
رواية عروستي ميكانيكي
الفصل السابع والثامن والتاسع
بقلم سما نور الدين
وضعت إيمان الهاتف بحجرها وقالت بصوت هادئ :
-بقولك إيه يا باشا ، أنا عايزة أفهم .
نظر إبراهيم إليها وقال :
-عايزة تفهمي إيه ؟
لوحت بيدها وهي تشير للبيت وتقول متسائلة :
-عايزة أفهم البيت دا والناس اللي عايشة فيه ، عايزة أفهم انتو ليه عايشين هنا بتركيا وسايبين مصر ، وحضرتك ياباشا فين أبوك وأمك ، وعمتي مالها ؟لوحدها ليه ؟ وعمي اللي اسمه سمير فين ؟
تنهد إبراهيم وقال بصوت هادئ :
-أولاً البيت دا يبقى بيتك والناس اللي عايشة فيه يبقوا أهلك .
ثانياً إحنا مش سايبين مصر وعايشين هنا ، إحنا اقامتنا دايما في مصر وبنيجي هنا تلات شهور كل سنة بس نظراً لان في جزء من شغلنا هنا بتركيا ، أنا وعمي اللي بنفضل طول السنة مابين مصر وتركيا عشان الشغل ، دا غير إن لينا أقارب هنا بتركيا زي أهل مرات عمك أصلي هانم و وأصدقاء حميمين لجدك ، كل الموضوع إن لما جدك تعب ، إقامتنا طالت شوية .
ثالثاً ياستي عمتك أرملة من زمان ومرضيتش تتجوز تاني لأنها كانت بتعشق جوزها ، أنا بقى والدي ووالدتي ماتوا بحادثة وأنا كنت ساعتها طفل ماكملش الخمس سنين ، وعمتك زهرة هي اللي ربتني ، أما بخصوص عمك سمير فهو مسافر ألمانيا في شغل ، بس ياستي دي حكاية البيت والناس اللي فيه .
اعتدلت أكثر بجلستها وقالت بصوت يشوبه بعض الحزن :
-معلش يعني لو كنت قلبت عليك المواجع بخصوص أبوك وأمك الله يرحمهم ، ومعلش تاني إذا كنت هسألك ، طالما البيت وناسه زي الفل أهو ، ليه بقى جدنا رأسه وألف ج .. .
أطبقت كلتا شفتيها عندما اتسعت عيناه لها غضباً قبل أن تنطق بكلمتها الأخيرة ، فتلكأت وهي تقول :
-قصدي أقول ، ليه جدي رأسه وألف سيف يجوزنا لبعض .
عاود إبراهيم استناد ظهره فوق ظهر الأرجوحة وهو يقول :
-أكيد عنده أسبابه اللي هنعرفها منه قريب ، المهم دلوقتي إننا نسمع كلامه ومنزعلهوش لغاية مايخف ويقوم بالسلامة .
مالت إيمان بشفتيها جانباً وهي تقول باستسلام :
-طيب ، أصل أنا كنت فاكرة إني هاجي هنا يومين تلاتة نتعرف على بعضينا وأرجع تاني لبيتي وشغلي ، لكن شكل الحكاية هتطول ، وكدة مش هينفع بصراحة .
ذم إبراهيم شفتيه بدوره وهو يقول :
-ليه مش هينفع ؟! سعادة الهانم وراها إيه هناك ؟!!
لوحت إيمان بيدها أمام وجه إبراهيم وهي تقول :
-وحياة رحمة والديك ماتتريقش عليا ، أنا ورايا عيلة مسئولين مني ومتعلقين برقبتي ، مينفعش أغيب عنهم كتير ، فعشان يكون عندك علم أنا اخري بالبلد دي هما عشر أيام بالكتير .
قطب إبراهيم جبينه وقال وهو ينظر لها متسائلاً :
-برقبتك عيلة ، اللي أعرفه ان عمي ومراته الله يرحمهم ، وأنتي مالكيش أخوات ، يبقى عيلة مين ؟!
أجابته بقولها :
-الواد محمود بلاطة يا باشا ، الصبي بتاعي وأخته لوزة وأمه الست تهاني ، جيراني الباب في الباب ، مسئولين مني بعد ما مات عم عبدالله وسابهم على الحميد المجيد .
هز ابراهيم رأسه وهو يقول مستغرباً :
-بردو مش فاهم ، إزاي جيرانك وبردو مسئولين منك ؟!
أشارت له بيدها وهي تقول :
-يا باشا افهم ، عم عبدالله كان راجل أرزقي على باب الله ، قوته كان يوم بيوم ، ولما مات الله يرحمه مكانش ينفع أسيبهم كدة يتلطموا ، أخدت الواد بلاطة يشتغل عندي صبي ميكانيكي ، أهو يتعلم صنعة تنفعه لما يكبر ، وكمان منها أساعدهم من غير مايكون فيها إحراج .
ضاقت عيناه وهو ينظر لها نظرات حيرة وكان أمامه علامة استفهام كبيرة لا يعرف كيف يجيب عن ماقبلها ، انتبه لشروده عندما لاحت بكفها أمامه وهي تقول متسائلة :
-إيه يا باشا روحت فين ؟ اللي واخد عقلك .
أجابها بقوله :
-لو تحبي أنا ممكن أبعتلهم فلوس مع موظف عندي .
رفعت إيمان حاجبيها مسرعة ورمشت بعينيها عدة مرات ، تحاول أن تستعب ماقاله ، فأسرعت بقولها :
-لا يا باشا مينفعش ، الست تهاني مش هتقبل بحاجة زي كدة ، إحنا عندنا عزة نفس ومانقبلش صدقة من حد .
