رواية المطلقه الفصل السابع عشر 17بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل السابع عشر 17

بقلم حكاوي مسائية



الظنون ،حاجز بين الأمل وتحقيقه .

الخوف ،سد بين الأمل والسعادة .

الثقة ، معول لهدم الحاجز والسد . 

نظرت الى يدي ،مازالت ترتجف ،لقد أطال السلام ،واطال النظر إلي، بل اعاد اسمي دون غيره 

-حورية .

قالها كما لم أسمعها من قبل .هل يعقل انه نظر الي كما لم ينظر رجل قبله ؟هل تراه سيقفز فوق حاجز طلاقي ،ليراني امرأة ككل النساء ؟مابك حورية ،كيف تفكرين فيه كما لم تفكري في احد قبله ؟هل تظنينه غيرهم ؟ام تراك نسيت كم خذلت قبله ؟

نفضت عن رأسي افكارا لا حق لي فيها ،ولن تجلب لي إلا حزن النفس وتعب القلب ،وشغلت بالي بالفرح مع العروس ،ومددت يدي لراسمة الحناء مع العذارى ،فلم اخرج نفسي ابدا من دائرتهن ،فأنا عذراء ،اجل ،عذراء القلب والجسد والسريرة ،ومن يقل غير ذلك مخطئ ،مخطئ إن اختزل عذريني في قطرات دم سالت اغتصابا. 

سبقنا بالعودة على ان تبقى والدتي مع هشام ،ليرافقا العروس وأهلها بعدنا بيوم .

كانت استعدادات العرس كاملة منظمة من طرف متخصص ،وزينت حديقة البيت الكبير بالمزرعة ،لتصبح كأنها من خيال ،ليقام بها الحفل ،بينما جهز البيت الصغير لاستقبال اهل العروس الذين هم اهل امي .

لم اكن باستقبالهم لأنني انشغلت بإعداد افتتاح الميتم .ويوم الحفل كنت مع العروس وبعض الصبايا بفيلتنا تحت ايدٍ خبيرة في التزيين ،ولما جاء العريس رفقة شباب الأسرة لمرافقتنا خرجنا اليهم كأننا أميرات من قصور الأندلس. 

رأيت نفس النظرة بعيني هشام ومروان ،هذا تائه في جمال عروسه وذاك ولِه بفتنة مريم، رضى

ملأ فؤادي ظهر ابتسامة على شفتي، ذهبت كل فتاة مع خطيبها او زوجها او اخيها، والتفت الى رابحة اوصيها ان توصد الأبواب وتلحق بي الى سيارتي .

وقفت مع قاسم 

-اذهب لتتفقد الابواب مع رابحة ،وتعال لنذهب معا .

-لا يا أنسة حورية ،سأبقى بالفيلا ،انا لا احب حضور الأعراس 

-ومن لا يحب الفرح والاكل يا قاسم 

-انا ،فالضوضاء تصيبني بالصداع .

-اتركيه يا آنسة حورية ،وسيبقى الاولاد معه حتى استمتع بالحفل وحدي .

-خذي اولادك معك ،او ابقي معهم .

ضحكت وانا اجرها الى السيارة ،واتبع باقي الركب الى المزرعة .

لا اخفيكم ان بقلبي غصة انني اذهب الى الحفل وحيدة ،ترافقني خادمتي، تمنيت لو كان ابي معي ،لرافقني ودخلت اتأبط ذراعه، او ليت عمي تذكر أنني سأكون وحيدة فجاء ليرافقني، لا بأس ،يوم آخر سيمر كما مرت أيام قبله ،لا جديد .

وصلت ،وركنت سيارتي بعيدا ،حذائي ذو الكعب العالي ،ليس مناسبا للمشي على العشب، نزعته واخذته بيد ،بينما ارفع قفطاني المخملي وامسك حقيبتي الصغيرة بيد .

لا ،لا تتوهموا، لن اتعثر لتتلقاني يد فارس الأحلام ويضمني الى صدره ،فأقع في حبه عوض ان أقع على الارض،ذاك خيال كاتبة حالمة  ،وانا اعيش الواقع ،إن تعثرت سأقع ،ولهذا نزعت حذائي .

