رواية شاهد ومشهود الفصل الخامس5بقلم سارة نيل


رواية شاهد ومشهود 
 الفصل الخامس5
بقلم سارة نيل



≈أُذكركم ونفسي بذِكر الله، والصلاة على الحبيب محمد ﷺ≈٠

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ : وَلَكَ بِمِثْلٍ) 
رواه مسلم.

سمعت خطوات تقترب من الباب فسارعت بإضاءة المصابيح وهي تتصنع الخروج ليصفر لونها حين رأت الدكتور كرم بمواجهتها، ابتلعت ريقها بخوف داخلي خوفًا من أن يكون أكتشف أمرها..
نجحت في دفن توترها وصدمتها وابتسمت بتصنع قائلة:-
- حقيقي إنت موسوعة يا دكتور .. مكتبتك مش ينشبع منها .. وبشكرك جدًا إن حضرتك سمحتلي بدخولها ونلت الشرف ده..

ابتسم كرم بهدوء وهو يعدل من وضع عويناته المستطيلة وقال:-
- شكرًا جدًا يا سيراي دا من ذوقك، أمال لو شوفتي إللي في مصر بقاا..!
بصراحة الشقة دي أخدتها من كام سنة أنا وعمران لأن كان بيبقى عندنا هنا دراسات كل فترة، فقررنا نشتريها وبدأت معالم الحياة فيها دا قبل ما يختفي، لكن بعد ما اختفى ماجيتش هنا خالص .. ألا مع البعثة..

نظرت له سيراي بغرابة، كم يبدع هذا الرجل في التمثيل، لكنها رددت هي بثقة:-
- أكيد هايجي اليوم إللي كل حاجة فيه تبان والحقيقة تظهر وإن شاء الله يرجع الدكتور عمران ويقولنا عن سبب إختفاءه..

نظر لها بغموض ممزوج بالتسائل لكنه قال قبل دخول غرفة المكتب بحزن:-
- يارب .. إن شاء الله.

عادت سيراي لأصدقاءها بقلب مكلوم حزين بينما ولج كرم لغرفة مكتبه ليوزع أنظاره بأركان الغرفة..
واقترب من مكتبه يعبث به ليطمئن على شيءٍ ما ثم قال وهو ينظر لعبوة مجهول بيده:-
- آسف يا عمران .. سامحني بس كان لازم يحصل كدا..

                ***********************

اجتمع الجميع حول طاولة مستطيلة لإجراء بعض التفاعلات بترقب لتقف سيراي بجانبهم بعقل شارد لكن لفت إنتباهها شيء صادم..
حيث كانت أحلام تقف بجانب الدكتور كرم وتتعمد تلمسه بطريقة غير مهذبة..
تتعمد الإصتدام به أو تلامس ذراعهما بينما هو كان يتحاشها ويبدو عليه الضيق..
ليتفاجئ الجميع بأحلام تشهق حين مدّت جسدها تُمسك أحد الزجاجات فتصنعت إختلال التوازن ومالت على الدكتور كرم بوقاحه..
هذا الموقف لم يُثير حفيظة أحد سوى سيراي التي كانت تشاهد الموقف من البداية..!!
لماذا تفعل أحلام هذا؟!
هل هي واقعة في حُب الدكتور كرم.!
لكن هذا ليس مبرر لما تفعله فالحب أرقى من هذا الرُخص!
كانت تظنها فتاة أكثر إتزنًا مما رأتها عليه..

بعد مرور ساعة ثقيلة صعدت سيراي بإرهاق نفسي لشقتها توضأت وأدت فرضها..
جلست على سجادة الصلاة تفكر بشرود لتسمع صوت والدتها بأذنها وهي تقول لها جملتها الدائمة..
"يا سيراي أما تتعسر عليكِ حاجة وتلاقي الأبواب كلها اتقفلت اجري لباب المولى مش بيتقفل أبدًا يا بنتي، كل مشكلة والمخرج بتاعها في ايده .. إلجئي لرب العالمين."

رفعت سيراي رأسها وقالت بعجز:-
- يارب دلني على الطريق الصحيح، أنا تايهة أوي ومش عارفة أعمل أيه .. المخرج فين يارب..
 ساعدني أوصل لمضاد للمركب ده وأنقذ الدكتور عمران.

شعرت بالراحة تتسلل لقلبها فتنهدت براحة ثم خرجت من غرفتها تقصد صنع كوب من القهوة يساعدها على الإنتعاش والعمل..
ابتسمت بقلب ينبض بسعادة حين رأت  كوب من القهوة فوق طاولة المطبخ..
اقتربت من وتلمسته لتجده ساخنًا قالت ومازالت على موضعها لم تستدير فقد شعرت به ولا تعلم لماذا:-
- شكرًا جدًا .. حقيقي كنت محتاجاله أوي.

- عارف يا سيراي .. أنا بقيت عارف كل عادتك وكل حاجة تخصك..

تخضبت وجنتيها واستدارت لكنها فُزعت حين رأته متكأً بينما إحدى قدميه بدأت تذوب..
اقتربت منه بخوف وقالت بلهفة:-
- عمران إنت كويس .. مالك أيه إللي بيحصل..

ابتسم بوجع وقال:-
- ما أنا قولتلك يا سيراي السنة خلصت وكل ساعة هتمرّ مش في صالحي..

