رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
الفصل الثالث عشر13
بقلم شيماءسعيد
أشار فاروق الي منصور ليكمل حفل الزفاف بشكل طبيعي قبل أن يقترب من والد فارس قائلا بهدوء :
_ الفرح نور يا حاج تعال معايا نتكلم في مكان جوا بعيد عن الناس، مش حلوة لا في حقي و لا في حقك إن الصحافة تتكلم عننا بالشكل ده...
بالفعل أخذه ليبقى فارس مع فريدة أخذها أمام الجميع و ذهب بها إلى ساحة الرقص يضم جسدها إليه مقربا أنفه من عنقها صاحب الرائحة القاتلة ثم أردف بهمس أجش :
_ باختلاف طريقة جوازنا بس أنا في اللحظة دي أسعد راجل في الدنيا...
رسمت على تعبيرات وجهها إبتسامة تحت عدسات الكاميرات قائلة بسخرية:
_ طبعاً و جوز الاتنين مين قده، بلاش رومانسية فارغة أنا و أنت عارفين سبب الجوازة دي كويس مفيش داعي نضحك على بعض...
قرب كفه من وجهها يحرك أصابعه على بشرتها الناعمة بمتعة خالصة هامسا و كأنه يتعمد إثارتها بهذا الهمس :
_ مش فارق معايا إلا أنتي و بس، فرحة أختي و أنتي عارفة قصتنا مع بعض أو على الأقل أخدتي بالك إننا مش بنام في اوضة واحدة، إحنا مش هنتجوز كل يوم يا فريدة استمتعي باللحظة و بس..
أومات اليه بنظرات خبيثة قبل أن تفعل مثله ممررة اصابعها على وجهه حتى وصلت إلى ذقنه لتجذبه منها هامسة :
_ عندك حق هو أنا هتجوز كل يوم كدة أو كدة ساعة و هروح مع ابيه فاروق و أنت ابقى خد بالك من المدام و بنت عمك و حاول تصلح حياتك بدل جو حريم السلطان اللي عايش فيه ده..
قهقه عليها بمرح قبل أن يقرص خدها قائلا بنبرة أخذت قلبها :
_ بحبك... و بس كدة..
بالداخل جلس والد فارس بالمقابل الي فاروق قائلا :
_ سامعك يا فاروق باشا....
بوقار و حكمة تحدث فاروق :
_ حضرتك عارف بقصة عثمان و فرحة و قبل ما تقول أنه هرب و إنك متبري منه فهو مهما عمل أو حصل ابنك، فرحة حب عمر عثمان و فارس طول عمره شايف فيها أخته و مرات أخوه لو في يوم و ليلة شافها مراته هو يبقى واطي و ندل، و حضرتك يا حاج مربي عيالك أحسن تربية فرحة فوق راس فارس لحد ما عثمان يرجع و ده هيحصل في أقل من شهر، بس كمان فارس من حقه يتزوج و الا رأي حضرتك ايه؟!...
نعم معه حق، حديثه قدر على السيطرة على عقل الرجل، اعتدل والد فارس بجلسته قائلا :
_ أنا عارف إنك عارف مكان عثمان و عارف إنك الرأس اللي بتعمل كل حاجة، بس يا ولدي فرحة أمانة أبوها عندي مش عايز أشوفها موجوعة أو مكسورة، أنا جيت هنا عشانها لما عرفت أنها منهارة.. دمعة واحدة منها برقبة ولادي الاتنين...
لم يتحدث فاروق فقط أشار الي أحد رجاله يطلب منه حضور فرحة، خمس دقائق و كانت بين أحضان عمها مشتاقة :
_ عمي وحشتني أوي أوي و كان نفسي أشوفك...
ابتسم إليها و هو يحرك يده على رأسها قائلا :
_ أنتي كمان يا حتة من قلبي، قوليلي عاملة إيه و الجوازة دي برضاكي و الا غصب عنك؟!..
مع هذا الرجل فقط تعلم أنها لديها ظهر و سند، ضمت نفسها إليه بقوة أكبر ثم قالت بابتسامتها الصافية :
_ طبعا برضايا يا عمي فارس أخويا و أخيرا لاقى البنت اللي يحبها و يتزوجها ده يوم الهنا، أنا عارفة إنكم فاكرين إني و فارس متجوزين بجد احنا قولنا كدة عشان فارس كان خايف عليا من أهل البلد، لكن أنا حبيبة عثمان و هفضل كدة لآخر عمري إذا رجع أو لا...
