CMP: AIE: رواية رحيق الهلالي الفصل الثاني عشر12بقلم داليا السيد
أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الثاني عشر12بقلم داليا السيد


رواية رحيق الهلالي


 الفصل الثاني عشر12

بقلم داليا السيد

إصابات
وصل فراس البيت بسرعة غير طبيعية وترك السيارة واندفع إلى البيت بكل قوته
رأى الباب محطم


 فأسرع ليرى عمته بالأرض والرجل يمسك عنق رحيق وسكين مغروز بظهره 
أمسكه فراس بقوة من كتفيه وجذبه إليه ليترك رحيق فتسقط على الأرض دون حراك، بينما لكم فراس الرجل بقوة ليسقط على الأرض فاقد الوعي
أسرع إلى العمة ووضع رأسه على صدرها فوجدها تتنفس، أخرج هاتفه واتصل بالشرطة وصرخ بزينب التي وقفت عند الباب 
“اتصلي بالإسعاف بسرعة"
أسرع إلى رحيق ولكن وجهها كان قد شحب ولم يعد هناك نبض قام بعمل انعاش للقلب مرة واثنان ومنحها قبلة الحياة وهو يهتف 
“هيا رحيق أعلم أنك قوية هيا ساعديني"
مرة وراء الأخرى حتى شهقت فجأة وقد شعرت بالهواء يسرع إلى رئتيها فتنفست لتفتح عيونها وترى فراس راكدا على الأرض بجوارها وهو يهتف 
“رحيق، أنت بخير؟"
هزت رأسها بصعوبة من الصداع وعنقها الذي يؤلمها وصدرها يحترق من الألم، رفع رأسها إليه وقال "هل يمكنك النهوض؟"
وقبل أن يكمل سمع زينب تصرخ باسمه فالتفت ليرى الرجل وهو يندفع إليه وبيده سكين ولكن زينب كانت تحمل كرسي خشبي وضربت به الرجل ولكنه تفاداه والتفت إلى زينب وقبل أن يسرع فراس إلى الرجل كان الرجل قد غرز السكين ببطن زينب التي شهقت والرجل يتركها ويسرع إلى الباب ولكن فراس كان قد وصل إليه وانقض عليه من الخلف ليسقط الرجل على وجهه وفراس فوقه بثقله فتنغز السكين التي كانت رحيق قد دفعتها بظهره ولكن ليس بقوة ولكن ثقل فراس دفعها إلى نهايتها ليصرخ الرجل بقوة ويفقد الوعي بالحال وينهض فراس ليتأكد أنه فقد الوعي بينما قاومت رحيق الدوار وهي تزحف تجاه زينب الملقاه على الأرض والدماء تحيطها وهتفت بها 
“اهدي يا زينب ستكونين بخير"
هتفت زينب بها "أنا السبب أردت القضاء عليك ولكن الله عدل"
لم تفهم رحيق أي شيء وسمعت صوت الاسعاف فاستسلمت للدوار الذي تملكها هي الأخرى
عندما فتحت عيونها أدركت أنها بغرفة بالمشفى ورأت فراس يقف أمام النافذة وجواد ينام على مقعد بجوار الفراش، اعتدلت وقالت 
“ماذا حدث؟"
التفت إليها ورآها تعتدل فتحرك إليها وقد امتلأت ملابسه بالدماء، ساعدها على الاعتدال وقال "هل أنتِ بخير؟"
هزت رأسها وقالت "نعم، عمتي وزينب"
جلس على طرف الفراش وقال "عمتي بالعناية القلب تأثر من الأحداث ودخلت بأزمة قلبية، وزينب أيضا بالعناية الإصابة كانت خطيرة وفقدت كثير من الدماء"
قالت بخوف "من هذا الرجل ولماذا هاجمنا؟"
حدق بوجهها لحظة قبل أن ينهض ويقول "بالتأكيد حرامي أراد السرقة وعندما وجدك طمع بك"
لا تعلم لماذا لم تصدقه وتذكرت وجود زينب فقالت "وما الذي أتى بزينب إلى البيت؟ ماذا كانت تريد؟"
ظل ينظر إليها وهو الآخر يحاول فهم ما حدث ولكنه لم يجد أي شرح  فقط تحذيرها له بأن يسرع إلى البيت فمن أين عرفت بأمر الرجل؟ وهل هناك علاقة بينها وبين ذلك الرجل الذي أوقفه على الطريق 
سمعها تقول "ألم تسمعني؟ ماذا كانت تفعل زينب بالبيت؟ وماذا كانت تعني بكلماتها لي، أنها أرادت القضاء علي ولكن الله عدل؟ هل تشرح لي؟"






