رواية المطلقه
الفصل الثامن8
بقلم حكاوي مسائية
التغيير ،كلنا نحب التغيير ،نغير المكان ،نغير الناس حولنا ،نغير ماديات كطريقة اللبس او العيش ،كل هذا شبيه بتغيير فرش البيت إما لأجل متعة او حسب المال ،ولكن لا نستطيع أن نغير أساسات البيت ،وإلا تسببنا في وقوعه.
أساسات بني عليها ،تشد الجدران وتحمل الأسقف ،كيف نغيرها !!!!!
اليوم الجمعة ،استيقظت بعد ليلة طويلة بسبب صداع قوي ،حرمني النوم معظم الليل .
اخذت فنجان قهوة ،وقرص اسبرين ،واتجهت إلى العمل.
لم اتوتر ابدا وانا أسوق ،ولكنني اليوم لا أكاد احتمل تجاوزات بعض السائقين ،استعملت البوق أكثر من مرة ،وهتفت من النافذة مرات .
وصلت إلى غرفة الملابس حيث وجدت أميمة وحنان
-السلام عليكم ،هل جاء باقي الفريق ام نحن وحدنا ؟
-جاءت نبيلة وقبلها وداد .
-الحمد لله ،فأنا اليوم أعاني صداعا رهيبا، وأعصابي على لهيب من نار .
-ابقي في المكتب واهتمي بملفات المواليد اليوم .
-أشكرك حنان ،من في الكافتيريا اليوم .
-عم حسن ،أطلب لك قهوة .
-بل شاي ،بزهر الليمون ،لو سمحت عزيزتي ،خذي هذا ماء الزهر تقطير ماما .
ذهبت حنان ،لتأخذ أميمة يدي
-ما بك حورية ،أراك متوترة ،هل عمي بخير
-بابا كما هو ،وماما منهكة، ليتني أستطيع أن أنتقل قربهما .
-ليس قبل نهاية السنة.كلمي مدام أمينة لتسهل لك الانتقال.
-سأفعل ،فما عدت قادرة على الحياة وحيدة .
هربت دمعة متمردة ،مسحتها بسرعة .
-مالك حورية ؟ احكي حبيبتي .
-لا شيء مهم ،اشتقت لأهلي وخصوصا بابا.
-ارتاحي وخذي مسكنا للصداع ،سأحاول أن احمل عنك عمل اليوم .
كنت اغمض عيني ،وارتشف الشاي ،حين رن هاتف المكتب .
-ألو ،جناح الولادة ،نعم .
-هل الانسة حورية موجودة ؟
-من يريدها ؟
-فلتتوجه الى جناح أمراض القلب والشرايين ،مطلوبة هناك ،برئاسة القسم .
-وهو كذلك ،شكرا .
وضعت السماعة ،اخذت قرصا مسكنا ،انتبهت لهندامي وقصدت رئاسة قسم امراض القلب ،وعندي شبه تأكيد عمن يطلبني هناك .
طرقت الباب فسمح لي بالدخول
-السلام عليكم ،صباح الخير ،طلبتني سيدي
-نعم ،تفضلي ،صباح الخير .
-خير سيدي؟
-كل خير ،حورية .
-آنسة حورية من فضلك .
نظر الي ساخرا
-سيدي ،آنسة حورية ! ألم تعترفي انك مطلقة ؟
-أعترف ؟ومتى انكرت لأعترف الآن ؟حياتي الشخصية لا شأن لك بها سيدي ،مادامت لا تؤثر على عملي .
-اعتذر ،إنما اردت أن أذيب الجليد بيننا ،ولكن يبدو أنني أخطأت مرة أخرى .
-لم تخطئ دكتور ،ويمكنك أن تطمئن انني سأغير من آنسة الى مدام ،حتى يعلم الجميع أنني مطلقة .
-آنسة حورية ،اهدأي ،واسمحي لي أن أقول سبب استدعائي لك .
سكتت وانا أحدق اليه
-الموضوع شخصي وحساس قليلا ،احم احم .
ثم قال بسرعة كأنه يقذف ماء باردا على وجهي
-الموضوع أنني اريدك .
هببت واقفة وقد جحظت عيناي، نظرة له من رأسه الى قدميه ،لم اتفوه بكلمة وخرجت .
