رواية المطلقه الفصل الثاني عشر12بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل الثاني عشر12

بقلم حكاوي مسائية

 

الأمل ،لم لا يموت الأمل بقلوبنا ؟لأنه بذرة ،ولكن كيف يعيش ؟ تسقيه بجهدك وعملك ومعاملتك ،فينمو ثم يثمر .

والندم كالثوبة مقبول بعد جهالة ،بعد خطأ غير مقصود ويمكن إصلاحه .

غير ذلك ،فلا أمل من ندم . 

بعد بضعة أيام، دخل البواب ،وقد ارسله عمي هو وزوجته وطفلين بالمدرسة الابتدائية ،دخل ينادي زوجته .

-رابحة ،يا رابحة .

-اخفض صوتك يا رجل ،اتحسب نفسك في الدوار .

-قولي للسيدة ان شابا يريد مقابلتها .

-دعني أرى من يكون قبلا .

-ادخلي يا امرأة وإلا كسرت رأسك .

دخلت مسرعة ،كنت أنزل السلم .

-مابك يا ربوحة ؟

-قاسم يريد أن يكسر رأسي .

-ماذا فعلت يا ربوحة حتى تغضبيه هكذا .

-قلت أنني أريد أن أرى الشاب الذي يريد مقابلة لالة. 

-إذن تريدين أن يعيدك الى الدوار يا رابحة .

-ومن تعود معه ،والله اشكيه لِبّا الحاج صالح .

-ادخلي الضيف ونادي  ماما يا رابحة .

-والشاي ؟

-طبعا يا رابحة. 

دخل الشاب ،ولم يكن غير مروان 

-اهلا بابن عمي ،تفضل يا أبا فؤاد .

-صباح الخير يا حورية .

نزلت امي مستقبلة 

-أهلا يا مروان ،مبارك يا ولدي .

-الله يبارك في عمرك يا خالتي .

-كيف حال الصغير وأمه .

نكس رأسه مجيبا 

-بخير يا خالتي ،جئت أرجو أن تشرفيني انت وحورية في  عقيقته .

-ماماحرة في الذهاب ،أما أنا فلا .

-ارجوكم ،لا أريد أن اقف وحيدا في سبوع ولدي .

-لا يمكنني ،بأي صفة أحضر .

-بصفتك عمته،... اختي .

-نزعت مني هذه الصفة يا ابن عمي ،كنت حسبت لمثل هذا اليوم .

-سامحيني يا حورية .

-انت الوحيد الذي لن أسامحه أبدا، لأنني رجوتك أن تحافظ علي ،أن نمثل اننا زوجين حتى أحلك من عقدي برضا والديك ،ولكنك امعنت في أذيتي. 

-يا ابنتي ،المسامح كريم .

-لو كان الذنب ذنب اللحظة ،ولكنه خطط ودبر ،ومازلت أحمل وزره وحدي .

-ندمت يا حورية .

-وبم ينفعني ندمك وقد علقت على ظهري لقب المطلقة ،وانت تعلم نظرة أقرانك لمثلي؟...مازلت أعاني منك يا ابن عمي .

-ظننت حين جئتني بمفتاح الشقة انك نسيت وغفرت .

-تذكر حين رجوتك أن تعتقني ،وانا امثل انني من ترفض الزواج ،واطالب بتطليقي منك ،اجبتني انك لست بطلا من رواياتي التي اثرت على تفكيري ،وانا اقول لك يا ابن عمي ،انني لست بطلة رواية حمقاء لأسامح من اغتصبني ،واخذ دليل براءتي .ولكنني شهامة مني ،والتي لم أجدها فيك وانت الرجل

أنا مازلت ارجو ان يسامحك عمي ،ورجوته ورق قلبه لحفيده وعز عليه ان تعيش في شقة إيجار ،ولكن الطريق مازال طويلا أمامك لتنال غفرانه.

استأذن يا ماما ،انت في بيتك يا ابن عمي .

خرجت الى الحديقة مبتعدة. 

أعاد فتح الجرح ،لماذا يا ابن عمي ،لماذا استقويت علي وانا أرتجف بين يديك وأرجوك ألا تضيعني ،لماذا لما ذكرتك أنني في مقام اختك الصغرى سخرت مني واستبحت جسدي ،وليتك كنت تنوي ان تبقى معي ،لا ،خططت لإذلالي بالزواج من معشوقتك وتتركني تحت يدك ورقة رابحة عند والديك ،هل تظنني سأنسى قهري وكسرتي، خسرت مكانتك عندي ،وخسر معك كل الرجال ثقتي .

اِنعَم بحياتك بعيدا عني ،و انا خصيمتك امام الله .

