
رواية عروستي ميكانيكي
الفصل العاشر والحادي عشر
بقلم سما نور الدين
استقبلت أصلي زوجها عند البوابة وهي تصيح به :
-اتأخرت ليه ؟ خلاص كتبوا الكتاب وبقت البتاعة دي مراته .
أسرعا كل من مراد وأخته نيرمين للحاق بوالدتهم التي وقفا خلفها وهي تشكو لسمير تأخره وتحكي له عما جرى من تلك الفتاة التي اقتحمت حياتهم .
تركت زهرة إبراهيم ليهدا قليلاً ثم اتجهت ناحية إيمان التي أمسكت بمرفقها وقالت وهي تمشي بجانبها ناحية عمها :
-تعالي سلمي على عمك سمير ، تقوليله إزيك ياعمي وحمدالله على السلامة وبس ، متقوليش حاجة تاني .
التفتت إيمان برأسها ناحية عمتها وقالت متسائلة :
-ليه يا عمتي هو مبيفهمش من العربي غير الكلمتين دول بس !!
وقفت زهرة وإيمان أمام سمير الذي توقف أمامهما ينظر إلى إيمان من أسفل لأعلي بكل ازدراء ، مدت إيمان يدها لتصافحه وهي تقول الإبتسامة تزين شفتيها :
-حمد الله على السلامة يا عمي .
وقفت أصلي ونيرمين بجانب سمير الذي وضع كلتا كفيه بجيبي بنطاله وقال بنبرة ساخرة :
-عمك !! عمك مين يا شاطرة ؟! أنتي مين يا بت أنتي وبتعملي هنا إيه ؟!!
صاحت به زهرة بصوت قوي خافت وهي تنظر حولها خوفاً من أن يسمع أحدهم ما يجري :
-سمير وطي صوتك !! إيه اللي بتقوله دا .
أخفضت إيمان يدها بجانبها وهي تقول بنبرة صوت واثقة قوية :
-عارف يا .. عمي ، لولا أنك عمي أنا كنت رديت عليك رد يلوحك ويزعلك ، بس أنا مش هعمل كدة ، مش عشانك ، لا عشان خاطر الراجل الكبير التعبان دا .
رفع سمير يده لكي يضربها بعد أن ارتسمت بملامحه علامات الغضب الشديد ولكنه وجد من يوقفها بالهواء عالياً ، كان إبراهيم يقف بقبالته وهو يقول بعد ما أنزل بيد عمه لأسفل :
-مش هسمحلك يا عمي تمد ايدك على مراتي ، واللي هي في الأصل بنت أخوك الله يرحمه ، يعني في مقام بنتك .
كذلك مراد الذي قال وهو يتلفت حوله :
-بابا من فضلك الناس بتبص علينا ، وجدي بيشاور من بعيد .
ضربت إيمان كتف إبراهيم باصبعها وقالت غاضبة :
-لا يا باشا بعد إذنك ، أنا أقدر أدافع عن نفسي تمام أوي ، سيبه سيبه خليه يوريني هيمد إيده عليا إزاي .
استدار إبراهيم لزوجته وقال أمراً إياها :
-إيمان اطلعي أوضتك دلوقتي ، وهنتفاهم كلنا بعدين .
حاوطتها عمتها بذراعيها وقالت وهي تحاول أن تسير بها :
-يالا حبيبتي ، يالا .
زمجرت إيمان وهي تحاول أن تتسمر مكانها فقالت :
-سيبيني يا عمتي الله يخليكي ، هو عشان شايفني بالفستان فاكرني إكسلانس ، لا ياعمتي دا أنا الاسطى إيمان .
جمعت زهرة كل قوتها لكي لا تدعها تفلت منها ويحدث ما لا يحمد عقباه ، دلفا الاثنتان لغرفة إيمان التي زفرت بصوت عال وضيق ملحوظ فقالت :
-أنا عايزة أمشي من هنا يا عمتي ، عايزة أرجع بلدي وبيتي .
صاحت بها عمتها وهي تهز كتفيها بقوة :
-مفيش حاجة اسمها عايزة أمشي من هنا ، لأن هنا بيتك زي ما هو بيتهم بالظبط ويمكن أكتر .
تهدلت كتفي إيمان واتجهت للفراش لتجلس فوقه وهي تقول بصوت حزين :
-أنا معرفش ليه قال كدة ، مع إني أول مشوفته لقيته فيه شبه من أبويا الله يرحمه ، اتصدمت فيه ، الله يسامحه..مع إني كنت ممكن أعملها معاه ، بس كويس إنك حوشتيني ، عشان خاطر جدي ، بس بردو أنا عايزة أمشي ، حلو أوي اللي حصل لغاية كدة .
جلست عمتها بجانبها تمسد فوق ظهرها بحنو وهي تقول :
-وتسيبيني وتسيبي جدك بعد ما اتعلقنا بيكي ، وجوزك إبراهيم .
التفتت إيمان برأسها بسرعة وحدة وهي تقول :
-جوزي !! جوز مين يا عمتي ، أنتي عارفة كويس أنها جوازة حلواني ، يعني شوية كدة وبخ .
ضاق ما بين حاجبي زهرة وقالت متعجبة :
-حلواني وبخ !! أنتي بتقولي إيه يا بنت ؟؟
مطت إيمان شفتيها وهبت لتقف أمامها ، مالت بجذعها وصفقت بكلتا كفيها وقالت :
-يعني جوازة أونطة ، حبة وقت وفينش finish ، وكل واحد يروح لحاله .
صدح صوت إبراهيم عالياً وهو يقول :
-ومين اللي هسيبك تروحي لحالك بعد ما بقيتي خلاص مراتي ، يعني أنا بس اللي أقول وأحكم ، فهمتي !!
