رواية المطلقه الفصل الحادي عشر11بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل الحادي عشر11

بقلم حكاوي مسائية


ان زرعت الشوك في طريق ،فاحذر ان تمر به مرة أخرى 

حل يوم حفلة عيد ميلاد غيثة الصقلي،استيقظت على رنين الهاتف ،احلى وقت للنوم عندي هو بعد صلاة الصبح ،خصوصا ايام الصيف ،فالوقت بين الصبح وموعد العمل طويل ،وأحب نسمات الفجر المريحة. 

نظرت الى الساعة ،مايزال الوقت مبكرا ،من يطلبني الآن 

-الو...صباح الخير .

-مازلت نائمة ؟

-استيقظت الآن  من معي ؟

-لك الحق الا تعرفي صوتي ،بكرت في مهاتفتك اعتذر .

-لا عليك ،من معي ؟

-هانم ،يبدو أنني ظننت كل الناس مثلي لا ينامون بعد الصلاة .

-اهلا مدام هانم ،لا تهتمي ،يجب ان انهض الآن لاستعد للخروج.

-فقط احببت ان أذكرك ،بعيد ميلاد غيثة .

-اعتذر منك عزيزتي ،لا أظنني سأحضره بعد ما كان بيني وبين زوجك .

-لأجل هذا كلمتك ،يجب ان تحضري ،اريد ان اتفق معك على شيء .

-إذا كان كذلك لابأس .

-لا تنسي ان تذكري صديقتك اميمة بدعوتي. 

-حاضر ،سنكون عندك بعد الدوام.

اشتريت سلسلة فضة علقت بها حرف G اول حرف من غيثة، بينما اشترت اميمة حلقا ملائما لها .

انطلقنا الى الحفل بسيارة مدام أمينة، دخلنا الفيلا المزينة من البوابة الى البهو الكبير ،بزينة العيد ،وصور الصبية منذ كانت طفلة .

بالوسط ،طاولة كبيرة ،رصت عليها انواع الحلويات والعصائر ،وفي الخدمة نادلات انيقات ،يبدو ان منظما للحفلات هو من اهتم بكل شيء .

عدد من اصدقاء وصديقات المحتفى بها ،يتراقصون على موسيقى شبابية ،اما الهدايا فكل قادم يضع هديته على طاولة وضعت بعناية في جانب من البهو.

استقبلتنا صاحبة البيت ،ونادت ابنتها لتقدمنا لها،هنأتها وقدمت علبة هديتي الصغيرة ،كما فعلت اميمة ،لاننا لم نعرف بأمر طاولة الهدايا ولم نكتب بطاقة .

جلسنا في ركن بعيد عن الفتاة واصحابها، نتجاذب أطراف حديث لا هدف منه ،وبعد فترة ،تغيرت الموسيقى الى نشيد العيد ،وتقدمت نادلتان بطبق حلوى كبيرة عليها شموع مشتعلة،في نفس الوقت ظهر الأب المبجل نازلا على السلم في كامل اناقته ،وبيده هدية لابنته .

لاحظت رفيقاتي توتري ،فشدت زوجته على يدي .

قبل ابنته وداعبها امام نظرات مراهقات معجبات، ثم التفت الى زوجته واضعا يده حول خصرها .

لكم ان تتخيلوا ،حركته وهو يمثل دور الاب والزوج الصالح ،ولكنه رآني .

رآني لتموت ابتسامته على شفتيه شيئا فشيئا ،امتقع وجهه وارتبك .

-اقدم لك صديقتي حورية .

-اهلا وسهلا 

قالها وهو لا ينظر الي .

-اهلا بك استاذ .

-اعتذر ،عندي موعد مهم .

خرج مسرعا،وزوجته تشيعه يابتسامة ساخرة ،بعد ان قبلت ابنتها ،وجهتنا الى صالون صغير ،حيث قدمت لنا نادلة واجب الضيافة وانسحبت .

-هذه أول مرة يراكن عندي هنا 

-الم يسبق أن صادفته مدام أمينة. 

-لا ،كنت احرص ان ازورها لما يكون خارجا ،او نلتقي بمطعم او عندي ببيتي .

-وليلى ؟

-هذه اول مرة ادخل بيته .

-ليس بيته ،هو ضيف اوشك على الرحيل .

نظرنا اليها ،نريد ان نفهم قصدها .

-عليك ان تقدمي فيه شكوى ،وتطلبي شهادة رئيستك والدكتور الذي كان معها .