كان ينظر إليها ولكن ذهنه كان يفكر بما حدث ثم قال "لا تشغلي بالك الآن بأي شيء، المهم أنك بخير"
قالت "لا لست بخير، ذلك الرجل أرادني هل تفهم ما أقول؟  لقد أخبرني بذلك، أنه أتى من أجلي"
اقترب منها وهو يستوعب كلماتها وقال" أتى من أجلك؟ ألم يكن يريد سرقة البيت؟"
هزت رأسها نفيا وهي تتذكر ما حدث وقالت "لا، لقد هاجمني بالإسطبل وحاول.. حاول أن، ولكني هربت منه فتابعني إلى البيت حيث أصبته بكتفه وساعدتني العمة حتى أراد قتلي بالنهاية"
وقف أمامها وقد تملكه غضب وانحنى عليها ثم أمسك ذراعيها بيده بقوة وقال وهو يرى دموعها وهي تتذكر تلك اللحظات السيئة والمخيفة "هل نال منك شيء هذا الجبان؟ أجيبي رحيق هل نال منك شيء؟"
قالت من بين دموعها "لا أخبرتك أني هربت منه ولكنه كان أقوى مني ولو لم تصل أنت لم أعرف ماذا كان سيحدث لي، لقد كانت أسوأ لحظات حياتي كنت أموت من الرعب والخوف، لم يكن ليتركني أنا أو العمة لم يكن ليتركنا فراس لم يكن ليتركنا"
جلس أمامها والغضب يعتصره وهي تنهار بالبكاء فجذبها إليه بقوة وهو يحاول أن يتمالك نفسه وقال "اهدي رحيق لقد انتهى الأمر والرجل بالعناية والشرطة تحتجزه وأنا معكِ ولن أتركك"
ظلت تبكي بقوة لحظة بين أحضانه إلى أن هدأت فأبعدها وأحاط وجهها بيده "اهدي رحيق، أنا معكِ ولن أتركك فقط أخبريني كل ما حدث"
هزت رأسها وبدأت تحكي له كل شيء بالتفصيل، وما أن انتهت حتى عم الصمت بينهم فقالت "وجملة زينب أثارت تساؤلاتي ولم أفهم ماذا كانت تعني؟"
نظر إليها ومرر يده على وجهها وقال "لا شيء، أنت تعلمين أنها تطاردني وبالطبع تمنت إبعادك عن طريقي وعندما رأت ما حدث ظنت أنها السبب"
نظرت بعيونه وقالت "لا فراس لا أصدق ذلك"
ابتسم وقال "يمكنك النطق باسمي جيدا بدون يا سيد، ربما لذلك الرجل نفع من نوع خاص يا آنسة"
ابتسمت وقد أخرجها مما كانت تعيشه واحمر وجهها وهي تهرب بنظراتها بعيدا وقالت "ربما أثر على لساني بسبب ما فعله بي"
ابتسم مرة أخرى وقال بسخرية "حقا؟ هل فعل!؟ أنا يمكنني أن أمنحه مكافأة كبرى على ذلك"
نظرت إليه بغيظ وقالت "هكذا؟ إذن اطمأن فلساني بخير ولن يتغير يا سيد، ولن أتنازل عن كلماتي وقت الحاجة"
داعب أنفها وهو ينهض وقال "هكذا هي فتاتي، الآن تأكدت أنكِ بخير" 
تحرك إلى الباب ولكنها وجدت نفسها تناديه بخوف "فراس لا تذهب" 
توقف وأعاد غلق الباب وقد استشعر الخوف بنبرة صوتها فعاد إليها وجلس أمامها وقال "ماذا رحيق؟ أنتِ جادة بذلك الخوف الذي أراه بعيونك؟"
أخفضت وجهها وقالت "لم أخف بحياتي مثل اليوم، أرجوك أنت وعدتني ألا تتركني"
جذبها إليه مرة أخرى واحتضنها بقوة فأغمضت عيونها وهي تشعر بالأمان ثم أخيرا أبعدها وقال "لابد أن أطمأن على عمتي، ونور يريد أقوالي وأقوالك والعمدة بالخارج من أجل ابنته فلابد أن أذهب"
نظرت إليه فأحاط وجهها براحتيه وقال "أنا بالخارج لن أذهب بعيدا، أعدك بذلك فقط ارتاحي واطمأني الشرطة بكل مكان بالخارج"
هزت رأسها فخطف قبلة صغيرة من شفتيها ونهض متحركا إلى الخارج وهي تتبعه بنظراتها وتحاول أن تمنع الخوف من أن يتملكها أكثر من ذلك..
عندما خرج كان الطبيب يقف مع العمدة والضابط فأسرع إليهم وسمع الطبيب يقول "الرجل مات متأثرا بجراحه والنزيف الذي أصابه، والفتاة لم تفق بعد وأخشى أن تدخل بغيبوبة"
حثه فراس على أن يكمل وهو يسأله عن العمة فقال "العمة تحسنت بعض الشيء ولكن القلب ضعيف والأزمة كانت قوية"
سأله "هل أنقلها للمدينة؟"
أجاب "لا ليس الآن لن تتحمل الانتقال ربما لو تحسنت قليلا، بالرغم من متابعة قلبها لكنه يبدو أنه كان غير طبيعي"
تذكر كلمات مرتضى والطبيب الذي عرضها عليه وتابع حالتها فقد شهد كلاهما بنفس الكلمات؛ القلب ضعيف ولن يتحمل أي أزمة وها هي الأزمة تنشق من بين الأرض لتصيب المرأة، أخفض رأسه لحظة ثم عاد وقال 
"هل يمكن أن أراها؟"
أجاب الطبيب "ربما ولكن الأمر صعب الآن  لن تتحمل أي انفعالات حتى ولو كانت سعيدة هي بحاجة للراحة"
ولكنه قال بشدة" لن أشعرها بأي شيء فقط أراها"
طالت نظرات الطبيب قبل أن يقول "حسنا ولكن من فضلك دقائق قليلة" 
لم يرد وهو يدخل العناية التي بدت هادئة إلا من همهمات الممرضات أو الأطباء، بحث عن جسد جدته حتى وجده ساكنا على الفراش فتحرك إليها والحزن يؤلمه من أجلها 
لمس يدها ففتحت عيونها وجهاز النفس على فمها وأنفها فابتسمت بضعف له فقبل يدها ثم جبينها وقال "أنتِ بطلة عمتي" 
لم ترد فقال "طمنيني عليك" 
بصعوبة رفعت جهاز النفس وقالت "لا تقلق سأكون بخير" 
ابتسم وقال "تعلمين أن حياتي بدونك لا شيء" 
قالت "حياتك بدأت منذ عرفت تلك الفتاة، افتح لها بابك واستمتع معها ولا تتركها مهما حدث، ولو عرفت عنها شيء أي شيء فسألها أولا ولا تخرجها من حياتك فهي الوحيدة التي يمكنها أن تكمل معك الطريق هي بالأول لأنها من ستساندك وتحميك والجميع يأتي خلفها" 
اندهش من كلماتها وقال "لا أقلق على حياتي طالما أنت معي" 
ابتسمت بضعف وقالت "ولكني لم أعد معك الآن" 
ظن أنها تعني المشفى ووضعت هي غطاء النفس على وجهها وأغمضت عيونها وكأنها انهت ما كانت تريد، قبل رأسها مرة أخرى وخرج وقلبه حزين من أجلها
كان الرجال بالخارج وبدا كلا منهم في حالة من الحيرة والخوف، شعر بيد نور على كتفه فالتفت إليه فقال "هل العمة بخير؟" 
نظر إليه وقال "ما زالت لا تستطيع الحديث" 
هز نور رأسه وقال "ربنا يطمئنك عليها، والآنسة رحيق هل أفاقت؟ أريد أن أحصل على أقوالها"
طالت نظرتهم قبل أن يقول باختصار "نعم تفضل"
انتهى نور من التحقيق معها ثم استأذن بالذهاب ودخل الطبيب ليطمئن عليها ثم قال "الآنسة أصبحت بخير وليس بها أي شيء"
هز رأسه ولم يرد وخرج الطبيب بينما استيقظ جواد بعد أن استيقظ من قبل وعاد للنوم حتى أفاق الآن على الضوضاء التي كانت بالغرفة واتجه إليها وقال 






