
رواية كانت وما تزال
الفصل السادس6
بقلم حكاوى مسائية
مرت الأيام والشهور ،على منوال واحد لا يتغير، العمل بمطبخ مطعم الطلبة ،والدراسة ،وتحفيظ القرآن لوفية ،ومناوشات محببة مع سلمى .
زيارات السيد نبيل التي لا تنقطع عن المطعم، ونظراته إليها التي لم تخف على احد سواها.
انتهت السنة الدراسية، و فتحت أجنحة المستشفى الجامعي أبوابها للأطباء الطلبة للتمرن.
اجتمع كل استاذ بعدد من الطلاب، يوجههم نحو الاستعداد لرسالة التخرج
-عمل كل واحد منكم تحت إرشاد دكتور متخصص بالمستشفى سيعطيه فكرة عن رغبته او مقدرته على نوع التخصص ،او ربما يعرف أنه سيكتفي بالطب العام .
تعرف أي تخصص تريد ، هو هدفها منذ زمن ،هو حلم شاركته مع عزيزها وغاليتها، ستحققه وحدها ،ستفعل لعلها تنال رضى نفسها عنها،لعلها تنام يوما دون أن تنزل دموع ألم وندم على وسادتها.
-انا منذ الآن اعرف ما أريد، سأكتفي بالطب العام.
قالت سلمى ضاحكة
-كل ما يهم أن أكون الدكتورة سلمى ،سأتعين بمستوصف حي ما ،و أسكن وأمي قريبا منه،لتزهو بلقب أم الدكتورة ، أنا متأكدة أنها لن تقبل بغيره لقبا، و ستتدخل في كل وصفة سأكتبها لجيراننا.
ضحكت غالية :
-علميها إذن كيف تفحص المريض واجعليها مساعدتك بالمستوصف
-دون تعليم ،ستحتل مكتبي،كيف إذن تتدخل في وصفاتي؟
-ستنفعك لأنها ستكون أدرى بجيرانها منك .
-تسخرين يا غالية؟!
-أبدا ، فكري معي ،نساء الحي هن طبيباته، و محللاته النفسية، هذه تشكو لتلك ،وهذه تخبر الأخرى عن زوجها ،مرضه ،عصبيته، حتى أكله ،أطفالهن ملكية مشتركة ،ستعرف عنهم أكثر مما تعرفين ،معلومات ستفيدك في التشخيص.
-أقنعتني غالية ،وانت هل ستكتفين مثلي بالطب العام؟
-لا ، سأختار تخصص أمراض النساء والتوليد.
اجابتها مشمئزة
-يييع، توليد وأمراض النساء ! ولم لا جراحة العظام ،مخ وأعصاب ، نساء وتوليد ! لا أصدق.
-ولمَ لا ، أكيد سأتعين بإحدى القرى او المدن الصغيرة ،أساعد أمهات صغيرات مذعورات من آلام الولادة الأولى ،وأمهات خائفات بعد ولادات كثيرة وتعب تربية أكثر من طفل ،وخدمة الزوج وأهله.
شردت كأنها تحدث نفسها
-ليتني أستطيع أن اتخصص بأكثر من مجال ،طب الأطفال، وما أكثر ما يعاني منه مواليد القرى والمداشر البعيدة ، جراحة العظام وكم من عاهة مستديمة سببها غياب طبيب متخصص في الكسور.
-الأهم أن تتخصصي في علم الاستنساخ حتى تستنسخي أكثر من غالية ،كل مجموعة بتخصص،ثم وزعيهن على القرى والمداشر، يالغبائك، أتعجب كيف تتفوقين علينا في الامتحانات!
انتبهت غالية على ضربة سلمى لجانب رأسها
-قومي يا غالية ،هيا فقد غادر الجميع وانت هنا تحاولين حل أزمة الصحة في البلد ،تعالي لنرى أين سنتدرب ومتى ،حتى ننظم اوقات التدريب واوقات العمل .