-الحقيقة انني انوي ان أعود إلى بيت أهلي ،وأقدم طلب نقلي، وما أريد ان تعرف حكايتي مع زوجك في الإدارة .

-ستساعدينني لاتخلص منه .

-كيف ؟

-بعد خياناته المتعددة اصبت بانهيار عصبي ،استغل مهنته ليحصل على شهادة بأنني مصابة بالكآبة، وكلما طلبت الطلاق هددني ان يحرمني من أولادي ويدخلني مصحة نفسية .

اتهمني انني اتوهم علاقاته ،ورغم تعدد زوجاته، ما من واحدة رضيت ان تشهد معي .

-اخاف الا انتقل من المستشفى ،واعاني من انتقامه .

-ستنتقلين ،اضمن لك انك السنة المقبلة ستكونين بمستشفى مدينتك .

-وانا أضمن لك ان ينظر في الشكوى بسرية ،ولا يكون لها أثر بملف خدمتك. قالت مدام أمينة.

-وماذا ستستفيدين ؟

-مدام أمينة ستأخذ لي نسخة من محضر النظر والحكم في الشكوى ،وأقدمه كدليل على تنمره وتحرشه بالعاملات معه .

-تعرفين يا حورية ،كم النساء المغتصبات، والمتحرش بهن الصامتات ،وكل ما يلزمهن هي واحدة جريئة ترفض الصمت والعيش في ثوب المذنبة، فتتبعها الباقيات. 

-اذا تكلمت ستشجعين فتيات قضى على احلامهن، لتقفن بجانبي ،واخلعه. 

-مدام أمينة، كيف سينظر في الشكوى بسرية ؟

-هو إجراء قانوني ،تطالب به المشتكية، من حقها ألا يعلم بقضيتها إلا المعنيون بها ،ولا أظنه سيمانع ،لأنه اكثر من سيتضرر بعدم السرية .

-سأقدم الشكوى ،واذكرك والدكتور كشاهدين ،وأطالب بالسرية .

-اذكريني ضمن الشهود .

نطقت ليلى .

-سأشهد انه يضايقك حتى خارج العمل ،واحكي ما وقع لي منه.

-هل تعرفين يا ليلى اسامي طالبات حدث لهن مثلك .

-نعم ،من دفعات مختلفة .

-لما تقفين للشهادة ،اذكريهن، فقد تتشجع إحداهن  لتقف في وجهه .

-حورية ،قدمي طلب انتقالك ،وهاتي نسخة منه .

-مدام هانم ،هل تسمحين لي بسؤال ؟

-قولي ما تشائين.

-اشك ان كل هذا سيؤثر في قضية الخلع اذا رفض الاستاذ ،وما طالبت به منذ أُعلِمت بزواجه الاول .فلماذا الآن .

-خطأ،خطأ الاعتقاد ان الطلاق وصمة عار للأسرة كلها ،يوم تمردت ،وقفت امي بوجهي ،وذكرتني انه اختياري وعلي تحمل تبعاته ،وقف ابي ليقول لي ،ابقي على ذمته وكل احتياجاتك علي ،المهم ان بناتنا لا تطلقن، والجواب الحاضر لكل شكواي هو انت من اخترته وعاديتنا لأجله.

وبعد ان انهرت ،ودخلت المستشفى ،تلاعب بالأوراق ،وأصبح يهددني ،ومعاملته زادت انهياري، فاظهرني امام ولدي مريضة لا أدري ما اقول .

ولكنهما الآن يفهمان، ويفضلان ان انفصل عنه.

-مازلت لا اعرف كيف ساساعدك .

-يضع قناع  رجل مسالم ،وطيب ،محضر مجلس المستشفى بيدي سيكون تهديدا له لأفضح حقيقته،وسيذعن لطلبي قبل ان يصبح علنا .

-إذن ستهددينه بالفضيحة. 

-نعم ،سيخاف ان يسقط عنه القناع .

فعلت كما اتفقنا، وحضرت جلسة المجلس التأديبي بالمستشفى ،الذي يرأسه مندوب وزارة الصحة ومدير المشفى ،واجهته وانكر اول الأمر، ولكنه تقهقر امام شهادة الشهود ،وقد حضرت طبيبتان اضطرتا للتخلي عن دراسة التخصص هربا منه.

حُرر فيه محضر تأديبي، تم بموجبه اتخاذ اجراءات تأديبية في حقه .

وقدمت طلبي ،وانتظرت ماتبقى من السنة لأغادر الى مدينتي .

