتم في عيد الميلاد، ولاء رجعت يا نور، أنا من ساعتها وأنا مش عارفة أتلم على أعصابي، وبفكر أروح أقابلها.

واستطردت وفي صوتها نبرة خوف قائلة:

- انتم مش عارفين، دي ممكن اللي أنا بنيته في تلاتة وعشرين سنة هي تهدمه في دقيقة، بس أنا لازم أمنعها.

سألها نور بتوجس قائلًا:

- وهتعرفي حليم إنها رجعت ولا هتسكتي كالعادة ويرجع يعرف ويزعل؟

احتارت ثريا فيما تفعله وردت قائلة:

- لا أنا مش عايزاه يعرف، أنا ما صدقت إنه بقى يضحك ويهزر زي زمان، ومش هبقى مطمنة لو قابلها، أكيد هتخرب وتفرق ما بينا.

واستطردت تفرك يدها بتوتر قائلة:

- اللي خايفة منه إنها تصمم تاخد ميارا مني.

ربت نور على كتفيها واستصعب موقفها قائلًا:

- ماما هي معاها حاجات ضدك بخصوص موضوع خطاب؟

هزت ثريا رأسها بالسلب قائلة:

- لا يا نور أنا مش خايفة من كدا، أنا خايفة ميارا تصدق إني رضيت أجوزها لزياد علشان خطاب. 

وتابعت وهي تجز على أسنانها بندم قائلة:

- وخصوصًا إن خطاب معانا بقاله سنين.

هز نور رأسه بتفهم قائلًا:

- معاكي حق، بس ماتخافيش.

قطبت ثريا جبينها قائلة:

- مش أخاف! يا سلام بالبساطة دي؟

ابتسم نور بثقة قائلًا:

- إيه يا ثريا مش بتثقي فيَّ؟ إيه ماقدرش أحل أنا كل الصعوبات دي؟ طيب هقول لك على حاجة، بس اوعديني ماتتعصبيش.

ضيقت عينيها قائلة:

- مش أتعصب! لا دا شكل الموضوع كبير، وشكلي الفترة دي هاكل فوق دماغي من الكل، انت عندك إيه؟ قوله فورًا.

كاد أن يتحدث ولكنه خشي أن يسمعه أحدًا في المطعم فقرر أن يأخذها بالخارج.

وبالفعل ذهبا إلى النادي ليجدا هاجر ما زالت جالسة، بعدما تركها، فقطبت ثريا جبينها لرؤيتها شاردة فهزتها لتنتفض هاجر قائلة:

- مامي! بقى كدا يا نور بعد ما أكدت عليَّ ما أقولهاش جايبها هنا قدامي؟ وأنا اللي كنت خايفة أروح وأعترف لو سألتني.

نظرت ثريا إلى نور بصدمة، كيف لهاجر أن تعرف أشياء لا تعرفها هي؟ ليضع نور يده على وجهه يمسحه بضيق قائلًا:

- هو أنا لحقت أتكلم يا بومة؟

عضت هاجر على شفتها السفلية بضيق قائلة:

- نعم! أنا آسفة، أنا لخبطت الدنيا شكلي كدا.
هز نور رأسه بيأس قائلًا:

- لا أبدًا، دا انتي عكتيها، هتخلي أمك دلوقتي تصور قتيل في النادي.

كادت أن تتحدث فوضع يده على فمها مكممًا فاها قائلًا:

- بس خلاص كفاية، كُلي سد الحنك واسكتي خالص.

جاءته ضحكة رنانة من خلفه، ألا وهي ضحكة حنان الفتاة المشاغبة الوحيدة التي لم يقدر عليها نور، قالت من بين ضحكاتها:

- إيه سد الحنك دا يا نور.