لن ينتظر أكثر، يجب أن يتقدم خطوة ،يجب أن يحاول أن يريح هذا القلب العاشق،عليه أن يكلمها ولكن كيف؟
خرج من غرفته تستقبله ابتسامة أمه الحانية
-تعال لتفطر معنا .
-منذ متى لم تفعلها أخي؟ كأنها راضية عنك .
ضرب مؤخرة رأسها
-عمي ،عمي ،انا عمك يا قردة ،و احترميني قليلا .
-عمن تتحدثين ،من تكون هاته التي رضيت عنك ولدي؟
-والله يا أمي لا أعلم ،اسألي حفيدتك، ربما تعرف ما أجهله.
-كنت تفطر معنا يوما ويوما لا، ثم أصبحت لا تفطر إلا بمطعمك، خمنت انها ...
-هي من؟ ومن أين جئت بروايتك؟
-لا أعرف من تكون ،ولكن حالك أنبأني .
-ليت نبوؤتك تتحقق ابنتي.
ابتسم ،سيحاول أن يحققها اليوم قبل غد.
دخلت إليه سلمى بمكتبه بعد أن أرسل من يدعوها
-صباح الخير سيدي
-اهلا سلمى ،تفضلي ، علمت أن التداريب بالمستشفى ستبدأ الاسبوع المقبل.
-نعم سيد نبيل.
-وهل ستستمرين في عملك؟
-أكيد سيدي
-وصديقتك؟
-أكيد سيدي.
-بلغيها إذن أنها ستعود للعمل هنا ،مساعدة بالمطبخ ، سأنتظرها غدا.
-ومطعم الطلبة سيدي؟
-ككل سنة يقل العمل به في هذا الموسم ،وريثما تفتح الجامعة أبوابها سأجد بديلا .المهم ،أخبري صديقتك أن تأتي .
-غدا؟
-بل اليوم ،هاتفيها الآن
-قلت ستنتظرها غدا.
-غدا تبدأ عملها هنا ،والآن أريدها....أعني..أعني لأكلمها عن الشغل والراتب.
هزت رأسها
-آه،الرااتب، لابد أنك سيدي ستزيد راتبنا.
-نعم ،نعم ،سأفعل ،والآن هاتفي غالية لتأتي دون تأخير.
همت لتخرج
-حاضر سأفعل.
-افعلي هنا هيا.
ارتفع صوته ، تعجبت من حدته ،نظرتها أعادت إليه رشده ،انتبه إلى أنه قام عن مقعده فعاد ليجلس قائلا بهدوء
-عندي موعد بعد ساعة ،اريد أن أنهي أمر عملكما هنا قبل أن أذهب إليه،فهلا أسرعت باستدعاء صديقتك!
هزت رأسها موافقة وضغطت على رقم غالية
-الو ،غالية ،وعليكم السلام ورحمة الله، تعالي الى المطعم ،السيد نبيل يريدك ،نعم الآن ،نعم نعم ،هو في انتظارك.
لا تعلمين منذ متى وانا في انتظارها .
عاد من شروده على صوتها
-قالت انها قادمة ،ستكون هنا بعد قليل .
-حسن ،يمكنك الذهاب إلى عملك .
-ماذا عن الراتب سيدي .
يعلم انها تنتهز الفرصة ،ولكن لابأس
-سنتفق بعد مجيء غالية.
وجاءته، لا يعلم هل كل الناس يحسون بتلك الهالة التي تحيطها ،كأنها تحميها من شرور العالم، هل كل الناس يلمحون ذاك الحزن وراء نظرة الجد والتصميم بعينيها ،هل كل ناس يحسونها غالية كما ينبئ اسمها ،غالية!!!!
حمحمت لعله ينتبه لوجودها ،نعم عيناه تنظر إليها بعد أن طرقت الباب وسمعت الإذن بالدخول ،ولكنه ليس هنا ،شارد في ملكوت الله.
-السلام عليكم.
انتبه إلى لحن صوتها
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، تفضلي آنسة غالية.
-أخبرتني سلمى أنني سأبدأ العمل هنا غدا .
-فعلا ،مساعدة بالمطبخ.
-حاضر ،لن أتأخر ،.
