
رواية عروستي ميكانيكي
الفصل الرابع والخامس والسادس
بقلم سما نور الدين
كان الطبيب بغرفة الجد العجوز يحاول أن يقنع الجد بأن ما يطلبه لا يصح ، فقال الطبيب يستجدي العجوز أن يستعب :
-ياحافظ مينفعش اللي بتطلبه دا ، الحمد لله أنت بدأت تستعيد صحتك وبقيت أحسن من الأول ، ليه أكدب وأقولهم إن حالتك بتسوء ، ضميري المهني ميسمحليش أبدا باللي بتطلبه مني دا .
اعتدل الجد العجوز بجلسته فوق الفراش وقال بغيظ من بين أسنانه :
-ياغبي أنا مش بطلب منك كطبيب أنك تكدب ، أنا بطلب منك كصديق العمر أنك تساعدني ، أحفادي لو حسوا إني بقيت كويس ، هيرفضوا وبضمير مرتاح أي طلب أطلبه منهم ، لكن لو عرفوا إني خلاص بحتضر ، هيوافقوا على طول باللي أنا عايزه ، واللي هو في الأول وفي الأخر لمصلحتهم ، فهمت ؟
تنهد الطبيب بيأس واستسلام وقال :
-حاضر ياحافظ ، هكدب وهعمل اللي أنت عايزه وربنا يسامحني .
*****
أثناء ذلك بالجراج :
انتفضت ايمان وهي راقدة تحت السيارة عندما سمعت صراخ إبراهيم بها ، فارتطم رأسها بخزان زيت الموتور ، همست لنفسها قائلة بغضب وغيظ :
-ااااه...ياولاد ال ..
صاح إبراهيم قائلاً :
-قلت اطلعيييي .
سحبت نفسها من أسفل السيارة وهبت واقفة تهندم من نفسها ، تنظر لمن ينظر لها شزراً وكأن نظراته كسهام نارية تريد أن تحرقها ، صاحت وهي تلوح بيدها وتمسد جبهتها بيدها الأخرى :
-إيييييه !! في إيييه !! القيامة قامت .
نظر لها ابراهيم بإشمئزاز من أسفل لأعلى ، ثم استقر بعينيه على وجهها الملطخ باللون الأسود ، اقترب منها تاركاً وراءه السائق ( إمام ) متسمراً مكانه وخافضاً رأسه لأسفل .
قال إبراهيم بصوت حاد أحش وهو يدور حولها ويشير لها بإصبعه من أسفل لأعلى :
-ممكن أفهم إيه اللي جابك هنا ؟؟ وبتعملي إيه تحت العربية ، والأهم من كدا ، ايه شكلك المزري دا ؟!
قطبت جبينها ونظرت بتعجب للسائق إمام الذي رفع رأسه ينظر لها بحسرة ولوم ، ققالت بتساؤل :
-إيه مورزي دي !! شتيمة دي ولا إيه ؟؟
اتسعت أعين إمام وأسرع بخفض رأسه لأسفل مرة أخرى ، فصاح إبراهيم بجانب أذنها :
-هو دا اللي هامك ، مش واخدة بالك أنك موجودة في مكان مش مكانك ، مش واخدة بالك أنك بتنزلي من نفسك ومن لقب عيلتك من اللي أنتي عاملاه في نفسك دا .
وكأنها لم تستعب مغزى كلماته اللاذعة فما كان منها إلا صياحها :
-الحق عليا ياباشا إني صلحت العربية ، اللي لو كنتو جيبتوا ميكانيكي غريب من برة كان خد منكو الشيء الفولاني ، دا بدل ماتقولي شكراً يا أسطى إيمان وتعزم عليا بكوباية شاي .
الغضب بكلتا كفيه ، وقف إبراهيم بقبالتها ونظر لها من أعلى وهو يصرخ بوجهها :
-أسطى إيمان دي هناك في الحارة ، لكن هنا أنتي إيمان هانم يعني تتصرفي زي هوانم البيت دا ، فااهمة يا هااانم .
نظرت له بتحدي واضح وقالت بصوت حاد :
-الهااانم دي يا باشا تبقى ..
ظهر الغضب الأسود بوجه إبراهيم واتسعت عيناه واقترب بوجهه من وجهها تحدياً منه لها أن كانت تملك الجرأة لتكمل جملتها .
أغمضت إيمان عينيها وزفرت بضيق وهي تهز برأسها وقالت :
-أستغفر الله العظيم ، بص ياباشا هي شكلها مش نافع ، أنا هروح أجيب شنطة هدومي ، وزي ماجيبتوني هنا ترجعوني ، وخالتي وخالتك واتفرقت الخالات .
وبملامح وجه جامد وصوت حاد قال إبراهيم :
-الكلام دا تقوليه لجدك اللي بعت وجابك هنا ، هو بس اللي يقرر إذا كنتي تقعدي ولا تمشي ، أما عني أنا ، فياااريت والله ، وممكن أوصلك للمطار بنفسي لو حبيتي .
شعرت بغصة مريرة بحلقها وزحف بعض الحزن ليملأ عينيها وهي تسمع كلماته وبوجودها الغير مرغوب به ، شعرت وكأنه يطردها بطريقة غير مباشرة .
مرت من جانبه تسرع بخطواتها لتخرج من الجراج دون أن تنتبه للسائق الذي كان يرمقها بنظرات تجلى بها الحزن :
صاح إبراهيم غاضباً بالسائق :
-وأنت حسابك معايا هيكون عسير .
وصل لأذان إيمان تهديد إبراهيم لإمام قبل أن تخرج ، فرفعت رأسها لأعلي بعد ما كانت تمشي بتخاذل واضح ، فالتفتت ترجع إليهما تصيح بوجه ابن عمها وعريسها المنتظر :
-اسطى اؤمؤم مالوش دعوة ، أنا اللي صممت اصلح العربية ، يعني من الأخر كدة مالكش أنك تحاسبه .
أخذ لهاث إبراهيم تزداد سرعته ، اقترب منها حتى أصبح لا يفصل بينهما إلا انشات قليلة ، وثم أشار لباب البيت وهو يقول بصوت حاد غاضب مانعاً نفسه بشق الأنفس عن كسر رأسها :
-امشي ع البيت وإلا هكسر دماغك ، يالاااا !!
