رواية بداية الرياح نسمة (حي المغربلين) الفصل الحادي عشر11بقلم شيماء سعيد


رواية بداية الرياح نسمة (حي المغربلين) الفصل الحادي عشر11بقلم شيماء سعيد




يأخذ عرفة مكتبه ذهابا و إيابا مند متي و هاجر لا ترد على اتصالاته بها؟! يبدو أنها تحتاج إلى ليلة عقاب كاملة يكفي عليها الدلال إلى هنا، عاود الأتصال بها لترد أخيراً.. 

ابتسم بانتصار على صوت أنفاسها المرتفعة، خائفة منه و هذا يسعده و يزيد من تملكه و حبه الهوسي بها، على الجانب الآخر كانت تحمل هاتفها بكف مرتجف تنظر إلى باب غرفة العمليات المغلق متوترة و خائفة... 

لأول مرة بحياتها تشعر أن لها أهمية بحياة أحدهم، كارم كادت أن تنتهي حياته من أجل الدفاع عنها، أغلقت عينيها بقوة مع صوت فوزي الكريه تسمع توبيخه لها بكل خضوع:

_ أنا اتصلت كام مرة يا حيوانة؟! 

سمعت الكلمة منه كثيرا بغرفة نومهم و لكن بالخارج لم يفعلها أبداً ، تألمت منها تلك المرة و كأنها تصل إليها لأول مرة فرصتها الوحيدة بهروب من سجنه بين كلمتين فاروق المسيري، ابتلعت تلك الغصة المريرة بحلقها مردفة :

_ آسفة بس كارم عمل حادثة و إحنا دلوقتي في المستشفى لما حضرتك كنت بترن أنا كنت مع الدكتور... 

هدأ قليلاً من هذا المبرر و حاول إخفاء قلقه من وجودها بمفردها دون حارس يعرفه إلى أين تذهب و كم مرة تنفست، جلس على مقعد مكتبه قائلا بهدوء :

_ لو الروح بتخرج من صدرك و أنا كلمتك تردي عليا الأول قبل روحك ما تطلع سامعة و الا لا؟! ساعتين و هكون عندك فخافي مني يا بنت علوان... 

أغلق الهاتف بوجهها لتأخذ أنفاسها المسلوبة من أثر سماعها إلى صوته و نبرته، على الجانب الآخر وضع هاتفه على المكتب و خرج ليستعد للسفر إليها... 

مع أول خطوة له بالخارج وقعت عينيه على تلك السمراء الناعمة تتجول بمنزله بكل أريحية، مغناطيس غريب جذبه ليقترب منها يراها عن قرب، أبتسم بخفوت مع سماع كلماتها التي تبدو أكثر من لذيذة :

_ الله يرحمك يابا كنت دايماً تقولي إنتي بومة يا بت يا أزهار.. 

قدمه هي من أخذته بكل قوة ليذهب إلى تلك الساحرة السمراء، رأى أجمل نساء العالم إلا أن تلك الفتاة التي ترتدي عباية سوداء تزين جسدها الناعم و حجاب فيروزي رائع يعطي لها جمال صاخب.. 

تفاجأ من تلك الجميلة تصطدم بجسده ليعيش أكثر لحظة مميزة بحياته و كأنه شاب مراهق، ابتعدت عنه سريعاً بعيون متسعة غاضبة و هنا كانت الصدمة عندما رن صوتها بأذنه:

_ مش تاخد بالك و أنت ماشي يا جحش أنت... 

_ مين اللي دخلت قصر فوزي الخولي من غير إذنه؟!.. 






كل ما يريده معرفة هويتها غير مهتم تماماً بإهانتها له.... يسمعها و كأن كروان يتحدث، لم تعطي لتحذيرات فاروق أي أهمية عن عدم حديثها مع فوزي بطريقة غير لائقة لتقول بسخرية :

_ يعني داخلة قصر الخديوي إسماعيل يا أخي اتكسف و بلاش فشخرة كدابة، أنت بقى سي فوزي صاحب البيت؟! 

يبدو و كأنه بكوكب آخر بداخل سحر تلك العيون السوداء، أخذ عقله يدور بكل الاتجاهات و عينيه تسير على ملامحها الشهية، رغبته تقوده إلى أخذها غرفته المفضلة فهي ستكون ممتعة للغاية... 

أخذ نفس عميق من رائحتها الذكية قائلا :

_ أيوة أنا... أنتي بقى مين يا ست الحسن و الجمال.. 

رفعت حاجبها إليه بتعجب أهذا الرجل أهبل أم ماذا؟! حركت شفتيها قائلة بمغزى :

_ اسمي أزهار يا عم الحاج الشغالة الجديدة.. 

