رواية المطلقه
الفصل العاشر10
بقلم حكاوي مسائية
نادوا بحرية المرأة وكثير منهم قصده تعرية المرأة .
هللوا لرحيل عهد الرقيق ،ويمارسون استعباد الناس دور خجل.
يهتفون في المحافل بالمساواة في الحقوق ،باسم الإنسانية ،ويدخلون الغابة بكل همجية .
اقنعة تضيع خلفها الحقيقة ،زيف يكتم انفاس البراءة ،وأحكام جاهزة تشوه صفاء الصدور ،ونفاق يعكر نقاء القلوب.
من عاداتنا ،تقديم واجب العزاء بعد الوفاة بمدة ،زيارة يحمل المعزي معه كيس او كارتونة كبيرة سكرا ،يواسي اهل الفقيد وتقدم له مائدة متنوعة .
صادفت زيارة زوجة خالي ،استعدادي للسفر عائدة الى العمل .رغم أنني لا ارتاح لها ،أحسنت استقبالها والحديث معها ،الى ان صفعتنا جميعا بقولها:
-عليك يا حورية ان تنتبهي لكل تصرفاتك من الآن .
-وما الذي جد اليوم يا زوجة أخي .
-اليوم ،مات ابوها الذي كان يغطيها .ويسكت عنها الألسن .
-وهل فعلت ما يستدعي الكلام عنها ،او يوجب غطاء لسترها.
-اااه ،انت تعرفين ،مطلقة وكذا !
-لا تقلقي يا زوجة خالي ،فقط ارجوك إذا سمعت عني شيئا لا تخفيه .
أصررت ان اوصلها ،ولاحظت أنني لم أسلك طريق بيتها
-نسيت بيت خالك ام ماذا ؟
-لا ،لم انس ،ولكنني اريد أن اكلمك وحدنا .
قصدت بها الجبل ،وظهر عليها الفزع .
-لا تقلقي ،انا فقط سأريك منظر المدينة من فوق الجبل .
وقفت ولم انزل ،ولا هي
-اسمعيني جيدا يا خالة .
تعلمين أنني صديقة لعدد من المولدات والطبيبات هنا .
-وما شأني بصداقاتك؟
-بل شأنك ،وشأن ابنتك .منذ زارت طبيبة نساء وأكدت حملها علمت به .
-أي حمل ،ابنتي متزوجة وطبيعي ان تحمل .
-لا ،حملها الأول ،حملها سفاحا.
-جئت بي الى هنا لتخوضي في عرض ابنتي .
-جئت بك الى هنا حتى لا أفضحها.
اعلم انها حملت قبل الزواج ،واعلم انك ذهبت الى الذي تسبب في حملها وهددته بفضحه في عمله ،ولأنها رمت شباكها على رجل أرمل له ولد ،وإن فضح سيسجن وإياها بتهمة الدعارة .
-ابنتي تسجن بتهمة الدعارة ؟
-نعم ،لأنها ليست قاصرا، ولم يغتصبها،و العلاقة تمت برضاها ولكنه خشي على سمعته ومركزه فقبل الزواج منها ،وانجبت بعد أشهر قليلة ،وادعيت ان الوليد غير مكتمل النمو ،وانا رأيته ولم يوضع في حضانة .
-كذب ،كل هذا كذب .
-ليس كذبا ،بل نسيت انني مولدة ،ونسيت ان اغلب المهنئات سبق لهن الإنجاب ،وأغلبهن لاحظن وسكتن وكل واحدة تدعو بالستر .
-وازيدك ،ما كادت ابنتك الطاهرة تتم الشهرين بعد الولادة حتى حبلت ،رغم خطورة الحمل عليها ،وذلك لتضمن الا يطلقها .
-كذب ،كذب .
-لا داع لإنكارك ،نحن وحدنا ،هو اي نعم لم يطلقها ،ولكنه لا يحبها ،ولا يحتملها ،ولولا أنه في عمر خالي ،لطلقها، ولكنه ضمن خادمة الآن وممرضة بعد حين .
