رواية المطلقه
الفصل الخامس عشر 15
بقلم حكاوي مسائية
لما تتشابه الجراح ،تلتقي الأرواح وتفهم بعضها وتحس نفس الألم وتعرف كيف تتبادل المواساة
قامت زوجة عمي تضع حفيدها بحجر ابيه ،وتوجهت نحو الباب
-الى أين يارحمة ؟
-سألحق بابنتي يا حاج .
-تعالي يا رحمة ،انا امها وسألحق بها ونذهب الى بيتنا .
-لن يواسيها سواي ،جرحي وجرحها واحد ،انا احس بها اكثر منك ،اعذريني ،انت امها نعم ،ولكن قلبك سليم من جرح الغدر الأليم .
-اتركيها يا زوجة أخي، لقد اصبحتا اكثر من صديقتين ،ستعرف كيف تضمد جرحها .
احسست يدا على كتفي ،اخرجتني من شرودي .
-كنت اعلم انني سأجدك هنا ،في حديقتك التي سلتك عن همك الكبير بداية الجرح .
-وهل للجرح نهاية يا ماما رحمة .
-لو أردت ،ضمدته برجوعك الى مروان .
-تعرفين يا ماما ،هناك جرح لو ضمدته التهب وملأه صديد ،وفاحت رائحته النتنة .كذلك جرح مروان بنفسي ،لن أستطيع أن اغفر له اغتصاب براءتي، ولن اثق فيه ابدا ،ولن اراه زوجا ولن اقبله اخا ،جرحي يجب ان يفتح للشمس ،ويعالج دون مداراة،دون اختباء وراء صفة متزوجة ،ولا اعتقاد بنصر مزيف .
-ماذا تنوين ياحورية ؟
-لاشيء ،سأعيش حياتي كما كنت اعيشها ،لن تغير عودة الابن الضال شيء .
-لقد اعترف بخطأه ويريدك زوجة .
-بل يريد ان يتمم صك الغفران ،يريد ان يرضي عمي بزواج تمناه له كما ارضاك بطلاق تمنيته .هو لم يرني انثى ،وانا لم اره سوى اخ ،ولكنه قتل اخوتنا يوم تجرد من إنسانيته.
-لن ارغمك على الزواج منه ابنتي .
كان هذا عمي ،فقد لحق بزوجته
-اعلم ،فما ارغمت من قبل بقسوة احد ،ولا تحت تهديد ،ارغمني حيائي،فما اعتدت ان أقول لجدي لا ،وما خالفت قرارا لوالدي ،حبي لكم وثقتي بحكمكم، كل هذا جعلني اصمت ،لم أقبل، ولكنني لم ارفض ،وأدت احلام الصبية بصدري ،ولكن مروان قتل الصبية نفسها .
-سامحيه يا ابنتي ،وسامحينا
-ليس لي الحق ان أسامح ،لأنني لست حورية ذاك اليوم ،هي قتلت تلك الليلة ،انا نسخة مشوهة عنها ،ليس لي الحق ان اسامح ،اطلبوا السماح منها لو استطعتم ان تحيوها .
قمت ،ومرة أخرى عدوت بعيدا عنهما ،بعيدا عن ذكرى دفنتها بداخلي فنبشوا قبرها ونزف الجرح كانه ما التأم يوما .
ادرت محرك السيارة ،وانطلقت، على المرآة رأيته يخرج لما سمع صوت المحرك ،ويجري خلف السيارة مناديا ،فخرجت ماما ومريم ،تشيران الي بالتوقف .
ابتعدت عن الضيعة قبل ان اركن السيارة على جانب الطريق ،اغمضت عيني انشد الهدوء ،تنفست ببطء ،الحمد لله حقيبة يدي ماتزال هنا ،مرة أخرى ادرت المحرك وانطلقت اقصد اميمة .
وصلت الرباط ليلا ،هاتفت اميمة ،لم تكن بالحراسة الليلية ،فتوجهت الى بيتها .