تركته يشكو وحدته لأمي 

-فرحت لما قالت لي حورية أن أبي أرسل هدية لابني ،وفرحت أكثر لما رأيت مفتاح الشقة بيد زوجتي .

-لقد كلمته حورية قبل أن تخبرنا ،اِقنع اليوم بهديته وادع الله ان تكون بداية خير .

-تعالي معي يا خالتي ،اطلب غفران ابي وأمي ،كوني شفيعتي عندهما .

-والله يا ولدي ،لو تعلم كم رجوناهما انا وحورية ،ولكن جرح امك غائر يرفض ان يندمل. 

-أعرف يا خالتي ،السكين مغروسة فيه فكيف له أن يشفى .

-إذن فأنت تعلم من تكون حماتك .

-علمت بعد ان سبق السيف العذل ،لما استمعت لأمي أخيرا ،كانت زوجتي حامل ،احترت من اختار  فاخترت ابني .

-وأين انت من حديثه عليه الصلاة والسلام امك ثم امك ثم أمك .

-وهل اترك ابني تربيه على ما ربتها عليه امها ؟

-وهل ستمنعها بوجودك ؟

-سأحاول .

-كان الله في عونك .

-على الأقل كوني انت معي يوم عقيقته .

-لا أستطيع يا مروان ،حورية ابنتي وما يجرحها يجرحني ،ثم سأكون غير مرحب بي وسط اهل زوجتك .اعذرني بني .

جاء بأمل كاذب أن يجبر كسرا هو من أحدثه ،غريب امر بعض الناس ،يرون قلوبهم جواهر مكنونة ،وقلوبنا مشاعا مٌداسا .

اليست لنا مشاعر وأحاسيس مثلهم ،يريدون منا السماح ،والنسيان ، يريدوننا ان نقف نشد أزرهم ونسندهم وقد كسرونا ولا نكاد نسند انفسنا .

هكذا يا ابن عمي ،تريدني اليوم اختا وقد استكثرت  علي أخوتك يوم استرحمتك باسمها ، تريدني أهلا وقد جعلتني قنطرة ودست علي لأجل أخرى ،تريدني اختا بعد ان دنست جسدي  كأنني جارية دفعت ثمنها .اهدرت دم سمعتي وتستسمحني باسم الدم ،ندم هذا ام وقاحة ،وحتى لو كان ندما ،فات أوانه يا ابن عمي .

سألت البواب .

-قاسم ،ألم تعرف ابن عمي ؟

-بلى عرفته يا آنسة حورية ،ولكنني تظاهرت بالعكس .بعد ان عرفتك ،علمت انه خسيس.

-لا تقس عليه يا قاسم ،فالناس ظروف .

إذن فهو يعلم حكايتي معه ،قصدت الحديقة الخلفية ،وتمددت على العشب كما احب ،انظر الى نطف بيضاء من السحاب تناثرت على وجه السماء الزرقاء ،نسيم محمل بعبق زهر الليمون والبرتقال كأنه لمسة عاشق على خدي ،فردت يدي على جانبي ،واغمضت عيني ،ورحت إلى ذكرى من ماض قريب .

ظل حجب عني أشعة الشمس ،لاتبين انه هو ،واتقن دور المحب ورجاني ان اعطي لقلبي فرصة ليعشقه ،ولكن شيئا بداخلي رفض ان يصدقه ،وما نفعني حذري أمام رغبة أسرة وحلم جد ،وليته أعطاني وقتا كافيا لأعطي قلبي فرصة لحبه ،لا ،خنجره المسنون كان جاهزا لطعني، فقتل بنفسي إحساس القرابة بيننا ،ظننت ان العشرة بيننا ستعطيه أكثر من مكانة ابن عمي ليصبح حبيبي وزوجي ،ولكنه قطع حبل الوصال من بدايته وقتل حتى صلة القرابة بيننا .

هو اليوم عني غريب ،بل ابعد من الغريب .

خرج من البيت كما دخل إليه ،بل إنه فقد حتى الأمل الذي جاء به ،هو من اختار فليتحمل نتيجة اختياره ،هو من قرر فليقبل تبعة قراره ،هو من من أخطأ ولكنني للأسف من تحمل وزر خطأه.

قضيت يوم الأحد هائمة بين كان وليت،اذكر الماضي واتمنى لو انه لم يكن ،وانتظر يوم الأثنين لعل العمل يشغلني عن رمال الماضي المتحركة التي تكاد تبتلعني وتعود بي الى كآبة خرجت منها بشق النفس.

ذهبت صباحا الى العمل ،ودخلت قاعة المخاض ،صبية لا تكاد تخرج من الطفولة ،تصرخ وبجانبها شابة ثلاثينية تمسك يدها وتضمها اليها وتمسح على ظهرها. 