قبل والد فارس رأسها قائلا :
_ ربنا يحرسك يا بنتي...
فاروق عقله بمكان آخر يبحث عن قطعة الشوكولاتة خاصته هنا و هناك بلا فائدة، رفع هاتفه يطلب رقمها بلا رد، بدأ القلق ينهش قلبه لا يعلم لماذا ليقوم بالاتصال على حارسها قائلا بغضب :
_ أزهار هانم فين يا زفت أنت...
سمعتم من قبل علي الميت الذي على قيد الحياة، ليس هناك داعي للإجابة فهو أصبح أمامكم الآن، كل كلمة وصلت إلى أذنه قتلت جزء منه:
_ إحنا في مصيبة يا فاروق باشا، أزهار هانم اختفت فجأة و رجالة فوزي الخولى ظهروا فجأة و اختفوا معاها...
العالم بالكامل دار من حوله، روحه المتعلقة بها بدأت تخرج من جسده رويدا رويدا، يختنق غير قادر على إخراج أنفاسه، تغيرت معالم وجهه للون الأزرق و عينيه أصبحت مثل الدم، بدأ التحرك من مكانه مشيرا الى رجاله قائلا للطرف الآخر :
_ و لسة فاكر تقولي يا غبي لو بقي فيها خدش واحد هيبقى بروحك سامع بروحك...
_____ شيماء سعيد _____
كل قطعة بجسدها تطلب الرحيل، لم يفعل بها شي فقط بين كل حين و الآخر يقبل رأسها بضعف، خائفة الى حد الجنون هذا الرجل غير سوي نفسيا، نائم بجوارها يضم كفها إليه مثل الطفل الصغير الخائف من هروب والدته...
كتمت نفسها مع عودته إلى تقبل رأسها قائلا بهمس :
_ أنتي حلم العمر كله، أنا مش عايزك خايفة يا أزهار مش هعمل حاجة توجعك حتى لو نفسي أعملها خليكي بس جانبي و أنا راضي...
سقطت دموعها أكثر لو بكامل قوتها أو على الأقل غير موجود ذلك اللاصق على فمها لكانت مسحت به الأرض، ابتسم إليها بحب صادق شعور وصل إليها سريعا ثم أزال قيد فمها ممرر أصابعه على شفتيها قائلا بنشوة :
_ يا الله كل حاجة فيكي حلوة حتى حرارة نفسك و شفايفك.. خسارة كبيرة في ابن المسيري، بس أقول ايه طول عمره محظوظ اتولد ابن باشا معرفش يعني ايه فقر، تعرفي أنتي أول حب في حياتي أنا زمان أعجبت بعمة فاروق بس هي فضلت عليا ابن علوان، قتلتها و قتلته و اخدت بنته ليا أسيرة عندي، كل حاجة في الحب و الحرب متاحة يا أزهار صح...
يسأل و ينتظر منها جواب يريح قلبه، لم تتخيل بحياتها أن هناك أشخاص مثل فوزي الخولي أو حتى مثل فاروق...
حدقت به بغل و قرف واضح قائلة من بين أسنانها :
_ شايب و عايب و لسة ليك عين تحب ده بدل ما تدور لك على مقبرة تلمك...
أبتعد عنها يدور حول نفسه بالغرفة و صوت ضحكته يرن بالمكان، هذا ما شده لها يعشقها مهما قالت أو فعلت، تذوق على يديها نوع جديد من النساء و أصبح لا يريد إلا هي، أشار إليها بأحد أصابعه ثم اردف بفخر :
_ ايوة يا حبيبتي عايزك كدة دايماً من غير خوف أو ضعف، أنا حبيتك كدة و عايزك كدة، تعرفي أنا اتجوزت هاجر بعد ما خلتها تهرب من بيت فاروق مش بس كدة خلتها تقف قصاده و تقوله أنا عايزة فوزي و أنت مش وصي عليا، مش قادر أوصف لك مدى سعادتي بدمار حياتهم واحد ورا التاني...
مذهول من حديثه و سعادته بأفعاله القذرة، عضت على شفتيها ثم أردفت متسائلة :
_ أنت ليه عمرك ما فكرت تدخل مستشفى المجانين تبقى مصيبة لو فاكر نفسك عاقل، على الأقل كنا ارتحنا من قرفك..