-اهلا حورية .
-اعذريني ،لم ارد ان ادخل شقة خالية وحدي .
-انت ببيتك حبيبتي ،مرحبا بك باي وقت .
جاءت امها مرحبة ،يتبعها ابوها الطيب .
-ادخليها غرفتك ترتاح ،ريثما احضر لكما الاكل .
-لاداع يا خالتي ،لقد اكلت بالطريق .
-وهل اكل الطريق يعد اكلا ،ثم ان اميمة لم تأكل بعد .
اعلم ان اميمة لن تصبر حتى هذه الساعة ،ولكن الجدال لا يفيد في بيت كريم كهذا البيت .
بمجرد ان اغلقت باب الغرفة ،تركت الحرية لدموعي .
-مابك حبيبتي ،احكي لدبدوبتك .
كنت اهز رأسي بمعنى لا ،لايمكنني ان اتكلم ،ولا ان احكي ،ليس الآن .
بعد قليل طرقت ام اميمة الباب
-الاكل جاهز .
خرجَت ،ورصته على صينية ،و وضعته على طاولة صغيرة بالغرفة .
-تعالي ،لتأخذي حماما دافئا يريح اعصابك .
لها حمامها الخاص بغرفتها ،أحضرت لي منامة من دولابها ،،لبستها وخرجت وانا اجفف شعري بمنشفة، فإذا بها تنفجر ضاحكة ،نظرت اليها بدهشة ،مازالت تضحك وتدفعني الى المرآة ،نظرت الى انعكاسي بها وانفجرت ضاحكة ايضا .المنامة ،سروال وقميص عليهما رسومات كرتونية ،كانت واسعة علي وقصيرة بشكل مضحك ،فبقدر نحافتي وطولي ،قصر اميمة وامتلاء جسمها .
-تعالي ،كلي ،لعلك تقتربين من وزني .
-وانت ،الن تأكلي ؟
-لا،منذ التحقت بالناد ،آكل قليلا ،وقبل صلاة المغرب ،وللأسف ،مازلت كما ترين .
-لا تيأسي ،فما نسمعه عن فقدان الوزن بسرعة مجرد إشاعات ،لأنك لو نحفت بسرعة ستتخلين عن الحمية ،والتمارين ،فيعود الوزن بشكل اكبر واسرع .
-كلي انت ،فلا خوف عليك ،كانك ترمين الاكل وراءك .
ضحكت ،واكلت القليل إرضاء لها ،فمازال الألم بداخلي ،يملأ كل فراغ ويسد الجوع.
استلقت كل واحدة على سرير .
-اميمة !كل مرة ادخل غرفتك يتبادر سؤال الى ذهني ،لماذا بها سريران وليس واحدا ؟
تنهدت، ونظرت الى السقف ،شابكت اصابعها على صدرها ،وغلفت غيمة نظرتها
-واحد لي ،والآخر لأختي التوأم .
-هل لك اخت ؟ ما رأيتها ولا تكلمت عنها يوما .
-اختي امل ،نسخة مني ،او انا نسخة منا ،فنحن توأم ،كبرنا تكمل إحدانا الأخرى ،سرنا مع بعضنا في امورنا التافهة الصغيرة ،كنا بالثانوية ،لما تعرفت عليه ،شاب جامعي وسيم وغني ،كانت سعيدة بحبه لها ،احبته ،وكانت تحكي لي ،ولكنها حكت له أيضا ،فأوهمها انني قد اخبر والدي ،فيمنعانها عنه ،وانني قد أغار منها ،فأصبحت كتومة ،واستغل حبها وبراءتها ،وبنى لها قصورا من الرمال على ارض الحب والأحلام ،وثقت به ،فضاعت .لما اختفى ككل جبان دنيء، عرفت انها حامل ،تركت بدرج طاولتها رسالة لي ،وقصدت الشاطئ الصخري ،وهناك رآها صيادون تقفز نحو الخلاص.
