رواية المطلقه الفصل الثامن عشر 18 بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل الثامن عشر 18

بقلم حكاوي مسائية


ولدت غريبا وحيدا .

عشت تائها شريدا .

اشتريت حضنا والثمن راحة بالي .

حلمت بأسرة تشفي حالي .

سرقت الحب فعوقبت بالهجر .

واليوم ،كل املي غفران ربي ،وراحة بالقبر .

خذوني اليكم ،وادفنوني بمقابركم لعلني اجد وسط موتاكم مؤنسا لا ينافق . 

اتصلت بعمي 

-اهلا يا حورية .

-جاءني اتصال من العاصمة ،فارس في ذمة الله .

-لا اله الا الله  ،إنا لله وإنا إليه راجعون. 

-حسب وصيته ،يجب ان نتسلم جثته .

-سأكلم مريم .

-لا داع يا عمي ،فالمطلوب وجودنا انا وانت .

سافرنا ،وبالمشفى استُقبِلنا استقبال الأبطال .

-اهلا بكما ،انا مدير مكتب وزيرالداخلية ،يسعدني أن أستقبل أسرة بطل عظيم .

-ارجوك ،قل لنا كيف مات فارس .

-استشهد ككل الابطال ،رصاصة غادرة من مسدس امبراطور الجريمة ،بعد تبادل إطلاق النار ،وتغلبنا على عصابته، استسلم من استسلم وقتل من قتل ،قبضنا عليه ،وفي غفلة منا استل مسدسا وصاح :لن تعيش بعدي يا فارس ،وسدد له رصاصة استقرت بصدره .

-هل قال شيئا قبل ان يسلم الروح .

-أجل ،أوصى ان يستلم عمه وابنة عمه جثمانه، وان يدفن قريبا من اهله ،كما ترك هذه الرسالة، وقد وجدناها بجيبه ،انها لك آنسة حورية .

مددت يدي استلم الخطاب ودموعي تغرق وجنتي .

-يبدو انكما كنتما مقربين ،آنسة. 

-نعم ،فهو ابن عمي واخي .

-عظم الله اجركما. 

استلمنا الجثمان بصندوق مغطى بالعلم المغربي مزين بوسام ملكي من درجة فارس .

اُطلِقت أعيرة نارية تحية للشهيد .

-لقد اعطيت اوامر وزارية ان يستقبل الجثمان ويوارى الثرى ،بموكب من الشرطة .

-شكرا لكم سيدي .

قال عمي مودعا ،وانطلقنا خلف الجثمان ،وكلما وصلنا حاجز أمنيا أديت له التحية ،وكما قال مدير مكتب وزير الداخلية ،كان في استقبالنا والي المدينة ووالي الأمن وتشريفة من الشرطة ،أصر عمي ان يدخل الجثمان البيت الكبير ومن هناك يخرج الى مثواه الأخير .

قرأ له القرآن مجموعة من المشايخ ،بكته امي وزوجة عمي ،بينما لف مروان ذراعه حول كتفي مريم الباكية حاملا غالية بيده الأخرى .

نعم كانت مريم تبكي ،فليس في الموت شماتة ،وفارس مات شهيدا بعد أن كفر عن ذنوبه ،وذهب الى رب كريم قابل للتوبة 

توجه الموكب  الى المقبرة المجاورة للمزرعة ،وهناك جاور قبرَي جدي وجدتي ،قدم الوالي الوسام لغالية ،وقبلها 

-انا تحت امرك يا ابنة الشهيد ،وانت يا سيدتي ،اعتبريني اباك ،فشهيد الواجب انقذ اسرا وشبابا والأهم انه خلص البلد من اخطبوط كبير .

كان كلامه موجها الى مريم.

اقام عمي لفارس عزاء يليق ببطل عزيز ،وفي آخر يوم جاء والي الأمن يجدد العزاء ويريد عمي بأمر 

-تحت امرك سيدي .

-الأمر لله وحده، الشهيد قدم عددا من ممتلكاته للدولة معترفا انها من عمله السابق .

-اعلم ،فقد اراد إبراء ذمته امام الله .

-والدولة قدرت تضحيته، ولهذا بعد اجتماعات وتشاورات احلت لابنته بعضا من ممتلكاته.

-والله يا سيدي ،هي ليست في حاجة ،ومادام ابوها رفض ان يترك لها إلا ما تأكد انه حلال طيب ،فلن أقبل لها بما لم يقبله .

