رواية المطلقه
الفصل السادس 6
بقلم حكاوي مسائية
اذا دحاك البخيل عند الكريم تبات
مثل مغربي(اذا طردك البخيل عند الكريم تبيت)،
كلما ضاقت بك السبل ،فقط قل يا الله ،فهو الكريم ،سيسخر لك من يدلك ،ويساعدك ،ويعطيك ،وكله من عطاء الله الكريم
أيام تُعاد وتُكرَّر ،لا جديد بها ،فرحتي المتجددة كلما استقبل مولودا جديدا،يدي اول يد تأخذه، قلبي يلمسه قبل يدي ،تشع عيني فرحة لأنه كامل ،ويخفقك قلبي حين يأخذ نفسه الأول ،صرخته الأولى تضحكني ،وجوابي الشهير عليها
-عرفنا انك هنا ،اهلا بك في الدنيا ،اللهم اكفه شرها وشر ما فيها يا رب.
لا أظن مولدة أمي دعت لي وهي تستقبلني ،ولا أريد لأي مولود جاء الى الدنيا بأمر الله على يدي أن يذوق شرها،وبعد ان اؤدي مهمتي ،أذكر اباه أن يؤذن بأذنه.
ومتعتي بعد عملي هي ساعة الرياضة ،كما قلت ،اذهب اليها كل أربعاء و سبت السادسة والنصف مساء ،النادي يقابل الكورنيش ،حيث أعدو نصف ساعة قبل ان ادخل للتريض.
مساحة كبيرة ،بنيت عليها قاعتان واسعتان، تغطي جدرانها مرايا .تصل الى كل واحدة عبر رواق زين بصور ممثلي هوليود يمارسون الرياضة ،تحفيز لنا يعني ههههه،
باب الى الصونا ،والحمامات وغرفة الملابس حيث توجد خزانة حديدية لكل منخرط .
تقابل كل قاعة الأخرى ،واحدة للرجال والأخرى للنساء،وبينهما باب يؤدي إلى مسبحين ،يغطيان بسقف متحرك شتاءً، ايام يستعملان معا للجنسين ،وايام محددة يكون كل مسبح لجنس ،وبعدهما مقهى وسط حديقة جميلة جدا ،يبدو ان مهندس حدائق من صممها .
ومنها الى الباب الخارجي.
كنت اعدو نصف ساعة ،ثم ادخل الى التمرين على السابعة ،ساعة واحدة آخذ بعدها ربع ساعة في الصونا وبعدها حمام دافئ اتبعه بماء بارد ،الغرض منه هو الحفاظ على شد الجسم والبشرة .
بعد ذلك قد اشرب عصيرا، وكثيرا ما لا أفعل.
مدربتنا تجاوزت الاربعين ،ولكنها تظهر اصغر كثيرا ،ليست تمارينها ما يربطنا بها فقط ،بل بهجتها المعدية ،والأجمل انها كثيرا ما تختم حصة الرياضة بربع ساعة رقص .روحها جميلة ومحبوبة.
شريكتي في التمارين ،فتاة اصغر مني ،ليلى ،جميلة جدا ،اول ما تلاحظ فيها عينيها الواسعتين المحاطتين يسور من الرموش الطويلة الكثيفة ،حتى تظهر متشابكة بطرف جفونها.
بعد ان رأتني اعدو قبل موعد التمرين ،تعودت مرافقتي، كلامنا لا يتعدى اهتمامنا بالرياضة ،ولا نعرف عن بعضنا غير الإسم .
هكذا تنساب ايامي ،رتيبة.
بعد بضعة أيام من رحيل مريم غادرت السيارة السوداء مكانها امام المستشفى ،وتأكدنا انه يئس من العثور عليها هنا،احاديث تصلنا عنه وهو يبحث عنها بالمصحات الخاصة ،وحتى مستوصفات النواحي ،يبدو انه يعرف بموعد ولادتها ،ومتأكد انها انجبت مولودها ،فقط ينقصه اين.
اتصالات متباعدة من مدام أمينة الى فرع الجمعية بتطوان،تختلق سببا ما وهي تأمل ان تسمع خبرا يهم امر مريم ،ولكن لا شيء .
حنان ،صديقتي الممرضة ،ليست متخصصة توليد ،وتتنقل بين اجنحة المستشفى ،احسن مرشحة لزيارة والدي مريم .