كل الكلام الذي يتسابق بحنجرتي نحو لساني لا يمكن قوله ،المكان يقيدني، خرجت أضرب الأرض مغتاظة ،احبس دموعي مهانة، يريدني؟كيف تجرأ؟ليته قالها في مكان غير المكان لكنت عرفته حجمه الحقيقي ،لجعلته قزما أمام هامتي، ولكنه تحصن بمكتبه ومركزه.
توجهت الى مدام أمينة
-مدام أمينة صباح الخير
-أهلا حورية ،قيل لي انك مريضة وذهبت لأراك ولم أجدك .
-استدعاني الدكتور الصقلي .
-وما سبب الاستدعاء ؟مادام التدريب قد ألغي .
-سبب تافه ،ولهذا أرجو أن يمر أي استدعاء او تعامل مع الأقسام الأخرى عبرك بصفتك رئيسة قسم التوليد .
-وهذا هو الإجراء القانوني ،لا أدري لم تجاوزني الدكتور واستدعاك.
-لا يهم الآن ،أستأذن مدام أمينة .
-الى اللقاء .
تركتها تفكر في سر هذا الاهتمام من الدكتور الصقلي ،وتوجهت الى غرفة الملابس حيث غيرت ومن تم خرجت دون استئذان .
قصدت البيت ،وكلمت هشام
-ما به صوتك ؟كأنك تبكين ؟
-تصور يا هشام ،استاذ دكتور ،المفروض انه مثقف واع ،لمجرد علمه بطلاقي ،يقول لي دون حياء انه يريدني .
-يريدك كيف؟
-هكذا قال لي ،أريدك .
-شيء مركون انت ليريدك الغبي، والله لأجعله يندم أن فكر فيك هكذا ،النذل .
-إهانته ذكرتني بابن عمي ،وكرهته أكثر ،هو السبب ،هو الذي كسرني ،لن أسامحه أبدا.
-لا عليك اختي ،انت احسن منهما معا ،لا تغرك شهادات ذاك الغبي ،يبقى كطبل أجوف طالما تلك أخلاقه.
-اشتقت إليك هشام ،متى تعود .
-لم يبق إلا القليل ،اختي ،كوني قوية ،لا تهِني وانت الأفضل.
-سأنام الآن الى اللقاء
-انتظري ،لا تنامي ،قومي غيري ثيابك ،واذهبي الى صالة الرياضة .
-ليس قبل غد ،حسب موعدي .
-اذهبي الآن ،وادفعي ثمن الحصة ،أخرجي تلك الطاقة السلبية في التمرين، هذا سيساعدك.
فعلت كما قال ،وبعد التمرين جلست بالمقهى أرتشف عصيرا، وأنقل بصري بين الجالسين ،تتقاذفني الأفكار بين تشاؤم مطلقة ضحية و تفاؤل يليق بصبية حالمة.
قضيت مساء وقتا غير يسير على الهاتف مع أهلي قبل ان أنام .
كوابيس تتقاذفني في دروب مظلمة تحرسها ثعابين وأفاعي، وتدب عليها عقارب ،ذئاب تعوي بعيدا يفزع عواءها القلب ،وانا ألهث هاربة من شيء مخيف لم اتبينه.
افقت عطشى والعرق يتصبب مني ،هربت من النوم والكوابيس الى رواية تؤنس وحدتي.
ظهر التعب والسهر جليا على وجهي صباحا ،العمل نهارا يكون أقل ،كأن الأطفال يصرون على القدوم ليلا ،بعد ساعات العمل رافقت أميمة تحت إلحاحها الى البيت .
-السلام عليكم ،كيف انت خالتي
-وعليكم السلام ،اهلا حبيبتي ،والله اشتقت إليك
-اشتقت لها ،وانا أليس لي من هذا الكلام الجميل نصيب.
-اسكتي يا دبة ،متى تتزوجين لأرتاح منك .
-عندي حل ،تبقى حورية معك واذهب انا إلى شقتها .
-وتموتين جوعا ،انا اعرفك .
-لا ،حورية حبيبتي ستدعوني كل يوم .
ضحكنا على مزاجها، انسى وسطهم همومي ،الوحدة تؤجج النار وتفتح الجروح .
نمت على فراش أميمة بعمق ،أهو إحساسي بالأمان وسط أسرة تحبني ،أم جوعي الى النوم ،لست أدري .