تخصرت إيمان وهي تقف بقبالته وتقول بنبرة صوت قوية :
-لاااااا !! الكلام دا يا باشا عندها ، لكن عندي أنا ، تدوس فرامل وتقف انتباه ، أنا محدش يتحكم فيا لموأخذة .
اقترب إبراهيم منها وينظر لها بقوة قائلاً :
-اتأدبي وأنتي بتتكلمي معايا ، أنتي خلاص بقيتي مراتي ، يعني تحترمي نفسك .
رفعت سبابتها أمام وجه إبراهيم وهي تقول :
-أنا محترمة غصبن عن أي حد هنا ، وانسى خالص كلمة مراتي دي .
كانت العمة زهرة تريد أن تقف حائلاَ بينهما وهي تردد قائلة :
-اتفاهموا بالراحة يا ولاد .
لكن إبراهيم لم يدع لها فرصة بذلك عندما أمسك بكتفي إيمان ودفع بها ناحية الحائط وهو يقول :
-أنتي اللي غصبن عنك لازم تفهمي إنك بقيتي واحدة تانية غير اللي ساكنة بالحارة هناك ، أنتي هنا إيمان حرم إبراهيم بيه ، واللي على هذا الأساس هتتصرفي وهتكون حياتك الجديدة .
حاولت إيمان أن تتملص من بين يديه ولكن دون فائدة ، وقبل أن تصيح بوجهه ، دلفت دادة فاطمة وهي تقول :
-إبراهيم بيه الحقنا !! جدك تعب وبينادي عليك .
هرع إبراهيم مسرعاً ووراءه زهرة تارك ورائه إيمان التي تنظر للفراغ بأعين زائغة ، افترشت الأرض وهي تقول لنفسها :
-أنا بحلم !! أنا أكيد بحلم ، يمكن لما أقع الجزمة أصحى وأفوق من الكابوس دا .
نزعت الحذاء وهي تتأوه بشدة وتفرك أصابع قدميها وتقول :
-ملعون أبو الكعب العالي .
كانت دادة فاطمة تنظر لها بتعجب حتى قالت :
-حبيبتي مش هتنزلي تشوفي جدك .
رفعت إيمان رأسها وهبت لتقف وتقول وهي تهرول بعيداً عن غرفتها بعد أن استعادت وعيها كاملاً :
-يعنى حقيقة !! وبكل مرة يمسك فيا ويزعق في وشي ، ماشي حاضر لما نشوف آخرتها إيه مع الناس دي .
دلفت إيمان لغرفة جدها وهي حافية القدمين لتجدها مكتظة بالجميع ، والطبيب يقوم بفحص جدها النائم بفراشه ، اقتربت من فراش جدها لتجد من يصيح بها غاضباً :
-أنتي السبب في كل اللي بيحصل !!
أشارت لنفسها وهي تردد قوله بصوت ضعيف :
-أنا !!
فصاح إبراهيم بقوة وهو يقول :
-عمي من فضلك ، كلامك معايا أنا.
رفع الجد يده وهو يقول بصوت ضعيف :
-مش عايز حد في الأوضة غير إيمان وإبراهيم وسمير بس ، الكل يطلع برة ، يالا .
خرج الجميع من الغرفة وقبل أن تخطو زهرة خارجها ، قال الجد :
-استني يا زهرة .
هزت زهرة رأسها وأغلقت الباب ، قال الجد وهو يشير لهم :
-اقعدوا و اسمعوني كويس ، أنا كنت ناوي أكتب نص ثروتي بيع وشرا لابني أحمد الله يرحمه ، لكن بما إن قضاء الله كان أسرع مني ، أنا كتبتها باسم إيمان ، لأن هي الأحق بثروة أبوها كاملة .
هب سمير ليقف ويصيح :
-بتقول إيه يا بابا ، كتبت نص ثروتك لبنت جاية من الشارع ، منعرفش أصلها إيه !!
وقف إبراهيم ليقول بصوت قوي وهو يلوح بيده :
-أصلها تبقى بنت أخوك يا عمي ، ومش هسمح بأي كلمة تمسها أو تمس كرامتها ، لأن كرامة مراتي من كرامتي .
صاح به سمير وهو يضحك ضحكة ساخرة وقال :
-لا يا ابن أخويا ، المسألة مش مسألة كرامة ، المسألة إنك وافقت تتجوز واحدة زي دي عشان الثروة اللي بقت ملكها ، بس صدقني أنت أخدت أكبر مقلب في حياتك ، لأني مش هسمحلها تاخد قرش واحد منها .
ظهرت الصدمة بملامح إبراهيم والذي انقبض صدره خوفاً من أن تصدق إيمان قول عمها ، فقبل أن ينطق قال الجد بصوت هادئ مخيف :
-إيه يا سمير هتعملها إيه ، هتهددها بالقتل وتطردها زي ما عملت مع أبوها من تلات سنين لما جيه يزورني بالمستشفى وأنت منعته حتى يشوفني ، لولا إنك ابني أنا كنت اتصرفت معاك تصرف يخليك تندم ندم عمرك على تهديدك لأخوك .
ازدرد سمير ريقه بصعوبة وقال متلعثماً بكلماته :
-إيه !! يا بابا .. اللي بتقوله دا تهديد إيه ، أنا .. أنا !!
كانت إيمان تنتقل بعينيها بينهم بنظرات زائغة وفاه مفتوح ، لم تشعر بنفسها إلا وهي تقف وتتجه ناحية الباب ، ليصيح بها جدها قائلاً :
-إيمان !!
وقفت إيمان مكانها وقالت بصوت قوي وظهرها لهم جميعاً :
-أنا همشي من هنا ، أنا عايزة أروح بيتنا ، واللي خايف على عمره ميقربش ناحيتي .
الفصل الحادي عشرة:
صاح إبراهيم بصوت عال وهو يتجه إليها قبل أن تخرج من الباب :
-استني عندك .
