أخر الاخبار

رواية رحيق الهلالي الفصل الاول1بقلم داليا السيد


 رواية رحيق الهلالي
 الفصل الاول1
بقلم داليا السيد


بسم الله الرحمن الرحيم

نبدأ على بركة الله

الفصل الأول

إعلان

أحكمت رحيق معطفها الشتوي جيدا حول خصرها بعد أن تركها سائق السيارة الأجرة على أول البلدة التي قررت أن تأتي إليها بعد أن غامت الدنيا أمامها من كل ما واجهها بعد رحيل جدتها آخر من تعرفه من أهلها ولكن إحدى صديقاتها




 دعتها لقضاء بعض الأيام معها بتلك البلدة أو القرية الريفية ووصفت لها المكان ولكنها لم تكن تدري أي شيء عنها وقد تعصب السائق عندما أدرك جهلها




 بالمكان وقرر تركها على مشارف القرية دون اهتمام بما إذا كانت قد وصلت أم لا، وبعد يوم طويل من البحث حتى كادت تعود إلى الإسكندرية مدينتها ولكن السائق رفض 




مساعدتها بفظاظة وتركها بهذا المكان الموحش والسماء تنذر بأمطار شديدة وهي نفسها لم تكن تريد أن تعود إلى مدينتها حيث ذكرياتها المؤلمة وربما هاربة ممن لا تريدهم أن يعثروا عليها 




تحركت بدون هدى إلى داخل القرية أو البلدة حيث بالفعل بدت بلدة صغيرة بشوارع صغيرة وبيوت لا تتعدى





 الطابقين وأمام كل بيت لمبة صغيرة تضيء ما أمامها وبعضهم كان بحديقة وسور خشبي يحيطه، وهي تتذكر ما كانت تحكيه صديقتها عن المكان

فكرت أن تبحث عن مكان للإيجار تقضي به ليلتها حتى يمكنها تحقيق أي اتصال بصديقتها رنا فكلما اتصلت تجد هاتفها مغلق وربما تعجلت وقد كان عليها تأكيد الدعوة منها قبل أن تترك فيلتها التي كانت تقيم بها مع جدتها

تساقطت قطرات من المطر فرفعت غطاء الرأس وأسرعت إلى الرصيف لتبتعد رغم ثقل حقيبتها وما أن التصقت بالحائط حتى لفت انتباهها ورقتين مغلفتين تعلو إحداهما الأخرى وقرأت بالأولى 



"غرفة للإيجار ببيت آل هلالي أول تقاطع بعد الساقية"

بالورقة الثانية قرأت "مطلوب مدبرة منزل لبيت الهلالي نظير المأكل والمسكن"

تذكرت اسم الهلالي ولكنها لم تتذكر كيف كانت تعرفه، توقفت قطرات المطر فقررت أن تتجه إلى ذلك البيت للحصول على تلك الغرفة حتى الصباح لتقرر ماذا ستفعل سارت حسب التعليمات ووصلت إلى سور المنزل الذي بدا مألوفا لها ولكن حالته مزرية تحركت إلى الباب الحديدي وكادت تدقه عندما رن هاتفها فجأة فأخرجته من حقيبة يدها لتجد اسم رنا، أسرعت تجيب

“رنا أين أنتِ؟"

أجابت رنا "بالمطار بابا أرسل لنا تذاكر لنتبعه إلى باريس سأقضي الشتاء هناك كم أنا سعيدة رحيق سأراه بعد تلك المدة وماما أيضا سعيدة، أخبريني كيف حالك وأين أنت الآن؟ مع مروان وهند بالتأكيد"

أغمضت عيونها ولعنت حظها السيء وعادت لتقول "لا تشغلي بالك بي حبيبتي وتمتعي بوقتك وحاولي أن تتصلي بي"

أجابت رنا "بالتأكيد رحيق ربما عندما نعود نزور سويا بيتنا بالقرية كما وعدتك، رغم أن أخي أجره قبل رحيلنا ولكن لابد أن نعود إليه مرة أخرى بيوم ما، وأكيد لم تنسي أيامنا حول بيت الهلالي سنزوره أيضا"