ايقظتني أميمة كما أوصيتها لأذهب الى النادي لأتمرن .
-تعالي معي ،جربي ،إن أعجبك استمري لتفقدي بعضا من وزنك .
-قولي لها يا حورية ،جف لساني وانا انصحها ،تريد أن تصبح مثلي أعاني ألما في ركبتي ،وظهري ،وقدمي ،وكل طبيب أزوره يؤكد علي لأقلل وزني .
-وماله وزنك يا بطة ،جميلة وأبي يعشق تضاريسك.
-وهل كنت مثلك ؟لقد كنت نحيفة كالعصا، ولكنني أهملت نفسي بعد الولادة ،وقوفي بالمطبخ فتح شهيتي ،ولم انتبه إلا وانا هكذا .
-ما بالك وانت من الآن دبدوبة، لما تتزوجين تصبحين فيلة هههه.
ضربتني بمخدة
-وانت تأكلين كمن يأكل آخر زاده وكأنك ترمينه وراءك .
-التمارين دبدوبتي، التمارين ،اما العشاء فإما باكرا وإلا فلا .
-تدفعين لي ثمن الحصة ؟
-لا انا ولا انت ،الحصة التجريبية مجانية .
رافقتني ،وأتعبها العدو كثيرا ،تتخلف وراءنا انا وليلى ،ولما التفت إليها أجدها بوضعية الركوع ،نعود اليها وكل واحدة تمسكها من معصم ونجرها خلفنا .
بعد التمرين دخلنا الصونا ،المكان الوحيد الذي أعجبها
-اتركوني هنا وارسلوا لي مدلكة .
-ما رأيك بمدلك ههههه.
٠-وليته من تركيا .
ضحكنا
-الا تعلمين مهند يعمل هنا ؟
طبعا تعالى ضحكنا وهي تمثل الدهشة والبحث عنه .
رأت المقهى فجلست
-أريد عصيرا وحلوى.
-نعم ،قومي عزيزتي ،ليتك تشربين الماء فقط حتى الغد .
-وانتما هل ستكتفيان بالماء .
-عني انا ،سأجد ماما قد أعدت لي شربة خضار ،هي عشائي.
-انا سأذهب إلى البيت أشرب كأس حليب وانام .
-هذا كل شيء ؟بعد هذا العناء لو لم آكل لحما،وبيضا وحساء ،ستجدني ماما ميتة صباحا .
-اكتفي بالحساء، صحن واحد ،واعتبري انك صائمة ليلا .
-سأحاول .
قصدنا السيارة بعد توديع ليلى
-جميلة ليلى ،ليست كطالبات الطب .
وقلدت حركة رأس المتكبرات منهن وكلامهن
-انت يا ممرضة ،انا الدكتورة أميرة بنت شهريار ،ذكائي فاق انشتاين ،وانت ممرضة غبية .
-لو سمعك دكتور يحسب نفسه انشتاين نفسه.
-انت ،يا آنسة ،ماذا تفعلين ؟لماذا لا تسمعين قرآني المنزل .
ضحكت على حركتها وهي تقلده لما كنا "نتدرب" مع طلابه .
-يا آنسة حورية !
نظرنا الى بعضنا ،هل سمعنا صوته فعلا ام نتخيل ،وانفجرنا بالضحك نضرب يدا بيد .
-يا آنسة .
لا ،لا نتخيل ،هذا صوته فعلا ،التفتنا ،كان يقف مستندات الى سيارته ،بذلة سوداء على قميص رمادي ،وحذاء جلدي أسود ،ساعة ثمينة ،كأنه ليس خارجا لتوه من ناد للرياضة ،يصفف شعره المشوب بالشيب ،بعناية ،نظرنا الى بعضنا نحبس ضحكة كادت تفضح أفكارنا .
مدعو هو لحفل ام خارج من صالة رياضة ؟!!!
-نعم ،استاذ .
-هل يمكن ان أكلمك ؟
-بعد التمرين ،وكما ترى سيادتك ،نحن على آخر طاقتنا ،سأوصل صديقتي الى بيتها قبل ان أسقط من التعب.اعتذر منك .
ابتسمت له أميمة ،وهي تحني رأسها بطريقة مسرحية ،وغادرنا .
يتبعنا بسيارته، قالت أميمة
-لا أظن ،ربما هذه طريقه .
