
رواية عروستي ميكانيكي
الفصل الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر
بقلم سما نور الدين
استطرد المحامي قوله وهو ينظر لإيمان التي تجلس بالكرسي المقابل لمكتبه بصوت هادئ :
- بس قبل ما تسمعيني لازم متزعليش من اللي هقوله .
هزت إيمان رأسها بنعم ثم قالت :
- ربنا مايجيب زعل يا حج ، قول كل اللي عندك بس واحدة واحدة ، أنا سمعاك .
ارتسمت ابتسامة فوق شفتي المحامي نظراََ لما رأي من بساطة وعفوية ولكنه شعر ببعض القلق من تأثير تلك الصفتين على سير القضية ، تنهد ثم قال بصوت هادئ :
- القضية اللي رفعها عمك قايمة على إنه بيتهمك أنتي يا إيمان هانم .
أشارت إيمان لنفسها وهي تقول بصوت حزين :
- أنا بيتهمني بإيه وليه ؟ دا أنا حتى مشوفتوش غير مرة واحدة وكمان هو اللي بداها معايا بالخناق والكلام اللي مش أد كدة ، دا حتى كان هيمد ايده عليا وأنا اللي مسكت نفسي بس عشان في الأخر ومهما كان ، هو يبقى عمي أخو ابويا الله يرحمه .
وبوجه بشوش هز المحامي رأسه وهو يقول :
- عارف يا بنتي بس اللي حصل إنه بيتهمك ، أولاً أنك مش بنت أخوه من الأساس ، ثانياً أنك واحدة نصابة ولعبتي على عقل جدك لغاية ماكتبلك نص ثروته وكمان أرغم حفيده بجوازه منك ، وعشان كدة عايز يثبت إن جدك .
صمت المحامي عن الإسترسال بحديثه مما دفع إيمان لتقول متسائلة :
- إن جدي ماله يا حج كمل كلامك .
زفر المحامي وهو يجيبها :
- إن جدك ليس بكامل قواه العقلية .
ضاقت عيني إيمان وهي تقرب وجهها ناحية المحامي وتقول بهمس :
- دا اللي هو إزاي يعني ، لموأخذة يا حج .
اقترب المحامي بوجهه هو أيضاً وهو يهمس بدوره :
- يعني بيقول إن جدك عقله بقى عامل زي عقل العيال الصغيرة ، وإنه لما كتبلك نص ثروته مكانش بوعيه ، يعني زي مابيقولوا اتجنن في عقله ، فهمتي يا إيمان هانم .
هزت إيمان رأسها بنعم وهي ترجع بظهرها للوراء ثم هبت لتقف فجأة وتصيح بصوت عال :
- أما راجل مش تمام صحيح ، حد يعمل في أبوه كدة يطلعه مجنون قصاد الناس ، اخص اخص ملعون أبو الفلوس اللي تعمل بين الأب وابنه كدة .
وقف مراد متذمراً مما سمعه وقال بضيق :
- إيمان خلي بالك من كلامك دا مهما كان عمك ، وأنا عارف إن بابا مستحيل يستمر في رفع القضية ، وأكيد في النهاية هيسحبها وييجي لغاية هنا يعتذر لجدي ويطلب منه إنه يسامحه .
اتسعت عيناها وصاحت وهي تشير له :
- أنت يانحنوح بتقولي أنا أخلي بالي من كلامي ، شكلك كدة مش عارف أبوك كويس ، وكمان أنت أصلاً إيه اللي مقعدك وسطينا !!
شهقت بصوت عال واتسعت عينيها عن أخرها وهي تستطرد صياحها :
- أنت جاااسوس !!!
أشارت للمحامي وقالت بصوت عال :
- اقبض عليه يا عم الحج .
وقف الجميع وقالت عمتها :
- بس يا إيمان عيب اللي بتقوليه دا ، مراد ابن أخويا وأنا عارفاه كويس لأني أنا اللي مربياه زي إبراهيم بالظبط ومستحيل يعمل أي حاجة تخلي جده يزعل منه .
وقف المحامي وقال :
- اهدي يا إيمان هانم واقعدي علشان نكمل كلامنا ، اتفضلي لو سمحتي .
أمسك إبراهيم بمرفق مراد وقال وهو يحثه على الجلوس :
- إهدا أنت كمان يا مراد ، إيمان متقصدش اقعد .
جلس مراد على مضض وردد بصوت حزين :
- أنا عارف إن بابا غلطان يا إبراهيم وخجلان من اللي عمله في جدي ، بس بردو مقدرتش أستحمل اسمع إهانته واسكت .
ربت إبراهيم فوق كتف مراد وهو يقول :
- مفهوم .. مفهوم .
قال المحامي بصوت قوي :
- القضية دلوقتي معتمدة عليكي يا إيمان هانم .
تنهدت إيمان وقالت :
- بص حضرتك وأنت بتكلمني تقولي يا إيمان وبلاش هانم دي عشان تقيلة على قلبي ، وبعدين تفهمني واحدة واحدة إيه المطلوب مني بالظبط وبعون الله أنا هنفذه .
هز المحامي رأسه وقال :
- اتفقنا يا إيمان ، أولاً المحكمة هتطلب تحليل D.N.A ودا عشان يعرفوا منه إذا كنتي حفيدة حافظ بيه ولا لا ، ودا عبارة عن حاجة زي تحليل الدم فاهمة ؟!
التوت شفتي إيمان وقالت بنزق :
- يعني كمان هتبرع بدمي ، يالاكله فداك يا جدي .
صاح إبراهيم وهو يقول :
- تتبرعي بدمك دا إيه ، دا عبارة عن نقطة دم واحدة .
نظرت إيمان للمحامي وقالت وهي تشير لإبراهيم :
- دلوقتي إيه اللي خشش الأستاذ في الكلام بتاعنا ، لو سمحت قوله مالكش دعوة .
هب إبراهيم واقفاً وهو يصيح بغضب :
- اتأدبي يا إيمان وأنتي بتتكلمي معايا !!
فهبت إيمان بدروها وهي تصيح :
- أنا مؤدبة غصبن عنك وأنا أتكلم براحتي .
وقف مراد أمام إبراهيم ليمنعه من التقدم ناحيتها بعد أن سمع صياح إبراهيم وهو يقول :
- دا أنتي مش عايزة تتادبي بس ، دا أنتي عايزة تتربي من أول وجديد !!
