رواية عاصفة باسم الحب الجزء الثاني2من(حي المغربلين)
الفصل الخامس عشر15
بقلم شيماءسعيد
الحاج منصور و رجال الحي من الاتجاه الأمامي للقصر يحاولون بشتى الطرق إطفاء النيران، توقفوا فجأة مع سماع صريخ أحدهم من مكان قريب ليسيروا خلف الصوت حتى وصلوا للحديقة الخلفية و هنا كانت الكارثة، فوزي الخولي يحترق أمام الجميع و كارم يحاول إفاقة هاجر، أما فاروق غارق مع أزهار ببحر الأحلام...
قبل أن يقترب الحاج منصور منهم أتت الشرطة و الإسعاف...
بعد خمس ساعات..
كانت فتون تجلس هي و فريدة بين أحضان جليلة بصمت، الحمولة أصبحت فوق طاقتهم و كأن السعادة ترفض البقاء بحياتهم، أخذت جليلة تسبح ربها بدموع جافة تتمنى سماع أي كلمة تريح قلبها و تعيد لها الروح..
خرج الطبيب من غرفة العمليات الخاصة بفاررق ليركض الجميع إليه ثم قال فارس بلهفة :
_ طمنا يا دكتور فاروق عامل إيه..
ابتسم إليه الطبيب باحترام مردفا :
_ اطمن يا نجم مصر فاروق باشا ده أسد، الطلقتين واحدة سطحية و التانية عميقة شوية بس مالهاش أي تأثير سلبي عليه فيما بعد، و حرق بسيط في ضهره الحمد لله برضو مش عميق، المشكلة بس أنه نزف دم كتير و احنا بنحاول نعوضه ساعتين و هيدخل أوضة عادية...
تنفس الجميع بارتياح إلا جليلة التي كانت تنظر لغرفة شقيقتها الثالثة بقلب مقهور، أزهار تلك الزهرة الجميلة التي لم تأخذ من إسمها أي حظ تعاني منذ نعومة اظافرها، من البداية تفقد كل شي تحبه وراء الآخر و ها هي اليوم تفقد شيء أعز...
عادت للجلوس على أقرب مقعد غير قادرة على الصمود و التحلي بالقوة أكثر من ذلك، وضعت كفها على رأسها محركة إياها بحسرة هامسة :
_ يااا رب..
ساعة أخرى مرت علي حرق الأعصاب هذا، فتون تضم جسدها لعابد الجالس بصمت خائف على جارته المسكينة، سقطت دموع فتون فجأة بقوة و بلا سابق إنذار مرددة :
_ تفتكر هيحصل ايه في أزهار يا عابد بقالها كتير أوي جوا، أنا خايفة...
هو الآخر كان خائفا.. من يعرف أزهار و يرى ابتسامتها و لا يخاف عليها، قبل رأس زوجته بحنان قائلا :
_ ربنا كبير و أزهار قوية هتخرج منها زي ما خرجت من حاجات كتير قبل كدة، ادعي لها بس يا فتون، خليكي هنا أنا رايح أصلي و راجع...
أما فريدة فانكمش جسدها بزاوية بعيدة عن الجميع، اقترب منها فارس بقلق هامسا باسمها إلا أنها فضلت عدم الرد، بتلك اللحظة أقصى أمنية لديها خروج فاروق و أزهار بطفلهما سليم و هذا يكفي، أزهار لو كانت جبلا لسقط على الأرض من ثقل الأوجاع، شعرت بيده على وجهها تزيل دموعها بحنان قائلا :
_ أزهار قوية يا فريدة متخافيش عليها و فاروق الحمد لله بخير اطمنا عليه..
رفعت عينيها إليه ليري بهما نظرات الغل واضحة ثم صرخت به :
_ بلاش تعمل دور الملاك البريئ ده مش لايق على مجرم زيك، هي من كام شهر كانت على نفس السرير بسبب واحد معدوم الضمير بعت لها بلطجية تشوه وشها، امشي من ادامي دلوقتي يا ابن المهدي مش طايقة أشوفك و لا أشوف أي حد منكم...
خرجت الطبيبة من الغرفة الخاصة بأزهار بعلامات وجه غير مبشرة بالخير كانت جليلة أقرب شخص إليها لتقول :
_ قولي إنها بخير الله يبارك فيكي...