ولكنه تبعنا فعلا ،نزلت أميمة وبكل جرأتها أشارت له محيية
-ماذا تفعلين ،تظاهري انك لم تريه .
-لم أره ؟كيف وهو يتبعنا بسيارة 4×4
-دعينا منه ،تحياتي لخالتي ،ولا تنسي لا تأكلي كثيرا .
قدت الى شقتي ،وهو ما يزال يتبعني ،الحقيقة انني خشيته ،فأوقفت السيارة امام العمارة وأسرعت الى المصعد .هيء لي انني لو نزلت الى المرآب تبعني ،وهاجمني هناك ،كل لقطات العنف في المرآب تحت أرضي بالافلام حضرت لي.لما اوصدت الباب أسندت ظهري عليه وانفجرت ضاحكة على خوفي .
ايقظني الهاتف صباحا،اجبت بعين مغلقة
-الو
-صباح الخير
-اهلا ،من معي
-انا الدكتور الصقلي .
اعتدلت في فراشي ،وتعمدت ان يسمع تثاؤبي.
-خير دكتور ؟اي خدمة
-هل يمكن ان نشرب قهوة معا ؟
-...
-ارجو ان توافقي ،ويبدو انني ايقظتك ،فما رأيك لو نفطر معا .
-حاضر ،نلتقي بمطعم chez Paul.
اخذت حماما دافئا ،وارتديت فستانا ازرقا يصل إلى تحت الركبة ،مع حذاء بكعب وحقيبة من جلد ابيض ،وتركت شعري مناسبا على ظهري، بدون زينة إلا عطر ثمين حرصت أن اضع منه لمسة رقيقة جدا .
Chez paulمطعم معروف بطبخه الفرنسي
الراقي ،وخدمته المتميزة ،لم أختره جزافا ،بل لأن سيادته لن يمر بخلده انني كممرضة قد أكون زبونة معروفة هناك ،بل لم أغفل ان أؤكد على الشارع حيث يوجد .
دخلت ،فاستقبلتني نادلة جميلة بابتسامتها
-اهلا مدام حورية ،اشتقنا لك .
-كيف حالك هند ،هشام ليس هنا ،ولهذا غبت عنكم .
-مرحبا بعودتك.
لمحته بطرف عيني ،يطيل النظر إلي،فتركت يد هند وتظاهرت بالبحث عنه.رفع يده ،فتوجهت إليه .
-صباح الخير
-وقف بنبل يؤخر الكرسي لأجلس .
-صباح النور حورية .سعيد انك قبلت دعوتي .
-لا بد أن الأمر مهم لتلح على الحديث فيه بين أمس واليوم .
-هو كذلك ،ماذا أطلب لك قبل اي شيء ؟
رفعت يدي وانا اقول
-هند تعرف طلبي ،ستأتي به حالا .
-انت زبونة هنا ايضا
-ولم لا ،هل لأنني ممرضة لا يمكنني الأكل هنا .
-راتب ممرضة لا يسمح
-وقد سألت عني ،من قال لك أنني مطلقة ألم يقل لك من أكون ؟
-عرفت اسم عائلتك ولكن بما أنني لم يسبق أن زرت مدينة ***فلا علم لي بمن يكون أهلك .
-لا بأس ،المهم الآن هو أن أعرف الموضوع المهم الذي تريدني لأجله .
جاءت هند تقدم لي برانش خاص بمطعم بول ،كما تعودت أن تقدمه لنا انا وهشام .
-بالصحة والهنا .
نظر الي كأنه يتساءل إن كنت فعلا معتادة على هذا المطعم ام اتظاهر بذلك .
-هه ،انا انتظر .
-تنتظرين ماذا؟
-أن تكف عن التحديق بي وتتكلم .
-انا أطلب يدك للزواج .
تكلم بسرعة ،تماما كما قال من قبل انه يريدني ،إلا انني هذه المرة لم أفاجأ ،كنت أنتظر الأسوء .
-أعتذر ،ولكن ألست متزوجا؟
-نعم ،ولكنني غير سعيد معها ،لا تهتم بي ،نحن من عالمين مختلفين ،انا اريد زوجة تحبني ،تكون بجانبي وتسافر معي إلى المؤتمرات داخل وخارج البلاد ،وهي تحب نفسها وحياتها كما كانت قبل الزواج ،لا يهمها نجاحي ،حزني او سعادتي ،رغم زواجنا سنينا ،إلا أنني أشعر بوحدة قاتلة .