هنا تذكرت الاسم وتداركت نفسها وهي تقول "إن شاء الله رنا اعتني بنفسك جيدا"

قالت رنا "وأنت أيضا إلى اللقاء"

أغلقت الهاتف وهي تتذكر أنها أتت مرة مع رنا إلى هذا البيت وهي صغيرة ولعبا حوله وقد كان رائعا ولكن اليوم بدا متهالكا

وضعت هاتفها بجيبها ولم تدرك ماذا تفعل لقد انتهى أملها بتلك القرية وعليها أن تعود من حيث أتت ولكن الآن الوقت تأخر ولا تجد من يساعدها على العودة، حتى القرية انتهى الناس منها وكأنها فرغت من الحياة

كادت تعود للطريق العام ولكن الرعد شق السماء مما بث الرعب في أوصالها بعد أن أنارت السماء بنور البرق لتعلن عن ليلية طويلة من ليالي الشتاء القارصة

انهمر المطر عليها بدون مقدمات فما كان منها إلا أن دفعت الباب الحديدي وجرت حقيبتها بسرعة وسط ذلك الممر المؤدي إلى باب المنزل بدا الممر مهملا ولم يعد يهتم به أحد فنبتت الخضرة من بين الطوب الذي تكسر البعض منه

لم تتمكن من رؤية شيء إلا لمبة صغيرة أمام باب البيت لمع ضوئها الباهت تحت ظلام الليل وتألقت القطرات حوله كأنه ماس يتكسر على غطائها، أسرعت إلى ذلك الباب الخشبي 




السميك والتقطت ذلك المقبض النحاسي الذي كساه الصدأ ودقت بقوة مرة واثنان وهي تشد المعطف عليها بقوة رغم سقف البيت الذي غطى مقدمة المنزل والذي بدى عتيقا وقد تذكرته 

دقت مرة أخرى وكادت تفقد الأمل وترحل عندما سمعت خطوات بالداخل وفتح الباب بصرير مزعج وتراجعت عندما رأت صبي لم يتجاوز الثامنة بشعر أسود ناعم متهدل على وجهه بدون اهتمام وعيون تشبه ظلام الليل ووجه أبيض مستدير بفم مذموم بغضب وصوت طفولي غاضب يقول 

“من أنتِ؟ وماذا تريدين بهذا الوقت؟"

أدهشها غضبه القوي رغم صغر سنه ولكنها قالت "جئت من أجل الإعلان، أريد تلك الغرفة"

تراجع وقال "لقد توقفنا عن إيجار الغرفة منذ وقت طويل هيا اذهبي"

كاد يغلق الباب ولكنها وضعت يدها لتمنعه وهي تقول "إذن لماذا تضعون الإعلان؟ هيا دعني أدخل أولا المطر شديد هنا والجو برد جدا"

لم يتراجع الصبي وقال بجدية "لا، إلا إذا أتيتِ من أجل الإعلان الآخر"

ضاقت عيونها العسلية كشهد العسل الصافي وارتفعت رموشها الطويلة وهي تتذكر الإعلان الثاني والذي كان عن مدبرة منزل فقالت 

“هيا أدخلني أولا ثم ادعو والدتك كي تخاطبني"

قال الصبي وهو يشب بملابس النوم الخفيفة "أمي بالسماء ومن يرتفع إليها لا يزور الأرض إلا بالأحلام"

أدركت مأساة الطفل وأسفت لحاله فقالت وهي ترتجف من الريح الباردة وقد ابتلت ملابسها من المطر "إذن أين والدك؟ ربما له رأي آخر"

هز رأسه وقال بفارغ صبر "فراس طريح الفراش منذ الصباح إنها تلك الحمى اللعينة وهو لا يهتم بها ويرفض الطبيب، كما أنه لن يوافق على دخول أحد البيت أثناء مرضه"

كان ذلك هو المخرج لها من أزمتها فقالت بسرعة "إذن دعني أساعدك في تمريضه طالما لا أحد يفعل"

للحظة تهلل وجه الصبي ولكنه تجهم مرة أخرى وقال "وهل أنت ممرضة أم مدبرة منزل؟"

دفعت الباب برقة وقد لان الصبي قليلا فقالت "اعتبرني ما تشاء فقط انقذني من ذلك الجو"

