أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل العاشر10بقلم داليا السيد

رواية رحيق الهلالي
 الفصل العاشر10
بقلم داليا السيد
ما أن خرجا للطريق الزراعي حتى هبطت الشمس للمغيب وتلبدت السماء مرة أخرى بالغيوم وكأنه شتاء لا ينتهي، نظر إليها والصمت يحتويها فقال 
“تبدين منزعجة أم متعبة؟"
لم تنظر إليه وهي تحاول أن تجيب بهدوء تناقض مع غضبها "لست متعبة"
عاد إلى الطريق وفهم كلماتها فقال "إذن منزعجة، ما الذي يزعجك إذن؟"
التفتت إليه وقالت "هل أنا خطيبتك حقا وسأكون زوجتك؟"
زوى حاجبيه مندهشا من سؤالها وقال "ولو لم تكوني فماذا كنا نفعل اليوم وماذا عن خواتم الزفاف التي عليها اسمائنا هل هي للزينة؟ هيا رحيق ماذا حدث لكل ذلك؟"
قالت بغضب واضح "هل من الصواب أن تنضم لك دنيا وتجلس على مائدتنا وتتبادل معك الحوارات دون حتى أن تلتفت لي أو تقوم بتحيتي وكأني لست موجودة أصلا؟"





انتبه لذلك بالفعل ولكنه كان يعلم بدنيا وأنها كانت مشغولة به هو ولكن رحيق ليس لها دخل بالأمر، قال بهدوء "تعلمين أنكم لستم على وفاق منذ كانت عندنا بالبيت فلا داعي لادعاء العكس لا أنت سترحبين بها ولا هي ستفعل"
شعرت بالغيظ أكثر وقد وصلوا إلى الطريق الترابي فقالت "بالتأكيد لابد أن توجد مبررات لها أليست ابنة عمك، عزيزتك وحبيبتك السابقة؟"
لم يرد لأنهم وصلا إلى بيت عبد الله ورأت جواد يسرع إليهم بسعادة فابتسمت له ثم ركب السيارة وأخذ يحكي عن يومه وهي تسمعه بذهن غير صافي وحاولت أن تركز بكلماته بينما تملكه هو الصمت من كلماتها عن حبه السابق فدنيا لم ولن تستحق يوما حبه ومشاعره وقد أخبر رحيق أنه لم يكن حب بأي يوم..
وصلا البيت فلم تنتظر ونزلت لتأخذ الأشياء كما فعل هو وقد أدرك أن وجود دنيا بينهما لن يكون سهلا
حمل جواد منها بعض الأكياس إلى غرفتها واتجهت هي إلى العمة التي جلست بغرفة الجلوس حيث أعدت لها مقعد وثير أصبح مكانها المفضل أمام النافذة 
قالت "مساء الخير، ما زلت تجلسين هنا حتى الآن؟"
دخل خلفها ووضع الأكياس بعيدا ثم قال "مساء الخير كيف حالك عمتي؟"
ابتسمت العمة وقالت "بخير حبيبي كيف كان يومكم؟"
لم ينظر هو إليها وهو يقول "تمام عمتي، عن إذنك لدي عمل بالمكتب"






