CMP: AIE: رواية رحيق الهلالي الفصل الثالث والعشرون23بقلم داليا السيد
أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الثالث والعشرون23بقلم داليا السيد

رواية رحيق الهلالي
 الفصل الثالث والعشرون23
بقلم داليا السيد
حلم
مرت الأيام سعيدة وهادئة رغم تعب الحمل إلا أنها كانت قوية ولم تستسلم للتعب وحولت البيت إلى جنة كما تخيلت يوم أتت وأحضرت الكثير من بيتها القديم واستفادت به، أما هو فقد فاضت الأرض عليه بالخير الوفير وباع المحصول بأموال كثيرة لم يحلم بها وتحسنت ظروفهم خلال الشهور التالية وسارت بهم مركب الحياة التي لا تتوقف ونست دنيا وزاد حبها لزوجها الذي منحها حنان لم ترد سواه ربما فكرت في الحب ولكنها كانت تعلم أنه أغلق قلبه ورفض الحب 
تمت خطبة ميادة على سامر وكانت صلتها برحيق وثيقة جدا واختارت كلية الزراعة وربما اختارتها من أجل سامر لتساعد معه بالأرض وكان له وقع رائع عليه حيث أدركت الفتاة كم يحبها واعترفت لرحيق أنها تحبه وكثيرا ما سألتها عن مشاعرها تجاه فراس ولكنها كانت تهرب فلا يملك أحد الحق في معرفة خبايا قلبها، ربما بيوم ما تعترف له بحبها حتى ولو لم يفعل هو معها.. 
رأت سيارته تدخل أمام البيت فابتسمت ثم رأت جواد ينزل ويسرع إلى الداخل فالتفتت لتتلقى حضنه اليومي الذي لم يتنازل عنه
احتضنها برفق من بطنها التي أعلنت عن انتهاء الشهور الثمانية وبداية الشهر التاسع لعمر توأمها فريدة وفهد فقالت
“ تبدو سعيدا اليوم؟" 
أجاب "الامتحان كان سهل جدا رحيق، كل ما أجبناه سويا مر به" 
جلس على المائدة قبل أن يدخل فراس ويتجه إليها ليقتبس قبلته هو الآخر من شفتيها التي لا يشبع منها وهو يقول "هل أنت بخير؟" 
هزت رأسها بابتسامة رقيقة رغم التعب الذي صاحبها مؤخرا وقالت "نعم، أنا انتهيت من كتابة الفصل الذي تركته أمس، إنها رائعة فراس لقد بكيت كثيرا"
ابتسم وهو يحب أن يسمع نقدها وكثيرا ما كانت سببا في تغيير مواقف بالرواية وكان يعتد جدا برأيها وكثيرا أيضا ما اختلفا واحتدت المناقشة بينهم ولكن بالنهاية لها قدرة غريبة على إقناعه برأيها فلسانها هو سر قوتها بعد عقلها الواعي
نظر بعيونها المتعبة وقال "دائما ما تفعلين لقد أوشكت على النهاية" 
قالت "نعم ولكن ألا تظن أن البطل يستحق بعض السعادة أنت قاسي عليه" 
داعب أنفها وقال "لو لم أكن أعلم أنه شخصية خيالية ومن ابتكاري لكنت قتلته لأنه يستحوذ على اهتمامك هذا، لا رحيق لن أمنحه أكثر من ذلك فهو لا يستحق"
ابتسمت وداعبت أزرار قميصه وقالت "بلى ستفعل، أنت تعلم أنه عانى كثيرا من الجميع فلا بأس من بعض السعادة" 
صمت دون أن يرد فهي لا تعلم أنه كان يتحدث عن نفسه بتلك الرواية وربما بوجودها صالحته الدنيا ومنحته السعادة واليسر
ابتعد وقال "سأفكر بالأمر أنا جائع" 
قالت بجدية "الطعام جاهز ولكنك لن تذهب بعد الغداء" 
كاد يخرج ليغتسل ولكنه التفت إليها من جدية لهجتها وقال بدهشة "لماذا؟ هل هناك شيء؟"