فتحت صندوقا صغيرا ،بدولابها، وأخرجت، منه سوارين من خيوط ملونة ،و سلسلة معلق بها قلب ،ورسالة .
-لقد صنعت كل واحدة سوارا للأخرى ،أما القلب ،فهذا مفتاحه .
وجذبت سلسلة مشابهة بعنقها علق بها مفتاح صغير .
-وهذه هي رسالتها لي .
اختي الحبيبة ،نصفي الآخر .
انت نصفي الذي لما ابتعدت عنه تهت ،سامحيني يا اميمة ،لأنني خنت ثقتك ،بعت حبك الأكيد بحب وهمي،سامحيني لأنني صدقته لما قال انك قد تغارين مني،ونسيت اننا تقاسمنا الحياة قبل خروجنا الى الحياة ،نسيت أن مفتاح قلبي بيدك ومفتاح قلبك بيدي ،نسيت أن اللقمة بفمي تشبعك ،والجرح بجسدك يؤلمني ،نسيت اننا خطونا كل خطوة معا يدا بيد ، بحضنك أماني ،وبحضني امانك .
ابعدني عنك فضاعت بوصلتي وتبعت توجيهاته عمياء غافلة ،فإذا به يدخلني متاهة حيث ضعت وأضعت شرفي وسمعتي .
انا اليوم تأكدت انني احمل بذرة من الشيطان برحمي ،لم اعد استحق الحياة ،اعلم انك ستحزنين بعدي ،ولكنني لا استحق حبك الذي ابدلته بحب شيطان ،ساخلصكم من دنس يجب الا يدخل بيتنا النظيف ،واخلص روحي من جسد ملوث .
لن اطلب الغفران من أبي ولا الدعاء من امي،فلست اهلا لهما،ولكنني ارجوك ،خذي العبرة مني ،واحترسي، انهم ذئاب بصورة الملائكة ،متحرشون باسم الحب ،مفترسون باسم العشق ،احبي نفسك ،وإن قابلت احدهم فلا تكلميه إلا ببيتنا وبحضور والدينا .كلهم ذئاب اختي حبيبتي ،ويكفيهم منا واحدة .
اعتني بنفسك وماما وبابا .
نصفك الضائع امل.
اجهشت بالبكاء بين يدي
-ضاعت أمل ،ضاع نصفي الثاني ،أعيش بعدها مشوهة النفس قاسية القلب .اضحك كثيرا لنا معا ،وآكل كثيرا لنا معا ،ارى في كل من تحمل سفاحا أمل اخرى، ضحية،اكره البحر لأنه قبرها،ولا آكل السمك لأنني اظن لحمه من لحمها .
-الم تلقها الامواج ؟
-ابدا ،قيل لنا انها قد تكون ارتطمت بالصخور فغابت عن الوعي ،وجرفها التيار الى احد الكهوف البحرية .
-والنذل الذي ضيعها؟
-اختفى ،وانا لم اره يوما لأعرف من يكون ،ضاعت وضاع حقها .
-لا تحزني حبيبتي ،انه نصيبها ،ادعي لها بالرحمة .
-تعلمين يا حورية؟ احس ان نصفي ميت ،كأنني مشلولة ،ارى في كل شاب ذاك الذي قتل أمل ،لو كلمني احدهم ،اقول :قد يكون هو ،ويريد ان يفعل بي ما فعله بها ،إن تقدم احدهم للزواج بي أقول :لابد انه هو ويريد ان يكفر عن ذنبه خصوصا اننا نسخة واحدة .
-وهل ستدفنين نفسك حزنا عليها .
-على الأقل سيعرف لي قبر عكسها حبيبتي .
ربتت على ظهرها ،واحكمت عليها الدثار، عدت الى مكاني ،واطفأت النور ،وكل منا في ظلمة احزانها.