رتبت مدام أمينة كل شيء .
انتقال وهمي الى مستشفى المدينة ،وهناك ذابت وسط الممرضات ولم تذكر انها جاءت من الرباط .
-كيف تم نقلك وسط السنة هكذا ؟
-لأنني تزوجت والتحقت بزوجي ،ولكنني لست مرتاحة هنا ،لا أصدقاء لي ،ولا ارتاح مع حماتي .
-من أين أنت؟
-اه،من طنجة ،ولكنني أصلا من وجدة ،والآن ها انا بتطوان .
-وجدية انت ؟
-نعم انا غرناطية وسط الاندلسيات .
من مريم عرفنا عنوان والديها ،وادعت حنان انها تبحث عن سكن رخيص ،ريثما تعرف هل ستستمر مع حماتها ام تقتني شقة هي وزوجها .
وكأن بحثها قادها الى حي مريم ،تظاهرت بالسؤال عن مسكن للكراء ،حتى وصلت البيت وطرقته ،فتحت امرأة تجاوزت الاربعين بقليل،ولكن الحزن بعينيها والسواد حولهما اظهرها اكبر عمرا
-السلام عليكم .
-وعليكم السلام يا ابنتي.
-لو سمحت ،ألا تعرفين هل يوجد بجواركم بيت للأيجار .
-اعذريني يا ابنتي ،ولكنني لا أعرف.
-حاولي أن تتذكري يا أم مريم .
وسعت عيناها واغرورقت يالدموع ،فأخذت حنان يدها .
-ارجوك سيدتي تعبت وانا ابحث .
انحنت تخلع حذاءها ،وتستند إلى الجدار من التعب .
-لو سمحت ،اريد كأس ماء قبل ان اذهب .
شدت ام مريم على معصمها ،ورفعت صوتها .
-يبدو انك غريبة ،تعالي لتستريحي وتشربين قبل ان تتابعي البحث.
ادخلتها وأغلقت الباب ،همت حنان أن تتكلم ولكنها وضعت اصابعها على فمها وهي ترفع صوتها.
-اشربي الماء واريحي رجليك ،وبعد ذلك اذهبي لتواصلي بحثك ،هل انت متزوجة
-نعم سيدتي
-لو كنت وحدك لاستقبتلك عندنا .
تتكلم وهي تشير الى حنان أن ترفع صوتها دون ان يظهر تعمدها ذلك
-اليس لك أولاد ؟
-كانت لي واحدة ولكنها ماتت ودفنتها .
-عظم الله أجرك وصبر قلبك .
نظرت من ثقب صغير بالباب ،وتنفست، رأته يذهب ،فتى لا يكاد يلاحظ ،يظهر ككل هؤلاء المراهقين الذين يقفون على الناصية يمررون سيجارة واحدة بينهم ،ولكنه مزروع هناك يتصيد اخبار ام مريم وأبيها .
ورغم انهما اعلنا وفاتها وتقبلا فيها العزاء ،مايزال لا يبرح الحي.
ادخلتها غرفة واغلقتها قبل ان تعانقها ،كأنها تخشى عيونا في بيتها.
-تعرفين ،مريم ؟اين قابلتها ؟كيف حالها ؟
-مريم بخير ،لقد هربت منه ،ونحن ساعدناها.
-من انتم ؟واين هي ؟
-اهدأي،لا وقت لأحكي لك كل شيء ،انا هنا لأجل شربة ماء ،هل تذكرين ،وإذا تأخرت عندك قد يشك بنا ،انا اعمل بالمستشفى، غدا سيمرض اب مريم وتحضرينه ليراه طبيب ،وانا بانتظارك .فهمت ؟
-نعم ،نعم .
خرجت تودعها .
-الله يجازيك بخير يا خالة،شكرا على الماء .
ما كادت تبتعد عن البيت حتى سمعت صوته وراءها
-يا آنسة
-مدام من فضلك .
-هل تعرفين الخالة ام مريم .
-هل ابنتها المتوفية كانت اسمها مريم؟ مسكينة ،لا ،لا أعرفها ،امرأة طيبة رأتني لا أكاد اقف من التعب والعطش ،واعانتني .
-هل قالت لك ان مريم ماتت.
-نعم ،قالت انني لو لم اكن متزوجة أجرت لي غرفتها .
