رواية المطلقه الفصل الرابع عشر14بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل الرابع عشر14

بقلم حكاوي مسائية


15المطلقة.

هل تصلح كلمات ما أفسدته افعال ،هل تمحو حزن السنين نظرة اعتذار ،هل ترمم شرخا بالنفس لمسة على الظهر ،هل يغفر القتيل لقاتله ولو بعث بجانبه مقتولا .

لا أظن 

كانت مريم تحضن صغيرتها بين دموع وضحك ،وقفت بباب الحجرة مسندة الى إطار الخشب ،أخيرا يا مريم ،انزاح الكابوس عن صدرك .

-كنت خائفة يا مريم ؟

-بل كنت مشلولة من الرعب ،كنت أقول لنفسي سيسقط عنه القناع في أية لحظة ،ونجد رجاله يحيطون بنا ،ويجرني وابنتي ،سبيةً بعد ان يؤذيكم. 

-ماكنت لأقبل ان يراك وغالية لو شككت فيه ولو ذرة يا ابنتي .

-لعلها يا عمي قالت انك رجل فلاح ،وهو ذكي ومحتال .

غمزت له مبتسمة .

وجاء الرد من ماما رحمة .

-فلاح خريج جامعة ،وأذكى منه كثيرا ،الأرض شحذت فيه جانب الذئب .

-هكذا إذن ،واحدة تستهين بعمي حبيبي وقوته ،وأخرى تصفه بالذئب ،كان علينا ان نترك فارس يأخذ منهما غالية .

صاحتا يصوت واحد 

-لا،إلا غالية .

ضحكنا جميعا على فزعهما ،وكان هذا هو المطلوب ،ان تنسيا الخوف ورعب الساعات القليلة الماضية.

-المهم الآن أن غالية صارت لها اوراقها الثبوتية .

-هيا بنا الآن فعمي ينتظرنا على العشاء .

-يبدو ان ماما استحلت كلمة عمي ،فهي ترددها كلما استطاعت .

لف عمي يده على كتفي 

-يا حوريتي ،مهما نمت شجرة ،واصبحت في عنان السماء شامخة ،فقوتها تبقى في جذورها ،امك وجدت جذورها ،قوتها ،والاهم انها عرفت انهم لم يتخلوا عنها لأجل إرث او مال ،وانهم يريدونها ويرحبون بها .

بعد وعود واعتذارات ودعت ماما اهلها ،تغيرت هذه الأيام ،هل رأيتم يوما نبتة ذابلة، ولما تسقيها يشتد عودها وتنضر اوراقها ،كذلك ماما ،كأن عودها اشتد وعادت اليها نضارة الشباب ،عودتها الى جذورها ولقاءها بأهلها ،وعلمها انهم سندها،أعاد لها عنفوانها وثقتها بنفسها ،بعد ان كانت ،بعد أبي ،يتيمة منقطعة .

عدنا ،وماكدنا نرتاح من عناء السفر حتى ودعنا هشام ،نحو مستقبله .

وعاد الهدوء والصمت ،حتى اننا نستجدي ضوضاء ابني رابحة 

-اين ولديك يا رابحة ؟

-بالبيت يا سيدتي .

البيت ،حجرتين وحمام ومطبخ صغير ،يلتصق بالسور الأمامي قرب البوابة .

-ناديهما يا رابحة .

-ولكن ،لعبهما ياسيدتي .

-هات الاولاد يارابحة، فليس لعبهما ضوضاء ابدا .

دخلت من العمل وقد سمعت جملة امي الأخيرة 

-كانت حنة تقول مثلا عن لعب الاطفال على الفراش ،ذكريني به ماما .

قبلت وجنتها وجلست اضع رأسي بحجرها .

-ليس عنهم فقط ،بل هو عن ثلاثة .

-اخبرينا سيدتي ،فكم تحدثني سيدتي رحمة عن حكم حماتها يرحمها الله .

-يرحمها الله ،كانت أما اكثر منها حماة .

المثل يقول ،اسرع من ياش ،النظر بين الأرماش، مر من ياش ،حمل الاحباب على الانعاش ،حب من ياش ،لعب الاولاد على الفراش  .(اسرع من أي شيء ،هو النظرة من بين الرموش ،امر  شيء ،هو حمل الاحباب على النعوش، احب شيء هو لعب الاطفال على الفراش )

-سمعت يا رابحة ،سنموت ويبقى الفراش بعدنا ،فلماذا نحفظه لغيرنا ،اتركي الاطفال يلعبون ويدخلون البهجة إلى بيت صامت .