وتحرك مبتعدا بينما لم تنظر هي إليه وهي تخرج الأشياء وتعرضها على العمة التي ابتسمت وسعدت جدا بالشال وقالت 
“أدخلت البهجة على البيت يا فتاة"
حاولت أن تبتسم دون أن تشعر المرأة بأي شيء وتبادلت معها بعض الأحاديث ثم تحركت المرأتان إلى الأعلى حيث حجرة كلا منهما ولحظات ودق جواد الباب ودخل ليمضي معها وقت غير قليل وسرعان ما هطل المطر كالعادة وطلب جواد طعام للعشاء فنزلت لإعداده وذهب جواد لوالده وسرعان ما عاد معه ولم يتبادل أيهم الكلام 
انتهى العشاء وذهبت لمنح العمة عشاءها ودواءها ثم عادت إلى المطبخ فرأته يصنع قهوة لنفسه، لملمت الأشياء بصمت وغسلتها وأعادتها مكانها والتفتت لتراه خلفها فلم يمكنها تجنب النظر بعيونه وقال
“تعلمين أن لديك لسان يثير نيران جهنم داخلي"
لم تتراجع ولم تشعر بالخوف وهي ترد "وهل أخطأ لساني كي يثير نيرانك؟ أم الحقيقة التي نطق بها هي التي فعلت" 
اقترب منها ونظر إليها من قمته الشاهقة وكأنها قزم صغير يقف أمامه رغم أنها تناطحه عناد فقال "نعم أخطأ ولم يقل أي حقيقة" 
ابتعدت والغضب يملؤها وقالت "وكيف ذلك؟ ألم تكن حبيبتك حقا؟"
أعادها أمامه دون قوة وقال "أجبت على هذا السؤال مسبقا ولن أجيبه مرة أخرى ولكن لابد أن تفهمي أنها ابنة عمي وستظل بالعائلة ولن يمكنني تجاهلها أو إبعادها"
قالت بغيظ أكثر "وستظل تحبك وتريدك، وأنت سعيد بذلك"
ضاقت عيونه وهو يتأمل غضبها وكلماتها وصمت لحظة قبل أن يقول "أنا سعيد بذلك؟ هذا واضح لذلك تركتها وسأتزوجك أنت؟ ألا تجدين نفسك مجنونة؟"
ابتعدت وقالت بدموع حاولت ألا تسمح لها بالنزول "لا، لست مجنونة، كلماتك تعني ذلك"
قال بعصبية "أي كلمات أنا لا أفهمك"
قالت دون تفكير بأنه ربما يكشف غيرتها الواضحة ومنه يكشف الستار عن حبها الراكض خلف الأسوار "ألم تناديها عزيزتي؟ ماذا يعني ذلك إذن؟"
ابتسم لحظة ثم قال ليغيظها "وماذا في ذلك ابنة عمي ولابد أن تكون عزيزتي"
التفتت إليه ورأي دموع تلمع كاللؤلؤ بعيونها وقالت "حسنا فلتشبع بها ابنة عمك وعزيزتك"
ثم تحركت من أمامه إلى غرفتها وأغلقت الباب بقوة وأفلتت دموعها لتنساب بهدوء على وجنتيها
كاد يتحرك لولا أن رن هاتفه باسم مهاب فنفخ بضيق وأجاب "أهلا مهاب كيف حالك؟"






قال مهاب بضيق واضح "فراس ماذا حدث مع دنيا؟ لقد أتت إليّ بحالة سيئة ولم أفهم إلا أنها كانت معك ماذا حدث بينكما؟"
أضاءت السيجارة وهي تحترق بين شفتيه ثم نفخ دخانها بعيدا قبل أن يقول "لم يحدث شيء مهاب"
سمع مهاب ينفخ بضيق فقال "وماذا عنها وعن حالتها هل حدث شيء ضايقها وهي معك؟"
تحرك خارج المطبخ وقال "هي لم تكن معي مهاب لقد تقابلنا صدفة بالمطعم واندهشت أني مع رحيق بالمدينة فأخبرتها أني مع خطيبتي وربما غضبت لذلك الأمر"
سمع صوت مهاب مرتفعا وهو يردد "خطيبتك؟ من؟ رحيق وأنت؟ متى وكيف؟ فراس أنت جاد بكلامك هذا؟"
تحرك فراس إلى السلم وقال "ليس بالزواج أي مزاح يا ابن عمي وكنت سأبلغكم بأن كتب الكتاب غدا إن شأت أنت وفايزة الحضور"
صمت حل فجأة قبل أن يعود صوت مهاب "حسنا فراس الآن أدركت سبب حزن أختي فأنت تعلم أنها تعيش على أمل الرجوع إليك"
توقف أمام السلم وقال "هو أمل يخصها وحدها مهاب أما أنا فأملي مختلف تماما وقد وصلت إليه تقريبا، بلغ فايزة دعوتي إلى اللقاء"
وأغلق الهاتف ونظر إلى الأعلى وتردد قليلا قبل أن يصعد إلى غرفته دون أن يمر عليها ويوضح لها أن لا مكان للجنون الذي يدور بعقلها..
بالصباح نزلت مبكرا لأنها لم تنم وجهزت الإفطار ثم أعدت قهوة لنفسها وجلست تتناولها وحدها ولكنها رأته يتقدم ويقول 
“صباح الخير"