توقفت إيمان بمكانها ، كان صدرها يعلو وينخفض وصوت لهاثها وصل لأذان إبراهيم الذي وقف بقبالتها بوجه جامد ليستطرد قوله بصوت حاد :
-على فين ؟؟ ولما جدك يكلمك تقفي وتسمعي .
كانت عينيها متسمرة لصدره وهي تسمعه ، رفعت عينيها الدامعة لتنظر إليه نظرة اتهام واضحة فقالت بصوت خافت قوي :
-اسمع أنا ماسكة أعصابي بالعافية ، جدك ونفذتله اللي هو عايزه وبقيت مراتك ، ودي أكبر غلطة أنا غلطتها بكل غباء ، لكن أنت !! أنت نفذتها بكل ذكاء عشان نص الثروة مضعيش من بين ايديكوا .
ظهرت معالم الغضب بوجه إبراهيم الذي أمسك بمرفقها وهزها بقوة وهو يقول :
-اخرسي !! أنا مضيت عقد الجواز قبل ما عرف أي حاجة عن الثروة ، مضينا أنا وأنتِ لو تفتكري بس عشان خاطر جدنا اللي كان بيموت قدامنا ودا كان طلبه الوحيد ولا نسيتي ، أنا معرفتش بموضوع الثروة غير النهاردة الصبح ، وجدك خيرني أقبل ولا لا ، وقبلت أكمل عشان أحميك مش عشان الثروة ، فهمتى !!
اهتزت حدقتيها قليلاً لشعروها بصدق قوله ولكنها نزعت مرفقها من قبضته وهي تقول بصوت عال :
-حتى لو كان كلامك صح ، أنا بردو عايزة أمشي من هنا ، مش عايزة أكون وسط عيلة هتحارب بعض عشان خاطر الفلوس ، عايزة أروح بيتي وورشتي وتنسوا خالص إنكوا شوفتوني أو عرفتوني زي ما أنا هنسى بالظبط .
اقترب بوجهه من وجهها وهو يقول بصوت عال :
-دا كان ممكن يحصل قبل ما تكوني مراتي ومسئولة مني .
وقبل أن ترد صاح عمهما سمير وهو يقول بثقة :
-الجوازة دي لازم تنتهي وفوراً ، والبنت اللي محدش عارف أصلها دي تمشي من هنا ، وكل الورق هيتقطع وبطلان الإجراءات أنا هتكفل بيه .
صاح به الجد بصوت قوي غاضب وهو يعتدل بجلوسه فوق الفراش :
-أنا هنا بس اللي أقول مين يقعد ومين يمشي ، فاهم !! إيمان حفيدتي ووريثة نص ثروتي اللي بقت من حقها دلوقتي ، ومحدش يقدر يقرب منها طول ما أنا عايش فاهم !!
توقف سمير أمام الفراش وهو يشير لإيمام ويقول :
-بابا أنا لاخر لحظة بخيرك يا أنا وعيلتي يا البنت دي .
وبملامح وجه جامدة قال الجد :
-حفيدتي مش هتبعد عني تاني ، ياريت ترجع لعقلك وتاخد بنت أخوك في حضنك وتعاملها زي بنتك ، يمكن تكفر على اللي عملته مع أبوها زمان .
اقترب سمير من إيمان التي تفاجئت إبراهيم الذي شبك أصابع كفها الصغير بأصابع يده ودفع بها لتكون وراءه ويقف هو بمجابهة عمهما الذي قال مهدداً الجميع :
-أنا قلت اللي عندي والثروة دي أنا هعرف ارجعها إزاي ، أنا حذرتكوا عشان بعد كدة محدش يلومني على اللي هعمله .
خرج من الغرفة تاركاً وراءه الجميع ينظر له بجمود وغضب ، استطرد سمير قوله بصوت قوي عال عندما التفت لزوجته التي جرت لوسط الصالة الكبيرة بعد وقوفها خلف الباب لتسمع ما يجري خلفه تكتم فاهها فور سماعها بضياع نصف الثروة من يد زوجها ويدها :
-حضري الشنط عشان هنمشي كلنا من هنا ، يالا يا نيرمين أنتي ومراد .
وقف مراد أمام أبيه وهو يقول :
-أسف يا بابا أنا مش همشي من هنا إلا لما أفهم.
اقترب منه سمير وقال :
-عايز تفهم إيه ؟؟عايز تفهم إن جدك كتب نص ثروته لواحدة من الشارع ، عايز تفهم إنه فضلها عليا أنا ابنه ، يالا اطلع حضر شنطتك .
تراجع مراد خطوتين للوراء وقال وهو يهز رأسه بالنفي :
-أسف يا بابا ، أنا مش هسيب جدي ولا هسيب البيت .
زفر سمير بضيق وضرب كتف مراد وهو يقول :
-اتفلق ، بكرة ترجعلي وساعتها هيكون حسابك معايا عسير .
وبداخل غرفة الجد اخفضت إيمان رأسها وحاولت أن تنزع يدها من براثن كف إبراهيم لتخرج من الغرفة ، ولكنه تشبث بها أكثر ، فرفعت عينيها لتنظر له بتعجب ، فقال لها :
-لازم تسمعي جدك عايز يقولك إيه .
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تنظر لجدها الذي حاول أن يشير لها بتردد ، تركها إبراهيم لتتقدم ناحية فراش جدها لتفاجئه بقولها :
-ليه ياجدي عملت كدة ، عمي كرهني أكتر من الأول لما عرف بموضوع الورث دا ، وبصراحة عنده حق ، أنا مش عايزة فلوس يا جدي ، أنا يكفيني عيلة تسأل عليا من وقت للتاني وبس ، أبوس إيدك فركش موضوع الثروة دي وياريت معاها موضوع الجواز بالمرة .
نظر لها إبراهيم شزراً وتنحنح بصوت عال وقال :
-استريح يا جدي دلوقتي حضرتك تعبان ، والكلام الكتير غلط عليك .