انتفضت للوراء خطوتين وبلعت ريقها بصعوبة فالأول مرة تشعر ببعض الخوف ، ولكنها عاندت وتجلدت لتطرد هذا الشعور من داخلها ، فتخصرت وقالت بتحدي :
-ولو مشيتش هتعمل إيه يعني ، اللي في قلعك انفضه ، يا باااشا .
قالت كلمتها الأخيرة بنبرة ساخرة واضحة ، فأغمض السائق عينيه ، أما إبراهيم فبركان غضبه كان على حافة الإنفجار ، فمال بجزعه يحمل عروسه فوق كتفه .
شهقت إيمان بعد ما وجدت نفسها محمولة مثل شوال البطاطا ، فأخذت تصرخ قائلة وهي تضرب ظهر إبراهيم بقبضتها :
-يانهار أسوح ومنيل ، أنت شيلتني ، يعني أنت دلوقتي شايلني ، طب والنعمة ل ..
صرخ بها إبراهيم وهو يضربها بكف يده فوق مؤخرتها :
-اخرسي !! مسمعش صوتك .
تأوهت إيمان بصوت عال وعاودت الصراخ مرة أخرى قائلة :
-بتتحرش بيا !! طب وربنا ماهسيبك .
أخذت تحاول بقوة النزول من فوق كتف إبراهيم ولكن باءت محاولاتها بالفشل ، فأخذت تصرخ بقولها :
-نزلني ، نزلني لحسن والمصحف هقلب الدنيا عليك ، نزلننننني !!
دخل إبراهيم وهو مكفهر الوجه وعلى أثر صراخها العال اجتمع كل من بالبيت ليقفوا أمامها وعلامات الذهول تفترش وجوههم جميعاً .
أنزلها أمامهم ودفع بها إليهم ، تماسكت لتقف معتدلة ثابتة وبوجه يسوده احمرار الغضب صاحت وهي تشير له بإصبعها محذرة إياه :
-عليا النعمة من نعمة ربي لو كررتها تاني ل ..
اقترب إبراهيم منها والشراسة تفترش ملامح وجهه قائلا بصوت قوي :
-ل إيه ؟؟ انطقي !! أنا اللي بحذرك لو شوفتك دخلتي الجراج دا تاني هكسر رجلك .
اتسع فاه إيمان وعيناها سوياً فقالت وهي تشير لنفسها بيدها :
-أنت !! تكسر رجلي أنا ، دا أنت لعبت بعداد عمرك دلوقتي .
صرخت العمة زهرة بعد أن وقفت بينهما :
-بس كفااااية !! إيه اتجننتوا خلاص ، مش عاملين أي حساب أو اعتبار لجدكوا المريض أو حتى ليا .
صاحت إيمان :
-أنا ماشية ياعمتي ، سايباها مخضرة للباشا يبرطع فيها .
كان الطبيب بداخل غرفة الجد رافعاً حاجبيه بتعجب لسماعه أصوات الشجار بالخارج ، فقال العجوز :
-سمعت بودنك ، عرفت أنا طلبت منك تكدب ليه ، لأنهم شوية ويأكلوا بعض ، والعيلة تتشتت في الأخر .
هز الطبيب رأسه بالإيجاب متفهماً لما سمعه من الجانبين .
فى تلك الأثناء :
اقترب إبراهيم وقبل أن يصرخ هو الأخر ، خرج الطبيب مسرعاً من غرفة الجد وقال بصوت عال :
-مش معقول يا مدام زهرة اللي بسمعه دا ، زعيق وخناق ، حالة السيد حافظ بتسوء كل يوم عن اليوم اللي قبله ، واللي بيحصل دا أكيد هيعجل بالأسوء لا سمح الله .
صاح إبراهيم وهو ينظر لإيمان :
-عاجبك كدة !! أنتي السبب في اللي بيحصل دا كله .
تعجبت إيمان وقالت وهي تحاول أن تتماسك برباطة جأشها :
-وبعدين بقى في رمي الجتت وجر الشكل دااا ، ابعد عني يابن الحلال أحسنلك .
صاحت زهرة وهي تقول :
-قلت بس منك ليها .
جرت زهرة ناحية الطبيب وهي تقول :
أرجوك طمني يا دكتور ، بابا ماله .
أمسك الطبيب بنظارته وحاول تمثيل الدور باتقان ، فأخفض رأسه لأسفل وقال بصوت حزين :
-للأسف مع تطور الحالة بهذا الشكل ، هتكون فكرة وجوده بالمستشفى قائمة بنسبة كبيرة نظراً لتدهور حالة المريض .
اقتربت إيمان من الطبيب وقالت :
-يا عم الداكتور ماترد على عمتي وتقولها جدي صابه إيه .
رفع الطبيب رأسه مستعجباً مما سمعه وقال :
-يابنتي ما أنا قلت كل حاجة .
أسرعت إيمان بقولها غير عابئة بزفرات الضيق من حولها :
-شرحت إيه بس يادكترة ، إحنا ولا فهمنا أيتوها كلمة من اللى رصيتهم دلوقتي .
نظرت إيمان لعمتها وقالت متسائلة بجدية :
-أنتي فهمتي حاجة يا عمتي من اللعبكة اللي قالها عم الداكتور دا .
تأففت زهرة بضيق وقالت :
-اسكتي يا إيمان .
استطردت زهرة قولها وهي تنظر للطبيب :
-أنا ممكن أدخل اشوفه و أطمن عليه .
ردد الطبيب :
-هو طالب يشوف إبراهيم وعروسته .
صاحت إيمان وهي تضرب كفيها ببعض :
-يادي النيلة على عروسته واليوم اللي جت فيه عروسته ، كانت ساعة ما يعلم بيها غير ربنا لما خطيت برجلي عتبة البيت دا ، بص يادكترة أنا هدخل أسلم على الحج وامشي من هنا ، وربنا يتولانا جميعاً برحمته إن شاء الله .
نكزتها زهرة بكتفها وهي تقول غاضبة :
-بس يابنت !! اسكتي شوية ، اسمعي الكلام وادخلي لجدك أنتي و إبراهيم ، يالا .
اقترب إبراهيم من الطبيب بعد أن رمق إيمان بنظرات غاضبة نارية ، وقال :
-لو سمحت يا دكتور ، هي فهلا حالة جدي بتسوء ، أنا كنت معاه من قبل ماتيجي وكان بيتكلم معايا كويس .