وقفت العمة زهرة أمام إيمان لتمنعها هي الأخرى من التقدم ناحية إبراهيم بعد أن ردت إيمان بصوت عال :
- أنا متربية أحسن تربية روح أنت ربي شنبك الأول .
قالت عمتها وهي تحاول أن تمنعها من التقدم ناحية إبراهيم :
- بس يا إيمان اسكتي عيب اللي بتقوليه دا .
أصبح الجميع يتكلم في وقت واحد وتعالت الأصوات حتى عم الصمت المكان فور سماع صوت ضرب سطح المكتب بقبضتي المحامي وهو يصيح بصوت عال قوي :
- بسسس مسمعش صوت حد فيكم !!!
نظر الجميع للمحامي الغاضب الذي استطرد قوله بصوت حاد وهو يشير بسبابته ناحيتهم :
- قسماً بالله لولا مكانة حافظ بيه اللي زي والدي بالظبط ، أنا كنت سيبت القضية دي بس بجد برافو عليكو ، بمنظركم دا أحب أقولكم أنكم هتخسروا القضية ومن أول جلسة ، كل واحد فيكم يقعد مطرحه !!
جلس الجميع ماعدا زهرة التي كانت تنظر له شزراً فقال المحامي وهو ينظر لها نظرات حب واضحة :
- اتفضلي يا زهرة هانم اقعدي حضرتك عارفة كويس أوي أنك خارج الموضوع ، وإن الكلام موجه للعيال دول بس .
رفعت زهرة أنفها لأعلي ثم جلست بكل أريحية لتضع ساقها فوق الأخرى ، بعد أشاحت بوجهها عن أنظار هذا العاشق المسكين ، همهم الشباب بصوت خافت وهم يرددوا كلمة :
- عيال .
ظل المحامي يحدق بزهرة إلى أن تنحنحت إيمان وهي تقول ، بعد أن أشاحت بنظرها عن زوجها الذي يتوعدها بعينيه ، لتنظر للمحامي الذي ظل هائماً بعمتها :
- مساء الفل يا حج .
سعل المحامي لتنجلي حنجرته وقال :
- نرجع لموضوعنا لازم تفهمي يا إيمان إنك هتقفي قدام القاضي هيسالك وهيتكلم معاكي ، وعشان كدة لازم تستعدي كويس قوي ، أنتي يا إيمان بما إنك ورقة الضغط اللي بيستعملها عمك ضدنا ، لكن في نفس الوقت أنتي بالنسبالنا الورقة الرابحة الوحيدة اللي هدافع بيها عن جدك في القضية الصعبة دي ، يعني لازم تساعديني .
تنهدت إيمان بيأس وقالت :
- الأمر لله مع إن كل كلامك عن الورق اللي معرفش إيه دخله بموضوعنا ، بس مش إشكال ماشي حاضر ، اللي هتقولوا عليه هعمله ، بس .. .
وبتساؤل قال المحامي :
- بس إيه ؟!
نظرت إيمان حولها لتجد الكل ينتظر إجابتها فقالت :
- أنا عندي شرطين .
هذه المرة سأل إبراهيم بتحفز واضح :
- شرطين إيه بالظبط يا بنت عمي .
وقفت وهي تشير له و بصوت غاضب قالت :
- أهو الشرط الأول أنك أنت مالكش دعوة بيا خااالص ، وأنا بحلف أهو قدام الجميع ، أنك لو استقويت عليا تاني بايدك ولو طولت لسانك ورحمة أمي وأبويا لأحدفك بأي حاجة في دماغك أفتحهالك .
هب إبراهيم ليتقدم ناحيتها وللمرة الثانية يقوم مراد بإيقافه ، وتقف العمة بقبالة إيمان وهي تعاتبها على ماقالته ، وتتعالى الأصوات مرة أخري ، ليصرخ المحامي بصوت عال وهو يضرب سطح المكتب :
- وبعدين معااااكو ، كله يقعد مطرحه !!!
انصاع الجميع لأمره ماعدا زهرة ، وضع المحامي يده فوق صدره وأشار لزهرة بيده الثانية ، وبصوت يشوبه اليأس :
- زهرة من فضلك اقعدي ، أنا حاسس إن العيال دي نهايتي هتكون على أيديهم .
أسرعت زهرة لتقف أمام المكتب بعد ما ارتسم القلق فوق صفحة وجهها وقالت بلهفة :
- كمال مالك ؟ حاسس بإيه !!
ابتسم كمال وهو يهمس لها :
- خايفة عليا يا زهرتي .
تخضب وجه زهرة بالإحمرار وقبل أن تنطق ، أسرع إبراهيم بدوره وهو يقف بجانب عمته وقال :
- عمي كمال لو تعبان ، نأجل الإجتماع دا لبعدين .
هز المحامي رأسه بالنفي وقال وهو يجلس فوق كرسيه :
- أنا كويس ، اتفضلوا اقعدوا عشان نكمل اجتماعنا ، يالا اتفضلوا .
تراجع إبراهيم للوراء بتردد ثم نظر شزراً لإيمان التي كان فاهها مفتوح والبلاهة ترتسم بملامح وجهها ، قالت زهرة والتي ظلت واقفة بمكانها :
- بلاش تعاند يا كمال ، خلي إبراهيم يوصلك للبيت ويجبلك دكتور يشوفك .
نظر لها كمال بقوة وهو يقول بنبرة صوت يشوبها العتاب :
- أنا بردو اللي بعاند يا زهرة هانم .
ذمت زهرة شفتيها ورجعت تجلس فوق كرسيها دون معاودة النظر لكمال ، تنهد كمال وقال وهو ينظر لإيمان :
- ها يا بنتي والشرط التاني ؟؟
ضاق مابين حاجبي إيمان وهي تقول :
- شرط إيه حضرتك لموأخذة مش واخدة بالي .
أجابها المحامي كمال :
- يا بنتي أنتي مش قلتي عندك شرطين ، الأول وعرفناه التاني بقى عبارة عن إيه ؟
فتحت إيمان فاهها وهي تصيح :
- آااه افتكرت معلش أصل اللي حصل قدامي دا كان حاجة كدة يعني هزت قلبي حبتين ، قلتلي بقى إيه هو الشرط التاني ، أيوة أيوة اللهم صلي على النبي ، الشرط هو إن أول ما تخلص القضية ورقة الطلاق تكون في إيدي ، آمين كدة يا حج ؟؟
هب إبراهيم ليقف بعصبية ، فأشار له المحامي وقال :
- من فضلك يا إبراهيم اقعد مكانك و سيبني أتفاهم مع مراتك .