غمز لها بطريقة أخافتها قائلا :
_ ندخل لأجل عيونك الحلوة يا أزهار، تعرفي أنتي الوحيدة اللي مهما طلبتي هعمل، أنا دلوقتي عايز أنام قبل ما ابن المسيري ييجي و عشان أنا بحبه مهو ابن أختي برضو هسيبه يموت في حضنك...
عاد إلى الفراش لينام على ساقها لتصرخ و هي تحاول دفعه بعيدا عنها :
_ أوعى يا بغل أنت بعيد عني..
شهقت من رؤيتها الي هذا السلاح يخرج من حول خصره واضعا اياه على منطقة رحمها هامسا :
_ عايز أنام بس يا أزهار ممكن..
هذا تهديد أوضح من الشمس، أومات برأسها عدة مرات موافقة و قلبها يردد جملة واحدة :
_ أنت فين يا فاروق...
_____ شيماء سعيد _____
بمنزل كارم استيقظت هاجر على نواح والدته، خرجت من غرفتها لتقول والدة كارم بقلب محروق :
_ ابني راح و كنت عارفة إن نهايته هتكون على ايدك أنتي....
_____ شيماء سعيد ____
بقلب ضائع، وقف بين رجاله أمام قصر فوزي الخولى، عينيه تبحث عن أي أمل يقدر به الحصول عليها، هي هنا..هو على يقين من ذلك رائحتها بين صدره و قلبه تقوده الي مكانها..
أزال جكيت بذلته قائلا :
_ خليكم هنا هعرف أدخل مش عايز دم غير دمه و ده هيبقى على أيدي أنا، رجالته تبقى تحت ايدكم لحد ما أخرج لو مخرجتش خلاص ربع ساعة أدخلوا هاتوا أزهار هانم حتى لو أنا ميت سامعين...
بعدها أخذ أول خطواته إلى قصر فوزي، مع كل خطوة يشعر بها أكثر، رنين صوتها واضح باسمه، اعتاد على القوة و على يدها فقط أصبح لفاروق المسيري نقطة ضعف...
قفز على سور المنزل ينظر هنا و هناك و سلاحه بين يديه، حتى وصل للباب الرئيسي...
_ ممنوع دخول حضرتك يا باشا، دي أوامر فوزي بيه...
نظر خلفه ليري رجل فوزي الأمين، حرك عنقه يمينا و يسارا قائلا :
_ لا هدخل و أنت عارف ده و صاحب البيت عارف، إلا اذا بقى كان ليك مزاج تموت دلوقتي ساعتها هقتلك و أدخل...
بلحظة واحدة أخذ فاروق أول طلقة بساقه اليمين، ضغط على أسنانه بقوة يسمع حديث الآخر:
_ نصيحة مني أنا يا باشا تمشي على رجل واحدة بدل ما تطلع على ضهرك...
لم يرد على فاروق بالحديث، لم يتمنى أبداً أن يلوث يده بدماء أحدهم، بمهارة عالية أعطى له طلقة بمنتصف صدره ثم أردف :
_ متخافش لو البوليس وصل بدري قبل ما يتصفي دمك هتفضل عايش...
أكمل طريقه دون أن يهتم بألم ساقه المبرح أو بهذا الملقى على الأرض، أصبحت الحرب أكثر صعوبة عليه مع إصابته إلا أن اليوم سيكون روحها مقابل روحه...
يعلم مكان خاله و تلك الغرفة الحقيرة التي لا يخرج منها، و كما توقع سمع صوت حبيبته بالداخل و هي تصرخ :
_ بقولك ايه يا جحش أنت أنا جعانة، بطل كلام عن حياتك القذرة و طفولتك المعفنة و قوم هات لقمة أكلها... و شوف ضرب النار اللي برة ده منين..
الأعجب من طلبها هو رد فوزي عليها :
_ جعانة بس كدة طلباتك أوامر هعملك الأكل بإيدي.. سيبك من ضرب النار ده أكيد الشاطر حسن بتاعك مات...
صرختها هزت الجدران، عقلها لم يستوعب ما قاله، يستحيل أن يتركها فاروق و يرحل هو وعدها بالبقاء، أصابها الثلج مع ألم مبرح بكامل جسدها، تبكي بلا دموع و كأن ما يحدث أقوى من قدرتها على التحمل...
حالة من الجنون إذا مات هو فلا حياة لها بعد اليوم، تحركت بالفراش بطريقة هيسترية، تريد أن تراه للمرة الأخيرة تضم جسده إليها و تشبع منه، لا لا لا فاروق مازال معها على قيد الحياة هي تشعر به...