تنحنح الطبيب وزاغ ببصره بعيداً عن أعين إبراهيم وقال :
-ادخل دلوقتي ، وبعدين هشرحلك الحالة بالتفصيل .
دلف كل من إبراهيم وإيمان للغرفة ، اقترب إبراهيم مسرعاً لفراش جده جاثياً فوق ركبتيه ، وهو يقول :
-مالك بس ياجدي ، دا حضرتك من نص ساعة بس كنت بتتكلم معايا كويس جداً .
أخذ الجد يسعل عدة مرات ثم قال بصوت خافت واهن :
-مقدرتش أستحمل يابني وأنا شايفك وسامعك عايز تخالف أخر طلب ليا في الدنيا ، دا أنت اللي هتمسك زمام العيلة بعد ماموت يابني .
أسرع إبراهيم قائلاً :
-أسف ياجدي ، أسف .. طلباتك أوامر وهنفذ كل اللي تطلبه .
نظر الجد بتعجب لإيمان الواقفة على الجانب الأخر من الفراش وقال :
-إيه يابنتي اللي في وشك دا .
مسحت إيمان وجهها بكفها وهي تقول بأريحية تامة :
-مفيش ، دا أنا كنت بصلح العربية تبعكم اللي في الجراج .
لم يعر الجد اهتمامه لما قالته واستطرد قوله بضعف ووهن :
-لسة عايزة تمشي زي ماسمعتك وأنتي بتزعقي برة ، و تسيبي جدك يموت وهو زعلان منك .
مطت إيمان شفتيها للأمام وقالت من بين أسنانها وهي تنظر شزراً لإبراهيم :
-بعد الشر عليك ياحج ، قصدي ياجدي ، حاضر الأمر لله ، شد حيلك أنت بس وكل اللي هتقوله هنفذه .
فرح الجد كثيراً وقال :
-أنا كدة فعلاً ارتاحت ، كلها ساعة بالظبط وييجي المحامي عشان الإجراءات زي مقولتلكوا ، نادي لعمتك زهرة يابنتي .
مشت إيمان وخطواتها تدب الارض من تحتها بقوة ، شد إبراهيم على كف جده ثم قبله وقال :
-أسف ياجدي لو كان كلامي زعلك ، متقلقش كل اللي أنت عايزه هيحصل .
اتسعت ابتسامة الجد فرحاً بنجاح خطته وأكثر سعادة بحب حفيده العارم له ، خرجت إيمان من الغرفة وهي تتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة ، وجدت الجميع يقترب منها مسرعين فأوقفتهم بيدها وهي تصيح :
-إييه!!! حاسبوا هتدوسوني ، اطمنوا اطمنوا ، الحج بخير وطالب يشوفك ياعمتي .
أسرعت زهرة بالدخول لغرفة أبيها ، تاركة إيمان تصيح للواجمين أمامها :
-إيييه !! خلاص فضيناها ، كله على مكانه .
سمعت بأذنيها همهمات اعتراضية بلغة غريبة من زوجة عمها وابنتها ، ولكنها نظرت باستغراب للشاب الغريب الماثل أمامها والذي تراه لأول مرة ، كان الشاب واقفاً يتفحصها بدقة .
اقترب الشاب منها وبوجهه ترتسم ابتسامة عابثة وقال وهو يمد لها يده بالسلام :
-أهلا بيكي .
نظرت إيمان ليده الممدودة ثم رفعت عينيها لأعلى تنظر إليه ، تركته على وضعه واقتربت من دادة فاطمة الواقفة بجانبها وقالت متسائلة بجانب أذنها :
-ويبقى مين النحنوح دا ؟!!
الفصل الخامس
وضعت دادة فاطمة يدها فوق فمها لتمنع ضحكتها فور سماعها كلمة نحنوح ، قالت وهي تميل ناحية أذن إيمان :
-دا يبقى مراد بيه ابن أصلي هانم وعمك سمير بيه .
هزت إيمان رأسها من أعلى لأسفل وقالت غير مبالية به :
-أااه ، طيب .
وعندما خطت ناحية السلم وقف مراد أمامها يعوقها عن الإستمرار ، وقال وهو باسم الوجه وبصوت هادئ معاوداً مد يده لها لمصافحتها مرة ثانية :
-مش عايزة تسلمي عليا ليه ؟! أنا مراد سمير ابن عمك .
نظرت ليده ثم رفعت نظرها لوجهه وقالت وهي تصافحه :
-وماله نسلم ، منسلمش ليه ، مرحب ياكابتن .
نظر مراد بإنزعاج واشمئزاز ليده التي تلطخت باللون الأسود ، فنظرت إيمان ليده وقالت بأريحية :
-لموأخذة ياكابتن متقلقش ، بشوية جاز حلوين ، هتنضف وتبقى فلة .
ارتسمت فوق شفتي مراد ابتسامة سمجة كاذبة وقال بتلعثم :
-أيوة ، طبعاً .
استطرد قوله بعد أن اقترب منها ينظر إليها نظرات إعجاب عابثة :
-سعيد جداً بالمفأجاة دي ، مكنتش أعرف إن ليا بنت عم حلوة كدة .
ضاق ما بين حاجبي إيمان ومالت شفتيها جانباً وهي تنظر له بغضب وتعجب ، وقبل أن تنطق وجدت مراد ينتفض أمامها بعد أن ضرب إبراهيم كتفه بقوة وهو يقول :
-اديك عرفت والمفأجاة الأكبر بقى لما تعرف إن بنت عمك الحلوة دي تبقى خطيبتي ، وبكرة كمان كتب الكتاب ، إيه رأيك بالمفأجات دي ، أكيد هتنفجر من السعادة ، صح يا ابن عمي .
زاغ بصر مراد وهو ينتقل بعينيه بينهما ، تلكأ بكلماته وهو يقول :
-النهاردة يوم المفاجات ، مبروك .
صاحت أصلي بفزع من ورائهم بعد أن تأكدت من الخبر فور سماعها لحديث إبراهيم :
-مستحيييل إبراهيم ، مستحيل اللي سمعته منك دا ، أنا مصدقتش لما نيرمين قالتلي ، قلت أكيد البنت العجيبة دي بتكدب أو بتخرف .