-أليس بينكم أولاد ؟
-ولد وبنت ،للأسف تترك تربيتهم للمربية والخادمة وقد بلغا الآن المراهقة ،وسيتفهمان اسبابي .
-وهل تتوسم في أن احبك وأسعدك ؟
-سأجعلك تحبينني ،نسافر معا ،ونعيش حياتنا معا ،المهم أن نؤجل موضوع الإنجاب حتى تحبين الحياة معي .
كنت أكلمه واسمعه وانا أفطر ،ارتشفت بضع رشفات من عصير البرتقال ،وتأخرت عن الطاولة .
-سمعت عرضك ،وكما سألت عني ،سأسأل عنك ،ثم أجيبك .
-ولماذا تسألين عني ،حياتي العملية تعرفينها ،وقد حكيت لك توا عن حياتي الخاصة .
-إذن اعطني وقتا لأفكر .
وقفت مودعة
-دعيني أوصلك .
-سيارتي معي ،ولا داع لتتبعني كالأمس ،سمعتي تهمني استاذ.
الحقيقة أنني لم أشغل بالي بالتفكير في عرض مرفوض سلفا ،رجل لا استلطفه كيف أفكر ان اتزوجه ،حكايته عن زواجه لا أصدقها، طالما أنني لا أتقبل كلامه.
حل موعد النادي يوم الأربعاء ،لم تنتظر ليلى حتى ننتهي من التمرين ،بل فاجأتني بسؤالها ونحن نعدو .
-ماذا يريد منك الدكتور الصقلي ؟
-وما الذي يجعلك تظنين انه يريد شيئا مني ؟
-رأيته يوم السبت يحدثك ،كما رأيته من قبل ،ثم تبعك بسيارته .
-وهل هذا كاف لتظني انه يريد مني شيئا ؟
-بالنسبة له ،نعم ،ثم انا أعلم انه لم يلتحق بالنادي إلا بعد التحاقك انت،وقد كان بناد آخر ،أفضل وأعلى ثمنا، حيث رجال ونساء الطبقة المخملية .
-هكذا إذن ،هو يتبعني ويسأل عني ،وانت تراقبينه ولابد ان تقربك مني عن قصد حتى تراقبيه أكثر .
-ابدا ،لا تسيئي بي الظن ،تعالي معي بعد التمرين ،أعرفك على ماما ،وتفهمين كل شيء .
تبعت سيارتها كما قالت ،دخلنا حيا أنيقا، منازل من طابقين بحديقة أمامية صغيرة وأخرى خلفية أكبر .
أدخلتني الى صالون واسع ،استبدل جداره الخلفي بزجاج يجعله مفتوحا على حديقة جميلة جدا ،أرائك مريحة بألوان هادئة تمازجت بتماوج محبب .
سمعت صوتا أجزم انني أعرفه
-اهلا بها ،أحسنت بصنيعك ،يجب ان نحذرها منه.
دخلت لتصدم برؤيتي
-انت؟حورية؟
تعجبت مدام أمينة.
-نعم هي حورية ،كنت اعرف انها تعمل معك ،وانتبهت الى تصرفاته معها ايام التدريب المزعوم ،تدريب حتى الطلبة اجزموا ان لا طائل منه .وشككت به ،فأصررت ان تكلميها انت .
-اجلسي يا حورية .
مازلت اقف مشدوهة ،ماهذا الفيلم ،وما دوري انا فيه !!!!
-اجلسي يا حورية ،ستفهمين كل شيء الآن .
جلست اضع حقيبتي على ركبتي ،وأضم قدمي ،ما زلت لم اتكلم ،لا أدري لماذا ،ولكنني لا أجد ما أقوله .
يد تضم يدي الباردتين على حقيبتي ،وترفعهما قليلا ،ويد ترتب على كتفي ،نبهتني للنظر الى محدثتي
-حورية ،سبق ان قلت لي ان الدكتور الصقلي استدعاك الى مكتبه ،وقد نبهته الى خطأه، طالما انك مولدة فلا سلطة له عليك ،انت وهو وانا وكل من بالمشفى موظفين لدى الحكومة ،لنا نفس الحقوق ،واخبرته انك اشتكيت لي ومستعدة لتقدمي فيه شكوى للإدارة .