وقبل أن تعترض إيمان على تلك الكلمة الأخيرة ، قال المحامي وهو ينظر إليها :
- أوعدك يا بنتي إن الكل هنا هيحترمك ومايمسش إحساسك بكلمة واحدة ، وخلي بالك إن دا مش كلامي دا وصية جدك ، وأما بخصوص الشرط التاني أوعدك إن ساعتها لو طلبت الإنفصال عن اقتناع ، أنا أول واحد هقف جمبك وأساعدك وورقة طلاقك هتكون في إيدك ، اتفقنا كدة ؟؟
قال إبراهيم بصوت غاضب :
- عمي حضرتك بتقول إيه ؟!
أجابه كمال :
- إهدا يا إبراهيم ، دا حقها يا بني في إنها تستمر أو لا في موضوع الجواز ، إهدا وساعتها نتكلم ونتفاهم .
استطرد كمال قوله وهو ينظر لإيمان :
- بس زي يا بنتي ما وعدتك ، أنتي كمان لازم توعديني ، أولاً عشان جدك ثانياً عشان أضمن إن شاء الله إننا نكسب القضية .
هزت إيمان راسها وهي تقول :
- بص أنت راجل زي العسل ، أؤمر وأنا تحت أمرك. .
ضحك المحامي وهو يقول :
- الأمر لله يا بنتي ، أنا كل اللي عايزه إنك توعديني إنك توافقي على اللي هيطلبوه منك إبراهيم وعمتك زهرة هانم ، واللي زي مقولتلك إن بمساعدتك دي هنضمن إننا نكسب القضية ، اتفقنا ؟
تنهدت إيمان وهزت رأسها وهبت لتقف ثم مدت يدها لتصافح المحامي وهي تقول :
- اتفقنا يا حج ووعد مني أنا الأسطى إيمان اللي كلمتها زي السيف ، إني هساعد لغاية مانخلص من أم القضية المنيلة دي على خير .
مد المحامي يده ليصافحها مانعاً نفسه بشق الأنفس من الضحك ، وقال وهو ينظر للجميع :
- أنا هستأذن دلوقتي بس هطمن على حافظ بيه قبل ما أمشي ، وأي تطور بسير القضية هكلمك يا إبراهيم .
أشارت له زهرة بيدها وهي تتجه ناحية الباب وقالت :
- اتفضل معايا يا كمال بيه ، أصلاً بابا مستنيك بأوضته .
خرجا الإثنان وقبل أن يخرج مراد أمسكت إيمان بمرفقه لتقول :
- متزعلش مني يا ابن عمي ، بس عملة أبوك السودا هي خلتني أقول كدة .
مط مراد شفتيه وهز رأسه دون أن يجيبها وخرج من الغرفة لتجد إيمان نفسها مع إبراهيم وحدهما ، تنحنحت وقالت بصوت هادئ :
- أنا بكدة عداني العيب ، أروح بيتي بقى .
تنهد إبراهيم بعمق وهو مغمض العينين ، يحاول أن يكبح لجام غضبه حتى قال بعد أن استعاد ثباته :
- إيمان لو سمحتي ، لازم تفهمي إن عمي هيكون مراقب كل تحركاتنا وإننا لازم نثبت قدام الناس قبل المحكمة أنك فعلاً مراتي ، يعني مينفعش تروحي بيتك القديم والأهم من كدة إنك بكرة هتيجي معايا الشركة .
رمت إيمان نفسها فوق كرسيها وهي تنظر للفراغ ، تهدلت أكتافها وقالت :
- يعني إيه هفضل هنا ، بس .. بس أنا لازم أروح البيت عشان أشوف خالتي تهاني ولوزة وبلاطة ، ولازم كمان أشوف حد يمسك الورشة لغاية ما أرجع .
جلس إبراهيم بالكرسي الذي بقبالتها وقال :
- طب إيه رأيك تروحي تسلمي عليهم وبعدين ترجعي تاني .
هبت واقفة وهي تقول :
- أول مرة تقول كلمة كويسة من ساعة ماشوفنا بعض ، أروح وأسلم عليهم وأشوف الدنيا فيها إيه وأرجع تاني .
مط إبراهيم شفتيه وقال وهو يشير لها بالتقدم أمامه :
- اتفضلي معايا وأنا هوصلك .
تمتمت ببعض الكلمات الغير مفهومة وهي تسير بجانبه ، خرجا من باب الفيلا ليصلا الى الجراج ، وما إن توجه إبراهيم لسيارته حتى اتسع فاه إيمان وهي ترى السيارة الفارهة لتدور حولها وعينيها تنظر بتمعن وقوة وانبهار واضح ، تنهد ابراهيم وصاح بصوت عال :
- هتفضلي تدوري حواليا كدة كتير ، ماتركبي .
ليجدها تقف أمام مقدمة السيارة وتقول :
- افتح الكابوت يا باشا .
خرج إبراهيم من السيارة وأغلق بابها بحركة عصبية وقال :
- ممكن أفهم في إيه ، عايزاني أفتح الكابوت ليه ؟!
كان الإنبهار يشع من عينيها وهي تقول :
- العروسة دي تبقى بتاعتك يا باشا ، دي .. دي عربية مرسيدس 180 بنز موديل السنة الجاية 1332 سي سي ، أنت عارف يا باشا يعني إيه ، يعني عربية 136حصان ، يعني سبع سرعات يا باشا ، يالهوي بالي ياجدعان .
رفع إبراهيم حاجبيه تعجباً من كم المعلومات التي تعرفها عن سيارته الجديدة والذي هو نفسه يجهل الكثير عنها ، فقال متعجباً :
- أنتي عرفتي كل دا إزاي ؟!!!
صاحت به وهي تقول بثقة :
- عيب عليك دي شغلتي ، بس بصراحة اللهم صلي على النبي ، عربية عربية ، مبروك عليك ، ربنا يحميها .
ابتسم إبراهيم ورفع أمام وجهها مفتاح السيارة وقال :
- إيه رأيك تسوقيها أنتي .
اتسع فاهها وعينيها التي انتقلت بين وجه إبراهيم ومفتاح السيارة لتصيح بقولها :
- قول وحياة أمك !!!!
الفصـــــــــــــــــــــــل السادس عشر:
صعق ابراهيم فور سماعه لكلمتها و صاح بها :
- إيه !! أقول وحياة مين ؟
أدركت ماقالته فضحكت ببلاهة ولوحت بيدها وهي تقول بتلعثم :
- لا لا ماتاخدش في بالك ، مش وحياة حد إيدك ع المفاتيح .