ظهرت معالم الغضب فوق ملامح وجهها وقالت بصوت حاد وهي تقترب من زوجة عمها :
-هي مين دي اللي عجيبة وبتكدب وبتخرف ؟؟تقصديني أنا ياست فصل تالتة تالت أنتي ، لاااااا بقولك إيه ، حاسبي ع كلامك ، لحسن أنتي متعرفنيش وقت ماتقوم الجنونة .
اتسعت أعين أصلي وتراجعت خطوة للوراء بعد ما شهقت ووضعت كفها فوق فمها .
أمسك إبراهيم بمرفق إيمان ومشى بها باتجاه السلم وهو يقول :
-اطلعي على أوضتك دلوقتي ، وياريت ماسمعش صوتك لغاية ما ييجي المحامي .
نفضت إيمان ذراعها بقوة من قبضة إبراهيم وهي تصيح به :
-سيب دراعي !! وأخر مرة تمسكني كدة وإلا وعزة جلال الله ماهعمل حساب حاجة أو حد ، هو في ايه !
اقترب إبراهيم بوجهه من وجهها الغاضب وقال بصوت قوي جامد :
-في إنك طايحة في الكل من أول ما وصلتي ، في إن جدك بيموت جوة وأنتي مش هامك ، في إنك لازم تفهمي إنك مابقتيش أسطى إيمان ، وإنك دلوقتي بقيتي إيمان هانم بنت الأصول ، حفيدة حافظ بيه ، رجل الأعمال المعروف ، وهتكوني بكرة وللاسف زوجة إبراهيم حافظ بيه .
هذه المرة اقتربت إيمان منه أكثر حتى أصبح مايفصل بينهما إنشات بسيطة وقالت وهي ترفع عينها ، تنظر له بتحدي وهي تشير له بسبابتها :
-أهو كل الكلام اللي أنت قلته دا مايدخلش ولا يكيف دماغي ببصلة حتى ، أنا هفضل أنا ، أسطى إيمان ، بنت الأسطى أحمد واللي بتاكل لقمتها بعرق جبينها ، وأنت وعيلتك وكل الهايلمان دا كله ماييهزش شعرة واحدة مني ، ولا عايزة أكون حفيدة ولا مرات حد من البهاوات بتوعكوا .
ترقرقت بعينيها سحابة رقيقة من الدموع واستطردت وهي تحبس بحلقها غصة مريرة :
-أنا وافقت أجي هنا عشان أبويا الله يرحمه وصاني إن لو حد منكوا جاني مقفلش الباب في وشه ، وأصل الرحم زي ما ربنا أمرنا ، ويكون في علمك يا باشا لولا الراجل الكبير اللي جوة دا ماسك فيا واترجاني اقعد وأتمم الجوازة المهببة دي ، أنا كنت مشيت وسيبتها مطربقة على دماغكوا كلكوا .
صاح بها إبراهيم رافعاً يده لأعلى وهو يقول :
-بت أنتي !!
وقفت زهرة بينهما ووجهها بقبالة وجه إبراهيم الغاضب وقالت :
-إيه يا إبراهيم ، هتضربها ، هتضرب بنت عمك !!
زفر إبراهيم بضيق وهو يشيح بوجهه للناحية الأخرى متخصراً بكلتا يديه ، تنهد بإستسلام وقال بصوت هادئ وهو ينظر لعمته بقوة :
-عمتي ، مش أنا اللي أمد إيدي على بنت و حضرتك عارفة كدة كويس ، لكن الكائن الغريب المستفز اللي واقفة وراكي دي هي السبب .
لم تجبه عمته والتفتت لتواجه إيمان الواقفة بكل تحفز وغضب والتي صاحت بوجهها :
-قالك عني كائن غريب صح ؟!!
وقبل أن تخطو خطوتها الأولى ناحية إبراهيم لترد ، أسرعت عمتها لتتأبط بذراعها وتدفعها ناحية السلم وهي تقول :
-أحمد أخويا الله يرحمه أكيد ربى بنته على احترام الأكبر منها في السن ، ما بالك بيا أنا عمتك ، اسمعي الكلام وامشي معايا .
وعلى مضض تجاوبت معها إيمان ومشت بجانبها ولكنها كانت تلتفت برأسها للوراء تنظر لإبراهيم شزراً ، والذي كان بدوره ينظر لها بغضب وغيظ .
فتحت زهرة باب غرفة ودلفا الاثنان بداخلها حتي وصلا أمام مرآة الزينة ، ووقفت زهرة وقالت وهي تشير لإنعكاس إيمان بالمرآة :
-ومستغربة ومضايقة إنه بيقول عنك كائن غريب ، شايفة نفسك في المراية عاملة إزاي !! دا منظر أنسة ، دا منظر بنت من الأساس .
ضربت إيمان كفيها بقوة وقالت بتأفف :
-أستغفر الله العظيم ، ماله بقى منظري ، واحدة أسطى ميكانيكي كانت بتصلح العربية بتاعتكوا ، عايزة منظرها يبقى إزاي ، وكمان ياست هانم مش بالشكل ولا المنظر ، بالأخلاق ياست الكل .
سحبتها عمتها من يدها حتى جلسا سوياً فوق الفراش ، قالت العمة زهرة وهي تربت فوق ظهر كفها الصغير :
-حبيبتي من أول ماشوفتك وأنتي دخلتي قلب عمتك ، وأنا عارفة كويس إنك بنت طيبة وخلوقة ، بس لازم تفهمي إن حياتك اتغيرت تماماً ، أنتي دلوقتي مش الميكانيكي ، أنتي بقيتي إيمان هانم ، ولازم تتعلمي إزاي تتصرفي وتتكلمي زي الهوانم .
هبت إيمان بعد أن سحبت يدها من بين يدي عمتها وقالت :
-لاااا حضرتك ، أنا هفضل زي ما أنا ، واللي مش عاجبه بالسلامة من الأخر كدة ، هما يومين تلاتة وأمشي يكون الراجل الكبير شد حيله ، وحضرتك تشرفيني ببيتي في أي وقت ، هشيلك على رأسي .
هزت العمة زهرة رأسها يميناً وشمالاً بيأس ، وقفت وربتت فوق كتف إيمان وهي تقول :
-أنتي لحد دلوقت مش مدركة أنتي بقيتي مين وتملكي إيه ، لكن جدك هيفهمك كل حاجة بعد كتب كتابك أنتي و إبراهيم ، دلوقتي تدخلي تأخدي دش ، ونص ساعة والأقيكي قدامي عشان نتغدى ، يالا حبيبتي .
