رواية عروستي ميكانيكي الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر بقلم سما نور الدين


 رواية عروستي ميكانيكي 
الفصل الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر
 بقلم سما نور الدين


استدارا الإثنان ليجدا إبراهيم واقفاً أمامهما مشبكاً ذراعيه وعلامات التجهم ترتسم فوق صفحة وجهه منتظراً اجابة سؤاله .

انتقلت إيمان بعينيها بين السائق إمام المطأطأ رأسه لأسفل ، وبين إبراهيم الواقف بتحفز فقالت بتلعثم واضح :

-إحنا .. إحنا كنا رايحين فييين ، اللهم صلي على النبي .

مسدت بإصبعها فوق جبهتها وفاجئتهما بصياحها :

-اااه !! كنا رايحين نشتري حاجة من البقال اللي جمب الفيلا ، ماتقولوا يا أسطى اؤمؤم كنا هنشتري إيه ؟؟

أغمض السائق عينيه بحسرة ، أما إبراهيم فأنزل ذراعيه واقترب منها بعد أن رفع حاجبه متعجباً وقال بنبرة ساخرة :

-والله هو في بقال جمب الفيلا وأنا معرفش !!

استطرد قوله عندما نظر للسائق وقال :

-وكنتو هتشتروا إيه بقى يا أسطى اؤمؤم .

رفع إمام رأسه ورمش عدة مرات بعينيه وقال :

-إبراهيم بيه أنا يعني ، والله أنا ..

ضحكت إيمان ضحكة خافتة ساخرة ممتزجة بالخوف والقلق وهي تنظر لهما :

-إيه يا أسطى إمام مالك ؟؟ أنت نسيت ولا إيه ، مش كنا هنشتري ...

توقفت عن استطرادها بالقول عندما مال إبراهيم بوجهه ليقترب من وجهها ينظر لها بقوة ثم قال :

-لما تحبي تكدبي ابقي فكري الأول عشان الكدبة تطلع محبوكة ، مش أي كلام وخلاص .

تخصرت وهي تقول بنزق رافعة أنفها لأعلى :

-أنا مبكدبش ، كنا هنشتري حاجات من البقال ، إيه فيها إيه ، عمرك ماشترتش حاجة من البقال اللي جمب بيتكو .

صفق إبراهيم بكلتا كفيه وهو ينظر للسماء وملامح الغيظ ترتسم فوق وجهه وقال وهو يحاول بشق الأنفس ضبط أعصابه :

-كنت هتشتري إيه يا هانم من البقال اللي هو أصلاً مالوش وجود في أي مكان حوالينا .

رفعت إيمان حاجبيها وهي تقول بتعجب :

-إيه دا ، بجد مفيش بقال جمبكو ، أومال بتشتروا حاجتكو منين لموأخذة .

كز إبراهيم أسنانه بقوة حتي وصل صوت اصطكاكها لأذان ايمان وقبل أن يصرخ بوجهها ، التفت إلى السائق الذي لمحه متسمراً مكانه يتابعهما بدقة ، فاعتدله بوقفته وقال بصوت حاد :

-امشي أنت يا إمام ، أنا عارف إن النهاردة يوم إجازتك ، اتفضل أنت .

هز السائق رأسه بالإيجاب وحمد ربه بسره ، استدار ليكمل طريقه ولكنه تسمر مكانه مرة أخرى عندما صاحت إيمان :

-استنى أنا جاية معاك .

أمسك إبراهيم مرفقها وقال بصوت غاضب :
-إيه اللي أنتي بتقوليه دا ، تروحي معاه فين ؟!

حاولت أن تنزع مرفقها من قبضة يده بدون جدوى ، فاقتربت منه وهي تقول من بين أسنانها :

-سيب دراعي !! هو أنت كل مرة تكلمني فيها هتلزق إيدك بدراعي ، سيييب !!

أسرع إمام بخطوات واسعة ليخرج من البوابة الكبيرة بعد أن توجس خيفة مما قد يحدث ، ترك إبراهيم ذراعها وأشار لعقله بيده هو يقول غاضباً :

-أنتي خلاص مبقاش في عقل ، بكل مرة أفهمك أنتي بقيتي مين ووضعك الجديد بقى إيه ، وبردو مفيش فايدة .

أخذت تمسد مرفقها لشعورها بالألم من إمساكه به ، فقالت غاضبة :

-أنت متظرظر ليه ؟؟ إيه اللي حصل لكل دا ، أنا كنت هخرج أشم هوا ، من ساعة ما جيت البيت دا مشوفتش الشارع ، أنا أول مرة أتحبس الحبسة الهباب دي .

هدر بوجهها قائلاً :

-وليه مجيتيش تقوليلي إنك عايزة تخرجي ، أصلاً بقالك يومين بتتهربي مني ، ممكن أعرف ليه ؟!

تلكأت بكلماتها وهي تقول :

-أنا !! وأنا ههرب منك ليه ، أنت ماسك عليا شيكات ، أنا تمام .

التفتت حولها لتجد أن السائق قد رحل ، فهمست بقولها :

-الندل سابني !! اللهي تخسر السباق وتتعطل العربية ماتلاقي حد يصلحها .

صاح بها إبراهيم :

-أنتي عايزة تجننيني ، سباق إيه وتصليح إيه ؟؟

فصاحت به بدورها بعد فاض بها الكيل :

-يووووه !! وكنت بتسأل ليه مش بكلمك ، عشان كل مرة بنتكلم فيها ألاقيك بتتعصب وتفرك في وشك وتشوح بايدك ، أنت واحد مش طايقني ، أكلمك لييبه !!