-مسكينة ،يبدو انها جنت ،وصدقت ان مريم ماتت.
-ماذا تقول ،لم اسمعك .
-لا شيء ،تعالي اريك محل سمسار ،اعطه رقم هاتفك ومكان عملك ،وإذا وجد مسكنا ،اخبرك .
رجل اصلع ،خلف مكتب مهترئ
-الحاج ،هذه السيدة تبحث عن مسكن للإيجار قريب من هنا .
-لا يهم هنا او مكان آخر ،المهم ان يكون قريبا من وسط المدينة وثمنه مقبول .
تريد ان تبعد عنها الشك ،فلم تؤكد على المكان بقدر ما اكدت على الثمن
-هل تعملين ؟
-لا،تزوجت منذ شهور ،وزوجي مداوم بالأجرة.
نظر اليها يفحصها، ولكن حنان اخذت حيطتها، فارتدت جلبابا يكاد يصيح ان اريحوني، وحذاء اشترته مستعملا،وعلى رأسها خمار كان أسودا.ولا تحمل حقيبة .
-عندك هاتف ؟
-من أين ؟إذا كنت أبحث عن إيجار ارخص .
-واين اتصل بك .
-عند البقال ،وأملته رقما أرضيا عشوائيا .
ارجوك ،سأنتظر مكالمتك.
رافقها الجاسوس حتى خرجت من الحي وودعها غامزا
-لو لم تكوني متزوجة،لكنت وجدت الف غرفة .
-لم أفهم
-اااااه ،غرف عند سيدات وحيدات مثل المرأة التي سقتك الماء .
-سأرى،إذا لم أجد ما يناسب ميزانية زوجي ،سأعود إليك لتجد لي غرفة ويعود زوجي عند أمه حتى نجد حلا.
ابتسم غامزا
-وانا في انتظارك.
اسرعت الخطى،تكاد تتعثر بجلبابها وتسقط ،من كثرة تجلدها وتظاهرها ،كل ماتريد الآن ان تصل شقتها الصغيرة ،وتستلقي، ركبت تاكسي ،وعلى الكرسي الخلفي ،خلعت الجلباب ،فظهر لباسها الأنيق ،أخرجت من تحته حقيبة ،وأخذت منها أحمر شفاه رسمت به شفتيها بدقة ،نزعت الخمار ورتبت شعرها الجميل حول وجهها ،ثم اخرجت حذاء رياضيا من النوع الخفيف ،وغيرت الحذاء المستعمل الذي وضعته مع الجلباب،بكيس بلاستيك كان ايضا بالحقيقة.
نزلت امام العمارة ،فتاة اخرى ،بعد ان اخذ منها الأجرة انطلق وهو يسبح ويستغفر ويحوقل .
-تخرج من حيها مسكينة ،لتدخل شقة وهي عاهرة ،اتفووو.
في الصباح، خرجت حنان من العمارة متألقة جميلة كعادتها، اشارت للتاكسي ،وركبت ،لمحها في المرآة ،فقال.
-الى حي****اليس كذلك ؟
-لا ،إلى المستشفى .
-لا حول ولا قوة إلا بالله ،يا ابنتي،ماتفعلينه حرام ،اذهبي إلى امك وصارحيها، والمحكمة تأخذ لك حقك .
-عم تتحدث يا خال .
-لقد اوصلتك امس ،وغيرت وتزينت قبل ان تصعدي اليه بالشقة ،واليوم تذهبين الى المشفى ،إذن فقد ضيعت نفسك .
ضحكت حتى ادمعت .
-لا يا خال ،انا اعمل بالداخلية ،وامس كنت في مهمة ،واليوم سأكمل البحث بالمستشفى ،اليوم سأتنكر بثوب ممرضة .
-الحمد لله ،كان الله في عونك .
-لا تحك ما رأيته ولا ما سمعته مني ،وحتى إن قابلتني فانت لا تعرفني ،لا اريد ان تكشف مهمتي ،اتفقنا .
نظر اليها فخورا
-اتفقنا .
اصرت ان يأخذ أجرته ،رغم رفضه الشديد ،ودخلت تتأهب لمقابلة أسرة مريم ومعرفة قصتها .
انتظرت ان تراهما باكرا ،ولكن يبدو انهما تعودا أن يكونا تحت المراقبة ،ولم يأتيا إلا ساعة الذروة .