-ذاك ما ظنه السيد الوزير ،وقال ان رجلا مثله حرر رقبته من الحرام ،لن يقبل اهله ما رفضه هو ،ولهذا اقترح معاشا لابنته .

-ابنته بعهدتي، هي حفيدتي ،ولن اتخلى عنها ،اما المعاش فأقترح ان يحول الى الميتم صدقة جارية لروح الفقيد .

-وهو كذلك ،سأنقل اقتراحك ،ولابد انه سيلقى القبول .

تذكرت رسالته ،اخذتها وذهبت الى قبره ،قرأت له الفاتحة ،وجلست قرب رأسه وفتحت الخطاب 

-اختي حورية .

اسمحي لي ان اناديك اختي ،فلطالما تمنيت اختا أو اخا ،طالما حلمت ان تكون لي أسرة محبة ،ولكن الله اختار لي ،وما انا برافض اختياره سبحانه .

رغم أن الأماني لا تنفع الآن ،فانا اتمنى لو ان مريم فرت إليك باكرا ،والتقيتك واهلك ،لكنت خبأتها بينكم كما فعلت ،وربما اختبأت معها وغيرت حياتي ،اماني كثيرة تراودني منذ عرفتكم ،ماذا لو صادفت عمك او اباك او جدك ايام ضياعي وفقري وحاجتي ،اشياء كثيرة كانت ستتغير ،ولكنه حكم الله لحكمة هو أدرى وأعلم بها ،إنما اقول انه ارادني ان أكون سببا لوقوع مجرم مثل الامبراطور وتخليص البلد من شره ،فأحمد الله ان جعلني اداة بيد العدل والحق ،وردني اليه ردا جميلا .

اختي ،ان كنت تقرأين خطابي فلابد انني قابلت ربي الكريم ،اوصيك بشيئين ،اعتني بحبيبتيَّ غالية ومريم،ولا تنسيني بالدعاء ،لا تنسي يتيما يطمع بدعاء الأحياء ،ولا اهل له غيركم ،واذكريني بخير امام غالية ،اجعليها تفتخر بي وتدعو لي ،فأنا مطمئن عليها بينكم ،كما استبشر انها ستكون نعم الابنة الصالحة بفضلكم بعد الله .

لا تنسيني اختي .

لم يذيل خطابه بإمضاء، تركه مفتوحا كأنه يرفض الختام ،يرفض النهاية ،يرفض ان يُنسى .

وجع بقلبي مايزال كلما فتحت صندوق أشيائي الثمينة ،واخرجت الخطاب لأعيد قراءته.

لست أدري لماذا فاق حزني على فارس حزنهم جميعا ،لازمتني غصة بصدري ،ودموعي استسهلت مجراها أياما، وكلما كلمني هشام ذكرت 

بداية رسالته وذكرت رجاءه فأترحم عليه وادعو له.

علم اهل امي بتازة انه كان عندنا عزاء فسألوا عمن يكون الفقيد ،لم نوضح كثيرا ،وقلنا انه قريب عزيز ،فجاء عم ماما معزيا ومعه طارق .

-عظم الله اجرك يا ابنة عمتي .

-لا احزنك الله .

-من يكون الفقيد ؟

-من ابناء عمومة والدي ،وزوج مريم السابق .

-يبدو انه كان عزيزا .

-كان طيبا وشهما، ومات شهيدا .

يوم كنا نتكلم آخر مرة ،جاءني خبر استشهاده، وضرورة سفري لاستلام جثمانه. 

-ولماذا انت ،أليس له غيرك .

لاحظت حدة في صوته الذي ارتفع على غير عادته .

- لانه كان اخا لي ،اخا عزيزا .

-اخ فقط ،ام اكثر قليلا .

-بل اكثر كثيرا .

ومرة أخرى انسابت دموعي رغما عني .

-لاااا ،يبدو انه كانت له مكانة خاصة بقلبك .

-نعم ،مكانة استحقها،  وستبقى محفوظة له.

-يظهر لي انك تغلقين كل الأبواب بيننا .

انتبهت من شرودي ،كنت اكلمه ولم اضع ضوابط لكلامي، عبرت امامه عما بداخلي، والظاهر انه فسره على هواه .

لا يهم ،فليفسره كما يشاء ،لست ملزمة امامه بشيء ،ولا اكترث لرأيه في ،لن يختلف عن رأي رجل في مطلقة تُعِز رجلا آخر .