قطب جبينه وهو يقول :
-أنتي ليه بتجمعي نفسك معاهم ؟
رفعت إيمان رأسها لأعلى وهي تقول بثقة :
-عشان الناس دول أهلي ، الست تهاني في مقام أمي الله يرحمها ، ولوزة وبلاطة أكتر من أخواتي .
هز ابراهيم رأسه وهو يقول :
-على العموم ، مظنش إننا هنقعد هنا أكتر من عشر أيام ، ولما نرجع يبقى ساعتها لينا كلام تاني بخصوص الموضوع ده .
اعتدلت إيمان بجلستها وهي تستند بظهرها فوق ظهر الأرجوحة ونظرت لمياه الحوض الواسع وقالت :
-ولا تاني ولا تالت ، الكلام في الموضوع دا يخصني أنا ومايخصش حد تاني .
ذم إبراهيم شفتيه وقبل أن يهدر بها بقوله ، تفاجئ عندما سمع صوتها الساخر وهي تقول :
-ويا ترى بقى لما حضرتك خرجت ، روحت على طول لشين شين هانم ، تطيب خاطرها وتستسمحها إنها تصبر عليك شوية لغاية ما نفض موضوع الجواز دا .
-قال إبراهيم من بين أسنانه بغيظ :
-أولاً اسمها التشين ، ثانياً مش أنا اللي استسمح حد ، ثالثاً مالكيش دعوة بالموضوع دا نهائي .
هبت إيمان واقفة وهي تقول بصوت قوي :
- خلاص يا عم الواثق ، ملناش دعوة بالكونتسة شين شين هانم .
هدر بها بقوة قائلاً :
-اسمها التشين !!
أشارت إيمان لفمها وهي تقول :
-طب بذمتك دا اسم ، شين شين أسهل ، وكمان أنا لو نطقت باسمها الحقيقي بحس إن لساني هيلزق في سقف حلقي ومش هيرجع تاني .
أشار إبراهيم متعجبا لأذنه وهو يقترب بوجهه منها :
-لسانك هيحصله إيه !!!
أجابته مسرعة :
-هيلزق في سقف حلقي ، إيه كلامي غريب ، إيه معندكش سقف حلق زي كل الناس ما عندها سقوف حلقان ؟!!!
وقف إبراهيم بقبالتها وقال بيأس وهو يسد كلتا أذنيه بكفيه :
-أرجوكى اسكتي ، سقوف إيه وحلقان إيه بس !!
تخصرت إيمان وهي تقول بكل ثقة :
-سقوف حلقان ، الجمع الدكر عبد السلام لسقف حلق ، إيه ياباشا مخدتهوش في العربي زمان.
رفع إبراهيم رأسه للسماء وهو يقول مستغيثاً :
-يا رب ارحمني .
نزل برأسه واستطرد قوله وهو ينظر لها :
-أتوسل إليكي تسكتي ، العربي بريئ منك بعد اللي عملتيه فيه ، أنتي دمرتي اللغة ، قضيتي عليها تماماً ، المفروض عليا إني اكتب اعتذار رسمي بالجريدة الرسمية للمجمع اللغوي .
رفعت إيمان حاجباً واخفضت الأخر ومطت شفتيها للأمام تعبيراً منها على عدم فهمها ولكي تخفي هذا الشعور ، قالت بغضب وهي تضع بهاتفها الجديد داخل الحقيبة الورقية استعداداً للذهاب من أمامه :
-تصدق بالله ، أنا غلطانة إني قعدت أدردش معاك ، بلا جمعية ، بلا رسمي نظمي فهمي ، تصبح على خير .
ثخطته مسرعة بخطوات قوية ، تتمتم بكلمات غير مفهومة..أخذ ينظر إليها ولغضبها الواضح بحركات جسدها العصبية ، لم يجد بديلاً غير رسم البسمة فوق شفتيه وهو يهز رأسه استسلاماً ويأساً .
دلفت إيمان لغرفتها بعد أن اغلقت بابه بقوة وهي تتحدث مع نفسها بصوت غاضب ومسموع :
-تستاهلي يا إيمان ، إيه اللي خلاكي تأخدي وتدي معاه في الكلام ، أهو اتريق عليكي ، مبسوطة دلوقتي ، ياريت تتخمدي بقى عشان بكرة المعمعة كلها .
رمت بالحقيبة الورقية ثم بنفسها فوق الفراش ، ولكنها هبت لتقف تنظر أمامها وهي تشير لنفسها قائلة :
-يالهوي أنا فرحي بكرة !! إيمان أنتي هتتجوزي بكرة ، يا ترى إيه اللي هيحصل بكرة بعد كتب الكتاب ؟!!
ضربت جبهتها بقوة وهي تقول بصوت غاضب :
-المفروض كنت استنيت معاه أكلمه في إيه اللي هيحصل بعد كتب الكتاب ، والله العظيم لو استهبل معايا لأشلوحه ، بس أصلاً هو مش طايقني ، صحيح معرفش ليه ؟ بس وإيه يعني ، هو أنا يعني اللي طايقاه ، بس دا طلع راجل طيب وجابلي موبايل ، ومش أي موبايل ، دا أبو تفاحة !!
استدارت لتمسك بهاتفها الجديد وقالت :
-آااه صحيح التليفون الجديد ، أما اتصل بالبت لوزة أحكيلها ، بس الساعة كام دلوقتي ؟؟ زمانها في سابع نومة ، ومدفع رمضان بذات نفسه لو ضرب جمب ودنها بردو مش هتصحى ، أوووف بقى ، انا هنام وبكرة يحلها الحلال .
استبدلت ملابسها بملابس النوم ، رمت بنفسها مرة أخرى فوق الفراش ، ثم تدثرت بالغطاء جيداً ، أغمضت عينيها لتتلو بهمس بعض الآيات القرأنية الصغيرة حتى ذهبت بسبات تام .
مرت ساعات الليل بهدوء حتى طلعت الشمس تفترش أشعتها الأرض بكل أرجائها الواسعة .