كانت إيمان تنظر لها ببلاهة بفاه مفتوح و أعين متسعة ، وظلت هكذا تتابع عمتها التي مشت ناحية باب الغرفة ، شعرت وكأنها عادت لوعيها فور انتفاضها من سماع صوت الباب الذي أغلق بقوة ، التفتت حول نفسها ثم جلست ارضاً وأسندت ظهرها فوق جانب الفراش وقالت تهمس لنفسها :
-هي قالت شوية كلام جامد ، صحيح مفهمتش حاجة ، بس أكيد الحكاية جامدة وأنا اللي معكوكة بالنص .
أسندت وجنتها فوق كفها واستطردت همسها لنفسها بيأس واضح :
-وبعددددين بقى في الحوار دا ، أخلع منه إزاااي .
نزلت العمة زهرة لأسفل لتجد الجميع ينتظرها بترقب ولهفة لإجابة كافة الأسئلة التي تؤرقهم فور دخول إيمان تلك البنت الغريبة لهذا البيت .
أسرعت أصلي لتقف أمامها وتصيح قائلة :
-زهرة من فضلك وضحيلي معنى الكلام الفظيع اللي سمعته دا ، صحيح البنت اللوكال دي هتتجوز إبراهيم ؟؟!
تخطتها زهرة واتجهت ناحية كرسيها ، لتجلس بأريحية تضع ساقها فوق الأخرى وقالت بصوت هادئ وقوي وهي تشبك أصابع كلتا كفيها ببعضهما :
-جواز إبراهيم و إيمان ، أمر محسوم لا رجعة فيه بأمر من بابا حافظ بيه ، يعني لا أنا ولا أي حد فيكو يقدر يعترض ولو بكلمة واحدة ، ودا معناه إن وجود إيمان بينا شئ لازم تتقبلوه وتتعاملوا معاه ، وبحذر أي حد فيكو أنه يمسها بكلمة واحدة ، أظن كلامي واضح ومفهوم .
صاحت أصلي :
-ويا ترى أخوكي سمير عنده علم باللي بيحصل ؟!
ابتسمت زهرة وقالت بثقة :
-ويا ترى أنتي عندك شك إن سمير يقدر يعترض على أمر من أوامر بابا .
شهقت نيرمين وأخدت تبكي وهي تجري صاعدة لغرفتها ، ووالدتها رمت بنفسها فوق كرسيها والحزن والغضب يملأ صدرها الذي ارتفع وانخفض بوضوح تام ، مراد وضع كفيه بجيبي بنطاله وارتسمت فوق شفتيه ابتسامة ساخرة وجلس فوق ذراع كرسي والدته ، أما ابراهيم فزفر بضيق وخرج من باب البيت ليشعل سيجارته بدلاً من أن يشعل النار بالبيت وبمن فيه .
وبعد برهة من الوقت كان الجميع ملتف جالساً حول مائدة الطعام صامتين وينظرون لبعضهم بتوجس وحذر ماعدا نيرمين التي كانت تنظر لإيمان بحقد وكره واضح .
كانت إيمان تجلس معهم حول المائدة الممتلئة عن أخرها بأشهى المأكولات ، أخذت تتفحص بعينيها كل تلك الأصناف وعند كل صنف تتجلى بملامح وجهها رسومات التعجب والتساؤل فتهمس لنفسها قائلة :
-آه دا أعرفه ، لا دا معرفوش ، أااه دا حاجة غريبة ، ما علينا ، أهي كلها نعمة ربنا ، بسم الله الرحمن الرحيم .
وقبل أن تمد يدها لتأكل لفت نظرها هاتان الواقفتان بالقرب من المائدة المرتديان زي واحداً ينظران للفراغ أمامها ، فمالت ناحية عمتها لتقول بصوت خافت مسموع :
-ألا قوليلي ياحجة ، قصدي ياعمتي هما البنتين الاتنين دول واقفين كدا ليه ؟
كان إبراهيم قد بدأ بتناول طعامه بهدوء ، لم ينظر اليها ولكنه سمع ماقالته فأجابها بجمود :
-مش محتاجة ذكاء ، دول الخدامين ، واقفين عشان لو احتجنا حاجة .
رمت إيمان الذي ارتسم بوجهها معالم الغضب بالملعقة أمامها فصدر صوت عال لفت إليها أعين الجالسين حولها ، قالت إيمان باستنكار وبصوت عال :
-ليه إن شاء الله هو إحنا اكسحنا !!
لفت إبراهيم رأسه بحدة ناحيتها وقال بضيق :
وطي صوتك واتكلمي كويس .
صاحت العمة زهرة قائلة :
-وبعدين معاكم أنتو الاتنين .
هبت إيمان واقفة بعد ما أزاحت كرسيها للوراء وقالت :
-سألتك ممكن أعرف يا عمتي الاتنين دول واقفين ليه كدة وإحنا بناكل ؟
كادت أن تجيبها زهرة وقبل أن تفتح فمها ، استطردت إيمان قولها وهي تلوح لها بيدها :
-هتقوليلي بييخدموا علينا ، هرد عليكي نفس الرد اللي معجبش الباشا ، إن إحنا مش مكسحين ، وكمان أنا معرفش أكل ، وفي حد واقف ومتذنب كدة ، مايقعدوا يأكلوا معانا زي مخاليق ربنا ، أو أروح أنا أكل معاهم جوة .
شهقت أصلي التي تجلس بقبالتها بعد اتسعت عيناها ذعراً مما تسمعه وقالت :
-أنتي بتقولي إيه يا بنت أنتي !! طبعاً ما هو اللي زيك ومن بيئتك لازم يقول أكتر من كدة .
مالت إيمان بجذعها للأمام تستند بيدها فوق سطح المائدة وبوجه مكفهر متجهم وعينان يملؤها الغضب قالت بصوت هادئ ولكنه قوي :
-بقولك إيه ياللي اسمك محدش عارف أصله من فصله ، أنتي ست كبيرة ومرات عمي على رأسي ، لكن أسمع منك كلام ميعجبنيش ساعتها مش هعمل حساب حاجة وهقلبها دندرة على دماغ الكل وخصوصاً على دماغك اللي شبه الكرنبة المكتومة دي .