-صباح الخير ،مابك خائفة .

نظرت إلي بفزع ظاهر .ابتسمت لها .

-لا تخافي ،انا من ستخلصك من سبب ألمك .

ما اسمك يا صغيرة ؟

نظرت الى الشابة كأنها تستجديها 

-حبيبة ،اسمها حبيبة .

-استلقي يا حبيبة ،اتركينا لأرى إن حانت ولادتها. 

-لا يمكن ...أقصد لا يكن أن تفحصيها كما تفعلين عادة .

-ولماذا يا أم حبيبة؟ 

-لأنها عذراء ،ماتزال عذراء .

نظرت الى السوار بيدها أقرأ رقمها ،وذهبت الى المكتب ،اخذت ملفها .

-اسم الام حبيبة، واسم الاب عبد اللطيف .

سنها اربع وثلاثون .

لا يمكن ،انها ماتزال طفلة فكيف يكون هذا سنها .

ناديت ممرضة مساعدة .

-ناد المرأة التي ترافق الفتاة الصغيرة .

لن تخطئها لأنها الوحيدة التي تقف بقاعة المخاض وليست حاملا .

-اجلسي سيدتي ،ماهذا الذي أقرأ هنا ،ابنتك ماتزال صغيرة ليكون عمرها أربعة وثلاثون .

ظهر عليها التوتر ،تنظر إلى يديها وهي تفركهما بقوة .

-تكلمي قبل ان احيل ملفها إلى الإدارة ،فهذا تزوير قد نحاسب عليه .

-ارجوك سيدتي ،أخوها هو من أعطى البيانات التي أمامك .

-احكي لي ،قد أساعدك .

-إنها لبنى ،أخت زوجي ،وعمرها أربعة عشر سنة .

يا إلهي ،ماتزال طفلة .

-فجأة احست انها مريضة ،جاءت بها حماتي من البادية لأصحبها الى الطبيب ،وكانت الصدمة أنها حامل .

أخبرت أخاها ،فتكلم معها ،هو يحبها كأنها ابنته ،شجعها لتبوح له ،غرها جار مهاجر ،فنامت معه ،وبعد ذلك عاد الى مهجره .

اخفينا الأمر على أمها ،وارسلناها الى البلد على أن تعود لبنى بعد ان تشفى ،أخذتها الى طبيبة صديقة لتجهضها ،ولكنها فوجئت انها ماتزال عذراء .

-يحدث تسرب مني من عشاء البكرة ،حالات نادرة ولكنها تحدث .

-تزوجنا منذ عشر سنوات ،ولم نرزق بطفل ،لا مانع عندي ولا عند زوجي ،ولكنني قد انجب من غيره كما ينجب من غيري ،والحب زاد مع العشرة والمعاناة. 

-فرأيتما ان تنسبا الطفل لكما .

-نعم ،لصالحنا جميعا ،نحفظ سمعتها ونسعد بطفل يملأ علينا حياتنا .

-المهم الآن انها ستلد بعملية قيصرية ،سأوصي الدكتورة ان تكون ندبتها مخفية ،أما نسب الطفل ،فالأمر ليس بيدي ،سأخبر رئيسة قسم الولادة .

همت أن تقبل يدي 

-ارجوك ،ساعدينا .

-الحل ليس بيدي ،ولكنني ارجو ان تقبل الرئيسة طرحك.

دخلت مكتب الدكتورة اخبرها عن حالة الصغيرة ،وأوصيتها أن تفعل ما باستطاعتها لتكون ندبة الجرح مخفية ،ومن تم ذهبت الى رئيسة القسم .

-الأخ ليس غبيا ،لابد انه سأل عني ،لقد سترت حالات مشابهة ،وكثيرا ماتكون من البوادي مثل هذه الصغيرة .

-تعجبت من صغر سنها ،كيف تأمن لرجل وتختلي به .

-صغر سنها هو ما جعلها تأمن له ،مهاجر جاء بسيارة وساعة مذهبة ،وكلام عن بلاد الأحلام والمال الكثير ،يدعي أنه يحبها وسيأخذها معه ،يوهمها ان لمساته وقبلاته شيء عادي ،وان عشقه وشوقه اليها ما يحركه ،يتمتع بجسدها الغض ،وإن رحمها لا يفتض بكرتها  ،يلهو بها حتى تنقضي عطلته فيبيت ولا يصبح ،بح ،طار ،وبقيت هي مع خوفها وندمها. 

-تحمد الله انها اخت لرجل متفهم .

-حاجته عزيزتي ،اتظنينه يسترها لو لم تعطه أملا قد ضاع منه .

-وماذا ستقررين بشأن الطفل .