قال وهو يغلق الباب ويلتفت إليها "إذن أنتِ مدبرة البيت الجديدة التي وعد سامر بإرسالها وأخيرا سيكون لدينا طعام لنتناوله، ولكن بالتأكيد تعلمين أن لا أجر سوى طعامك وغرفة للإقامة"

هزت رأسها وهي تتخلص من معطفها المبلل ثم قالت وهي تنظر إليه بشفقة "حسنا أعلم ولكن هل تدلني أولا على مكان لأغير به تلك الملابس ثم أعد لك أفضل وأشهى وجبة"

عاد وجه الصبي ينفرج عن ابتسامة صبيانية صغيرة وهو يقول "حقا ستفعلين وماذا عن فراس؟ إنه بحاجة للتمريض"

هزت رأسها وقالت "فراس من؟"

قال "أبي، أخبرتك بأمره"

هزت رأسها عندما تذكرت وقالت "آه نعم تذكرت، سأفعل بالطبع، هل تبقى وحدك بتلك الليالي؟" 

تقدم بها إلى سلم ينتصف البهو الذي تشققت جدرانه واتسخت أرضه وتبعثرت قطع السجاد التي بدا أنها كانت ثمينة بيوم ما جالت عيونها بالمكان وربما سطعت الذكريات أمام عيونها وهي ترى نفسها ورنا عندما دخلا هنا مرة بحجة طلب بعض الماء ولكن وقتها اختلف المكان تماما.. 

 فتح الصبي أحد الأبواب بالطابق العلوي وقال "هذه غرفتك، ليست سيئة كالباقين وهذه غرفتي والأخرى غرفة فراس، وتلك خاصة بعمتي المريضة هي بالأصل عمة فراس وهي تتحرك قليلا ولكنها لم تعد تقو على فعل شيء"

تحرك ليتركها عندما قالت "لم تخبرني باسمك أيها الفتى الرائع"

شعر الصبي بالفخر من كلماتها فرفع رأسه عاليا وقال "جواد، وأنتِ؟"

ابتسمت بشفاه رقيقة فقدت لونها الوردي من برودة الجو وقالت "رحيق، شكرا جواد"

لم يرد وانصرف تاركا إياها وهي تغلق الباب وتستند إليه وتتأمل الغرفة الباردة ذات الأثاث القديم ولكنه ثمين فقد رونقه من قلة الاعتناء به حتى النجفة النحاسية انطفأت أنوارها إلا من لمبة تدلت بنهاية سلك معلق بسقف الغرفة والمقاعد ذات الخشب الزان الثمين تهالكت بطانتها مع الوقت، تحركت للأمام لترى باب جانبي بالتأكيد الحمام، جذبت حقيبتها إلى جوار الدولاب الكبير وتركتها بجانبه ولكنها أخرجت ملابس أخرى جافة لها، بالطبع كانت تعلم أن ملابسها الضيقة لا تليق بتلك القرى ولكنها لا تملك سواها فهكذا كانت تعيش 

عادت إلى الأسفل في محاولة للبحث عن أي شيء تثير به الدفء بالبيت ولم تجد إلا تكييف كبير بالبهو نظرت إليه وتذكرت عمها الذي كان يأتي إليهم دائما قبل موته بذلك المرض وكيف كان يهوى تصليح الأجهزة الكهربائية وكم كانت تستمتع بمساعدته والتعلم منه،  غيرت خطتها إلى البحث عن المطبخ الذي كان صدمة لها فقد بدا مختلفا عن البيت كله مجهزا بكل ما هو حديث ربما بدت المائدة التي تتوسطه قديمة بمقاعدها السوداء ودواليبه الشبيهة بها ولكن باقي الأجهزة كانت رائعة

بحثت عن أنواع من الطعام فلم تجد إلا القليل وخمنت أن أحوال تلك العائلة متدهورة جدا رغم أنها كانت بيوم ما من أغنياء البلدة 