الداخلين الى المشفى أكثر من الخارجين منه ،دخلت امرأة تسند زوجها الى المستعجلات،تبدو عليه حالة إعياء شديد ،إضافة إلى جرح نازف برأسه.
ما زالت حنان تبحث عنهما ،ودخلت الى المستعجلات من باب داخلي ،ولو دخلت من البوابة ،لكشفت، لأن الجاسوس أصر أن يرافقهما ،ودخل من بوابة المشفى ،ولكن الشرطي ببوابة المستعجلات لا يسمح لغير المصاب وقريب واحد بالدخول .
بحثت بين الستائر على الأسرة، حتى رأت ام مريم ،تقف ويد زوجها بيدها ،والطبيب يفحص الجرح .
-السلام عليكم .
-تعالي هنا ،ونظفي هذا الجرح ،وحاولي معه ليترك يد زوجته ،انه خائف كطفل صغير .
-دع يد زوجتك ،يجب ان تخرج لنجد متسعا لنعالجك.
-دع يدي الآن ،سأكون قريبة من هنا .
ربتت على يده ونظرت له نظرة فهمها فترك يدها .
اصراره على وجود زوجته الى جانبه كان لأجل ان تعرفه حنان ،وقد عرفته .
نظفت حنان جرحه ،وفحصه الطبيب ليقول
-جرح سطحي رغم طوله ،قطبيه ،ثم راقبي ضغطه ،يبدو ضعيفا جدا ،هل تعاني من امراض كالسكري او القلب .
-ضعف في عضلة القلب يا ولدي .
-ضعي بنجا موضعيا قبل التقطيب .ثم انقليه الى غرفة الملاحظة .
هي غرفة يبقى بها المصاب او المريض تحت الملاحظة قبل ان يصرح له بالخروج ،او ينقل الى الجناح المختص بحالته.
فعلت كما أُمِرت، المستشفى كبيرة جدا ،وعدد الممرضات بها لا يتيح للعاملين معرفة بعضهم ،إلا في حالة العمل بنفس الجناح أوالتخصص.
دخلت ام مريم إلى غرفة الملاحظة ،وعانقت حنان
-هذه هي التي جاءت امس بخبر عن مريم .
-ما الذي اصابك بهذا الجرح يا خال ؟
-اصاب نفسه عمدا ،ضرب رأسه الى حافة نافذة حديدية ،فعل ذلك ليرى كلب فارس الدم ويصدق .
-ورغم ذلك رافقنا بدعوى خوفه علي .
-وانا ارتعد خوفا أن يراك ويعرفك.
-انا اعلم أن الشرطي سيمنعه من الدخول ،وانا جئت مبكرة ،ودخلت هنا من باب داخلي مخصص للعاملين .اطمئني.
-اخبرينا يابنتي اين هي مريم ؟
-مريم بخير ،وهي بعيدة عن هنا هي وابنتها .
-ابنتها ،هل انجبت ؟
-نعم ،وحكت لنا ما جرى لها .
ولكنني اريد أن أعرف منكما، ونحاول ان نجد حلا لمريم .
كادت ان تتكلم ،ولكنه أوقفها.
-انتظري يا فاطمة ،وكيف نثق بك ،كيف نعرف انك لست من طرفه.
اخرجت هاتفها ،وشغلت الفيديو .
-ماما ،بابا ،كيف حالكما، انظري ماما هذه ابنتي واسميتها غالية ،انا بخير ،اطمئني ،وثقي بحنان .
عرفت مدام أمينة ان ام مريم لن تثق فينا بسهولة فطلبت من زوجة عمي ان تسجل لها فيديو ،حرصنا الا يظهر فيه سواها ،وخلفها جدار.
أكملت حنان عرض الفيديو
-ماما ،انا في مكان آمن ،لا تسألي حنان فهي لا تعرفه ،هي فقط تعرف انني بخير.
عانقت زوجها وانخرطا في بكاء مرير ،دموع جفت منذ اخذا عزاءها تنهار اليوم بسخاء، قلب رَكَن إلى اليأس يتجدد فيه الأمل .وكبرياء يُكسَر كل ليلة تحت تخيلات قاسية جُبر اليوم.
-يعني هي لم تعد تحت يده .