لم تنظر إليه وهي ترد بدون أي حياة بصوتها "صباح النور"
أدرك نبرة صوتها فصب الشاي لنفسه وقد كانت قد أعدته كالعادة ثم جلس بجوارها وقال "أمي ستأتي على الظهيرة أي ستتناول الغداء هنا، لا أعلم ما إذا كانت فايزة ستأتي أم لا ولكني بلغت زوجها، العمدة سيأتي بالمأذون وسامر ومعه شخص آخر سيكونون الشهود وسيأتون بعد العشاء هل يمكنك الاستعداد والتصرف بالأمر؟"
هزت رأسها وقالت "نعم لدي الكثير من الوقت للاستعداد، هل تريد شيء محدد من أجل الضيوف"
حرك يده وأمسك يدها الصغيرة فتفاجأت وهي تسحبها بدون قصد وتنظر إليه بوجه ملتهب فقال بضيق "ألن تكفي عن جنونك هذا؟"
لم ترد وهربت بعيونها بعيدا عنه ولكنه عاد وقبض على يدها وهو يقول "هل يمكن أن تسمعيني بهدوء؟"
لم ترد أيضا فقال وقد سكنت يدها بين يده "أولا لا توجد عروسة تبدو بهذا الشكل أمام عريسها يوم كتب كتابهم ألم تخبرك جدتك أنه فأل سيء؟ ثانيا أنا لم أغشك أو أخدعك ولم أنكر أنه كان بيني وبين دنيا علاقة بيوم ما ولكني أخبرتك أيضا أنها انتهت يوم اختارت أخي وأخبرتك أيضا أن الأمر حاليا اختلف ولم يعد يمثل لي أي شيء، ثالثا عزيزتي هي كلمة استخدمها مع الجميع وليس لها المعنى الذي وصل إليك، هل يستوعب عقلك المجنون هذا كلامي؟" 
رفعت عيونها إليه فكانت عيونه الزرقاء تشع بنور سماوي يضيع عقلها ويذيب قلبها، رفع 




يده وداعب وجنتها وقال "تعلمين، قبل حادث جواد لو أخبرني أحد أني سأجلس الآن أمامك وأدبر معك أمر زواجنا ما صدقته ولنعته بالجنون" 
لم تبعد عيونها عن عيونه وكأنها تستمتع بصوته ونظراته ولمساته وأخيرا قالت "ولا أنا، خاصة وأنك كنت دائما غاضب من أي تصرف لي وكأني سبب كل مشاكلك" 
ابتسم وقال وما زال يمرر يده على وجنتها "أنت بالفعل كذلك بلسانك الذي كان يشعل بركان غضبي وكنت أكبت غضبي لأني كنت أتوقف عندما أتذكر أنك امرأة عانس وتخرجين عقدك عليّ" 
ضحكت من كلماته فأكمل "ولكن عندما عرفت بعمرك الحقيقي تغير كل شيء ووجدتني أراك بشكل مختلف وأدركت أن لسانك هذا هو يد جنونك التي تبطشين بها كما فعلت مع زينب"
ضحكت مرة أخرى وقالت "هي تحبك؟"
تراجع وترك يدها وأشعل سيجارة ليتناول الشاي وقال "هي تظن ذلك ولكن أنا اعتبرها أخت صغيرة"
ابتسمت وقالت "يبدو أني سأعاني الكثير من معجباتك يا سيد"
نظر إليها وقال "كما هو أنا يا آنسة، لم أنس مهاب ولا نور الضابط الذي امتلأت عيونه بكلمات كثيرة لولا وجودي الذي أوقفه"
احمر وجهها فنهض وقال "لابد أن أذهب كي يمكنني الانتهاء مبكرا"
كاد يذهب عندما توقف مرة أخرى وقال "رحيق لدي سؤال، ملابسك هذه ملابس مكلفة فمن أين أتيت بها وأنت بظروفك هذه؟"
ارتبكت وقد فاجأها سؤاله وظلت لحظة تحاول أن تفكر بإجابة قبل أن تقول "جدتي كانت تخيط لي ملابسي وأنا كنت أحصل على القماش من راتبي"
تأملها لحظة وكأنه يحاول أن يصدق إجابتها ثم ابتعد دون أي كلمات أخرى ونفخت هي مطلقة أنفاسها التي حبستها من سؤاله الذي لم تتوقعه
أعدت غداء رائع للضيوف وكثير من الحلويات والمشروبات بالخزين الذي أرسله لها مع عوض وجهزت ملابس جواد والعمة وعلى العصر 