ربت الجد فوق الفراش وهو ينظر لإيمان حتى تجلس بجانبه ، استجابت لمطلبه وجلست فوضع كفه فوق كفها وهو يهمس لها بوجه باسم :
-لسة عنده ثقب بشخصيته ولا اتعالج خلاص .
وغصبن عنها ارتسمت شبح ابتسامة فوق شفتيها وانتقلت بعينيها بينهما ، فاقتربت بوجهها من وجه العجوز لتقول :
-الثقب بقى اتنين يا جدي .
ضحك الجد بصوت عال ليضيق ما بين حاجبي إبراهيم وهو يتسائل :
-بتقولوا إيه ؟!!
قال الجد وهو يشير له هو الأخر بالجلوس بجانبه :
-ولا حاجة تعال اقعد عشان عايزة أقول لإيمان حاجة مهمة ، وبما إنها بقت مراتك يبقى لازم تعرف أنت كمان أنا ليه كتبت نص ثروتي بإسم إيمان .
جلس إبراهيم على الجانب الآخر من الفراش ووجهه بقبالة جده ، ليستمع له وهو يقول :
-زمان دخلت صفقة كبيرة وللأسف خسرت بسببها تقريبا كل ثروتي واتاكدت إني هعلن إفلاسي ، ساعتها كان أبوكى يا إيمان بالجامعة بالسنة الأخيرة ، ساب دراسته ووقف جمبي ومسك الشركة المفلسة المديونة ، وبناها من أول وجديد ، كان بيشتغل ليل ونهار ، وبمجهوده وذكائه الشركة قامت وقويت وسددنا كل الديون ، وهي سنة واحدة ورجع للشركة اسمها وسمعتها ، وكل دا بفضل ربنا ثم أبوكى يا بنتي ، وبدل ما أكافئه طردته لما لقيته مصمم يتجوز والدتك ، سيبته للشارع من غير فلوس ولا سند ، لكن أول ما عرفت غلطتي وندمت ورجعت أدور عليه ، كان خلاص ضاع مني ، أنا السبب يا بنتي إن ابني حبيبي عاش فقير ومات فقير ، مع ان معظم الثروة دي هو السبب فيها .
أسرعت إيمان بقولها وهي تمسك كف العجوز بكلتا يديها :
-لا يا جدي ، أنا أبويا عاش راضي ومات سعيد ، ولو إننا كنا فقرا بجد لكن عمرنا ما حسينا بكدة يا جدي ، الحاجة اللي كانت غالية علينا كنا بنستغنها عنها و إحنا مبسوطين وراضيين .
هز الجد رأسه وقال بصوت حزين :
-الله يرحمه يا بنتي ، الثروة دي من حقك أنتي واوعي تقولي مش عايزاها ، فاهمة !!
هتفت إيمان بصوت قوي جاد :
-أنا فعلاً مش عايزاها ، الله الغني عنها وعن المشاكل اللي هتيجي من وراها .
تفاجئت بقول إبراهيم بصوت ساخر :
-في واحدة امبارح قالتلي إن أبوها رباها على إنها متسيبش حقها أبداً ، باين كدة يا جدي إن وقت الجد هتطلع جبانة وتهرب وتسيب حقها .
تنهدت إيمان بغيظ وهي تنظر له وقالت :
-اللهم طولك يا روح ، وبعدين بقى في جر الشكل دا ، غلطة كمان والثقب هيبقى تلاتة .
وقبل أن يرد إبراهيم قال الجد :
-استعدوا كلكم ، أسبوع واحد ونرجع مصر .
هبت إيمان لتقف وهي تصفق قائلة :
-قول والمصحف يا جدي ، أخيراً بس أسبوع دا كتير أوي مينفعش نسافر بكرة أخر النهار مثلاً .
التوت شفتي إبراهيم وقال :
بكرة أخر النهار إيه هو إحنا هنسافر بالأتوبيس .
نظر إبراهيم لجده واستطرد قوله :
-حاضر يا جدي ، هخلص الشغل الباقي وابتدي باجراءات السفر ، في حاجة تانية تؤمر بيها يا حبيبي .
ربت الجد على وجنته وهو يقول :
-لا حبيبي مش عايز حاجة تانية غير إنك تاخد بالك من بنت عمك .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وخرج هو وإيمان من غرفة الجد ، ليجدا عمهما وزوجته و ابنتهما بالقرب من باب البيت ، أسرع إبراهيم لعمه لردعه عما يفعله ولكنه وجده يرفض متابعة حديثه ويكمل تهديده عما سيفعله قريباً ، أسرعت إيمان لغرفتها هرباً من نظراتهم المليئة بالكره والغضب .
مر يومان وإيمان بهما تحاول الهرب من إبراهيم كلما حاول أن يتحدث معها ، كانت دائما تجلس بالمطبخ توطد علاقتها بدادة فاطمة وبقية الفتيات التي أحبوها كثيراً لعفويتها معهم .
حتى السائق إمام الذي كان يتوسل لها أن تخرج من الجراج بدون فائدة حتى أصبحا مثل زملاء مهنة واحدة كما قالت إيمان من قبل يتحدثان بأمور عدة منها السيارات ومنها أمنية ( إمام ) بارتباطه بعائشة فوعدته أن تجد طريقة يتحدث بها معها .
وأحياناً كانت تجلس بجوار عمتها تشاكسها لتسمع صوت ضحكاتها عالياً ، أو بغرفة جدها تسمع عن حياة أبيها القديمة وتحكي بدورها لجدها عن حياة أبيها معها و مع والدتها .