“ماما أين نحن؟"
احتضنته وهي تجلس على طرف الفراش وقالت "ما زلنا بالمشفى حبيبي عمتك مريضة"
تركهم فراس وخرج إلى العمدة الذي جلس أمام العناية وزوجته تجلس بجواره وهي تنتحب على ابنتها فلم يشأ أن يتحدث بما حدث من مهاب من أجل زينب، ولكن العمدة سأله 
“أستاذ فراس هل يمكن أن أعرف لماذا كانت ابنتي عندك بالبيت؟" 
تراجع فراس وتذكر رجاء زينب بألا يعرف أحد عن مهاب فهز كتفيه وقال "لا أعرف يا عمدة ربما كانت تمر بجوار البيت وسمعت صراخ رحيق فدخلت لإنقاذها" 
تراجع العمدة وقال "أي إنقاذ يا بني نحن نعلم علاقتهم" 
قال فراس بعيون زائغة "وقت الشدائد تذوب الخصومات يا عمدة خاصة إذا كانت ابنتك وتربيتك" 
صمت العمدة لحظة قبل أن يهز رأسه فقال فراس "للأسف كنت أتمنى ألا يحدث كل ذلك ولكن أتمنى لها الشفاء" 
هز العمدة رأسه وقال "آمين يا رب" 
خرج ليدخن سيجارة عندما اتصلت به كوثر فأخبرها بما حدث لهم ففزعت بالطبع وأخبرته بأنها ستحضر من أجل فريدة..
انسدل المساء بسرعة وقد مر اليوم ثقيلا وقرر أن يعودوا إلى البيت فلا داع لوجودهم بالمشفى والعمة غير مسموح بزيارتها وبالفعل عادوا إلى البيت والإرهاق باديا عليها وعليه وما أن وصلوا حتى رأوا سيارة عزت تقف أمام البيت فنظر إليها وقال 
“لقد أتت للاطمئنان على عمتي"
لم ترد وهي تنظر إلى جواد لتوقظه ثم نزلت لتمسك يده ولكن فراس حمله والصبي شبه نائم وتحرك الثلاثة إلى الداخل فقابلتهم كوثر بلهفة وقالت
“يا إلهي فراس، رحيق، أنتم بخير؟ البيت في حالة مزرية والدماء تغطي المطبخ والبهو"
قال "نحن بخير أمي سأضع جواد بالفراش"
تحركت رحيق مع كوثر وعزت وقالت "نحن بخير حضرتك، عمتي هي التي ما زالت بالعناية حالة القلب صعبة"
قال عزت وهو يجلس بغرفة الحلوس "ماذا حدث يا رحيق؟ ماذا كان يريد ذلك الرجل؟"
تدخل صوت فراس ليقول وهو يغلق أزرار قميصه الذي بدله "السرقة يا عزت، كان يريد السرقة وعندما تصدت له رحيق كاد يقتلها والعمة حاولت إنقاذها فدفعها بقوة، الحمد لله لقد مات ولكن عمتي ما زالت بخطر ولا يسمح بالزيارة"
دخن سيجارة كما فعل عزت الذي قال "البلد هنا آمنة يا فراس إنها أول مرة يحدث بها ذلك"
ابتعد فراس وجلس وهو يقول "لم يعد هناك أي شيء آمن بأي مكان عزت ولا تنسى أن العِجل يجذب السارقين"
قالت كوثر "نعم كان عليك عدم إحضاره هنا فراس كما تفعل كل عام، زوجتك وعمتك بمفردهم طوال اليوم"
أدرك تلك الحقيقة ولكن بعد ما حدث الأمر فقال "نعم هذا صحيح، ولكني أردت إبعاده عن باقي المواشي من أجل 