وصلت كوثر وحدها دون زوجها بسيارة أجرة 
أسرعت إليها لتستقبلها بابتسامة رقيقة فقالت كوثر "ابني مجنون ومتهور لماذا لم يخبرني قبلها بعدة أيام؟"
قالت بخجل "حضرتك تعلمين انشغاله الدائم"
ابتسمت كوثر وقالت "تعجبني أخلاقك يا رحيق تبدين فتاة راقية جدا، هل درست بكلية؟"
طالت نظرتها لكوثر قبل أن تقول "ليست الجامعة سر الرقي حضرتك كثير من الشباب بالجامعة ولكنهم من بيئات مختلفة والكلية لا تغير من سلوكياتهم شيء"
جلست كوثر بغرفة المعيشة وعيونها تجوب البيت وقالت "نعم أنت على حق، ماذا فعل ابني بالبيت إنه أصبح رائع"
جاء صوت العمة واضح وهي تقول "ليس ابنك يا كوثر إنها تلك الفتاة التي أعادت إحياء البيت بلمساتها الرقيقة"
نهضت كوثر لترحب بالعمة وقالت "أهلا فريدة كيف حالك؟"
قالت العمة "بخير، رحيق هل انتهيت من كل شيء؟"
قالت "نعم حضرتك ولكن لا أعلم عدد الحضور كي أعد المائدة للغداء"
التفتت كوثر إليها وقالت "أنتِ تعدين المائدة؟ أنت العروس يا رحيق ألا يوجد من يفعل؟"
ابتسمت وقالت "لست بحاجة لأحد فقد أعددت كل شيء إنها هوايتي المفضلة الاهتمام بكل ما يخص البيت والمطبخ"
علقت العمة "هذا صحيح، والآن اذهبي وارتاحي قليلا من أجل نضارة وجهك"
ظهر جواد الذي كان يلعب عند الإسطبل وأسرع لتحية جدته التي منحته الحلويات التي ينتظرها بسعادة بينما تحركت هي إلى غرفتها ربما تنال قسط من الراحة وما أن استلقت على الفراش حتى سمعت صوت سيارة تأتي فنهضت لترى سيارة مهاب تقف أمام البيت وتنزل منها امرأة بأوائل الأربعينات أدركت أنها أخت فراس من التشابه الواضح ورأت مهاب ينزل ويتجه الاثنان إلى الداخل





عدلت ملابسها وتحركت لتنزل ولكنها تراجعت وفكرت أن تتركهم قليلا فهم عائلة واحدة وما زالت هي غريبة عنهم لم تعرفهم ولم تنضم لهم بعد فقط كوثر تبدو رقيقة وتعاملها جيدا أما فايزة فلم تتعامل معها بعد
رن هاتفها فرأت رقمه فأجابت فقال "ما أخبار الضيوف؟"
قالت بقلب ينبض بالقلق "كلهم هنا أين أنت؟"
ابتسم وهو يتجه إلى سيارته وقال "ما هذا؟ هل أشعر بنبرة خوف بصوتك زوجتي الصغيرة؟"
جلست على طرف الفراش وقالت "ليس خوف ولكن احساس بالغربة، أنا لا أقوى على النزول إليهم وحدي"
قال وهو يقود إلى البيت "لا داعي لكل هذا أنت تعرفت على كوثر ومهاب، فقط فايزة هي من لا تعرفك الأمر سهل وبسيط فقط ابتعدي عن مهاب حتى تكون صديقتك"
قالت بضيق "هل تمزح؟ إنه يثير غضبي"
قال "غضبك فقط؟ أي لا يثير كرهك مثلا؟"
فهمت سؤاله فقالت تغيظه "ولماذا أكرهه وأنا أكاد أعرفه"
ضاقت عيونه وقال "تحبيه مثلا أم ماذا؟"
نهضت وتحركت بالغرفة وقالت "أحب رجلا متزوج ومن أخت الرجل الذي سأتزوجه؟"
قال بضيق "ألا تجيبي بكلمات مختصرة وصريحة"
ابتسمت وقالت "وماذا أفعل بلساني السليط؟"
ابتسم وقال "نعم لقد نسيت، أنا وصلت تقريبا"
نظرت لسيارته من النافذة وقالت "نعم سأنزل الآن"
نزلت السلم لتراه يدخل من الباب وما أن نزلت حتى أمسك يدها وتحرك بها إلى غرفة الجلوس حيث صدر منها ضوضاء وما أن دخل وهو يصطحبها حتى توقف الجميع ورأت العيون تتجه إليهم وتراجعت رحيق عندما رأت دنيا واندهشت متى أتت وهي لم تراها 
قال فراس "سعيد بوجود الجميع"
ترك يدها وتحرك إلى أمه التي ابتسمت له وهو ينحني عليها ويقبلها فقالت بحنان "مبروك حبيبي سعيدة من أجلك"
هز رأسه ولم يرد، تقدمت فايزة إليه واحتضنته وهي تنافسه في القامة وقالت "أليست صغيرة قليلا يا ابن أمي؟"
همس "لا تشعريني أني الجد العجوزيا بنت أبي"