همت أن تغادر ولكنه استوقفها وقد ارتفع صوته
-انتظري !! ااا سمعت انك ستبدأين التدريب بالمستشفى ،يجب أن ننسق اوقات العمل حسب جدول تواجدك هناك.
مدت يدها بداخ حقيبتها اليتيمة التي اهترأ جلدها لكثرة الاستعمال. وأخرجت ورقة ما
-تفضل سيدي هذا جدول عملي بالمشفى.
-حسنا يبقى أن نتفق على الراتب.
-أنا أثق في ذمتك سيدي ،قرر انت المبلغ وأنا راضية.
همس وقد أطال النظر الى عينيها
-هل تثقين بي حقا غالية ؟
ارتبكت من تغير نظرته ونبرة صوته
-احم ، أنت لم تظلمنا يوما سيدي ،انا وسلامى نشتغل معك منذ التحقنا بالجامعة ،لم نر منك إلا كل خير.
-أنا أسألك انت غالية ،هل تثقين بي؟
-نعم ،أثق بك كرب عملي، الذي لم يبخسني حقي يوما .
-ولن أفعل، وأريد أن تمنحيني ثقة أكثر ،وبعضا من وقتك ،اريد أن أحدثك، ممكن؟
-تفضل سيد نبيل.
-أعلم أنك غير مرتبطة ،ربما ستظنين أنني راقبتك، ولكن أؤكد لك أن لا ،غير أن فتاة مثلك لن يقبل من ترتبط به أن تطحن بين رحى العمل والدراسة ، ولا خاتم باصبعك لأن أن خطيبك مسافر او مهاجر ،وما رأيتك يوما رفقة شاب ولو صدفة ،فتأكدت أنك غير مرتبطة ،أم أنني مخطئ؟
لم تجب تساؤله، فظن انها توافقه.فأكمل
-غالية ! أنا أريدك زوجة لي ،فهل تقبلين؟
طال صمتها ،حتى انها لا تنظر إليه ،بل زاد الحزن بعينيها.
-غالية ،أنا أحبك مذ رأيتك ،ولكن ظروفي عاقت تقربي إليك (نظر الى ساقه،وعكازه)،لابد أنك تريدين زوجا سليما كما تستحقين،وأنا ماعدت أصبر على انتظار ما لم أطالب به،ولهذا أتقدم إليك اليوم ،إن قبلت سأكون سعيدا وأنا أطلبك من أهلك ،وتأكدي أنني سأسعى لإسعادك ما حييت.
لم تجبه ،بل لم تتحرك كأنها جماد .
-غالية! (رفع صوته)آنسة غالية!
أخيرا انتبهت له،فهبت واقفة
-حسن إذا سيدي نبيل.
قالت جملتها وأسرعت مغادرة .
جملة ليست رفضا ولا قبولا ،بل إنه لم يفهم منها شيء، بل إنه شك أن تكون قد سمعت عرضه ،وصَمَّت بعد كلامهما عن الشغل.
أهمل حياته ،لا يغادر غرفته ،حزنه يقهر قلب أمه ،وقرارها أن استمرارها زوجته رهين بسعادته يؤجج غضب أبيه.
الشيخ المحب لزوجته ،حكيم القرية وحاكمها،لابد أن ينحني للريح إذا عصفت ،وزوجته رهنت زواجهما بخطبة بهية لإبراهيم. وهو لن يبعد عنه حب حياته ،ولن يطلق لسبب تافه كذاك . إذن ،لابأس أن يضع يده بيد ابي علي ويقرأ فاتحة ابنه على بهية ،وبعد ذلك لكل حادث حديث.
شاع خبر خطبة إبراهيم لبهية في القرية ،كان يطير فرحا وهو يجلس وهي قبالته، تحملق في الزريبة تحت قدميها كأنها تعد خيوطاها وعقدها،وهو يمعن النظر إليها كأنه يخزن صورتها بكل خلية فيه.
مدت أمه علبة قطيفة خضراء لأم علي.
-تفضلي ،هذا سوار من أساوري-رشيم-ابنتنا الغالية.