استيقظت إيمان كما اعتادت بنفس الوقت من الصباح ، اعتدلت بجلستها فوق الفراش وهي تتجبد بجسدها ، وبعد برهة من الوقت وخروجها من غرفتها لم تجد احداً من سكان البيت فأتجهت تبحث بنفسها عن المطبخ والذي ما إن دلفت إليه وجدت بضعة أشخاص يلتفون حول مائدة صغيرة لتناول الإفطار ، فرفعت إيمان يدها بالتحية وهي تقول بصوت عال :
-يا صباح الخير بالتركي .
انتفض الجميع وحاولوا النهوض من فوق كراسيهم ، فصاحت إيمان وأشارت إليهم بكلتا يديها وهي تصيح :
-والله ما حد منكم يقوم ، كملوا أكل يا جماعة ، لا سلام على طعام زي مابيقولوا .
جلس الجميع بتردد بعد الإشارة لهم بمعاودة الجلوس مرة أخرى ، ماعدا دادة فاطمه التي وقفت واتجهت الى إيمان بوجه باسم وهي تقول :
-صباح الخير يابنتي ، حبيبتي لو عايزة أي حاجة اتفضلي في الصالة وأنا هجيبها لغاية عندك .
ابتسمت إيمان بدورها وهي تقول :
-صباح النور يا حجة فاطمة ، والله يعني لو عزمتي عليا أفطر معاكو ، أنا مش هكسفك ، أصل جعانة بصراحة .
تلكئت دادة فاطمة بكلماتها وهي تنتفل بعينيها بين إيمان والمائدة ومن حولها فقالت :
-طبعاً طبعاً اتفضلي حبيبتي ، بس إحنا بنفطر الأول وبعدها على طول بنحضر الفطار لحضراتكم ، فا إيه رأيك تستني شوية صغيرة وتفطري معاهم .
تخطتها إيمان متجهة للمائدة وجلست وسط الجالسين حولها وهي تقول :
-أنا ماليش دعوة بحضراتهم ، أنا عزمت نفسي خلاص وهأفطر معاكو ، بحثت بعينيها عن الخبز فلم تجده ، فقالت لدادة فاطمة التي جلست بجانبها :
-أومال العيش فين ؟ والفول كمان مختفي يعني مش شايفاه !!
نظرت إيمان لمن حولها بعد ماتوقفوا عن تناول الطعام وقالت متسائلة :
-إيه يا جماعة بطلتوا أكل ليه ؟ يالا بسم الله .
مدت لها فاطمة بالخبز التركي وهي تقول :
-مفيش هنا العيش المصري ، ومعلش بردو مفيش فول .
غمست إيمان قطعة خبز صغيرة بطبق البيض المقلي بالنقانق وقالت وهي ترميها داخل فمها :
-ولا يهمك يا ست فاطمة ، بصراحة منظر المطبخ الفخامة دا ، والاكل و الناس الحلوة دي يفتح النفس ، ولا إيه ياحلوين ، ياختي ماشاء الله مزز جوة المطبخ ، ومزز برة المطبخ ، صحيح بلد المزز .
كانت الفتيات والطباخ ينظرون لبعضهم ويكتمون ضحكاتهم بشق الأنفس ، ومع أنهم لا يفهمون لغة إيمان ولكنهم تعجبوا وأعجبوا بها بنفس الوقت لبساطتها ووجهها البشوشة، عاود الجميع بتناول الطعام بأريحية وهم يستمعون لتلك الثرثارة التي لا تكف عن الكلام أو تناول الطعام ، وضعت دادة فاطمة كوب صغير من الشاي أمام ايمان ، فنظرت لها إيمان بتعجب وقالت وهي تمضع لقمتها :
-أيه بقى دا ياست فاطمة ، أنا عايزة كوباااية شاي ، مش بوق شاي !!
ضحكت فاطمة وهي تقول :
-هنا بيشربوا الشاي كدة ، لما تخلصيها هأصبلك تاني ، كملي أكلك يالا .
دلف للمطبخ السائق إمام وهو يحمل بيده كيس بلاستيكي بداخله بضعة من المخبوزات الساخنة ، فقال وهو يبحث بعينيه عن عائشته :
-صباح الخير دادة فاطمة .
التفتت إيمان للوراء برأسها ، رفعت يدها عالياً وهي تصيح بفم مملوء بالطعام :
-صباح النور ياسطى اؤمؤم ، تعال تعال حماتك بتحبك ، الفطار هنا أخر حلاوة ، هو ناقصه بس كام قرص طعمية على طبق فول بالزيت الحار وكان هيبقى حاجة ملوكي .
تسمر السائق مكانه واتسعت عيناه وفاهه معاً عندما رأي إيمان تشير وتصيح به ، استدارت إيمان لتكمل طعامها فلفت نظرها عائشة التي تخضبت وجنتيها باللون الأحمر ، تفرك كلتا كفيها ببعضهما وتنظر بطرف عينيها لإمام المتسمر بمكانه ، فإبتسمت إيمان وهي تقول بصوت خافت :
-الله الله ، دا في ناس بتتلخبط وتتكسف منك ياأؤمؤم .
انتفض الجميع ماعدا إيمان على صوت أصلي هانم وهي تصيح بلغتها التركية بصوت عال فور دخولها للمطبخ ورؤية إيمان تجلس بجانبهم .
وقف الجميع بعد أن توقفوا عن تناول الطعام وارتسمت علامات القلق بملامحهم ، وقبل أن ينطق أحدهم كلمة قالت إيمان بصوت واضح :
-اقعدوا كملوا أكلكوا وسيبكوا منها .
صاحت أصلي بغضب وهي تقول :
-بتقولي إيه يابتاعة أنتي !!