العمل يلهيني عن التفكير ،انغمست فيه ،فنسيت نفسي وهمي ،غادر طارق مع عم ماما ،وتناسيت أمره ،يزور فكري لحظات واطرده سريعا ،لست مستعدة لجرح آخر ،جرح ابن عمي طال جسدي وبعده طال سنين عمري ،وكثرة تفكيري بطارق تنبؤني ان جرحه سيكون اعمق وأقسى.

كنت بالعمل ليلا ،دوري في الحراسة الليلية بالمستشفى ،عدت منهكة صباحا وصعدت الى غرفتي ،اخذت حماما دافئا ونمت .

ايقظني أذان الظهر ،أديت فرضي وتوجهت الى الأسفل انوي مجالسة ماما قبل الغذاء ،فسمعتها 

-لا أستطيع أن اعدك بشيء ،حورية مجروحة منا كلنا ،ثقتها بنا موجودة في كل شيء إلا في الزواج .

-كيف لا تثق بك ،كلميها من أجلي عمتي .

كان صوته ،طارق ،متى عاد ،ولماذا عاد ؟

جلست على درجة من السلم ،لن انكر انني استرقت السمع .

-لقد زوجناها من مروان غصبا و....

قاطعها 

-مروان ؟!!!!هل هو ز

طليقها ؟!!!!

-نعم ،وللأسف أذاها كثيرا ،ومازالت تعاني من اثر زواجها منه .

-وسامحته ؟وتعامله معاملة الأخت ؟كيف؟

-سامحته لتستمر وتحيا ،سامحته ولكنها لم تسامحنا ،كل من طلب ان تسامحه تقول انها سامحته ،ولكنها لا تعلم ان قلبها غير راض ولا مسامح ،لو سامحتنا لبرأت والتأم الجرح ،انا أمها أدرى بها ،لأنها فقدت ثقتها بنا ،أقرب الناس إليها ،لن تثق بأحد أبدا ،اريدها ان تتزوج وان يكون لها أولاد ،لن أعيش لها للأبد ،فكيف ستكون بعدي ،ولا حياة تنسيها فراقي .

بكت ماما ،وادمعت عيناي لبكائها .

-ومن فارس ،وما علاقتها به ؟

-فارس زوج مريم ،التي لجأت الى حورية لتخلصها منه ،وفعلت ،وبعد ذلك تعرفنا عليه ،شاب عانى كثيرا ،ولكنه انتبه الى نفسه وأصلح اخطاءه قبل وفاته ،تعاطفت معه وأشفقت عليه ،وأعزته معزة الأخ .

-إنها حزينة عليه اكثر منكم ،وماتزال تبكيه الى الآن ،لا اصدق انها لم تحبه بل أظنها عشقته .

شهقت مصدومة ووضعت يدي على شفتي امنع صوت شهقتي ،بينما ضحكت ماما ضحكة صغيرة حزينة 

-أظنك تغار يا ابنَ ابنِ عمي .

-لا أدري ،ولكنني اكره حزنها عليه ،اكره أن تكون له مكانة خاصة بقلبها .

-من قال انه كذلك ؟

-هي قالت ،قالت لي ان له مكانة خاصة بقلبها ،استحقها ،ولن تتغير .

-فعلا لقد استحقها ،رجل يتغير 180درجة لأجل حب امرأة ،يرفض الغنى والقوة والسطوة لأنه احب ،يتخلى عن حياته ليضمن لها ولابنته حياة في أمان ،تربى بالميتم، عانى الفقر والتشرد ،ولكنه حافظ بداخله على انسانيته ،بقي قلبه نقيا لم تسوِّده معاناته ولا تجاربه ولا عمله ،احتفظ بجانب من نفسه بمعنى الرجولة بكل ما فيها من شهامة ونبل ،ذاك هو فارس ،فارس الذي رجا حورية ان تكون له اختا افتقدها في حياته.

-يرحمه الله ،مرة أخرى يا عمتي  ،اطلب منك ان تدليني على طريق او وسيلة تقربني من حورية .

-ومرة أخرى اقول لك ،حورية أغلقت على نفسها عالمها ،وكل لحظة اندم لأنني فقدت حقي في صداقتها يوم لم أقف معها ضد مشروع زواجها من مروان .

-هل أحبته ؟

-ليتها أحبته ،لوجدتُ شماعة اعلق عليها خطأي ،أذعنت لرغبتنا وحلم جدها ،عمها وزوجته يحبانها ربما أكثر من ابنهما ،ولكن كل ذاك الحب ،واعتذار جدها ،وندمي انا ووالدها لم يجبر كسرها .