وباليوم الثالث شعرت بالملل فقررت الذهاب للجراج لعلها تجد ما يشغلها وعند وقوفها بالقرب من باب الجراج سمعت السائق إمام يتحدث عبر الهاتف عن لهفته للإشتراك بسباق السيارات الذي سيقام بينه وبين أصدقائه ، فاشتعل الحماس بداخلها دلفت مسرعة للداخل ، وقفت وراء السائق الذي أغلق هاتفه واستدار ليجد من تقف مسبكة ذراعيها أمام صدرها وابتسامة بلهاء تعلو وجهها ، فقال متعجباً :
-في حاجة يا آنسة إيمان .
هزت رأسها بالنفي حاول أن يتخطاها ليخرج فوقفت أمامه بتحفز تخطو مثله جانباً تارة يميناً وتارة شمالاً لتمنعه من المرور ، فقال بنبرة يشوبها الضيق :
-لو سمحتي يا آنسة إيمان عديني .
رفعت سبابتها وهي تقول مسرعة :
-هاجي معاك يا أسطي اؤمؤم .
اتسعت عينيه وهو يقول :
-تيجي معايا فين بس يا آنسه ؟
تأففت بضيق وقالت :
-في إيه يا أسطى اؤمؤم بس ، كل شوية آنسة آنسة ، أنا مش قلتلك إن إحنا زمايل كار واحد ، قولي يا أسطى إيمان ، وكمان أنا سمعتك وأنت بتكلم صاحبك وبتقوله أنك مستعد لسباق السيارات وإنك هتكحسهم كلهم النهاردة ، فخدني معاك اللهي تنستر .
رفع إمام كلتا كفيه وبنبرة استجداء قال :
-يا آنسة إيمان أتوسل إليك ، إبراهيم بيه لو عرف صدقيني المرادي هيقطع عيشي ، المرة اللي فاتت عدت على خير ، لكن المرادي فيها قطع رقابينا ، فلو سمحتي ياريت متدخليش الجراح تاني .
عاودت التأفف وصاحت بقولها الغاضب :
-أنت هتهددني يا أسطى اؤمؤم بالباشا بتاعك دا ، يكون في علمك أنا مبخافش من حد ، يا أسطى اؤمؤم المفروض تكون معايا أنا ، تكون حنيفي .
حك إمام رأسه وضاق مابين حاجبيه وقال ببلاهة :
-حنيفي !!
رفعت إيمان سبابتيها وضمتهما سوياً وقالت بثقة عارمة :
-أيوة يا أسطى اؤمؤم حنيفي ، يعني نبقى حونفا مع بعضينا .
اقترب بوجهه منها وهو يقول متسائلاً بتعجب :
-هو حضرتك لدغة في حرف اللام يا آنسة إيمان ، اسمها حليفي من حلفاء .
صفقت إيمان وهي تصيح بصوت عال :
-الله ينورررر عليك يا أسطى اؤمؤووم ، حلفااااا هي دي .
عاودت استطراد قولها :
-أنت دلوقتي رايح سباق يعني محتاج ميكانيكي معاك يشوفلك العربية ويكشفلك عليها قبل ما تركبها ، بالله عليك تاخدني ، أنا خلاص قربت أطق من القعدة في متحف الشمع دا ، ها هاتخدني معاك صح ؟؟
مر بجانبها وهو يقول بإصرار :
-أسف يا آنسة إيمان مقدرش سلام .
صاحت إيمان من وراء ظهره قبل أن يبتعد بضعة خطوات :
-على فكرة أنا اتكلمت مع عيشة عليك ، شكل الموضوع كبير ، بس أنت مش واخد بالك ، انسى بقى إني ادبرلك أي معاد معاها .
تسمر أمام مكانه ، تجهم وجهه واستدار اليها وقال بصوت خافت :
-على فكرة حضرتك ، دا يبقى اسمه ابتزاز ، ميصحش يا آنسه .
وضعت إيمان ذراعيها وراء ظهرها بعد ما أخفضت رأسها لأسفل ترسم بقدمها دوائر فوق الأرض وقالت بنبرة تهكمية ساخرة :
-والله يعني ياسطى اؤمؤم ، بسبس إيز بسبس ، والدنيا زي مابيقولوا ، شايلني وأشييلك .
تقدم إمام خطوتين وقال مستسلماً :
-اتفضلي حضرتك ، هاخدك معايا .
كادت أن تقفز بمكانها ولكنها أرادت أن تنتقم ولو قليلاً منه ، فرفعت أصابع كفها بجانب أذنها وقالت وهي تمثل دور البلاهة :
-معلش مش واخدة بالي ، قلت إيه ؟!!
زفر إمام بغيظ وتقدم خطوة واحدة أخرى وهو يقول من بين أسنانه :
-بقول لحضرتك اتفضلي تعالي معايا يا آنسة إيمان .
نظرت لأعلى وكأنها تفكر بأمر جلل ثم قالت :
-طب اتحايل عليا شوية ، أصل ماليش مزاج أخرج .
ضرب ( إمام ) جانبي أرجله بكلتا يديه وصاح قائلاً :
-والله حرام اللي بتعمليه فيا دا يا آنسة إيمان .
هزت إيمان رأسها وهي تضحك قائلة :
-طب خلاص خلاص ، يالا بينا .
كادا أن يقتربا من البوابة الكبيرة وقبل أن يجتازاها ، صاح صوت عال قوي :
-على فييين إن شاء الله !!
تسمرا الإثنان مكانهما بعد أن اغلقا أعينهما بنفس الوقت ، قالت إيمان من بين أسنانها بغيظ :
-نبرت فيها يا عم المنحوس ، أهو لا أنا ولا أنت خارجين منها ، كاتنا نيلة في حظنا الهباب .
اقترب إبراهيم منهما بخطوات واسعة تدب الأرض من تحته واستطرد قوله بقوة :
-قلت على فين يا آنسة أنتي وأسطى اؤمؤم بتاعك .
*****
#عروستى_ميكانيكى .الفصل الحادي عشرة:
صاح إبراهيم بصوت عال وهو يتجه إليها قبل أن تخرج من الباب :
-استني عندك .