وبكل مرة تسمع أصلي كلمات إيمان الساخطة تشهق بصوت عال ، بعد ما وضعت كفها الصغير فوق رأسها تمسدها لتطمئن بعد وصفها برأس الكرنب ، تراجعت للوراء والفزع مرتسم بملامح وجهها ، ضربت زهرة المائدة بقبضتها وهي تصرخ :
-بس أنتو الاتنين مش عايزة أسمع صوت حد فيكو ، (أصلي) مسمعش منك كلمة تاني عن إيمان بنت أخويا ، وأنتي يا إيمان أظن إنك عارفة إنه ميصحش وعيب لما بنت زيك تقول كلام زي دا وخصوصاً لمرات عمك ، اتفضلي اقعدي وكملي أكلك .
ظلت إيمان واقفة بمكانها وقالت :
-معلش يا عمتي ، أنا مش هحط لقمة ببوقي غير لما الاتنين دول ييقعدوا معانا أو يدخلوا جوة وميقفوش كدة .
أغمضت زهرة عينيها بيأس من يباسة رأس ابنة أخيها ، التفتت ناحية الفتاتان اللتان كانتا ينظران لبعضهما بتوجس وقلق ، فقالت وهي تشير لهما بيدها :
-عائشة ، جانسو İkinizin içinde .
( للداخل انتما الاثنتان )
ارتبكا الفتاتان بوقفتها ثم أشارا برأسيهما بالإيجاب وأسرعا باتجاه المطبخ ، قالت زهرة وهي تنظر لإيمان :
-أظن دلوقتي تقعدي وتأكلي وياريت من غير ما أسمع صوت حد فيكو تاني .
جلست إيمان وقالت :
-متشكرين ، أهو كدة الواحد يأكل وهو مرتاح ، مع إني معرفش إيه الأكل دا ، بس هأكله ، أنا ميتة من الجوع .
انتهى الجميع من تناول الطعام واتجه كل من إبراهيم وإيمان داخل غرفة جدهما ليجدا المحامي جالساً أمام منضدة صغيرة يقبع فوقها الكثير من الأوراق .
ابتسم الجد لهما وأشار بيده ناحية المحامي وهو يقول :
-يالا عشان تمضوا على الأوراق ، وبكرة إن شاء الله تكون وثيقة الجواز جاهزة .
تسمرا الاثنان بمكانهما ونظرا لبعضهما بترقب ، يتمنيان لو يجريان هرباً من تلك الزيجة ، اضطرا الجلوس بجانب المحامي بعد ما وصل لأذانهما صوت جدهما وهو يحثهما بشدة :
-يالا ياولاد مستنين إيه ؟!
ترددا وهما يمسكان بالقلم ويقوما بتوقيع الاوراق المطلوبة ، لملم المحامي أوراقه داخل حقيبته الجلدية وقام واقفاً وهو يقول مبتسماً لهما :
-Kutsanmış mısın .
(مبارك لكما )
وضعت إيمان كفها الصغير فوق وجنتها وقالت بامتعاض :
-شكلك كدة بتقولنا مبروك ، الله يبارك فيك ياخويا ، منجيلكش في حاجة وحشة .
صدح أصوات عالية بالخارج فخرج إبراهيم وتبعه المحامي وإيمان فوجدا بصالة البيت فتاة شقراء جميلة تلوح بيدها أمام مراد وتصيح بصوت عال وبلغتها التركية تقول :
-Ben derhal İbrahim'i görmek istiyorum .
( أريد رؤية إبراهيم حالاً ) .
اتسعت أعين إبراهيم وهمس قائلاً :
-التشين !!
هرول ناحيتها فوقف بقبالتها يقول :
-Seni buraya getiren ne? .
( ما الذي جاء بك إلى هنا ؟ ) .
أمسك إبراهيم بمرفق التشين ودفع بها ليخرجا من باب البيت ، لم تحيد إيمان بنظرها عنهما ، وقفت بجانب مراد الباسم الوجه متشفياً بما يحدث ، وقالت :
-وتبقى مين ست شين شين دي كمان ؟!!
الفصــــــــــــــــــل الســــــــــــــــــــــادس:
وقف مراد بجانب إيمان واضعاً كلتا كفيه بجيبي بنطاله ، مال ناحية أذنها وقال هامساً :
-دي تبقى التشين ، صاحبة وحبيبة إبراهيم ، زوج المستقبل .
مطت إيمان شفتيها بعد رفع حاجبها الأيمن ثم قالت :
-ياحلاوة المولد ، صاحبته وحبيبته الاتنين مع بعض ، طب دا إحنا لازم نرحب بيها ، المزة في بيتنا بردو ، الواجب والأصول بتقول كدة .
تفاجأ مراد بقبضة إيمان تمسك بكتف قميصه ودفعت به ليمشي بجانبها وهي تقول بصوت مسموع قوي :
-لموأخذة يا كابتن عايزاك في خدمة كدة .
ردد مراد مذهولاً يتبعها منصاعاً فارداً ذراعه :
-حاضر معاكي ، اتفضلي .
خرجا الاثنان من باب البيت ، فأتسعت عيني إيمان فور رؤيتها لتلك الالتشين تغمس بنفسها داخل حضن إبراهيم وهي تبكي وتتحدث من بين شهقاتها بكلمات تركية غير مفهومة .
ضربت إيمان بكوعها معدة مراد الواقف بجانبها مبتسم الوجه ، فقالت بغضب :
-ترجم ياكابتن ، البت المتشحتفة دي بتقوله إيه ؟؟
شهق مراد بألم وهو يمسد فوق معدته وقال بصوت يشوبه الألم :
-طيب من غير ضرب ، بتقوله "لا إبراهيم حبيبي لا ، مستحيل أصدق اللي سمعته ، حبيبي أرجوك قول أنه كدب " .
أمسكت إيمان بمقدمة قميص مراد وسحبته معها لتكون بالقرب منهما ، ثم مدت يدها تشد التشين من مرفقها ، تنزعها من داخل حضن إبراهيم الذي يقف متأففاً من بكائها والتصاقها به وقالت بصوت عال :
-لا يا أبلة مش كدب دا حقيقي ، حقيقي ونص كمان ، معلش بقى ، تبقى في حضنك وتقسم لغيرك .