أعطاها المفاتيح وهو ممتعض الوجه ، وقال بنزق :
- اتفضلي يا هانم ، مش عارف ليه حاسس إني هاندم أصل سواقة الستات حاجة متطمنش .
أخذت ترمي بالمفاتيح عالياً وتلتقطها بيدها عدة مرات وتهز برأسها بكل فخر وهي تقول بكل ثقة :
- عيب عليك اتفضل معايا ، بص وشوف وركز واتعلم .
التوت شفتيه جانباً وهو يشير لها بذراعه وقال ساخراً :
- اتفضلي لما نشوف ، وأنا عارف إن اخرتنا هندخل في شجرة أو عمود .
وقفت أمام باب السيارة لتنظر له وهو واقف أمام باب السيارة من الناحية المقابلة لها وقالت :
- عارف يا باشا أنا مش هحاسبك ع الكلام دا دلوقتي ، لكن هيكون ليا عندك حق عرب آمين .
وجد إبراهيم نفسه يهز برأسه إيجاباً وقال دون أن يدري :
- آمين .
اتسعت عيني إبراهيم بعد أن وعى لنفسه وهو يجيبها بنفس لغتها ، انتفض على أثر سماعه لصوتها العال :
- هتفضل واقف مكانك كدة كتير يا باشا متخافش ، روحك في ايد أمينة ، دا أنا الأسطى إيمان والأجر ع الله .
جلس بمكانه وربط حزام الامان حول جذعه ونظر إليها فوجدها تنظر بحماس لتلك الشاشات الصغيرة الدائرية المضيئة وراء مقود السيارة ثم التفتت إليه وهي تقول غامزة بعينيها :
- مش بقولك عربية عربية ، سمي بالرحمن .
ضاق مابين حاجبي إبراهيم وهو ينظر لجانب وجهها ليتفاجأ بتحريك السيارة بسرعة ، أسرع بالتفاتة من رأسه لينظر أمامه وما إن خرجت إيمان بالسيارة من بوابة الفيلا حتى ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة عابثة وبكفها الصغير وبحركة صغيرة لمحرك السرعات الإلكتروني انطلقت السيارة بأقصى سرعة ، كان الطريق غير مزدحماً مما ساعد تلك المتحمسة للقيادة السريعة والتحرك من بين السيارات بحرفية عالية ، ومع أن بعض القلق تسلل لإبراهيم إلا أنه أخذ ينتقل بعينيه بين الطريق ووجه تلك الشغوفة بما تفعله ليجدها بعد برهة من الوقت تتوقف على جانب الطريق ، وتلتفت بجذعها وابتسامة النصر والفخر تفترش صفحة وجهها وتقول بنبرة ساخرة :
- هااا سمعني كدة تاني كنت بتقول إيه على سواقة الستات .
التفت هو الأخر وقال بعد أن ضحك ضحكة خافتة :
- لكل قاعدة استثناء وأنتي بكل تاكيد أكبر إستثناء .
رفعت حاجبها ومطت شفتيها وقالت بنزق :
- أنا اسمي إيمان يا باشا مش سناء .
ضحك بقوة وقال :
- عارف إنك إيمان ، إيمان بنت عمي ومراتي بس ممكن أسالك إحنا ليه وقفنا هنا ؟
زاغت عينيها وتلكئت بقولها بعد ما سمعت لأول مرة نبرة صوته الهادئة :
- عشان مينفعش نروح الحارة وندخل عليهم كدة .
.ظهرالتعجب بوجه إبراهيم وقال متسائلاً :
- كدة يعني إيه ؟ مش فاهم .
أشارت له ثم لنفسها وهي تقول :
- كدة يعني هندخل على الناس طرزانات بإيدينا فاضية .
ضاقت عيني إبراهيم نتيجة عدم فهمه لما قالت ، فتنهدت بيأس وقالت :
- يعني مش إحنا لسة راجعين من سفرومش من أي بلد دي تركيا ، نقوم ندخل عليهم من غير هدية ولا حتى طبق هريسة وقرصين مشبك .
هز إبراهيم رأسه بالنفي وهتف بها :
- وهو اللي بيرجع من تركيا بيكون جايب معاه هريسة والبتاع التاني اللي معرفش اسمه إيه ؟
التوت شفتها العلوية وهي تقول :
- اسمه مشبك ، أومال ندخل عليهم بإيه إن شاء الله .
صاح بها ولكن بصوت هادئ :
- مش لازم يا إيمان أنتي رايحة تسلمي عليهم ، ربع ساعة ونمشي بعدين بعدين ، يالا بينا عشان مانتأخرش .
لاحت بيدها أمامه وهي تهتف بصوت عال :
- لا طبعااا مينفعش عيب ، يقولوا عليا إيه !
زفر إبراهيم بغيظ وقال من بين أسنانه :
- طيب اتفضلي سوقي في مول قريب من هنا ، نروح و تشتري اللي أنتي عايزاه .
هزت رأسها وعينيها تتسائل :
- إيه ؟ مون إيه اللي نروحه لأ لأ ، إحنا مش هنروح ولا مون ولا تون .
اعتدلت بجلستها فوق كرسيها وقالت وهي تمسك بالمقود :
- إحنا بالصلاة على النبي كدة هنروح الحسين هنجيب أرواح وملبس لعيال الحارة من أكبر عطار هناك وبعد كدة نلف على المحلات اللي جمبه نشتري كام هدية حلوين كدة للبت لوزة وأخوها وخالتي تهاني .
التفتت برأسها له وهي تشير له باصبعها واستطردت قولها بعد أن بدأت بقيادة السيارة :
- وأه صحيح ابقى فكرني نشتري هدية حلوة كدة وعليها القيمة لشيخ الجامع عندنا ، اوعى تنسى يا باشا .