-لا ،نجت منه ،هل يمكنني ان أسألك؟
اماء لها بالإيجاب
-لماذا رفضته اول يوم طلبها منك .
-لأنه تاجر مخدرات كبير ،يعيش من الحرام وفي الحرام ،حرمه الله الذرية عقابا له على إفساد ذرية الآخرين، وكل مرة يتزوج فتاة لتجنب له طفلا ليكون ابنا لزوجته الأولى ،ابنة سيده الذي أدخله عالم المخدرات ،وكل مرة يفشل ،إما تجهض الفتاة مرة ومرة حتى تموت او يرميها بعد يأسٍ منها،او يموت الطفل عند الولادة ،حكمة الله وعقابه.
-ليست مريم هي الوحيدة إذن.
-الفرق انه خطفها،وأذلنا،أشاع كلابه انها هربت معه بإرادتها ،فاضطررت ان أقول أنني انكرها واعتبرها ميتة واخذت عزاءها.
-ولماذا لم تلجأ الى الشرطة ؟
-فعلت بعد ان جاءت صديقاتها مرعوبات يحكين كيف خطفت من وسطهن، وفي الغد ذهبت لأسأل عن سير البحث ،فطلب مني شهود عن الاختطاف ،ذكرت أسامي البنات ،ولكن أهاليهن رفضوا الشهادة خوفا من تهديده لهم.
وبعد ذلك سرت إشاعة هروبها معه.
-احكي لنا كيف هربت منه .
-كل ما أعرفه انها هربت ،أما كيف فلا أدري .
لم تكذب ،فما حكته لي مريم لم يعرفه إلا مدام أمينة وأميمة.
صورت لهما فيديو ،يكلمان مريم كأنها حاضرة معهما ،ويدعوان لها ولابنتها.
في المساء ،رخص الطبيب لأب مريم بالخروج ،ووجدا عين فارس بانتظارهما
-ما كل هذا يا عمي ،اقلقتني عليك .
-فيك الخير يا بني ،جرح عمك غائر وكبير ،وصحته متدهوره، ولكنه أصر على الخروج رغم اعتراض الطبيب.
جرحه غائر وكبير ،سكن ألمه مؤقتا بكلام حنان ،وفيديو مريم ،ولكن هل يطفئ نار الشوق رذاذ الندى؟
-هل كتب له دواء يأخذه
-نعم ،والراحة من التجول بين الدروب بعربة الخضر .
-هات ،سأشتري له الدواء ،ويبقى بالبيت حتى يشفى .
جاء بالدواء ،فالقته ام مريم بالمجاري في المرحاض ،والقت الاكل الذي اشتراه ،وهي تسبه وتسب سيده .
لبث اب مريم في البيت حتى التأم جرحه ،قبل ان يخرج الى عمله.
-لو انك تستريح يا عم ،وانا في خدمتك.
-يكفي ما قدمت من خدمات مشكورا ،انا لا أتعب كثيرا ،وعملي يكفينا انا وام مريم ،تعلم ان بعد وفاة مريم تركت امها العمل .
-لم تقول انها ماتت يا عم وانت تعرف انها حية ترزق؟
-ومن أين اعرف انها حية ترزق ،طفلة اختطفت،خاطفها معروف بقسوته يخافه الرجال ،اظنه قتلها.
نكس رأسه ،وربت على كتف اب مريم قائلا
-لو احتجتني يا عم ناد وانا خادمك.
بعينه نظرة شفقة،ولكن ما بيده حيلة ،مدمن على الحشيش، وسيلته هي العمل تحت أمر مورده.
كلمتنا حنان لتتدبر مدام أمينة رجوعها الى عملها بيننا ،قالت لها ان تشيع انها في خلاف دائم مع زوجها وأهله ،وطلبت الطلاق ،وقد تعود إلى طنجة مرة أخرى .
وبعد أسبوع كنا نستقبلها استقبال الأبطال .
-كنت خائفة ان اكشف ،فيطعمني فارس لكلابه .
-فارس ،هل اسمه فارس
-تخيلي ،كل هذا الشر والاسم فارس.
ضحكت وقلت
-كنت يوما أشاهد مسلسلا مع ماما وبابا يغمض عينيه ،وكان البطل شاعر اسمه ليث فقلت
-ماما لو انجبت ولدا سأسميه ليث .
