رواية المطلقه الفصل السادس عشر 16بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل السادس عشر 16

بقلم حكاوي مسائية


سحب صغيرة متناثرة في السماء ،منها نطف بيضاء كأنها جمعت من تنهيدات المحزونين،ومنها كتل مكفهرة كأنها من دموع قلوبهم ،المهم أنها متفرقة ،تتخللها أشعة شمس خجولة ،وتدفعها ريح لطيفة بيسر كأنها تخشى أن تحس بها وتتجمع متمردة قاصفة مرعدة .

هكذا حياتي ،أدفع باللتي هي أحسن ،لعل لذي بيني وبينه عداوة -حظي العاثر-يصبح وليا حميما. 

عدت الى حياتي ،العمل والبيت ،وبنهاية الاسبوع ،بالمزرعة ،غالية تكبر وتزداد جمالا ،وفؤاد اصبح احسن وظهرت عليه عناية مريم وزوجة عمي ،مروان نعم الابن كنا تمناه عمي دائما .امي تستعد لعرس هشام ،جددت جناحه بالفيلا ،وخاطت اكثر من قفطان لي ولها ،وللعروس، ولم تنس مريم .

كنت بحديقة بيتنا بالمزرعة الصغيرة ،اقرأ رواية انا حرة ،لما سمعت من ينادي 

-حورية ،اين انت يا ابنة عمي ؟

-اناهنا تحت الرمانة .

-تقرأين كعادتك ؟

-قل اسافر عبر الزمان والمكان .

اخذ الكتاب من يدي ،وقرأ العنوان .

-انا حرة ،يبدو انها متمردة أخرى. 

-ومن الاولى ؟

-انت يا حورية .

-هذا دليل انك لا تعرفني يا مروان ،انا لست ولم اكن يوما متمردة ،ولو كنت لأنقذني تمردي .

-مازال قلبك لم يغفر يا حورية .

-لا تهتم ،غفر ام لم يغفر ،المهم انني تجاوزت الامر .

-صدقيني يا حورية ،لقد تغيرت ،اعطني فرصة اخرى .

-لقد اعطيتك فرصة ان نبقى أسرة، اولاد عم .

-تزوجيني ، و....

-لا،لا ،لا ،لا تذكر هذا مرة اخرى ، لا اريد ان اكون اكثر من ابنة عمك .

-احتاجك زوجة .

-لا ،انت فعلا تحتاج زوجة ،تحبك وتنسيك ماضيك .

انا ضمن ماضيك ،نقطة سوداء ،انظر حولك ،وحاول ان تحب وتعشق لتتجاوز فشلك وخذلانك. 

-لا اخفيك انني ماعدت ارى نساء ،لا انظر الى امرأة ،فكيف سأحب وانا ارفض مجرد النظر الى النساء .

-وكيف تريدني زوجة وانت لم تعد تر امرأة بعد طليقتك؟

-اخاف يا حورية ،قد لا تصدقين انني أصبحت اخشى مكر النساء .

-عرفت إذن لم تريدني انا ،لأنك تأمن لي ،ولكنك غفلت امرا مهما يا ابن عمي ،انك جرحتني ،وأسأت إلي ،ولم اعد حورية الصغيرة ،وقد أمكر بك انتقاما .

-اثق بك ،واثق انك تريدين لي الخير كله ،فمن كبرت تعتبرني اخا وسندا لن تكيد لي ابدا .

-فاسمع يا ابن عمي ، سألفت نظرك الى امرأة لا أظنك نظرت اليها بعين رجل ،انتبه الى مريم .

-ماذا تقولين يا حورية ،مريم !!!!

-اجل مريم ،جميلة حد الفتنة ،وامك تحبها ،وفؤاد يعتبرها امه ،وفوق هذا ،لن تطمع في مالك وقد ترك لها زوجها وديعة تغنيها .

-لقد حكى لي والدي عن زوجها ،وانها اكثر خوفا وحذرا مني ومنك بعد ما مرت به .