ردت عليها الطبيبة باشفاق مردفة :
_ المدام كان الجنين ميت في بطنها من فترة و فضلت تنزف و مع ذلك كانت بتتحرك و عادي، ده أدى لأذى الرحم إحنا نضفنا الرحم بس الحمل بقى صعب جداً ممكن تقعد سنين تتعالج، حمد لله على سلامتها...
______شيماء سعيد_______
بنفس المشفى غرفة هاجر علوان...
أغلق باب الغرفة عليهما بالمفتاح يخشى حدوث أي مكروه لها خصوصاً و إن الصحافة منتشرة بالمشفى، ظل بجوارها ست ساعات يتأملها دون ملل، يعشق تفاصيلها البسيطة الناعمة، كل جزء بداخله يتمنى لو يعود الزمن به من جديد ليمحي كل لحظة ألم لها كان هو سببها...
اقترب من وجهها مبتسما من يراها و هي نائمة يقسم أنها طفلة لم تتخطى عامها الخامس، بريئة رقيقة، جميلة بل رائعة الجمال هي فتنته على الأرض..
ابتعد قليلا مع رمشة عينيها بمحاولة منها على الاستيقاظ، ثانية و الثانية و بدأت تفتح حبات العسل الأسود المسيطر عليه الشحوب، أخرجت من بين شفتيها أنين خافت بألم هامسة :
_ كارم...
وضع يده على خصلاتها مجيبا بلهفة :
_ أنا أهو يا حبيبتى جانبك و مش ناوي أبعد عنك أبداً...
ابتسمت له نصف إبتسامة حزينة قبل أن تهمس بصوت ضعيف :
_ أنا مريضة يا كارم و ضعيفة أوي محتاجة أرجع لسنين أدام عايزة ابقى لوحدي بعيد عن الناس كلها يمكن أرتاح، خلي ولادي أمانة عندك لحد ما أقرر أرجع و لو مرجعتش أديهم لجليلة هتحبهم حتى أكتر مني...
كتم باقي حديثها بأصابعه لتنظر داخل عينيه المترقرقة بالدموع لأول مرة، أحبها و يا ليته لم يفعل فهو بهذا الحب أصبح هشا ضعيفا جداً، عاجزا عن البعد و عاجزا عن القرب، أردف بصرامة خفيفة :
_ اسكتي مفيش حاجة اسمها تبعدي عني أنا روحي فيكي يا هاجر، عارف إني زبالة و ابن ك** كمان ظلمتك زيه و يمكن أوسخ منه، بس أنا عاشق ليكي وبحبك... أنتي رديتي فيا الروح من أول و جديد هفضل الباقي من عمري عشان أعوضك عن اللي فات بس أنتي أدي ليا فرصة واحدة...
لا تعلم لما فقدت هدوئها لما تذكرت وجعها و كسرها، رغم تعب جسدها القاتل إلا أنها انتفضت من فوق الفراش صارخة بجنون و هي ترى طيف فوزي الخولي معها بالغرفة، نظرت لنقطة بعيدة و هي تحرك رأسها بنفي خائفة :
_ ابعده عني ابعده عني يا كارم لو بتحبني فعلاً، خلي فوزي يبعد عني بقى أنا تعبت مش حمل لا ضرب و لا عنف و لا قلة قيمة تاني، لالالالا ابعد يا فوزي و و الا أقولك أنا هقتل نفسي عشان ترتاحوا كلكم...
اتسعت عينا كارم بهلع قبل أن يأخذ منها تلك الحقنة التي أخذتها فجأة من جوارها، ألقى الحقنة من كفها ثم ضمها لصدره قائلا بلهفة :
_ اهدي يا حبيتي اهدي مفيش حد إسمه فوزي الخولى خلاص هو مات مفيش إلا أنا و أنتي هنا بس، عشان خاطري بصي ليا أنا كارم يا هاجر...
هدأت قليلا ليرفع وجهها من على صدره بعدما شعر بثقلها، خفق قلبه برعب أهي نامت أم فقدت الوعي، حرك يده على وجهها هامسا باسمها عدت مرات إلا أنها لم ترد عليه، وضعها على الفراش بحذر قبل أن يطلب الطبيب بوجه شاحب...
بخطوات مرتجفة فتح باب الغرفة للطبيب، تابع كشف الطبيب عليها و هو يشعر أن كارم الريس لأول مرة ضعيف يريد أخذها بعيدا عن الجميع و البكاء على صدرها...