طبعا ،استغلت مدام هانم ورقتها الرابحة ،ووافق الاستاذ على التطليق دون ان تلجأ الى المحكمة،واختفى من النادي ،ولكنني أعيش في ذعر من انتقامه.

إدماني على الروايات جعلني اتخيل سيناريوهات مختلفة لما سيفعله بي ،ولهذا اصبحت اميمة لا تفارقني ،بل كثيرا ما تنضم الينا ليلى وحنان ،وحذرت البواب من اي زائر لي .

اما مدام هانم ،فقد وفت بوعدها ،وجاءني جواب التعيين ،يبقى ان انتظر نهاية السنة ،بينما تغيرت حياتها 180درجة ،انضمت الى النادي ،وجمعية النساء المعنفات، وعادت الى دراسة وصقل هوايتها في الرسم .

اصبحت هانم اخرى .

بعد وداع ووعود باللقاء ،عدت الى مدينتي الصغيرة سعيدة .

ماما استقرت بالفيلا الكبيرة مع عمي وزوجته ومريم ،قضيت معهم اسابيع ،لنستقل انا وماما ببيتنا ،عملي الليلي اوجب استقراري بالمدينة قرب المستشفى .

الفيلا كبيرة علينا انا وماما ،اغلب الغرف مغلقة لا تستعمل ،مرة أخرى رأيت حكمة الغربيين في السكن بمنازل صغيرة  ،حلمنا نحن العرب بان يتزوج الاولاد ويملأون البيت أطفالا، مايزال حلم كل جيل ،حتى بعد ان قل عدد الاولاد ،وتخليهم عن بيت الأسرة لأجل شقة بعد الزواج ،ما إن يرزق بطفل حتى يراوده حلم ابيه في بيت كبير مليء بالاولاد والاحفاد. 

وتبقى اكثر البيوت مهجورة خالية ،فهاهي فيلا جدي كبيت الأشباح ،وهاهي فيلا بابا لا نستعمل فيها الا طابقا واحدا ،وبيت المزرعة الصغيرة مغلق على مافيه ،اما البيت الكبير الشبيه بالقصر فيعيش به ثلاثة أشخاص وذكريات .

تمنيت لو اعيش مع ماما في شقة صغيرة ،لا اقلق على اكثر من باب هل كلها موصدة ،ولا اخاف من ظلمة الغرف الخالية .

ولكن ذكريات حياة مضت ماتزال تشد امي الى جدران باردة .

علي ان اقضي الليلة بالمشفى ،ولهذا رجوت مساعدة امي في البيت ان تبيت معها الليلة ،وتركتهما بعد وصايا عديدة ،ألا يفتحا الباب ،وان يبقى نور الحديقة مضاء، وان تناما بنفس الغرفة .

والححت عل ماما ان تكلم عمي ليرسل لنا بوابا وزوجته.

قاعة المخاض مليئة بالحوامل،كما هي عادة كل ليلة ،يبدو ان القادمين الجدد ،يفضلون ستر الليل .

مررت على الأسرة ،افحص واجس، واطمئن .شدت سيدة على يدي ،وهي تغمض عينيها وتصرخ من الألم ،رتبت على ظهرها اهدأها،فتحت عينيها وكأنها رأت شبحا. ادارت وجهها عني ،وتحاملت على نفسها لتبتعد .

اشرت الى زميلتي ،فخرجت لاتبعها 

-من تكون السيدة التي كنت اقف بجانبها ؟

-لا أدري ،دخلت قبل قليل .

-اعرفي رقم سوارها، لأقرأ ملفها ،يبدو انها تعرفني وتخافني. 

انها هي ،على الأوراق اسمها ،احلام ،وزوجها مروان ،لم ارها من قبل ،ولكنها تعرف من أكون ،لهذا تخشى مني على نفسها وجنينها .

اتفقت مع زميلتي ان تولدها، وابقى بعيدة .

كنت بغرفة الولادة ،لما ادخلتها ،انزلت الستارة بين السريرين، لا اريدها ان تقلق من وجودي ،ولكن صراخها زاد بحدة ،رغم محاولات المولدة تعسرت ولادتها 

-حورية ،تعالي لتعطيني رأيك ،يبدو ان الجنين في وضعية الجلوس .

-نادي الدكتورة لتتأكد ،ربما تحتاج لقيصرية .

صرخ المولود بين يدي ،فضحكت امه ،وضعته على صدرها ،واتممت خلاصها، وناديت الممرضة لتخرجها الى غرفتها .