-اولا ،حاول ان تكلمها وتهتم بها وبابنتها، وكلم ماما رحمة لتساعدك ،اظنك ستجد عندها دواء جراحك، لو كنت لها دواء جراحها. 

-جئتك اطلب ودك فترشحين لي ود اخرى يا حورية .

-اعرف انني لن استطيع ،لن أكون سعيدة معك،ولا انت ستسعد معي .حاول مع غيري ،ومريم طيبة القلب نقية الروح ،قد تكون مرساك بعد تيه.

-سامحيني يا حورية ،ليتك تغفرين خطيئتي ،وأعود اخا وسندا لك .

-كابنة عمك ،سامحتك ،اما حورية فادع ان يجبر الله كسرها لتعود اختك الصغيرة .

ذهب وتركني مع ذكرياتي المؤلمة وهواجسي الأشد ألما .هل سأجد يوما مرساي ام كتب علي التيه في محيط الأسى ،وظلم كلام الناس ،هل سيأتي الفارس الذي سينقذني من أحزاني، مجتمع ينظر إلى المطلقة انها متهمة حتى تثبت براءتها هل به رجل يمسح دمعتي ويطمئنني ،رجل يقبل خاطئة لأنها عذراء، ويرفض مطلقة لأنه لن يكون اول من يضاجعها، لا يسأل نفسه أن كان الرجل الأول بحياتها وقلبها ،طالما انه من اخذ عذريتها وأسال نقط دم هي دليل براءتها ،هل سيقبل ان اكون له كل النساء كما سيكون لي كل العالم ؟

مابك حورية ،ابعد ان تجاوزت الثلاثين تحلمين كما المراهقات ،حورية ،هشام سيتزوج ،وسيكون له اولاد ،اجعليهم اولادك ،كما غالية وفؤاد ،واكتفي بهم ،فلا أظنك ستجدين رجلا يحقق احلامك. 

انسابت الأيام ،هاتفني هشام ،وقد بدأت الاستعدادات للعرس .

-حورية ،انا قلق عليك يا اختي .

-لماذا حبيبي ،انا مرتاحة وسعيدة كما انا .

-ولكنني لست مرتاحا ،هل ستقضين حياتك وحيدة ؟

-انا لست وحيدة ،انا مع ماما ،واسرتنا ،كلهم يحبونني.

-اريد ان اراك مع زوج يحبك ،ان أرى لك اولادا منه ،ان تعيشي حياتك انت لا حياة الآخرين .

-هشام ،إن كنت تريدني ان أعيش حياتي ،وافق على ما سأطلب منك .

-اؤمري حبيبتي .

-وهبني جدي الشقة ،وفيلته مغلقة ،كلم عمي ،يأخذ الشقة ،ويسمح لي ان افتح ميتما في فيلة جدي .

-فكرة لا تأتي إلا من قلب حورية .سأكلمه ،ونرى .

بعد وفاة جدي بقيت املاكه كما هي ،المزرعتان والفيلا ومكتب التسويق ،ترابطنا  ابعد شبح قسمة الإرث وما يجر من خلافات ،وبمجرد ان خلوت بنفسي ليلا ندمت على ما قلت لهشام ،لأنني خشيت ان احرك المياه الراكدة، ان يظن عمي اننا نطالب بإرث أبينا من جدي ،ندمت ،وتمنيت لو انني لم اتكلم .

اخذت الهاتف وطلبت هشام 

-الو ،هشام ،لا تكلم عمي في امر الفيلا .

-ولماذا ،هل تخليت عن حلمك ؟

-لا ،ولكنني ساحققه بعيدا عن املاك العائلة.

-ولكن عمي متحمس اكثر منك ،وسيأتي ليكلمك وتتفقان على كل شيء.

وجاء عمي صباحا ،تسبقه ابتسامته ،عانقني ،وضمني كأنه يريد ان يدخلني بين أضلعه. 