توقفت إيمان بمكانها ، كان صدرها يعلو وينخفض وصوت لهاثها وصل لأذان إبراهيم الذي وقف بقبالتها بوجه جامد ليستطرد قوله بصوت حاد :
-على فين ؟؟ ولما جدك يكلمك تقفي وتسمعي .
كانت عينيها متسمرة لصدره وهي تسمعه ، رفعت عينيها الدامعة لتنظر إليه نظرة اتهام واضحة فقالت بصوت خافت قوي :
-اسمع أنا ماسكة أعصابي بالعافية ، جدك ونفذتله اللي هو عايزه وبقيت مراتك ، ودي أكبر غلطة أنا غلطتها بكل غباء ، لكن أنت !! أنت نفذتها بكل ذكاء عشان نص الثروة مضعيش من بين ايديكوا .
ظهرت معالم الغضب بوجه إبراهيم الذي أمسك بمرفقها وهزها بقوة وهو يقول :
-اخرسي !! أنا مضيت عقد الجواز قبل ما عرف أي حاجة عن الثروة ، مضينا أنا وأنتِ لو تفتكري بس عشان خاطر جدنا اللي كان بيموت قدامنا ودا كان طلبه الوحيد ولا نسيتي ، أنا معرفتش بموضوع الثروة غير النهاردة الصبح ، وجدك خيرني أقبل ولا لا ، وقبلت أكمل عشان أحميك مش عشان الثروة ، فهمتى !!
اهتزت حدقتيها قليلاً لشعروها بصدق قوله ولكنها نزعت مرفقها من قبضته وهي تقول بصوت عال :
-حتى لو كان كلامك صح ، أنا بردو عايزة أمشي من هنا ، مش عايزة أكون وسط عيلة هتحارب بعض عشان خاطر الفلوس ، عايزة أروح بيتي وورشتي وتنسوا خالص إنكوا شوفتوني أو عرفتوني زي ما أنا هنسى بالظبط .
اقترب بوجهه من وجهها وهو يقول بصوت عال :
-دا كان ممكن يحصل قبل ما تكوني مراتي ومسئولة مني .
وقبل أن ترد صاح عمهما سمير وهو يقول بثقة :
-الجوازة دي لازم تنتهي وفوراً ، والبنت اللي محدش عارف أصلها دي تمشي من هنا ، وكل الورق هيتقطع وبطلان الإجراءات أنا هتكفل بيه .
صاح به الجد بصوت قوي غاضب وهو يعتدل بجلوسه فوق الفراش :
-أنا هنا بس اللي أقول مين يقعد ومين يمشي ، فاهم !! إيمان حفيدتي ووريثة نص ثروتي اللي بقت من حقها دلوقتي ، ومحدش يقدر يقرب منها طول ما أنا عايش فاهم !!
توقف سمير أمام الفراش وهو يشير لإيمام ويقول :
-بابا أنا لاخر لحظة بخيرك يا أنا وعيلتي يا البنت دي .
وبملامح وجه جامدة قال الجد :
-حفيدتي مش هتبعد عني تاني ، ياريت ترجع لعقلك وتاخد بنت أخوك في حضنك وتعاملها زي بنتك ، يمكن تكفر على اللي عملته مع أبوها زمان .
اقترب سمير من إيمان التي تفاجئت إبراهيم الذي شبك أصابع كفها الصغير بأصابع يده ودفع بها لتكون وراءه ويقف هو بمجابهة عمهما الذي قال مهدداً الجميع :
-أنا قلت اللي عندي والثروة دي أنا هعرف ارجعها إزاي ، أنا حذرتكوا عشان بعد كدة محدش يلومني على اللي هعمله .
خرج من الغرفة تاركاً وراءه الجميع ينظر له بجمود وغضب ، استطرد سمير قوله بصوت قوي عال عندما التفت لزوجته التي جرت لوسط الصالة الكبيرة بعد وقوفها خلف الباب لتسمع ما يجري خلفه تكتم فاهها فور سماعها بضياع نصف الثروة من يد زوجها ويدها :
-حضري الشنط عشان هنمشي كلنا من هنا ، يالا يا نيرمين أنتي ومراد .
وقف مراد أمام أبيه وهو يقول :
-أسف يا بابا أنا مش همشي من هنا إلا لما أفهم.
اقترب منه سمير وقال :
-عايز تفهم إيه ؟؟عايز تفهم إن جدك كتب نص ثروته لواحدة من الشارع ، عايز تفهم إنه فضلها عليا أنا ابنه ، يالا اطلع حضر شنطتك .
تراجع مراد خطوتين للوراء وقال وهو يهز رأسه بالنفي :
-أسف يا بابا ، أنا مش هسيب جدي ولا هسيب البيت .
زفر سمير بضيق وضرب كتف مراد وهو يقول :
-اتفلق ، بكرة ترجعلي وساعتها هيكون حسابك معايا عسير .
وبداخل غرفة الجد اخفضت إيمان رأسها وحاولت أن تنزع يدها من براثن كف إبراهيم لتخرج من الغرفة ، ولكنه تشبث بها أكثر ، فرفعت عينيها لتنظر له بتعجب ، فقال لها :
-لازم تسمعي جدك عايز يقولك إيه .
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تنظر لجدها الذي حاول أن يشير لها بتردد ، تركها إبراهيم لتتقدم ناحية فراش جدها لتفاجئه بقولها :
-ليه ياجدي عملت كدة ، عمي كرهني أكتر من الأول لما عرف بموضوع الورث دا ، وبصراحة عنده حق ، أنا مش عايزة فلوس يا جدي ، أنا يكفيني عيلة تسأل عليا من وقت للتاني وبس ، أبوس إيدك فركش موضوع الثروة دي وياريت معاها موضوع الجواز بالمرة .