-كما افعل في مثل هذه الحالة ،اخبر مدير المستشفى،ونأخذ على أخيها اعترافا بأنه من طلب هذا الحل ونضع معه شهادة بعذريتها، واعترافا منها انها تقبل قرار أخيها .

-وبذلك تعود الى بلدتها صبية عذراء لم يمسسها بشر .

ضحكت الرئيسة 

-أفهمك يا حورية ،غشاء بكرتها يمحو خطيئتها ،وطلاقك يجعلك محط شبهة .

-بينما انا تعقدت من الرجال ،وهي قد تستسهل الخطأ فتكرره .

-وانا متأكدة انها ستفعل ،ولكن هذه المرة لن تسلم الجرة ،اما انت فلا أظنك تقبلين ذكرا ولو ديكا على مائدتك .

ضحكت معها .

-لو كان ديكا بلديا على قصعة ثريد لا أمانع .

-وانا معك يا حورية ،لا تنسي دعوتي .

-الا تخافين أن تتهمي يوما بهذه المساعدات انها شيء آخر .

-فهمت قصدك ،ان اتهم انني ابيع الأطفال مثلا ،لن يحصل ،لأنني أحرص ان يكون المتبني من أسرة الفتاة ،وآخذ اعترافات الطرفين كما أوضحت لك ،وعلى شهادة الولادة إمضاء المدير الى جانب إمضاءي .

يوم الجمعة سآخذك معي الى جمعيتنا .

-اية جمعية ؟

-ستعرفين حينذاك.

بعد ثلاثة أيام خرجت لبنى وحبيبة تحمل الوليد ،بينما زوجها يحمل الحقيبة .نظرت إليهم ،لبنى كطفلة عائدة من مدينة الملاهي ،تمسك بأخيها تكاد الفرحة تتنطط بجانبها ،حبيبة تنظر إلى الطفل مبتسمة سعيدة ،لقد اخبر زوجها والديه انها انجبت صبيا بعد ان أشاع انها حامل منذ علم بحمل أخته ،اما هو فرحته يشوبها حزن خفي ،كسرة احنت هامته.

الرجل العربي مهما كان متفهما، متحضرا لايقبل ان يدنس شرفه، واخته دنست شرفه ،وكسرته امام غر زاد ماله لما هاجر هربا من الفقر ،لعله ماكان يجرؤ ان يرفع بصره امام أخيها ،وهاهو الآن وقد وضعته تحت ضرسه.

طفلة ،قاصر ،حرم قانون مدونة الأسرة الجديد تزويجها بدعوى عدم قدرتها على مسؤولية الزواج من إنجاب وما معه ،وهاهي استطاعت ان تختلي برجل ،ربما بحقل او تحت شجرة ،ما خافت ان تموت تحت شهوته ،و حلمت ان يأخذها الى بيته زوجة ،تتحمل ما تتحمل امها ،مستعدة لخدمته وتلبية رغباته .

هاهي تقدر على ما حكم آخرون انها لن تقدر عليه ،وليته في الحلال .

حل يوم الجمعة ،عملت صباحا ،وبعد الظهر رافقت رئيستي السيدة فطومة الى الجمعية، جمعية إنصات، حيث تجتمع نساء ضحايا، لاستشارة محامية متطوعة، واخصائية اجتماعية ،ودكتورة نساء .

سميت انصات، لأن نشاطها قائم على الإنصات لمشاكل الأخريات والاشتراك في إيجاد حل لها .

جلست السيدات في صالون مغربي ،وأدارت بديعة الأخصائية الاجتماعية دفة الحديث ،كنت بركن وبيدي كأس شاي بنعناع ارتشفه بتأني ،وانصت. 

يمكن تسميتها جمعية ضحايا المهاجرين .

هذه أم لولدين طلقت غيابيا ولا تعرف سبب الطلاق 

-تزوجني ،وعشت مع والديه ،لا مانع ان اخدمهما، ولكن اخته زادت حدتها معي يوما عن يوم ،ولا نصير لي بينهم .لا أرى من ماله إلا ما آكل لأسد به رمقي ،ألبس من جهازي ولو ضاق علي في حملي او اتسع بعد هزالي، لا كلمة لي ولا مطمع ،وفي الأخير يطلقني ابوه بوكالة منه، ومازلت تائهة بين دهاليز المحكمة وراء حقوقي ونفقة أولادي. 

لفتت انتباهي صبية في العشرينات ،شعرها كأنه لهيب احمر ، ينزل الى اسفل ظهرها ،عيناها بلون العسل المصفى، وبشرتها بيضاء عليها نمش قليل على الأنف والوجنتين كأنه شرارات من لهيب شعرها استقرت على محياها لتزيده جمالا .

طويلة وممشوقة القوام .فتنة .