جز نور على أسنانه والتفت إليها قائلًا وهو يكور يده موجهها إلى شفتيها قائلًا:

- كدا يا حنان، سد الحنك بعمله بإيدي في المطعم ونفسي أدوقه ليكي، إيه رأيك؟
ثم استطرد:
- وبعدين أخ وأخته انتي إيه دخلك؟ دا أنا هنا من بدري معاها وانتي كنتي قاعدة هناك، ماجتيش إلا لما لقيتي ماما ثريا معانا؟

واستطرد وهو يغيظها قائلًا:

- أنا حاسس إنك جاية تطلبي إيدي، والله موافق، انتي بنت حلال وشكلك هتدلعيني آخر دلع، إيه يا ثريا موافقة البنت دي تخطبني؟

ابتسمت ثريا رغمًا عنها، أما حنان كانت تود أن ترفع قدميها وتضربه في بطنه، كل هذا فهمه نور وهو يراها تهز برجليها ليبتسم بخبث قائلًا:

- أينعم كدا انتي هتقطعي على البنات اللي عايزين يتجوزوني، بس يلا كله علشان سد الحنك.

نظرت إليه حنان بتحدٍ وكادت أن ترحل، ولكن استوقفها قائلًا:

- لا اوعي تسيبيني يا حنان، أنا كدا هعنس.

ابتسمت حنان والتفتت إليه، لتحدق فيما يفعله، لقد لفت انتباه كل من في المكان وهو يركع على ركبتيه بجدية قائلًا:

- علشان خاطري وافقي عليَّ، قولي إنك راضية تتجوزي نور الخشاب.

شهقت حنان لما فعله، ووجدت ثريا التي تناست كل شيء تتقدم منها قائلة:

- ها يا حنان قلتي إيه؟ أعتبر سكوتك دا رد موافقة منك؟

أخفضت حنان رأسها أرضًا قائلة:

- وأنا أطول إن حضرتك تكوني حماتي؟

صفق نور على يده قائلًا:

- حبيبتي يا ثريا، احنا على إيدك هنتجوز جوازات عنب، ما حدش قدنا واللي يغير مننا يجيبله أم زينا.

ثم نهض نور ونظر إلى ثريا قائلًا:

- طيبة قلبك دي هي اللي حببت الناس فينا.

ثم التفت إلى حنان قائلًا بخبث:

- طبعًا العرض المسرحي دا بداية للحفلات وهجيب ماما والعيلة وهتبقى رسمي.

تلهفت حنان قائلة:

- طيب وناويين تيجوا إمتى بقى؟

تعالت ضحكات نور قائلًا:

- العب، دا انتي طلعتي بتموتي فيَّ أهو، أومال راسمة الوش الخشب من الأول ليه يا حنان؟

عبست حنان بوجهها قائلة:

- هاا، لاااا دا علشان أبلغ بابا وماما.

تعالت ضحكات هاجر قائلة:

- هنكدب من أولها يا حنان؟

نظرت حنان إلى هاجر نظرة وعيد ليبتسم نور بخبث قائلًا:

- خلاص يا هاجر ما تكسفيهاش بقى، بس وحياتك يا حنان لأخليكي تعترفي من أول قلم.

أخرجت حنان له لسانها ليضحك قائلًا:

- انتي بطلعي ليَّ لسانك يا حنان؟ ما بلاش، ولا غاوية تتحديني؟

تعالت ضحكات حنان قائلة بتحدٍ:

- آه والله بحب أتحداك معرفش ليه، بس يلا مضطرة أخف عليك شوية، كفاية إني هتجوزك وأرحم البشرية منك.

ضرب نور كفًا على كف قائلًا:

- في دي كمان شايفة نفسك فيها، أنا يا بنتي بنات كتير هيزعلوا إني هتجوز، وانتي هتقهريهم قهرة السنين.

ضربت حنان قدميها في الأرض قائلة:

- شايفة يا طنط ثريا ابنك بيقول إيه؟ حضرتك يرضيكي كدا؟







وضع نور يده في خصره ليغيظها قائلًا:

- أيوه يرضيها، انتي عبيطة يا بنت؟ دا أنا ابنها وكمان شبهها، اوعي تفكري إنها هتيجي في صفك ضدي.

أزاحته ثريا وأخذتها بين أحضانها قائلة:

- سيبك منه ماتزعليش، أنا بحمد ربنا إنه اختارك يا حنان، هو مغرور في نفسه بس طيب وقلبه حنين عن كل إخواته.