صباحا ،هاتفت رئيستي اعتذر عن الغياب ،وخرجت مع اميمة ،هي لتزاول عملها وانا لأرى مدام أمينة
-Bonjour,Mme Amina
-Oh ,Bonjour ,ma chérie, tu nous as vraiment manquée.
-Me voilà, vous m'avez manqués aussi.
-on dejeune ensemble ?
-à condition, Oumaima et Mme Hanime aussi.
-Ok ,viens, et raconte moi tout.
-après le déjeuner
(صباح الخير مدام أمينة
-صباح الخير حبيبتي اشتقنا لك .
-وانا والله اشتقت لكن .
-نأكل معا؟
-على شرط ،ان تكون معنا اميمة ومدام هانم.
-اتفقنا ،تعالي واحكي لي كل شيء .
-بعد الغذاء ).
بعد ان اتفقنا على المطعم ،ودعتها لأذهب الى شقتي ،اخذت حماما ،ونمت معتمدة على منبه الهاتف ليوقظني على موعد الغذاء .
اجتمعنا انا ،اميمة ،ليلى ،مدام أمينة ومدام هانم .على الغذاء في مطعم ذي طابع تراثي جميل ،يعطيك احساسا بأنك ببيت والديك او جديك، ،تحيط بالطاولات ارائك مغربية ،وينزوي كل مجلس بركن ،بينها اقواس منقوشة ،وعلى الجدران لوحات فروسية او بورتريهات نساء مغربيات من مختلف الجهات .
اجتمعنا حول ثريد شهي ،لم يصل لذة ثريد ام اميمة ،ولكنه يكفي شوقنا للأكلة المغربية .
على المائدة ،دار الحديث حول العمل والصحة والأكل ،ولكن لما اخذت كل واحدة فنجان قهوتها او كأس شايها ،سألتني مدام أمينة عن اخباري وأخبار مريم ،اخبرتهن عن مريم وفارس ،وماكان منه بتازة ،ثم اخبرتهن عن مروان
-لماذا ترفضين الرجوع اليه ؟
-الم تسمعي يا أمينة ؟ لقد قالت انها لا تحبه ولم تسامحه .
اجابتها هانم.
-اعط نفسك واعطه فرصة ،العمر يجري يا حورية ،تزوجي وانجبي ولدا او اثنين ،اسسي لنفسك أسرة .
-سأفعل مدام أمينة ،ولكن على أساس متين ،من الحب والاحترام والمودة ،ليبقى بناء أسرتي متماسكا قائما.
تحمست هانم لكلامي قائلة.
-برافو حورية ،لا تقنعي بالحب من طرف واحد ،لأنه عذاب وذل ،تزوجي رجلا يحبك ،عشقه لك سيزرع حبه في قلبك،المودة اهم ما تركزي عليه في زواجك ،لأن المودة تلد الحب .
--والاهم يا صديقتي ان يكون من سنك او يقاربه،والا يكون ذئبا متصيدا لفريسة .
-الثقة يا اميمة ،هي اساس كل علاقة ،وثقتي بالرجال انعدمت ،صفر ،لذا أنا سأكتفي بنفسي لنفسي.
-لا يأس مع الحياة ،إنما انصحك بأن تحسني الاختيار ،ان تجعلي تجربتي مقياسا.
-اوووووه ،قولي تجارب يا مدام هانم ،تجارب بدأت بقصتي ،لتخرج وتكبر ككرة الثلج وتكاد تحجب عني رؤية رجل صادق
-ستجدينه ،فكما يوجد الطالح يوجد الصالح.
اجابت مدام أمينة بحكمة ،ثم تساءلت:
-ما اثار اهتمامي ،هو حب فارس لمريم ،احبها بعد ان عذبها وجعلها تكرهه بقدر ما تخافه.
-اخذ الله لها حقها منه .
-ليتها تحبه ،الم تقولي يا حورية انه ماعاد تاجر مخدرات ؟
قالت ليلى حالمة.