زوجها يا خالة زير نساء ،مل منها وصاحب غيرها ،وهي صابرة لأنها لا تريد ان تحسب مع المطلقات .
-هذا ما تتمنينه لها ،ان تكون مثلك ،مطلقة .
-تؤ تؤ تؤ ،لن تكون مثلي ،بل ستكون عارا على المطلقات وعليك وعلى خالي المسكين، واحدة لم تحافظ على نفسها وهي بنت عذراء ،سلمت جسدها لأول وافد ،ماذا تظنينها تفعل لو طلقت .
اخرجيني من دماغك ،لا تنطقي اسمي ولو مع نفسك ،وإلا فضحت ابنتك الطاهرة ،وبالدليل .
-اي دليل ،كلام ارد عليه بكلام .
-لا بل شهادة تثبت حملها حتى قبل ان تعلني خطوبتها .
-كيف ،ومن أين لك بهكذا وثيقة ؟
-من مصدر موثوق ،انسيني لأنساكم، مفهوم؟
هزت رأسها مذعورة ،لم تعرف يوما إلا حورية المدللة ،حورية التي تربت ان تكلم الناس بأدب ،وتعاملهم بطيبة ،حورية التي ستكسرها كلماتها المسمومة ،وصدمت بحورية قوية ،تهدد ولا يرمش لها جفن .
وقفت امام بيتها ،ومددت يدي افتح لها الباب ،فعادت من شرودها .
-بلغي تحياتي لسلمى ابنة خالي يا زوجة خالي .
نزلت تشد على حقيبتها بيديها معا ،وهزت رأسها عدة مرات موافقة ،واسرعت الى بيتها .
ضحكت كثيرا قبل ان أدير السيارة عائدة الى بيتي.
-تأخرت يا حورية ؟
-ابدا ،دعتني الى الدخول ولم ارفض ،مرت ايام لم ادخل فيها بيت خالي.
عدت الى العمل ،واستقبلتني مدام أمينة بالاحضان
-كيف حالك ابنتي ؟وكيف حال والدتك .
-بخير ،قدر الله وماشاء فعل .
خلال الأسبوع مازلت استقبل التعازي ،سواء من العاملات معي في جناح الولادة او العاملين من أصدقائي بالاجنحة الأخرى .
رن هاتفي لاجيب
-السلام عليكم .
-وعليكم السلام .
عرفت الصوت وانتظرت
-حورية ،تعازي الحارة ،هل يمكن ان اقابلك ؟
-بخصوص؟
-اريد ان اعزيك في والدك .
-عزيتني للتو دكتور ،وانا أشكرك ،لا احزنك الله.
-حورية ،يجب ان أكلمك ،منذ تقدمت لك لم أحصل على جوابك .
-اولا انت لم تتقدم لي ،انت لمحت بطلبك ،وانا اجبتك بتلميح بالرفض .
-يجب ان اقابلك ،لا يمكن ان ترفضيني هكذا دون مبرر .
-اعتذر منك دكتور ،الواجب يدعوني ،سعيكم مشكور .
اغلقت قبل ان يجيب ،وضعت يدي على جبهتي ادلكها، صداع ،ولا مجال للراحة ،رفعت رأسي فرأيت مدام أمينة تقف مستندة على إطار الباب الخشبي ،تضم يديها على صدرها .
-مازال يضايقك .
-كان يعزيني.
-من أجوبتك فهمت كلامه لك ،يريد ان يقابلك اليس كذلك ؟
-لا تقلقي مدام أمينة ،لست انا من تقبل ان تتزوج رجل امرأة اخرى .
-لست قلقة منك ،بل عليك .
-ماذا تعنين ؟رجل مثله لن يقف على بابي طويلا ،مادمتُ رفضتٌه سيبحث عن أخرى ،وللأسف سيجد من تقبله .
