رواية كانت وما تزال الفصل الثالث 3بقلم حكاوى مسائية.

 

رواية كانت وما تزال

الفصل الثاني2

 بقلم حكاوى مسائية.


لم يكذب خبرا،بمجرد أن كلمته سلمى وافق  على الفور،هكذا سيطمئن عليها،بل سيطمئن أكثر انها ستكون في المطبخ بعيدا عن الأعين.

-فلتبدأ العمل غدا ،انا أثق في اختيارها لما ستقدمه للطلبة الزبائن، اخبريها أن أجرتها لن تنقص.

-شكرا سيد نبيل،انت نبيل حقا.

رفع اليها بصره ،وهز رأسه دون تعقيب،فهمت انها إشارة لتغادر المكتب،فاستأذنت منسحبة.

هاتف مسير مطعم الطلبة (وهذا كان اسمه لقربه من الجامعة)وأخبره أن فتاة ستبدأ العمل كطاهية، ولها حرية اختيار ما تقدمه من وجبات.

في المساء ،اخبرتها سلمى عن عملها الجديد

-أرجو أن نستفيد منك بعشاء كل ليلة.

-لا تحلمي عزيزتي،فلن آخذ شيئا ليس لي،اللهم أطعمنا حلالا. 

-وما الحرام فيه،كل العاملين في المطابخ يأخذون معهم وجباتهم.

-بعلم صاحب المال؟

-لا أدري.

-إذن فهي حرام ،مادمت سآخذ أجرة عن عملي فلا حق لي في غيرها.

-اسمعيني،والله لن اتنازل عن وجبة مجانية ،تصرفي.

ضحكت وهي ترفع كفيها ليوازيا وجهها

-حسن ،لك وجبة غذاء على حسابي كلما كان يوم عملي.

-ليتها تكون فطائر محشوة بلحم مفروم،تلك التي تتقنينها. 

-الا يكفيك أنني احضرها لك هنا.

-هه،مرة كل شهر يوم نأخذ أجرتنا.

-لأنه اليوم الوحيد الذي نستطيع فيه التهور بشراء لحم مفروم.

-أعلم ،يكفي سخرية الجزار كلما رآنا كهلال الشهر.

هزت كتفيها في لامبالاة 

-فليسخر،المهم أن نأكل الحلال ونعيش بالحلال.

-صدقت،لعل هذا هو سبب راحة بالنا.

-الأكيد انه سبب راحة بالنا،وصحتنا،وفوق كل ذلك رضى الله الذي تجلى في حب الناس لنا،وتفوقنا رغم ظروفنا.

-المهم ألا تنسي وعدك لي بوجبة على حسابك.

-لن أنسى، وعد الحر دين عليه. 


-وعد الحر دين عليه،سآخذك الى الطبيبة لتريها.

-ماذا سنقول لها أبي،ما سبب الزيارة؟

-لن نضيع وقتها ،ولا وقت المرضى المحتاجين لها،سنذهب وقت انتهاء دوامها،نسلم وأقدمك لها على انك معجبة.

-أبي!!!معجبة ،وهل هي ممثلة او مطربة شهيرة؟

-بل أفضل،وانت معجبة بعملها وأظنك تريدين أن تصبحي مثلها.

-طبيبة؟!!! الدكتورة بهية اليعقوبي .

اغمضت عينيها حالمة.

-اذهبي الآن ،نلتقي عشية لنذهب الى الدكتورة يا دكتورة.

وكما وعدها وفى ،عرفتها الدكتورة فور رؤيتها

-بهية !كيف حالك يا صغيرة ؟ وكيف حال علي؟

كادت تقفز فرحا

-تذكرينني دكتورة ؟ 

-وكيف أنسى أجمل صبية رأتها عيني،ثم إن مرضاي قليلون ،نحن في قرية صغيرة.

لمحت الحزن بعينيها،فهمت انها خاب ظنها،فأحاطت كتفيها بذراعها وابتسمت قائلة

-وحتى لو كنت في أكبر المدن وأكبر المستشفيات لا يمكن أن أنساك،انت مميزة بهية.

التفتت الى مرافقها

-لابد أنك السيد أبو علي .

-تشرفت بمعرفتك دكتورة.

-الشرف لي سيد ابو علي.

-نعتذر دكتورة،بهية أحبت أن تقابلك،منذ عرفت بتعيين طبيبة بدل الدكتور السابق وهي متحمسة لتراك.