ظلت تنظر إليه وقد تغيرت ملامحها بالطبع بسبب الحمل وقالت "لا ولكن"
عاد إليها ووقف أمامها وقال بجدية "ولكن ماذا رحيق؟ هل بكِ شيء؟ الطبيبة أخبرتنا أن نذهب إليها بمجرد شعورك بأي أعراض فهل تشعرين بشيء؟" 
هزت رأسها نفيا وقالت وهي تتحرك ببطء لتعد الأطباق دون أن تخبره بالآلام التي صاحبتها منذ الصباح "لا فقط أريد أن نجلس سويا أنت تتأخر كثيرا هذه الأيام وعندما تعود تأخذك الكتابة وأنا أنام مبكرا ولا أستطيع البقاء بجوارك كالسابق ولا أراك" 
مرر يده على وجهها بحنان وقد شعر بأنها ليست بخير فهز رأسه وقال "إن لم يأتني شيء سأبقى" 
ثم ذهب ليغتسل وعاد وقد وضعت الطعام فلاحظ أنها لا تأكل فقال "رحيق ماذا بك؟ هل تحتاجين للراحة؟ لا أعلم ماذا بكِ اليوم، أخبرتك ألا تبذلي مجهود زائد الطبيبة حذرتك" 
قالت بصدق "لم أفعل فراس، فقط، لا شيء أنا بخير اطمئن" 
لا تعلم لماذا كانت تشعر بالقلق بعيدا عن الألم وكأن هناك شيء لا يبعث على الراحة كما وأن تعبها مؤخرا أذهب براحة بالها 
بعد الغداء ساعدها بالمطبخ وفجأة شعرت بحركة الجنين بقوة آلمتها فوضعت يدها على بطنها وتألمت فأسرع إليها وهو يقول
“رحيق ماذا حدث؟"
أحاطها بيده وهي تنحني وقالت "لا شيء، حركة أحدهما تؤلمني اليوم" 
أجلسها وقد بدت شاحبة فقال "سنذهب للطبيبة هيا" 
أشارت إليه وقالت "لا فراس ليس اليوم، لا أريد، سأصعد لأرتاح" 
ساعدها على الوصول إلى غرفتهم واستقرت بالفراش حتى نامت، وما أن أغلقت عيونها حتى رأت العمة تجلس على مقعدها بغرفة الجلوس فتحركت إليها بسعادة لرؤيتها ولكن العمة التفتت إليها فجأة بوجه حزين وقالت
“لا تأتي واذهبي إليه" 
توقفت وقد شعرت بالخوف يتسرب إليها فقالت "أذهب إلى من عمتي؟ وأذهب كيف وأنا متعبة هكذا؟" 
لم تتغير معالم العمة وقالت "لابد أن تفعلي اذهبي إليه الآن أخرجيه من النيران ولا تتركيه، حبكم هو حصنكم فتحصنوا خلفه هيا رحيق انهضي واذهبي إليه" 
فتحت عيونها فجأة وهي تعتدل بالفراش وتتذكر كلمات العمة ولن تفوت الحلم، بالمرة السابقة عندما رأت جدتها عرفت أنها رسالة الجدة والآن هي أيضا رسالة
لاحظت أن الظلام حل من حولها فبحثت عن هاتفها حتى وجدته واتصلت به لحظات قبل أن يجيب "رحيق ماذا حدث؟" 
هدأت قليلا عندما سمعت صوته ولكنها قالت "لا شيء ولكن أين أنت؟ ما زلت بالبيت؟" 
ابتعد عن رجال العمدة والعمدة وقال "لا، العمدة طلبني لحضور قران زينب ولم أشأ إيقاظك" 
صمتت قليلا ولكنها قالت "فراس تعالى واترك كل شيء، أنا لا أشعر بالخير من فضلك فراس تعالى" 
اندهش منها وقال "هل بكِ شيء؟ هل هناك تعب أو ألم" 
قالت بضيق "لا فراس ولكني رأيت عمتي بالحلم فأرجوك تعالى واترك ما تفعل" 
ولكنه تنهد وقال "اهدئي رحيق الأمر لا يقلق والحلم أيضا لا يقلق لن أتأخر عودي إلى النوم" 
وأغلق الهاتف قبل أن تكمل، كادت تعيد الاتصال ولكنها تراجعت ونهضت إلى غرفة جواد فوجدته نائما، تحركت إلى الأسفل وهي لا تعرف ماذا تفعل، وصوت العمة ما زال يدوي في أذنها  'انهضي وأخرجيه من النار' أي نار؟ وأين هو؟ 