-وجد قبلك كثيرات ،كل واحدة قضت معه مدة ،ولما تطمئن وتغتر بمعاملته، وتظن انها فعلا زوجته ولها الحق ان تنجب منه يطلقها ،وكم واحدة اجهضت بأمر منه.
-أحسن ،مادامت طمعت في ماليس لها ،فذاك عقابها .
-لسن كلهن تزوجن طمعا فيه او في منصبه ،منهن من تزوجته غصبا .
نظرت اليها متسائلة .فهزت رأسها بالإيجاب.
-نعم ،للأسف ،رأى فتيات جميلات فتقدم خاطبا لهن من آبائهن،وافقوا لأنه يقدم نفسه بمركزه ،ويحكي عن زوجته ما حكى لك ،والطمع يعمي العيون .
-وكيف يقبل ان يتزوج فتاة غصبا ؟
-بل من خبثه انه غالبا ما يكون على علم انها تحب شابا مثلها ،ومتفقين على الزواج ،فيتقدم الى ابيها ليقطع عليها الطريق .
-فقط اريد ان اعرف ،كيف تسمح له مدام هانم بالزواج ،رغم وجوب موافقتها حسب المدونة الجديدة .
-للأسف ،انت ايضا فهمت شرط قبولها كما فهمته الكثيرات .
-أليس شرط قبول الزوجة الأولى من شروط التعدد ؟
-الشرط هو علمها بزواجه ،والاختيار ،إما القبول او الطلاق
-كيف ؟
-يعلمها قاضي الأسرة برغبة زوجها بالتعدد ،إن قبلت لها حق ان تشترط انفرادها ببيتها ،مادام قادرا على التعدد فهو قادر على فتح بيت جديد ،أما إن رفضت زواجه من أخرى فيبقى من حقه التطليق للشقاق.
-مدام هانم تعيش بفيلا ابيها ،لا تحتاج منه بيتا ولا مالا ،فكيف تقبل على نفسها ان يتزوج عليها .
-لم تقبل اول الأمر ،فتعددت خياناته، راعت شعور ولديها ،وكما يقال ،رمت طوبته، وفي بئر عميقة جدا ،لم يعد له مكان بقلبها ولا بحياتها ،ولهذا لا تهتم إن تزوج او طلق.
ولماذا لا تخلعه ،ترد له الإهانة ،تخلعه كفردة حذاء قديم ،تخرجه من حياتها ،ماتزال جميلة ،هانم فعلا ،يمكنها ان تتزوج .
ابتسمت مدام أمينة
-ولماذا لم تتزوجي انت بعد طلاقك ،وانت أصغر وأجمل منها؟
-انا ،انا ....
نظرت الى نقطة ما في مكان ما
-انا خائفة ،لم أفتح بابي بعد منذ أوصدته بعد ابن عمي ،لم أشجع أحدا ليتقدم لي ،تصدقين لو قلت لك أنني لم أفكر يوما بالزواج ؟لم أسأل نفسي يوما هل سأتزوج ،هل انا مرغوبة .
-ولكنك تكبرين سنة بعد سنة ،هل تزوج ابن عمك ؟
-نعم ،تزوج ،هكذا سمعنا ،لا نعلم إن كان له أولاد ،ولكنه تزوج.
-هل مازلت تحبينه؟
-ما أحببته يوما إلا كأخي الكبير ،وما عاشرته طويلا لأحبه كزوج ،لم يؤثر في فراقه كما أثر في زواجي منه.
-كيف؟
كانت تسألني بهمس ،وكنت أجيب كأنني أكلم نفسي ،كأنني وحدي ،ابوح لنفسي
-إذا كان ابن عمي ،الذي رآني كيف كبرت مدللة محبوبة ،اغتصبني ،وعنفني ،وأهانني ،فكيف سيكون غيره ،رجل غريب يتزوج مطلقة ،كيف سيعاملني ؟
-ترهبين الزواج ؟
-بل أخاف كل الرجال ،اخاف ان أطلق مرة أخرى ،سأوصم بالفشل إن طلقت مرة ثانية .