قرصت وجنتها مداعبة

-معجبة إذن!

-نعم ،هتفت متحمسة،وأريد أن أصبح مثلك، دكتورة.

-تستطيعين دون شك،أرى الذكاء بعينيك ،ومع حماسك ،والكثير من الاجتهاد سنصبح زميلتين. 

بعد كلام حول ساق علي،و دراسة الصبية ،قام اب علي مودعا شاكرا لطف الدكتورة 

-زوريني كثيرا بهية ،نحن صديقتان الآن.

-هل يمكن أن تأتي إلى بيتنا يوم الجمعة ،أمي تعد كسكسا مذهلا.

-وهل يرفض الكسكس خاصة إذا كان من يدي أم هذا الجمال.

-ستأتي إذا؟

-بكل سرور ،تعالي لنذهب معا ،فأنا لا أعرف البيت.

لم تسعها الدنيا فرحة ،أصبحت صديقة الدكتورة منى الغرباوي. 


أيقظته ليلا قرصة برد ،أحس بصلابة الحجر تحت رأسه،استقام جالسا ،ظهره على جذع  الشجرة

ماذا سيفعل الآن ،ماعاد له عذر وقد أنهى دراسته وأخذ شهادة الماستر رغم رفض أبيه واكتفاءه بالإجازة ،ولكنه تمنى أن تتزوج ابنة الهواري ويتخلص من أحلام أبيه باتحاد القبيلتين والوقوف وراءه ليصل الى البرلمان،بل لقد ارتفع سقف أحلامه الى كرسي الوزارة.وهو لا يريد لا الزواج ولا البرلمان، يريد أن يبقى لبهيته، يعمل هنا قربها بالأرض فلاحا ،يستريح بجانبها ويكلمها ريثما يلقاها هناك حيث لن يفرقهما شيء .

لابد أنها حورية بالجنة ،صبية لم تقترف ذنبا غير ثقتها به،وقد وقع عليها الحد دونه.

مرة أخرى غفا بمكانه،هو هنا حيث رفقة حبيبته،كأنه بأجمل غرفة نوم.

هزته يد صغيرة 

-خالي،جدي يبحث عنك .

-كيف خرجت بهذا الوقت ايها الصغير؟

-سمعت جدي يسأل عنك لتذهبا معا الى صلاة الصبح بالمسجد.

-عد الى البيت ،سألقاه هناك.

-تعال لنتوضأ من الساقية ونذهب معا.سأقول أننا خرجنا معا.

-لا داعي لتكذب ايها الصغير،عندما يراني لن يسأل . 


-هيا سلمى ،قومي فقد أذن للفجر.

سبقتها لتتوضأ ،ثم نادتها مرة أخرى

-حاضر ،استيقظت .

صلت فرضها وقرأت ورد يومها،ثم أعدت فطورا سريعا

-سأخرج الآن،إياك أن تعودي للنوم ،وإلا أضعت محاضرات الصباح. رتبي البيت قليلا قبل خروجك.

-أين تذهبين مبكرة هكذا؟

-المطعم، إعداد الفطائر يتطلب وقتا،وهذا أول يوم لي ،علي أن أترك أثرا طيبا.

-بالتوفيق حبيبتي.

كانت تنزل السلم ،تنظر في حقيبتها لتتأكد انها لم تنس شيئا،حين فتح باب بالدور الخامس وخرجت منه امرأة توحي هيأتها انها تخطت عقدها الرابع.

-يا آنسة من فضلك.

التفتت إليها مبتسمة

-نعم سيدتي،كيف أخدمك؟

-سمعت من البواب أنك وصديقتك تدرسان الطب ،هل يمكنك مساعدتي.

-صحيح ،ولكنني لن أفيدك بالكثير مازلت بالسنة الثالثة.

-أرجوك ابنتي تتألم ،إنها في الثانية عشرة من عمرها ،لا أدري مابها.

-لا بأس عليها ،تفضلي لأرى مايمكنني فعله.

تبعت السيدة المرتعبة نحو غرفة الفتاة ،كان بالبهو شابان اكبرهما ربما تعدى العشري بينما الآخر على أبوابها، حيتهما بهزة من رأسها. 

كانت الصبية على فراشها دامعة العينين ،تمسك أسفل بطنها ،نظرة خوف بعينيها.