ظل يحدق بها وصوت لهاثها يصم أذانه ، ولأول مرة يشعر بأحقيتها في عدم مواجهته والإبتعاد عنه بقدر المستطاع .

تنهد ورفع كلتا ذراعيه وهو يقول بصوت هادئ :

-معاكي حق ، أنا آسف اللخبطة اللي حصلت في حياتنا ، هي اللي خلتني عصبي ، بعتذر .

ارتسم الحزن بوجهها وهي تقول بصوت خافت :

-أنا بقى اللخبطة اللي قلبت البيت كله ، صح ؟

سب إبراهيم نفسه بداخله على اختياره السيء للكلمات ، فزفر وهو يمسد شعره بقوة وقال :

-إيمان ، من فضلك متبقيش حساسة كدة ، أنا مقصدش المعنى اللي فهمتيه ، وأنا أسف ياستي للمرة التانية .

حاولت أن تتخطاه وهي تقول بصوت حزين :

-محصلش حاجة ، أنا داخلة جوة .

أسرع بالإمساك بمعصمها لتقف وتنظر إليه بتعجب ، فقال وهو يرسم ابتسامة فوق شفتيه :

-استني ، أنتي فعلاً من يوم ماجيتي هنا مخرجتيش ، إيه رايك تيجي معايا وأفرجك على البلد ، لأن بعد بكرة خلاص هنسافر ونرجع مصر .

رمشت بعينيها التي ظهر بها الصدمة من دعوته لها ، فقالت وهي تشير لنفسها :

-أنا وأنت يا باشا هنخرج مع بعض !!

هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وقال بصوت هادئ :

-أيوة وعازمك على الغدا كمان ، تحبي تاكلي إيه ؟!!

هزت كتفيها وهي تنظر حولها تهرب من عينيه ، فأسرعت تقول بحماس :

-ياسلام يا باشا لو طاجن عكاوي تبقى بجد عملت معايا أحلى واجب .

زفر إبراهيم بيأس وهو ينظر للفراغ أمامه وقال بإستسلام :

-يالا ، يالا يا إيمان امشي قدامي ، وياريت متقترحيش أي اقتراحات عشان اليوم يعدي على خير ، قال عكاوي قال .

قالت وهي تسير بجانبه ناحية الجراج :

-وهي العكاوي وحشة ، دا خالتي تهاني بتعمله حاجة بقى مقولكش ، لوووووز ، ألا قولي يا باشا هو أنت هتوديني فين ؟!
فأجابها :

-هتشوفي بنفسك .

دلفا للجراج سوياً وركبا السيارة ، وما إن خرج بها لشوارع مدينة اسطنبول حتى اتسعت عينيها انبهاراً وهي تنظر لمعالم المدينة عبر زجاج نافذة السيارة .

وقف إبراهيم بالسيارة على جانب الطريق ثم نظر إليها بوجه باسم وقال :

-إنزلي ، أنا هكون المرشد السياحي ليكي النهاردة ، وأول حاجة هنروحها ، تل العرائس ، هتشوفي أجمل منظر لمدينة اسطنبول من فوق ، يالا .

ولأول مرة ترتسم السعادة بوجهها فقالت بعد ما أغلقت باب السيارة :

-خايفة اقولك اللهي تنستر لحسن تتريق عليا زي كل مرة .

شعر بغصة بحلقه فتأنيبها الغير مباشر له جعله يشعر بتأنيب لنفسه على عدم مراعاة شعورها ، فأسرع بقوله :

-إيه رأيك بفسحة النهاردة تنسي أي حاجة ضايقتك مني .

هزت إيمان رأسها بالإيجاب وقالت بصدق :

-أنا نسيت كل حاجة يا باشا من أول مقلتلي حقك عليا ، كمان أنت ابن عمي يعني نستحمل بعضينا .

اقترب منها ليقف بقبالتها وهو يقول بصوت هادئ :

-وجوزك كمان ولا نسيتي ؟!!

تنحنحت وقالت بعد أن زاغت بعينيها بعيداً عن عينيه :

-مش يالا بقى تطلعني تل العرايس دا .

مد كف يده ليمسك بكفها الصغير وقال وهو يسير بجانبها :

-يالا بينا ، وبعد التل هوديكي البوسفور .

ظلت تحدق بكف يدها المنغمس داخل راحة يده وقالت وهي تبلع ريقها بصعوبة بعد ما نظرت أمامها :

-هو إحنا هنقضيها تل وجبل ، مالها الأرض بس .



الفصـــــــــــــــــــــــــل الثالـــــــــث عشــر:

وقفت فوق التل تنظر حولها لتلك المساحات الواسعة الخضراء المزينة بالأزهار الملونة والأشجار ، والمياه الزرقاء المحصورة بمضيق البوسفور وأسطح البنايات الملونة باللون البرتقالي على جانبي المضيق ، وبدون أن تدري نطق لسانها بكلمة :

- سبحان الله !!

ثم أشارت للمضيق واستطردت قولها متسائلة :

- دا بقى النيل بتاعهم .

كان إبراهيم يقف بجانبها فأبتسم أثر سؤالها وأجاب :

- لا دا اسمه مضيق ، المية بتاعته مية مالحة زي مية البحر ، لأنه بيربط بين بحرين ، البحر الاسود وبحر مرمرة .