-هذه حوريتي ،حورية العائلة ،قلب الغالية الكبير ،وكرم جدك .

-هل توافق ان تكون فيلا جدي ميتما يا عمي .

-ولِمَ تبقى مهجورة ،بناء فارغ ،وايتام لا مأوى لهم ،معادلة حلها الجمع .

-حبيبي يا عمي .

-ماذا ستسمينه .

-ميتم حنا الغالية .

-مرة اخرى تدخلين السعادة الى قلبي ،سنقوم معا بكل الخطوات واستخرج كل الرخص ،وعليك الإدارة وتعيين موظفين .

-لا ،هو موظف واحد ،للحسابات ،وامهات للأيتام .

نظر الي مستفهما .

-تسمع يا عمي عن قرى SOS اطفال .  بكل بيت ام واطفال لا يتعدى عددهم الأربعة، ومدير القرية يعد ابا لهم. وستكون بالفيلا امهات ،لكل ام عدد معين من الأطفال ،تعتني بهم وتربيهم وينادونها ماما ،كلهن مسؤولات عن الطبخ والنظافة والاهتمام بالأطفال ،مهمة كل ام في العالم ،ويبقى ان اجد من يكون الاب لهم جميعا .

-انا ،انا سأكون الأب ،وعليك ان تتابعي معهن امور التربية والدراسة .

-اشكرك عمي ،اسعدت قلبي بحماسك لحلمي، سأبدأ بعدد قليل ،لأستطيع التكفل بهم.

-لا تحملي هم التموين ،انت ركزي فقط في الإدارة والتسيير، ولا تغفلي حسن التربية .

-لك ذلك عمي .

ضمني مرة اخرى سعيدا .

فتحت الفيلا ،للتنظيف ،ولكن هندسة الأجنحة لا تساعد لفكرة ام و أولادها، فطلبت خبرة مهندس ،وقد غير الكثير ،بحيث أصبح الطابقان الأول والثاني عبارة عن شقق صغيرة ،بينما الطابق الارضي ،مطبخ وقاعة الأكل ،وصالون كبير به تلفاز ،ومكتب المحاسب ،والإدارة .

التغييرات الهندسية اصر عمي ان يدفع تكاليفها،وسحبت مدخدراتي للفرش والتجهيزات ،وكذلك الألعاب بالحديقة الخلفية .

من اهتم باستخراج الرخص ،مروان ،نعم مروان ،وكم زارني ليرى سير التغييرات بالبناء ،ورافقته مريم وماما رحمة بضع مرات .

بقدر فرحتي كانت سعادة امي بالمشروع الخيري ،احبت ان اجد اهتماما يشغلني عن التفكير بنفسي ،وساهمت في التجهيز ،واقترحت افكارا وتطوعت للمساعدة في التسيير وتربية الاطفال .

اما هشام ،فسعادته لا تقل عن سعادته بقرب موعد زفافه .

-بفضل الله ودعمك يا عمي ،الميتم جاهز .

-يبقى ان تعلني عنه لتستقبلي اول وافد .

-لا أحتاج إعلانات، بالمستشفى عدد من الأطفال المتخلى عنهم  سأقدم طلب كفالتهم .

-كم طفلا ؟

-عشرة .

-وكم اما وظفت .

-الى الآن تلاثة. 

-وظفي اثنتين ،واجعلي لكل ام طفلين .امك ورحمة ستكونان مقام الجدتين وتعينان من لا تستطيع ان تهتم بطفليها. 

-ألم أقل لك من قبل كم احبك ؟

-بقدر حبي لك حوريتي .

-سأعمل ليكون الافتتاح ثاني يوم عرس هشام 

-ستكون مفاجأة تفرحه .

مع مرور الأيام ،ورغم انشغالي بتغيير الميتم ،لاحظت اهتمام مروان بمريم ،واستجابتها له ،وتمنيت ان اراهما كما خططت زوجين يملآن بيت ماما رحمة احفادا .