-صباح الخير،مابك عزيزتي؟

نظرت الى أمها ،رأت غالية الخوف بعينيها،فالتفتت الى الأم

-يمكنك أن تتركينا،سأهتم ب..؟

-وفاء ،اسمها وفاء.

-سأبقى مع وفاء اطمئني. 

بعد أن أغلقت الأم الباب عليهما

-هاه يا وفاء ،مابك؟ أخبريني.

انفجرت الطفلة باكية 

-لم أفعل شيئا ،أقسم أنني لم أفعل.

--اهدأي ،وأخبريني،لن أخبر أحدا.

-الألم بأسفل بطني بدأ بعد صباح الأمس،بعد أن وجدت نقط دم بسروالي الداخلي.

اجهشت مرة أخرى

-سيقتلني ابي،أقسم أنني لم أفعل شيئا .

نمَّت عن غالية ضحكة خفية 

-كم عمرك يا وفاء.

-وفية ،أفضل وفية ،وانا تعديت الحادية عشرة.

-انت بأي سنة بالمدرسة ؟

-السادسة. 

-أخبريني،متى تعفى المرأة من الصلاة والصيام؟

-في حالتي الحيض النفاس.

-اتعرفين ما الحيض؟ 

نظرة بلاهة بعيني الطفلة جعلت غالية تتأفف،اغمضت عينيها

-كلام يلقن دون شرح او فهم.اسمعيني وفية انت بخير،انت اليوم تخطيت عتبة الطفولة،الدم الذي رأيته ليس دم عذريتك ،هي دم الحيض،عادي لكل أنثى بلغت،الألم المرافق له عادي ايضا،وسأكتب لك اسم أقراص تسكنه .

مسحت دموعها بظهر كفها وهي تبتسم

-صحيح؟ أنا إذن بخير؟

-نعم انت سليمة وبخير،وعليك أن تحافظي على نفسك هكذا. 

عانقتها فجأة

-شكرا شكرا ،انا احبك دكتورة.

-لست دكتورة بعد ،هل يمكن أن أحدثك بشيء آخر ؟مهم ايضا.

-تفضلي.

-انت اليوم أصبحت مكلفة ،ما معنى مكلفة؟ يعني أنك مطالبة بكل فرائض الأسلام على المرأة ،من صلاة وصيام.

-انا أصلي منذ صغري.

-جيد ،لا تنسي أن جسم المرأة المسلمة غال،وجمالها أغلى ،حافظي عليه ،وصونيه لمن يستحقه في الحلال.فهمتني؟

-تريدينني أن البس الحجاب.

-انا لا أريد منك شيئا،انت كبيرة بما يكفي لتسألي وتبحثي عن واجباتك وحقوقك في الإسلام.سأتركك الآن ،جففي دموعك واسعدي بحياتك وفية.

خرجت الى الذين يقفون قلقين

-وفية بخير ،مدت يدها بورقة للأخ الأصغر 

-أحضر لها هذا الدواء.

التفتت الى الأم .

-تعالي معي.

فهم أكبر الأبناء فانسحب الى غرفته

-وفية حاضت لأول مرة صباح أمس،الألم باسفل بطنها عادي واظنك تعرفينه،هي كانت خائفة لأنها لم تعرف ما أصابها،كيف لم تكلميها في الأمر من قبل؟

-اسمعها تحفظ دروسها ،وكثيرا ما ذكرت الحائض في كلامها فظننتها تعرف من المدرسة .

-انت اعتمدت على المدرسة،والمدرسة اعتمدت عليك.

هزت يدها كأنها تهش شيئا عن وجهها

-المهم ،انتبهي لها ،وليتك تحدثينها عن حقها على نفسها وجسدها،صادقيها واقتربي منها ،بل كوني لها أقرب من نفسها ،او من صديقة او غريب قد يتلاعب بأفكارها ومشاعرها.

-حاضر،حاضر ،شكرا لك دكتورة.

-غالية ،ناديني غالية ،انا في خدمتك متى احتجتني.الى اللقاء .

أوصلتها الى الباب شاكرة ،قبل أن تختفي مسرعة نحو المطعم فقد تأخرت بما يكفي.

دخلت المطبخ وسلمت على من فيه،سيدة تجاوزت الخمسين،وفتاة لم تبلغ العشرين

-السلام عليكم.انا غالية سأعمل معكما يوما من اثنين.