رفعت إيمان حاجبيها وهزت رأسها قائلة بصوت يشوبه بعض الذهول :

- يا صلاة النبي ، دا النيل بتاعهم حكايته كبيرة أوي ، ولا الكوبري اللي هناك دا ، حاجة أخر فخامة يعني ، شبه الكوبري اللي اتبنى جديد عندنا في مصر ، ويا ترى اللي بيعدي بيدفع عشرين جنيه بردو زي عندنا .

مط إبراهيم شفتيه وتنهد وهو يقول :

- إيمان افهمي دا مش نيل ، دا اسمه مضيق ، مية مالحة .

صاحت إيمان :

- خلاص يا باشا فهمنا دا ماااضيق ، والمية بتاعته مالحة ، بس بكدة يبقى النيل بتاعنا أجدع ، على الأقل المية بتاعته حلوة وتنشرب ، صح .

وبنبرة يأس قال إبراهيم :

- صح ، المهم دلوقتي إيه رأيك ؟!

ابتسمت قائلة وهي تلوح بيدها : 
- بصراحة منظر مالوش حل ، بس يا باشا هما سموه تل العرايس ليه ؟

شبك ذراعيه وقال :

- عشان معظم اللي بييجي ويزور المكان العرسان الجداد .

أجابته متعجبة :

- بس دا اللي هيبجي هنا هيتقطع نفسه ، دا إحنا ركبنا مركب وبعدها ركبنا أتوبيس وبعدين فضلنا ماشيين لغاية هنا ، دا العروسة هتتفرهد فرهدة هي وعريسها ، دا أخر الليل هيناموا مقتولين.

ضحك إبراهيم وهو يؤكد على وجهة نظرها :

- فعلاَّ ، عندك حق .

أخرجت هاتفها من جيب بنطالها وأعطته لإبراهيم وهي تقول بحماس :

- صورني بقى وأنا ورايا المناظر الحلوة دي ، عشان أبعتها للبت لوزة وأغيظها شوية .

فتح إبراهيم هاتفها ولكنه وجده مغلق لنفاذ بطاريته ، فقال وهو يعيده إليها :

- تليفونك مقفول يا هانم ، هصورك بتليفوني وبعدين أبقى أبعتهملك .

بدأت إيمان تقف بأوضاع مختلفة للتصوير ، تارة ترفع اصبعيها كعلامة النصر ، وتارة تتخصر وهي تقف بجانبها ، كل ذلك ولم تفارق الإبتسامة شفتيها ، كان إبراهيم ينظر لها عبر شاشة هاتفه وبدون ان يعي يجد نفسه يبتسم هو الأخر، حتى قفزت أمامه وهي تقول :

- صورني فيديو بقى عشان أشرحلهم أنا فين ، لحسن لما أرجع هتلاقيني بلح نسيت كل اللي اتقال ، يالا يالا !!

أسرع بالضغط فوق تصوير الفيديو لينصاع لها هو هذه المرة ، ليسمعها تقول بصوت حماسي وهي تستدير حول نفسها وشعرها الأسود الناعم يطير معها وحولها ، تلوح بكلتا يديها :

- اتفرجي يا عزة أنا فين ، هنا تل العرايس ، هو صحيح مشوفتش فيه عروسة واحدة توحد ربنا ، بس مش مشكلة المكان آخر جمال يا بت يا لوزة ، ياريتك أنتي وبلاطة وخالتي معانا ، كانت هتبقى أحلى فسحة وحزري بعد شوية هروح فين ، هطلع جبل الفوسفور هينقطع نفسنا أناعارفة ، ومعرفش هنشوف إيه فوق  ، بس هو الواحد هيتفسح في تركيا كام مرة  ، هبقي أتصور هناك بردو سلام يا لوزة .

هز إبراهيم رأسه باستسلام كاتماََ ضحكته بصعوبة ، وبعد أن انتهيا من التصوير ومشاهدة ما تم تصويره ، تجولا قليلاََ بالمكان إلى أن نطقت إيمان بقولها :

- كنت سامعة إن في عزومة غدا ، ياترى دي إشاعة ولا إيه ؟!

أمسك إبراهيم بكفها الصغير وقال وهو يشير ناحية المطعم القريب منهما :

- لا مش إشاعة يا ستي ، المطعم قدامك أهو ، يالا بينا .

كانت إيمان تنظر حولها وعينيها تتسع إنبهاراََ لما تراه ، دلفا داخل المطعم وعند طاولة قريبة من النافذة الزجاجية للمطعم ، سحب إبراهيم كرسياََ لتجلس إيمان فتسمرت مكانها ، اعتدل إبراهيم بوقفته وقال متعجباََ :

- إيه مالك واقفة ليه ماتقعدي .

حدقت به وقالت ساخرة :

- أصل .. أصل الحركة دي كنت بشوفها في الأفلام وأتريق عليها ، مكنتش أعرف إنها هتتعمل فيا ، بس ع العموم توشكر كلك زوق .

التوت شفتي إبراهيم جانباََ ثم أشار لها برأسه أن تجلس ، فانصاعت له على الفور وجلست بأريحية تستند بذراعيها فوق الطاولة وفاجئته بقولها :

- تفتكر عندهم طاجن العكاوي اللي قلتلك عليه ؟

أشار إبراهيم للنادل وهو يقول بنزق :

- لا مفتكرش ، أنا عازمك على كباب تركي .