تنهدت إيمان وهي تقول لنفسها وبصوت مسموع :
-وبعدين بقى في الولية اللي شبه شكمان العربية دي .
مدت إيمان يدها لقطعة صغيرة من البصل الأخضر وأمسكت بها ، ثم وقفت واتجهت لأصلي تقف بقبالتها لا يفرق بينهما إلا إنشات صغيرة ، رمت إيمان بقطعة البصل داخل فاهها ، نظرت لها أصلي بإشمئزاز واضح ، فقالت إيمان وهي تفتح فمها تلوك بقطعة البصل :
-بقول صباح الخيرررر يا مرات عمي .
ملأ الرذاذ المحمل بعطر البصل الفواح وجه أصلي التي صرخت بكلمات تركية وخرجت مسرعة من المطبخ ، ضحكت إيمان بصوت عال ورجعت للمائدة لتمسك بكوب الشاي الصغير تجترعه كاملاً ، ثم قالت وهي تشير بيدها تحية للواقفين والذهول يفترش ملامحهم جميعاً :
-أحلى فطار والله يا جماعة ، يجعله عامر دايماً ، وأقول للحلوين سلام وربنا يسهل ونتقابل ع الغدا إن شاء الله .
وقبل أن تخرج من المطبخ انتقلت بعينيها بين عائشة وإمام السائق التي غمزت له قائلة :
-سلام يا نمس .
خرجت إيمان لتجد عمتها واقفة متخصرة تنظر لها بوجه جامد ، فأسرعت إليها إيمان وهي تقول :
-صباح الجمال لأحلى زهرة فيكي ياجمهورية مصر العالمية والتركية مع بعضيهم .
الفصـــــــــــــــــــــل الثامـــــــــــــــــــــــن:
اقتربت إيمان من عمتها وقبلتها من وجنتيها وهي تقول :
-الجميل واقف زعلان ليه ؟؟
تقطب جبين زهرة وهي تسألها بصوت هادئ :
-كنتي عندك بالمطبخ بتعملي إيه ؟
ردت بكل هدوء وهي تمسد فوق بطنها :
-كنت بملى التانك .
زفرت عمتها بيأس ونظرت لها بريبة وهي تسألها :
-وعملتي إيه في مرات عمك خلتيها تجري ع الحمام زي المجانين وبتمسح في وشها وعمالة تشتم بالتركي والعربي .
أشارت إيمان لنفسها ، وبراءة الأطفال بعينيها وهي تقول بصوت خافت ناعم :
-وغلاوتها الكبيرة عندي ولا إنشالله يا رب يجيلها شلل رعاش في رموش عينيها معملتلها حاجة ، دا أنا حتى صبحت عليها وهي اللي مشيت من غير ماترد الصباح ، بعد مابصتلي بقرف ، يرضيكي .. يرضيكي كدة ياعمتي .
مطت زهرة شفتيها ، وأمسكت بأذن إيمان وقالت وهي تمشي بها ناحية السلم :
-النهاردة حفلة كتب الكتاب وورايا مليون حاجة ، وطول مانتي في المكان أنا عارفة أنه هيتقلب رأساً على عقب ، فتطلعي فوق وتدخلي أوضتك ومتخرجيش منها ، لغاية مأنا أجيلك وأقولك تعملي إيه .
حاولت إيمان أن تنقذ أذنها من براثن أصابع عمتها دون فائدة وقالت وهي تتأوه غاضبة :
-آااه ودني ، ودني هتطلع في إيدك يا عمتي ، خلاص طيب ، هطلع من غير ما حد ، رأسه ولا ركبه توجعه ، مع إني معرفش أنا مالي أنا .
أغمضت زهرة عينيها محاولة كبت غيظها بعد ما تركت أذن إيمان التي ظلت تفرك بها بتأوه ، تنهدت زهرة بإستسلام وهي تقول :
-كلها ساعة والميكاب ارتست توصل ، وكل الحاجات اللي وصيت عليها كمان جاية في الطريق ، يالا حبيبتي اطلعي أوضتك .
ضاق مابين حاجبي إيمان واقتربت من عمتها وهي تقول :
-معلشي هي مين اللي جاية بعد ساعة دي ، واحدة قريبتنا بردو .
صاحت زهرة بصوت حاد وقوي وهي تشير بذراعها لأعلى :
-اطلعي على فوق يا إيمان ومتخرجيش من أوضتك زي مقولتلك يالا !!
رضخت إيمان لأمر عمتها وصعدت وقدميها تدب درجات السلم بقوة ، تهمس لنفسها بصوت مسموع :
-أديني طالعة ، أنا مش عارفة كل ما أكلم حد بالبيت دا يزنجر ليه ؟!! أستغفر الله العظيم يارب .
ضحكت زهرة وهي تهز رأسها بأستسلام من عفوية ابنة أخيها وبساطتها ، ثم ذهبت لغرفة أبيها لتطمئن عليه وتبلغه أن الأمور على ما يرام وتسير كما أمر وطلب .
اعتدل العجوز فوق فراشه ، نظر للفراغ أمامه وشرد بأفكاره بعيداً ، ربتت زهرة فوق ركبته وهي تقول متسائلة :
-مالك يا بابا ، سرحان في إيه ؟ كل اللي طلبته اتنفذ وأهو كلها ساعتين تلاتة وكتب كتاب الولاد يتم زي ماحضرتك عايز بالظبط .
نظر لها الجد العجوز وقال :
-خايف أكون ظلمت إبراهيم لما غصبت عليه يتجوز بنت عمه ، ولو إن الجوازة دي في مصلحة إيمان ، فإبراهيم مالوش ذنب ، صح يابنتي ولا أنا غلطان ؟
ارتسمت فوق شفتي زهرة ابتسامة هادئة وقالت :
-حبيبي يا بابا ، متحملش نفسك فوق طاقتها ، ولو حضرتك قلقان ، اتكلم مع إبراهيم وهو يختار ، ولو إني عارفة كويس إن إبراهيم مستحيل يتخلى عن مسئوليته تجاه إيمان .