حاولت فك قيدها صارخة :
_ فاروق عايش لو في جرح صغير هيبقى بروحك يا فوزي سامع و الا لا... بعده أنا مش هبقي باقية على حاجة فكني لو راجل...
ابتسم لها فوزي بحنان ثم قال :
_ لو موتى على ايدك يبقى يا ألف أهلا بالموت، مش هفكك عشان عارفك مجنونة و ممكن تئذي نفسك، هروح أعملك الغدا لحد ما أعصابك تهدى...
بماذا يهذي هذا المجنون؟!.. ألقى لها قبلة بالهواء ثم تحرك للخارج، ابتعد فاروق سريعا عن الباب ليخرج فوزي متجها إلى المطبخ، ابتسم الآخر بارتياح و هو يعطي ضربة قوية على رأسه بظهر سلاحه ليفقد الوعي...
دلف لها بقلب متلهف، وقف عند باب الغرفة همس باسمها بلوعة لتتوقف عن البكاء فجأة، غير مصدقة أنها تراه أمامها، مرت عدة لحظات من الجحيم و قدرت الآن على إخراج أنفاسها..
حاولت الذهاب إليه إلا أنها عجزت ابتسم لها و هو يجر ساقه مقتربا منها يضمها إليه قائلا :
_ اهدي يا حبيبتي أنا جانبك أهو و هنطلع من هنا بأمان مع ابننا خدي نفسك بهدوء..
دفنت وجهها بعنقه مثل الطفلة الصغيرة التي وجدت أبيها أخيرا، همست إليه بنبرة متقطعة من بين شهقاتها :
_ قالي مات و خلاص مفيش فاروق، أنا مقدرش أعيش من غيرك أوعى تعمل فيا كدة..
ضغط على ظهرها يضمها إليه أكثر لو بيده لجعل قلبه بيتها تسكن بين ضلوعه حتى لا يراها غيره، ابتعد عنها قليلا و هو يرفع وجهها إليه و شفتيه تلتقط دموعها بلهفة قائلا :
_ أنا معاكي لحد آخر نفس ليا معاكي حتى و أنا مش موجود.. يلا نخرج من هنا...
فك قيودها و حملها لفت كفها حول عنقها شاهقة برعب :
_ مال رجلك يا فاروق...
لم يجيبها نظر الي فوزي الي يقف أمامه و يده تمسح الدماء من على رأسها قائلا بسخرية :
_ على فين يا ابن اختي؟!.. تبقى أهبل لو فاكر إنك ممكن تخرج بيها من هنا...
قالها و لم ينتظر أبداً قبل أن يطلق النيران على الساق الأخرى لفاروق الذي سقط على الأرض بعدها، بلحظة خوف حاسمة نظر فاروق الي أزهار لأول مرة بضعف و كأنه يقول لها أنها النهاية...
رفع فاروق الآخر سلاحه بوجه فوزي و هو يقول :
_ و ماله نموت سوا بس يا ترى اللي زيك يستاهل يموت بالبساطة دي؟!.. ده أنا المسيري يا خال...
رد له الطلقة بأخرى على يده التي كانت تحمل السلاح، انتشر رجال فاروق و فوزي بالمكان و بدأت الحرب الأخيرة بتلك اللعبة، رغم عجز فاروق إلا أنه أعطى لفوزي كل ضربة أخذها...
اشتعلت نيران لا أحد يعرف مصدرها ليقرر فوزي الهروب مع بعض رجاله...
نظر فاروق الي أزهار التي تنظر إلى ما يحدث بصمت مريب فقدت كل شي حتى الأمل، أشار الي أحد رجاله و هو يقاوم حتى يصل إليها هامسا لها :
_ كل حاجة هتبقى بخير متخافيش و اعرفي إني حبيتك أوي يا أزهار، طلع مدام ازهار بسرعة من هنا...
صرخت رافضة و قال الحارس :
_ و جنابك يا يا باشا...
صرخ به فاروق قائلا برعب :
_ مفيش وقت للكلام ده خرج الهانم و أنا هخرج مع باقي الرجالة...
ظل مكانه و هو يستمع إلى صريخها باسمه الذي يختفي شيئا فشيئا ليحاول القيام من جديد متحاملا على نفسه لن يترك فوزي اليوم :
_ بسرعة أخرجوا من نفس الباب اللي خرج منه عايزه عايش...
لحظة و الثانية و انفجر القصر بما فيه...