كما تقتضي العادة ،فتحت أمها العلبة ثم قدمتها لأمه لتأخذ السوار وتضعه بيد العروس تحت زغاريد خالة وعمة.
تنحنح الشيخ
-طبعا سنعود لنتفق على كل شيء ،إنما جئنا اليوم لنبين نيتنا و نرهن هنية لابننا ابراهيم .
تدخلت زوجته باسمة
-طبعا ،عروسنا جميلة ماشاء الله ،ولابد أن نسد الباب بوجه خطابها .
- كله بأمر الله يا حاج، ابنتي تريد أن تكمل تعليمها ،وانا أحلم بذلك ،إذا كان ارتباطها بإبراعيم لن يقف عائقا لهذا فنحن نرحب وبشدة ،ولن نجد أفضل منكم نسبا.
هتف مسرعا
-لا ياعمي ،لن أعيق نجاحها ،بل أنوي أن اساعدها عليه.
تململ والده
-على بركة الله إذن ،نقرأ الفاتحة.
بعد مائدة عامرة ،غادروا وبقلب كل واحد نية .
كثرت زياراته،وبكل زيارة هدية ، نعم ،لا تجالسه وحدها أبدا ،تشكره بأدب على هديته ،تضعها على الطاولة ،وتكاد لا ترفع إليه بصرها وتجيب على قد السؤال.
اطمأن له علي ،وكثيرا ما تمر الزيارة وهما يتحدثان عن لاشيء وكل شيء وهي حاضرة صامتة ،كم تمنى أن يسمعها ما يجيش بصدره ،ينطق لسانه بكلام قلبه لها،أن يسمعها تنطق اسمه ،أن تطيل النظر إليه حتى يغرق في ليل عينيها ،ولكن لا، هي كاللؤلؤة مكنونة داخل خجلها وحيائها،محروسة من أخيها ووالديها.
عاد مساء الى بيته ،ابتسم لأمه وقبل جبينها ،ثم توجه الى غرفته رافضا العشاء ،متعللا أنه أكل بالمطعم.
استلقي على سريره،ينظر إلى سقف الغرفة ،ويعيد شريط حديثه معها، او حديثه هو لأنها ماتكلمت في ما احب أن تكلمه ،ما أجابت ولا طلبت مهلة لتفكر ،ما قبلت ولا رفضت ،يكاد يجزم انها لم تسمعه من الأساس.
دب الحزن إلى قلبه فراق به صدره ،خرج إلى الشرفة يرجو براحا أوسع ، نظر نحو السماء راجيا، إنها كتلك النجوم بعيدة ،بعيدة ،ولكنها تزين عتمة ليله.
-غالية !لقد أنهيت تسميع الجزء .
انتبهت معتذرة
-اعذريني عزيزتي وفية ،لم انتبه لك.
-كأنك مريضة غالية ؟!
- صداع يكاد يشق رأسي نصفين .
-أعرفه، لن أتعبك أكثر ،ارتاحي قليلا ريثما أحضر لك دواء من عند أمي ،يريحها كثيرا وبسرعة .
لم تكد ترفض حتى كانت الأخرى تخرج مسرعة ،بعد قليل عادت تحمل صينية عليها شربة خضر ،وماء وعلبة أقراص ضد الصداع
-يجب أن تأكلي أولا حتى لايضر الواء معدتك،ثم قد يكون الجوع هو سبب الصداع.
أجبرت نفسها على إتمام صحن الشربة ،وأخذت القرص قبل أن تتمدد على الاريكة المتهالكة.
-ادخلي الى غرفتك غالية ،تعالي سأساعدك.
اغمضت عينيها و أشارت بيدها
-لا، دعيني هنا ،أغلقي الباب وفية ،سأكون بخير.
قبلت وجنتها بحب
-سأعود حين عودة سلمى .
غادرت حزينة على هاته الفتاة التي لم تر لها أهلا،لم تزرها خالة ولا عمة ،ولم تعرف لها صديقة غير سلمى ،سلمى الوحيدة أيضا وكأنهما غريبتان تسندان بعضهما .