بضيق قال :

_ إيه يا عم الحاج دي.... قوليلي فوزي بيه مع إن سي فوزي هتكون منك تحفة يا ست الحسن و الجمال... 

_ عشان سنك ممكن أقولك يا سيدي الحاج أصلك في مقام جدي، اسمي أزهار مش ست الحسن و الجمال شكلك من الرجالة اللي لما تكبر عقلها يخف... 

______شيماء سعيد_____

بحي المغربلين... 

_ في ايه يا جليلة مالك أنتي جاية قبل معاد الغدا ليه؟!. 

صرخت بقوة مع سحب جليلة لها من مقدمة ملابسها مثل اللصوص قائلة بغضب :

_ بت بطلي دور الهبلة ده و قوليلي المحروسة أختك فين، خدي بالك أنا عيني عليكي أي كذب هتاخدي على وشك بضهر أيدي... 

وضعت فتون يدها على مقدمة عنقها تخفف من حدة الملابس عليه تكاد تختنق، ثم أشارت إلى جليلة باليد الأخرى مردفة بلهاث :

_ اهدي بس يا ست الناس أعصابك مش كدة، فريدة أنا معرفش هي فين لو أعرف هكدب عليكي ليه... 

سقطت يد جليلة على عنقها من الخلف بخفة و هي تردف من بين أسنانها :

_ آه و أنا بقى عبيطة عشان أصدقك يا بت إذا مكنتيش متربية على ايدي كنتي عملتي إيه، أختك فين من امتا و في واحدة منكم بتخرج من ورايا أوعي تكون بتقابل الواد عابد من ورايا؟! 

حركت فتون رأسها عدة مرات تنفي ما وصل لتفكير شقيقتها، آه و ألف آه من فريدة و تغيرها الملحوظ بالفترة الأخيرة، نظرت لجليلة نظرات استعطاف قائلة :

_ معرفش هي فين و بعدين شوية و ترجع يا جليلة اهدي إحنا الضهر... 

أعطتها ضربة أخرى على عنقها صارخة :

_ أنتي الكلام مش هيجيب معاكي فايدة وحشك شبشب جليلة و هو نازل ينور وشك صح قولي من غير كسوف. 

بأقل من ثانية كانت فتون تركض بكل قوتها و الأخرى خلفها بسلاحها المنزلي وقفت أمام طاولة الطعام مردفة :

_ اهدي يا ست الناس.. 

أردفت جليلة و هي تضع يدها على صدرها بتعب:

_ نفسي انقطع... منك لله أنتي و أختك... 

قطع حديثهما صوت الباب ذهبت جليلة إليه تفتح للأخرى و هي بحالة استعداد للهجوم ستأكل من جسدها لتعرف كيف تخرج دون إذنها بعد ذلك، تجمدت مكانها مع ملامح وجه فريدة... 

عيناها حمراء من شدة البكاء مع سائل بسيط على مقدمة أنفها منهارة... جسدها يرتجف و شفتيها زرقاء مثل الموتى... 

ضربت جليلة بيدها على صدرها قائلة بهلع :. 

_ فريدة مالك في إيه؟! 

ألقت نفسها بأحضان جليلة باكية تتذكر ما حدث لها منذ قليل مع فارس المهدي... 

فلاش باااااك... 

_ مستحيل مستحيل مستحيل سامع بقولك مستحيل.. 

بدأت تفقد السيطرة على أعصابها.. عقلها أخيرا استجاب لحقيقة تحاول الأبتعاد عنها، لا تريد استيعاب ما وصلت إليه يستحيل يحدث معها ذلك مازالت فريدة الغالية هذا الرجل كاذب.. 

زاد ألمه أضعاف على دموعها التي بدأت تأخذ مجراها على وجهها، حالة من الرفض الشديد أصابتها يعلم أنه يضغط عليها إلا أنها بحاجة للصراحة لتفتح عينيها على الحقيقة... 

هزت رأسها رافضة لأي كلمة تخرج منه لا تريد تقبل ما يقوله أو على الأقل سماعه، اقترب منها متوترا لا يعرف ما أصابها، حاول أخذها بين أحضانه إلا أنها ضربته على صدره تبعده عنها صارخة :

_ ابعد ابعد أوعى تقرب مني أنت السبب في كل حاجة حصلت ليا يا حيوان، أنا ضعت و ضاع معايا كل حاجة.. أيوة ضعت و لازم أموت.. موتى هو الحل الوحيد عشان أهلي يقدروا يعيشوا، حرام عليك أنت السبب أيوة أنت مش أنا.... 