ابتسمت حنان ليثير غيظها قائلًا:

- بس ربنا ما يوريكي لما بقلب، شكلي كدا هعملها معاكي، بقولك يا هاجر خدي حنان واتمشوا شوية على بال ما أتكلم مع ماما.

أومأت هاجر برأسها وأخذتها ورحلت، ليجلس نور مع ثريا ويعطيها الأخبار التي طال انتظارها بسبب وقفة حنان معهم.

نظر إليها نور فوجدها منتظرة ما سوف يقوله فابتلع ريقه قائلًا:

- جاهزة تسمعيني؟ ما أنا كدا كدا هتكلم، بس هتقوليلي ناوية على إيه بعد ما أتكلم.

تنهدت ثريا بحزن قائلة:

- مش هقدر أوعدك، بس لو الموضوع بخصوص ولاء مش فاهمة ليه تقول لهاجر قبلي، حصل اللي حصل من فترة، وهاجر لا اتدخلت ولا اتأثرت زيكم.

وتابعت وهي تنظر إليها عن بعد قائلة:

- قلبها بارد، عارف أنا ساعات بقول لنفسي البنت دي مش بنتي، مش شايف خطبنا حنان قدامها وهي ولا اندهاش؟

ضحك نور لتقترب ثريا منه بجدية قائلة:

- نرجع لموضوعنا، أنا قلقانة من رجعة ولاء، وعايزة أرجعها من مطرح ما جات، قلبي مش متطمن.

رفع نور حاجبيه باندهاش، كيف لها أن تبعدها وهي من ساعدت في اقترابها؟ لتبتسم ثريا بشماتة قائلة:

- في نفس الوقت مبسوطة إنها شافت أولادها بالصورة دي، لأن دا تم بإيدي، وأنا اللي خليتها ترجع.

تنهد نور قائلًا:

- للدرجة دي؟ أنا هقولك، الست دي مصيبة، فاكرة لما قالت إن جوزها طلقها وهي سقطت؟

هزت ثريا رأسها لتحثه على استكمال كلماته ليجيبها بضيق قائلًا:

- كل دا طلع كدب، لأن ابنها طلع عايش، المهم ابنها دا يشاء القدر يطلع مين؟ قدري.

لم تهتز لها شعرة وظلت على قوتها وردت قائلة:

- أنا عارفة، والده جه وصارحني، وعلشان كدا أنا رضيت بيه، لأني كنت واثقة إنه بيحبها وواثقة إن الست اللي ربته ربته زي ما أنا ربيتكم.

واستكملت بحزن قائلة:

- ووالده ضحية بس أكتر من أبوكم، مش قادرة أسامحه إنه بلع طعمها بمزاجه، مش قادرة أسامحه لما لقاني البديل الفاضي لأولاده.

واعتصرت عينيها قائلة:

- أنا استحملت كتير، كنت حامل وبشتغل وبصرف على نفسي، وهو مفكر إني في اليونان، كنت بتوجع من تقل الحمل وماحدش جمبي.

ومن ثم تعالت شهقاتها قائلة:

- لكن وجعي الأكبر دلوقتي لو هي ناوية تاكل على الجاهز من تحت إيدي.

ربت نور على يدها بحنان قائلًا:

- حبيبتي اهدي، بس فيه حاجة تانية أعتقد ماتعرفيهاش، لكن اوعديني تهدي، علشان خاطري.

هزت ثريا رأسها قائلة:

- أنا هادية، بس حتى لو كنت غلطت في حق حليم وميارا عايزاهم يسامحوني، أنا لما رفضتهم كنت موجوعة.

واستطردت بوجع قائلة:

- أنا عارفة إن حليم سامحني ومش خايفة منه، أنا بس عايزة أخليها بعيد عن ميارا.

ابتلع نور ريقه قائلًا:

- ميارا شكلها هتصدقها، خطاب هو اللي هيكون السبب.

شعر أنها تهتز أمامه فسرعان ما وعدها قائلًا:

- بس أنا وحليم هنمنعهم، انتي ماتعرفيش حليم محروق علشانك ازاي.