جاء قاسم 

-السيد مروان يستأذن .

صعدت إلى غرفتي فأذنت له ماما بالدخول .

-اهلابك مروان .

-بارك الله فيك يا خالتي .

ذهبت رابحة لتعد الشاي .

-كيف حال صغيرك ،فؤاد اليس كذلك ؟

-نعم خالتي ،ولأجله جئت اليوم .

-عرفت قيمة الولد يا مروان ،لأجله وصلت احبابا قطعتهم .فكذلك معزتك بقلب امك ومعزة حورية بقلبي .

فهم قصدها فطأطأ رأسه .

-وخير معلم الزمان يا خالتي .

اريد حورية في امر يخص فؤاد ،لو تسمحين .

-نادي حورية يا رابحة .

رابحة التي كانت تسمع ما يقال وهذا عيبها الوحيد ،اسرعت الي .

-آنسة حورية ،يا حورية ،سيدتي تريدك ،بل إنه مروان ،قال أنه يريدك بشأن ولده .

-وانت كعادتك تتنصتين .اخبريه انني قادمة .

وضعت قناع الجمودقبل ان أقابله 

-السلام عليكم ،اهلا مروان.

-وعليكم السلام ،كيف حالك حورية .

-بخير يابن عمي ،خير ،قالت لي رابحة انك طلبتني.

-فؤاد ،يا حورية ،مريض ،ولا أدري كيف اتصرف .

-كم عمره الآن ؟

-سنة وأسابيع.ولكنه كثير المرض ،نحيف ،حتى أنه لم يحْبُ بعد.

تدخلت ماما .

-أكثر من سنة،يجب ان يكون قد حبا، ويحاول الوقوف .

-اخذته الى طبيب اطفال ؟

-امه ترفض ،لأن امها تقول ان هذا عادي .

-إذا كان هذا رأي امه ،فما المطلوب مني انا عمته ؟

-افتي علي ما افعل ،انت في مجال الصحة،تعرفين اكثر .

-لا تنزعج بني ،خذه غدا الى المستشفى ،وسيراه طبيب الاطفال .

-تعال غدا صباحا ،ونأخذه الى الدكتور ****الى عيادته الخاصة ،هو دكتور ممتاز ،ويمكنك المتابعة معه حتى تطمئن على ولدك .

-شكرا ،شكرا ،غدا سأكون امام المستشفى بانتظارك .

-لا ،ليس قبل العاشرة ،ستجدني عند البوابة الغربية .

شكرنا مرة أخرى قبل ان ينصرف .

-مسكين مروان ،يعاني وحده .

-هو من اختار فليتحمل نتيجة اختياره. 

-كيف تسمع كلام امها ولا تخاف على ولدها ؟

-لانه ولد مصلحة ،كما كان زواجها من ابيه زواج مصلحة .

-لا يا حورية ،حب الام فطرة جبلت عليها ،لن تقسو على ابنها .

-لو رأيت يا ماما اطفالا تخلت عنهم امهاتهم لعلمت ان الناس انسلخوا عن فطرتهم ،مواليد نسمع صراخهم، ونذهب لتفقدهم فأذا الام قد استغلت وقت الزيارة وانسلت هاربة مع الزائرات.

اطفال الحب كما نسميهم ،علاقة حب لم تتوج بزواج ،او اغتصاب شهوة وعشق جسد ،او خطة توريط شاب مرغوب لم تنجح ،والنتيجة طفل يرفضه ابوه وهو جنين ،وتلفظه امه بالمستشفى .

-فؤاد يا ابنتي وليد علاقة حب تكللت بالزواج .

-حب من طرف واحد ،اما الطرف الآخر فهدفه كان المال ودخول البيت الكبير .

لو فكرنا بالعقل يا أمي ،كم زوجة تعرفينها ذهبت الى المستشفى الحكومية لتلد ؟

-كلهن يقصدن المصحات الخاصة .

-وتبقى المستشفى للفقيرات والقرويات وبعض الحالات المتعسرة التي ترفضها المصحات خشية على سمعتها .

-هذا ما يحدث فعلا.

-فلماذا تلد زوجة مروان بالمستشفى ؟وهو الذي يلبي جميع طلباتها ولو على حياته ،لقد كادت ستنجح فيما خططت لولا ثبات زوجة عمي على قرارها .

-هل تفكرين انها قصدت ان تعلمي بولادتها لتبلغي عمك؟

-فيحنو قلبه على حفيد يشتاقونه منذ زمن ،ويحن الى حلم البيت العامر بأحفاده ،وتدخله معززة مكرمة تتبعها امها التي لم تتخل عن حلمها القديم .