جرت الي غالية بخطواتها المتعثرة 

-حول،حول 

-يا ربي ،ماهذا الجمال ،تعالي غاليتي .

ضحكت مريم 

-انت من اصررت ان تناديك باسمك ،هاقد اصبحت حول .

-وانا راضية ،تعالي غاليتي ندخل معا .

-ادخلا معا وانتما تلبسان نفس القفطان بعد ان أصررت ان تخيطي لها مثل قفطانك ،تدللينها يا حورية .

-ابنتي وانا حرة ،لا شأن لك انت .

ضحكت مريم سعيدة ،ولمعت عيناها سعادة وهي ترى مروان يحمل فؤاد قادما نحونا .

-انه يبحث عنك ،ولا يكف عن البكاء ،يا مريم .

-تعال حبيبي ،مابك ايها الوسيم .

-وسيم فعلا ببذلته، اتعجب لصبر من خاط هذه التفاصيل الصغيرة .

ضحكنا ونحن نرى غالية تأخذ يد فؤاد ويد مروان وتسبقنا نحو قاعة الفرح.

هنأت العروسين ،ورقصت امامهما بسعادة ،قبل ان اتوجه إلى الطاولة حيث امي وماما رحمة ،واجلس معهما وهما تطريان على ثوبي وجمالي. 

ومرة أخرى رأيت طارق مع عمي ،يتحدثان كأنهما يعرفان بعضا منذ زمن .استطعت ان امعن النظر اليه ،طالما انه لن ينتبه لي ،أظنه يقارب مروان في السن ،او يصغره قليلا ،طويل القامة بجسم رياضي ،شعر ناعم بني ،مصفف بعناية ،بعيدا عن تسريحات الشباب الشائعة هذه الأيام ،بذلة رمادية على قميص اسود ،وحذاء جلدي أسود ،ربطة عنق زرقاء بلون سماء صافية ،يبدو انها ازعجته فأرخاها. 

الظاهر ان الحديث له شجون ،فهما منغمسان فيه كأنهما في مكان بعيد عن ضوضاء العرس والموسيقى .

جهزت الموائد للعشاء ،ونظم المسير مكان جلوس كل شخص ،وكنت على مائدة واحدة مع عمي وزوجته وامي ومروان ومريم .

وقف عمي ليضم الينا ،رفيقه خلال الحفل ،طارق،وعم ماما ،واب العروس .

كما العادة ،دار الحديث حول جمال العروس ،وخلق العريس ،والأمنيات الجميلة لهما معا ،إذ بعم ماما يقول:- 

-ارأيت ما يفوتك يا طارق ؟ ليتك تتخلى عن عنادك لنفرح بك قريبا .

ضحك مروان مجيبا 

[  ] -تفرحون به ام تفرحون فيه ؟٢

[  ] -اسكت يا مروان حتى لا أفرح فيك .

قلت وانا اغمز له واشير بعيني الى مريم 

-لا يا ابنة عمي ،إن كان صمتي لمصلحتي فلن تسمعي صوتي حتى تفرحوا بي .

-وانا انتظر يا ولدي ،ليس عليك إلا ان تتكلم .

اخفضت مريم بصرها واحمرت وجنتاها خجلا ،فكل العيون مسلطة عليها بمرح ،وماما رحمة تكاد تطير فرحا.

-يبدو اننا سنحضر عرسا آخر قريبا .

لاحظ اب العروس.

-نعم يا ابن عمي ،وانت مدعو انت وكل اهلي منذ اليوم .

-ماذا لو يكون عرسان ؟

قال طارق ،نظروا اليه كما نظرت ،فكانت عيناه علي ،وضعت الشوكة من يدي ،وأخذت الكأس ارشف الماء ليساعدني على ابتلاع دهشتي. 

عمي نبيه ومحاور فذ ،اجاب بلا مبالاة 

-عرس مروان اظنه قريب ،وسيكون هنا ،وليس لنا ابن غيره وقد تزوج هشام .

-انا اتكلم عن نفسي ،طالما عمي ذكرني ان اهلي يتفقون ليفرحوا بي .

-اذا كان كذلك ،فانتظر حتى يمر عرس مروان ،حتى نستطيع أن نحضر عرسك بتازة .