افترشت الإبتسامة بكامل وجهها وقالت بحماس :

- كباب !! أهو دا الكلام ، ذوقك في الجون يا باشا .

وبعد برهة من الوقت امتلئ سطح الطاولة الصغيرة بوجبة الكباب التركي وأنواع مختلفة من السلطات ، أمسك إبراهيم بالسكين والشوكة وقبل أن يأكل نظر لإيمان الذي وجدها صامتة تنظر للطعام دون أن تمسه ، فقال متسائلاََ :

- إيه تاني ؟ مابتكليش ليه؟
ذمت شفتيها وهي تقول :

- هو الكباب بيتاكل بالشوكة والسكينة هو راخر، لو كدة يبقى بلاش خليني جعانة أحسن ، وكمان لو كلت بايدي هتزنجر وتقولي الناس ومش الناس وأنتي بقيتي هانم والكلام الفافي اللي يضايق دا .
وضع إبراهيم السكين والشوكة بمكانهما وبدأ يأكل بيديه وهو ينظر لها بقوة ، ابتسمت إيمان ومدت يدها للطبق المملوء بأصابع الكفتة واللحم المشوي ، فأخذت قطعة من اللحم المشوي ودفعت بها داخل فاهها تلوكها بحماس وسعادة ، وأثناء تناولهما للطعام قالت بأريحية وهي تغمس باصبع الكفتة داخل سلطة الطحينة 

- الفسحة دي فكرتني بفسحة يوم الحد ، يوم إجازة الورشة كنت بأخد لوزة وبلاطة وخالتي تهاني ونروح مرة جنينة الأزهر، ياااه يا باشا جنينة واسعة أوي كلها خضرة ومناظر حلوة زي اللي شوفناها هنا ، ومرة نروح حي سيدنا الحسين نصلي في الجامع وبعدها ننطلق بقى ، نأكل كشري وبليلة نقعد على قهوة الفيشاوي ونأكل فخفخينا ، نمشي في خان الخليلي ونتفرج على المحلات الفخيمة هناك زي محلات الذهب والفضة والأثارات وأجمل حاجة بقى محلات الإزاز الملون جميلة أوي .

تركت ما بيدها من طعام وتراجعت للوراء تستند بظهرها فوق ظهر الكرسي ، وقالت وهي تتنهد :

- عارف يا باشا أنا فرحانة إننا هنرجع مصر بعد بكرة إن شاء الله ، أنا بلدي وأهل حارتي والقعدة في الورشة وحشوني أوي .

رجع إبراهيم هو الآخر بظهره للوراء وقال بثبات نفس واضحة :

- إيمان أنتي لما ترجعي مصر مش هترجعي لا للحارة ولا للورشة .

هبت إيمان لتقف وهي تقول بصوت حاد عال وبملامح وجه جامدة :

- يعني إيه أومال هرجع فين ؟!

نظر إبراهيم حوله بعد أن التفتت لهما الأنظار وقال بصوت خافت ولكنه قوي ، وكلتا عينيه تقذف بنظرات نارية غاضبة :

- اقعدي الناس بتبص علينا !!

لم تحد بعينيها عن عينيه وقالت غاضبة مغتاظة وهي تضرب سطح الطاولة بيدها:

- اللي يبص يبص ، قولي دلوقتي معناه إيه الكلام دا ؟!

هب إبراهيم واقفاََ وقال بعد أن رمى ببضعة ورقات مالية فوق الطاولة :

- امشي قدامي في البيت هنتفاهم ، وبالمرة أعلمك إزاي متسمعيش كلامي .

أمسك بمرفقها ليمشي بها ، حاولت أن تنزع ذراعها ولكن محاولتها كانت بدون فائدة ، وعند باب المطعم تفاجأ عندما وجد أمامه التشين تحتضنه وتقبله من وجنتيه وهي تقول :

- مرحباً .
حررت إيمان ذراعها أخيراََ وهي تزفر بضيق وتقول وهي تنظر بازدراء لتلك التي تحتضن زوجها :

- مرحباً ياختي ، أهلا وسهلاََ بيكي ست شين شين أصلها كانت نقصاكي !!

استطردت إيمان قولها وهي تنظر هذه المرة لإبراهيم :

- بقولك إيه يا باشا ، خلي ست المتشحتفة دي تمشي من وشي السعادي لحسن بدل ما هانطلع الجبل هنطلع القرافة نقرأ الفاتحة على روحها أنا بقولك أهو .
كتم إبراهيم أنفاسه بعد أن تجلى الغضب بوضوح على وجهه فربت فوق كتف التشين وهو يعتذر لها أنه مضطر للذهاب الآن وأنه سوف يتحدث إليها فيما بعد ، لم يعطها فرصة لتجيبه تخطاها بعد الإمساك بكف إيمان الصغير ليجرها ورائه قبل حدوث أي مشكلة هو في غنى عنها .

وبعد برهة من الوقت كانا الإثنان داخل السيارة بطريق عودتهم للفيلا ، كان الإثنان صامتان يتناوبا النظر لبعضهما عبر نظرات مختلسة بطرف أعينهما ، تنحنحت إيمان لتخرق ذلك الصمت بقولها :+

- أنا عايزة أفهم .