شعرت بالدوار يجتاحها وقالت بجنون:-
- أنا دورت النهاردة على قد ما أقدر بس للأسف موصلتش لحاجة .. دخلت مكتبه وطفيت النور بس اتصدمت لما لقيت كذا مركب بيشع نفس الضوء..
اتكلمت معاه وحاولت أوقعه في الكلام ولا أوصل منه لأي حاجة بس من غير فايدة..
مش بيقول عليك ألا كل خير ويمدح فيك مدح جامد ودا أكبر دليل على أنه مجرم كبير..
بس إللي اتأكدت منه إن مركب زي ده معاه هنا، لأنه متوعد إن يكون في كل مكان يروحه مكتبة وتجاربه كلها معاه ومركب مهم زي دي مش هيسبه أبدًا في مصر لأنه كمان عارف إنك موجود في مصر وومكن توصله لو دورت عليه .. لكن هنا برا البلد عمرك ما تقدر توصله..

طفى الحزن على وجه عمران وتذكر أيام صداقته الحميمة هو وكرم .. ما تقوله سيراي هو الحقيقة والأحتمال الصحيح..
غرق عقله بذكرى هذا اليوم الذي حدثت به هذه الخيانة..

دخل عمران المكتب وبيده أكياس مليئة بالطعام بينما ينكمش في ملابسه من برودة الطقس..
لكنه وقف متخشبًا حين وجد كرم يجلس خلف مكتبه وبيده دفتره الثمين والسري..
قال عمران بحماس:-
- إمسك حرامي .. بتقلب في دفتري ليه يا كركر..

قال كرم بنزق:-
- ما تبطل كركر دي يا عمران .. وبعدين أيه العبقرية دي يا دوك .. التجربة دي مجنونة يا بني أكتر ما هي صعبة جدًا جدًا..

جلس عمران بينما يُخرج الطعام من الأكياس وقال:-
- هي فعلًا تجربة مجنونة .. بس أنا خلاص حضرت المركب وجربته على كذا حاجة ونجح....

أردف كرم بدهشة:-
- عبقري عبقري يعني .. يعني دلوقتي المركب قادر على إخفاء أي حاجة..؟

- قادر وقادر طبعًا..

- طب مفيش أي طريقة لرجوع المختفي..؟

- ودا حاجة تتنسي..

وأخرج عمران من حقيبته زجاجتان وضعهم أمام أعين كرم اللامعة وهتف:-
- دا المركب يا دوك .. ودا المضاد إللي يوقف مفعول المركب..

كان الفضول يغمر كرم فقال بتلقائية ومرح لم يكن يعلم بما سيحدث:-
- طب ما أيه رأيك أجرب عليك المركب ده وأشربهولك وتختفي يا عم ونرتاح من عمران عمران إللي مصدعنا سيرته إللي بترفرف وأخد أنا مكانك يا باشا..

رص عمران أطباق الطعام على سطح المكتب ثم هتف ضاحكًا:-
- واثق إنك متعملهاش يا صاحبي ومديك الأمان وواثق فيك زي ضلّي..

- ويؤتي الحذر من مأمنه يا دكتور عمران وخاف مني واحذرني بقاا..
أمال صحيح دفتر مهم زي ده كنت سايبه إزاي على المكتب كدا ومفتوح على التجربة..

زوى عمران بين حاجبيه بتعجب وتجعد جبينه وقال بنفي:-
- لا أنا ماسبتهوش مفتوح ولا على المكتب دا كان في الدرج ومقفول عليه .. أنا افتكرتك إنت إللي فتحت وأخدته..

- لا أنا لقيته على المكتب ومفتوح لما دخلت علشان أناديك .. يمكن إنت نسيته ولا حاجة..

قلب شفتيه وقال بقلق:-
- لا عمرها ما حصلت..

وقبل أنا يكملا الحديث أتى أحدهم يخبر عمران بأن العميد يريده..

قال عمران بينما يشير للطعام والمكتب:-
- خليك هنا يا كرم .. هشوف سيادة العميد عايز أيه وأرجع علشان نفطر سوا أنا جعان أوي ومأكلتش حاجة..

- تمام أنا في انتظارك يا عمران، عندي شوية شغل هخلصهم وأنا قاعد على ما إنت ترجع..

ورحل عمران ولم يدري أنا هذا الطعام سيكون الأخير له قبل أنا يتوارى في الظلام واللامرئي..

استيقظ عمران من شروده على فزع سيراي حين انقطع تيار الكهرباء فانطفئت أنوار المجموعة السكنية بالكامل..

- سيراي موبايلك أهو افتحيه ومش تخافي..

سارت ببطئ نحو باب الشقة تقول:-
- ما تقلقش أنا مش خايفة..
هخرج أشوف في أيه أنا سامعة صوت الكل برا..

- تمام .. أنا منتظرك..

فتحت سيراي باب الشقة لتجد الجميع في الخارج على الدرج .. كل مجموعة خرجت من شقتها .. حتى الدكتور كرم الذي قال بهدوء:-
- أما نشوف العطل فين .. اهدوا متقلقوش..

هبطت سيراي بحذر على الدرج في وسط الظلام لتجتمع معهم فتقابلها أحلام بلهفة تتسائل:-
- إنتِ كويسة يا سيراي.

لكن سيراي عجزت عن الرد ووقفت متسمرة وهي تنظر لهذا الشيء بصدمة وعدم إستيعاب..
هذا محال ولا يُصدق.!!!
لقد كانت قلادتة ترتديها أحلام على شكل زجاجة طويلة ينبعث منها أشعة من الضوء الأزرق الصافي جدًا بقوة ووضوح..
إنه الضوء المنشود..!
لا يُصدق حقًا..!!!




تعليقات



<>