نزعت التشين مرفقها من يد إيمان بقوة بعد ما ارتسم الغضب بملامح وجهها ، نظرت لإيمان من أعلى لاسفل بازدراء واضح وقالت :
-ne ?! .
( ماذا؟ ) .
قالت إيمان وهي لاتحيد بنظرها عنها وبنفس الوقت وهي تهز بمرفق مراد بقوة :
-بلا نيه ، بلا تيه ، ترجم اللي قولته يا عم الأمور .
صاح إبراهيم غاضباً بوجه مراد وهو يشير له بسبابته :
-أنت اللي بلغتها مش كدة ، أوك ، الحساب يجمع .
رفع مراد كتفيه وقال ساخراً :
-هي اتصلت بيا تسأل عنك ، قلتلها قاعد جوة بيمضي ورق جوازه ، يعني مكدبتش ، هي اللي جت بسرعة الصاروخ .
التصقت التشين للمرة الثانية بذراع إبراهيم وهي تقول بصوت خافت ضعيف ونبرة باكية :
-Lütfen Ibrahim benimle gel .
( من فضلك إبراهيم تعال معي ) .
تأففت إيمان ثم وبكل قوتها نزعت ذراع إبراهيم من براثن يد التشين ، وعن قصد واضح وضعت أصابعها بين أصابع يد إبراهيم ليتشابكا سوياً وقالت وهي تشد يده ليمشي معها :
-بعد إذنك يا باشا ، عايزاك بكلمة على جنب .
ووسط ذهول من حولها حتى إبراهيم الذي نظر لكفها الصغير المندس داخل كفه الكبير مشى معها ليتجها سوياً للشجرة الكبيرة المزروعة بمنتصف حديقة الفيلا ، حاولت التشين اللحاق بهما ، فإستدارت لها إيمان وقالت بغضب وبصوت عال وهي تلوح بيدها أمامها ، واليد الأخرى مازالت بيد إبراهيم :
-وعزة جلال الله لو جيتي ورانا لأجيبك من شعرك اقصري الشر احسنلك .
أشارت إيمان بيدها لمراد الواقف مشاهداً ومستمتعاً بما يرأه وقالت :
-ترجملها ياسمك إيه أنت .
دفع إبراهيم بإيمان لتقف خلفه ووقف بقبالة التشين وقال :
. التشين Biraz bekle, sonra konuşuruz -
( التشين ، انتظري قليلاً ، سنتحدث سوياً فيما بعد ) .
التفت إبراهيم لإيمان وقال وهو يمشي بجانبها دون أن يدع يدها :
-وأنتي تعالي معايا .
توقفا الاثنان بجانب الشجرة الكبيرة القابعة ، فقال إبراهيم :
-نعم يا أنسة إيمان ، عايزة تقولي إيه .
رمت إيمان بيده ورفعت سبابتها أمام وجه إبراهيم المتعجب وقالت بتحذير واضح :
-بقولك إيه ياباشا ، عشان نبقى على مية بيضا من أولها ، موضوع جوازنا دا أنا وافقت عليه لأجل خاطر الراجل الكبير ، ولغاية مايقوم بالسلامة ، أنا وأنت قدام الناس راجل ومراته ، يعني زي ماهحافظ على كرامتك ، سيادتك ياباشا تحافظ على كرامتي ، وبالقوي كمان والبت المايعة بتاعتك دي لازم تفهم كدة وتفكها منك ، أنا مش هسمح لمن كان يكون يدوس على طرف كرامتي ويقولي الحقي جوزك ماشي مع مين و أنك مش مالية عينه ، آمين ياباشا ؟
تكتف إبراهيم بذراعيه أمام صدره وقال بهدوء جملته لإثارة غضبها بعد ما تعجب مما قالته :
-وإذا ماوفقتش على الكلام دا .
تكتفت إيمان بدورها وقالت وهي تهز كتفيها بعصبية :
-يبقى كل واحد يروح لحاله ، وأهو الأخ المحامي لسة موجود ، نقطع الورق ونفضها سيرة ، ماهو أنا مش هفضل أشرح لكل مزة ماسكة فيك أنا ابقى إيه ، مرة بنت عمك المايصة و دلوقتي شين شين هانم .
زفر إبراهيم بضيق وأنزل بذراعيه جانباً يقول :
-خلاص ، أوك متقلقيش ، جوازنا قدام الناس هيكون بالشكل اللائق ليا قبل مايكون ليكي ، والتشين أنا هفهمها الوضع بشكل لا يسئ ليكي .
فردت إيمان ذراعها لتسمح له بأن يتجاوزها ويتجه لالتشين وهي تقول رافعة أنفها لأعلى :+
-اتفضل روح فهمها ، معاك نصاية وبعد كدة يبقى مات الكلام ومش هنعيده تاني .
ضاقت عيني إبراهيم وهو يميل بوجهه ناحية وجهها وقالت مستغرباً :
-إيه نصاية ؟ يعني إيه ؟!
ضربت إيمان بكفيها وقالت ساخرة :
-نصاية ياباشا ، يعني نص ساعة ، مش محتاجة فكاكة يعني .
مسح إبراهيم وجهه بغيظ وقال وهو يمشي بعيداً عنها :
-اللهم الصبر ، ياارب .
وقفت إيمان تراقب الموقف من بعيد لتجد بالنهاية التشين تهرول ناحية بوابة الحديقة وهي تدب الأرض من تحتها وصوت بكائها العال يملأ المكان ، وإبراهيم ينظر للأرض متخصراً ويهز رأسه بيأس واضح .
مرت عدة ساعات وحل الليل والسكون المكان ، كان الكل ملتزماً بمكانه ماعدا إيمان التي شعرت بالضجر من غرفتها وكذلك بالغيظ لعدم استطاعتها النوم بعيداً عن غرفتها القديمة ببيتها بالحارة ، أما إبراهيم فقد خرج بسيارته لمكان غير معلوم .
نزلت إيمان درجات السلم بهدوء ، حتى خرجت من الباب متجهة ناحية الأرجوحة التي تواجه حوض سباحة كبير .
جلست تتأرجح ببطأ وتفكر كيف مر عليها هذا اليوم
بكل أحداثه ، انتفضت بمكانها ووضعت يدها فوق صدرها فور سماعها صوت إبراهيم وهو يقول :
-قاعدة عندك بتعملي إيه ؟
قالت إيمان بعد أن ارتجف صوتها :
-بسم الله الرحمن الرحيم ، خضتني ياباشا بعد كدة إبقى اتنحنح قبل ماتتكلم .