المشتريين الآخرين ولكن هذا ما حدث"
نظرت إليها كوثر وقالت "نعم حبيبي، الحمد لله على حال، هيا رحيق اصعدي إلى غرفتك تبدين متعبة، نحن لسنا غرباء، فراس أخبرها أن تذهب"
هز رأسه لها فاستأذنت ونهضت لتذهب وبالفعل كانت متعبة ولم تعد تقوى على البقاء، وما أن أخذت حمام وغيرت ملابسها حتى استلقت بالفراش وذهبت في النوم
رأت جدتها وهي تبتسم لها من بعيد فشعرت بالسعادة وهي تتابعها تقف بالحديقة فأسرعت إليها ولكنها مدت يدها لتوقفها وقالت 
“لا أكملي الحديقة، لابد أن تكون زهورها كزهور الربيع ورائحتها كلها ياسمين"
قالت "حاضر جدتي سأفعل، هل أعجبك البيت؟"
ابتسمت الجدة وقالت "نعم، حياتك ستكون هنا حبيبتي ولكن هناك فجوة ستصيبه وربما ينهار جدار منه ولكن بالنهاية ستعودين.."
تنبهت والجدة تبتعد فنادتها "جدتي إلى أين؟ جدتي انتظري"
نظرت إليها وقالت "لا وقت لدي فريدة تنتظرني لابد أن أذهب إليها لنذهب سويا إلى بيتنا"
اندهشت وهي تردد "بيتكم ولكن جدتي"
ابتعدت الجدة ولم تنتظرها فنادتها ولكنها لم ترد رفعت صوتها وهي تناديها بقوة "جدتي انتظري، جدتي لا تذهبي، جدتي"
شعرت بيد تضغط على كتفها وصوت يناديها ففتحت عيونها لتجد فراس أمامها وهو يمسك كتفها ويحدق بها وشعرت بدموع تسيل على وجهها وهو يقول بفزع
“رحيق ماذا بك؟ كنت تصرخين باسم جدتك ماذا حدث؟"
اعتدلت وهو يمنحها بعض الماء ولكنها أبعدته وقالت بفزع "عمتي اتصل بالمشفى فراس اتصل بهم أرجوك أريد الاطمئنان عليها"
تراجع وهو لا يفهم شيء وقال "ولكنها الرابعة صباحا ولو هناك شيء.."
لم يكمل حيث رن هاتفه بجيبه فهو لم يبدل ثيابه حتى الآن، ارتجف جسد رحيق ووضعت يدها على فمها وقلبها يؤلمها من دقاته المعبرة عن الخوف مما ستسمعه بينما ارتعشت يده وهو يخرج الهاتف ليرى رقم غريب، نظر إليها والدموع والفزع يملأ وجهها فأجاب
“فراس بيه؟"
تراجع وقال "نعم، من أنت؟"
أجاب الرجل "هنا المشفى يا فندم يؤسفني أن أبلغك أن مدام فريدة البقاء لله"
ضغط بيده على الهاتف وقد شعر بالضياع لحظة فالعمة هي القلب الحنون الذي كان يفيض عليه بالحنان، هي الشخص الوحيد الذي لم يتخلى عنه، منذ أن طرده والده من هنا وهي رافقته وساعدته بأموالها ومنحته حياتها التي سلبها أخوها منها عندما كان يرفض كل رجل يتقدم لخطبتها كي لا يحصل أحد على الأرض حتى فاتها قطار الزواج فعاشت لفراس وهو أيضا عاش معها ولها..