-وكيف السبيل اليها وقد شغلت كياني؟!

-لست أدري ،حلمي ان أراها تحب وتحَب ،تعيش حياتها لا حياة الآخرين ،تربي أولادها لا أولاد غيرها .

-ساعديني إذن .

-لن أكرر خطأي ،لن أتدخل ،كل ما أستطيعه ان أنصحك بالصدق ،اصدقها القول ،صارحها بالسيئ قبل الحسن ،اكسب ثقتها واصنع لنفسك مكانا في حياتها .

عدت الى غرفتي ،ماعدت احس بالجوع ولا اريد الأكل ،على فراشي اغمضت عيني استرجع حوارهما، ماذا تريد يا طارق ،هل انت طارق بخير ام بشر ،هل تسعى الى حبي وقلبي ام تريد زوجة مكسورة سهلة القيادة .

طرقات على الباب اعادتني الى واقعي 

-تعالي يا ماما .

-قومي يا حورية كفاك نوما ،تعالي لنأكل معا ،لقد مر وقت الغذاء .

-لا أريد وليس لي رغبة في الأكل.

-مابك ،هل تحسين الما ما .

-لا ،فقط أريد ان أنام .

-سأتركك لترتاحي ،ولكننا سنتعشى معا .

-حاضر يا ماما .

بعد ان خرجت بوقت يسير ،سمعت طرقا على الباب 

-ادخلي يا رابحة .

كنت أستلقي على جنبي انظر الى الشرفة ،وظهري الى الباب 

-ماذا تريدين يا رابحة ،دعيني أستريح. 

لم اسمع جوابا 

-تكلمي ،او اذهبي إلى ماما ،ليس لي بال لخصامك مع زوجك .

اغلقي الباب خلفك واتركيني لما انا فيه .

-والى متى ستغلقين عليك بابا وتبقين في ما انت فيه .

فاجأني صوته ،فهببت جالسة انظر اليه يظهر علي الفزع .

-ماذا تفعل هنا ،وبأي حق تدخل غرفتي .

-استأذنت عمتي ،ولو كنت بوضع او لباس غير لائق لما سمحت لي .

-ماذا تريد ؟

-جائع ولن آكل دونك .

-وقد اخبرت ماما قبلك أن لا رغبة لي في الأكل ،فاتركني ارجوك .

وضع يديه بجيبي سرواله ،واسند ظهره الى الجدار 

-سأنتظرك لنأكل معا ،وإذا قبلت نخرج للأكل بمطعم لعل التغيير يعطيك رغبة في الأكل .

-وانا أقول لك ،مهما طال انتظارك لا أريد ،أذهب إلى عمتك وكلا معا .

دخلت ماما 

-تأخرتما علي ،والأكل سيبرد، قلت لك يا بني ان حورية متعبة من العمل ليلا .

-هيا يا ماما ،خذيه ،ودعيني انام .

-ليس قبل ان تعديني ان نتعشى معا .

ضربت بيدي معا على جانبي الفراش ،واغمضت عيني ،فهمت ماما انني في أوج غضبي 

-دعها تنام الآن لعلها ترتاح فتغير رأيها .هاه سندعك لترتاحي ،نامي يا حورية .

كانت تتكلم وهي تدفعه خارج الغرفة ،قمت خلفها، اغلقت باب الجناح بالمفتاح وبعده باب الغرفة ايضا ،رعشة بيدي حاولت أن اتحكم فيها ،ولكنها كانت من غضبي المكتوم ،صرخة بصدري تريد ان تزعزع الجدران ،اخذت مزهرية وألقيتها الى الحديقة من الشرفة وانا أصرخ 

-دعوني وشأني ااااااهههههههه.

خرجت من الغرفة الى حمامي بالجناح ،ملأت الحوض ماء دافئا ،وغطست فيه لعل جسمي بسترخي وترتاح أعصابي .

انتبهت بعد وقت وقد غفوت بالمغطس، عدت الى فراشي واستلقيت عليه ببرنس الحمام ،واستغرقت في النوم .

يد تهز كتفي ايقظتني ،انها رابحة ،فتحت بمفتاحها الذي اعطيتها من قبل .

-حورية ،قومي لتأكلي .

-كم الساعة الآن ؟

-الخامسة عصرا .

-ياااه ،نمت كل هذا ،حضري لي فنجان قهوة ارجوك .

-والأكل ؟

-لا أريد ،فقط فنجان قهوة .