التفتا الاثنان فور دخول إبراهيم للغرفة ، وهو يلقي بتحية الصباح ، نظر الجد له وقال :
-تعال يا بني عايز أتكلم معاك في موضوع مهم قبل حفلة كتب الكتاب .
جلس إبراهيم فوق الفراش بقبالة الجد العجوز وقال بعد ماشعر بتوتر الأجواء من حوله :
-اتكلم يا جدي أنا سامع حضرتك .
أجابه جده :
-هقولك على كل حاجة ، وبالنهاية يا بني ليك حرية الإختيار ، تقبل أو لا ، أنا مش هغصبك على حاجة .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وبعينيه لهفة لسماع كل ما بجعبة العجوز ، بدأ الجد بالحديث دون توقف وإبراهيم يستمع له بكل حواسه .
وأثناء ذلك كانت تغدو إيمان بالغرفة ذهاباً وإياباً وهي تزفر بضيق ، أمسكت بهاتفها لتتصل بصديقتها عزة ، التي ما إن قالت :
-الو ، مين معايا ؟؟
أجابتها إيمان مسرعة :
-أنا يابت يا لوزة ، برن عليكي من بدري كنتي فين يا بت ؟
جلست عزة القرفصاء فوق أريكتها القديمة وهي تقول بحماس :
-إيمااان ، وحشاني يا بنت الإيه معلش كنت سايبة الموبايل على الشاحن وبجيب عيش من الفرن وأنتي عارفة الفرن وزحمته ، المهم قوليلي عاملة إيه ؟ وأهل أبوكى استقبلوكي إزاي ، وهتيجي إمتى ؟؟
جلست إيمان بدورها القرفصاء فوق الفراش وهي تقول بصوت ضاحك :
-يا بت اسكتي شوية ، إديني فرصة أرد عليكي ، آاه يا لوزة لو عرفتي اللي حصلي من أول ماحطيت رجلي جوة البيت ، مهرجااناات ، أتاري الناس الأغنيا عيشتهم غيرنا خالص ، دا حتى العربي بتاعهم غير بتاعنا .
أمسكت إيمان بالهاتف لتضعه فوق أذنها الثانية وهي تقول :
-بت يا عزة استعدي للي هقولهولك ، تفتكري النهاردة هيحصلي إيه ؟
رمشت عزة عدة مرات وهي تقول بحماس أكبر من ذي قبل :
-إيه يا إيمان ، هياخدوكي يفسحوكي ويجيبولك لبس كتير ، زي مبيحصل في الافلام .
أصل الحكاية إيه لما أرجع وأشوفك ، بس تصدقي حسيت كدة إني لوحدي ، كان نفسي تبقي معايا ياعزة .
هبت عزة لتقف تخطو خطوتين للأمام ثم ترجع ثانياً للوراء كما كانت من شدة توترها وصدمة خبر زواج إيمان ، صاحت قائلة بعد ما شعرت بالتوتر والقلق :
-إوعي يا إيمان يكونوا غصبوكي على الجوازة دي ، طيحي فيهم ضرب يا بت ، واجري على السفارة بتاعتنا هناك وقوليلهم عايزين يموتوني ويبيعوا أعضائى .
سمعت إيمان بعض الطرقات على بابها ، فأعتدلت بجلوسها فوق الفراش وقالت لصديقتها :
-متخافيش عليا يا لوزة ، أنا الأسطى إيمان على سن ورمح ، وعيلة المهابيش اللي أنا في وسطيهم دول محدش فيهم يقدر عليا ولا يعملي حاجة ، سلام دلوقتي وهكلمك بعدين ، سلام سلام .
عاود الطرق فوق الباب للمرة الثانية ، فصاحت ايمان بصوت عال بعد ما أغلقت هاتفها :
-خش ياللي بتخبط .
فتح الباب فدلفت إليها دادة فاطمة وورائها فتاتان غريبتان كل واحدة منهما تحمل بيديها شيء ما ، الأولى تحمل بيدها حقيبة خاصة بأدوات الزينة والمكياج ، والثانية تحمل فوق ذراعها كيس بلاستيكي كبير يغطي ماوراءه وكأنه فستان ، ثم دخلت خادمتان تحملان حقائب كثيرة ، امتلئت الغرفة بالفتيات والحقائب المتعددة الألوان والأحجام .
وبالنهاية دخلت العمة زهرة لتقف أمام إيمان وقالت وهي تشير للفتاتان الغريبتان :
-حبيبتي الميكاب ارتست هي اللي هتعملك المكياج ، والأنسة التانية هي اللي هتلبسك الفستان وتشوف لو محتاج أي تعديل ، كل المستلزمات أنا جيبتها وجاهزة ، أنا هسيب معاكي دادة فاطمة عشان تفهمك البنات هيقولولك إيه وكذلك أنتي لو حابة تقوليلهم حاجة ، أوك حبيبتي ، أسيبك تستعدي .
رمشت إيمان كعادتها عندما تتوتر من أمر ما ، أدركت أنها ستتزوج بالفعل ، شعرت ببعض الخوف فصاحت بعمتها قبل أن تخرج وقالت :
-عمتي استني ، عايزة أقولك على حاجة ضروري .
اقتربت إيمان من عمتها وقالت وهي تشير لها بسبابتها :
-بقولك إيه يا عمتي ، قولي لابن اخوكي أنه كتب كتاب وبس ، يعني مايحطش في دماغه حاجة كدة ولا كدة .
قطبت العمة زهرة جبينها وقالت بتعجب :
-يعني إيه كدة ولا كدة ؟!!