سقط الهاتف من يده فنهضت هي بسرعة وقد أدركت ما حدث، تحركت إليه ونادته "فراس، فراس أجبني هل أنت بخير، يا الله ساعدني، فراس هل تسمعني"
ولكنه لم يكن يراها أو يسمعها، بل كان يري عمته وهي تبتسم له وتخبره أنه على صواب، كانت تمنحه القوة على إكمال الطريق ومواجهة أبوه بقسوته، ساعدته على تحقيق حلمه ونشر كتابه وبمجرد أن قرر العودة والتضحية بكل شيء من أجل الأرض كانت سند ومعين له، لم تمانعه وهي بنفس الابتسامة تقول
“افعلها يا ابن أخي فالأرض كما تأخذ تعطي وتعطي الكثير"
أغمض عيونه على كلماتها وهو يشعر أنه بحلم، لا بل كابوس فظيع يعصف به وكأنه يحرقه بنار الفراق فيكوي قلبه عليها، تلك الأم التي لم تبخل عليه بأي عاطفة ولا حنان ولا نصيحة، قادته وسط الظلام حتى وصلت به إلى النور والآن رحلت حتى دون أن يراها أو يودعها، يا له من قاسي ذلك القدر الذي خطفها منه بقوة ودون رحمة، لماذا لم يمنحه فرصة أخرى لرؤيتها؟ 
هتف بقوة "لا، لا عمتي لن تذهبي دون وداعي، لا"
ثم انطلق إلى الخارج وهي تخطف عباءة وتسرع خلفه وهو يسرع إلى السيارة وقد تبعته وأسرعت تركب بجواره وهو يندفع بالسيارة بقوة ودون وعي، وضع رأسه على يده وهو ما زال لا يرى سوى وجهها، تلك المرأة التي ربته كما لم تفعل أمه، الآن ترحل وتتركه وحده لا، لن يكون 