فاجأني بابا قائلا
-واحرصي ألا يكبرليصبح ارنبا
ضحكنا جميعا
-الم يكن نائما
-لا من عادته ان يغمض عينيه ويتابع كل شيء سمعا.
جيل كبر على مسلسل الازلية على المذياع، يكفيه الصوت ليتخيل الصورة.
قالت مدام أمينة
-لم اخش في كل هذا إلا ان تفقدي الهاتف.
-تخيلي لو انتشل مني،وحكايتها معروفة ،لكان مصدر رزق للناشل و بوابة جهنم لي .
-الحمد لله ،تمت المهمة بنجاح .
ضحكنا مرة اخرى على كلام اميمة .
-لا تستهزئن،لقد كانت mission impossible.
-ونجحت ككل سابقاتها في السلسلة .
ستسافرين يا حورية .
-نعم مدام أمينة، لو تكون مناوبتي الليلية الخميس لأسافر الجمعة ،احضر حفل عقيقة غالية
-سأجعلك في مناوبة الخميس ليلا انت وأميمة.
-شكرا لك مدام .
سافرنا انا و اميمة وأمها، لمشاركة مريم فرحتها ،ولنطمئن عليها .
رأيت زوجة عمي امرأة أخرى، تكاد لا تمشي على الأرض من السعادة ،عانقتني
-تعالي الى حضني يا سبب سعادتي .
-حتى لا تقولي انني لم أملأ بيتك احفادا .
ادمعت
-ما زال أملي بأولادك انت هو دعاءي كل صلاة .
-يوم اجد الاب المناسب لهم ،سأجره من قفاه إليك ،ونحبسه هنا حتى تهربي من ضوضاء صغارنا.
جاءت مريم ،فراشة ، بل طائرا استوائيا، فعلا جميلة وزاد جمالها السعادة في عينيها حيث استقر اللون الأزرق ،اندلسية شقراء تخطف النفس قبل البصر ،كيف عذبها ذاك الوحش ،كيف لم يخفيها بين أضلعه عن شرور الناس والدنيا ،مستحيل انه لم يعشقها ،إلا إذا كان بلا قلب .
-تعالي يا حورية ،وانت يا اميمة ،تعالي لتري غالية كم هي جميلة .
-انتظري ،هذه ام أميمة التي كانت ترسل لك الأكل .
ارتمت بحضنها ،طفلة بريئة تعبر عن امتنانها بالاحضان والعناق
-أكلك لذيذ يا خالة .ذكرني ب...
سكتت واطرقت. وتحول ازرق عينيها الى الرمادي.
لا ،لن ادعها تحزن في يوم كهذا
-اين غالية ،ام تخبئينها عنا .
-هاهي هنا ،تعالي يا غالية ،هذه خالتك حورية ،وهذه خالتك اميمة .
-وانا جدتك ام أميمة.
اخذتها منا زوجة عمي بتملك .
-هذه ابنتي ،انا،ستناديني ماما اليس كذلك؟
-احسن ،فمريم ماتزال صغيرة على ان تكون ماما .
قالت ام أميمة .
رأيت الحزن في نظرة مريم .اخذت الصغيرة وقلت
-انا أقول لك ،ناد مريم ،ماما ،ونادي ماما رحمة وماما، مامي ،وام اميمة جدتي ،واميمة خالتي ،وانا حورية .
-ولماذا تناديك حورية ؟
-انا سأبقى دائما صغيرة ،وسأصاحبها ونلعب معا ونكتم اسرار بعضنا،مفهوم .
-ومتى تكبر الحوريات، ستبقين حوريتي الجميلة .
-عمي الحبيب ،كم اشتقت اليك
-وأنا ،ألم تشتاقي الي يا حوريتي.
-وكيف لا أشتاق للحبيب الأول .
حبيبي الاول ،يظهر عليه التعب ،لونه مائل الى الاصفرار ،وفقد الكثير من وزنه
-مابه بابا يا ماما ؟
-مريض منذ مدة .
-وكيف لم تخبيريني؟
-اسكتي الآن سنتحدث في هذا لاحقا .
ضاعت الفرحة وحل القلق ،عيني لا تريد ان تلتفت عنه ،حتى ابتسامته واهنة ،لا يا قلب حورية ،لن أسمح لك أن تكسر ظهري