قطبت جبينها قائلة:

- بتقول إيه؟ وحليم ماله؟ انت قلت له يا نور؟

عض نور على شفتيه قائلًا:

- انتي حلفتيني بس ماكنش ينفع ماتكلمش، دا حتى هو اللي اتكلم في الأول.

واستطرد يعاتبها قائلًا:

- ولا كنتي عايزاني أسكت؟ دا أنا هاين عليَّ أروح أولع في خطاب.

ابتسمت بسخرية قائلة:

- ياااه للدرجة دي! وعلى إيه؟ زي ما يكون خلاص سمعتي راحت بسببه.

ابتسم إليها نور بثقة قائلًا:

-ما تقوليش كدا يا ماما، المهم ولاء قابلت حليم وقدري، وانتي أكيد عارفة الباقي.

تنهدت ثريا مطولًا وزفرت قائلة:

- آه عارفة، يا جبروتها، المهم أنا لازم أتصرف، النهاردا حليم وقفها، بكرة لازم كلنا نقف قصادها.

هز نور رأسه تضامنًا معها قائلًا:

- وأنا معاكي وحليم كمان وقدري وكلنا، وعلى فكرة هاجر عرفت وزياد، مافاضلش غير ميارا.

لوت ثريا شفتيها بحزن قائلة:

- يا ريت زياد يفضل معانا للآخر.

هنا اختلفت ثريا مع نور في الرأي بخصوص زياد، هي تخشى على ميارا منه، تخشى أن يكون مثل والده ويكسر قلب ميارا مثلما كسر خطاب قلب ذكرى صديقتها، لن تسامح نفسها إن حدث ذلك، تقبلت كل شيء سيئ من خطاب إلا أن يتحالف مع زياد ابنه ضدها وضد أسرتها، ظلت أعوامًا صامدة لا تبالي، ولكن برجوع تلك السيدة يكاد يتحطم كل شيء، ولكنها ستفعل كل ما في وسعها لإبعادها من جديد، حتى لو أدى الأمر إلى أن تحاربها بنفسها، أخذت نفس عميق وحدقت بعينيها شاردة، عقلها يدور في كافة الاتجاهات للخلاص من تلك اللعينة.

انتبهت على لمسة نور لها بهدوء قائلًا:

- ماما أنا حابب نقعد مع حليم ونتكلم، مش هينفع نفكر لوحدنا.

عقدت ثريا ما بين حاجبيها قائلة:

- هو اللي طلب كدا؟

هز رأسه بالسلب قائلًا:

- لا هو مايعرفش إني هحكي ليكي، بس أنا رأيي كدا، يلا بينا نروح له.

وبالفعل ذهبا إلى حليم، وسرد عليه نور معرفة ثريا بموضوع قدري وأنها كانت تعلم منذ بداية الأمر من والد قدري، وأيضًا تم معرفة ثريا بأمر مقابلته هو وقدري لولاء، وسرد عليه أيضًا فحوى مهاتفة ولاء لثريا، شعر حليم بالوجع بسبب مكالمة ولاء لثريا، فرد بحزن قائلًا:

- ماما أنا بعتذر إني ماقُلتش إني رايح أقابلها، عارف قد إيه إن مكالمتها كانت صعبة عليكي، بس وحياتك عندي أنا مش هسكت.

ثم قلب كفيها يترجاها قائلًا:

- محتاج منك بس تبعدي تمامًا عن الموضوع دا، أنا هتصرف وهحكي لميارا كل حاجة، وهي إما تتجاوز الوجع دا زيي وإما ماتقدرش.

نظرت إليه ثريا بقلق ليطمئنها قائلًا:

- ساعتها أوعدك إني هرجع ميارا أحسن من الأول، ومش هسمح لها تاخدها مننا.

تنهدت ورفعت رأسها للأعلى فتعالت شهقاتها كأن الروح تخرج من جسدها، ليربت على يدها ويقبلها قائلًا:

- ماما أنا هعمل كل حاجة في سبيل إني مش عايز أشوفك بالمنظر دا، بس لو لسه فيه أسرار تاني قوليها، مش هينفع نفضل مخبيين حاجة على بعض وهي تيجي تهز جدور الثقة ما بينا وتقولها..