-تكلمي يا رجاء 

رجاء ،لابد انها رجاء كل من رآها ،فكيف تجلس بين الضحايا .

-انا جديدة بينكن ،كنت طالبة جامعية .

لكنتها فاسية، وهذا زاد جمالها .

-كنت كلما خرجت من البيت او الكلية يتبعني شاب بسيارته الفارهة، بت اخشى على نفسي منه ،فكلمت ابي بشأنه،فأصبح يرافقني بسيارته .فذهب اليه بمقر عمله خاطبا 

-الأصول يا ولدي ان تخطبها من بيتي وليس من مكان عملي .

-وافق وانا تحت امرك .

-سأنتظرك مع اسرتك ،ويكون خير بإذن الله .

جاء مع والديه وأخيه واخته ،من كلامهم عرفنا انه اشترى لهم مزرعة كانوا يعملون بها ،ودفع فيها ضعف ثمنها .

-ومن أين لك كل هذا المال .

-ابني يعمل بإطاليا، منذ سنوت هاجر وهو الآن سندنا وعوض الله لنا .

-هذا لا يجيب عن سؤالي ،من أين كل هذا المال ،ضيعة مسقية على مشارف المدينة ،ليست هينة .

-اجتهدت يا عمي ،ومرت علي سنوات هناك .

امي لم تقبلهم ،يبدون بدويين حديثي النعمة ،ونحن من عائلة عريقة بفاس، لا تكافؤ بيننا 

-سأسأل ابنتي ،كل شيء مرهون بموافقتها. 

طبعا لم أوافق ،لا تكافؤ اجتماعي ولا ثقافي بيننا ،لم يكمل الاعدادي ،وكبر ابن عامل في مزرعة ،حتى كلامه مهما حاول التصنع تفلت منه كلمات تظهر مدى تفاهة أفكاره .

نظرته فيها شهوة ذئب جائع ،ليست نظرة رجل محب ،رفضته ودخلت غرفتي .

اعتذر أبي تحت وابل من كلام أمه ،ولكنه أصبح يعترض طريقي ،ويهددني، ذهب الى ابي وهدد ان يختطفني إن لم يزوجني له .

ارتأت امي ان تحايلة .

-نستقبله يا ابا رجاء ،ونضع شروطا تعجزه ،فينسحب .

-قد نورط البنت معه ،دعينا نبلغ عنه ونهدده بالسجن .

-ومتى تحرك القانون ضد من مثله ،ومن يدريني ان يؤديها ويهرب الى إيطاليا .

ووضعت امي شروطها وهو يقبل تحت دهشة اهله وامه التي تضرب صدرها .

-اريد لابنتي ،طقما من ألماس، حزاما من ذهب مرصع ،فيلا باسمها ،تسكن بها وحدها ،وتكمل تعليمها .

كلما سمع شرطا وافق مبتسما 

-عرس فخم بأحسن القاعات .

لبى كل الشروط ،ووقف ليحدد موعد العرس والعقد .

-لا ،انا اريد فترة خطوبة .

-انا مسافر بعد أيام ،اعتبريها فترة خطوبة ريثما أعود. 

كانت فترة انتظار وخوف ،كل يوم يهاتفني ويسمعني غزلا لا اعلم من أين تعلمه ،وكل ليلة انام وهو مايزال يكلمني ،لم احبه ولم ارتح له ،رغم وسامته ،إلا إن تربيته غالبة او لنقل عدم تربيته .

سكنت وحدي بعد عرس خرافي واسبوعي عسل كما كنت أحلم ،ورغم انه لم يكن فارس أحلامي ولا يقرب له ،عزمت ان اقبله ،وطالما يحبني سأغير فيه عادات لا أحبها ،سأعتني بهندامه ليصبح كما أريد، سأعلمه أصول الحديث ومجالسة الناس ،سأرفعه الي  شيئا فشيئا .

ولكنه كان له رأي آخر .

في يوم ،ايقظني صباحا .

-حبيبتي ،استيقظى، سنقضي اليوم مع والدتك .

خذي ،اذهبي إلى الحمام التركي واعتني بنفسك كما تحبين ،سأكون عندكم على الغذاء .بكل حب ودعني على باب فيلتنا،ذهبت رفقة اختي الى الحمام ثم الكوافير ،أعدت امي مائدة غنية وشهية، وانتظرناه .

اطلبه ولا يجيب ،وبعد فترة هاتفه اصبح خارج الخدمة ،طلبت اخته واخاه واباه ،كلهم خارج التغطية .

غضبت ،كيف يتركني هكذا ،قررت ألا اذهب إلا إذا جاء معتذرا ،وهنا ذبحت نفسي بيدي ،لو ذهبت الى بيتي في يومي لتغيرت أشياء ،ولكنني ذهبت بعد يومين ،لأجد حارسا على الفيلا .