-ولكنني لا أفكر في ذلك ،إنما لا أريد ان يكون لي به اي احتكاك .
-ويبدو انه خاف من تحذيري، فالتقاك خارج المشفى .
هززت رأسي ان نعم .
-يريد ان يتزوجك ؟
مرة اخرى هززت رأسي بالإيجاب .
-واخبرك أن زوجته فيها العبر ،وانه يبحث عن زوجة تحبه وترافقه حيث يسافر .
-أجل ،كيف تعرفين كل هذا ؟
-لأنك لست الأولى ،ولأنني أعلم انه كاذب .
-كيف تعرفين ؟
-غدا نخرج باستراحة الغذاء ،وترافقينني الى مكان حيث تسمعين وترين الحقيقة .
استأذنت لأغادر.
مرة اخرى كلمت هشام ومرة أخرى وجدت عنده المهدئ، كما عودني
-انتظري ،ولا تشغلي بالك طالما انك كنت لا تفكرين في عرضه ،يبقى ما ستعرفينه غدا مجرد معلومات إضافية .
-ما يغيظني هو كونه استاذا ،يتخذه معظم طلابه مثالا يحتذى .
-ليس بالضرورة ،هو استاذ ،مرجع علمي فقط ،لكل طالب قدوة إما والده او عمه او استاذه ،وربما جده او اخوه ،او شخصية تاريخية او خيالية .وإن كان لأحدهم قدوة فسيكون في مجال تخصصه ،أما حياته الشخصية فقليل من يعلمها .
-ليت الغد يحل بسرعة .
-حورية تأني واهدأي ،أليس الصبح بقريب .
-تعرف فضولي ،وهذا الشخص اثاره.
-وانا سأنتظر ان تحكي لي ما ستعرفينه غدا ،تصبحين على خير .
ودعت اخي ،وأخذت كوب شوكولا بالحليب ونمت .
أعمل صباح الخميس ،وانا أنظر الى الساعة ،متى يحين وقت استراحة الغذاء ؟
اليوم المفروض ككل خميس ان آكل السمك بالمطعم الصغير ،وهذا ما لن افعله ،ركبنا سيارة مدام أمينة ،وهذه المرة توجهنا صوب حي راق جدا ،فيلات بكل معنى الكلمة ،حدائق شاسعة غناء ،ومبان تفنن مهندسوها في إظهار براعتهم ،ورغم كل ذلك،نظرت الي مدام أمينة ولم تر ما كانت تنتظر ،انبهاري،هي لا تعرف انني كبرت بين فيلاتين وقصر. وقفنا أمام باب فيلا ،وأطلقت بوق السيارة ليفتح البواب ،دخلنا ،فيبدو انها زائرة معتادة.
في قاعة مربعة سقفها عال زين بنوافذ جانبية ذات زجاج ملون،تتدلى منه ثريا كبيرة تنير القاعة كما تنير رواق الطابق الأول ذو الحاجز الخشبي المنقوش المطل على الطابق الأرضي .
بركن آرائك عصرية بلون ازرق مريح ،وبالآخر فراش مغربي مخملي احمر قاتم ،وبينهما دولاب قصير عريض منقوش بطريقة بديعة،من زجاج ابوابه تظهر مقتنيات قديمة ثمينة .
وقفت من على الاريكة سيدة شقراء انيقة ،بعض شعرات بيضاء تتخلل شعرها الاشقر فزادته جمالا ،بشرة بيضاء صافية ،وعينان زرقاوتان ،متوسطة الطول رشيقة الجسم
-اهلا اهلا مدام أمينة .
-أهلا بك هانم .
نظرت اليها ،هانم ؟منذ متى ننادي سيداتنا هانم ؟
كأنها قرأت أفكاري
-اسمي هانم ،ابي كان عاشقا لهوانم الافلام العربية فسماني هانم ،سيدة ،يعني .
مدت الي يدها فمددت يدي
-حورية
-انت ايضا يبدو ان أباك يحبك كثيرا ليسميك باسم مخلوق الجنة النوري .
-رغم ادعائهم حب الذكور إلا انهم يضعفون امام بناتهم دائما .
قالت مدام أمينة ضاحكة .
-هانم ،اقدم لك حورية ،مولدة تعمل معي ،وآنسة محبوبة وعلى خلق .