ضحكت ثم حيا مهاب الذي قال "مبروك فراس ولو أنها كانت مفاجأة حقا"
وأخيرا نظر إلى دنيا التي وقفت أمامه فقالت "مفاجأة لنا جميعا مهاب"
ابتعد وعاد إلى رحيق وأمسك يدها وقال "بالطبع الجميع يعرف رحيق عدا فايزة أختي"
تقدمت فايزة منها وبدت مشابهة لفراس وعيونها تجوب رحيق بدقة إلى أن وقفت أمامها وقالت "أهلا رحيق مرحبا بك بأسرة الهلالي"
ابتسمت رحيق رغم ما يجتاحها من أحاسيس مختلفة ثم قالت "أهلا مدام فايزة"
ضحكت فايزة وقالت "مدام، لا، لا مجال للألقاب بين الأسرة الواحدة أنت رحيق وأنا فايزة"
هزت رأسها وابتسمت ابتسامة رقيقة تعبر عن بعض الراحة بينما نظرت دنيا إليها بغضب واضح وقالت "لم تصبح من العائلة بعد يا فايزة إنها مجرد متطفلة وبالتأكيد ستزول بوقتها"
ولكن كوثر قالت بهدوء "ليست كذلك يا دنيا ولن تزول لأنها اليوم ستصبح زوجة ابن الهلالي الكبير والذي يحمل اسمه وبالتأكيد زوجته ستكون لها مكانة كبيرة عندنا"
غضبت دنيا وقالت "أي مكانة يا زوجة عمي؟ إنها فتاة لا أصل لها ولا فصل و"
قاطعها فراس بقوة "دنيا، كلمة واحدة ولن يكون مرحب بك هنا بعدها"
تراجع الجميع من كلماته الصارمة والمفاجأة حتى لها وهي تنظر إليه بامتنان بينما قال مهاب بغضب "أنت لا تعني ما تقول فراس، لأنك لن تطرد أختي من أجل تلك الفتاة"
التفت إليه فراس وقال بنفس الجدية "أنا لا أمزح بأي إهانة توجه لأهل بيتي مهاب وأختك تهين زوجتي"
قال مهاب بتحدي "لم تفعل فراس إنها مجرد كلمات"
احتد النقاش وقال فراس "عليها أن تنتقي كلماتها مهاب لأني لن أتساهل بأي شيء يخص أهل بيتي كما أخبرتك"
كاد مهاب يرد لولا أن نهضت كوثر وقالت "كفى، لا مجال للجدال اليوم يا أولاد إنها مناسبة سعيدة ولابد أن تظل كذلك، أنا جائعة متى الغداء؟"
تركت يده وأسرعت تقول لتساعد المرأة على إنهاء ذلك التوتر "حالا حضرتك سيكون جاهز"
وأسرعت إلى المطبخ وتدخلت العمة لتغيير الحديث وانزوت دنيا بعيدا بحزنها بينما اقتربت فايزة منه وقالت 
“ماذا بينك وبين تلك الفتاة يا أخي؟"
أشعل السيجارة وقال "وماذا بين الرجل وعروسته التي ستكون زوجته فايزة؟"






ابتسمت وقالت "ليس حب أليس كذلك؟"
ضاقت عيونه من خلف الدخان وقال "لا مجال للحب بحياة رجل مثلي فايزة، أنا أفكر بالعقل جواد تعلق بها وهي تجيد مهام البيت ومراعاة عمتك وتتحمل ظروفي الصعبة فكان علي إعطاء وجودها صفة شرعية من أجل القيل والقال"
هزت رأسها وقالت "عيونك تخفي الكثير ولكن كلامك هذا يعني أن دنيا انتهت؟"
قال دون أن يعلق على الجزء الأول من كلامها "تعلمين أنها انتهت منذ الأذل حبيبتي، أنا أغلقت صفحتها منذ زواجها من فهد ولم افتحها"
قالت "لكنها ما زالت تحبك"
نفخ الدخان مرة أخرى وقال "إنها مشاعرها ولا دخل لي بها"
أعدت الغداء بغرفة الطعام التي تحولت إلى مكان رائع ونظمت الأطباق كما تعلمت ووضعت الطعام وكادت تخرج من الغرفة عندما رأت مهاب يسد الباب فتراجعت أمامه وهو يقول 
“تظنين أنك هربت مني يا جميلة"
قالت بقلق مما يحدث "أستاذ مهاب من فضلك زوجتك وفراس والجميع هنا وصرخة واحدة مني وسيفضح أمرك"
تقدم نحوها وتراجعت هي وهو يقول "لن يمكنك ذلك لأنك لا تريدين إفساد اليوم"
اصطدمت بالمائدة فلم تفكر كثيرا حيث التفتت وانتزعت سكينا من على المائدة ورفعته بوجه مهاب الذي ابتسم وقال "ما هذا؟ احذري لتصيبي نفسك أولا"
كاد يتقدم لولا أن أحكمت يدها على السكين فتراجع وتغيرت معالمه وقال "لا تظنين أن تلك اللعبة تخيفني ولكن لابد أن تفهمي أنك لي ولن تكوني لسواي حتى ولو تزوجتِ ألف رجل مثله فهو لن يحصل على كل شيء" 
سمعت صوت فراس يناديها فالتفت مهاب فزعا بينما انتهزت هي الفرصة وأسرعت إلى خارج الغرفة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة 
كان فراس يبحث عنها بالمطبخ وكاد يخرج 