ولاؤل مرة يفتح إبراهيم فاهه تعجباً مما سمعه ولما هو ذاهب إليه ، كانا الإثنان يتجولان داخل أروقة منطقة الحسين العتيقة يحملان بإيديهما بعضا من الحقائب البلاستيكة المحملة بالكثير من الحلوى والهدايا بعد مجادلات ومشاجرات حول من سيدفع ثمن هذه الهدايا لتنتهي المناقشة بحسم إبراهيم للموضوع بأنه هو الرجل وزوجها وهو المسئول عنها لتصمت بالنهاية مع وعد منها بسد هذا الدين ، كانت لا تنتهي من ثرثرتها حول أهل الحارة وكان إبراهيم ينظر حوله متعجباً ومعجباً بذات الوقت ؛ لأنه وللمرة الأولى طوال حياته يذهب لهذا المكان والتي تتميز جدرانه بالأحجار الكبيرة والنوافذ الأرابيسك الخشبية المزينة بنقوش إسلامية ، يسمع صوت خطواته عندما يضرب بكعب حذائه تلك البلاطات الصلبة سوداء اللون التي تفترش الأرض والمتراصة بشكل هندسي سليم ، التفت إليها وهي تقول بحماس وسعادة :
- كدة مايبقاش فاضلنا غير هدية شيخ الجامع الشيخ سعيد ، كان صاحب أبويا الله يرحمه كان دايماً ييجي ويقعد معايا في الورشة عشان يسالني عن حالي ويطمن عليا ويساعدني لو كنت محتاجة حاجة ، ها فكر معايا نجبله إيه ؟
لم تعطه فرصة للرد عندما توقفت مكانها وهي تنظر للواجهة الزجاجية وقالت بسعادة :
- بسسس لقيتها !! إيه رأيك في العباية دي شبه اللي بيلبسوها الرجالة في الخليج أنا هجبها وأقوله يلبسها في صلاة العيد .
مر أكثر من ساعتين من التجوال والتسوق وقبل أن يصلا للسيارة قالت إيمان وهي تلعق بلسانها مخروط المثلجات المتنوع مكوناته بين الشيكولاتة والمانجو :
- طبعا ًزمانك بتقول لنفسك دلوقتي ، أنا إيه اللي ضربني في دماغي وخلاني أجي معاها ، صح ؟
هز إبراهيم رأسه وهو يضحك وقال :
- لا ياستي مش ندمان ولا حاجة بالعكس ، بس أتمنى إن اليوم يمر بسلام من غير ماتحدفيني بحاجة تفتحي بيها دماغي زي مقولتي قدام المحامي .
توقفت إيمان عن مواصلة السير بعد انتهت من أكل حلوتها المثلجة لتنظر له دون أن تنطق بكلمة ، فتوقف هو الأخر ليستدير ويقول لها :
- إيه وقفتي ليه ؟!
تقدمت ناحيته وقالت وهي ترفع رأسها لتقابل بعينيها الدامعة عينيه المتسائلة :
- أنت السبب اللي خلاني اقول كدة لما قسيت واستقويت عليا بالجامد ، وأنا معرفتش أرد عليك ساعتها .
تمعن بكامل ملامح وجهها حتى نظر داخل عينيها بقوة ، وقال بصوت هادئ كلمة واحدة أربكتها :
- أسف .
رمشت بعينيها عدة مرات وقالت وهي تتخطاه :
- آ آ آ محصلش حاجة والمسامح كريم ، يالا بينا .
أسرع بوقوفه أمامها مرة أخرى وقال وهو باسم الوجه :
- أوعدك إني هحاول امسك أعصابي قصاد اللي بتعمليه معايا ومقساش أو استقوى عليكي تاني .
ابتلعت ريقها بصعوبة بعد سماعها لنبرة صوته الجنون وصوته الهادئ فتخطته مسرعة وهي تهز رأسها بالإيجاب ، اتبعها بخطواته الواسعة لتجده بجانبها ينظر إليها ويبتسم لتبادله دون أن تعي نفس الإبتسامة الهادئة ولاؤل مرة يمر الأمر بينهما بسلام .
قاد إبراهيم السيارة هذه المرة ليتوقف جانب الطريق كما أشارت له إيمان وهي تقول :
- باسسس هنا يا باشا ، والله كان نفسي أقولك اتفضل معايا بس زي مانت شايف ، عربية زي دي مش هتنفع تدخل الحارة وياسيدي توشكر على تعبك معايا وألف شكر كمان على التوصيلة ، سلام يا باشا .
وقبل ما تمد يدها لمقبض باب السيارة أمسك إبراهيم بمرفقها وهو يقول :
- هو إيه اللي شكراً وسلام ، إحنا مش اتفقنا نروح ونرجع سوا .
نظرت إيمان ليده ثم لوجهه ، فتركها بعد أن مط شفتيه وقال :
- إيمان أنا هاجي معاكي تسلمي عليهم ونمشي ، ماهو أنا مش هسيبك ،+
تنهدت بيأس وهي تقول :
- هو أنا مقبوض عليا مجراش حاجة يعني لو نمت النهاردة في بيتي ، وتاني يوم الصبح يا سيدي هتلاقيني بفطر معاكو في الفيلا .
وبصوت قوي حسم إبراهيم الأمر بقوله :
- إيمان متحاوليش مافيش حاجة اسمها تباتي برة بيت جدك اللي أكيد هيسأل عنك هو وعمتك ، أنا هسيبك تقضي الوقت اللي أنتي عايزاه معاهم وبعدها تكلميني ونتقابل هنا في نفس المكان عشان نروح ،
رفع حاجبه ومال برأسه واستطرد قوله يقلدها :
- آمين .
رفعت حاجبيها وانفرجت شفتيها تعجباً وقالت وهي تهز رأسها :
- آمين .
ردد قائلاً :
- هاتمشي إزاي بالأكياس دي كلها لوحدك ، أنا جاي معاكي .
لم يعطها فرصة للقبول أو الرفض وخرح من السيارة متجها لحقيبة السيارة الخلفية الممتلئة بالحقائب ، زفرت بيأس وهي تهمس لنفسها :
- وبعدين بقى في الراجل دا .
حملت معه الحقائب وقالت بنزق وهي تنظر حولها :
- مش هينفع نسيب العربية دي كدة .
صاحت بعلو صوتها بعد أن وجدت غايتها :
- واد يااا طيارة تعاال ياض .
جرى الشاب الصغير ناحيتها وهو يهتف سعيداً :
- حمدالله يا أسطى إيمان ، الحارة وحشة من غيرك يا أسطى هاتي عنك .
أجابته وهي تقول :
- لا متشيلش حاجة أنا عايزاك تاخد العروسة دي وتوديها جراج عم اسماعيل وتقوله أسطى إيمان بتقولك خلي الأمانة دي عندك لغاية ماتستلمها منك ، آمين ياض .
نظر الشاب للسيارة مذهولاً وأخذ يلف حولها وهو يقول :
- دي عربيتك يا أسطى أنا سمعت إن عيلتك الغنية ظهرت وهتاخدك تعيشي معاهم ، والباشا الأوبهة دا يبقى قريبك صح يا أسطى .