-حب عمك لزوجته وضميره الذي مايزال يؤنبه على خطأ قديم ،هو ما وقف بوجهها .

-فهمت الآن ان فؤاد ليس كما تظنين ،كان ورقة بلعبة ولكنها احترقت بيدها ،فلِم تحافظ عليها .

-لا حول ولا قوة الا بالله. كأننا في غابة .

قمت وانا اكلم نفسي :بدون كأن يا أمي، نحن فعلا في غابة.

خرجت الى البوابة كما وعدته على الساعة العاشرة صباحا بعد ساعتي عمل ،كان واقفا يستند إلى جدع شجرة كافور (اوكاليبتوس)ويستظل بظلها وهو يضم طفله اليه واضعا يده خلف رأس الصغير بحب .

نعم هو يحبه لأنه بالنسبة له وليد حبه ،جزء من معشوقته .

-السلام عليكم .

-وعليكم السلام ،انظر يا فؤاد هذه عمتك حورية .

-اهلا يا صغيري ،كم انت جميل ،تعال الى عمتك حبيبي .

ابتسم لي ،ومد يديه الصغيرتين، فاستقبلته بحضني .

-سنحتاج لجيش لنبعد عنك المعجبات ،اين ماما ؟

-تلفتت باحثة عنها .

-لم تأت،رفضت ان يراه الطبيب ،وككل مرة ارتفعت اصواتنا ،فحملته وخرجت .

-اين سيارتك؟

-لا املك سيارة .

كنت ساعتذر، مرت فكرة بخلدي انني السبب ولكنني طردتها بسرعة ،لا لست انا ،إن حرم من مال ابيه فهو السبب ،المال قد يعود وماضاع مني لا عودة له.

ذهبنا بسيارتي ،وقد اخذت موعدا ،والمساعدة عرفتني 

-ستدخلين الآن .

انتظرنا حتى خرجت سيدة تحمل رضيعا وهي تشكر الطبيب ،فأدخلتنا المساعدة .

-صباح الخير دكتور .

-اهلا سيدتي ،مابه الصغير .

حكى مروان ما بولده ،والطبيب ينقل بصره بيننا ،كأنه يتساءل، كيف يعرف الاب مم يشكو ولده اكثر من امه .

توجه الي بالكلام 

-هل ترضعينه رضاعة طبيعية ؟

فهمت قصده ،يريد ان يتأكد إن كنت امه ،فلم اجبه وابتسامة جانبية على ثغري .

-لا ،منذ يومه الأول رضع حليبا اصطناعيا. 

هذه المرة ،نفذ صبره فوجه الي السؤال الذي يحيره.

-ألست أمه،لم لا تجيبين؟

-لأنني لا اعرف شيئا عنه ،فانا ،انا عمته.

لو كنا بغير مغربنا الحبيب لشك فينا وطلب منا مايؤكد انه فعلا كما نقول ،ولكنه اعتاد ان يرى أطفالا مع جداتهم او خالاتهم او عماتهم ،بل وكيف سيعرف ان من تدعي الأمومة انها الام فعلا ،يكفيه ان يرى الاهتمام بصحة الطفل ،انما شده الينا ان الأب هو ما يجيبه على غير العادة .

أسئلة كثيرة ،يكتب إجاباتها على مذكرة امامه ،تاريخ الولادة ،نوع الحليب ،حالة الهضم والعضلات، النوم ،الجلوس التسنين، وفوجئ ان الطفل لم يحبُ بعد .

على طاولة الفحص ،يمكن ان أقول انه (فلاه)لم يترك انشا بجسده إلا وانتبه له وفحصه. 

-جسمه أصغر من سنه ،الحمد لله ان استجاباته طبيعية ،سأغير نوع الحليب ،واكتب له نظام غذاء ،وبعض الفيتامينات ،يجب ان تحرصوا عليها جيدا ،بعد اسبوعين ساراه مجددا لنعرف هل تحسنت حالته ام ان تأخر نموه له اسباب اخرى .

مرة اخرى توجه الي بالسؤال 

-هل تعيشون بنفس البيت ؟

-لا ،اخي مستقل عنا ،لماذا ؟

-كنت سأوصيك بالطفل ،يبدو ان امه لا تهتم به.

شكرناه وغادرنا .مد الصغير الي يديه فاخذته من ابيه ،واعطيته المفاتيح 

-سق انت حتى بيتك ،ودعه لي .