-ماذا تفعل هنا ؟

-انت ماذا تريدين ؟انا حارس على ملك سيدي *****

-انت مخطئ هذا بيتي .

سمع حارس آخر جدالنا فجاء مسرعا .

-يا سيدتي ،ساكن هذه الفيلا اخذ فرشها وكل متعلقاته اول أمس صباحا ،يبدو انه باعها .

-لايمكن ،انها باسمي ،وكل مالي بها .

-يمكنك ان تدخلي لتتأكدي بنفسك .افتح لها الباب .

دخلت لأجدها خاوية على عروشها ،لولا وجود اختي معي ماكنت لأعلم مصيري .

بعد ايام بالمصحة ،خرجت لأجد الخبر اليقين .

لم تكن الفيلا لي يوما ،زور عقد الشراء ،واخذ كل مجوهراتي، وجهازي وفراشي الى بيتهم بالمزرعة ،وطلقني قبل أن يسافر .

-كيف يطلقك دون علمك وحضورك .

-المال عزيزتي شق الطريق في البحر .علمت انه راهن نفسه أن يتزوجني ،وان سفره قبل العرس كان ليلبي طلبات امي لأنه لما رفض اهله ان يبذر علي ماله ضحك قائلا 

-ديتها بضعة اكياس بودرة بيضاء .

نعم لقد كان تاجر مخدرات .راهن نفسه أن يتزوج من يختار من بنات العائلات وهو ابن عامل مزرعة .

-وهل رفعت دعوى ؟

-نعم ،وكما أخبرتني المحامية ،فضيتي خاسرة، لأنني أطالب بمجوهرات لا دليل لي عليها ،فهو من اشتراها ولا أعلم من أين .نصحتني السيدة بديعة ،ان أسمع غيري ،لعل همي يهون .

تقدمت اخرى على كرسي متحرك 

- انا صافية ،ابنة موظف بسيط مات ليترك لنا معاشا لا يكاد يسد الرمق ،كنت أرى العائدين بسياراتهم الفارهة وأسمع عن سخائهم مع الفتيات ،ولكنني كنت أخاف على نفسي منهم ،اكتفي بسماع الحكايات عنهم ،كان منهم أولاد ناس ،على خلق تزوجوا وأحسنوا لزوجاتهم ،أبناء موظفين بسطاء كحالي ،هاجروا ،واحبوا وتزوجوا، ورافقتهم زوجاتهم ،وبدأت احلم ،لا ينقصني الجمال ،تعليمي متوسط ،لابد ان يحبني احدهم فأهاجر معه وأعين أمي على مصاريف إخوتي .

زينت لي صديقة ان أخرج رفقتها وشابين ،هيأت لي بكلامها ان أحدهما اعجب بي ويريد التعرف علي ليتقدم لي ،ركبنا السيارة الى مقهى ما ،ولكن الطريق طالت واذا نحن ببيت بمزرعة .

اردت العودة ،ورفضت الدخول فتلقيت أول صفعة .

-يا بنت *****تتمنعين الآن وقد ركبت معنا بإرادتك .

صرخت صديقتي  وصرخت ،فخرج شبان آخرون ،مغيبين بالمخدرات والخمر ،وجرونا الى الداخل .

لم تشفع لنا توسلاتنا ،وكلما صرخنا تلذذوا بضربنا، من سبهم اتضح انهم من رعاة ماشية ،كانوا يحلمون بجنس الأنثى ،ولا ينالونه ،فهاجر معظمهم ،وكلما عادوا قضوا الليالي الحمراء انتقاما من حرمانهم القديم .

رفضنا ان نسلمهم مايريدون ،سجائر ملفوفة بخشيش، خمر ،وبودرة غيبت عقولهم .

-لماذا ترفضين اعطاءنا ما نريد ،نحن لن نأكله سيبقى مكانه .

صاح احدهم

-،انا سآكله ولكن مقليا .

دخل المطبخ كالمجنون ،ملأ مقلاة كبيرة زيتا ووضعها عل النار حتى غلت ،نزع عنها ثيابها غصبا واخرج المقلاة ،سامحوني ،ولكن الحكاية ليست خيالا ولا كذبا ،انها الحقيقة المرة،ولابد انكم قرأت عنها على مواقع التواصل ،المهم انهم اجتمعوا عليها وأجلسوها عارية في الزيت المغلي ،صراخها يثير نشوتهم كانهم حيوانات ، فيضغطون على كتفيها لتدخل بالمقلاة اكثر ،رؤيتها جعلتني اغيب عن الوعي ،وليتني لم افق .

افقت واحدهم يربطني من يدي الى السيارة .