دار إبراهيم بمقود السيارة لتقف جانب الطريق بعد أن ضغط بقدميه فوق دواسة الفرامل ، كادت أن ترتطم جبهة إيمان بالتابلوه الأمامي ، شهقت بصوت عال وهي تلتفت برأسها إلي إبراهيم الذي ظل ينظر أمامه وأصابعه تشتد بقوة فوق مقود السيارة حتى اببضت سلامياته ، فصاحت به:

- هو في إيه ؟ كل دا عشان قلت عايزة أفهم !!

استدار لها بجذعه وبقبضته القوية أمسك بمرفقها لتجد نفسها لا يفصل بين صدريهما إلا إنشات بسيطة ، هزها بعنف وهو يقول :

- اوعي تاني مرة تقللي مني قدام الناس زي ما حصل في المطعم ، واوعي تاني مرة تعلي صوتك عليا هو دا اللي لازم تفهميه كويس جداََ مفهوووم !!

ضربت صدره بقبضتها وهي تصيح بوجهه :

- سيب دراعي هتكسره !!

التمعت حدة الغضب بعيني إبراهيم وهو ينظر ليدها التي ضربت صدره فأمسك بمرفقها الثاني ، لتجد نفسها هذه المرة وكأنها داخل حضنه تكاد شفتيه تلامس شفتيها وهو يصيح بقوله :

- أقسم بالله يا إيمان ، إيدك تترفع عليا تاني هتلاقيها مكسورة جمب منك أنا حذرتك المرادي بس بلساني عشان أول مرة .

شعورها بالخوف جعل ضربات قلبها تزداد بسرعة ، حاربت ذلك الشعور وهي لا تحيد بعينيها عن عينيه وتقول متحدية إياه :

- تكونش فاكرني هخاف منك ! تبقى بتحلم يا باشا أنا مبخافش من حد .
ظلا علي وضعهما وهو يرد بصوت قوي غاضب :

- طالما مابتحترمنيش يبقى مفيش غير إنك تخافي مني بجد ، أنا حذرتك وأنتي الجانية على نفسك لو اتحدتيني تاني .

دفع بها لترتطم بباب السيارة لتتأوه بصوت مكتوم تحارب بضراوة نزول دمعاتها ، وعندما فشلت التفتت برأسها ناحية النافذة لتمنعه من مشاهدتها وهي تبكي بصمت ، نظر إبراهيم للطريق أمامه وعاود قيادة السيارة ، شعر بنكزة تضرب قلبه لما فعله معها وشعور بالندم يحاوط عقله لقسوته عليها فزفر بضيق ليجد نفسه يضرب المقود بقوة تكاد أن تكسره ، مسحت دمعاتها والتفتت تقول :

- الدريكسيون لو اتكسر العربية هتنقلب بينا ، فلو عايز تموت نزلني أنا واتفضل موت براحتك لوحدك .

التفت إليها فوجدها شبكت ذراعيها أمام صدرها والتفتت للناحية الآخرى ، هدأ قليلا وحاول أن يجمع بعض كلمات ليراضيها ولكنه فضل الصمت والنظر للطريق دون إختلاس حتى ولو نظرة جانبية لها ، وصلا للفيلا وما إن دلفا للداخل ليجدا عمتهما زهرة تسرع ناحيتهما وتقول :

- الحقني يا إبراهيم جدك تعب أوي بعد ما سمع اللي حصل !!

أسرع إبراهيم وإيمان ناحية غرفة جدهما ليطمئنا عليه ، وجدوه نائماََ وأثار التعب والحزن ترتسم فوق ملامح وجهه ، التفت إبراهيم لعمته وهو يتسائل بلهفة و بصوت خافت :

- إيه اللي حصل يا عمتي ؟!

نظرت إليهما بوجه حزين وقالت :

- المحامي بتاعنا في مصر اتصل بينا وقالنا إن عمك سمير رفع قضية حجر على جدك .

                                                                                   
الفصل الرابع عشر:

أغمضت إيمان عينيها حزناً على جدها وعلى مآلت إليه الظروف لذلك مؤكدة لنفسها أنها السبب فيما جرى ، نظرت لعمتها وهي تقول بصوت باكي خافت :

- طب هو كويس ، الدكتور قال حاجة طيب .

فتح الجد عيناه وقال بصوت واهن ، يرفع ذراعه بضعف واضح :

- أنا كويس يا إيمان تعالي ، تعالي اقعدي جمبي .

جلست بجانبه ووضعت كفها الصغير فوق كفه وقالت :

- أنت كويس ؟؟

هز الجد رأسه بالإيجاب بعد أن التمعت عينيه بغشاوة رقيقة من الدموع ، استطردت إيمان قولها وهي تربت فوق كفه :

- شوفت يا جدي قلتلك بلاش ، لكن أنت دماغك ناشفة طالع لبنت ابنك ، اسمع كلامي يا جدي رجع كل حاجة لأصلها ، أنا نا عايزة أكون حفيدتك وبس ، لا عايزة ورث ولا فلوس .

مالت شفتي الجد بابتسامة جانبية وقال :

- أنا فعلاً رجعت كل حاجة لأصلها ، وأصلها أنك أنتي أحق واحدة بفلوس أبوكي ، اوعي تتنازلي عن قرش واحد من حقك ، ولو على عمك سمير أنا هأعرف أتصرف معاه ، وأنتي مالكيش دعوة خالص .

شدت قبضة يدها بكف جدها وهي تقول :

- يا جدي عشان خاطري الحوار وصل للمحاكم وهنقف قصاد بعض والناس تتفرج علينا ، وعشان إيه دا كله الدنيا مش مستاهلة يا جدي ، أنا مش محتاجة أنا بصرف على نفسي من عرق جبيني ، ورشتي مكفياني والحمد لله .