مدت يدها لإبراهيم الذي كان يقف صامتاً ومتعجباً لتأخذ منه مفاتيح السيارة وترميها بالهواء ليلتقطها الشاب وهو يسمع قولها :
- مش وقته يا طيارة وزي مقولتلك ، هما ساعتين زمن يالا طير .
مشت خطوتين وتوقفت تنظر ورائها لغبراهيم الذي كان يرى سيارته تبتعد وتختفي عن أنظاره ، هتفت به إيمان :
- باااشا يالا بينا .
التفت ناحيتها ومشى بجانبها وهو يقول متسائلاً :
- ممكن أعرف مين طيارة دا اللي ساق عربيتي وطار بيها ؟
وقبل أن يدخلا الحارة أجابته بأريحية :
- متقلقش يا باشا دا الواد طيارة حرامي عربيات .
الفصل السابع عشر
ما إن سمع بما قالته حتى تسمر إبراهيم مكانه ووقعت منه الحقائب أرضاً ، توقفت إيمان عندما سمعت صوت ارتطام الحقائب بالأرض فالتفتت ناحيته تنتقل بعينيها بين الحقائب وهذا الشاحب الواقف مكانه ينظر لها بأعين متسعة وفاه مفتوح .
تقدمت ناحيته وهي تنظر له بتعجب فتسائلت وهي تلوح بيدها أمام عينيه :
- بسم الله الرحمن الرحيم ، باشا جرى إيه مالك ؟!
وعندما لم يجبها وظل على حاله ، صرخت بوجه مرة ثانية :
- باااشا !!
رمش بعينيه عدة مرات ثم نظر لها بغضب وغيظ ، وقال بصوت عال حاد وهو يشير بيده ناحية الطريق :
- إديتي عربيتي لواحد حرامي سيارات ، وبتسأليني مااالك !!
رفعت حاجبيها عالياً وفتحت فمها على اتساعه وهي تقول بأريحية :
- آاااه هو دا اللي خلاك مش شايف قدامك ومزرزر كدة اطمن يا باشا ، الواد طيارة ابن حتتي ولا يمكن أبداً يعلم عليا ولا يعض حد من أهل حارته ، دا حرامي شريف وكمان هو والحمد لله ، ربنا تاب عليه وبقى ماشي في السليم ، دا أنت تسلمه عربيتك وأنت مطمن وتروح بيتك وتتعشى وتنام وتشخر كمان .
كز إبراهيم على أسنانه من الغيظ والغضب حتى وصل صوت إصطاك أسنانه لأذني إيمان فقالت وهي تضرب جانب رقبتها بيدها وهي تقول :
- متقلقش يا باشا عربيتك في الأمان ، أنا أضمنهالك برقبتي يالا بينا بقى .
نظر لها نظرات غيظ قاتلة ثم مال بجذعه ليحمل تلك الحقائب مرة أخرى ، أسرعت إيمان بقولها :
- بص يا باشا لو حد سألني أو سألك أنت تبقالي إيه ، هنقول إنك ابن عمي وبس ، آمين .
ردد إبراهيم بغضب :
- هو إيه اللي آمين ، أنتي بنت عمي ومراتي وأنا أبقى جوزك .
زفرت بضيق وقالت وهي تشير له بيدها :
- يا عمنا إفهمني مالوش لازمة نقول عشان حدوتة جوازنا فترة وهتخلص ، يبقى ليه نفتح علينا فاتوحة جواز وطلاق وليه وعشان إيه ، خلينا كدة خفيف خفيف ماشي .
لم يجبها بأي كلمة او حتى بإشارة من رأسه ، ظل صامتاً لتقول وهي تنظر له بتوجس :
- يالا بينا .
مشى بجانبها وما إن دلفت الحارة وشاهدها الصبية والبنات الصغيرة التي تلعب بالحارة حتى صرخوا باسمها وهجموا عليها فرحين مهللين ، رجع إبراهيم للوراء ليفسح المجال للأطفال الملتفين حول زوجته فرحين بعودتها .
صاحت بهم إيمان الإبتسامة تفترش صفحة وجهها :
- إزيكوا يا عياال وحشتوني يا ولاد اللذينة ، استنوا استنوا اقفوا كدة تمام وافتحوا إيديكوا .
وبلحظة واحدة انصاع الأطفال لأمرها ووقفوا بانتباه وفتحوا كفوفهم الصغيرة باتجاهها ، التفتت حولها لتجد إبراهيم ينظر لها بترقب إنتظاراً لما سيحدث ، أشارت له بيدها ليجلب لها الحقيبة الممتلئة بالحلوى ، أعطاها إياها ليجدها توزع الحلوى على كل الأطفال الملتفين حولها وما إن انتهت حتى هرعوا الأطفال لمواصلة اللعب وتبادل الحلوى بينهم والسعادة الغامرة مرسومة بوجوههم الصغيرة .
كانت تسير بجانبه بالحارة الضيقة تلوح بيدها توزع التحيات والسلامات لكل من يمروا بجانبها من نساء ورجال لتقف فجأة عندما وجدت صبي صغير يحتضن ساقيها وهو يقول :
- إزيك يا أسطى حمدالله ع السلامة .
أخفضا كل من إيمان وإبراهيم رأسيهما ليجدا صبي صغير يحتضن ساقيها بحميمية واضحة لتصيح إيمان :
- بلاطة إزيك ياض وحشتني يالا .
ويتفاجأ إبراهيم بمن يلتف حولها من رجال ونساء يلقون التحية وقول الحمد لله على رجوعها بالسلامة ، وكانت الكلمة المتداولة فيما بينهم هي "حمدالله ع السلامة يا أسطى إيمان الحارة كانت مضلمة من غيرك والله "
ردت إيمان التحيات لتبدأ بتلقي الأسئلة المعتادة عن حالها وعن عائلتها الثرية ، لينتبها الإثنان لسؤال من شاب يقف بوجه جامد ونظرات كارهة وهو يقول :
- مش تعرفينا يا أسطى إيمان على الباشا .
وقبل أن تجيب مد إبراهيم يده ناحية هذا الشاب المتحفز وهو يقول متحدياً إياه :
- إبراهيم سالم ابن عم إيمان وجوزها .