واستطرد يزم شفتيه بأسف قائلًا:

- للأسف هي قالت لي على حاجة كنت حاسس بيها، وانتي غلطتي لما ماقولتيلهاش وغلطتي أكتر لما قعدتيه في شغلنا، عارف إن كلامي قاسي عليكي وإنه ما يصحش أحاسبك بس لازم أقوله.

وتابع يترجاها قائلًا:

- أرجوكي الراجل دا لازم يمشي من هنا، وأهو زياد موجود بداله، وهو لو حاول يتآمر مع ولاء، مابقاش حليم اللي ما رميته في الشارع من غير بيت ولا زوجة ولا ابن.

ثم نهض على عجالة قائلًا:

- عن إذنكم عندي ميعاد مهم.

بعد انصرافه مسحت ثريا على وجهها قائلة:

- أنا غبية كنت مفكرة إنه اتصلح وبقى كويس، ازاي جايله قلب يتآمر معاها ضد مرات ابنه؟ وازاي الزفت زياد ساكت ومكمل وبيضحك على ميارا؟

ثم نهضت تعاتب نفسها قائلة:

- وأنا ازاي أوافق على جوازتها منه وأبوه طعني زمان وخلى سراج يتجوز عليَّ؟ وممكن يكون السبب في موته.

واستطردت بألم قائلة:

- مافكرتش إنه ممكن يرجع يطعني تاني، قال لي انتي زي أختي وأولادك دول أولاد أخويا وأنا بعبطي صدقته.

ووضحت أكثر قائلة:

- كنت خايفة بعد اللي وصلت له حال ذكرى وزياد يتبهدل بسبب إني مارضتش أساعده.

وابتلعت ريقها بمرارة قائلة:

- أقول إيه ولا إيه ولا إيه؟ أقول إني ماقدرتش أسيب حد يعيش بقلة الحيلة اللي كنت عايشة فيها، رغم إن الحد دا السبب في اللي أنا كنت فيه.

ثم زفرت بتعب قائلة:

- برضو كنت خايفة منه ليقول لميارا وحليم إني رفضتهم في الأول، مين فيهم وهما صغيرين كان هيصدقني وأنا مرات أبوهم؟ كانوا هيتوجعوا لو عرفوا إنهم هانوا عليَّ وهما لسه لحمة حمرا.

واستطردت ببكاء مرير:

- بس والله العظيم ما هانوا عليَّ، أنا اللي هونت عليه لما رماني وأهملني، طيب كان عايز مني إيه بعد دا كله؟ أنا مهما كان بشر.

ازداد فيض دموعها قائلة:

- ليه مايكونش العكس وهو يكون السبب منه؟ قلت له يصبر، قال لي ماعدش فيها صبر.
تابعت وهي تضرب على صدرها قائلة:

- كانت النتيجة ولاء خلفت ورمت وهربت، وحياتي ضاعت بسببها.

واستكملت:

- وأمرته يبعد عني وسمع كلامها وبعد، ووجعني، خلاني مطفية ومهملة وماليش قيمة في حياته.

ثم انتفضت بغضب قائلة:

- وكان عارف إني ما سافرتش لبابا اليونان، وماكلفش خاطره يتصل عليَّ، حتى لما رجع كان عارف إني لسه في اليكس في إسكندرية.

نهض نور واقترب منها قائلًا:

- انتي ليه مُصرة تفتكري وتعذبي نفسك وتعذبينا معاكي.

ردت وعيناها تذرف الدموع:

- رجوعها فكرني بكل حاجة، كأنه امبارح.

في تلك الأثناء قام زياد بالطرق على باب ثم دخل عليهما من أجل أمر يخص العمل، استغرب منظر ثريا وهي تبكي، ونور الذي يحاول تهدءتها، ليسألهما بتوجس قائلًا وهو قلق أن تكون ميارا أصابها مكروهًا أو أخذتها أمها ورحلت:

- فيه إيه مالكم؟ اوعى حد فيكم يقول لي إن ميارا راحت مني.

