أخر الاخبار

رواية قصة السجادة الفصل الرابع4بقلم شهد جاد محمد


رواية قصة السجادة الفصل الرابع4بقلم شهد جاد محمد


قصة السجادة 
-البارت الرابع 
بقلم :شهد جاد محمد 

لم تتبين طبيعة الحركة وهي بعيدة نسبيا عن السجادة ، وخافت أن تقترب فتتوقف الحركة .. انتظرت في مكانها حابسة أنفاسها وهي ترى خيوط السجادة تخرج منها وتدور حول نفسها في الهواء كأنها اعصار صغير ، ثم تتجمع في شكل غير واضح ..

مرت ثوان والشكل يتكون .. حتى ظهر بوضوح رغم الظلام رجل كامل ! رجل ضخم من خيوط ووبر مختلفة الألوان ، لكنها بدت متناسقة عليه كأنها لباس مزخرف وكان بها شبه كبير من زخرفة السجادة التي بدت في هذه اللحظات عارية إلا من بعض الخيوط القليلة التي بقيت متعلقة بأطرافها ..



كان وجه الرجل ينظر إلى زاوية غير التي تختفي فيها "فايزة" ، ولهذا لم يلمحها وهي تفتح فمها في انبهار وخوف دون أن يصدر عنها أي صوت.. قام رجل السجادة بتحريك جسده كأنه كان محبوسا في صندوق ضيق وتحرر منه.. أخذ يشد أطرافه في حركات أشبه بتمارين رياضية ، فبدت عضلاته المكسوة بالخيوط الملونة للسجادة في منتهى التناسق والجمال ، وأطراف الخيوط تتمايل مع حركاته في مشهد ساكن رهيب ..

وكان هذا فوق احتمال "فايزة" فشهقت في فزع شهقة قوية انتبه لها رجل السجادة ، فالتفت فجأة إليها والتقت عيناه بعينيها لمدة لا تزيد عن جزء من مائة جزء من الثانية ، تفكك بعدها فورا وعادت الخيوط إلى أماكنها في ثانية واحدة !

وعلى صوت الشهقة استيقظ "فؤاد" مفزوعا ومتضايقا في نفس الوقت ، متوقعا من أخته حكاية جديدة تلفت بها انتباهه لمشاكلها التي يعرفها وقد قرر بالفعل أن يبدأ في حلها .. في كلمات متقطعة أخذت تصف له الرجل الذي تكون جلده من خيوط السجادة وكيف أنه كان يقف في الصالة ويتحرك ثم عاد مرة أخرى إلى السجادة عندما رأها ..

كان الوقت متأخرا و"فؤاد" يريد أن ينام ليلحق بعمله في الصباح الباكر ، ولذلك وقف بعصبية على السجادة وأخذ يقفز عليها قائلا :"هذه هي السجادة .. لا شيء فيها ، لا رجال ولا نساء ولا شيء ، انظري إليها ، تعالي قفي عليها ، امسكيها.. هل فيها أي شيء غريب ؟ هل أصابك الجنون ؟ هل .." ثم قطع عبارته بغتة عندما لاحظ شيئا وأخذ يتأمل السجادة لحظة ..

قطعت تأمله "فايزة" عندما ارتمت عليه باكية ، ورجته ألا يتركها في البيت وحدها ، وأن يلقي بالسجادة خارج المنزل .. وأن يأخذها معه إلى العمل إذا لم يكن هناك مكان تذهب إليه .. ضمها إليه وأخذها إلى غرفتها مهدئا إياها دون جدوى ، إذ ظلت تبكي حتى الصباح رافضة أن تنام أو تتركه ينام إلا في نفس الغرفة جوارها قبل الفجر بقليل عندما نفذت طاقتها ونامت هي أيضا ..