انتهى الطبيب من الكشف ليقول كارم بنبرة مرتعبة :
_ مالها يا دكتور و ايه لازمة الحقنة دي؟!. هي كويسة صح...
قالها بتمنى ليرد الطبيب بعملية :
_ مدام هاجر عندها انهيار عصبي و خوف وصل لدرجة عليا، أنا أديت لها مهديء عشان تنام و ترتاح أول ما تفوق هييجي لها دكتور نفسي هو بس اللي يقدر يحدد إقامة مدام هاجر الفترة الجاية....
______ شيماء سعيد _____
بغرفة فاروق كانت تجلس جليلة بجواره تضم كفه إليها و من الجهة الأخرى فريدة و فتون أما عابد و فارس يقفون بزاوية بالغرفة، بدأ يعود لوعيه بالتدريج و آخر ما تذكره خروجها من القصر و الانفجار، لأول مرة تسقط دمعة خائنة من عين فاروق المسيري ليهمس باسمها عدة مرات :
_ أزهار فين أزهار...
أجابته فتون بلهفة :
_ حمد لله على السلامة يا أبيه أزهار بخير متخافش عليها موجودة في الاوضة اللي جانبك...
أشار بيده لرفيق دربه مردفا :
_ وديني ليها يا فارس عايز أشوفها....
بعد ساعة...
ابتسم براحة شديدة و هو يراها أمام عينيه، رغم وجهها الشاحب و شفتيها التي فقدت لونها إلا أنه مكتفيا بوجودها بين يديه، لماذا وقعت تلك الصغيرة البريئة بداخل حياته السوداء؟!.. يعتبرها مثل طاقة القدر انفتحت إليه لتعطي لفاروق المسيري فرصة جديدة بالحياة...
ضم كفها السليم بين يديه مقبلا إياه بثقل قبل أن يضع وجهه عليه مستسلما لهذا الأمان و الدفئ النابع منها، يا ليت لديه القوة التي يستطع البكاء بها، اعتاد على الصمود و القوة مهما كلفه الأمر، أبيه كان له مقولة تربى عليها "البكاء ضعف و سند المسيري الوحيد لا ينفعه الضعف...
الآن هو بأضعف حالاته، خسر طفله و كان على وشك خسارتها، رفع عينيه يحدق بها بحنين :
_ عايزك أنتي و بس يا أزهار مش فارق معايا حاجة تانية كفاية أوي عليا أنتي و بس، هنعيش أجمل أيام عمرنا هعوضك و ده وعد مني ليكي...
ابتسامتها أدخلت بقلبه الحياة، قطعة الشكولاته خاصته فاقت و ابتسمت إليه، تغلب على وجع ساقه ليقوم من مكانه آخذا إياها داخل أحضانه بلهفة، كادت أن تتمزق بين يديه إلا أنها لفت كفها السليم حول عنقه بقوة، لحظات من الرعب مرت عليهما ليعلم كلا منهما أنه بلا الآخر لا شيء....
أخرجت أنين بسيط يعبر عن إشتياقها مع سماعها لصوته، تأوه بمتعة خالصة قبل أن يردف :
_ بحبك يا أزهار بحبك أوي...
أخيرا قالها بصدق، سمعتها كثيراً منه من قبل إلا أنه الآن قالها من أعماق قلبه، دفنت وجهها بعنقه مردفة بخجل :
_ و أنا...
أبتعد عنها قليلا ناظرا لها بوقاحته المعتادة ثم قال :
_ الشاش اللي في رجلي منعني من حاجات كلها قلة أدب هموت و أعملها..
رفعت حاجبها بشراسة مردفة :
_ إحترم نفسك مش أنا اللي ممكن تغرغر بيا و تسلبني أعز ما أملك...
هنا اختفت ضحكتها و هي تضع كفها على بطنها بتلقائية قائلة برعب :
_ فاروق ابننا بخير صح...
أخذها بصدره مغلقا ذراعيه عليها بقوة، رسالته وصلت واضحة فقدت جنينها مثلما اعتادت على الفقدان، لم تبكي أو تصرخ كانت تعلم أن السعادة غالية و بعيدة عنها كل البعد ابتعدت عنه مردفة بتقطع :
_ أنا مش زعلانة يا فاروق بالعكس أنا مبسوطة جداً إنه مات، هو كدة في مكان أحسن بدل ما كان هيبقى طفل لأم زيي فقر ، أي حاجة حلوة تقرب منها لازم تروح، اللي قهرني إني كل مرة أتعلق و أفرح رغم إني عارفة إن مفيش حاجة دايمة أو مكملة معايا، بس أحسن إنه مات بدل ما كان أخد حظي و بختي و فقري...
