رواية شاهد ومشهود الفصل الرابع4بقلم سارة نيل


رواية شاهد ومشهود
 الفصل الرابع4 
بقلم سارة نيل


- دكتور كرم!! معقول، أنا مش مستغربة أصلًا لأن مكونتش مرتاحة له.

غام الحزن بأعينه وهمس:-
- كان أقرب صديق ليا .. مش مجرد صديق وبس دا كان أخويا وأكتر ووثقت فيه أكتر من نفسي وعمري أبدًا ما توقعت الطـ.عنة دي..

حزنت سيراي وألامها قلبها من أجله كثيرًا، لتُفكر مليًا ثم هتفت متسائلة:-
- يا دكتور مفيش أي حاجة تدل على المضاد ده، يعني ريحة لون ... يعني أي خاصية بتميزه..

فكر عمران دقيقة ثم قال يخبرها:-
- في حاجة بتميزه جدًا وخاصية فريدة، وهو إن في الظلام بيضيء باللون الأزرق .. بيشع منه ضوء أزرق لطيف حتى لو هو في جسم معتم أو غير عاكس..

اتقد العزم في أعين سيراي وقالت:-
- بوعدك يا دكتور عمران إن هلاقي المضاد وهترجع تاني لطبيعتك وتاخد حقك .. أنا هلاقيه إن شاء رب العالمين.

ابتسم بهدوء وقال وأعينه تلمع بوهج جميل:-
- وأنا واثق يا سيراي .. هتكوني قد ثقتي.

قالت بتفكير:-
- بما إن الحاجة دي مهمة جدًا عند الدكتور كرم فأكيد المكان إللي هيروحه هياخدها معاه ومش هيسيبها أبدًا.
كان في إجتماع للبعثة كلها الدكتور كرم عامله في الشقة إللي مقيم فيها وهي في نفس العمارة بس في الدور الأول..
أنا كنت ناوية منزلش بس كدا هنزل علشان أحاول أدور عليه لأنه يعتبر إجتماع ترفيهي..

- خدي بالك يا سيراي واحذري .. لأن أي جَمعة بتكون البعثة فيها أنا مش بقدر أكون موجود، في حاجز بيمنعني ودا إذا دل فيدل على إن المضاد في المكان..
مش هعرف أكون موجود معاكِ خدي بالك..

ابتسمت سيراي بهدوء وتنهدت قائلة:-
- إن شاء الله خير يا دكتور متقلقش..

ابتسم لها وقال:-
- قولي عمران عالطول يا سيراي .. بلاش دكتور..

توترت وهمست باعتراض:-
- بس .. يعني مينفعش إنتَ ...

قاطعها:-
- معدتش دكتور وطالبته يا سيراي .. أنا بقيت غرقان وإنتِ منقذتي .. اتفقنا .. عمران وبس..

طرق قلبها بعنف وهي لا تصدق أنها تتحدث معه والذي لطالما لمع اسمه في الوسط وذيع اسمه حتى أُصيبت هي بلعنة عشق اسمه وسيرته فقط..
لكنها دائمًا من الأشخاص المتحفظين جدًا بل جدًا جدًا، فأصبحت تتحاشى المجالس التي تُذكر فيها اسمه وسيرته فقط وتحاول كبح نفسها من الإنجراف في هذا التهور..
وها هي من بين الجميع مَن بيدها نجاته وتقف تتحدث معه، لكن يجب أن تسيطر على قلبها وتُمسك زمام الأمور..

تنحنت وقالت بخجل:-
- طب أنا .. هدخل يعني أنام وكدا..

وصمتت قليلًا ثم قالت:-
- وإنت .. يعني أقصد أنا هكون..

قاطعها بلطف مبتسمًا:-
- متقلقيش يا سيراي أنا أبدًا عمري ما تجاوزت حدودي، وعمري ما أقطع راحتك في بيتك، نامي واطمني أنا هكون موجود في الأوضة البعيدة دي، وإنت اقفلي الأوضة علشان تطمني، ااه محدش شايفني بس رب العالمين شايفني وأنا أبدًا مش نسيت ده..

تنهدت براحة وهو يزيح عنها أي همّ، قالت بإمتنان:-
- شكرًا يا دكتور ...