نظر لها إبراهيم شزراً وتنحنح بصوت عال وقال :
-استريح يا جدي دلوقتي حضرتك تعبان ، والكلام الكتير غلط عليك .
ربت الجد فوق الفراش وهو ينظر لإيمان حتى تجلس بجانبه ، استجابت لمطلبه وجلست فوضع كفه فوق كفها وهو يهمس لها بوجه باسم :
-لسة عنده ثقب بشخصيته ولا اتعالج خلاص .
وغصبن عنها ارتسمت شبح ابتسامة فوق شفتيها وانتقلت بعينيها بينهما ، فاقتربت بوجهها من وجه العجوز لتقول :
-الثقب بقى اتنين يا جدي .
ضحك الجد بصوت عال ليضيق ما بين حاجبي إبراهيم وهو يتسائل :
-بتقولوا إيه ؟!!
قال الجد وهو يشير له هو الأخر بالجلوس بجانبه :
-ولا حاجة تعال اقعد عشان عايزة أقول لإيمان حاجة مهمة ، وبما إنها بقت مراتك يبقى لازم تعرف أنت كمان أنا ليه كتبت نص ثروتي بإسم إيمان .
جلس إبراهيم على الجانب الآخر من الفراش ووجهه بقبالة جده ، ليستمع له وهو يقول :
-زمان دخلت صفقة كبيرة وللأسف خسرت بسببها تقريبا كل ثروتي واتاكدت إني هعلن إفلاسي ، ساعتها كان أبوكى يا إيمان بالجامعة بالسنة الأخيرة ، ساب دراسته ووقف جمبي ومسك الشركة المفلسة المديونة ، وبناها من أول وجديد ، كان بيشتغل ليل ونهار ، وبمجهوده وذكائه الشركة قامت وقويت وسددنا كل الديون ، وهي سنة واحدة ورجع للشركة اسمها وسمعتها ، وكل دا بفضل ربنا ثم أبوكى يا بنتي ، وبدل ما أكافئه طردته لما لقيته مصمم يتجوز والدتك ، سيبته للشارع من غير فلوس ولا سند ، لكن أول ما عرفت غلطتي وندمت ورجعت أدور عليه ، كان خلاص ضاع مني ، أنا السبب يا بنتي إن ابني حبيبي عاش فقير ومات فقير ، مع ان معظم الثروة دي هو السبب فيها .
أسرعت إيمان بقولها وهي تمسك كف العجوز بكلتا يديها :
-لا يا جدي ، أنا أبويا عاش راضي ومات سعيد ، ولو إننا كنا فقرا بجد لكن عمرنا ما حسينا بكدة يا جدي ، الحاجة اللي كانت غالية علينا كنا بنستغنها عنها و إحنا مبسوطين وراضيين .
هز الجد رأسه وقال بصوت حزين :
-الله يرحمه يا بنتي ، الثروة دي من حقك أنتي واوعي تقولي مش عايزاها ، فاهمة !!
هتفت إيمان بصوت قوي جاد :
-أنا فعلاً مش عايزاها ، الله الغني عنها وعن المشاكل اللي هتيجي من وراها .
تفاجئت بقول إبراهيم بصوت ساخر :
-في واحدة امبارح قالتلي إن أبوها رباها على إنها متسيبش حقها أبداً ، باين كدة يا جدي إن وقت الجد هتطلع جبانة وتهرب وتسيب حقها .
تنهدت إيمان بغيظ وهي تنظر له وقالت :
-اللهم طولك يا روح ، وبعدين بقى في جر الشكل دا ، غلطة كمان والثقب هيبقى تلاتة .
وقبل أن يرد إبراهيم قال الجد :
-استعدوا كلكم ، أسبوع واحد ونرجع مصر .
هبت إيمان لتقف وهي تصفق قائلة :
-قول والمصحف يا جدي ، أخيراً بس أسبوع دا كتير أوي مينفعش نسافر بكرة أخر النهار مثلاً .
التوت شفتي إبراهيم وقال :
بكرة أخر النهار إيه هو إحنا هنسافر بالأتوبيس .
نظر إبراهيم لجده واستطرد قوله :
-حاضر يا جدي ، هخلص الشغل الباقي وابتدي باجراءات السفر ، في حاجة تانية تؤمر بيها يا حبيبي .
ربت الجد على وجنته وهو يقول :
-لا حبيبي مش عايز حاجة تانية غير إنك تاخد بالك من بنت عمك .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وخرج هو وإيمان من غرفة الجد ، ليجدا عمهما وزوجته و ابنتهما بالقرب من باب البيت ، أسرع إبراهيم لعمه لردعه عما يفعله ولكنه وجده يرفض متابعة حديثه ويكمل تهديده عما سيفعله قريباً ، أسرعت إيمان لغرفتها هرباً من نظراتهم المليئة بالكره والغضب .
مر يومان وإيمان بهما تحاول الهرب من إبراهيم كلما حاول أن يتحدث معها ، كانت دائما تجلس بالمطبخ توطد علاقتها بدادة فاطمة وبقية الفتيات التي أحبوها كثيراً لعفويتها معهم .
حتى السائق إمام الذي كان يتوسل لها أن تخرج من الجراج بدون فائدة حتى أصبحا مثل زملاء مهنة واحدة كما قالت إيمان من قبل يتحدثان بأمور عدة منها السيارات ومنها أمنية ( إمام ) بارتباطه بعائشة فوعدته أن تجد طريقة يتحدث بها معها .
وأحياناً كانت تجلس بجوار عمتها تشاكسها لتسمع صوت ضحكاتها عالياً ، أو بغرفة جدها تسمع عن حياة أبيها القديمة وتحكي بدورها لجدها عن حياة أبيها معها و مع والدتها .