تنهدت إيمان بيأس وقالت وهي تهمس أمام وجه عمتها :
-يعني مفيش سيكو سيكو ، ينسى خالص ، أنا بقولك أهو .
رجعت العمة برأسها للوراء وهي تقول بصوت حاد :
-إيه يا بنت الكلام العجيب اللي بتقوليه دا ، مش فاهمة منك حاجة .
صاحت إيمان بضيق وهي تقول :
-يالهوي يا عمتي وأنا اللي فاكراكي بتفهميها وهي طايرة ، من الاخر كدة وأقسم بالله ، لو لقيته عايز قلة أدب ، لأفتح دماغه بالمفتاح الإنجليزي ، آمين ياعمتي ؟؟
ضحكت العمة وقالت وهي تتجه لباب الغرفة لتخرج :
-متقلقيش من الناحية دي ، هو أصلاً بيقول عنك ، إنك أرجل من مراد ابن عمه ، وإن اللي ناقصك بس هو الشنب .
اتسعت أعين إيمان وقالت بغيظ وهي تشير لنفسها :
-أنا !! أنا بشنب ، طب وديني لأوريه .
أسرعت إيمان ناحية فتاة المكياج وقالت بصوت قوي وهي تنظر لدادة فاطمة :
-ست فاطمة قوليلها أنا عايزة أخرج من هنا فشر هيفا وهبي ، عشان يبقى الباشا يقول عليا ساعتها بشنب .
كتمت فاطمة ضحكتها وأمسكت إيمان من مرفقها لتمشي بها ناحية الكرسي الخاص بمنضدة الزينة وهي تقول :
-حبيبتي أنتي زي القمر ومش محتاجة تكوني شبه حد ، اقعدي دلوقتي واهدي ، وخلي البنات تشوف شغلها .
رمت إيمان بنفسها فوق الكرسي وهي تتنهد باستسلام قائلة :
-حاضر يا ست فاطمة ، بس قولي للكوافيرة إني عايزة أعرف نفسي بعد متخلص ، لحسن بشوف الواحدة لما تدخل الكوفير شكل تخرج واحدة تانية ، عريسها ذات نفسه مابيعرفهاش .
هزت فاطمة رأسها بالإيجاب وهي تربت فوق كتفيها بحنو لتطمئنها ، وأثناء ذلك بعد ما سمع إبراهيم نهاية حديث جده ، قام واقفاً ينظر لجده بعمق ، التفت ومشى ناحية النافذة ، ثم استدار بمكانه وقال :
-عمي سمير لما يعرف هيكون رد فعله قوي جداً ، أنا متأكد .
أسرع الجد بقوله وعيناه لا تحيد عن وجه إبراهيم :
-أنا وأنت هنخليه يقف عند حدوده مايتخطهاش ، بس دا لو قبلت بجوازك من إيمان ، وعلى فكرة أنا مش هزعل منك لو رفضت ، أنا ممكن ألغي كل الترتيبات متقلقش ، أنا مش عايز أظلمك يا بني .
ارتسمت فوق شفتي إبراهيم ابتسامة باهتة وقال وهو يخطو ناحية فراش جده :
-أنا مستحيل أهرب من المسئولية دي يا جدي ، بنت عمي بقت أمانة برقبتي ولا يمكن أتخلى عنها أو أسيبها تواجه لوحدها ، هي صحيح مصيبة وكارثة متنقلة ، بس هعمل إيه ، مجبر أخاك لا بطر ، ربنا يكون في عوني بقى .
وفستانها الطويل يدور معها ، قالت بعد أن توقفت :
-يااه !! أنا مكنتش أعرف إني هطلع مزة كدة ، تسلم إيديكوا بجد ، بس لولا الكعب العالي دا اللي هيخليني انكفي على وشي ، كانت هتبقى الليلة حلوة مفيش كلام .
دلفت العمة لغرفة إيمان لتقف أمامها تنظر إليها من أسفل لأعلى باعجاب شديد ، اقتربت منها واحتضنتها بقوة وقالت بهمس بالقرب من أذنها :
-زي القمر يا حبيبتي ، ألف مبروك .
احتضنتها إيمان بقوة ورددت قائلة بهمس أيضاً :
-ولو إنها جوازة أونطة ، بس الله يبارك فيكي .
ضحكت عمتها ونزعتها من حضنها وهي تقول معاتبة إياها :
-بس يا بنت ، إوعي تقولي الكلام دا قصاد حد ، لحسن الكلام يوصل لجدك ويتعب تاني .
مالت شفتي إيمان جانباً بابتسامة صغيرة وقالت :
-عيييب دا أنا أسطى إيمان ، بس قوليلي إيه الحلاوة دي كلها ، دا أنتي هتخطفي الليلة مني ولا إيه ؟!!
تأبطت زهرة ذراع إيمان التي تمشي بهوادة خوفاً من وقوعها وقالت وهي تخرج بها من الغرفة :
-يالا وبلاش بكش كلهم تحت بالجنينة ، الشيخ والمحامي وشوية ناس قرايبنا .
أمسكت إيمان بذراع عمتها بقوة وهي تقول :
-امسكيني جامد بقى ، لحسن تلاقيني اتكعورت على الأرض والليلة تبوظ .
كان إبراهيم واقفاً أمام المنضدة الكبيرة يظهر عليه بعض التوتر فأخذ يعيد ربط رابطة عنقه مرة أخرى ، اقترب منه مراد وهو يقول بصوت يشوبه التهكم والخبث :
-على فكرة ، أنا ممكن أشيل عنك المسئولية دي واتجوزها أنا ، أنا متأكد إن جدك غصبك على الجوازة دي، وأهو المحامي موجود لو حبيت تغير رأيك .
نظر إليه إبراهيم بطرف عينيه وقال بصوت قوي :
-احترم نفسك يا مراد وروح اقف مكانك ، مش انا اللي حد يغصبني على حاجة ، يالا امشي .