لم يعد بإمكانها البقاء أكثر من ذلك فتحركت إلى الخارج ربما لو استنشقت بعض الهواء البارد يعيد إليها راحة البال، تحركت بالحديقة التي تغنت فروع أزهارها بموسيقى هادئة مع تمايلها تحت أثر الريح الباردة، شدت الجاكت الصوف عليها وهي تتحرك بدون هدى ولكن لاح لها من ناحية الإسطبل ضوء باهت، توقفت عن الحركة لحظة وهي تستجمع نفسها، لا عوض ولا فراس يضعان شيء بالإسطبل فمن أين أتى ذلك الضوء؟ 
تذكرت فراس والعمة والحلم فتحركت دون تفكير إلى الإسطبل وكلما اقتربت ازداد الضوء، لم تتجه إلى الباب وإنما تحركت إلى أحد الجوانب واقتربت من فتحة خشب مكسورة وقبل أن تنظر سمعت صوت رجل غريب يقول 
“أنا لا أفهم شيء مدام؟ ذلك الرجل كيف سيأتي هنا؟ ونحن ماذا سنفعل به؟ ولماذا هنا بالذات؟" 
واتسعت عيون رحيق عندما سمعت صوت المرأة والذي لم يكن سوى صوت دنيا وهي تقول "ألم تفهم بعد؟ فراس سيأتي بأي وقت بسيارته وأنت ستخرج الآن إلى الطريق لانتظاره متخفيا وبمجرد أن تحصل عليه على قيد الحياة حتى تأتي به هنا وزميلك هذا سيصعد ليؤتي بزوجته وابنه وبعدها أنا سأفعل ما أريد، هيا اذهب فهو لا يتأخر عن ذلك الوقت وأنت استعد لتصعد لزوجته بمجرد أن يأتِ به" 
تراجعت رحيق والتصقت بالحائط الخشبي للإسطبل ووضعت يدها على فمها من الخوف والفزع، تراجعت بهدوء كي لا يراها الرجل العملاق الذي اتجه إلى خارج حديقة البيت لينتظر فراس، وما أن خرج حتى بحثت عن هاتفها بجيوبها ولكنها تذكرت أنها تركته بغرفتها 
نظرت حولها ثم تحركت بهدوء إلى ان وصلت البيت وفكرت أن توقظ جواد أولا وتأخذه معها ولكنها لم تشأ أن تضيع الوقت فأسرعت إلى غرفتها وبحثت عن الهاتف وأسرعت تتصل بفراس ولكن هاتفه كان مغلق فكتمت صرخة خوف من أن يكون الرجل قد وصل إليه، اتصلت برقم الشرطة ولكن الهاتف فصل شحن فجأة وكأنه اتفق مع المجرمين
هتفت بصوت منخفض "اللعنة، أين الشاحن، يا الله ساعدني" 
وما أن عثرت على الشاحن حتى انقطع النور بالبيت وشاع الظلام حولها فانتبهت وهي تحاول أن تفكر، بالتأكيد ذلك الرجل سيصعد إليها الآن، عليها أن تجد حل لن تستسلم الآن 
تراجعت وهي تركز بكل مكان بغرفتهم حتى تذكرت عصا جدتها التي أحضرتها من الفيلا كذكرى لجدتها فاتجهت بحذر إلى الدولاب وهي تتحسس بالظلام إلى أن فتحته ببطء وبحثت بيدها عنها حتى عثرت عليها وتراجعت وهي تقبض عليها بقوة بنفس الوقت الذي شعرت بالباب يفتح ولمحت شبح يتقدم داخل الغرفة، فتملكها الفزع والخوف وهي تقبض على العصا ولا تعرف ماذا يمكنها أن تفعل؟؟ 
****
أغلق فراس هاتفه وهو يشعر بقلق على زوجته التي أصبحت كل شيء بحياته واندهش من قلقها الزائد عليه خاصة تلك الليلة، وربما هو الذي يقلق عليها خاصة وأنها بدأت الشهر المنتظر للإنجاب، الشهر الذي انتظره كلاهما لرؤية أولادهم ثمرة زواجهم.. 