-افتحي قلبك للحب ،قد تجدين رجلا يفضلك عن كل النساء .
-وأين هذا الرجل ؟هه في عالمنا ،لا أظن.
امسكت يدي ،ونظرت الى عيني
-حورية ،انت أكثر من جميلة ،جميلة الروح والجسد ،طيبة ،خدومة، وقوية ،وفوق هذا خلوقة وبنت أصل ،ماذا سيريد الرجال غير هذا ؟
-اِسأليهم ،لأنني لا أرى المعجبين إلا نساء مثلي .
ضحكتُ،فابتسمت وهي تربت على يدي.
حل يوم الأحد ،يوم الراحة ،هاتفتني أميمة
-صباح الخير دبدوبتي .
-صباح الخير حبيبتي ،هل ستخرجين اليوم ؟
-لا ،مرت أيام لم انظف الشقة ،وانا منذ ان استيقظت واقفة اجاهد وحدي .
-سآتي لأساعدك
-لا،لا تهتمي ،سألهي بها نفسي طيلة اليوم
-بل انا قادمة .
وجاءت ،وفعلا ساعدتني على تنظيف الشقة ،طلبت غذاء جاهزا ،وأخذت كل واحدة حماما قبل ان نجلس لنستريح امام التلفاز .
رن الجرس ،فقامت مسرعة تفتح الباب
-أهلا ماما ،ادخلي .
اسرعت اليها ،مرحبة ،فاجأني ما تحمله .
-ماهذا خالتي ،هذا واجب علي .
-انت ابنتي مثلك مثل اميمة ،خذي هذه الأطباق الى المطبخ ،سيأتيك ضيوف بعد قليل .
-نعم يا حورية ،ستأتي معزيات بعد قليل ،وما اردنا ان نتعبك في تحضير الضيافة .
-وتتعب خالتي ،كنت طلبت كل شيء ،وأعددت شايا .
-ماهذا يا حورية ،هل انا غريبة عنك ،انت ابنتي ،وواجبي ان استقبل ضيوفك .
-لقد أخبرتني مدام أمينة برغبتها بزيارتك للعزاء ،وكذلك حنان ،ونبيلة ووداد.
تعالي نحضر صواني الشاي والقهوة ،ريثما يحضرن.
رصت ام أميمة اطباق الحلويات ،والفطائر ،اخرجتُ علب عسل وزبدة وزيت مزرعتنا ،انواع الزيتون ،سمعنا الجرس ،وتقدمت أم اميمة تفتح الباب وترحب بالقادمات ،المفاجأة كانت مدام هانم وليلى .
عانقتني مدام هانم ،وتدحرجت دمعة على خدها ،مسحتها قائلة
-قلبي معك عزيزتي ،جربت فقد الأب وكسرة الظهر ،مازلت صغيرة على هذا الحزن .
كأنها ازاحت حجرا كان يسد مجرى دموعي ،فانسابت سخية.
عانقتني مدام أمينة
-لا تبكي حبيبتي ،ما جئنا لنبكيك بل لنواسيك .انظري من معي .
-ليلى عزيزتي ،اشتقت لك .
-وانا أيضا اشتقت اليك ،العدو على الكورنيش لا جمال فيه من دونك.
رحبت بحنان ونبيلة ووداد ،كلهن عانقنني ،وهمسن لي بكلام العزاء .
قدمت ام أميمة الضيافة ،مرحبة بهن ،وأدارت الحديث بعيدا عن الفقد والعزاء .
اعتذرت نبيلة ووداد ،وبعدهما حنان .لاحظت ان مدام هانم ارتاحت اكثر بعدهن ،وفهمت السبب لما قالت ليلى
-صاحبنا سأل عنك امس ويوم الأربعاء .