وكانت أجابه مراد عبارة عن صوت صفير اعجاب وأسرع بقوله :
-بجد أنا على أتم الاستعداد ، أرجوك وافق .
فنظر إبراهيم لما ينظر إليه مراد ، فوجد إيمان تنزل درجات السلم الرخامي تتأبط ذراع عمتها بقوة ، كانت مثل العروس حقاً بالليلة عرسها ، فستانها وشعرها المنسدل فوق كتفيها يتأرجح بنعومة واضحة ، وجهها المزين ببساطة ليبدو أن جمالها الطبيعي قد غمر الزينة بحلاوة فائضة ، شعر وكأن نغزة ما عاودت اللكز مرة أخرى بصدره .
نزعت العمة ذراعها من قبضتي إيمان وقالت :
-امسكي نفسك كويس وانزلي براحة متخافيش ، خليكي واثقة في نفسك .
همست إليها إيمان بصوت ضعيف :
-لا ياعمتي متسيبنيش ، والنعمة هقع .
هزت العمة رأسها بالنفي وأسرعت بالنزول وحدها ، رفعت إيمان رأسها عالياً وأمسكت بدرابزين السلم لتعتدل بنزولها خطوة خطوة ، أدرك إبراهيم خوف إيمان من ملامح وجهها ، فأسرع إليها وصعد ليقف بجانبها واضعاً يداً واحدة فوق خصره ، اشارة منه لإيمان لتتأبط ذراعه ، وبالفعل فهمت إيمان الاشارة وتأبطت ذراع إبراهيم الذي نزل بها درجات السلم باتجاه المنضدة وبمن يجلس حولها .
قال إبراهيم من بين أسنانه بغيظ :
-بقى أنا عندي ثقب بشخصيتي !!
التفتت إيمان برأسها لتنظر إلى جانب وجهه وتقول من بين أسنانها أيضاً :
-يعني أنا اللي أرجل من مراد ابن عمك وناقصني بس الشنب !!
التوت شفتي إبراهيم بضحكة خافتة وقال بعد أن التفت إليها ينظر إليها بعمق ولأول مرة :
-قبل كدة جايز ، لكن دلوقتي أكيد لأ .
شعرت إيمان ولأول مرة بحياتها بالخجل ، اكتست وجنتيها باللون الأحمر وقالت وهي تهرب بعينيها من أسر نظراته الثاقبة :
-اللهي تنستر .
الفصـــــــــــــــــــــــــل التـــــــــــــــــاسع:
ارتفع حاجبي إبراهيم وهز رأسه بيأس عندما سمع ماقالته ، فقال يقلد نبرة صوتها بصوت ساخر وتهكم واضح :
-ربنا يخليكي يا حجة إيمان .
همست إيمان لنفسها بعد ما ضحكت ضحكة خافتة :
-والله دمك خفيف يا باشا .
جلسا الاثنان فوق كرسيهما أمام الطاولة الكبيرة ، وحولهم الجميع حتى الجد كان جالساً فوق كرسيه المدولب ينظر لهما نظرات حب وأمل .
أما المدعون فكانوا يقفون حول طاولات صغيرة عالية متفرقة بأنحاء الحديقة التي زينت جذوع أشجارها بالقماش الأبيض الشفاف والذي يلتف حوله عناقيد من اللمبات الصغيرة جداً الملونة ، ونادلات يحملن صواني ، البعض منها مملوء بالكثير من المقبلات والأخر يحمل كؤوس العصير البارد .
كانت أصلى تهز أرجلها بعصبية واضحة ولا تحيد بعينيها عن البوابة ، تترقب وصول زوجها عله يمنع تلك الزيجة أو يتسبب بتخريب الحفل كما تتمنى ، ولكن خاب ظنها بتأخر موعد وصوله .
وبمرور نصف الساعة انتهت مراسم عقد الزواج ، بقول الشيخ الذي يتحدث باللغة العربية الفصحى والذي أصر الجد على إحضاره :
-بارك الله لكما وبارك عليكما .
استلم كل من إبراهيم وإيمان عقدي زواجهما الموثق بالسفارة المصرية بتركيا ، واقترب إبراهيم من إيمان ليمسك برأسها تمهيدا ليقبلها من جبهتها .
فشهقت إيمان وتراجعت للوراء خطوتين وقالت بذعر :
-يالهوي !! أنت عايز إيه ؟!!
ارتسم الغيظ بملامح وجه إبراهيم وامسك برأسها بكلتا كفيه وقال من بين أسنانه قبل أن يطبع قبلة خفيفة باهتة فوق جبهتها :
-اثبتي قدام الناس ، متخافيش هقولك مبروك .
التوت شفتي إيمان ورجعت برأسها للوراء وهي تقول :
-الله يباركلك ، هي مبروك دلوقتي بالبوس ، أخر مرة حضرتك .
توافد المدعوين من الجيران وبعض أصدقاء العائلة لتقديم واجب المباركة بعقد القران ، مالت إيمان ناحية عمتها التي كانت تقف بجانبها ، وقالت بنزق :
-إيه يا عمتى مفيش واحدة من المعازيم ترقع زغروطة تصهلل القعدة ، كل الستات والبنات دول اتخرسوا خالص كدة ، ولا مافيهمش لسان .
لكزتها عمتها بجانبها وهي تقول من بين أسنانها دون أن تنظر إليها ، فقط ابتسامة مصطنعة ترتسم فوق شفتيها أمام الحاضرين :
-اسكتي يا إيمان ، وابتسمي قدام الناس .
رسمت إيمان البسمة فوق وجهها فبدت كالبلهاء تماماً وهي تصافح الجميع دون أن تفهم كلمات مباركتهم ، وبعد برهة من الوقت تركت إيمان عمتها وجلست بجانب إبراهيم الذي كان يتحدث بأمر هام مع المحامي ، أمسكت بمرفقه لتهزه وتقول :
-باشا مش هنروح القاعة بقى ، أنا رجلي ورمت من الوقفة ومن الجزمة .