نظر لها بتحذير لتُصحح:-
- يا عمران  .. شكرًا يا عمران، تصبح على خير..

وانسحبت لغرفتها بوجنتين متخضبتين من مجرد نطق اسمه، تنهد هو بشجن وذهب لأقصى الغرفة الأخرى وجلس يُفكر في أمورٍ شتى..
مستقبله الذي كان يسعى نحوه بلا هوادة .. الطموح والشغف الذي كان لا ينطفأ..
وخيانة أقرب صديق له .. بل شقيقة الذي لم تلده والدته..
أغرقه التفكير حتى سقط في محيط النوم..

                  ********************

صباح يوم ثلجي، استيقظت سيراي باكرًا وعكفت على بعض الدراسات وسط بعض الكُتب .. شرد عقلها حيث عُمران الذي لم يظهر ولم تراه منذ الصباح..
دارت في الشقة الصغيرة تبحث عنه بحذر لكن لا فائدة..
عادت لغرفتها وأبدلت ملابسها ثم عزمت على البحث عن غايتها قبل فوات الأوان..
أتى وقت الإجتماع الذي يعقده هذا الخبيث كرم، تحمد الله أن هذا الإجتماع في شقته..
بحثت بعينيها قبل خروجها على عمران لكن لا فائدة..
يا تُرى ما الذي أصابه ولماذا لا تراه؟!
أم أنه قد يكون يتألم أو حدث شيء سيء له؟!

تنهدت بثقل وقالت:-
- ركزي يا سيراي ... إن شاء الله خير ومش هيحصل حاجة...

هبطت الدرج حتى وصلت أسفل البناية حيث شقة الدكتور كرم، تقابلت مع أحلام وبعض الأصدقاء..

هتفت أحلام بتعجب:-
- سيراي .. معقول! دا أنا قولت أكيد مش هتيجي لأنك مش بتحبي التجمعات دي..

ابتسمت سيراي وقالت بهدوء:-
- عادي يا أحلام .. بصراحة زهقانه جدًا وقولت أكيد هستفاد من دكتور كرم..

وضعت أحلام خصلة شاردة خلف أذنها وقالت بحالمية تعجبت منها سيراي:-
- يا سلام لو الدكتور عمران كان موجود في البعثة دي.

تسائلت سيراي بمغزى:-
- ماله الدكتور عمران يعني .. الكل بيتحكي بيه، يعني أيه بيميزه عن غيره..

كانوا حينها قد اجتمعوا في ردهة الشقة وجلست سيراي على الأريكة وسط مجموعة من زملاء البعثة..

- علشان عبقرينو .. وعلشان مخلص في عمله .. ومُميز عن الجميع .. متواضع وبيجتمع فيه كل الصفات الحميدة..

كان هذا صوت الدكتور كرم الذي خرج من غرفة مكتبه مبتسمًا بهدوء وهو يمتدح في صديقه..
ابتسمت سيراي بسخرية من كذب هذا المنافق..
كيف يجرؤ على هذا؟!
أن يقضي على صديق عمره وينافق ويتحدث بالجيد عنه، ياله من حقير حقًا!!

قالت سيراي بتأييد وهي تنظر له بقوة:-
- أنا مش حصلي الشرف إن أقابله، بس متأكده إنه إنسان محصلش .. لأن سُمعته بتحكي عنه ويارب يرجع بالسلام ويكون ليا الشرف بمقابلته والتعلم منه..

ما جعلها في قمة تعجبها هو الحزن الذي غام بعينيه وتأييده لها بكل وقاحة قائلًا:-
- صح ودا شرف ليا بكوني صديقه وصاحب عمره، وإن شاء الله يرجع بالسلامة..

همست بداخلها بغضب:-
- إنسان حقيقي قذر .. ليه وش يتكلم عادي كدا، إللي استحوا ماتوا فعلًا..

ابتسمت سيراي ثم قالت بخبث مبطن:-
- دا بما إنتا متجمعين وجه سيرة دكتور عمران قولنا بقاا عن إنجازاته وطموحاته وأيه أخر مشاريعه..