تجهم وجه الجد بالغضب وقال بصوت حاد :

- وووبعدين معاكي كلامك دا هو اللي بيتعبني زيادة ، يالا يالا سيبوني عايز أرتاح .

كتم إبراهيم غضبه بشق الأنفس ولكنه حاول أن يكون ثابتاً أمام جده فقال بصوت قوي :

- ارتاح أنتي يا جدي ومتقلقش ، أنا هتصرف .

استطرد قوله وهو يمد يده لإيمان :
- يالا يا إيمان .
نظرت ليده الممدودة فأشاحت بوجهها بعيداً عنه ، هبت لتقف وقالت لجدها :

- لما نرجع مصر إن شاء الله ساعتها هيحلها اللي لا يغفل ولا ينام .

استدارت وتخطت إبراهيم الذي اصطكت أسنانه غيظاً من تلك العنيدة ، وقبل أن يلحق بها سمع صوت جده وهو يقول :

- إبراهيم حفيدتي أمانة في رقبتك ، دي وصيتي ليك ، إيمان بنت معدنها أصيل ، حافظ عليها ومتزعلهاش ، وأول ما تتاكد أنها تقدر تقف على رجليها لوحدها في الدنيا دي ، ساعتها بس تقدر تتجوز اللي تختارها ، اوعدني يا بني .

مال إبراهيم بجذعه ليقبل يد جده وقال بوجه تعلوه ملامح هادئة مطمئنة :

- أوعدك يا جدي ، متقلقش حبيبي أهم حاجة دلوقتي هي صحتك .
هز الجد رأسه وربت فوق وجنة إبراهيم وكانت عينيه تنطق بإمتنان وحب لحفيده الذي سيكون هو كبير العائلة القادم ، خرج إبراهيم من الغرفة ليجد عمته تقف بقبالته وتقول بوجه جامد الملامح :+

- هنعمل إيه يا إبراهيم في الكارثة دي ؟!

كان يبحث بعينيه عنها ولكنه لم يجدها ، ربت فوق كتف عمته وقال :

- ننزل مصر يا عمتي ونقعد مع المحامي عشان نفهم ، وعلى الأساس دا هنتصرف متقلقيش بس أنتي وخلي بالك من جدي ، هي .. هي إيمان فين !!

أشارت زهرة برأسها ناحية السلم وقالت :

- جريت على أوضتها بس حبيبتي كانت بتعيط ، حتى متدنيش فرصة أتكلم معاها .

شعر إبراهيم بضيق يغلف صدره ، سب نفسه بعدما شعر أنه السبب في حزنها بعد قسوته عليها ، صعد لغرفته ولكنه توقف أمام غرفتها ونقر بأصابعه فوق بابها طرقات خفيفة ليسمع صوتها الباكي وهي تقول :

- مين ؟

أجابها :

- أنا يا إيمان ، افتحي الباب عايز أتكلم معاكي .

رجع برأسه للوراء وهو ينظر للباب فور سماع صراخها وهي تقول :

- مش فاتحة ومات الكلام ما بينا .

زفر بضيق وقال :

- إيمان افتحي نتفاهم .

أسرعت إيمان لتقف أمام بابها وهي تقول بصوت غاضب :

- هو أنت في عنكبوت معشش في ودانك ، قلت مات الكلام ومفيش تفاهم ، واتفضل بقى شوف كنت رايح فين .

ضرب إبراهيم الباب بقبضته وقال :

- لولا حالة جدك والظرف اللي بنمر بيه أنا كنت .. كنت ..
ضرب الباب مرة أخرى ثم أسرع ناحية غرفته قبل أن يكسر الباب فوق رأسها ، فقد تذكر وعده لجده بأنها أمانة لديه ويجب أن يكتم غيظه حفاظاً عليها وعلى وعده .

ظلت إيمان بغرفتها ترفض أي محاولة من عمتها للخروج أو حتى لتناول الطعام إلي أن حل الظلام فضاق صدرها فقررت الخروج ولكنها كانت تدعو ألا تلتقي بهذا الإبراهيم ، فتحت الباب وطلت برأسها فقط لترى إن كان أحداً بالجوار ، وعندما لم تجد أحداً أسرعت بالخروج من الغرفة وعلى أطراف أصابع قدميها سارت بخفة حتى نزلت السلم وبالنهاية زفرت بأريحية عندما خطت خطوتها الأولى داخل حديقة الفيلا ، وعندما اتجهت للارجوحة التي أصبحت مكانها المفضل لتجد من يجلس متهدل الأكتاف وعندما اقتربت أكثر وبتمعن أكبر همست بصوت مسموع :

- أسطى إمام ؟!

هب السائق مفزوعاً واستدار وهو يقول :

- أهلاً آنسة إيمان ، آسف إني قاعد هنا بعتذر .
رفعت إيمان ذراعها وهي تقول معترضة بضيق :

- بس ..بس ..في إيه يا أسطى إمام ، هو أنا قفشتك قاعد في أوضتى ، أنت قاعد في الجنينة وأنا أهو جاية أقعد معاك .

جلست إيمان ونظرت للذي يقف أمامها مطأطأ الرأس ، تأففت بصوت عال وقالت بصوت غاضب :

- أسطى إمام وحد الله كدة واقعد ، أنا النهاردة عفاريت الدنيا بتتنطط في وشي ومش عايزة مناهدة لأني أصلاً مفرهدة ، اقعد واحكيلي .