أعدت عشاء لذيذ للصبي وعمته بمكونات بسيطة وعادت إلى غرفته بصينية ودقت الباب وفتحت 

لم تتفاجأ عندما رأت نفس الحال على الأثاث بالغرفة ولكنها تحركت لتوقظ الصبي الذي اعتدل من بين النوم لينظر إليها بدهشة فقالت "هيا تناول العشاء قبل أن تنام وهذا خاص بعمتك وصله لها حتى أهتم بوالدك"

لم يعترض الطفل وهو ينقض على الطعام بطريقة أوقفتها وهي تشفق عليه وكأنه لم يتناول طعام منذ قرن فات

تحركت إلى الغرفة التي أشار إليها الصبي ودقت الباب فلم يجيب أحد فأخذت نفس عميق ولا تعلم لماذا تفعل ما تفعل وما الجنون الذي يدفعها لتأتي لتلك القرية ثم ذلك البيت وتوهم صبي أنها مدبرة منزل وهي ستغادر بالصباح فهي ليست بحاجة لأي عمل و..

كانت الغرفة كبيرة وجميلة وأفضل حال من الغرف الأخرى ولكن البرد ينتشر بها بشكل لا يطاق رغم ذلك المكيف الذي ينتصف الحائط ولكن يبدو أنه لا يعمل، كان الضوء خافت جدا ونابع من أباليك معلقة على الحائط أعلى ذلك الفراش الذي ما أن نظرت إليه حتى تسمرت قدماها بالأرض مما رأته 

ذلك الجسد الرجولي الملقى على وجهه بدون انتظام على الفراش؛ جسد ضخم بأكتاف بدت لامعة وهي بدون ملابس وظهر عريض انتهى عند بنطلون متسخ أطرافه بالطين والرأس تكاد تكون مدفونة بسطح الفراش 

شعرت بالخجل من نفسها وهي تدرك وضعها بغرفة رجل غريب لا تعرفه نصف عاري وغائب عن الوعي وتساءلت عن ما تعرفه عن التمريض؟ ربما بعض الأمور التي تعلمتها أثناء مساعدة الممرضة التي كانت مسؤولة عن جدتها وما كانت تخبرها به من معلومات عادية 

ارتجف جسدها من النافذة المفتوحة فأعادتها إلى الواقع فأسرعت إليها وأغلقتها بصعوبة من شدة الريح ثم تحركت إلى المكيف وعبثت به لتدرك أن الأمر سهل وبسيط وسرعان ما عاد للحياة ليلقي بالدفء بالغرفة 

عادت إلى ذلك الجسد ولا تعرف ماذا تفعل معه وما أن اقتربت حتى لاحظت أنه يرتجف بشدة رغم الدفء الذي سرى بالغرفة، ارتعشت يداها وهي تقربها من كتفه العاري وتلمسه لتدرك حرارته المرتفعة فأبعدت يدها ورأت جانب وجهه الأسمر أو ربما هو لون اكتسبه من الشمس لأنه لا يتناسب مع لون جسده مدت يدها إلى وجهه الذي تغطى بقطرات العرق لتجده أيضا مرتفع الحرارة، أدركت أنه محموم كما قال الصبي فعادت إلى المطبخ وبحثت عن أي دواء حتى عثرت على ضالتها ثم الماء البارد والثلج والكمادات فجمعتهم وعادت إلى غرفته ووجدته كما هو 

وضعت الأشياء وتوقفت لتفكر كيف تعيده على ظهره وقد بدا من الصعب بل المستحيل تحريك مثل ذلك الجسد الضخم 





ضغطت على جسده بيدها البيضاء ذات الأصابع الطويلة والرفيعة وهي تهتف "يا سيد، يا سيد هل تسمعني؟"

كررت كلماتها وضغطها عدة مرات ولكن ما من مجيب فأخذت نفس عميق ثم اقتربت من الجسد ووضعت يديها الاثنان بجانبه ودفعته بقوة كي ينقلب على جانبه وتحرك الجسد بصعوبة وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة وكادت تنجح عندما اعتدل الرجل على جانبه لتجد نفسها فجأة مطوقة بذراعين قويتين وتطير بالهواء لتلقى على الفراش بجوار الجسد الذي أحكم بذراعيه على خصرها وهو يلفظ بكلمات غير مرتبة 