أيدها الجميع حتى أحلام التي استندت بحماس تتلاعب بقلادتها، بينما ابتسم كرم وغمغم وكأنه لم يفعل شيء:-
- عمران كان إنسان مخلص جدًا لشغله وعنده طموح غير عادي لحاجات بعيدة جدًا عن عقلنا..
بس هو كان كتوم أوي على شغله، يعني مكانش بيتكلم كتير عن مشاريعه ودراسته وكان بيفاجئني في الأخر..
كل إللي أعرفه إنه كان شغال على مركب نادر جدًا وصعب وغريب كمان .. بس أيه هو مقالش عنه حاجة وأنا كنت بحترم خصوصيته أوي..
بس الخلاصة عايزكم تتعلموا منه الإجتهاد وإن لكل مجتهد نصيب، ودايمًا اشتغلوا على نفسكم أكتر ودايمًا فكروا برا الصندوق..

استمعت سيراي لهذا الحديث وهي بقمة تعجبها ولا تصدق كم الوقاحة التي تنبعث من هذا الرجل..
أماء الجميع بإصغاء بينما وثب كرم واقفًا وقال:-
- هجهز ماكينة القهوة علشان عندنا شوية شغل مهم..

وثبت أحلام بينما تبتسم بدلال:-
- هساعدك يا دكتور .. ميصحش..

- تمام تعالِ يا أحلام..وشكرًا يا ستي..

قامت سيراي وهتفت بنبرة لينة تحمل الترجي:-
- دكتور كرم .. إحنا مكانش لنا نصيب نقابل دكتور عمران ونتعلم منه بس حضرتك إنت كمان موسوعة وفرصة نتعلم من حضرتك..
ممكن تإذن ليا لو سمحت بما إني متعطشة علشان أشوف الناس الناجحة أمثالكم بيفكروا إزاي..
ممكن تسمحلي أشوف مكتبتك وأشوف كُتبك..

ابتسم لها بحباوة وقال:-
- طبعًا أكيد يا سيراي وليه هعترض دا شرف ليا طبعًا إنك شيفاني كدا مع إني شايف إن مستقبلكم مبهر وإنكم حقيقي مميزين..

وأشار بيده نحو أحد الغرف الجانبية وهتف:-
- دي غرفة مكتبي فيها كل شغلي وأبحاثي بس خدي بالك وأوعي تبوظي حاجة..

قال الجملة الأخيرة بمرح فابتسمت هي بمجاملة وهرعت نحو غرفة المكتب..
وقفت في المنتصف تتأمل أركان الغرفة..
هناك استاند يمينًا وأخر يسارًا يمتلأن بأكواب وأنابيب زجاجية رفيعة مليئة بمواد كيميائية متباينة الألوان..
هرعت تبحث في جميع أركان الغرفة بعدما أوصدت غلق الباب ... تبحث عن شيء مريب أو مختلف..
تذكرت قول عمران حينا نصحها قائلًا:-
" خدي في بالك يا سيراي من عادات كرم إن لما بيجي يخفي حاجة مهمة جدًا بيخفيها في أوضح مكان لأن دا المكان إللي محدش بيوصله، يعني دوري في أكتر الأماكن وضوحًا."

هرعت نحو سطح المكتب والإستاندات لكن بلا جدوي..
الضوء!!
المضاد هو الذي سينبعث منه ضوءً أزرق في الظلام..
ركضت حيث ذِر التحكم في الإضاءة وضغطت عليه بلهفة..
وقفت في وسط الظلام وانتظرت دقيقة .. ودقيقة أخرى والدقيقتان صارا سبع ... وهنا توقفت بصدمة حين شعّ ضوءً أزرق من أحد الأنابيب الصغيرة..
ابتسمت بلهفة وهي تركض نحوه لتتصنم حين تفاجأت بكوبٍ أخر ينبعث منه ضوء بالونٌ الأبيض، التفتت حولها وهي ترى ثالث ينبعث منه ضوء أزرق..
ورابع بالزهري  .. وخامس بالأخضر .. وسادس بالأزرق..

ظلت تدور بأعينها بجنون وهي لا تصدق ما ترى!
وضعت يديها على رأسها وشعرت بدوار طفيف يهاجمها، كيف ستجده الآن!!
عمران ينتهي، ماذا تفعل؟!




تعليقات



<>