رفع رأسه وقال بتساؤل :

- أحكيلك عن إيه ؟!

أشارت له بيدها بأن يجلس وهي تنظر له شزراً بأعين متسعة ، انصاع على الفور لأمرها وجلس فوق الأرجوحة ولكن بنهايتها لتكون هناك مساحة كبيرة متسعة بينهما .
صفقت إيمان بكلتا كفيها وهي تقول بنبرة صوت ساخرة :

- أستغفر الله العظيم هو أنا هاكلك يا بني ، أنت ليه محسسني إني هتحرش بيك !!

ارتسمت على وجه إمام البلاهة ولم يجبها ، استطردت قولها بعد جلست القرفصاء فوق فراش الأرجوحة وقالت :

- شكلك زعلان وقاعد كدة زي اللي جيه يزرعها فراولة طلعت قلقاس ، بس هو أكيد عشان خسرت السباق ، صح ؟

التوت زواية فم السائق بابتسامة باهتة وهو يراها ترفع ذراعيها لأعلى وتقول :

- الحمد لله يا رب أنه خسر السباق ، ماهو أنا اللي ييجي عليا مايكسبش ، شوفت أحسن عشان بعد كدة تسيبني وتخلع ، طب كنت استنيت حبة كنت خدتني معاك أساعدك وأشوفلك العربية ، بس نقول ايه وعلى رأي المثل اللي يحفر حفرة لأخوه هاييجي عليه يوم ومياخدهوش أبوه .

ضاق ما بين حاجبي السائق وضاقت عينيه وهو يقول :

- إيه !! إيه المثل دا ، مفيش مثل كدة .

رددت إيمان وهي تقول بثقة :

- عشان أنت واحد جاهل بالأمثلة القديمة اللي كلها فول وكلور ، بس مش مهم أنا هبقى أعلمك ، أهو حاجة تنفعك ، ها قولي بقى مالك ؟

تنهد إمام وهو يقول :

- بغض النظر عن اللي قولتيه ، بس أنا كسبت سباق السيارات لكن خسرت أهم مسابقة في حياتي ، مسابقة الحصول على عيشة.
ظهر الإهتمام جلياً على ملامح إيمان وقالت بلهفة :

- ليه بس اللي حصل ، اتقدمت وهي رفضتك ، بس لأ مش معقول عيشة شكلها مايل ليك ، يبقى أكيد أمها ، بس بردو لا دادة فاطمة ست طيبة و أكيد مترفضكش ، يوووه إيه الحيرة دي ، انجز يا أسطى اؤمؤم وقول ليه ؟

رجع للوراء بظهره بعد أن شبك ذراعيه أمام صدره ، وقال بنبرة صوت حزينة وهو ينظر أمامه :

- لأن دادة فاطمة مستحيل تجوز بنتها الوحيدة لابن مرات جوزها الله يرحمه .

ظلت إيمان تحدق به لكي تفهم وعندما فشلت بذلك ، هزت رأسها أكثر من مرة ثم قالت :
- معلش هو مين اللي اتجوز أبو مين ، قول تاني بس واحدة واحدة عشان أفهم .

نظر إليها وقال وهو يشير لها بيده :

- يا آنسة إيمان بقول لحضرتك ، إن أبو عيشة كان يبقى جوز أمي ، الله يرحمهم جميعاً بقى .

اتسع فاه إيمان وهي تقول :

- آاااه قولتلي بقى ، جوز أمك يبقى جوز أم دادة فاطمة .

ارتسمت الخيبة بملامح وجه السائق وقال بصوت يشوبه اليأس :

- ياااا أنسة إيمان لو سمحتي ركزي ، جوز دادة فاطمة كان جوز أمي ، يعني أبو عيشة كان متجوز اتنين ، فهمتي حضرتك ؟

عاودت إيمان اتساع فاهها مرة أخرى وهي تقول :

- آااه فهمت فهمت ، جوز دادة فاطمة اتجوز أمك ، أحيييه دا أنت فعلاً حكايتك معقدة ، بس ولا يهمك يا زميلي أنا هساعدك .

أسرع السائق بقوله :

- بجد يا آنسة إيمان هتساعديني ، بس إزاي ؟! دادة فاطمة دماغها ناشفة ومستحيل توافق .

مطت إيمان شفتيها وهي تقول :

- أنت هتعقدها ليه وكمان عيب عليك دا أنا الأسطى إيمان ، محدش هيلين دماغها غيري ، آمين يا أسطى ؟

ردد إمام بصوت خافت :

- آمين .

اعتدلت إيمان بجلستها وهي تقول :

- عارف القعدة دي كانت عايزة إيه ، شوية لب وكوبايتين شاي ، بس يا خسارة قعدة ناشفة .

صاح بغضب من ورائهما إبراهيم الذي اشتاط غضباً فور رؤيتهما سوياً من شرفة غرفته ليسرع إليهما وهو يتوعدهما :

- وليه ناشفة نطلب حالاً شاي وقهوة ولب ، وتبقى سهرة للصبح كمان .

انتفض السائق ليهب واقفاً ، أما إيمان فقد وضعت يدها فوق صدرها بعد أن شهقت بفزع وهي تقول :

- بسم الله الرحمن الرحيم !!