زياراته ماعادت تكفيه،وهي لن تجالسه وحدهما دون عقد زواج ،قرر أن يذهب إلى أمه يطلب أن تسرع أمر ارتباطهما بعقد شرعي.
كاد يطرق الباب حين سمع والده يصرخ
- لقد فعلت ما طلبته،وخطبت له ابنة ابي علي،بل زدتِ أن اعطيتها سوارا أنا من اخترته لك يوما .
-هكذا العادة يا حاج ،يجب أن يكون من ذهبي انا.
-وهل تعرف هي او أهلها كل حليك ،اشتري لها أي شيء ستفرح به ،أم انك لم تلاحظي أن أمها لا تضع سوى بالقليل وقد يكون هو ذهب زواجها .
-ولماذا لا أفعل يا حاج ،أليس ابني الوحيد ،هل سأعطي من حليي لأغلى من زوجته.
-بل اعطي زوجته كل حليك وانا مستعد أن اشتري لك غيرها ،ولكن ليست تلك .
-كيف ياحاج؟ ماذا تقول؟
-أقول أنني هادنت ابنك ،الصغير تعلق بلعبة ،وطالما أنا رافض سيعند أكثر ،انركيه بضعة أيام، سيشبع منها ويتركها.
-ماهذا ياحاج ؟ يشبع منها ! كيف تقول هذا يا حاج؟
-ألا ترين أنه لا يخرج من عندهم، سيمل قريبا ،سيأتي ليخبرك اه ماعاد يريدها ،وسأضرب الحديد وهو سخن وأخطب له من اخترتها له.
هكذا إذن ،أبوه يظنه طفل تعلق بلعبة ،وهو من ظن أنه نال ما يريد وقريبا ستكون ببيته بحضنه. ولكن ،لا ،خطط يا أبي كما تشاء ،وسأخطط كما أريد ،ولنرى من سيفوز .
تسير بممرات المستشفى كطيف لا روح به،زاد الحزن بعينيها وزادت قتامتهما،اختفت ابتسامتها وقل كلامها.
-مابك غالية ؟
سألتها سلمى التي صادفتها وهي تخرج من إحدى الغرف.
-لاشيء ،إنه التعب فقط.
-حتى أنك لم تذهبي الى المطعم، ويأل عنك السيد نبيل.
لم تتغير نظرتها ولا جمود ملامحها.
-العمل بالمطبخ متعب جدا ،وانا اريد أن أركز في تدريبي، سأبحث عن عمل آخر ،ربما بمكتبة او مطبعة صغيرة ،هكذا أستطيع أن اذاكر ، وأتابع عملي بالمشفى ،تعلمين أن معظم دراستنا السنين القدمة ستكون عملية ،وحتى المحاضرات قد نأخذها من الأساتذة هنا أثناء التدريب. يعني أن معظم وقتنا سيكون هنا ،وعمل المطبخ لا راحة وا جلوس فيه ،فعلا لن استطيع، اعتذري للسيد نبيل عني ،وقولي له أنني لا استطيع.
فهم أن جوابها ليس عن الشغل بل هو عن طلبه ،لقد رفضته إذن ،شرد بعيدا في ماض ظنه ولى ،حتى افاق على صوت سلمى
-اعتذر سيد نبيل ،كنت أتمنى أن نستمر معا هنا ،ولكن (حاولت أن تضحك)عليك أن تكتفي بي أنا .
-نعم ،نعم ،يمكنك أن تذهبي ،وراتبك زاد النصف .
-شكرا سيدي .
-لو احتجت شيئا انت او صديقتك ،لا تترددي ،يسعدني أن أساعد ،على الأقل ريثما تجد عملا آخر .
-مرة أخرى أشكرك .
هز رأسه ،فغادرت حامدة الله على هذا الرجل النبيل حقا.