التفت إليها إبراهيم وقال متعجباً :
-قاعة إيه ؟!
هزت رأسها وهي تقول بثقة :
-قاعة الأفراح ، هو مش النهاردة فرح كتب الكتاب زي ما عمتي قالت .
تنهد إبراهيم وهو يقول :
-أومال اللي قدامك دا إيه ، هي دي حفلة كتب الكتاب .
ضمت إيمان شفتيها وقامت بتحريكهما يميناً وشمالاً ، وقالت :
-هو كدة عندكو يبقى اسمه فرح وهيصة ، أحيييه بالكركديه ، بلا خيييبة .
نظر إبراهيم حوله ليضمن عدم سماع أي أحد لكلماتها السوقية ، وقام بلكزها وهو يقول بصوت خافت :
-أنتي هتندبي !! اسكتي خالص ، وياريت متتكلميش لغاية الحفلة ماتخلص .
هبت إيمان لتقف ولوحت بيدها تشير حولها بعد ما فاض بها وقالت :
-ياخسارة الفستان والكوافير ، طب بس حياة رحمة والديك ياشيخ ، دا يتسمى فرح ، ناس منشية واقفة على رجليها ، والبنات رايحة جاية بصواني عليها فتافيت أكل ، يا عم روح كدة .
هب إبراهيم بدوره ليقف بقبالتها وهزها بقوة من مرفقها وهو يقول :
-هذبي ألفاظك بقولك ، أو اسكتي يكون أحسن .
نزعت مرفقها من قبضته وأسرعت بقولها :
-ماشي هنظبط الكلام ، بس الأول قولي ، طالما الفرح انضرب ، مش هنتفسح بالعربية طيب ونروح نتصور عند أي كوبري أو جمب النافورة .
رفع إبراهيم رأسه للسماء وهو يقول :
-اللهم الصبر ، امشي من وشي يا إيمان احسنلك واحسنلي .
هرولت إيمان ناحية عمتها التي كانت ترحب ببعض الأصدقاء ، فأمسكت بذراعها لتسحبها بعيداً عنهم وهي تقول :
-لموأخذة يا حضرات .
تنحنحت عمتها بحرج وهي تهز برأسها وتعتذر لهم بلغتها التركية ، وما إن ابتعدت بضعة خطوات لتقول بصوت خافت ولكنه قوي :
-بنت !! إيه اللي بتعمليه دا ؟!
وقفت إيمان أمام عمتها وقالت :
-أنا عايزة أعرف دلوقتي ، في فرح ولا مفيش في الليلة دي .
ضاقت عيني عمتها بعدم فهم ، لتستطرد إيمان قولها :
-بصي يا عمتي ، الفرح عندنا لو في الشارع ، بيبقى صوان كبير وزينه وتعاليق وكهارب ومسرح عليه كوشة ، وسماعات الدي جي منتشرة بالمكان ، وأغاني المهرجانات توصل لأخر الشارع وددربكة للفجر ، يا إما يا عمتي الفرح بقاعة ونقضيها رقص وأغاني ، فقوليلي في حاجة من دول ولا مفيش وأطلع أوضتى وأقلع أم الجزمة ، ومتقوليليش زي ماقال الباشا إن اللي بيحصل حوالينا دا واللي شبه عيد الربيع يبقى هو الفرح .
وقبل أن تنطق عمتها جاء إبراهيم خلفها وهو يقول بصوت غاضب :
-خدي العروسة يا عمتي واطلعي بيها لأوضتها .
التفتت زهرة لإبراهيم الذي مشت به بعيداً عن إيمان لتهدئته ، وقف مراد بجانب إيمان التي تخصرت وهي تنظر لإبراهيم وعمتها بتحفز ، فقال مراد :
-تسمحلي العروسة بالرقصة دي .
التفتت إيمان له تنظر له من أعلى لأسفل وقالت :
-عايز إيه ياخويا .
ضحك مراد وهو يقول :
-بقولك تعالي نرقص سوا .
نظرت إيمان حولها لتجد البعض يرقص رقصة الفالس على أنغام ناعمة ، وقالت :
-أنت عايزني أنا أرقص معاك أنت !! رقصة النحنحة دي، يالا يالا طريقك أخضر ، امشي قبل ما تطلع عليك .
تسائل مراد مستغرباً :
-هي إيه اللي هتطلع !!
اقتربت منه إيمان بتحفز تشير ناحية رأسها وهي تلف أصابع يدها :
-الجنونة يا حيلتها .
رجع مراد خطوة واحدة ، فاستطردت إيمان قولها بقوة وهي تشير لنرمين بيد ، ويدها الثانية ضربت بها كتف مراد :
-تعال هنا قولي ، هو أنتو عيلة إيزمي ميزي خالص كدة ، مش المحروسة اللي بترقص هناك دي ولابسة فستان مفتح من كل حتة تبقى أختك بردو ، ولا أنا غلطانة .
هز مراد رأسه وهو يقول :
-بردو مش فاهم .
تحركت إيمان بكلتا كفيها وهي تقول بحسرة :
-ولا عمرك هتفهم .
صدح صوت بوق سيارة أمام البوابة الحديدية للفيلا ، تركت أصلي هانم من كانت تتحدث معهم وهرعت بخطواتها الواسعة ناحية البوابة لإستقبال زوجها .
انتبهت إيمان لصوت مراد وهو يقول :
-إيه دا بابا جيه !! مع إنه المفروض يوصل بعد تلات أيام .
ترك مراد إيمان وذهب لإستقبال والده ، قالت إيمان لنفسها :
-ودا ماله كدة داخل بزعابيه !!