احرجني كلامها.فقلت
-من تقصدين ؟
ضحكت مدام هانم وكذلك مدام أمينة.
-بعد ان احرجته على الهاتف، سيصر ان يقابلك .
-كيف تقولين هذا مدام هانم ،تعرفين موقفي ،وانا فعلا انوي ان أغير النادي .
صرخت أميمةضاحكة
-لا ارجوك ،بعد ان انتميت اليه ،وتمرنت طيلة غيابك .
-وحتى لو غيرت النادي ،سيتبعك .
-كيف تعرفين هذا مدام أمينة؟
-لأنه فعله من قبل مع ليلى .
قبل ان تفاتحني في أمره ،لعب دور العاشق ،ولما صدته اصبح يضيق عليها في دراستها ،ويهينها أمام زملاءها، وتبعها حيث ذهبت حتى أصبحت تخافه، لما عرفت عنه كل شيء واتصلت بمدام هانم ،ذهبت إليه وهددته ،ولهذا انسحب ،ويبدو انه ظن أن ليلى لن يهمها تحرشه بأخرى طالما ابتعد عنها.
-لما سألني عنك ،اخبرته انني لا أراك إلا على الكورنيش ،ولا علاقة لي بك .
-حورية ،يبدو ان رفضك أهان كرامته ،لقد ترشح لإدارة المستشفى ،وإذا حصل على المنصب ستعيشين اسود أيام حياتك .
-متى تتغير إدارة المستشفى ؟
-بداية السنة .
-وانا لا أنوي ان اكون هنا السنة المقبلة .
-لا يمكنك ،لم تمر اربع سنوات على عملك .
-بل يمكنها ،قدمي الطلب ،واعطني نسخة منه .
-ماذا تنوين مدام هانم .
-لي معارف بالوزارة ،من عائلتي ومن أصدقاء والدي ،سأسهر على ان يقبل طلبها .
-ليتني اعود الى جوار اهلي ، ماما الآن وحدها
-لماذا لم تأت معك ؟
-لايمكنها ،عاداتنا الا تغادر الأرملة بيتها طيلة ايام الحداد ،والا تبيت خارجه .
-اعراف غطت على الدين .
-عمي وزوجته ومريم معها بفيلتنا، وبعد أشهر الحداد ستنتقل الى المزرعة لتعيش هناك .
بعد ان اعادت علي كل واحدة تعابير العزاء وهي تودعني ،وقفت مدام هانم وهي ماتزال تمسك يدي
-تعالي بعد غد لتحضري عيد ميلاد غيثة ابنتي ،ستتم الخامسة عشرة ،وتتعرفي على ولدي الصدّيق.
-سأحاول .
-بل ستأتين، حتى أريحك من مطاردة زوجي المصون .
مدام أمينة ،وليلى ستحضران ،تعالي معهما ،ارجوك .
شجعتني ام أميمة
-طبعا ستأتي
-وانت ايضا اميمة ،تعالي ،لنضرب المسمار الأخير في نعش الأستاذ.
لم تمر ليلتي على خير ،بعد ان بكيت كثيرا ،سبب واحد معروف لبكائي هو فقد والدي ،وأسباب أخرى احسها ولا اتبينها ،فقط تشعرني بالقهر والحزن والغضب .
صباح الاثنين ،كنت ارجو لو استطيع ان أبقى في الفراش ،ولكن أميمة ألحت علي لأخرج وألهي نفسي بالعمل ،على المرآة رأيت فتاة أخرى ،نظرتها باهتة حزينة ،تحيط بعينيها هالات سوداء ،يظهر عليها التعب ،والحزن .
هذه المرة ،استدعاني عن طريق مكتب مدام أمينة.
-نعم مدام أمينة، تريدينني؟
-استدعاء شفهي لك من مكتب الأستاذ .
-هل وضح السبب .
-لا ،ولكن لك الحق ان تنهي المقابلة إذا خرجت عن نطاق العمل .
-لا تهتمي ،سأتدبر امري.
