رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
الفصل الثامن8
بقلم شيماء سعيد
دائماً تمر علينا لحظة نتمنى لو يعود بنا الزمن للخلف أو حتى يتوقف عندها، لحظة لا نسمع أو نرى أو نتحدث فقط القلب يدق و الجسد ينتفض و العقل عاجز عن الاستيعاب..
جملتها آخر ما وصل إليه بعدها انقطع عن العالم من حوله " أنا يا أبيه" هي فريدة التي يراها إسم على مسمى إنتهت و جعلته ينتهي معها، يقود سيارته و هي تبكي بأحضان أزهار بالخلف، لم يفعل لها أو له شيء فقط جذبها معه للخارج و رحل...
اعتاد بحياته على الوجع و تأقلم على تحمله و ربما أخذه صديق الآن فقط علم أنه لم يتألم من قبل، لم يرى أو يشعر بالعذاب أبداً.. فما يسير بجسده الآن عبارة عن هزيمة يحترق و هو مرحب بهذا الحريق لا يرغب بإنقاذ نفسه...
أهو يستطع النظر إليها بعد اليوم؟!.. هي من يلقي اللوم عليها أم على صديقه؟!.. أم عليه هو؟!..
أخذت أزهار تحرك كفها على ظهرها مردفه بحنان :
_ مالك بس إيه سبب الدموع دي كلها؟!..
ضمت نفسها إليها أكثر تتمنى لو تستطيع الدخول بين ضلوعها لتفر من العالم و ما فيه، دفنت وجهها بصدر أزهار هامسة بنبرة مرتعبه :
_ أنا ضيعت كل حاجة يا أزهار و ضيعت نفسي الموت هو الحل الوحيد ليا..
عقدت أزهار بين حاجبيها بخوف و شك :
_ عملتي إيه بالظبط يا فريدة؟!...
_ اخرسوا مش عايز صوت...
نطقها بصوت من يسمعه يفقد حاسة السمع بعدها، صمتت و عينيها عليه لا تفهم شيء و لنكون أكثر صدقا ترفض فهم ما وصل إليها، وقفت السيارة بقصر المسيري لينزل و يفتح باب شقيقته جاذبا إياها بهدوء قبل أن يقول لأزهار دون أن ينظر إليها :
_ اطلعي على أوضتك يا أزهار..
رفعت حاجبها قائلة بتعجب :
_ تصدق إنك بجح فاكر إني ممكن أدخل بيتك ده تاني لو على موتي لا...
حالته موقفه يومه كل هذا لا يسمح له بالجدل أو الحديث معها، أغلق عليها باب السيارة جيدا ثم أخذ شقيقته للداخل دلف لغرفة المكتب مردفا :
_ خليكي هنا راجع لك تاني....
عاد إلى باقي عذابه و تخليص حق الجميع منه ليجدها كما توقع تخرب بالسيارة و تحاول كسر الزجاج، أخذ نفس عميق قبل أن يفتح بابها ثم وضعها على ظهره بعنف، يحاول بشتى الطرق التحكم بجسدها الذي يتلوى تحت يده، قرص فخذها بقوة لتشهق بآلام صارخة :
_ بالراحة يا جحش أنت يا قليل التربية..
وصل لجناحه ليضعها على الفراش قائلاً بتحذير :
_ أزهار خليكي هنا لحد ما أرجع بلاش جنان لأني في موقف ممكن أقتلك و أقتل نفسي فيه..
دلف لغرفة المكتب ثم أغلق الباب خلفه بالمفتاح مشيراً لها بالجلوس أمامه قائلاً :
_ سامعك...
هل هو بالفعل موجود ليسمعها أزاحت دمعاتها بطرف ملابسها مع ذلك السائل الساقط من أنفها قبل أن تبدأ بالحديث بنبرتها المنكسرة :
_ من و إحنا أطفال جليلة بالنسبة لينا الأب و الأم... بابا مات و أنت أخدت كل حاجة و نسيت إن ليك أخوات، مهما حاولت جليلة عشان نحس بالأمان بس إحنا كنا دايماً خايفين و محتاجين حضنك مش الفلوس يا أبيه، كنت باجي أقابلك زي الأغراب بتسلم عليا بسرعة عشان مشغول فاكر إني جاية أطلب منك مصروف، بس الحقيقة إني جاية أطلب السند و الأمان...
صمتت تأخذ أنفاسها المسلوبة قبل أن تكمل باقي ما بجوفها :
_ لما عابد اتقدم ليا و جليلة صممت عليه حسيت إن الدنيا كلها اتقفلت في وشي و أنت الباب الوحيد ليا.. أخويا و طوق النجاة، روحت الشركة و البيت و كان الرد إنك في ***** حتى محدش من الحرس فكر يقولي أدخلي استني البيه جوا، روحت ليك وقتها عرفت إنك مش شبهي و لا حياتك زي حياتي أنت عايش في غابة و أنا عايشة في الجنة تحت جناح جليلة...
ارتجف فكها مع تذكرها لتلك اللحظات الأكثر من صعبة قبل أن تكمل بقهر :
_ كنت هروح بس في واحد سكران شربني غصب عني و حاول يعتدي عليا، فارس هو اللي انقذني منه... آخر حاجة فاكراها قبل ما أصحى أشوف حياتي كلها ضاعت في حضن راجل غريب إني عرضت نفسي عليه كأني لحم رخيص...