أما "فؤاد" فقد استيقظ لعمله وارتدى ثيابه بينما اخته نائمة ، ومر بالصالة ناظرا إلى السجادة محاولا تذكر شيء ما خطر على باله بالأمس لكنه نسيه .. هناك شيء غير مريح في السجادة لكنه لا يعرف ما هو .. نفض عن رأسه هذه الأفكار ونزل من البيت .. تاركا أخته نائمة وحدها ، مع السجادة .. أو بعبارة أدق مع رجل السجادة ..

* * *

كان قد تأخر على ميعاد العمل بسبب سهرة الليلة الماضية .. فأسرع الخطوات نحو الطريق العمومي ليستقل سيارة أجرة.. لكنه لمح على ناصية الشارع المقابل رجلا يحمل سجاجيد ، إنه البائع الذي اشترى منه السجادة.. أسرع نحوه وحياه.. استقبله الرجل بترحاب عارضا عليه سجاجيده الجديدة ومذكرا إياه بأنه باع له في المرة السابقة سجادة مميزة. فقال "فؤاد" عندئذ :" هذا ما جئت لك من أجله ، كنت أريد أن أسألك من أي منزل أشتريت هذه السجادة التي بعتها لي من قبل ؟" ، بدأ الضيق على الرجل وحاول انكار أنه يبيع سجاجيد مستعملة ، وعاد يكرر حكاية شركة السجاد التي يعمل بها كمندوب مبيعات !

قال "فؤاد" : "اسمعني جيدا ، ساعطيك ثمن السجادة مرة أخرى لو أخبرتني من أين أخذتها ، أي بيت باعها لك ؟ إنه ليس بعيدا عن هنا بالتأكيد فأنت لن تقدر على حمل السجاد لمسافة كبيرة دون سيارة"

رد البائع وهو بين الرجاء في الانتفاع بالمال من "فؤاد" وبين الخوف على سمعته إن اعترف بأن سجاده مستعمل :"أنا لم يسألني أحد من قبل هذا السؤال رغم أني أعمل في بيع السجاد منذ كنت طفلا.. لم يطلب أحد أن يعرف أين كانت سجادته قبل أن تصل إليه .. إن هذا سيسبب لي مشكلة مع أصحابها الأولين ولن يفيد صاحبها الجديد.."

قال "فؤاد" : "الجميع يعلم أن سجادك مستعمل وأنك تأتي به من المنازل ، لا تضيع وقتي من فضلك وأعطني عنوان المنزل الذي اشتريت منه السجادة ، إن السجادة تعجبني وأريد أن أعرف من أي مصنع حصلوا عليها وبكم ، لن يسبب لك هذا أية مشاكل .." ، وأخرج من جيبه بعض النقود ليعدها أمامه ..

قال البائع وعينه على النقود التي تتحرك في يد "فؤاد" : "لقد نسيت العنوان يا سيدي ، إن هذا الأمر كان من فترة طويلة".

ولكن النقود التي يعدها "فؤاد" وصلت إلى ما يساوي ثمن السجادة مرة ونصف ، وهو مبلغ لا يكسبه البائع إن عمل أسبوعا متواصلا خاصة في هذه الأيام التي ليس فيها بيع ولا شراء ..

قال البائع :"حسنا ، لقد تذكرت .. إن أصحاب هذه السجادة ليسوا هنا .. إنهم في حي (..) ، شارع (..) ، تدخل يمينا إلى شارع صغير ، ستجد محلا اسمه (..) وعلى الجهة المقابلة ستجد سيدة جالسة على كرسيها في الشارع ، اسألها عن منزل الأستاذ (..) ، وحاول أن تخبرها في البداية أنك لست من الحكومة لأن مظهرك يوحي بأنك موظف ، وهي تبيع الدجاجات المذبوحة بطريقة لا تخضع لرقابة "الصحة" ، اذهب إلى المنزل واصعد الدور الثالث ، أول شقة على يمينك هي التي أخذت منها السجادة "