جذبها من ذراعيها قائلا بهدوء يحاول به السيطرة على الموقف :

_ اهدي يا فريدة مفيش حاجة حلها الموت إحنا هنتجوز و محدش هيعرف أي حاجة، خدي نفسك مالك فيكي إيه.... 

انكمشت على نفسها بشكل مريب ذهب سريعاً لباب المكتب يغلقه عليهما بالمفتاح، عاد إليها ليجدها سقطت بجسدها على الأرض تضم نفسها بكل قوتها، خائفة تائهة... أخيرا علمت بمقدار الكارثة التي بداخلها... 

جلس بجوارها متوترا خائفا من حالتها تلك وضع يده على رأسها قائلا :

_ فريدة أنتي كويسة فوقي و بصي ليا بلاش تعملي فى نفسك كدة.. 

رفعت رأسها إليه بتردد و الدموع تغرق وجهها قائلة بانكسار واضح :

_ أنت مش فاهم و لا حاسس بيا أنا خسرت كل حاجة، حتى الموت مش قادرة أدعي لربنا بيه.. مش عارفه لو استجاب ممكن أروح له زانية، أنت راجل أنا بنت.. حياتي و حياة اهلي بقت خراب... موتني أنت بدل ما أعملها أنا و ساعتها هكون كمان كافرة... 

بطرف أصابعه رفع ذقنها إليه قائلا بحنان :

_ أنا جنبك مفيش أي حاجة وحشة ممكن تحصل ليكي خليكي قوية صدقيني مش هسيب حاجة توجعك مهما كانت بسيطة، مش عارف إذا كنتي هتصدقي كلامي و الا لا بس أنتي بقيتي حتة مني دموعك دي بقت نقطة ضعفي بلاش منها عشان أنا و انتي محتاجين قوة نكمل بيها اللي جاي... 

أومأت إليه عدة مرات ثم همست إليه بتردد :

_ أنا تعبانة عايزة أروح سبني أمشي... 

_ ماشي هتمشي بس الصبح تكوني على مكتبك يا فريدة هانم المهدي... 

صعدت مع السائق الخاص به بسيارته حتى لا يشك بها لمنزلها.... 

انتهي الفلاش باااااك... 

_ فريدة ردي عليا مالك جسمك بيترعش كده ليه؟!.. 

_ تعبانة يا جليلة تعبانة أوي أنا عايزة أموت و ارتاح يا جليلة المشكلة إني مش ضامنة الراحة في موتى، خديني في حضنك مش قادرة آخد نفسي كل حاجة راحت يا جليلة راحت... 

_______شيماء سعيد______

بفيلا فارس المهدي... 






دلفت صفية بكبرياء هذا المنزل سيكون ملكها بيوم لا محالة، أخذت تتفحص المكان حولها بإعجاب أهي تركت فارس بأول طريقه من أجل لقب زوجة العمدة حمقاء.. 

أبتسمت بسخرية على استقبال فرحة لها بحفاوة كأنها تحبها، جلست على الأريكة المريحة قائلة :

_ و أنتي بقي يا فرحة مرتاحة هنا مع فارس و الا عايشة على أطلال عثمان... 

تعجبت فرحة كثيرا من نبرتها الساحرة بالحديث معها إلا أنها أجابتها بجدية صادقة :

_ فارس دلوقتي جوزي يا صفية و عثمان مجرد أخوه مش أنا الست اللي تخون جوزها و تبص لأخوه... 

خرجت ضحكة رنانة من أعماق قلب صفية قبل أن تردف بتهكم:

_ و لما أنتي زوجة وفية أوي كدة يا خايبة إيه حكاية البنت اللي كانت معاه هنا و أنتي في نفسك البيت كأنه عاملك كبرى لحياته مش أكتر و لا أقل... 

رغم عدم حبها لفارس و رغم علاقتها السطحية به إلا أن حديث صفية أصابها بكل جدارة، ابتلعت لعابها بمحاولة للسيطرة على قوتها ثم أردفت :

_ كل ده اشاعات يا صفية فارس ممثل و مش أي ممثل ده النجم فارس المهدي طبيعي تكون الإشاعات معاه طول الوقت... 

وضعت صفية ساق على الآخر قائلة :

_ و يا ترى بقى دخل عليكي و الا لا... أصل الموضوع اللي حصل في البلد ده مسلسل قديم مفيش عيل ممكن يصدقه، اوعي بس يكون عثمان عمل حاجة قبل ما يسافر... 