رفضتني، ولكنها قالت لا تستطيع ،ربما هي رسالة لأفهم انها لا ترفضني أنا لشخصي ولكنها لا تستطيع الزواج ، إن كان هذا يريحك فاعتقده، ألا يمكن أن يكون انها لا تستطيع أن تتزوج رجلا أعرجا؟ لا أظن ،غالية ليست كذلك ،إذن لماذا رفضتك ؟ ليتها واجهتني وقالت السبب!
لا ،لن أيأس من أول محاولة ، يجب أن أحاول وأحاول ،إما تقبل وإما تعطيني سببا لرفضها ،أما لا أستطيع هاته ،فعذرا غاليتي لا أستطيع قبولها.
لا لن تضيع من يده ،بهيته، بهاء دنياه ،حلم صباه وشبابه،لن تكون لعبة في يد أبيه يلهيه بها عن خطته،يكاد يجن ،بل قد جن .
-أين بهية يا خالة؟
-ذهبت إلى أبيها،(ضحكت)إنها لا تكاد تفارقه منذ تعطلت المدارس.
-سألحق بها إلى هناك،الن يمانع عمي ابو علي؟
-أذهب يا ولدي ،فأنت منا الآن.
سلك المسرب بين الحقلين، ترن بخاطره جملة امها:اِذهب يا ولدي ،فأنت منا الآن.
نعم انا منكم ويجب أن أبقى كذلك ،وحتى أكون منكم يجب أن تكون بهيتي مني،يجب أن تكون بهيتي مني.
-السلام عليكم عمي .
-وعليكم السلام بني، تعال واستمع إلى بهية ،لقد ختمت القرآن وكانت تسمعني آخر جزء للتو.
-حقا ؟ الف مبروك بهية ،جائزتك عليَّ. وماذا عن علي؟
-لقد ربح الرهان وسبقني .
ضحك الأب مفتخرا
-ختم صباح امس ،ولكن لا عليك حبيبتي ،هديتك محفوظة ،سبق واشتريتها.
-حقا ابي ؟! وماذا إن علم أخي ؟
-هو يعلم ،وفخور بك حبيبتي.
التفت إلى إبراهيم
-متى تنضم إلى سباقنا بني؟
-أي سباق عمي وقد ختما وانا خارج الرهان؟ !
-ما يزال الخير في كتب السنة والحديث الشريف ،مقابل كل تكليف لعلي واخته ،سأكلفك بجزء من القرآن.
-فليكن ،على بركة الله.
كان سعيدا معهما،هو الآن منهم ،أجل وعليه أن يبقى كذلك.
قامت بهية
-أما وقد انتهى سبب وجودي هنا ،فسأذهب إلى أمي، اساعدها على إعداد العشاء ،وأنتظر هديتي حتى أغيظ علي.
مرة أخرى ضحك أبوها سعيدا بها
-قلت لك انه يعلم بأمر الهدية ،وسعيد لأجلك.
-ولو،سأغيظه ،وسيتظاهر بذلك ليسعدني.
-أو تفرحين وانت تعلمين أنه يتظاهر بالغيظ ؟
-نعم ،فمن غير أخي يفعل اي شيء لأسعد .
انا ،قالها بنفسه ،مايزال الوقت مبكرا ليصرح بها أمام والدها ،الحياء يحكم .
-سأرافق بهية بعد إذنك عمي .
-لابأس ،حافظ عليها بني .
نظر إليه يحمله الأمانة ،فهز رأسه وقد ارتعشت دواخله.
وصلا حيث تلك الأركانة الوحيدة بين الحقلين.
-تعالي لنجلس قليلا هنا ،وأخبريني كيف أستطيع أن احفظ القرآن بيسر كما فعلتما .
لم تخشى خلوتهما، المكان مفتوح وهو الطريق نحو بيتها ،وأبوها وثق به وأاتمنه عليها ،فلم لا تعطيه سرها لتسهيل الحفظ.
أمسك يدها ،فنزعتها من يده
-لا تخافي بهية ،إنما اريد أن أجلسك الناحية الأخرى ،حيث المكان أجمل وأريح.
-لست خائفة ،انا فقط لا أحِل لك بعد لتمسك يدي .