عندما اصطدم بها فتراجع وهو يرى وجهها الشاحب ونظراتها الزائغة فقال 
“ماذا بك؟ هل حدث شيء؟ رحيق أين كنتِ؟"
قالت وهي تحاول الهروب منه "كنت بغرفة الطعام وكنت أهرع عندما سمعتك تناديني، هل تريد شيء؟"
لمح شبح مهاب يخرج من غرفة الطعام ثم عاد إليها وقال "لا هيا أكملي"
كاد يخرج عندما قالت "ألا يمكن أن تبقى معي، أقصد، أقصد تساعدني"
كانت نظراتها تعني الكثير وتقريبا هو فهم خاصة عندما لمح السكين بيدها، هز رأسه وظل معها ليمنحها شعور بالأمان
انتهى الغداء الذي أثنى عليه الجميع حتى هو اعترف بذلك ولكن نظراته التي كان يوجها إلى مهاب كانت ذات معنى 
طلبت منها فايزة أن تذهب لتستعد وتولت هي المطبخ وبالفعل استجابت بعد الإلحاح
أخذت حمام وخرجت ونظرت لنفسها بالمرآة وهي تشعر أنها تفتقد نفسها فمنذ أتت هنا وتحولت لفتاة أخرى لا تعرفها فتاة قوية مثابرة ولكنها بالحقيقة ضعيفة واهنة نافذة الصبر، جلست أمام المرأة وأسندت رأسها بين يديها وهي تحاول أن تستوعب كل ما يحدث، اليوم ستتحول كل حياتها وستنسى رحيق التي تتذكرها الآن، لأنها ستصبح فتاة أخرى زوجة ذلك الرجل الذي عرفته وأحبته رغم كل عيوبه، اليوم ستتحول إلى زوجة وأم وممرضة وكل شيء هنا فهل يمكنها أن تفعل؟ ستغلق صفحة رحيق الفتاة التي لديها من الأموال ما يغنيها باقي عمرها، ستغلق عليها الباب وتنساها ربما يوما ما تعود إليها وتفتح القفل الصدأ من على باب السجن الذي ستسجنها به فوداعا لرحيق الأمس و أهلا رحيق اليوم..
عندما انتهت وقفت تشاهد نفسها وهي تتذكر كم كانت تهوى تغيير الفساتين وتسريحات الشعر المتجددة، الآن بدت مختلفة وهي حتى تضع القليل من المساحيق
دق باباها فانتفضت قبل أن تأذن لترى العمة وكوثر يدخلان وتوقفت المرأتان أمامها بابتسامة جميلة وقالت كوثر