امعنت النظر اليه ،صورة مصغرة من والده ،لو كانت امك تحب اباك لكنت أغلى من حياتها ،لكنت الطفل المدلل ،وربما زرت الطبيب آلاف المرات ،كلما توهمت ان حرارتك مرتفعة ،او سعلت ليلا .

لو احبتك لما فضلت عليك جمال نهديها وارضعتك الحب قبل الحليب .

انت ثاني ضحية في هذه القصة عزيزي .

افقت من شرودي على صوت الباب يغلق ،لف ليفتح لي ،مددت له ولده ،ودعته وركبت سيارتي الى العمل حيث سأطرد أفكاري وذكريات تهاجمني.

طبعا ،سألت ماما ،وحكيت لها بالتفصيل الممل حتى لا تعود لتسأل مرة أخرى ،هي تعرفني ،وتعلم انني مادمت شرحت لها كل شيء بدقة ،فانا اغلق باب الحديث في الموضوع مرة أخرى .

لم يغب طويلا ،جاء مساء الغد .

من عادتنا أن نتعشى باكرا ،بعد صلاة المغرب ،نسهر قليلا امام فيلم او مسلسل، نتكلم خلاله اكثر مما ننصت، فرابحة لا تنفك تسأل عما يقولون وما يفعلون وماذا سيحدث بعد .

دخل قاسم .

-السلام عليكم ،مروان يستأذن .

-أدخله ،ولا تتركه بالباب بعد اليوم ،مروان ولدي مثله مثل هشام وحورية .

-حاضر ،سيدتي .

دخل يحمل ابنه بيد وحقيبة بالأخرى. 

هبت امي تأخذ منه الطفل النائم  

-خذيه يا رابحة الى غرفتي وابقي معه.

جلس ورأسه بين يديه 

-مابك مروان ،مابك بني .

-اعيش بالجحيم يا خالتي .بعد ان أخذت فؤاد الى الطبيب ترفض ان تعتني بولدها ،تدخن امامه وكم قلت لها ان دخان السجائر يضره 

فاجأنا خبر انها تدخن ،وكما قال المصريون ياما في الجراب يا حاوي .

قمت لا اريد سماع اكثر ،أمره لا يهمني،له عقله ،كما خطط ودبر حتى كسرني ،فليخطط الآن لينقذ نفسه .

مهلا ،لم لا يكون هذا كله تمثيل من مسرحية كبرى ليصل الى هدف امتنع عنه من قبل ؟؟؟؟

دخلت المطبخ لأعود بكوب أعشاب مهدئة ،اخذت ارتشف منه وظهري مستريح على ظهر الاريكة ،وانا اراقبه .

-رفضته من لحظة ولادته ،لما رفضت ان أعود إلى الشقة .

-ولم رفضت وابوك قد قدمها لك عن طيب خاطر .

-لن أدخلها معها بعد ان علمت من تكون ،ابني هو ما يربطني بها ،وهي تصر ان نحمله ونذهب به الى امي ،تقول ان ندخل عليها فجأة ونضع الطفل بحجرها وهي بقلبها الكبير لن ترفضه ،وستقبل وجودنا لأجله هو .

-وما الذي منعك عن تنفيذ خطتها ،كما فعلت من قبل .

نظر الي نظرة انكسار واعتذار .

-منعني حبي لامي ،إذا كان جرحها ينزف وهي بعيدة عنها ،فقربها سيقتلها ،لن استغل طيبة قلب امي لأجهزة عليها .

فر سيل من الدموع على وجنتيه، غلب محاولاته في منعه ،او مسحه ،فوضع وجهه براحتيه واجهش باكيا .

أخيرا يا ابن عمي ،أخيرا رأيتك ضعيفا مكسورا ،ومن كسرتك ؟ حبيبة قلبك التي بعت العالم لأجلها ،التي قدمتني قربانا على محرابها ،أخيرا رأيت دموعك يا من لم ترحم دموعي .

اكذب لو قلت ان دموعه لم تشف غليلي ،اكذب لو قلت ان حزنه لم يسعدني ،اكذب لو قلت ان بكاءه لم يفرح قلبي ،فانا لست ملاكا ،فالملاكئة لا تسكن الأرض ،ولا تغتروا بمظهر البراءة والعفو والسماح ،قد نسامح لفظا ،ونتعامل كأننا نسينا ،ولكن ما في القلب لا يشفيه إلا انتقام الله لنا .ولو صدق ،فقد نلت انتقامي ،هذا لو صدق ،لانني لن أصدق بسهولة .