ظهرت الصدمة بوضوح على وجوه الجميع حتى إيمان التي التفتت إلى إبراهيم بغضب ، ثم تعالت أصوات الزغاريط وانهالت عليها المباركات ، تراجع الشاب المتسائل للوراء دون كلمة واحدة ولم يصدر عنه سوى نظرات خيبة وملامح الهزيمة تكسو وجهه ، عاتبتها بعض النساء لعدم إبلاغ أهل حارتها أو دعوتهم للزفاف ، تلكئت إيمان بقولها وهي تحاول أن تخرج من ذاك المأزق فقالت :
- يا جماعة متزعلوش دا كتب كتاب بس ، لكن إن شاء الله كلكم معزومين على الفرح .
وبصعوبة بالغة تخلصت ممن حولها لتجد من يتشبث بيدها وما كان إلا الصبي بلاطة الذي اصطحبهما هما الإثنان للبيت الذي إمتلأ بالصياح والتهليل بقدوم إيمان .
وبعد برهة من الوقت وجد إبراهيم نفسه جالساً فوق أريكة قديمة قابعة داخل صالة ضيقة صغيرة ولكنها كانت تتسع بقلوب ساكنيها ، لقى ترحيبا حاراً من الخالة تهاني وابنتها التي اتسعت عينيها وفاهها فور لقائه ومعرفتها بأنه زوج إيمان وبعد توزيع الهدايا جلست إيمان بجانبه وهمست له :
- أنا هغيب عنك نصاية وراجعة تاني .
نظر لها وهو يقول من بين أسنانه :
- نصاية إيه وتروحي فين ؟! سلمي عليهم ويالا نمشي .
رفعت حاجبيها وقالت وهي تشد ذراعه :
- نمشي إيه !! أنت مش شامم الريحة .
تعجب إبراهيم وهو يقول :
- ريحة إيه ؟!!
أجابته مسرعة وبحماس :
- ريحة المحشي المسقي بشوربة الفراخ البلدي ، عليا النعمة ماهمشي غير لما ناكل دا محشي خالتي تهاني يعني صعب نلاقيه ، وبص متقلقش هي ربعاية هروح للشيخ سعيد أسلم عليه وأديه الهدية وأجي جري ، آمين سلام .
هربت من جانبه قبل أن يجيبها أو يمسك بها ، ليجد نفسه وحيداً أمام هذا الصبي وأخته اللذان يتمعنان بملامحه وهيئته وكانه تمثال بالمتحف ، خرجت الخالة من المطبخ وهي تقول الإبتسامة تعلو وجهها :
منور يابني ..عشر دقايق والاكل يكون جاهز .."..
..وبإبتسامة هادئة وصوت قوي قال ابراهيم..
.."..البيت منور بأهله ..وياريت متتعبيش نفسك ..احنا شوية وماشيين.."..
..شهقت الخالة وهي تضرب صدرها وتقول
.."..والله لا يمكن ..معقول تمشوا قبل ماتتعشوا ..دا حضرتك من طرف اغلى الناس .."..
..رق صوتها وقالت وكأنها تتوسله بعد ناجلست بجانبه..
.."..بالله عليك يابني تخلي بالك من ايمان وتحطها في عينيك..دي بنت طيبة وجدعة و مافيش في حنيتها..هي اللي وقفت جمبنا بعد ما جوزي اتوفى ومخلتناش نتحوج لحد ..ربنا يعلم انك دخلت قلبي من ساعة ماشوفتك وحمدت ربنا ان ايمان وقعت في واحد زيك ..اصلك يابني متعرفش ايمان دي غالية عندي اد ايه ..في غلاوة ولادي وربنا الشاهد .."..
..هز ابراهيم رأسه بالايجاب بعدما شعر بنبضات قلبه تتسارع وقال ..
.."..اطمني ياست تهاني ..ايمان في عينيا زي مقولتي .."..
..صاح صوت الصبي وهو يقول بغضب ..
.."..لو زعلتها انا اللي هقفلك ..ايمان وراها رجالة عشان تبقى عارف.."..
..ضربته اخته ضربة خفيفة خلف رأسه وقالت بتلعثم وهي تبتسم ببلاهة..
.."..لموأخذة ياباشا ..متاخدش على كلامه دا عيل اهبل.."..
..ضحك ابراهيم وقال وهو ينظر للصبي الذي يحاول ان يتملص من بين ذراعي اخته ..
.."..لا مافيش حاجة .."..
..استطرد قوله وهو ينظر للصبي الغيور الغاضب ..
.."..متقلقش حضرتك مش هزعلها .."..
****************
..حاول ابراهيم اقناع ايمان بالرحيل ليجد نفسه بالنهاية جالسا ارضا وامامه اطباق المحشو الساخن والدجاج المشوي ..ووسط جو عائلي بسيط مرت الساعتان بسرعة ..وهرع بلاطة للشاب الذي يدعى طيارة لكي يبلغه بأن يأتي بالسيارة عند المكان المحدد...وبعد الاستئذان بالرحيل ووعد بزيارة قادمة قريبا ..كانت ايمان تمسك بمرفق صديقتها عزة وتسحبها لغرفتها وهي تقول بعد ان اخرجت من جيب بنطالها ظرف ابيض ..
.."..عاملة ايه في العيادة اللي بتشتغلي فيها بت يالوزة..استني خدي امسكي الظرف دا فيه فلوس الشهر ..تديه لخالتي ..عا بال مااشوف حد يمسك الورشة لغاية ماارجع .."..
..حاولت عزة ان تدفع بيد ايمان الممسكة بالظرف وقالت بخجل..
.."..مافيش داعي ياايمان خلاص والنبي.. "..
..امسكت ايمان بكف عزة ودست بداخله الظرف وهي تقول بصوت جاد ..
.."..انتي تسكتي خالص فاهمة ..اول حاجة تجيبيها علاج الشهر لخالتي والباقي لمصروف البيت ولو الواد بلاطة احتاج حاجة تجيبهالوا ..وانتي ربنا يسهل واجبلك شغلانة حلوة ..امين ياهبلة.."..
..ابتسمت عزة لها وهزت رأسها بالايجاب ثم تجهمت مرة اخرى وهي تقول متعجبة ..
.."..انتي قلتي ترجعي تاني... ترجعي فين ..انتي مش خلاص اتجوزتي..والباشا المز دا عمره ماهيخليكي ترجعي تشتغلي بالورشة تاني ..معروفة يعني.."..
..نكزتها ايمان بصدرها وهي تقول بضيق..
.."..اسكتي يابت ياهبلة انتي ..انتي مش عارفة حاجة ..ابقى افهمك بعدين .."..
..قالت عزة بنزق..