ذهبت إليه، طرقت الباب فسمح لي بالدخول .
تعمدت ان اترك الباب مفتوحا .وجلست قبل ان يأذن لي ،حتى لا يأمرني بإغلاقه.
-آنسة حورية .
-مدام حورية .
نظر الي ساخرا وابتسامة جانبية على شفتيه .
-ما دمت كنت مخطئة فقد صححت الخبر .
-مدام حورية ،يبدو ان حزنك على والدك ،يمنعك من الخروج والعودة الى حياتك الاجتماعية السابقة .
-ومتى كانت لي حياة اجتماعية هنا ،انا لا أخرج إلا للضرورة .
-مفهوم مفهوم ،انما اردت ان اسمع منك جوابك على طلبي .
-أي طلب ؟
امسك قلما بين أصابعه، ورفع الي بصره ،نظرة فيها مشاعر مختلطة وكلها خبيثة ،غضب على تكبر على استهزاء
-طلبي ان تتزوجيني .
-اعتذر منك سيدي ،ولكنني ارفض ،وقد اخبرتك من قبل .
وضع القلم بعنف وهب واقفا .
-لا لم تخبريني من قبل ،وهل يمكن ان أعرف سبب رفضك .
تكلم وهو يتوجه الى الباب ليغلقه .
-بدون سبب ،اسبابي شخصية لا دخل لك بها ،والآن اعذرني سيدي .
وقفت قبل ان يصل إلى الباب ،فالمكتب واسع ،ومجهز بشكل جميل .
توجهت الى الباب
-اجلسي آنسة حورية ،لم نكمل كلامنا بعد
-بل انتهى الكلام استاذ ،والفت انتباهك اننا في مكتب عمل ،ليس طاولة بمقهى او مطعم لنتكلم بأمور شخصية .
-إذن نتقابل على العشاء .
-لا داع ،فجوابي اعطيته لسيادتك، ولن يتغير بتغير المكان .
-اعطي لنفسك فرصة .
نظرت اليه باستهزاء
-فرصة لماذا؟
-نبدأ علاقتنا بصداقة، أعدك ان تتطور الى حب فزواج .
-وانا في غنى عن هذه الفرصة ،لأني فعلا في علاقة ،وعلاقة جدية .
-لا أظن
-ظنَّ او لا تظن ،لا يهمني
-لا أظن العلاقة جدية ،قد تكون اي شيء إلا جدية .
-والسبب الذي يجعلك تظن هذا؟
-انك مطلقة ،وكما تعلمين ،لاشيء يقيد علاقتك .
رفعت يدي كدت اصفعه، لولا ان تداركت نفسي ،فأصبحت نظرته اكثر استهزاء .
ضممت قبضتي وقلت
-لولا انني خشيت على يدي ان تتوسخ بدناءتك، لعرفتك مع من تتكلم .
رفعت سبابتي بوجهه
-استاذ دكتور ههه ،شهادة لتخرج من مستنقع فقرك، وافكارك من العصر الحجري .
-ستندمين على قولك هذا .
-بل احذرك ،لو تعرضت لي ،لن اكف يدي ولا لساني عنك ،ولن احترم لا سنك ولا مركزك .
-ستكون نهايتك على يدي
-بل سأعيد تربيتك امام طلابك وزملائك،اما عن العمل فتفضل.
نزعت وزرتي البيضاء وألقيتها بوجهه .
-انت من تحتاجه لا انا.
خرجت لاصطدم بمدام أمينة، ودكتورا آخر .
-استاذ الصقلي ،يبدو انك أضعت ترشيحك للإدارة .
-مدام أمينة، زميلتك تعدت حدودها ،واهانت رئيسا لها .
-اولا لست رئيسها ،ثانيا ،بعد ان استدعيتها شفهيا، شككت بأمر استدعاء لن يكون له اثر إداري ،فتبعتها ،وفاجأني سبب الاستدعاء ولهذا طلبت شاهدا آخر .