التفتت إليه ثريا بكل غضب قائلة:

- أبوك اللي ضغط عليك تخطبها صح؟

استغرب زياد سؤالها ليحاول نور إبعاده عنها قائلًا:

- يا ماما زياد ملوش ذنب، لسه عارف متأخر بكل حاجة زيينا، بس مايعرفش إن أبوه السبب في كل اللي حصل لينا زمان.

انتفضت ثريا قائلة:

- يبقى أنا أعرفه ويختار إما أبوه وإما ميارا، أبوه اللي خبى على أبوها حملي، وأبوه اللي خبى برضو إن أمها كانت متجوزة من أبو قدري.

واستطردت وهي تتهجم عليه:

- عرفت يا زياد ولا أقول كمان؟ أقولك عمل كل دا ليه؟ لأنه كان عايز يخطفني من جوزي.

وضع زياد يده على رأسه التي تكاد أن تنفجر قائلًا:

- كل دا هو عمله؟! طيب بالعقل كدا ليه كان دايمًا يوصيني على ميارا وكان مُرحب بجوازي منها أكتر من أمي؟

ابتسمت ثريا بسخرية قائلة:

- هقولك، كل دا كان تمهيد آخره هيقول لي: تعالي نتجوز زي أولادنا يا ثريا وهعوضك عن سراج اللي سابك تحاربي 23 سنة ومات.

جحظ زياد بعينيه قائلًا:

- بتقولي إيه؟ طيب وأمي؟ هو ناسي إنها صحبتك؟

ابتسمت بمرارة قائلة:

- أمك بتعاني من أيام ولاء وساكتة، ولاء اللي كانت على علاقة بأبوك فعلًا، يعني ما اتبلتش عليه زي ما بيقول هو، لكن لما لقت إنه ضايقها في ملعوبها خانته وقالت نص الحقيقة.

تعالى زفير غيظها قائلة:

- وكل دا علشان تاخد الفلوس اللي سحبها سراج علشان الصفقة اللي قرر يعلي بيها نفسه بعد ما فض شراكته مع أبوك، أخدت الفلوس ورمت أولادها وسافرت تركيا.

صمتت ثريا للحظة ثم التفتت تطيح بكل شيء على سطح المكتب قائلة:








- بعدها هدمت كل حاجة ما بينا وخيرته بيني وبينها، هي لعبتها صح، وهي اللي فازت في الآخر.

ثم التفتت إليه قائلة:

- وهي اللي ضحكت على أبوك زمان، وهي اللي بتضحك عليه تاني دلوقتي وهتخونه زي ما هو خان صاحب عمره ودلوقتي بيخونك.

جحظ زياد بعينيه، إذ كيف لوالده أن يخونه؟ لتبتسم ثريا قائلة:

- آه بيخونك، ومش هيخليك تتهنى بميارا، ولاء ناوية تجيب أدلة لبنتها إن أبوك جوزك لميارا علشان يخلى له الجو معايا.

عقد زياد ما بين حاجبيه قائلًا:

- أدلة! ومين قالك إني هسمح بكدا؟ آه أنا ابنه بس مش هسمح له بعد اللي قلتيه دا إنه يقرب مني ومنها.

واستطرد:

- أنا هحكي لميارا كل حاجة ومن دلوقتي.

انتفض نور قائلًا:

- لا يا زياد، ميارا دي دور حليم مش دورك انت.

رد زياد بإصرار قائلًا:

- بس دي مراتي يا نور، لو عرفت بكل دا أنا أول واحد هنزل من نظرها.

رفعت ثريا سبابتها تحذر زياد قائلة:

- اسكت، وهو مين اللي وصلنا للحالة دي؟ مش أبوك، أنا بقى اللي هحل كل دا، علشان أدفعه تمن غلطة غلطتها من سنة، يوم ما استفزتها ونزلت صور أولادي في المجلة. 

واستطردت باشمئزاز قائلة:

- وأبوك الخبيث يقول لي بلاش، طبعًا خايف من فضيحته قدامك، ولما لقاني بنفر منه... 

استكملت بضحكة ساخرة:

- قال يشربني المر ويتواصل معاها ويغرقوني قدام أولادي.