-قلت ان حماه يضيق عليه،اما ان تحبه مريم فذاك ضرب من الخيال ،كيف تحب مغتصبها وخاطفها يا ليلى .
-هناك دراسات بطب النفس ،عن متلازمة ستوكهولم ،هي ان الضحية تحب مختطفها وتتعاطف معه
-ما رأيت من مريم تعاطفا ولا حبا ،كانت مذعورة بقربه ،اظهرت له الكره رغم نظراته العاشقة لها .
ستعيش تحمل أيام عذابها زمنا قبل ان تشفى منه .
-إلا إن صادفت رجلا ينسيها تلك الأيام بايام سعيدة .
ضحكنا لحديث ليلى المفعّم بالأمل ،رغم ان بقلب كل واحدة أمل مماثل .
عدت الى شقتي ،ترافقني اميمة ،فتحت الباب لأجد ظرفا ابيضا ،يبدو ان احدهم دفعه من تحت الباب
-رسالة من مجهول ،قالت أميمة ضاحكة .
-سنعرف من يكون ،المهم ألا تكون رسالة تهديد .
-او اعتراف حب .
كنا نضحك وانا افتح المغلف ،جلست على الاريكة اقرأ بصوت مسموع
آنسة حورية
قد تتعجبين كيف علمت بوجودك بالرباط ،ولكن العجب سيزول إذا علمت انني اراقب شقتك على مدار الساعة ،لأنها املي الوحيد في الوصول اليك ،شكي ان يكون هاتفي مراقبا ،يجعلني اتجنب الاتصال بك ،وحتى صور غاليتي امحيها حذرا بعد ان اراها .
عندي أمانة اريدك ان توصليها لمريم وغالية ،لو قبلت ان تقابليني في المطعم حيث أكلتن اليوم ،اكون ممتنا لك .
سأنتظرك غدا على الغذاء .
اشكرك .
كانت اميمة تنظر الي بين الخوف والدهشة، فابتسمت لها .
-لا تخافي اميمة ،فلو رأيته لتأكدت ان الحب يفعل المعجزات .
-الحب ،ولماذا لم تصادفه أمل اختي ،وكيف تاه عنك انت يا حورية ،ولم لم ينسيني الحب مأساة اختي ؟ اليس لنا حظ منه ؟
-لما يأتي أوانه
-متى ،وقد بلغت الثلاثين ،وانت تجاوزتها، وأمل احتواها المحيط ،متى يا حورية ؟
وضعت وجهها بكفيها باكية ،فضممتها اواسيها ،وأواسي نفسي .
-اسمعيني أميمة ،إن جاءنا فأهلا ،وإن أخطأنا، فمرحبا .
رفعت وجهها بيدي لتنظر الي ،فقلت مبتسمة
-قد نكون نحن الخَرَزة الزرقاء التي تحمي المحظوظات من العين .
ضحكت لدعابتي.
-لا تفارقي الضحكة يا اميمة فهي تاج جمالك حبيبتي.
غيرنا الحديث الى تكهنات حول ماهية الأمانة. حتى نمنا.
بعد مكالمة مع مدام أمينة ،لاخبارها بأمر موعدي مع فارس
-اذهبي ،ولا تقلقي ،سيكون بالمطعم ناس من طرفي ،لا تعرفينهم ،ولكنهم سيعرفونك لأنني سأريهم صورتك ،لا تتوتري، اظن لا خوف من فارس.
-انا خائفة ممن يراقبونه.
-مادام هو من قرر الزمان والمكان فقد اخذ احتياطاته.
ذهبت ،لا اخفيكم انني كنت خائفة ،مهما كان فارس قاسيا،فحموه اقسى منه واكثر سطوة .
صعدت السلم الضيق ،فالمطعم بالطابق الأول ،أجلت بصري ابحث عن ركن قصي ،فوجدته ،قرب النافذة ،واالقوس المحيط به يعطيه خصوصية وانعزالا اكثر.