لبست لباسا رياضيا وحذاء مناسبا للعدو ،ارتشفت بضع رشفات من القهوة ،وركبت سيارتي نحو الجبل .

هناك ،جلست حيث كنت مع بابا آخر مرة ،غسلت وجهي بماء الجدول لعل دموعي تخجل منه وتكف عن ذبح صدري ،تتبعت الجدول صعودا ،اعدو ،كأنني اهرب من نفسي ،من ذكرياتي ،من ماما ،من طارق .

وقفت اعلى الجبل انظر الى المدينة ،وهناك بالأفق يشتعل الغسق ،تذكرت يوم شبهه بابا بالنار التي تحرق كبده ،فانفجرت باكية ،جلست أضم الى قدمي ،اعانق نفسي ،اعزي قلبي ،وأبكي حياتي .

عدوت مرة أخرى نزولا يقودني الجدول حتى السيارة .

كان يقف مستندا الى جدع شجرة ابي ،كما اسميها ،منذ أن كان يجلس تحت ظلها وانا أدلك قدميه بالماء البارد. كان يقف ظهره الى الشجرة ،ويداه مضمومتان الى  صدره .

-اخيرا ظهرت .

-من اخبرك عن هذا المكان ؟

-عمتي ،بعد ان بحثنا عنك ،واخبرتنا رابحة انك لبست لباس التريض.

-ولماذا تبحث عني ؟لاشأن لك بي .

-حياتك شأني ،وانت تهمينني، ويجب أن تسمعيني .

-سمعتك ،تريد فرصة لتتقرب مني ،تريدني ان احبك ،ونتزوج .اليس كذلك ؟

-وما الذي يمنعك؟ 

-الكثير ،وأول عائق هو البعد ،انت بمكان وانا بآخر ،كل منا أسس حياته بعيدا عن الآخر .

-نتزوج وتعيشين معي بطنجة .

-وأترك حياتي هنا ،الميتم ،عملي ،امي ،مريم وغالية .

-نسيت فؤاد ومروان .

-وقبر فارس .

-ومن أيضا ؟ من توهمين نفسك انهم يحتاجونك وتعيشين لهم .

-انا لا أوهم نفسي بشيء ،واعلم انهم لا يحتاجونني، انا احتاجهم بحياتي ،انا أعيش لهم لعلني احقق بعض احلامي فيهم .

-وانت ،وقلبك ،وحياتك ،وانا ؟

-من انت ؟وماذا تريد مني ؟

-انا احبك ،وأضع قلبي بين يديك .

-هههههه،رجل مثلك ،وفي سنك ،يحبني انا !!! 

اين كان قلبك كل هذه السنين ،ألم تقابل زميلة دراسة ،ولا مهندسة بشغل ليدق قلبك لها ،هل كنت تحتفظ به في صندوق مغلق حتى رأيتني .

-عندك حق ،ولكن الحكاية طويلة ،وللحديث شجون ،والشمس قد غربت ،فلنذهب من هنا .

-خائف انت ؟

-لا ،فإذا كنت ابنة الأطلس فأنا ابن الريف ،ولكنني دعوتك على العشاء ،وليس لك الكثير لتستعدي.

فضولي جعلني أقبل دعوته ،ما هذا الحديث الذي له شجون ،وما حكايته الطويلة .

على مائدة العشاء بالمطعم، لاحظ انني انتظر ان يتكلم ،فقال 

-اسأليني ،وسأجيبك بصراحة .

تذكرت نصيحة ماما له .اصدقها القول .

-احك لي عن حبيبتك .

-كانت حبيبتي ،حبي الأول ،بعد اجتهاد الثانوية لأجل كلية الهندسة ،هناك عرفتها ،واحببتها ،استجابت لعواطفي واحبتني او هكذا خيل الي ،وخططت وبنيت حياتي وهي فيها .

كل حلم مهما صغر او كبر هي جزء منه ،لم المسها طيلة سنوات الكلية ،كنت أحافظ عليها لي واحافظ على نفسي لها ،منتظرا ليلة العمر في الحلال .

صمت ،وعلى محياه مسحة حزن وألم .

-لا تقل انها ماتت.

-ليتها ماتت .

-ولماذا الحزن والألم ؟

-لأنها خانت .

-يجدر بك ان تغضب ،لا ان تتألم .