-هل تريدين تقديم شكوى ،يا آنسة .
-مدام من فضلك ،الاستاذ علم انني مطلقة فاراد استغلال وضعي لصالح رغباته.
-اهدأي ،هل تقدمين شكوى ضده .
نظرت الى مدام أمينة ففهمتني
-نتركها الآن دكتور حتى تهدأ وترتب افكارها .
مد الدكتور يده لينزع وزرتي من يد الأستاذ الذي كان يقف كتمثال من شمع .ومدها لمدام أمينة
-خذيها الآن الى مكتبك .
وضعت يدها على ظهري وسارت بي الى المكتب، اذا كان هو قد تجمد من وجود شاهدين على حقارته، فانا مغيبة من القهر .حتى الدموع تأبى ان تظهر ضعفي .
جلس الدكتور المجهول على كرسي وتكلم
-اجلس استاذ .
-انها هي ،هي من همت ان تصفعني .
-والسبب؟
-لأنني حذرتها ان تتحرش بي مجددا .
-ومتى تحرشت بك ؟
-دائما ،كلما التقت بي .
-واين تلتقي بك إذا كانت مولدة بابعد جناح عن قسم امراض القلب.
-هل تكذبني ،انها مجرد مطلقة تبحث عن ضحية .
-ليس هذا ما سمعناه ،وخير لك ان لا تقدم فيك شكوى ،لأنها إن ذكرتني كشاهد ،سأشهد بما سمعت .
انصحك ان تجد حلا قبل ان تشتكيك.
قام مودعا ،بينما الآخر لم يسمع إلا انه ممكن ان يشهد ضده .
بمكتب رئيسة قسم الولادة ،كنت أشرب ماء باردا، ومازلت لا اتكلم .
-حورية ،عزيزتي ،لا تجزعي ،لقد أخذت منه حقك وحق من أذلهن قبلك ،لم تجرؤ واحدة قبلك ان ترفع يدها عليه ،ولا ان تهينه وتحقره .
-ومانفع إهانته او احتقاره إذا كانت نظرته في كل العيون ،شابة تعيش وحدها ،حقل خصب لجراثيم أفكارهم المنحرفة ،مابالك لو علموا انني مطلقة .
-وما لها المطلقة ،انت أشرف وأطهر من رأيت طيلة مدة خدمتي .
-المطلقة مشاع ،كل رجل يراها تنتظر إشارة منه ،وكل امرأة تخشى منها على زوجها او ابنها .
-وكم بيتا يأوي فتيات تخلين عن العفة دون زواج ولا طلاق ،تقسم امها ان ابنتها لا تعرف من الرجال غير ابيها او أخيها ،بينما هي متمرسة اكثر من امها.
-وهل تشير لها الأصابع ،ويطمع فيها من لا يعرف سرها ؟ابدا ،مادامت قطرات الدم تلك ماتزال مكنونة بمكانها ،فهي تعتبر قديسة.
-ومن قال ان كل البنات ماتزال تحتفظ بذاك الدليل ،الشيء الوحيد الذي لا تفرط فيه هو ادعاءها البراءة امام معارفها،مجرد ان تبتعد عن محيطها تنزع ثوب العفة ،وكما قلت كم منهن مطلقات مرارا بلا عقود .
-وكل ذكر يجالسهن بدعوى التحرر والتقدم ،ولما يأخذ ما يريد ،يلفظ الجسد الذي سعى وراءه أياما ،ويتزوج من يظن انها حافظت على نفسها لأجله.
ضحكت مدام أمينة قائلة
-فيقع في واحدة كانت ضحية لآخر ،والعملية سهلة ورخيصة .
-طالما لم تحمل لقب المطلقة .
-هل ستقدمين فيه شكوى ؟
-كلمي مدام هانم ،فإن قبلت فعلت ،وإن رفضت تجاوزت عنه إكراما لزوجته .
-بل ستوافق اعدك