استدار إبراهيم حول الأرجوحة وأمسك بمقدمة قميص إمام واقترب بوجهه منه وهو يقول بصوت غاضب :

- قسما بالله لولا إن عم عبد الله موصيني عليك لكنت دلوقتي مرمي برة الفيلا .

أسرعت إيمان تحاول أن تقف حائلاً بينهما وهي تصيح :

- سيبه يا باشا ، سيبه !!

دفع إبراهيم بالسائق بيده ليتراجع إمام عدة خطوات متعثرة للوراء حتى كاد أن يقع أرضاً ، لتقف إيمان متخصرة وهي تصيح أمامه :

- هو في إيه ، حصل إيه لدا كله ؟!!

لم يجبها إبراهيم بل أشار للسائق وهو يصيح به :

- أنت لسة واقف !!
أسرع السائق ناحية الجراج هرباً من غضب صاحب العمل ، أما إبراهيم فمال بوجهه ناحية وجه زوجته وقال :
- عايزة تعرفي حصل إيه ، حصل إن مراتي قاعدة مع السواق بتاعها في نص الليل ومقضياها .

رفعت إيمان سبابتها أمام وجهه وهي تقول محذرة إياه :

- حاسب على كلامك ، إيه مقضياها دي و إيه مراتي دي كمان ، إحنا هنكدب الكدبة ونصدقها .

قال إبراهيم وهو ينظر لها بقوة :

- لا يا هانم مش كدبة ، دا حقيقة أنتي مراتي ، شرعاً وقانوناً مراتي يعني تاخدي بالك كويس أوي من تصرفاتك ، فاهمة ولا لا ؟!!

وبنظرة تحدي قالت :

- لأ مش فاهمة واللي لازم تفهمه أنت إن مالكش حاجة عندي ، وإن العقد اللي اتكتب دي حتة ورقة وهتتقطع قريب أوي ، فاهم أنت ولا لا ؟!!

أمسك إبراهيم بمرفقها وهو يقول بغضب :

- متعصبنيش يا إيمان وفي الأخر أنتي اللي بتزعلي !!

دفعت بيده عن مرفقها وهي تقول :

- اللي تقدر عليه اعمله أنا مبخافش ويكون في علمك مشكلة عمي تخلص ، وبعدها كل واحد فينا هيروح لحاله ، حط أنت بقى الكلام دا في دماغك .

التفتت لتتخطاه فعاود ليمسك مرفقها مرة أخرى وهو يقول :

- هنشوف كلام مين اللي هيمشي يا بنت عمي .

دفعت بيده وهي تقول :

- هنشوف يا باشا .

ظل يحدق بها بعد أن تخطته متجهة لباب الفيلا ، ليزفر بضيق يأساً منه على استقطاب تلك الفتاة العنيدة ، وبعد مرور يومان قضتهما إيمان ما بين غرفتها وغرفة جدها متحاشية تماماً أن تجتمع بإبراهيم بأي مكان حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه ، لتجد نفسها بالنهاية تجلس فوق كرسيها بالطائرة بجانب عمتها زهرة ، التي ربتت فوق كفها وهي تقول :

- حبيبتي على فكرة إبراهيم قلبه أبيض وطيب زيك تمام ، بس أنتو عايزين تلاقو طريقة تتفاهموا بيها مع بعض .

لتسرع إيمان بقولها :

- لا يا ستي مش عايزة أتفاهم معاه ، هو في حاله وأنا في حالي والله يخليكي بلاها السيرة اللي تضايق دي ،  سيبيني مبسوطة كدة يااه أخيراً راجعة بيتي .

قالت عمتها بحزم :

- إيمان إحنا كلنا هنروح الفيلا بتاعتنا في مصر .
وقبل أن تصيح بها إيمان استطردت العمة قولها بعد ما أمسكت بيدها :

- إيمان مش وقت عناد إحنا بنمر بأكبر مشكلة ، قضية وفضيحة وممكن كمان نخسر كل حاجة في الأخر ، ومحدش هيخرجنا من الأزمة دي غيرك أنتي .

أشارت إيمان لنفسها وهي تقول بتساؤل :

- أنا يا عمتي ، إزاي يعني أنا لا القاضي ولا المحامي .

أجابتها عمتها بوجه باسم وقالت :

- المحامي مستنينا في الفيلا وهيفهمنا على كل حاجة ، أوكي يا حبيبتي .

ضربت إيمان ظهرها بظهر الكرسي وهي تقول بغيظ :

- عشان خاطرك بس يا عمتي أنتي وجدي ، أهم حاجة إن أبو ثقب دا ملوش دعوة بيا .

ضحكت العمة وهي تهز رأسها بالإيجاب وبعد برهة من الوقت كانت إيمان تجلس بغرفة المكتب بفيلا جدها وحولها عمتها ومراد وإبراهيم و المحامي الذي يجلس بكرسي المكتب يشرح لهم جوانب القضية ، إلي أن انتفضت عندما نطق المحامي بإسمها قائلاً :

- واضح كلامي يا إيمان هانم .

انتقلت بعينيها بينهم جميعاً ثم قالت وهي تنظر للمحامي :

- تصدق بالله يا حج واللي خلق الخلق أنا ما فاهمة ولا كلمة من اللي اتهبدوا من شوية دول .

سمعت همهمات إعتراضية مكتومة حولها والجميع يهز رأسه بيأس واضح ، لتجد المحامي يبتسم لها وهو يقول :

- هفهمك يا بنتي ، اسمعيني كويس .
               


تعليقات



<>