وانت يا حورية ،اقدم لك مدام هانم الصقلي .
وقفت دون أن اشعر ،بقلبي خوف ،وشيء لم استطع تفسيره ،أهو كبرياء ام قلق ،ظهر علي التوتر وانا أقول
-اعتذر ماكان علي ان ارافقك مدام أمينة ،سأذهب الآن .
اخذت هانم يدي وابتسمت .
-تعالي ،اجلسي ،لا داع لتوترك ،مدام أمينة صديقتي ،ويبدو انها تعزك .
-حورية ،لقد قلت لك انك لست الأولى ،ولن تكوني الأخيرة ،وقد سبقتك ليلى ابنتي .
ظهرت صدمتي على وجهي .
-كيف وهو يراها معي ،كيف تجرأ ولم يخش ان تكلمني أو تحذرني .
-جريء جدا هو ،لو فاتحته وقلت ان ليلى حكت لك ،سيأتيك بألف تكذيب ،او قد يقول انها من تحرشت به .
-الى هذا الحد ؟
-وأكثر ،كم فتاة صدقته لتصبح بعد فترة مطلقة ،وكم طالبة تسبب في انقطاعها عن التخصص واكتفائها بشهادة طب عام ،وكادت ليلى تكون من بينهن لولا انني ربيتها على أن لا تخفي عني شيئا ،تعتبرني صديقتها قبل ان أكون أمها ولهذا جاءت إلي تخبرني عن أستاذنا المعجب .
-سألَت عنه ،وعرفت انه متزوج ،لأنه هذه المرة كذب وقال انه أعزب ،مدام أمينة ليست سهلة ،بحثت حتى وصلت إلي وعرفت حقيقة الاستاذ الدكتور .
-ذهبتُ إليه بمكتبه بالكلية ،وحذرته ليبتعد عن ابنتي ولا يؤذيها في دراستها وإلا اتهمته باستغلال منصبه والتحرش بالطالبات.
-ماذا قال لك يا حورية ؟
-طلبني للزواج .
-وغنى لها موال تعاسته في زواجه .
نهضت الى الدولاب المنقوش وفتحت بابا صغيرا لتخرج البوم صور .
صور عريسين سعيدين ،تليها صور أسرة متماسكة ،فما الذي حدث؟
-هو ابن خالتي ،الخالة الفقيرة ،أكثر مصاريفهم من ابي ،ورغم حنو أمي قابلتها خالتي بالجحود ،ربت ابناءها على كرهنا ،كنا عندما نزورهم ،نذهب إليهم سعداء لأننا سنلعب مع ابناء خالتنا ،وكانت تنبه عليهم ان لا يقفوا ليسلموا علينا ،علينا أن ننحني لنسلم عليهم .
-وكيف تتزوجينه وقد تربي على كراهيتك.
-كنا بالثانوية معا ،تقرب مني واظهر لي حبه ،انجرفت وراء كلماته العاشقة ،بعد نجاحنا كنت أنوي الالتحاق بالطب كأختي، ولكنه أقنعني أن اكتفي بمعهد التعليم ،ففعلت امام خيبة ابي ،ودخل هو الطب ،بعد اربع سنوات تقدم لي ،وخسرت والدي لأجله ،تزوجنا ،انا أعمل وهو يدرس ،لم يكتف بالطب العام ،وزاد التخصص ،وانا مكلفة بالبيت والأولاد ،واسد كل احتياجاته ،ظهرت علي الحاجة فرق قلب ابي وصالحني، وأصبح يعينني كثيرا .
هذا بيت أبي ،وبعد وفاته تسلمته نصيبا لي من الميراث وسط اخي واختي .
-ولماذا يتهمك بعكس ما تحكين ؟
-يقول انني اهمله ولا احبه ،والعكس هو الصحيح ،هو الذي لم يحبني يوما ،واستغل حبي له ليحقق مبتغاه، وكما ترين ،مظهري لن يخجله اذا وقفت بجانبه سواء في مؤتمر أو حفل ،ولكنه يكذب ،يكذب ليحصل على متعته في إذلالي، وللأسف تكون الوسيلة والضحية فتاة في مثل عمرك وجمالك .
-انا منذ اللحظة الأولى لم استلطفه ،ولم أكلف نفسي عناء التفكير في عرضه .