كلماتها سهام قاتلة لم يتحملها ابتلع لعابه مقبلا كل جزء بوجهها معتذرا من بين قبلاته :
_ لأ يا حبيبتي أنتي أحسن واحدة في الدنيا و ابننا أول ما نخش الجنة هيبقى هو مستنينا هناك، حقك عليا أنا السبب مش أنتي يا زهرة عمري...
______ شيماء سعيد _____
بعد مرور أسبوع كان طوال تلك الفترة يدللها مثل طفلته الصغيرة، يطعمها بيده، تأخذ دوائها مع رجائه و قبلاته، تنام مع سماعها لصوته الخشن يتلو عليها بعض الآيات من الكتاب الكريم، نظرت إليه بعبوس ترفض أخذ الدواء مثل عادتها ليقول بحزم لطيف :
_ و بعدين بقى يا شكولاتة مش المفروض نهتم بنفسنا أكتر من كدة، خدي العلاج عشان أجبلك شكولاتة طعمة زيك كدة...
حركت رأسها نافية بقوة و بدأت دموعها بالسقوط مثل كل يوم مردفة بحنق :
_ لأ بقى يا فاروق أنا خلاص تعبت مش قادرة كل يوم حقن و دوا زهقت و جسمي و معدتي وجعوني، كفاية كدة...
قرص أنفها بغضب مصطنع ثم قال :
_ دلع مش عايز دلع مش كل يوم نفس المسلسل الهندي ده، افتحي بوقك يا أزهار ما أنا كمان عيان و باخد دوا يلا...
نظرت إليه بحزن طفلة صغيرة ثم فتحت فمها تستقبل الدواء بصمت، ابتسم إليها بمرح مقبلا ثغرها ثم أردف :
_ زي القمر يا حبيبتي في كل حالاتك دوري أنا بقى آخد العلاج من ايدك يا شوكولاتة...
قطع حديثهما رنين هاتفه برقم الحارس الموجود مع جوليا، حدق بها بارتباك قبل أن يغلق الخط إلا أن الآخر أستمر على الاتصال ليفتح و عينه على أزهار التي أغلقت عينيها بنعاس :
_ خير في ايه يا زفت أنت...
_ مدام جوليا بتولد يا فاروق باشا، اجبها أي مستشفى؟!...
انتفض من مكانه خارجا من الغرفة لتفتح أزهار عينيها بتعجب اما بالخارج رد فاروق بغضب :
_ إياك تروح بيها المستشفى اللي أنا فيها بصي روح مستشفى ****** و أنا جاي على طول....
أشار لفارس ليقترب منه مردفا بقلق :
_ خير يا فاروق رايح فين...
أجابه فاروق و هو يتحامل على عكازه مردفا بنفاذ صبر :
_ خد بالك من أزهار لحد ما أرجع يا فارس...
دلفت فريدة و جليلة لغرفة أزهار، لتقول لهما بتوتر :
_ هو فاروق راح فين؟!.
ابتسمت إليها جليلة بهدوء قائلة بمكر :
_ راح مشوار مكنش عايز يسيبك قولتله متخافش على حبيبة القلب في الحفظ و الصون...
أومات إليها أزهار بتعب قبل أن تدلف الطبيبة غير التي كانت تتابع حالتها، أخذت التقرير الخاص بحالة أزهار قائلة بهدوء :
_ أنا الدكتورة مني هتابع مع حضرتك لأن الدكتورة أسما أخذت إجازة مدة...
تابعت الحديث دون أن تلاحظ إشارات جليلة و فريدة لها :
_ حالتك دلوقتي بقت أحسن يومين كمان و ممكن أكتب ليكي خروج بس طبعاً هتفضلي ماشية على العلاج ده لحد ما الرحم يهدى، مش عايزة يكون عندك يأس ياما ناس الدكاترة كانت فاكرة إنهم مش هيخلفوا تاني و بقى عندهم أطفال خلي عندك إيمان كبير بربنا.... بس أهم حاجة العلاج بانتظام يا مدام أزهار أوعي تفقدي الأمل حتى لو فعلاً التقارير بتقول إن حملك مرة تانية صعب جداً ...
_ حملي مرة تانية مستحيل...