-بنت ****ماكنت لتنظري الي وانا راع معدم ،اعجبتك السيارة المرسيدس ،ها أنت مربوطة اليها.

جروني خلف السيارة المسرعة عبر

الحقول ،تعذيب من قلوب حاقدة ،ساعدتها أموال حرام ،وأحلام زائفة لتحقق انتقامها .

عارية مربوطة اليدين ،وبجانبي صديقتي عارية محروقة الحوض والفخضين .هكذا اكتشفنا راع في الصباح ،فجرى خائفا يوقظ الشيخ والمقدم .(رتب تابعة للداخلية ،تنتخب بالقرى )عولجت بمستشفى المدينة ،بينما نقلت صديقتي بين الحياة والموت الى مستشفى الحروق بمكناس. 

-هل نجت ؟

-للأسف ،لا،الزيت المغلية دخلت لتحرق رحمها ،ومثانتها وامعاءها ،وحروق الجلد كانت من الدرجة الثالثة او اكثر ،لم تصمد اكثر من يومين ،لتترك خلفها أما مكلومة وابا مكسورا يخجل منها .وانا ماتت امي حزنا علي ،وانا شل نصفي كما ترين .

-والشرطة ،ألم تقبض على احدهم ؟

-للأسف،رغم جهود الشرطة والدرك، لأننا وجدنا بمكان بعيد عن المدينة ،ولا اعرف اسما ولا علامة تساعد ،حتى البيت حيث عذبونا لا اعرف اين يوجد ،لو التقيت بأحدهم لن أعرفه،لأنني فقدت جزءا من ذاكرتي .

بكت رجاء ،فضمتها بديعة لتقول .

-احمدي الله انك خرجت بأقل الخسائر ،انظري ،تلك سلوى ،طلقها لأنها رفضت ان تعيش مع اهله بالبادية، هي حاولت ولم تستطع ،زريبة ابقار ،وشغل بيت بالدور مع نساء اخريات، عجين وخبز بفرن بلدي ،اعمال القرويات لا تتقنها ولم تنشأ عليها ،فرفضت وعادت الى بيت أبيها ،ليطلقها في اول لقاء لهما بعد العرس .

وتلك حياة ،نفس الحكاية ،ولكنها صبرت تمني نفسها انه سيأخذها معه لما تضع حملها ،ولكنها طلقت وعلى كتفها توأم .وتلك وتلك وهذه ،كلهن نفس الحكاية ،مع فروق بسيطة ،السبب زواج غير متكافئ بين فتاة عاشت بالمدينة ،لها حظ من التعليم وشاب عاش فقيرا معدما بقرية ،ابتسم له الحظ بالهجرة ،وجنى مالا كافيا بطريقة ما ،واقسم ان يحقق حلم والديه بالغنى وحلمه بفتاة ما كانت لتكلمه ايام فقره ،وليزيد إذلالها يفرض ان تعيش عيشة امه ،وإن رفضت طلقها وغيرها كأنه يغير جوربه .

نظرت اليهن، اغلبهن أصغر مني سنا ،ولكن مظهرهن يوحي بالعكس ،ونظرت الى رجاء ،بريق خجِل عاد الى نظرتها ،لابد انها اقتنعت الآن انها احسن حظا من كثيرات كما اقتنعت انا .

-رجاء ،عودي الى كليتك ،واعتبري تجربتك كابوسا افقت منه .

سألت السيدة فطومة 

-هل كلهن مطلقات مهاجرين؟

-لا،انظري هذه رشيدة ،وتلك مروة والأخرى مريم.من منكن تريد أن تحكي قصتها؟

تقدمت فتاة لا أبالغ لو قلت انها غزال ،عيونها عيون الريم ،واسعة بأهداب طويلة كثيفة ،بشرة بيضاء وانف دقيق،أي رجل يطلق خذا الجمال،تضع على رأسها خمارا أسودا ،ولبسها واسع طويل ،تفرك يديها بارتباك.

-تزوجت برغبتي،وعن حب ،عرفته عبر مواقع التواصل ،ايام كنا نقصد مركزا للنت والحواسيب .

قاطعتها

-مهلا،كم عمرك ؟

ابتسمت فظهر صف لؤلؤ بفيها الجميل.

-اربعون سنة ،نحافتي تخفي سني،وأظهر أصغر، ولن اسمن يوما بسبب قرحة المعدة التي جنيت من توتري وقلقي سنوات زواجي.القصد،تعارفنا وتوالت محادثاتنا،تعلقت به وتعلق بي،فتزوجنا ،عشنا أياما لمست السماء بيدي من السعادة ،حقق كل أحلامي، ذهب ومجوهرات ،بيت جميل ،طلب ان اتحجب فلبيت ،رزقنا بولد وبعده بنت ،الحياة المثالية .ثم مات والده ،وقد كان ثريا جدا ،واقتسموا الإرث،على فترات ،وكلما اخذ جزءا أعلم، ولكنه يأتي بعد أيام ليقول انه تخلى عن نصيبه لأمه ،وجزء بعد جزء ،حتى لم يبق معه شيء .