أعاد رأسه إلى الخلف وأوقف السيارة فجأة ونظرت هي إليه فوجدته يسند رأسه إلى المقعد فنادته ولكنه لم يجيب لحظة، تلك اللحظة حيث رآها، هي عمته وكأنها تقف أمامه بمنتصف الطريق، ما زالت تبتسم وهي تقف ولكن بنفس الحديقة فهتف بها 
"عمتي، أنت بخير؟"
قالت "نعم يا ابن أخي أنا بأفضل حال فقط جئت لأراك قبل أن أذهب"
هتف "إلى أين عمتي؟"
قالت "إلى الراحة حبيبي، بيت الخلود"
قال بدون فهم "أي بيت؟ وهل تتركيني وحدي؟"
أجابت "لم تعد وحدك يا فراس معك ابنك وتلك الفتاة، هي تحبك فحافظ عليها ولا تتركها مهما حدث كما أخبرتك، هي سندك وعونك من بعدي فتمسك بها ولا تتخلى عنها أبدا"
قال "ولكن أنا"
قاطعته بسعادة "أنت ستعيش حياة سعيدة حبيبي فاستمتع بها ولو أنجبت فتاة لتكن فريدة كي لا تنساني والآن لابد أن أذهب لقد انتهى وقتي"
صرخ بها "لا عمتي انتظري، عمتي"
هزته رحيق وهو يتمتم بكلمات لا تفهمها ففتح عيونه بفزع وهو يقول "عمتي"
تأمل رحيق وهي تنطق باسمه فلم يرد وعاد يدير السيارة وينطلق إلى المشفى وقد تملكه حزن وألم ملأ قلبه وأدمى روحه
وصلا المشفى فنظرت رحيق إليه فقد ظل جالسا وقد ظنت أنه سيندفع خارجا ولكنه لم يفعل، أمسكت يده فشعر بها ونظر إليها وقال
“لقد رحلت، لم تنتظرني، رحلت دون أن أراها"
شدت على يده وقالت "لم تشأ أن تمنحك لحظات الوداع فهي لا تنسى فراس وتكون قاسية"
شد على يدها وقال بهدوء "والفراق أيضا قاسي جدا، فراقها صعب كنت ابتعد كثيرا ولكني أعلم أنها تنتظرني ووقت ما أعود سأجدها بانتظاري تبتسم لي كالعادة وتسمعني وأنا أفرغ لها كل ما يواجهني الآن رحلت وتركتني"
قالت والدموع تغشى عيونها "هي ببيت الراحة فراس ادع لها بالرحمة"
هز رأسه وترك يدها وقال بنفس الهدوء وكأنه يتمسك به كقناع يمنحه قوة زائفة على مواجهة مصيبته "نعم، هيا لابد أن أراها"






تحركت معه إلى داخل المشفى وكلاهما لا يقوى على تخيل القادم فللموت هيبة لا يمكن تصورها وقد صدق نبي المرسلين عندما قال 
“وإن للموت لسكرات" ولكن تلك السكرات ليست فقط للميت وإنما لأحباء الميت أيضا فهم يتألمون لفراقه
توقف الاثنان أمام جثمان العمة الساكن على الفراش ولم يظهر سوى وجهها الأبيض المستدير انحنى عليها وقبل جبينها وهمس "وداعا يا أحب الناس إلى قلبي، سأشتاق إليكِ ولن أنساك ما حييت"
قبلتها رحيق بدموع وهمست "سأفتقدك عمتي كم تمنيت وجودك معي، رحمك الله وغفر لك" 
نظرت إليه وربتت على كتفه وقالت "هيا فراس اقرأ لها بعض القرآن هي بحاجة إليه وإلى دعواتنا إليها"
هز رأسه وبدأ يتلو بعض آيات القرآن محاولا التحكم في مشاعره وأحزانه بصعوبة
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-