“لا لن ترحلي مرة أخرى وسأنتقم منك وستدفعين ثمن أفعالك غاليا"

ثم وبدون أن تتوقع وجدت شفاه غليظة تنقض على شفاهها في قبلة قوية وهي تستجمع نفسها وقوتها وتحاول أن تدفع الجسد عنها بيدين ضعيفتين ولكن ما من فائدة وتلك الشفاه تكاد تلتهم شفاهها بقبلة لم تعرفها من قبل ارتجف لها جسدها كله وانقبض قلبها بدقات عنيفة مؤلمة ودق عقلها بأجراس الخطر فعادت تدفعه بيديها بقوة وتحرك رأسها بعيدا حتى أفلتها ليرتمي على ظهره وما زالت عيونه مغمضة والعرق يتصبب على وجهه وجسده 

ابتعدت عن الفراش بخطى متعثرة حتى كادت تسقط على الأرض وهي تلعنه وتلعن نفسها على ما فعلت وتحركت بغضب إلى الباب لتخرج عندما سعل بقوة أوقفتها وقد ظنت أنه أفاق فالتفتت لتنظر إليه ولكنه عاد إلى غيبوبته، ولكنها رأت تلك الملامح التى سقط الضوء عليها فأوقفتها وقد بدا وسيما بل جذابا، بسمرته اللامعة وشعره البني الذي يميل للسواد، أنفه الحاد وذلك الفم الغليظ والمرسوم رسما دقيقا وعيون واسعة تغطيها أهداب طويلة ربما لتحميها من الغيب وتعلوها حواجب طويلة كثة وجبهة ليست عريضة بخطوط عرضية منحوتة بجلد صاحبها لتمنحه فوق منتصف الثلاثينات ونبت شعر ذقنه بشكل واضح وكأنه تركه من اسبوع

انتفض جسدها عندما سعل مرة أخرى بشدة فعادت إليه بخطى غير ثابتة وهي تشعر أن هناك قوة خفية تجذبها إليه وما فعله معها جعلها ترتبك عاطفيا فبعد صدمتها التي جعلتها تهرب من حياتها، تلك الصدمة التي مهدت لها طريق الكره لأي عاطفة تجاه أي رجل وألبستها لباس القسوة في مواجهتهم ولكن ذلك الوجه الرجولي أثار داخلها إحساس مختلف تماما يتناقض مع ما كانت عليه قبل أن تراه. 

بيد مرتجفة بدأت تضع الكمادات بعد أن أحضرت غطاء وثير من الدولاب الكبير ودفعته على جسده وتوالت الكمادات ثم بصعوبة 






رفعت رأسه وأسقطت الدواء داخل فمه دون مقاومة منه وبالثانية صباحا لم يتوقف الرعد والمطر وشعرت بالتعب يجتاح جسدها ولكنها لم تتوقف عن النزول للمطبخ لتغيير الثلج والماء البارد ثم العودة لغرفته 

كانت الثالثة صباحا عندما قررت أن تنتهي من الأمر وقد انخفضت درجة حرارته فتراجعت قليلا وما زالت تجلس على طرف فراشه والماء البارد أمامها وفجأة تحرك جسده ملتويا بقوة دافعا الماء البارد تجاهها ليسقط كله على ملابسها فتنتفض وقد تبللت ملابسها كلها وسرى البرد بجسدها 

أسرعت إلى الحمام الخاص بغرفته في محاولة تنشيف الماء ولكن ابتلت بلوزتها والبنطلون تماما كادت تخرج لتغييرها ولكنها لاحظت وجود روب حمام فخلعت ملابسها بسرعة من البرد الذي أصابها ثم وضعت الروب على جسدها ولاحظت كم هو كبير جدا مما جعلها تدرك أنه خاص بذلك الرجل الذي بدا كالعملاق بالنسبة لها

خرجت وهي تشد الروب عليها بقوة لتراه جالسا بمنتصف الفراش وقد شعث شعر رأسه الذي اتضع أنه أسود وطويل، وبدا شعر ذقنه ملفت للنظر بهذه الحالة، نست كل شيء عندما رأت تلك العيون الزرقاء تحدق بها بقوة وربما الكثير من الغضب، توقفت بمنتصف الغرفة وبدا الوجه الأسمر مخضب بالأحمر من تأثير المرض وقد نفض الغطاء عنه 