كنت انظر الى سور اثري للمدينة ،يقابل المطعم لما سمعت من يلقي السلام
-السلام عليكم ،آنسة حورية
-وعليكم السلام ،لم ارك قادما.
-لأنني هنا قبلك ،كنت بالتيراس.
جاء النادل بالقائمة ،لم ينظر اليها .
-طبعا كسكس، فاليوم جمعة ،ام لك رأي آخر آنسة حورية ؟
-لا فكسكس الجمعة مقدس .
-بعد ان أغادر ستجدين حقيبة صغيرة تحت الطاولة ،بها الأمانة.
-هل يمكن ان اعرف ماهي ؟
-بالطبع ،بها ثلاث قلائد، واحدة جوهر وواحدة مرجان احمر والثالثة عقيق اسود .ودفتر بنك به وديعة لابنتي تفتحها لما تبلغ الواحدة والعشرين .
-وهل تظن مريم ستقبل ؟
-بالحقيبة رسالة ،اوضح فيها كل شيء ،والأهم ان المال حلال .
-هل يمكن ان اعرف منك كيف ان المال حلال ؟
-رغم انني تاجر مخدرات ،اليس هذا هو السؤال ؟
-لا تلم فضولي .
-قلت لك من قبل ،ان كنت انا البارون ،فحماي الامبراطور ،للأسف ليس في المخدرات فحسب ،بل في تجارة الرقيق .
-لا تقل لي ان عهد العبيد قد عاد!!!!!!
-بل هي مهنة ازلية ،كانت وستبقى ،اعذري صراحتي آنسة ،انها الدعارة ،يخطف البنات ،وحتى الأولاد ،يبيعهم بالخارج ،ويستعبدون باحقر الطرق في الجنس .
-سمعت عن هذا في دول اخرى ،ورأيت افلاما حسبتها محض خيال .
-بل هي صورة لا تعكس بشاعة الواقع ،وللأسف وصل المرض بلادنا ،رفضت ان اعمل معه في هذا ،فاختصني بالمخدرات ،وبعد ان استيقظ ضميري والفضل لحب مريم ،رفض ان أخرج من دائرته، وقد عدت .
-إذن عدت الى العمل معه
-نعم ،فما باليد حيلة .
لفت انتباهي دخول اميمة التي تظاهرت انها لم ترني ،ولكنه لاحظ انني انظر وراء ظهره فقال
-لابد ان احدى صديقاتك قد قلقت عليك فجاءت ،الى اللقاء آنسة حورية ،ستجدين كل شيء بالحقيبة، مسموح لك ان تقرأي .
كالطيف اختفى حتى قبل ان أرد .
اشرت الى اميمة ان تأتي ،واطلنا المكوث بعده ،مددت يدي آخذ الحقيبة ،كانت من جلد اسود ،حقيبة ظهر ،حملتها على كتف واحد بلامبلاة كما كنت احمل حقيبة المدرسة ،وخرجنا .
خشية ان يتبعني احد من جنود الامبراطور ،بت ليلتي مع اميمة ،في الصباح غادرت مع اميمة الى المستشفى ،ومن تم نحو الطريق السريعة .
هاتفت ماما لنلتقي ببيت عمي ،وهناك بعد ان حكيت لهم ما كان ،فتحنا الحقيبة .
مروان عاد الى عمله مع ابيه ،يظل بمكتب التسويق ويعود ليلا ،فكنا نحن الخمسة فقط .
سمحت مريم لعمي ان يقرأ الرسالة ،فتحها وقرأ.
حبيبتي غالية
ربما ستسمعين عني ما يجعلك تكرهينني، وتخجلين ان اكون اباك ،ولهذا اكتب لك ،لعلك تجدين لي عذرا ،او اشرح لك اسبابي .