ظهر عليه الضيق ،بينما عمي مستمتع بلعبة الكلام ،زوجة عمي تتابع الحوار مبتسمة كأنها فهمت مرمى زوجها ،وماما تتظاهر بعدم الاهتمام .

انقذه تدخل عمه 

-كيف تقول يا حاج صالح ،ان لا اولاد لكم غير مروان  ؟ وحورية نسيتها ؟

-كيف انسى حوريتي ،ولكنها لا تريد الزواج ،ولو أرادت لزوجتها قبل مروان .

-لا يا حورية، لا تقولي انك تريدين الزواج الآن ،ارجوك يا ابنة عمي ،انت أعلم بحالي .

-لا تخف يا ابن عمي ،فحالك وحال عروسك لا يخفى على أحد ،ولا يرضيني طول عذابك .

-عشت لي يا ابنة عمي ،وانا يا أبي ،اخطب منك مريم ،ها أنا قلتها فلا ترفض ارجوك .

-الأمر بيد مريم ،وبعدها بيد ابيها ،ام نسيته ؟

-وافق انت يا أبي، واترك امر ابيها لي .

-نعم يا عمي ،وافق انت واترك امر موافقتها لي .

بلغ الخجل من مريم مبلغه ،فقامت متعللة بالبحث عن رابحة التي كلفتها بالاهتمام بالصغيرين ،فانفجرنا ضاحكين ،ماعدا طارق الذي كان ينظر إلى عمي شذرا. 

-مبروك يا مروان ،مبروك يا ماما رحمة ،هاقد اخذت لكم موافقة مريم .

نظر إليهم طارق شذرا وقال:

-وامر زواجي انا ضاع وسط كل هذا !!!

-جِد عروسك وأمر العرس هين .

-اما العروس فقد وجدتها ،يبقى ان توافق .

-أخيرا ،وقد يئسنا ان تتزوج .

-لماذا يا عمي ؟لا أظنه تأخر كثيرا ،المهم هو ان يسعد في زواجه .

-قولي لهم يا ابنة عمي ،كلما رأوني احس انني كهل عانس .

-لقد وضع اوصافا ومعايير لزوجته ما اظنه سيجدها في امرأة واحدة .

قلت وقد احببت ان أغيظه .

-ولهذا حلل التعدد ،إن لم يجد شروطه ومعاييره في واحدة ،يقسمها على اربع.

ضحك عمي 

-حللت العقدة يا حورية ،سيكون زواج القرن ،عريس لأربع عرائس .

تدخل مروان شاردا:

-اما انا فخذها مني نصيحة ،مادمت قد قررت ،فاتبع عقلك قبل قلبك .

-ليست كل تجارب القلب فاشلة يا مروان ،المهم ان تحب من اختارها عقلك .

-صحيح يا أبي ،فحب المراهقة ليس كحب رجل ناضج . 

انتهت وجبة العشاء ،فتفرقنا كل نحو شيء يشغله او يفعله،وزعت كؤوس الشاي مع الحلويات ،اخذت كأسي ،وانزويت بمكان اعرفه جيدا بالحديقة ،حيث أرى ولا أُرى،قام العروسان يرقصان معا ،قبل ان يقطعا قالب الحلوى الكبير ،ويغادرا  الى الشقة قبل السفر في رحلة شهر العسل.، بينما استمر الحفل حتى طردت خيوط نور الصباح ظلمة الليل ،فتحركت السيارات تباعا تنقل المدعوين ،بينما توجه اهل العروس الى الفيلا بالمزرعة الصغيرة .

دخلت جناحي بفيلا عمي ،غيرت واستلقيت اروم النوم الذي استجاب سريعا .

طرقات على الباب لم اهتم لها انوي الاستمرار في النوم ،ولكن جسدا صغيرا قفز على السرير وسقط علي جعلني استيقظ لأهجم على غالية عضا وقبلا وهي تضحك بينما فؤاد يتخلص من يد مريم ليلحق بنا على الفراش .وصلت اصوات ضحكنا وصراخ 

الصغيرين الى ارجاء الفيلا ،ليأتي عمي مبتسما .مرحبا 

-لولا غالية لما استيقظت اليوم .