-يعني انها ستعمل يوما ولن تفعل اليوم الذي يليه.

كان المتحدث قادما خلفها،رجل يكبر السيدة وهذا ظاهر عليه.مد يده مسلما.

-انا عمك أحمد، وهذه زوجتي عتيقة وهاته ابنتنا دليلة.

نظرت الى يده الممدودة، إنها لا تصافح الرجال فماذا ستفعل والرجل بعمر أبيها،هل تحرجه أمام زوجته وابنته. ابنته التي كانت سريعة البديهة ،فهمت من احمرار وجه غالية وفركها ليديها،فاستقبلتها بالاحضان كأنها لم تر يد أبيها.

-غالية ،اسم غريب ،اهلا بك بيننا.

تلقفتها عتيقة هي الأخرى بالحضن

-اهلا بك يا ابنتي.

-اعتذر منكم ،تأخرت رغما عني ،ولكنها ستكون الأخيرة.

-لا عليك،لقد أعددت العجين،ونتعاون معا في تحضير الفطائر.

-دليلة ،ألا تدرسين؟ 

-بلى ،ولكنني أساعد كلما كنت في عطلة .أنا في آخر سنة ثانوية.

شدت حولها مئزر العمل،وقربت إليها ماتحتاجه لتحضير فطائرها.

-أية شعبة دليلة.

-الأدب ،واتمنى أن أدخل كلية الفنون الجميلة ،ثم اتخصص في الأزياء.

ضحكت أمها.

-لفة كبيرة لتصبح خياطة.

-بل مصممة ازياء مثقفة ،تعتمد على تاريخ الشعوب في اللباس.

مازالت عتيقة تضحك ،كم هي مرنة هذه المرأة!

-انجحي أولا،ولها مدبر حكيم .

ابتسمت غالية 

-ونعم بالله.

تقف عتيقة الى جانبها ،تفعل كما تفعل 

-من علمك هذا؟

-أمي،وبعدها أم صديقة عزيزة عشت معها زمنا.

سأحضر الكثير ،وأضعه في المبرد ،يبقى عليك تسويتها في الغد.

-ريثما أتقنها فقط.

-اتفقنا إذن. 


يفكر فيها،لا تبرح ذهنه،يريد أن يذهب ليراها،بأي عذر ؟ ماذا سيقول ؟

عليه اللعنه! متحرش دنيء تسبب في بعدها عنه،الأنثى الوحيدة التي أعادت لقلبه الحياة بعد أن طعن بخنجر الغدر، كانت تكفيه رؤيتها مرة كل يومين،كأنها جرعة مسكن ريثما يشفى القلب،ريثما يلتئم الجرح، ريثما يستقر الماضي في الأمس دون زيارات للحاضر.

غدا ،غدا ستأتي سلمى ،سيسألها عنها ربما قد يجد في كلامها عذرا ليذهب الى مطعم الطلبة،

فلينتظر الغد وإن غدا لناظره لقريب. 


توجهت دليلة نحو أمها تقبل وجنتها

-سأذهب الآن أمي، عندي دروس لحصة المساء.

-كلي شيئا قبل

-لقد أكلت ،الفطائر المحشوة آية يا غالية.

-آية؟!

تساءلت غالية.

-نعم،ألم يقل الله تعالى :علم الإنسان ما لم يعلم.

ضحكت غالية

-صدقت ،ونعم بالله.

همت دليلة بالخروج فأمسك احمد بيدها 

-انتظري ،سأرافقك.

نزعت معصمها من يده،وقالت بحِدة في صوتها وكذا عينيها

-سأذهب وحدي عمي،لن أتوه.

تدخلت عتيقة بلين

-لا تتعب نفسك احمد ،دليلة تعتني بنفسها.

جلس متأففا ،فتابعت

-الأفضل أن تخرج إلى الصالة،إنها ساعة الغذاء،لابد أن الشباب قد حضروا الآن.

-النادلتان هناك،ولما تدخلان من أجل الطلبات سأخرج.

نظراته حانقة،ونظرات عتيقة غير مرتاحة،صحيح ،ساعات قليلة جعلتها تتأكد أن هاذين الزوجين يظهران غير ما يبطنان. اللهم سترك،هكذا دعت متنهدة..


         الفصل الرابع من هنا 

       لقراءة باقي الفصول من هنا 



تعليقات



<>