-وما أدراك ،لقد غضبت ،صرخت بوجهها ووجه أبيها ،أنبتها لأنها فضلت علي رجلا آخر ،هاجرت سنين طويلة احاول النسيان ،ولما عدت اكتشفت أنني لم انسها ،وان قلبي مايزال ينزف ،وكلما رأيتها رفقة زوجها وولديها يزيد جرحي نزيفا .

-خنجر مغروس بين الأضلع كلما حركته نظرة زاد الألم .

-حتى رأيتها صدفة بالمحكمة ،وعلمت انه تزوج عليها ،ويرفض تطليقها .

-بردت نارك .

-نعم ،لأنها كلمتني وأبدت الندم ،قالت انه ليس من كانت تظن وتحلم ان يكون ،وانه يخونها مع اكثر من واحدة ،وأخيرا تزوج حبيبته التي رفضها ابوه .

-دائرة مغلقة ،احب من لايحبني وحبيبي يحب من لا يحبه .

-عرفت ان الألم والحزن كان على نفسي ،وان من فضلته علي انتقم لي .

-شفي جرحها وبقي اثره يذكرك بخيانتها. 

-نعم ،ولكن كيف تعلمين هذا ،كأنك تحسين بي .

-لأنه نفس إحساسي ،الفرق أنني لم احبه ،بردت نار قلبي لما رأيته تعيسا معها ،وشفي جرحه لما انتقمَتْ لي منه ،ولكن أثره يلازمني ،يخيفني من كل الرجال ،ترعبني فكرة الارتباط او الزواج .

-وكذلك كنت ،حتى أصبحت اكبر عازب بالأسرة، ونسجت حول عزوبيتي الحكايات. 

-هذا وانت رجل لم يسبق لك الزواج ،فكيف بأنثى مطلقة .

-احكي لي ،ما الذي جرحك اكثر ،انه خانك ام انه طلقك. 

-انا من طلبت الطلاق ،اما ماجرحني اكثر ....

شردت احدث نفسي .

-ترى ما سبب جرحي الذي يرفض أن يلتئم ؟ هل كون مروان خدع الكل ومثل علي الحب ليحقق مبتغاه؟ هل تخطيطه لتحقيق حلمه دون ان يراعي شعوري ولم يفكر انه سيدمر حياتي ؟هل السبب هو اغتصابه لبراءتي وسرقة عذريتي، ذاك الصك الذي ينفي عني جميع التهم ؟

نعم هو ذاك ،ليته لم يلمسني ،ليته لم يسرق عذريتي ،ليته لم يغتصبني، لو بقيت بنتا عذراء لما أشارت الي أصابع الاتهام سنينا ،لما رخصت في سوق النساء ،نعم هو ذاك الجرح النازف الى الأبد .

-حورية ،لم تجيبي على سؤالي ،ما الذي جرحك اكثر ؟

-انه اغتصبني .

-ماذا تقولين ،متى اغتصبك؟ ألهذا قبلت الزواج منه؟

ابتسمت بسخرية، تهمة جديدة ،استنتاج آخر بتسرع واندفاع. 

-لا ،اغتصبني بعد العرس ،ليلة زفافي ،ذبحني بعد ان اعترف لي انه مثل انه يحبني ليقنع جدي وعمي وابي أنه تخلى عن حبيبته ،وانه يريدني زوجة وحبيبة ،استباح جسدي وهو يخبرني انه سيتزوجها وتسافر معنا لتكون عروسه في شهر العسل ،واكون الوسيلة لينال رضا ابيه وجده ومالهما. 

-كيف يعقل ان يفعل بك هذا ؟

-لأنه كان عاشقا متيما لامرأة حرمت عليه وظن أنني السبب.

عشت سنينا من عمرك تبكي عشقا ضاع منك ،ستفهم انه كان يحافظ على عشقه من الضياع .

-تلتمسين له الأعذار .

-بل اعزي بها نفسي ،ما يحزنني انه بفعله أضاع حبي له كأخ .

-رأيتك تعاملينه معاملة الأخت الكبيرة .

-هه وهو يكبرني كثيرا ،ولكن المعاملة ليست كالإحساس ،إحساس الأخوة ضاع يوم استباح جسدي .

-غبي ،غبي .

كان يرددها ويضرب بقبضته على الطاولة ،مددت يدي امسك يده .

-اهدأ لا تلفت انظار الناس إلينا .

نظر الى يدي ،ثم الى عيني ،وضع يده الأخرى على يدي ثم حضنها بين كفيه ،ونظراته لا تفارق عيني .

-تزوجيني يا حورية


        الفصل التاسع عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا



تعليقات



<>