-كم الساعة الآن .

-صلينا الظهر منذ ساعة .

-كيف نمت كل هذا؟اليوم افتتاح الميتم .

-اتصلت بهشام ،طلبت ان نلتقي قبل موعد سفره ،وكلنا ننتظرك .

اسبقوني سألحق بكم ،كل شيء جاهز هناك .

اخذت حماما سريعا ،واستعددت للمناسبة بلباس لائق ،وغادرت .

حضر الافتتاح مدير المستشفى ،ورئيسة قسم الولادة وبعض زملائي من الأطباء والممرضين اناثا وذكورا ،وممثل عن السلطة ،وعائلتي وأهل امي الذين حضروا العرس امس.

بعد ان قص عمي الشريط ،وأزاح الستارة عن لافتة اسم الميتم ،استقبلتنا الأمهات كل واحدة بشقتها الصغيرة مع ولديها ،وقدم الشاي بالصالون الكبير .

ودعنا هشام وقد اسعدته مفاجأة الافتتاح، بينما تفرق الجمع كل الى وجهته .

جلست على ارجوحة بالحديقة الخلفية ،حركتها واغمضت عيني يغالبني النعاس من التعب 

-يبدو انك تحبين شيئين الوحدة والنوم .

انتبهت الى الصوت فتحت عيني متأهبة ،فصوته ذكرني بمشهد مماثل مر علي منذ سنوات ،رأيته يقف واضعا احدى يديه بجيب سرواله الأنيق،بينما يحرك الأخرى مع كل كلمة .

-المهندس طارق(قلتها ببعض سخرية)التعب ،السكون ،الوحدة ،طبعا ستكون النتيجة النوم .

-اما من شيء يشغل بالك ويؤرقك ؟

-شغل بالي تأسيس الميتم ،وقد تم فيحق لي بعض الراحة .

-كنت اعني شيئا يشغل تفكيرك لا وقتك ،يجعلك تسهرين ،ارتباط بشخص مثلا .

-من سنك لا تبدو غرا او بريئا، سؤالك هو هل انا مرتبطة ،أليس كذلك ؟

-وكيف خمنت ؟

-من كلامك ،اظنك قابلت نساء وكلمتهن ،وتعرف كيف تسأل عما تريد ،فلا داع لتحوم حول القِدْر. 

-هل انت مرتبطة ؟

-لا ،ولا افكر في الارتباط .

-وما المانع ؟هل ... 

-امور شخصية ،لا تهمك .

-بل كل مايخصك يهمني .

-لا أظن ،فأنت لا تعرفني ،ولا تعرف شيئا عني .يمكن....

-اعرف انك كنت متزوجة 

-طريقة مهذبة لتقول انني مطلقة .

-واريد ان اعرفك اكثر ،وأعرف عنك كل شيء .

-وبعد ؟بعد ان تعرف عني كل شيء ،وانني طلقت منذ سنوات فاقت العشرة ،سينسج خيالك عني قصصا وروايات ،وتبتعد ،اختصر وابتعد الآن .

-كيف تحكمين علي انني سأبتعد ولم تعرفيني .

-ولا اريد أن اعرفك ،انا مكتفية بنفسي وبمن حولي ،لا اريد المزيد .

-رضيت لنفسك بقوقعتك. 

-بل رضيت براحتي واستقراري، لا أريد ريحا تزعزع سكوني.

-اقبليني ضمن من هم حولك ،قد ادخل عالمك .

-انت ابن عم امي الست كذلك .

-بل ابن ابن عمها ،امك بمثابة عمتي .

-فاسمع يا ابن خالي ،حياتي صعبة كما هي ،لا أحتاج قصة اخرى تزيدها صعوبة وتعيدني الى صدر الأحداث لتفتح باب الكلام والاشاعات، انا اصبحت منسية بعد عذاب ،وافضل ان أبقى في ظل وصلت إليه بعد سياط حارة من ألسنة من لهب.

رن هاتفي ليقطع كلامه 

-الو ،نعم انا حورية***اي مستشفى ؟....انا قادمة ،اشكرك .

اعذرني ،الامر مهم ،ويجب أن اكلم عم


         الفصل الثامن عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا


تعليقات



<>