“ما شاء الله أنت جميلة حقا يا رحيق" 
قال العمة "تغيرتِ كثيرا يا فتاة هيا تعالي اقتربي مني"
تحركت طواعية إلى المرأة التي علقت قلادة ذهبية حول عنقها تحمل حرف الفاء وقالت "كانت لي بحرف اسمي من أخي والد فراس لم أجد سواها لأمنحك إياها فهي بحرف زوجك أيضا، مبروك"
ابتسمت كوثر وأظهرت علبة صغيرة فتحتها وأخرجت خاتم ذهبي جميل وقالت "هدية كتب الكتاب حبيبتي الف مبروك"
دمعت عيونها وقبلت المرأتان وهي تشكرهم، عندما دق الباب وأطل جواد بقول "هيا ماما بابا يريدك المأذون وصل والجميع ينتظر"
نزلت مع حماتها والعمة وسمعت الأصوات بغرفة الجلوس فتحركت معهم عندما دخلت رأته يقف مع العمدة بعد أن انفرد بمهاب وحذره بكلمات واضحة من عدم التعرض لزوجته مرة أخرى ورغم جدية تحذيره إلا أن مهاب بدا باردا وهو يتلقى كلمات فراس ولم يرد  
توقف الجميع عن الكلام عند دخولها فالتفت هو الآخر إليها وكم خطفه مظهرها من كل ما يحدث حوله بقوامها الذي ظهر صريحا تحت الفستان الذهبي الطويل والذي تكسر قماشه على جسدها محكما عليه بدون رحمة واختفت ذراعيها تحت أكمامه الشيفون التى التفت على ذراعيها بدقة وترك صدرها مظهرا بشرة بيضاء ناصعة وعنق طويل نحيف تناثرت حوله خصلات ذهبية لشعرها الذي تألق بشموخ فوق رأسها، أما عيونها فرسمتها ببراعة لتزيدها جمالا وتوردت وجنتاها وارتسم فمها باللون البني المثير 
انتبه لنفسه فتحرك تجاهها وعيونه لا تفارق عيونها ووقف أمامها لحظة قبل أن يمسك يدها ويقول "هل أنت مستعدة؟"
هزت رأسها وقد أخذها بوسامته وقد ارتدى بدلة كحلية وقميص بيج وكأنه اتفق معها ليتناسب مع الفستان ورغم أنه لم يعقد ربطة عنق إلا أنه بدا فاتنا بذقنه المنمق وشعره المصفف بعناية ورائحة عطره التي طارت حول رأسها
أجلسها أمامه والمأذون بينهم والعمدة رابعهم وبدأ المأذون إجراءات الزواج
لم تلاحظ نظرات دنيا أو مهاب لها وقد اشتعل الغضب بعيون دنيا، والغيرة بعيون مهاب، أما سامر فابتسم وهو يوقع شاهد ومعه رجل آخر لا تعرفه وما أن قالت 
“أقبل"
حتى ارتفعت التهاني من حولها وبصم كلاهما على الوثيقة وذهب المأذون بعد أن اتجه هو إليها فنهضت لتقف بجواره فطبع قبلة رقيقة على جبينها وهو يقول "مبروك زوجتي الصغيرة"
قالت بخجل "لست صغيرة أنا الآن أم لصبي لديه تسع سنوات"





ابتسم وقال "لن تملي منه"
قالت "لن يمكنني أن أفعل فهو يأسر قلبي"
انتبه لكلماتها فقال "يأسر قلبك؟ يا له من محظوظ"
احمر وجهها وأخفضت عيونها بينما تدخلت دنيا فجأة وقالت "بالطبع لن أقول مبروك فراس لأنك ستتراجع قريبا أنا متأكدة"
نظرت إليها بغضب فقال فراس "حسنا دنيا لن نعيد ما كان أتراجع أو لا هو أمر يخصني وحدي ولا دخل لك به"
نظرت إلى رحيق بحقد واضح وقالت "لا تظني أني سأتركه لك لن يكون أبدا إلا لي"
قال رحيق "حسنا دعينا ننتظر حتى نرى"
تراجعت دنيا وقالت "تراهنين على ماذا يا فتاة؟ أنا ابنة عمه وحبيبته ولن ينساني وسيعود لي"
أجابت بقوة "وأنا زوجته وأصبحت أم ابنه الأكبر وأنوي أن أكون أم أولاده الستة ولا أظن أنه سيتركني بأي حال فاستيقظي من أحلامك حتى لا تتحول إلى كوابيس تمغص معيشتك"
كان يسمع الحوار وانطلقت دنيا تقول "أيتها ال.."
تدخل بحدة وقال "كفى دنيا، كفى لا تجبريني على إساءة معاملتك"
نظرت إليه دنيا نظرة حزن أو غضب ثم التفتت وابتعدت خارج الغرفة بينما تقدمت فايزة منهما وقالت "حبيبي ألف مبروك، رحيق مبروك تبدين جميلة، أنا أعددت المائدة بالحلويات ألن نذهب"