كنت انزع القفازات الطبية ،واتوجه نحو الباب حين سمعتها

-حورية ،انقذيني .

-عدت اليها ،وتظاهرت انني لم أعرف من تكون .

-لا تجزعي ،انا معك .

شدت على يدي حتى آلمتني .

-ارجوك ،انني اتمزق. 

القيت نظرة وناديت 

-الى غرفة العمليات.

دفعت السرير تسبقني ممرضة ،اما زميلتي عائشة فقد كانت تهرول قادمة تتبعها الطبيبة .

مازالت تمسك يدي .

-لا تتركيني .

-لا تخافي ،انا معك .ستكونين بخير .

حقنتها بحقنة تخدير نصفي ،وقفت بجانبها اكلمها بينما تشق الجراحة بطنها لتخرج الجنين .

-انه ولد ،مبروك . 

يبدو انه كان أكولا، وزنه زائد كثيرا ،لهذا اتعبك.

ساعدتها لتضمه ،قبل ان اضعه بمهده ،لتعتني به الممرضة .

-سأسميه فؤاد .

-مبروك عليك .

ربتت على يدها وخرجت .

كالعادة ،امر صباحا على الامهات واولادهن اراقب المؤشرات ،واعيد الفحص ،واستدعي الطبيبة إن لزم الأمر ،قبل ان اسلم المهام لمن بعدي .

وصلت الى غرفتها مع الطبيبة .كل شيء على ما يرام ،ولكنني لاحظت انها وحيدة ،ليس معها ام او اخت  .

-ستبقين تحت الملاحظة ثلاثة ايام ،ولكن كل المؤشرات جيدة .

سبقت الى الباب ،فبعد كلمة الطبيبة ،سنتركها. ولكنها نادت 

-حورية .

-نعم ،هل تحسين شيئا او ألما .

-لا ،سيأتي زوجي ،وهو لا يعرف اين اكون .

-وكيف سأعرف زوجك ؟

-ستعرفينه ،فقط انتظريه. 

حسنا ،سأكون بمكتبي ،وإن رأيت زوجا تائها سأرسله اليك .

ابتسمت ،اشكرك .

-لا داع للشكر ،انا أؤدي واجبي .

غيرت ثيابي ،وناديت الممرضة 

-سيسأل رجل عن زوجته ،انها الولادة القيصرية .

نادرا ما يدخل الرجال جناح الولادة ،لسنا كما نرى في الأفلام ،المرافقة دائما امرأة وغالبا تكون الام ،وإذا فزوج يبحث عن زوجته سيلاحظ من بعيد .

توجهت الى البيت ،وعلى غير عادتي لم تكن غايتي ان أنام بعد ليلة متعبة ،بل استحممت وافطرت ثم 

-جهزي نفسك يا ماما سنذهب الى المزرعة .

-نامي قليلا ،ونذهب آخر الأسبوع. 

-سأنام هناك ،اشتقت اليهم .

ماما طبعا تريد الانس بزوجة عمي ،وسعيدة باقتراحي .

بعد السلام ،ومداعبة غالية الصغيرة 

-اين عمي ؟

-انه مع الطبيب البيطري ،بزريبة الأبقار .

-سأذهب اليه .

استقبلني بحب ،وترك البيطري ليرافقني الى البيت .

-عمي ،رزقت بحفيد ،فؤاد .

وقف ،ماتزال يداه خلف ظهره، ومايزال ينظر إلى الأرض كعادته وهو يمشي ،ولكنه تجمد بمكانه .

-عمي ،هل سمعتني ،مروان اصبح ابا .

امتدت يده الى دمعة تجففها قبل ان تغادر الجفن .

اخذت يده بين يدي .

-عمي ،كل شيء يهون إلا الولد ،سامحه يا عمي ،ارحه وارح ماما رحمة ،وارح نفسك .

اعاد يده خلف ظهره ،و تقدم بخطى واهنة .

-ارجوك عمي ،كلمني ،إذا كنت أنا قد سامحته ،وبابا رجاك واوصاك ان تسامحه ،لماذا تحرم نفسك منه ومن حفيدك ،وتحرم ماما رحمة .

-رحمة لن تسامحه ،ومادامت رحمة لا تسامح ،فلن أسامح.

-هل اكلمها ،قد تحن لما تعلم ان لها حفيدا، وتحنو عليه.

-امك تعلم ؟

-لا ،اخبرتك أولا .