-ظننتك جئت لتقتنعي بضرورة رفضه .
-غير صحيح ،لم احب طريقته في التعامل معنا ايام التدريب ،وعجرفته في الحديث معي .
-تلك طريقته ،ليحسسك انك ادنى منه وانه سيرفعك الى مستواه إذا تزوجك .
-أي مستوى ،هو لا يعرف من يكون أهلي ،انا من سأفعل اذا قبلت به.
-ألست من هنا ؟من الرباط
-لا ،انا ابنة عائلة ****من مدينة *****.
اعيش وحدي هنا .
-لماذا تعيشين وحدك ،وأهلك ؟
-كنت هنا مع اخي الذي سافر لأجل الدكتوراه في الهندسة،ورفضت العودة .
-وماالذي جعل زوجي يعرض عليك الزواج ،رغم معرفتك بليلى ؟ما الذي جعله لا يكثرت ان تخبرك .؟
رفعت رأسي
-ربما لأنني مطلقة .
-مطلقة ؟
قالتا بصوت واحد .
-هه،حتى انتما تفكران مثله ،مطلقة يعني أقل درجة من غيرها .
-لا ،ولكن ااااا.
-لا لكن ولا غيرها ،انا مطلقة اي نعم ،ولكنني لست رخيصة ،وقلت لك سيدتي انني لم أشغل نفسي بمجرد التفكير في عرضه ،عرضه مرفوض حتى قبل ان يقوله.
-لا تفهميني غلط ،انت صغيرة لتكوني مطلقة .
-الزواج والطلاق والموت ،للأسف لا عمر محدد لها .
-اعذريني عزيزتي ،ولكنني أردت أن تري مدام هانم لتقتنعي بكلامي .
-لو سألتني أولا لوفرت على نفسك وعلي كل هذا ،ولما أعدت على مدام هانم ذكريات جرحتها .
مدت الى يديها تضع بداخلهما يدي
-بل ربحت ابنة او اختا صغيرة لو تقبلين .
-العفو ،انما تغضبني نظرة الناس للمطلقة ،كأنها موصومة بالعار،او فاشلة موثقة .
-لأنهم يحصرون الشرف في بضع نقط من الدم تسيل ليلة الزفاف ،من تفقد عذريتها تصبح محط الشبهات .
-وكيف يضمنون شرف غير المطلقات ،كم فتاة ولدت على يدي ،لا زوج لها ،إن كنت طليقة رجل واحد بوثيقة ،فكم طليقة رجال بدون وثيقة زواج ولا طلاق ،كم امرأة تعاشر كل يوم رجلا تحت مسمى الحب او المتعة ،ليفارقها بسبب الملل او الاحتقار.
انا طليقة رجل واحد تزوجني بشرع الله ،وطلقني برغبتي .
-ولكن المجتمع جعل العذرية هي الحكم .
-وانا عذراء هنا .وأشرت الى دماغي .وهنا ،وأشرت الى قلبي ،وهنا ،واشرت الى جسدي .
رأت مدام أمينة تاثري وغضبي ،فأمسكت كتفي .
-لا عليك عزيزتي
-اتعلمين مدام أمينة ،زوجي لم يلمسني إلا مرة واحدة ،فهل ضاعت عذريتي تحت يده ؟ فكيف لا تضيع عذرية فتيات يعاشرن الشباب معاشرة الأزواج باجتناب ذاك الغشاء الحساس فقط ،يستبيح جسدها كله ،ويحفظ كل تفاصيله ،ولكنه لا يلمس دليل براءتها، سواء هما ولصين لم يتركا بصماتهما بموقع الجريمة .
-آسفة يا عزيزتي لأنني قلبت عليك المواجع .
-اعتذر مدام هانم ،ولكنني يجب ان اغادر ،فقط انصحك ،انهي علاقتك بهذا الرجل ،رجل خسيس مثله ،لا يستحق ان تصبر عليه سيدة مثلك ،لا تكوني عجلة إضافية في حياته ،إما ان تكوني كل شيء ،واما اتركيه ،حتى لا تصبحي ممرضته بعد ات تلفظه الحياة عاجزا بين يديك.
بمجرد وصولي امام المشفى ،ودعت مدام أمينة وركبت سيارتي لأقصد شقتي ،لم اعد قادرة على شيء حتى العمل