انا ابن الملجأ ،بعد ان خرجت منه وانا ابن الثامنة عشرة ،احسست كأن رحم امي لفظني الى الشارع مرة اخرى ،حاولت واجتهدت لأعيش حسب القيم والأخلاق التي تعلمتها ،ولكن الجوع كافر ،وأشد ايام الفقر هي ايام البرد ،فبحثت عن الدفء ،ولم اجده حتى انهرت، وتلقاني تاجر مخدرات فعملت تحت امره ،وكانت البداية ،كلما علا علوت معه ،حتى أصبحت واجهته ،بارون المخدرات .
احب ولائي له فزوجني ابنته ،تبين انها عاقر ،ومهما استشرنا من اطباء فحكم الله نافذ ،وهو من فكر ان انجب من اخرى وانسبه لابنته ،ليجبر خاطرها ،حاولت مع العديد من الفتيات ولحكمة من الله ،إما تجهض او يولد الطفل ميتا ،حتى رأيت امك ،اخذتها عنوة لان جدك رفض ان يزوجني اياها ،وفعلت بها مافعلت بالأخريات ،غير ان قلبي كان يوجعني لوجعها، ولم اعرف السبب ،ولما فهمت ،وتأكدت انني مغرم بها عقدت عليها زوجة لي على سنة الله ورسوله ،ومنعت عنها حبوب منع الحمل ،لأنني كنت اعطيها لها ،رغبة في ان اتمتع بها قبل ان تحمل وتلد واطردها بعد ان آخذ الوليد ،غير ان حبها افشل كل مخططاتي،ويوم هربت مني ،كنت أنوي ان اهربها خارج البلاد حتى لا تطالها يد الامبراطور ،وأُلحِق بها والديها لتعيش في سلام .
بحثي عنها كان من خوفي عليها ،وهدأت لما علمت انها خرجت من عنق الزجاجة وانها بأيد أمينة .
غاليتي ،بعد ان طلقت امك لا يحق لي ان اخاطبها ولكن ابلغيها مدى حبي لها ،وان صفاءها غيرني وطهرها طهر قلبي ،حماي يعمل في تجارة الرقيق ،خطف المراهقين والأطفال إناثا و ذكورا وبيعهم لتجار الدعارة ،لم أقبل ان اكون معه في هذه التجارة ،ولكنني عرفت ان تجارة اخس وابشع دخلت بلادنا ،وقد مد ذراعه اليها ،انها تجارة الأعضاء ،وهذا يشمل الخطف والقتل .
لقد تظاهرت انني عدت ذليلا لاعمل معه ،والحقيقة أنني اعمل متخفيا مع وزارة الداخلية،والمبلغ في الوديعة كما القلائد الثلاثة ،هو ثمن تعاوني معهم لنوقع بالأمبراطور ،سأفعل كل مافي جهدي واكثر لاخلص العالم من شره ،ولقد اوصيت ان تتسلموا جثتي في حال قتلت ،كما سلمت وثائق كل ممتلكاتي للدولة اريد ان اقابل ربي وانا بريء من فارس تاجر المخدرات .لك مني كل الحب .
مريم ،سامحيني القلائد لك ،السوداء اعتذار عن الايام السوداء التي عشتيها معي ،المرجانية ،لون لهيب حبك بقلبي ،والبيضاء صفاء قلبك الذي ارجو ان يسامحني ويدعو لي .
فارس.
مسحت دموعي ،ونقلت بصري على الوجوه ،عمي كان حزينا
-لا حول ولا قوة إلا بالله ،اللهم تبثه على الإيمان وقوه واجعله سيفك في نحر الخائنين .
زوجة عمي وماما كانتا تحوقلان وتمسحان دموعهما، اما مريم ،فكانت جامدة ،لا دموع ولا تعبير جلي على وجهها ،كأنها تمثال .
فتح عمي دفتر البنك ،كان المبلغ مهما جدا .
مد الحقيبة لمريم
-قومي يابنتي ،واحفظي بالأمانة،لقد كان من معدن حسن وأصل طيب ولهذا لما صادفك عاد الى أصله ،رده الله لك ولابنته