أدمت أنفها و رنين كفه على وجهها بقوة جعلت جسدها يسقط على الأرض، لا يعلم من منهما يستحق تلك الصفعة؟!.. جذبها من على الأرض ليبقى وجهه أمام وجهها هامسا بضياع :
_ ردي ليا القلم يا فريدة...
سقطت دموعها أكثر و هي تحرك رأسها بنفي قائلة :
_ أنا رديت ليك القلم من ساعة ما خليت اسمك في الأرض، أنا وجعتك و كسرتك من وقت ما أخدتني من بيت صاحبك، أنت اللي محتاج تاخد حقك و تريح نار قلبك...
لا لم يستطع الصمود أكثر..... من بهم يأخذ حقه من الآخر من الجاني و من المجني عليه، عادت جملة أزهار الشهيرة " يا واكل مال الولايا" هو لم يأخذ مالهم فقط بل أخذ كل شيء...
تركها و فر من الغرفة لا يقدر على إكمال تلك المواجهة، صعد لأزهار يعلم أنها ستفرح به و لكنه الآن مثل الطفل الضائع يبحث عن صدر والدته ليبكي عليه دون قناع...
أغلق باب الغرفة خلفه و قبل أن تقول كلمة من كلماتها السامة رأت دموعه تسقط على وجهه مثل حبات المطر، ألقى بجسده على الأرض بجوار الفراش و عينيه تقول الكثير...
انتفضت من مكانها تجلس بجواره وضع رأسها على صدرها لتشعر بحرارة دموعه و أنفاسه التي تصل إليها تحرقها، رغم كل ما فعله بها سقط قلبها معه اهتز جسدها و هي تضمه إليها أكثر....
ساعة كاملة لم تخرج منهما كلمة واحدة ليقول هو بنبرة ضعيفة :
_ أنا ضهري اتكسر يا أزهار...
جملة كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، هل من حقها تفرح بحزنه و تشعر بانتقام الخالق؟!.. لا هي موجوعة مثله، رفعت كفها المرتجف على وجهه ترفعه إليها هامسة بتردد :
_ مين يقدر يكسرك؟!.. أنت مش ضعيف يا فاروق مش عايزة أشوفك كدة..
_ ربنا...
انتفضت قائلة :
_ أنت بتقول ايه؟!..
_ بقولك ربنا أخد حقك و حسيت إحساسك يمكن وقتها كنت برضو مكسور و مش قادر أشوف دموعك و لا آخدك في حضني بس أنا دلوقتي مش هقدر أرفع راسي تاني، كل اللي حصل بنا أنتي السبب فيه يا أزهار و مع ذلك بحبك و مسامحك...
أعصابها انهارت بشكل كلي، اعتراف بالحب مع وصمة عار فعلها بها، هو الآن يعطي لها صك الغفران على ذنب فعله هو؟!. ابتعدت عنه ليتمسك بها بقوة مردفا :
_ ليه خنتيني يا أزهار مع إني حبيتك لدرجة الجنون؟!..
ضربته بصدره صارخة :
_ فاروق أنت في حالة مش طبيعية و مش عارف بتقول ايه؟!... أنا اللي خنتك فعلاً أمال أنت عملت ايه قتلتني؟!..
عيناه اقتحمت حصون وجهها يقول الكثير قبل أن تنطق بحرف واحد هل هو الآن قادر على مواجهة جديدة ؟!. لا إلا أنه سيخوضها لن يخسر أكثر مما خسره :
_ سرقتي الصفقة و أديتي الورق بتاعها لفوزي ليه؟!.. ليه مجتيش ليا و قولتي إنك عايزة فلوس كنت كتبت كل املاكي باسمك بدل ما تديني لعدوي...
اتسعت مقلتيها من هول بشاعة الحديث، مصر على وضع جرح فوق الآخر، تحركت شفتيها ببطء تخرج الحديث منهما بعجوبة :
_ أنا بعتك و خنتك؟!.. بالفلوس؟!.. بتحاول تخفي الفضيحة اللي عملتها معايا بأنك تطلع البريء.. ليه مصمم تكسر كل حاجة جوايا ليك مش كفاية وجع قلب بقى يا ابن الأكابر..
حرك يده على وجهه عدة مرات يحاول الهروب من هذا الحديث مثلما فعل مع فريدة لا يريد سماع المزيد إلا أنها صرخت به بقوة أكبر :
_ رد أنا عايزة أسمع ردك رد رد...
لم يجد أمامه إلا كشف الحقيقة سوف يخسرها و ينتهي الأمر، أخرج هاتفه لترى صورها مع فوزي و معها شنطة عقود زواجه، قامت من مكانها مثل المجنونة تضحك إلى أن وجعها وجهها من الضحك لتنظر إليه مردفة بعدم فهم :
_ يعني أنت فضحتني و كسرت فرحتي و طلقتني عشان الصور دي، الصور اللي بتقول فيها ورق الصفقة كان فيها عقود جوازك من كل الستات اللي عرفتها، و شنطة الفلوس دي كانت مقابل إني أبيعك و يا ريتني كنت عملت كدة فعلاً، أنت ظالم يا فاروق ظالم أناني مش شايف إلا نفسك و بس...
كل ما ظل سنوات يبني به سقط بساعة واحدة فوق رأسه، أزهار فقدت عقلها... تصرفاتها غريبة أعصابها منهارة، تكسر كل شيء أمامها حتى سقطت على الأرض من شدة التعب تقول له بضياع :
_ أنا حامل منك يا فاروق أو من فوزي شوف أنت نفسك مين يبقى أبو الطفل ده...