.."..والله انتي اللي هبلة ..حد يبقى معاه راجل حلو كدة ويرجع تاني ..بدل ماتمسكي فيه بايديكي وسنانك ..يابت الرجالة الحلوة دي محدش بيشوفها غير في التليفزيون بس ..تقومي تقولي ارجع..رجعت المية من زورك ياشيخة.."..
..وقبل ان تجيبها ايمان بقبضة تضرب صدرها صدح صوت ابراهيم عاليا بإسمها ..
فجرت مسرعة خارج الغرفة وبعد المصافحة خرحا الاثنان من البيت ..ليمسك ابراهيم بكف أيمان وكأنه يعلن للجميع وخاصة لذاك الشاب الذي يقف خارج محله وينظر له شزرا..حاولت ان تخلص كفها الصغير من بين راحة يده ..وهي تقول بصوت خافت..
.."..ماتسيب ايدي ونمشي عادي ..انت كدة بتكسفني قدام الخلق.."..
..لم ينصاع لكلامها وظل على حاله ناظرا امامه غير عابئ بنظرات اهل الحارة والتي منها سعيدا ومنها الحاقد..
..وقفا الاثنان عند مدخل الشارع الرئيسي ليجدا سيارة ابراهيم اتية من بعيد وبداخلها الشاب طيارة والصبي الصغير بلاطة ..وقف طيارة بالسيارة على جانب الطريق وخرج منها وهو رافعا كلتا ذراعيه وهو يقول بصوت عال..
.."..العروسة اهي ياسطى مش ناقصة فتفوتة .."..
..لوحت ايمان بذراعيها وهي تقول ..
.."..اهو انت كدة كفاءة .."..
..اخذت منه المفاتيح واعطتها لابراهيم وقالت له بصوت خافت ..
.."..اركب انت ياباشا خمسة وراجعة .."..
..قطب ابراهيم جبينه وهو يراها تتحدث مع طيارة جانبا ..تنهد وركب سيارته ليجد الصبي بلاطة جالسا بجانبه وينظر له نظرات كارهة ..
..مط ابراهيم شفتيه والتفت له وهو يقول ..
.."..ممكن افهم انت بتكرهني ليه.."..
..تخصر الصبي وصاح به ..
.."..عشان اخدتها مننا ومابقيتش تعيش معانا.."..
..ضرب ابراهيم كفيه وهو يضحك ثم قال..
.."..ماهو طبيعي اني اخدها ..مش مراتي ولازم تعيش معايا انا ..بس متزعلش ..هي هتيجي تزورك كل فترة .."..
..خرج الصبي غاضبا من السيارة بعد غلق بابها بقوة..نظر ابراهيم بمرآة السيارة ليرى الشاب طيارة يقفز عاليا ويصيح بقوله ..
.."..ربنا يخليكي يااسطى .."..
..مالت ايمان بجذعها وهي تحتضن بلاطة وتقول ..
.."..خلي بالك من امك واختك يا محمد ..انا عارفة اني سايبة راجل في البيت ..امين .."..
..التمعت عيني الصبي بغلالة شفافة من الدموع وهو يهز رأسه بنعم ..
..تركته على مضض وهي تلتفت ورائها للشاب طيارة وهي تقول ..
.."..زي ماوصيتك ياطيارة .."..
..ليشير طيارة لرقبته وهو يقول..
.."..رقبتي يااسطى..سلام ياست الكل ..سلام.."..
..ركبت إيمان السيارة ..وهي تنظر للفراغ وبعض الحزن يفترش صفحة وجهها ..نظر لها ابراهيم وهو يقول متسائلا ..
.."..مالك زعلانة ليه ..واللي اسمه طيارة ماله كان هيطير قدامك من الفرحة .."..
..تنهدت ايمان والتفتت ناحيته وقالت ..
.."..سلمته مفاتيح الورشة يمسكها بدالي لغاية ما ارجع..واتفقت معاه انه ياخد نص الايراد والنص التاني يسلمه يدا بيد لخالتي تهاني .."..
..اتسعت عيناه وهتف بها ..
.."..سلمتي ورشتك لحرامي سيارات.."..
..زفرت بضيق وشبكت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول ..
.."..قلنا الواد تاب ..والحج اسماعيل صاحب الجراج اخده وشغله معاه سايس .."...
..قال ابراهيم بنبرة ساخرة..
.."..وهو السايس هيفهم في شغل الميكانيكا..ياعبقرية زمانك.."..
..نظرت اليه وقالت بنزق ..
.."..اللي حضرتك متعرفهوش ان الواد طيارة ومن هو صغير شغال ميكانيكي في ورشة الحاج سلامة اللي في الشارع اللي ورانا ..لغاية ما ولاد الحرام اتلموا عليه وكانوا هيضيعوه ..بس الواد طيب وفيه عرق اصيل ورجع عن اللي هو فيه قبل ما يضيع نهائي ..نقوم بدل مانشجعه ونشغله شغلانة شريفة نحاسبه ونطرده .."..
..كان الذهول يرتسم بملامح وجه ابراهيم وهو ينظر اليها وهي تتحدث حتى قال ..
.."..انتي ايه بالظبط انا مش فاهم..انا اول مرة في حياتي تعدي عليا شخصية كدة .."..
..التوت شفتي ايمان جانبا ثم قالت بثقة ..
.."..احنا شخصية اوي ونسد في اي مكان ..امين .."..
..ضحك ابراهيم بصوت عال وهو يردد ..
.."..امين.."..
..فتحت ايمان النافذة الزجاجية لتستقبل نسمة الليل المنعشة بوجهها ..استندت برأسها التي ثقلت على ظهر كرسيها واغمضت عينيها وراحت بسبات تام ..
..صدح صوت شخيرها عاليا ..لتتسع اعين ابراهيم وهو ينظر اليها وبعدها تلازمت صوت ضحكاته مع صوت انغامها المزعجة ..
..تحدث مع نفسه قائلا ..
.."..طلعتيلي منين بس يابنت عمي..وياترى ايه اخرة حكايتنا دي انا مش عارف.."..
..وصل بسيارته داخل جراج الفيلا و بعد ان نزل منها حمل ايمان بين ذراعيه ودلف للفيلا ليجد عمته تهرول ناحيتهما وهي تقول بصوت خافت..
.."..ايه ياابراهيم ..ايمان مالها.."..
..تململت ايمان وتعلقت برقبة ابراهيم بكلتا ذراعيها لتهمس بعدها قائلة ..
.."..الله ..ريحتك حلوة اوووي ياهيما..ماتجيب ب........