ثم استطردت بغل:

- وعلى فكرة انت وهو مطردوين من الشغل، ولو ميارا بعد ما تعرف قررت تسيبك أنا أول واحدة هساعدها.

ثم رفعت رأسها بشموخ قائلة:

- لما أولاد ثريا يطلبوا حاجة، ثريا ماتقدرش ترفض ليهم طلب. 

تنهد زياد بحزن قائلًا:

- حضرتك أنا ذنبي إيه؟ اوعي تبعديني عنها، انتي ماتعرفيش أنا بحبها قد إيه، مجنون بيها من صغري.

واستطرد يوعدها قائلًا:

- والله العظيم أوعدك إني أبعد عنه وعن ألاعيبه، أنا هدافع عن حبي لآخر نفس، إلا ميارا أنا أموت من غيرها.

زفر نور بحنق قائلًا:

- انت هتعيط زي الحريم؟ أنا عايزك تتفهم الموقف اللي احنا فيه، وتقدر القرف اللي احنا داخلين عليه.

هز زياد رأسه بتفهم قائلًا:

- ماشي مقدر، بس برضو ميارا مراتي وهتفضل مراتي، أنا هعمل المستحيل علشان تعرف إني مليش ذنب.

واستطرد:

- ودُخلتي عليها الشهر الجاي في الميعاد اللي حددته أنا وهي، الميعاد مش هيتلغي إلا لو مت.

خرج زياد من المكتب لا يهمه شيء، حتى طرده من العمل لا يهمه، المهم بالنسبة له هي ميارا فقط، نظرت ثريا إلى نور بذهول بسبب ردة فعل زياد غير المتوقعة، ليبتسم نور إليها، فسألته قائلة:

- حليم هيرضى بيه بعد اللي حصل؟ دا لما لاحظ إن خطاب نظراته ليَّ وحشة اتجنن، أنا قلقانة قوي وخايفة بجد.

ربت نور على كتفيها قائلًا:

- ماما أنا بطمنك ماتقلقيش، بس ابعدي عن كل دا دلوقتي, دا هيخلي حليم ياخد حقنا تالت ومتلت، هو بيفضل إنك تكوني بعيد.

واستطرد يترجاها قائلًا:

- علشان خاطره أرجوكي.




تنهدت ثريا قائلة:

- يعني أسيبه يواجه كل دا لواحده؟

ابتسم نور بثقة قائلًا:

- ماما لما حليم يطلب حاجة لازم نثق فيه، لكن لو ماسمعناش كلامه الدنيا هتبوظ، كمان دي أمه.

شهقت ثريا ليبتسم نور قائلًا:

- بالاسم لكن انتي الأم الحقيقية في قلبه، يبقى سيبيه ياخد حقنا، وسيبك منها ومن تليفوناتها وتهديدتها، بس ركزي على ميارا.

أغمضت ثريا عينيها قائلة:

- هتوجعني قوي يا نور، أنا خايفة منها وعليها.

ابتسم نور قائلًا:

- بصي خديها بالراحة، اعتبريها تحدي.

هزت ثريا رأسها بيأس قائلة:

- لا دي مش أي تحدي، دا أنا أموت لو بعدت عني، أنا هقول ليها كل حاجة وربنا يعين قلبي عليها وعلى ثورتها، ربنا ينتقم منك يا ولاء.

ربت نور على ظهرها قائلًا:

- يا رب، ماشي اللي تشوفيه يا ماما.

ثم عزمت ثريا أمرها قائلة:

- أنا هبعدها عنها، بس مش هروح القاهرة، هاخدها وأروح اليونان.

جحظ نور بعينيه وذُهل مما قالت ثريا، واحتار فيما يفعل وفيما يرد عليها، لا يعلم أيسرد لحليم أم يصمت؟ أيتركها بالفعل تأخذها وترحل أم ماذا؟ أما ثريا فقد أخذت تبحث عن بعض الأوراق وتهاتف شركات الطيران، بالفعل هي تقوم بذلك لإبعاد ابنتها عن كل هذا الجنون، لأنها لن تتحمل فقدانها.



                     الفصل التاسع من هنا

تعليقات



<>