أعاده العمدة إليه واندمج قليلا عندما استأذن في الذهاب ولكن زينب أسرعت إليه دون أن يراها أحد واستوقفته فوقف وهو ينظر إليها فقالت
“لا تندهش أستاذ فراس، ربما تأخرت ولكن أنا فقط أردت أن اعتذر منك لم حدث مني تجاه زوجتك كنت غافلة عن الحقيقة وهي أنك لم تكن تراني"
أبعد عيونه عنها وقال "ليس كذلك زينب وإنما أنت أخت صغيرة بالنسبة لي" 
أخفضت وجهها وقالت "بالنسبة لي أنت لم تكن كذلك، ولكن صدقني أنا الآن لم أعد أفكر بذلك فقط أردت أن أشكرك لأنك لم تفشي سري أمام والدي وأهل البلد ومدينة لك لأنك أنقذتني بذلك اليوم، كما أريدك أن تشكر رحيق لأنها كانت إنسانة رائعة وحقا تستحق حبك لها كما أنت تستحق حبها لك" 
ثم تركته وذهبت وتعلقت كلماتها بذهنه 'حب' أي حب؟ لقد أغلق قلبه منذ سنوات ولم يسمح لأحد بأن يفتحه فالمفتاح مفقود بين غيابات الظلام الذي دخل به بسبب دنيا وخيانتها له ولكن..  لكن ماذا؟ إذا لم يكن يحبها فكيف أرادها زوجة له رغم كل ما كان وكان يخشى من رحيلها وتمناها وترجى الله في أن تبقى معه وينتظر أبناؤه منها وكأنهم جائزة الحياة له؟ 
لحظة، هي قالت حبها له؟ هل تحبه تلك الفتاة ذات العيون العسلية؟ هل هذا هو سبب بقائها معه رغم كل ما تعانيه معه من صعوبات؟ لقد نسى لذة الحب ولكنه كان يعيشه بكل ليلة وهو بين أحضانها، كيف غفل عنه وهو كان أمامه وهي تمنحه قبلتها التي تعيده إليها من أقصى مكان، إذن هو الحب رحيق قلبي، الحب هو ما يربطني بك وليس جواد أو حتي أولادي إنه القلب حبيبة القلب فهنيئا لقلبي بك ومرحبا بالحب إن كان حبك يحيي فؤادي
قاد سيارته وابتسامة تعلو ثغره من الحقيقة التي اكتشفها واندهش كيف وهو يكتب عن الحب لم يكتشف أن ما بقلبه لها هو الحب نفسه، أمسك هاتفه ليتأكد أنها تنتظره، سيسمعها أجمل الكلمات عن الحب، كم سكن قلبه الكثير عن الحب لا يمكن أن تخرج إلا لها هي معشوقته وحبيبته.. 
رسالة على الهاتف بأنه مغلق أو غير متاح فشعر بالقلق، نادرا ما تغلق هاتفها خاصة إذا كان هو بالخارج فضغط على دواسة الوقود وهو يشعر بالقلق يزداد داخله خاصة عندما تذكر كلماتها له بالهاتف عن الحلم.. 
ما أن اقترب من البيت بسرعته العالية حتى ارتجت السيارة فجأة وانفجرت الإطارات الأربعة وانحرفت السيارة عن الطريق معلنة توقفها عن السير نهائيا وهو يحاول التحكم بها حتى لا تنقلب رأسا على عقب.. 
توقفت السيارة بالقرب من البيت ونزل فراس لينظر لم أصاب الإطارات ولكن ما أن نزل وتحرك خطوة حتى شعر بضربة قوية على مؤخرة رأسه أفقدته الوعي في الحال.. 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-