سافرنا الى تازة بعد أن استراح هشام وتمت كل تجهيزات العرس.

ببيت جدي لأمي ،استقررنا لنستريح ونستعد ليوم الحناء ،جهزنا هدايانا للعروس ،إذ ستُرَص كما العادة في صواني نحاس يحملها شباب تتبعهم فرقة ثراتية، تعزف اهازيج الزواج .

جاء والدا مريم ،كم سعد ابوها برؤيتها بعد زمن الفراق .

كنا نسهر حول صينية شاي نتحدث عن كل شيء ،وجرنا الكلام عن المزرعتين الى احتياج عمي لمساعد ثقة ،فانتهزت الفرصة 

-ماذا لو تعمل الى جانب عمي يا ابا مريم ؟

فوجئ الرجل بسؤالي ،وأحتار في الجواب وهو ينقل بصره بيننا 

-يالأفكارك يا حورية ،فعلا يا ابا مريم، لن اجد رجلا اثق فيه مثلك ليكون الى جانبي .

-ولكنني لا افهم في الفلاحة شيئا 

-عملك سيكون مراقبة الفلاحين ،كثير منهم لا يعمل إلا إذا رآني من بعيد ،ويهمل متى غبت .

-ليتك تقبل يا أبي، ونجتمع بعد طول فراق .

تدخل مروان مؤيدا 

-ستسكنان بيتا جاهزا قرب البيت الكبير .

-قولي شيئا يا أمي ،وافقي لعل ابي يوافق .

-ترفقوا بالرجل ،لعله لا يستطيع ترك عمله او بيته.

-عمله بيده يا هشام ،ليس موظفا ولا اجيرا، اما البيت فيبقى لزيارات الصيف .

-فكر يا ابا مريم ،على اي ،ستذهبان معنا لحضور عرس هشام ،وتعاين المكان والعمل ،وارجو ان توافق .

كان مروان ينظر إلى مريم ،وتظهر عليه السعادة لسعادتها، كانت غالية تجلس بحجره بينما ينام فؤاد بحضن مريم ،وانا وماما رحمة نتبادل نظرات امل نرجو ان يتحقق.

تجلس العروس بقفطان مخملي اخضر مطرز بخيوط الذهب ،تزين صدرها قلادة من لؤلؤ وذهب ،وعلى رأسها تاج من ذهب ،جلست امرأة متخصصة برسم الحناء ،تبدع برسوم هندسية أصيلة على كفي وقدمي العروس ،بينما ترقص الصبايا على غناء فرقة نسوية .

وجاء اوان تقديم الهدايا ،بدءا من الذهب المهدى من العريس ،ثم هدايا أسرته واحدا واحدا ،وبعد ذلك هدايا عائلتها .

دخل رجال عائلتها لتقديم هداياهم ،وكلما تقدم واحد قدمته ام العروس ،اسما ونسبا ،وقدمتنا له ايضا .

تقدم احد ابناء اعمام العروس ،يحمل علبة قطيفة ،من حجمها يظهر ان بداخلها سوارا ،قدمته لنا 

-هذا ابن عم العروس ،طارق ،يعيش بطنجة ،مهندس معماري .

كلما سلم على أحدنا ذكرت له من يكون .

-هذه حورية اخت العريس .

-حورية .

اطال النظر الي ،واطال السلام ،كأنه نسي انه يمسك يدي .

-اهلا وسهلا .

جذبت يدي ،لينتبه اخيرا ،وقد أحسست بحمرة وحرارة الخجل تهجم على وجنتي .

خرج كسابقيه ،لأنظر الى يدي 

هل يعقل انه أعجب بي ؟ نظرته كانت مختلفة .نعم كانت نظرة إعجاب ،ولكن الى متى يا حورية ؟ سيعرف انك مطلقة منذ سنين ،وسيظن بك الظنون كغيره


        الفصل السابع عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>