لم اتذمر فأنا احبه هو لا ماله،طلب أن أبيع مجوهرات ليفتح مشروعا ما فما رفضت ،ثم سيارتي ،فسيارته،لا مشروع ولا مدخول ،وبدأت المشاكل بيننا ،وارسلني رغما عني الى بيت اهلي ،يعلم ابي مدى حبي له ،ولهذا كلمه وارجعني إليه ،وبت أعيش بمرتب شهري من والدي،بلغ ابني الثانية عشرة لما أرسلنا مرة أخرى الى بيت اهلي،وأراد الطلاق ،ولكنني رجوته وعدت إليه ،كان قد باع اثاث البيت،وكانت امي وخالتي معي 

-اريد أن أطلقها، هذا آخر كلام عندي.

-وانا أرفض الطلاق،سأعيش ببيتي بالمال الذي يرسله والدي.

تدخلت خالتي لتسأله

-نعرف انك ابن عائلة ميسورة فأين ذهب إرثك ؟

-اشتريت به آخرتي ،وهبته لأمي.

-وهل ترضى امك ان تصل الى عدم قدرة إعالة اسرتك؟

-انا حر في مالي.

-لست حرا مادمت مسؤولا عن طفلين وزوجة .

هدأت والدتي المسالمة خالتي الغاضبة. 

-اهدأي،تحن هنا لنجد حلا،ابنتي ترفض الطلاق،ستبقى ببيتها تحت رعايتنا،يكفي أنك موجود حتى يفتح الله لك باب رزق 

-لن أكون موجودا ،سأذهب إلى مكة .

هنا تعالى غضب خالتي.

-ماذا ستفعل بمكة ،لا هو موسم حج ولا مال لك لتعتمر!رعاية أسرتك عبادة يا متدين.

مع ارتفاع صوتها ،ارتفع صوته وسقط حذره

-سأذهب للجهاد بسوريا.

لطمت امي 

-جهاد ،ربي أولادك فهذا احسن جهاد .

اتهمته خالتي بالجنون بينما انهرت باكية ،وعدت الى أهلي مكسورة ،تبين انه أعطى ماله لنصابين قالوا انه للجهاد ،ولما نفذ المال طلبوا ان يذهب للقتال،والحقيقة انهم اختفوا ،وأصر والدي على تطليقي منه ،وساعدني لافتح متجرا لمواد التجميل والبسة الفتيات ،وها أنا أقف من جديد واربي ولدي واحاول ان أنسى خيبتي .

تكلمت أخرى لتقول

-أما أنا فبعد الزواج اكتشفت انه مدمن على المخدرات ،وكذب بشأن عمله لأنه لا يعمل اصلا ،وأصبحت اعمل بمقهى اغسل الصحون ،وكلما عدت مساء أجده ينتظرني ليأخذ يوميتي وإذا رفضت يضربني،حتى مللت فهربت منه وإلى اليوم يرفض أن يطلقني .

وتقدمت فتاة ممشوقة القوام أنيقة بشكل ملفت.

-اما انا فتقدمت خالتي تطلبني لابنها ،شك خالي في أمره فسأله حتى يتأكد انه راغب بي وانها ليست رغبة امه فحسب ،فكذب واقسم انه يحبني،تزوجنا وبعد اسبوعين بالضبط تبين انه يحب أخرى، وحقق رغبة امه أن أكون كنتها ولكنه سيتزوج حبيبته ،طبعا رفضت فطلقت.

رأيت فيها نسخة مني.

-وهل تزوجت بعده؟

-ههههه،الإشاعات عزيزتي،عروس تعود بعد أيام الى بيت أبيها،وتطلق من ابن خالتها الذي يتزوج مباشرة بعد الطلاق ويقيم عرسا آخر ،ماذا تظنين؟

-كل السوء للأسف.

وقفت صبية جميلة قصيرة مكتنزة الجسم ،اخذت خمارها وتحزمت به ،قائلة 

-خذي الطبلة يا سمية ،وانت يا رشيدة خذي الدف ،هيا لننسى الهموم.

تعالت اصواتهن بالغناء الشعبي ،وهن يرقصن ويتضاحكن. 

طيور ذبيحة ترقص على جراحها. 

الأمل، الطموح ،الحقد ،الطمع ،خلطة اعطت نساء يجلسن بصالون كل واحدة تعزي نفسها بحكايا الأخريات


           الفصل الثالث عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



<>