أخر الاخبار

رواية قصة السجادة الفصل الثالث3بقلم شهد جاد محمد


رواية قصة السجادة
 الفصل الثالث3
بقلم شهد جاد محمد



قصة السجادة 
الجزء الثالث 

بقلم: شهد جاد محمد 

 .. ولكنها تسمرت في مكانها عندما لاحظت تلك الآثار .. كانت هناك آثار واضحة لقدم شخص سار على هذه البقعة !!

نزلت من على الكرسي وأخذت تتفحص الآثار .. ففي الأسبوعين السابقين لم تسر هي في هذا المكان من أرض الصالة بالتأكيد ، ولا أخوها يسير حافيا على البلاط هكذا .. ثم إن هذه القدم أكبر بكثير من قدمها أو قدم أخيها .. هناك شخص ما كان يسير هنا ، ويبدو أنه نسي أن يزيل آثار أقدامه أو لم ينتبه لها أصلا ..

لكن السؤال الذي دار بذهنها هو : مين أين جاء صاحب هذه الآثار ؟ وأين اختفى ؟ هل هو رجل خفي يسير ولا يراه أحد لكنه يترك آثاره على الأرض كما يحدث في الأفلام ؟

كان لديها شعور بأن للسجادة دور في هذه الأمور كلها ،لعلها هي التي كانت تتحرك ، وربما كان لها أرجل أيضا .. ورغم سذاجة الفكرة إلا أنها لم تستطع أن تقاوم رغبتها في رؤية السجادة من الجهة السفلى لتتأكد من أنها بلا أرجل !

قلبت السجادة ، وخاب ظنها عندما رأتها سجادة عادية جدا . كل ما يميزها هو بقعة من سائل ما ، يبدو أنه انسكب عليها وقد غسلت آثاره من الجهة العلوية فقط . 




واضح أن هذه السجادة مستعملة ، وهي لم تتفاجأ بالأمر فمنذ أن دخل بها أخوها حاملا إياها هو والبائع وهي تدرك هذا. إن للسجاد الجديد رائحة وملمس لا يخطئهما أحد ..

القصة تتضح إذن ، هذه سجادة انكسب عليها شيء فتخلص منها أصحابها ، وقد غسلها بائع السجاجيد وباعها لأخيها.. لكن ما علاقة هذا بآثار الأقدام ؟ وما الذي يتحرك في الصالة في الليالي ؟ بل أين أختفت ساعة أخيها والأغراض الأخرى ؟

خطر تفسير واحد ببالها ، وهو تفسير علمي تماما ، نابع من متابعتها لبرنامج الدكتور مصطفى محمود عن العلم والإيمان وبعض حلقات الخيال العلمي الأجنبية ورواياتين أو ثلاثة للدكتور نبيل فاروق أحضرهم لها أخوها ذات يوم كهدية صلح بعد أحد الخلافات ..

التفسير هو أن هذه البقعة هي فجوة بين عالمين ! هناك سائل رهيب انكسب على السجادة وفتح الحاجز الذي يفصل بيننا وبين الجن أو الأشباح أو أي مخلوقات أخرى. وهذه المخلوقات تخرج من البقعة لتمرح في الشقة وتسرق الأغراض ، ثم تعود إلى عالمها !

سوف يضحك أخوها من هذا التفسير ويتهمها بالجهل ولن يصدقها أحد .. حتى هي نفسها ستشك في عقلانية الفكرة واحتمال حدوثها إذا جادلها أخوها قليلا .. عندما يعود ستسأله إن كان هو صاحب هذه الآثار أو إن كان لديه تفسيرا أكثر عقلانية لوجودها ..

أما الآن فقد نوت أن تغسل آثار السائل التي على ظهر السجادة ، فإن لم تكن هذه الآثار بوابة بين عالمنا وعالم آخر ، فهي بقعة غير نظيفة يجب أن يتم غسلها بالماء والصابون المعطر والكلور.. جهزت أدوات التنظيف وبدأت العمل دون أن تدرى أن ما تفعله خطير .. وأن ما سيترتب عليه أشد خطورة !

* * *

عاد أخوها في نهاية اليوم وقبل أن يخلع ملابس العمل أخذته من يده إلى آثر القدم المطبوعة في التراب.. كانت قد غسلت السجادة جيدا وأزالت ما كان بها من أوساخ ولكنها لم تكمل تظيف الصالة حتى تظل آثار الشخص أو الشيء الذي كان يسير عليها موجودة ..