جلس بجانبها وهو يقول ساخراً :
-هبقى أتنحنح المرة الجاية .
رمى فوق فخذيها حقيبة صغيرة وهو يستطرد قائلاً :
-اتفضلي .
أمسكت ايمان بالحقيبة لتفتحتها بلهفة واضحة تنظر بداخلها ، اتسع فاهها فور رؤيتها للهاتف الجديد ، هتفت بسعادة :
-موبيل جديد ، والله أنت ابن حلال ياباشا ، أنا كنت هطق عشان عايزة أكلم البت لوزة ، ودا تمنه كام بقى ؟
رجع إبراهيم بظهره للوراء وقال ساخراً بعد أن كتف ذراعيه :
-دا هدية من جدك ، الموبايل فيه الخط وجاهز للإستعمال ، يعني مش هتتعبي في استخدامه .
تنهدت إيمان بأربحية وهي تحتضن الهاتف وقالت :
-أبو الزوق والله ، وربنا يشفيك ياجدي ، بس يكون في علمك ياباشا أنا مكنتش هأخده إلا وأنا دافعة حقه ، أبويا الله يرحمه كان دايما يقولي ، اوعي تاخدي حاجة مش من حقك ، واوعي تسيبي حقك حد يأخده منك .
وبكل مرة يستمع لها إبراهيم تثير بداخله مشاعر غريبة وكلما تثير غضبه ، تثير اعجابه ببعض الأحيان ، التفت لها برأسه وهو يسألها :
-أنتي ليه مكملتيش تعليمك ؟؟
جلست إيمان كالقرفصاء فوق الأرجوحة وقالت وهي تصيح :
-مكملتش تعليمي دا إيه ياباشا ، أنا معايا دبلوم صنايع قسم كهربا .
قطب إبراهيم جبينه وقال متسائلاً :
-دبلوم صنايع !! واشمعنا يعني قسم كهربا ؟
بدأت إيمان تتحدث بحماس وأريحية وقالت :
-أصل أنت مش واخد بالك ، أنا ليا نظرية في موضوع التعليم دا .
اعتدل إبراهيم بجلسته ليكون بقبالتها وقال متعجباً ساخراً بعد ما استند بذراعه فوق ظهر الأرجوحة :
-والله !! بقى حضرتك ليكي نظرية في التعليم ، وياترى إيه هي النظرية اللي أنجبتها العقلية الفذة .
أجابته مسرعة :
-أقولك ، بص يا سيدي كل واحد لازم يتعلم الحاجة اللي شاطر فيها ، عشان يقدر يفيد نفسه ويفيد اللي حواليه ، الجامعة بيخرج منها الفات من الشباب كل سنة وتلات أرباعهم متلقحين ع القهاوي أو بيشتغلوا حاجة تانية غير اللي اتعلموه في الجامعة ، دا غير اللي بيطفش من البلد وهو فاكر نفسه هيحقق اللي محصلش ومابيفلحش منهم إلا اتنين تلاتة والباقي بيتمرمط .
رفع إبراهيم حاجبه وهز رأسه تجاوباً مع ماقالته ، وقال :
-ها ، كملي .
-أتا زي ماقولتلك قبل كدة إني اتعلمت صنعة أبويا من وأنا لسة صغيرة واللي هي الميكانيكا ، إيه بقى اللي هيساعدني في صنعتي دي ، إني اتعلم جمبها كهربا السيارات ، وفعلاً اتعلمت وساعدتني كتير أوي في شغلي بصراحة .
نظر لها إبراهيم وكأنه يرأها لأول مرة ، وقال بعد أن مط شفتيه للأمام :
-أحترم وجهة نظرك .
ربتت إيمان بيدها فوق صدرها وقالت وهي تهز رأسها والإبتسامة تزين شفتيها :
-توشكر يا ذوق .
رفعت سبابتها أمام وجهه وهي تقول بثقة :
-لعلمك أنا كنت شاطرة جداً في المدرسة وأنا صغيرة وخصوصا في الحساب ، بس هو العربي اللي كنت بجيب فيه كحك ، أصل كنت بكره النحو أوي ، مالي أنا بكان وجيرانها ، وإن وقرايبها ، وجرار يجر مجرجر وراه .
ضاقت عين إبراهيم ومسح وجهه بكلتا كفيه غيظاً ، وقبل أن ينطق ، أسرعت بقولها متسائلة بلهفة :
-ألا قولي يا باشا ، هو أنت بتمسح وشك وأنا بكلمك كل مرة ليه ؟؟ هو انا بتفتف في وشك لموأخذة .
ارتسمت علامات التقزز بملامح وجهه وهو يقول :
-كاتك القرف .
اعتدل بجلسته واستطرد قوله محاولة منه لافهامها :
-ياهانم ، اسمها كان واخوتها ، وإن واخواتها .
صاحت بنبرة صوت واثقة :
-شوفت يا باشا ، أهم طلعوا عيلة في بعضيهم ، ها ، مالي أنا بقى بيهم ، وهما قرايب في ذات شخصايتهم كدة ، نتدخل ليييه ؟!! ، وقال إيه نكسر ونرفع اللي يجي وراهم ، مالي أنا بمين هيرفع مين ، ومين هيكسر ايه ، مش ليا حق بذمتك منجحش فيه .
هز ابراهيم رأسه باستسلام وقال :
-عندك حق طبعاً مشاكل عائلية ملناش دعوة بيها ، وطبعاً نجحتي بالغش .
رفعت إيمان يدها معترضة وقالت بكل ثقة :
-لا ياباشا مش بالغش ، كله بالحب .
ضحك إبراهيم بصوت عال ، فضحكت إيمان معه عندما تذكرت مافعلته وقت اختبار مادة اللغة العربية ، كانت العمة زهرة تشاهدهم عبر زجاج نافذة غرفتها والإبتسامة ترتسم فوق شفتيها لرؤية أبناء اخوتها المقربين لقلبها يضحكون سوياً ، على غرار من ينظر لهم بحقد وكره وهو يقف وراء ستار النافذة ويهمس لنفسه :
-على جثتي أنكو تكونوا لبعض .