-بل أنت حلالي ،مذ رأيتك أقسمت أن تكوني زوجتي ،لي وحدي .
صبية ،ماتزال تخطو على العتبة بين الطفولة والصبا،ماتزال طاهرة السريرة والقلب،ما تزال تثق أن اللسان ينطق بما في القلب، ماتزال تثق ،ماتزال....
كلمة بعد أخرى ،غزل يجر آخر، اقترب أكثر ،وأكثر ،وأكثر .
الشمس غابت منذ زمن،الظلام يسري خجلا ،كأنه لايريد أن يلفهما حتى يبقى لها نور يرشدها ويردها عن الطريق التي يجرها إليها خطيبها.
فجأة اعتلاها، حاولت أن تصرخ فكمم فاها،يزيل يده لتحل محلها شفتاه،يده تهبث بجسدها الغض ،وكلما اهتزت تحته محاولة الخلاص زادت شهوته.بكت ،نزلت دموعها لعله يرحمها ،شهقاتها المكتومة تحت يده تكاد تخنقها، ولكنه مصر ،مصر أن يصل إلى مبتغاه وقد فعل.
لم يحررها من بين يديه ،يعلم انها ستجري بعيدا عنه ،وهو يريد أن يبررفعله
-اسمعيني بهية ،أبي تظاهر أنه قبل زواجنا،ولكنه ينوي أن يقف في طريق سعادتنا،انا أحبك بهية .
-انت لا تحبني ،لو فعلت لحفظت أمانة ابي .
-ولكنني أريدك، وانت قاصر ،هكذا سيخشى علي السجن ويزوجنا.
-يخشى عليك السجن ،وانت لم تخش علي الفضيحة . طعنت رجلا استقبلك في بيته وآمنك على عرضه .
-لن يعلم أحد بما حدث ،سأخبر ابي،وسنقول أننا سرعنا الزواج لأنني لم اصبر على بعدك .
-ابتعد عني يا ابن الشيخ ،دعني أذهب إلى أبي.
-لا ،لا تذهبي إليه ،اخبري أمك وقولي لها أن تخبر أباك وليقبل كتب العقد غدا ،غدا سنأتي إليكم.
-تأتون بنخوة المنتصر المشفق، رجل يستر فضيحة أب لم يحسن تربية ابنته.بأي صفة سيستقبلكم أبي،وهل ستزغرد أمي .ابعد يديك يا ابن الشيخ .
قام ومد إليها يده ليساعدها على الوقوف ،تجاهلتها ونهضت مترنحة، وما كادت تقف حتى جرت بكل ما أوتيت من قوة نحو أبيها ،وهو يتبعها مناديا
-عودي يابهية، عودي لاتخبريه. ألا تخشينه بهية ،بهيييياااا.
لا ،لا تخشاه، وكيف تخشى من كان أمانها، كيف تخشى الظهر والسند ،لا انت من يُخشى منه وللأسف لم نفعل يابن الشيخ.
وصلت إلى العشة ،كان يستعد للعودة إلى بيته
-مابك بهية ؟ أحل بأمك مكروه؟
انهارت على الأرض باكية
-ماحفظ الأمانة أبي ، ماحفظ الأمانة .
لايريد أن يصدق ما فهم ،بل يرفض أن يفهم
-عم تتحدثين ،من خان الأمانة وكيف؟
رفعت إليه عينين أدمتهما الدموع ،ونظرة سكنتها الحسرة
-ابن الشيخ ابي ،خان وكسر الجرة غصبا وعنوة.
صفعة نزلت على خدها صدى للصفعة التي نزلت على قلبه.
اهتك ابن الشيخ عرضي ،اوَ استحل شرفي ، هل رضي لي الفضيحة والعار؟!!!!!
كيف وقد اتفقنا أن يكون لي تلميذا مصاحبا لولدي،كيف وقد أمنته على وحيدتي،كيف وقد اخترتهبيتي.
رفيق دربها ؟!!!كيف خان ؟ أم ترى تلك كانت غايته ،ذئب ارتدى جلد حمل ودخل حظيرة بيتي.