اختطف البائع النقود من يد "فؤاد" ، واستدار راجعا للشارع الرئيسي وهو ينوي ألا يبيع أو يشتري اليوم احتفالا بهذه المكسب.. رفع هاتفه المحمول إلى أذنه وتحدث إلى أحدهم طالبا منه أن يحضر السيارة.. هنا فهم "فؤاد" كيف وصلت السجادة من ذلك الحي البعيد إلى هنا ، إن هناك سيارة ربما لصديق أو شريك للبائع تحمل السجاد من منطقة لأخرى .. بدا هذا منطقيا ، إذ لا يصح أن يبيع السجاد المستعمل لجيران في نفس المنطقة فيزور بعضهم بعضا ويشاهدون سجادهم ، وينكشف أمره ويعرف الناس أن السجاد كله مستعمل.

وضع "فؤاد" العنوان في جيبه ، وتوجه إلى عمله وهو لا يدري لماذا أنفق هذا المبلغ الكبير على العنوان .. ربما يكون قد تسرع قليلا ، فماذا سيفيده معرفة أصحاب السجادة السابقين ؟ إن السجادة عادية تماما وليس فيها أي شيء مريب ، ماعدا شيء واحد كان قد لاحظه بالأمس لكنه لا يتذكر ما هو .. عموما العنوان لن يضر في شيء.. وأخته الآن في أمان ، فحتى لو كانت هناك وحوش تخرج من السجادة فإنها لن تغامر بالخروج في وضح النهار ..

هدأ باله وهو يدخل لمكان عمله ويجلس على مكتبه ويشعر أن الأمور كلها تحت السيطرة ، وهو لا يدري أنه قد ترك أخته التي كان يخاف عليها من نسيم الهواء وحدها في شقة صغيرة مع كائن ضخم مخيف .. كائن لا يعرف معنى الليل ولا النهار .. ولكنه يخرج من السجادة متى يحلو له ..






* * *

استيقظت "فايزة" من النوم متأخرة ، وتذكرت أحداث الليلة السابقة ولكنها لم تكن خائفة فقد كانت تحلم للتو بحلم جميل ، فيه رجل قوي يحتضنها ويأخذ بيدها ويقبلها .. بينما تراقصت على شفتيه خيوط ملونة بتناسق بديع وكانت له نفس عين رجل السجادة..

إنها تلك الأحلام المركبة ، الرغبة في الزواج تداخلت مع شكل رجل السجادة لتصنع هذا الحلم العجيب .. وانتبهت "فايزة" إلى أن رجل السجادة هذا هو أول رجل تراه في حياتها غير أخيها منذ سنوات ! خرجت إلى الصالة وجلست بالقرب من السجادة وأخذت تحدثها :"لا داعي للاختباء ، أنا وأنت نعرف أنك موجود .. اخرج وكلمني ، أنا وحيدة مثلك .. أعرف أنك لن تؤذيني ، وأنا أيضا لن أضرك في شيء .. هيا .. تكون كما تكونت بالأمس ولا تخف .. لن يعود أخي الآن"

استمرت تتكلم هكذا دون أن يحدث شيء حتى بدا لها أنها جنت .. ولكن أطراف السجادة بدأت تتحرك .. خفق قلبها وارتعدت أطرافها كطفل يقرأ في كتب الجن غير مصدق لها وفجأة يظهر له جنيا ! أعادت كلماتها ورجاءها مرات ومرات ..

إنها وحدها في المنزل وليس هناك أكثر إثارة من مداعبة هذه السجادة الغريبة .. لكن السجادة لم تكن تلعب . إن اللعب ليس موجودا في قاموس رجل السجادة ، فعندما يناديه أحد بهذه العبارات فإن هذا معناه أن يخرج .. يخرج لمهمة محددة طال انتظارها ..

* * *

فجأة وبدون مقدمات تذكر "فؤاد" وهو على مكتبه في العمل .. زخارف... 😮



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-