أتى إليها صوت فارس الحاد الذي دلف للمنزل على صوتها :

_ هو عشان عريسك كان مسطول فاكرة الكل زيه و الا إيه يا أم فارس ، لو عايزة تقعدي في البيت هنا تبقى تحترمي صاحبته غير كدة أنتي ضيفة غير مرحب بيكي أبداً.... 

_______شيماء سعيد______

بشركة المسيري.... 

يجلس على نار و هو يستمع إلى حديث تلك الحمقاء التي حذرها أكثر من ألف مرة من عدم الإقتراب لهذا الرجل، بكل قوته قام بقذف الملفات الموضوعة على المكتب... 

تجمد جسده فجأة مع سماع ضحكات فوزي كلماتها و كأنها لم تغلط به من الأساس، بالبداية كان خائفا عليها و الآن أصابه الرعب عليها من هدوء فوزي قبل العاصفة... 

أخذ نفسه عميق براحة نفسية كبيرة مع كلمات فوزي البسيطة قبل رحيله :

_ ماشي يا ست الحسن و الجمال أنا لازم أمشي دلوقتي بس خدي بالك لينا كلام و أفعال مهمة سوا، أنتي من النهاردة تخصصك تنضيف جناحي بس.... 

بعد رحيل فوزي تحدث فاروق عبر سماعات الأذن بغضب :

_ أنا مش قولت أوعي يكون فى بنكم كلام.. أخرجي من القصر ده دلوقتي حالا و تعالي عندي... 

لا تنكر أن أساس شجاعتها من البداية وجوده معها على الخط، بث بداخلها الكثير من الأمان دون أن يأخذ باله، مع رحيل فوزي بصقت على الأرض بقرف قائلة :

_ اتفو عليك راجل نتن و أنت كمان عايز مني إيه مش كفاية الهم اللي انا فيه بقى بغل زي ده الشوكلاته تشتغل عنده خدامة... 

بلحظة واحدة نسي كل شيء إلا كلمة شوكولاته التي قالتها بكل تلقائية و كأنها أكثر من مرحبة بها، ابتسم بوقاحته المعتادة قائلاً :

_ أنتي مش بس شوكلاته نسيتي المكسرات بتاعتي و الا إيه، شايفك حابة إسم شوكلاته أوي معنى كدة إنك حابة اللي قال الاسم.... 

توترت من طريقته خصوصا مع سيبان جسدها ليبقى مثل قطعة العجين يشكلها مثلما يشاء، رغم أنها غير موجودة أمامه إلا أن احمرار وجهها و دقات قلبها وصلت إليه بكل وضوح لتخرج منه ضحكة رنانة قبل أن يقول بعبث :

_ وشك أحمر و جسمك اترعش كأنك مشتاقة ليا يا حبيبة القلب أنتي... 

تصنعت الغضب لأنها بالفعل اشتاقت إليه بساعات غياب قليلة قائلة :

_ أحترم نفسك يا واكل مال الولايا أنت... 

تعالت ضحكاته على خجلها فهي أصبحت له كتاب مفتوح يقرأ ما بداخله بلا أي مجهود، طارت ضحكته مع تذكره ما هما فيه ليقول بصرامة أخافتها لأول مرة :

_ أزهار كفاية كلام أخرجي من عندك حالا... ساعة و تكوني عندي و أوعي تقفلي الخط أنا مش ناقص حرب أعصاب... 

خافت من طريقته التي تدل  أنها على حافة الهاوية لتقول بهمس متوتر :

_ أمشي لية طيب و المهمة اللي جاية عشانها هعمل فيها ايه؟!. 

أجابها بحنان حتى لا ترتعب من الموقف :

_ مش مهم أي حاجة المهم دلوقتي أنتي و بس أنا معاكي على الخط و في ستين داهية المهمة يلا اطلعي من غير كلمة زيادة يا أزهار مش عايز حد يحس إنك بتتكلمي في الموبايل.... 

أومأت برأسها و كأنه يراها و بدأت بالفعل بالخروج من القصر متوجهة إلى الخارج، تعالت دقات قلبها مع كل خطوة تقترب بها من حرس البوابة، إلا أن صوته بالنسبة لها بمثابة طوق النجاة :

_ يلا يا شوكلاته أنا جانبك أوعي تخافي... 

همست إليه بنبرة متقطعة :

_ خليك معايا أنا بيك مش خايفة... 

وصلت للبوابة تود الخروج إلا أن الحارس منعها قائلا بجدية :

_ ممنوع خروجك.. فوزي بيه قبل ما يخرج منعك من الخروج من هنا يا أزهار هانم اتفضلي لو سمحتي  من غير مشاكل لحد ما البيه يرجع... 





تعليقات



<>