وأخيرا تأمل ذلك الجسد الضئيل الذي يلتف بوقاحة بروبه الخاص وتخرج صاحبته لتقف أمامه داخل غرفته هو الخاصة، امرأة تتواجد هنا لأول مرة منذ سنوات كثيرة مضت، تملكه الغضب وهو لا يفهم شيء ورغم الصداع الذي دق برأسه إلا أنه لم يبدِ أي ضعف أو تأثر من المرض وهو يقول بصوت جهوري حمل كل معاني الغضب والاستنكار

“من أنتِ؟ وماذا تفعلين هنا بغرفتي؟"

ارتبكت من قوة صوته وعيناه التي اصطبغت بالأحمر فقضت على زرقتها وجف حلقها وتراجعت الكلمات في جوفها وتصلب جسدها دون قدرة على الحركة إلا عندما انتفضت إثر صراخه القوي وهو يقول

“ألا تسمعين؟ من أنت يا فتاة؟ وماذا تفعلين هنا بغرفتي وفي ملابسي الخاصة؟"

وأخيرا انفك لسانها وقالت "أنا، أنا رحيق جئت من أجل الإعلان وكنت






 أقوم بتمريضك عندما دفعت الماء على ملابسي فلم أجد سوى هذا الروب حتى أذهب لغرفتي وأبدلها بدلا من أن أتجمد"

لمعت عيونه وهو يرى تلك العيون العسلية الصافية المرتسمة بدون أي تجميل تغطيها رموش سوداء طويلة تكاد تحرسها من أي شائبة بوجه أبيض مستدير يعتليه كعكة بشعر لا هو بني ولا أشقر احتار بلونه ربما ذهبي اللون وتفر من الكعكة خصلات طويلة تداعب أهدابها الطويلة بنعومة أثارت إعجابه ومع ذلك لم يذهب غضبه، ما من أحد يجرؤ على اقتحام حياته خاصة إذا كانت امرأة

عاد يقول "وإن كان، فمن الذي سمح لكِ بالدخول للبيت ثم غرفتي والتصرف وكأنك سيدة البيت"

اندهشت من أنه حتى لم يشكرها على اهتمامها به وإقصاء الحمى عنه فعقدت ذراعيها أمامها ورفعت وجهها بكبرياء غريب وقالت "ابنك الذي لم يكن يجد طعام ليتناوله ومرضك الذي لم يكن هناك من يداويك منه، ألا تظن أنني أستحق الشكر بدلا من تلك العجرفة التي تأخذك؟"

زاد سخطه وغضبه وقال "لم يطالبك أحد بتمثيل دور المضحية من أجل الآخرين لأن لا أحد كان بحاجة لخدماتك التي لا معنى لها والآن لا صفة لوجودك هنا فاخلعي ملابسي وارحلي"

أرخت ذراعيها وقال بعناد "على الرحب والسعة فبعد أن تعرفت عليك لا أظن أنني أريد البقاء لحظة واحدة هنا"

ثم تحركت إلى الباب بنفس الغضب دون أن تنظر خلفها لذلك الرجل المتكبر 

أخرجت ملابس جافة وألقت بروبه بعيدا والغضب يتملكها وقد غطى على إعجابها به وانجذابها الذي لا معنى





 له فلملمت ما يخصها ورغم أن الفجر قد أوشك على أن ينتصر على الليل الطويل ويدفعه بعيدا لينشر نور النهار إلا أنها لم تتراجع وتحركت إلى خارج غرفتها لتراه واقفا أمام باب غرفته وهو يترنح وقد كان يحاول الخروج ومكافحة المرض وقد ارتدى قميص قطني ثقيل  ولكن يبدو أن المرض هذه المرة كان أقوى بكثير مما توقع فشعر أن قواه تخور 




تحت ثقل جسده المتعب من العمل المتواصل تحت المطر فاستند إلى الباب وترنح وهو يسقط والدنيا تسقط حوله

و

                 الفصل الثاني من هنا

لقراة باقي الفصول من هنا



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-