هز رأسه ودعا الجميع إلى غرفة الطعام ولم يترك يدها إلا لتتناول الحلويات وتساعد جواد ببعض الأحيان وهو يتابعها بعيونه ويتابع مهاب الذي أكلت نظراته رحيق بوقاحة ظاهرة رغم تحذيراته
وأخيرا انتهى الأمر وأغلق باب سيارة مهاب على كوثر وهو يودعها وتحرك مهاب بهم جميعا، تابعهم ثم التفت إليها وقال "وأخيرا انتهى الأمر أين جواد؟"
قالت "طلبت منه أن يصعد لينام فقد تأخر موعده وعمتي صعدت لغرفتها"
هز رأسه وتحرك وهي بجواره إلى الداخل فقال وهو يتجه للبهو الكبير "مهاب يضايقك أليس كذلك؟"
حدقت به لحظة قبل أن تقول "يمكنني صده جيدا"
نفخ دخان السيجارة وقال "ليس بكل الأوقات رحيق وليس بالسكين"
أدركت أنه فهم ما حدث فلم ترد فابتعد وقال "لم يتوقف يوما عن كرهي والنظر لم بيدي"
اقتربت منه وقالت "لا أفهم" 
التفت إليها وقالت "كره رحيق، مهاب يكرهني  بدرجة لا يمكنك تخيلها، لا تهتمي بأنه زوج أختي فهذا لم يمنعه من محاولات كثيرة لتدميري وأنا أتجاوز من أجل فايزة"
قالت بضيق "أشعر وكأني محاصرة من كل جانب نظرات دنيا ومهاب أنا لا أشعر بالراحة"
اقترب منها وبدت طويلة بالكعب العالي فقال "لا داع لذلك فقط احترسي من مهاب"
هزت رأسها ثم تحركت وقالت "حاضر طابت ليلتك"
ولكنه أمسكها من ذراعها برفق وقال "ما هذا؟ هل تتركين زوجك هكذا بأول يوم لنا سويا كزوجين؟ دعيني حتى أهنئك بالزواج"
احمر وجهها ودق قلبها بقوة وهي لا تفهم فقالت بارتباك "تهنأني؟"
اقترب منها أكثر وهي تحاول أن تبدو هادئة وثابته فأخرج علبة من جيبه وفتحها فنظرت إليها لترى خاتما ذهبيا رائع الجمال فقالت 
“ما هذا؟ والدتك"
قاطعها وهو يضع الخاتم فوق الدبلة الذهبية وقال "أعلم، ولكن هذا مختلف عليه اسمك واسمي وتاريخ اليوم"
ظلت يدها بيده وهي تقول "شكرا على كل شيء"
شعرت بيده الأخرى تلتف حول خصرها وهو يرفع يدها التي بيده إلى صدره دون أن يتركها وعيونه لا ترحم عيونها وهتف بصوت يكاد يصل إليها "لا أحب الكلام بل أفعال"
وانحنى ليصل إلى شفتيها البنية ويقطف ثمرتها التي اشتاق إليها وضغط بيده على خصرها وهي تستسلم له بدون أن تملك القدرة على المقاومة ومن أين تأتيها القدرة على مقاومة ذلك الرجل الذي يملك قوة تسيطر على كل كيانها، كيف تقاوم وقد أصبحت رسميا زوجته 




تسرب بعض الدم من شفتيها إلى فمها وفمه فحرر شفتيها ولكنه لم يحررها وهو يحاول أن يلتقط نظراتها الساحرة ولكن رموشها منعته وصدته بقوة ورأى صدرها يلهث من أنفاسها ولكنه قرب شفتيه من وجنتها وقال 
“تملكين سحرا خاصا بقبلتك يا زوجتي الصغيرة فماذا تملكين أيضا ولا أعرفه؟"
لم تقوى على النظر إليه فترك يدها ورفع وجهها إليه وقال "ارفعي الستار عن تلك العيون التي لا مثيل لها، هل ندمت لزواجك مني؟"
تراجعت بين أحضانه وقالت "ندمت؟ أي ندم؟"
مرر أصابعه على وجهها وقال "حياتي صعبة"
لم تبعد نظراتها وهي ترد دون تردد "أعلم"
عاد يقول "من أنت؟ وكيف أتيت لحياتي وأنا لا أستحق فتاة مثلك"
قالت بصدق "ولم لا، بل بالعكس أنت أكثر مما أستحق يكفي أنك قبلت بي وأنت تعلم ظروفي"
قبل وجنتها وأبعدها وقال "الظروف تحيط بنا جميعا، هيا اصعدي لتنامي كان يوما متعبا"
هزت رأسها وتحركت 

إلى الأعلى وهي تحاول أن تصدق أن كل ذلك يحدث لها وأنها الآن

 زوجة لذلك الرجل الذي اختلف عن كل الرجال
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-