-اخبري امك ،ودعيها تقنعها .

اذهبي الآن .

-تعال معي ،لأطمئن عليك .

-اطمئني ،سأعود الى البيطري ،ونتغذى معا.

فعلت كما قال لي وسلطت أمي لتقنع زوجة عمي ،وانسحبت مدعية رغبتي في النوم .ولكنني كنت اسمع الجدال بينهما .

-لا ،لا ابن ولا حفيد لي .

-يا رحمة ،انا اعرفك ،وأعرف تعلقك بولدك، لا تعاندي قلبك .

-ليته تزوج راقصة  ،كنت رضيت بها ،ولكنه اختار من كانت امها سببا في ذبحي. 

-ما كان يعلم .

-ولما علم ،ماذا فعل ،هل فضلني عليها ،لا ،آثرها علي ، كلما جاء ،جاء ليطلب عفو ابيه وان يعود إلى المزرعة ،ما سعى لإرضائي، ولا طلب سماحي.

-سامحيه لترتاحي .

-سامحته ،ولكنه لن يدخل بيتي وهي زوجته .

-من أين هذه القسوة يا رحمة ؟

-من المعاناة ،من بكاء الليل وهواجس النهار ،من نار اللوعة، ولهيب الحزن،من جليد الصمت وبرودة الوحدة .

-ستنسيك ضحكات حفيدك نواح الليالي .

-لو لم يكن حفيد الأخرى ،من تسببت في عجزي، وقهري .

لم استطع ان اتابع بصمت ،فدنوت منها اعانقها .

-دعي كل شيء وراءك ،انسي الألم ،واجعلي حفيدك الروح التي تبعث في اركان هذا القصر .

-لو دخلت ،تبعتها امها،وجعلتني غريبة في بيتي كما تمنت ،لن تدخله مهما انجبت .

إصرارها كالجبل لم تؤثر فيه معاول محاولاتنا .

عرفت انها مجروحة من ولدها اكثر من جرحي منه ،لا لم يجرحها ،بل فتح بخنحره جرحا قديما ،وليته نزع الخنجر ،لا ،تركه يدميها كلما تحرك .

مساء ،كنت على وشك الخروج من البوابة الكبرى ،حين استوقفني عمي،نزلت اسلم عليه ،واعتذر منه ،وضع مفتاحا براحتي .

-إن رأيته ،اعطه مفتاح الشقة ،ليعود اليها .

-حاضر يا عمي .

كأنه تذكر شيئا 

-اذهبي إليها اولا ،إن كان بجهازك ما يعز عليك خذيه ،قبل ان تعطيه المفتاح .

-ذاك الجهاز لم اره ولم أختره ،لا حاجة لي به .

نظر الى الأرض ،ووضع يده على كتفي .

-ارفع رأسك يا عمي ،ما أخطأت بحقي لاتحرمني من نظرتك الي .

ضمني الى صدره حتى غطتني عباءته، استنشقت فيه عبير ابي وجدي وحنة ،ارتحت الى ركن به جذوري وأماني .

-حوريتي ،بقدر ما أحبك ،استمد منك القوة .

-وبقدر ما تحبني أجد فيك الأمان .

-لا حرمني الله منك .

-وأدامك لي يا عمي .

قبل ان اذهب الى البيت ،مررت على المستشفى 

-ابقي بالسيارة حتى أعود ماما .

قصدت غرفتها .

-مساء الخير .

-مساء الخير .

-جاء زوجك ؟

-نعم ،وانتظر ان يعود .

-وفؤاد ،كيف حاله ،يبدو هادئا. 

-نام منذ قليل .

-خذي ،هذا المفتاح سيعرفه زوجك.

كانت تنظر الي ،ولا تمد يدها .

-عرفتني إذن .

-ليس قبل ان اطلع على ملفك .

ماكان عليك ان تخشيني لما رأيتني ،لا ديني ولا تربيتي تسمح لي بأذيتك. 

اعتني بنفسك .

وضعت المفتاح بيدها ،وخرجت .

الممر طويل وضيق ،من بعيد رأيته ،ومن نظرته عرفت انه رآني ويقصدني .

-حورية ،أشكرك يا ابنة عمي .

-ما قمت الا بواجبي ،مبروك عليك فؤاد ،لقد ارسل له جده هدية .

رأيت الفرحة بعينيه ،ولم امهله ليسأل ،تركته وأسرعت بالخروج


              الفصل الثاني عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>