وعندما أتمت شرح نظريتها حول العالمين الذين انفتحا على بعضهما من خلال بقعة في سجادة الصالة ، مؤيدة كلامها بآثار الأقدام التي لم تكن لأخيها طبعا ، بدأ هو يحلل الأمور من وجهة نظر أخرى مستعيدا كلام صديقه ومستشاره في الأمور النفسية ، والذي كان قد فاتحه في مشكلة أخته على استحياء .. فقال الصديق :

"أختك تعاني من الوحدة ، إن الحبس الأنفرادي كعقاب للمجرمين هو من أقسى العقوبات لما يحدثه من تدمير لطاقة الفرد الحيوية والنفسية ، وأنت مخطيء في تعاملك مع أختك ، وهي حاولت أن تنبهك بالكلام والنقاش وأحيانا بالشجار حول أي سبب مهم أو تافه ، فقط لتظهر لك عدم رضاها ..

وأخيرا عندما لم تفلح كل هذه الوسائل ، بدأت في محاولة لفت انتباهك بطريقة أخرى وذلك عندما تركت شباك المطبخ المكسور مفتوحا ليدخل منه فأر ، واستغلت وجود الفأر لتصنع قصة عن لص أو شبح .. ولا أستغرب إن كانت ستؤلف لك غدا قصة عن كائنات فضائية تخرج من الثلاجة !

اسمع يا "فؤاد" ، أختك بحاجة إلى أهتمام أكبر منك وبأن تفتح لها مساحة في عالم الواقع بدلا من أن تفتح لنفسها هي بابا لعالم الأوهام والأمراض النفسية المعقدة ، وعندها لن استطيع أن أفيدك وستضطر للذهاب إلى طبيب نفسي حقيقي .. أرجوك حاول أن تساعدها وإن كان هذا سيتطلب منك مجهودا أكبر ، وتذكر أن لا الهدايا ولا الأموال يمكنها أن تنفع من كان في الحبس الإنفرادي .."

لقد اختلقت أختى كل هذه الأحداث وربطتها مع بعضها بخيال تحسد عليه ، ولم تكتف بهذا ، بل صنعت هذه الآثار بمهارة .. إنها تبدو حقيقة لولا أنه يستحيل أن يكون هناك من سار في هذه المنطقة من الصالة دون علمه أو علمها.. كما أن أثر القدم الي صنعتها "فايزة" تبدو غير متقنة ولا يمكن أن تكون أدمية أبدا ..

* * *
في تلك الليلة ساد الهدوء الشقة ولم تكن هناك أي أصوات غريبة ، حتى أن "فايزة" قررت أن تنام نوما هنيئا بعد أن أغلقت بوابة الجحيم كما تصورت .. كانت تتخيل أنها لا تقل بطولة عن أقوى الرجال ، فهي بغسيلها للبقعة التي كانت على ظهر السجادة قد حمت الأرض كلها من شر لا يعرف أحد حدوده !





وفي غمرة فرحها بالإنجاز الذي لم يعترف به أخوها ، شعرت بالعطش فتوجهت للمطبخ لتحضر كوبا من الماء .. تحركت في خفة حتى لا يستيقظ أخوها منزعجا ، ولما اقتربت من الصالة أحست بحركة خاطفة .. انتابها القلق من أن يكون انجازها الكبير في تنظيف الصالة لم يؤت كل ثماره وأن الفجوة لا تزال مفتوحة ، فوقفت خلف ستارة بعيدة تنظر للصالة في الظلام متفحصة كل شبر فيها ..

كان كل شيء في مكانه ، لا يوجد ما يثير الاستغراب أو يدعو للقلق .. لكنها استمرت واقفة في مخبئها ربع ساعة لا تتحرك لتتأكد تماما من أن كل شيء على ما يرام.. وبعد فترة من الاختباء أدركت أنها لا فائدة مما تفعله فهمت بالعودة إلى المطبخ لتحضر كوب الماء ، عندما لمحت حركة خفيفة على سطح السجادة ..

لم تتبين طبيعة الحركة وهي بعيدة نسبيا عن السجادة ، وخافت أن تقترب فتتوقف الحركة .. انتظرت في مكانها حابسة أنفاسها وهي ترى 😮
..



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-