وباليوم الثالث شعرت بالملل فقررت الذهاب للجراج لعلها تجد ما يشغلها وعند وقوفها بالقرب من باب الجراج سمعت السائق إمام يتحدث عبر الهاتف عن لهفته للإشتراك بسباق السيارات الذي سيقام بينه وبين أصدقائه ، فاشتعل الحماس بداخلها دلفت مسرعة للداخل ، وقفت وراء السائق الذي أغلق هاتفه واستدار ليجد من تقف مسبكة ذراعيها أمام صدرها وابتسامة بلهاء تعلو وجهها ، فقال متعجباً :
-في حاجة يا آنسة إيمان .
هزت رأسها بالنفي حاول أن يتخطاها ليخرج فوقفت أمامه بتحفز تخطو مثله جانباً تارة يميناً وتارة شمالاً لتمنعه من المرور ، فقال بنبرة يشوبها الضيق :
-لو سمحتي يا آنسة إيمان عديني .
رفعت سبابتها وهي تقول مسرعة :
-هاجي معاك يا أسطي اؤمؤم .
اتسعت عينيه وهو يقول :
-تيجي معايا فين بس يا آنسه ؟
تأففت بضيق وقالت :
-في إيه يا أسطى اؤمؤم بس ، كل شوية آنسة آنسة ، أنا مش قلتلك إن إحنا زمايل كار واحد ، قولي يا أسطى إيمان ، وكمان أنا سمعتك وأنت بتكلم صاحبك وبتقوله أنك مستعد لسباق السيارات وإنك هتكحسهم كلهم النهاردة ، فخدني معاك اللهي تنستر .
رفع إمام كلتا كفيه وبنبرة استجداء قال :
-يا آنسة إيمان أتوسل إليك ، إبراهيم بيه لو عرف صدقيني المرادي هيقطع عيشي ، المرة اللي فاتت عدت على خير ، لكن المرادي فيها قطع رقابينا ، فلو سمحتي ياريت متدخليش الجراح تاني .
عاودت التأفف وصاحت بقولها الغاضب :
-أنت هتهددني يا أسطى اؤمؤم بالباشا بتاعك دا ، يكون في علمك أنا مبخافش من حد ، يا أسطى اؤمؤم المفروض تكون معايا أنا ، تكون حنيفي .
حك إمام رأسه وضاق مابين حاجبيه وقال ببلاهة :
-حنيفي !!
رفعت إيمان سبابتيها وضمتهما سوياً وقالت بثقة عارمة :
-أيوة يا أسطى اؤمؤم حنيفي ، يعني نبقى حونفا مع بعضينا .
اقترب بوجهه منها وهو يقول متسائلاً بتعجب :
-هو حضرتك لدغة في حرف اللام يا آنسة إيمان ، اسمها حليفي من حلفاء .
صفقت إيمان وهي تصيح بصوت عال :
-الله ينورررر عليك يا أسطى اؤمؤووم ، حلفااااا هي دي .
عاودت استطراد قولها :
-أنت دلوقتي رايح سباق يعني محتاج ميكانيكي معاك يشوفلك العربية ويكشفلك عليها قبل ما تركبها ، بالله عليك تاخدني ، أنا خلاص قربت أطق من القعدة في متحف الشمع دا ، ها هاتخدني معاك صح ؟؟
مر بجانبها وهو يقول بإصرار :
-أسف يا آنسة إيمان مقدرش سلام .
صاحت إيمان من وراء ظهره قبل أن يبتعد بضعة خطوات :
-على فكرة أنا اتكلمت مع عيشة عليك ، شكل الموضوع كبير ، بس أنت مش واخد بالك ، انسى بقى إني ادبرلك أي معاد معاها .
تسمر أمام مكانه ، تجهم وجهه واستدار اليها وقال بصوت خافت :
-على فكرة حضرتك ، دا يبقى اسمه ابتزاز ، ميصحش يا آنسه .
وضعت إيمان ذراعيها وراء ظهرها بعد ما أخفضت رأسها لأسفل ترسم بقدمها دوائر فوق الأرض وقالت بنبرة تهكمية ساخرة :
-والله يعني ياسطى اؤمؤم ، بسبس إيز بسبس ، والدنيا زي مابيقولوا ، شايلني وأشييلك .
تقدم إمام خطوتين وقال مستسلماً :
-اتفضلي حضرتك ، هاخدك معايا .
كادت أن تقفز بمكانها ولكنها أرادت أن تنتقم ولو قليلاً منه ، فرفعت أصابع كفها بجانب أذنها وقالت وهي تمثل دور البلاهة :
-معلش مش واخدة بالي ، قلت إيه ؟!!
زفر إمام بغيظ وتقدم خطوة واحدة أخرى وهو يقول من بين أسنانه :
-بقول لحضرتك اتفضلي تعالي معايا يا آنسة إيمان .
نظرت لأعلى وكأنها تفكر بأمر جلل ثم قالت :
-طب اتحايل عليا شوية ، أصل ماليش مزاج أخرج .
ضرب ( إمام ) جانبي أرجله بكلتا يديه وصاح قائلاً :
-والله حرام اللي بتعمليه فيا دا يا آنسة إيمان .
هزت إيمان رأسها وهي تضحك قائلة :
-طب خلاص خلاص ، يالا بينا .
كادا أن يقتربا من البوابة الكبيرة وقبل أن يجتازاها ، صاح صوت عال قوي :
-على فييين إن شاء الله !!
تسمرا الإثنان مكانهما بعد أن اغلقا أعينهما بنفس الوقت ، قالت إيمان من بين أسنانها بغيظ :
-نبرت فيها يا عم المنحوس ، أهو لا أنا ولا أنت خارجين منها ، كاتنا نيلة في حظنا الهباب .
اقترب إبراهيم منهما بخطوات واسعة تدب الأرض من تحته واستطرد قوله بقوة :
-قلت على فين يا آنسة أنتي وأسطى اؤمؤم بتاعك .