تكلمت أخيرا 

-وما المطلوب منا ؟

-رفع الي عينين محمرتين كالجمر، نظرة تائهة ،تأتأ لا يعرف بم يجيب .انقذته امي 

-احك لنا ،ماذا حدث لتأتي بابنك هكذا ،وما تلك الحقيبة بجانبك؟

-كنت اوصيها صباحا لتهتم بفؤاد وادويته، قبل ان أخرج للعمل ،فإذا بها تجيبني 

-ابق معه واعتن به ،فانا لا اريد ولا اعرف .

-تعلمي ،لقد كتبت لك موعد كل دواء ،والاكل معد اعطيه له بمواعيده.

-قلت لك لا استطيع .

-وما الذي يمنعك .

-كرهي له،لا اريده.

-كيف تكرهين ولدك ؟ ألست اما ككل الأمهات .

-ومابال امك كرهتك ،انا لست احسن منها.

-فعلا لست احسن منها ،ولكن ولدك لم يجلدك بسوط امرأة عاهرة تسببت في عقمك، ولم يعص امرك ليتزوج ابنتها ،ولم يقهرك بتمرده وسكره ،وخيانته. 

-وهل تظن انني سأكون احن على ابنك من امك عليك ،طالما انه لم يكن سببا في ان أعيش كما كنت أريد واتمنى ،فلن يكون سببا لاستمراري معك في هذه العيشة الملعونة .لماذا ترفض ان نعود الى شقتنا ؟

-لأنها ليست شقتنا ،مالا يعرفه ابي ،او اي احد من أسرتي إن جدي كتبها باسم حورية .

اخرستني الدهشة ،ولكن أمي رغم صدمتها سألته.

-متى ،ولماذا لم يقل لنا .

-كنت اظن انكم علمتم بعد موته ،اما منذ متى ،فبعد ان قبلت حورية الزواج ،اعطاني العقد وقال لي ان افاجأها بهديته .ولكنني كنت أعمى، فلم اخبرها ،وهي تعلم ما كنت أنوي. 

نعم يا ابن عمي ،لن أنسى ما قلت لي تلك الليلة المشؤومة (الليلة ساعقد على حبيبتي ،وتذهب معنا الى اسبانيا ،وتعود الى شقتها التي لن تدخليها أبدا، ستبقين ببيت عمك  هو من ارادك كنة له فليهنأ بك في بيته )

-وكيف انساه يابن عمي .

نظر الي نظرة لم افهمها،بها الحزن والندم،سريعا ما اخفاهاوالتفت إلى أمي:

-ارجوك خالتي ،صرت اخاف على ولدي منها ،لقد قررت ان أطلقها ،ولكنها تربطني بمؤخر صداق كبير .

-وماذا ستفعل الآن ؟

-هذه حقيبة ملابس وأدوية فؤاد ،اعتني به خالتي ريثما اتخلص منها ومن شرها .

لمعت عيناه بخبث 

-لن تكون اعز ممن خنتهم لأجلها ،سأجعلها تذوق الحرمان والفقر ،كما كانت تعيرني ،رغم انني اعمل ليل نهار لأوفر لها ولو جزءا مما وعدتها به ،ولكنها جاحدة، وأظهرت وجهها الحقيقي بعد ان علمت انني اعرف من تكون امها .

-ماذا تنوي ،يا ولدي ،لا تلق بنفسك الى التهلكة .

-لا تخافي خالتي ،سأترك العمل ،بعد كم شهر سيطالب صاحب البيت بأجرته ،ولن تجد في مطبخها ما تسد به رمقها، جلوسي بالبيت سيمنعها من الخروج ،سأضيق عليها حتى تطلب الطلاق وتتنازل عن المؤخر .

-اذا كان المال هو ما تريد ،اعطها مبلغ المؤخر وطلقها بني .

-اما وقد عرفت نواياها ،وتأكدت انها لم تحبني يوما ،وانني لست الاول بحياتها وخدعتني، فلا ،لن تخرج من بيتي إلا كما رأيتها اول مرة .

وقف مغادرا كأنه يهرب .

اطالت امي النظر إلي، بينما اخذت الحقيبة ،فتحتها .بها بضعة غيارات ،كيس الدواء بداخله الوصفة ،لا زجاجة رضاعة ولا حليب .

-رابحة ،هات فؤاد ان استيقظ .

جاءت تحمله ،وكان يبكي ،عزت علي دموعه 

-لابد انه جائع .

-اسلقي حبة بطاطس وعرق جزر اطحنيهما جيدا واطعميه يا ماما ريثما أعود. 

قصدت الصيدلية واشتريت علب حليب ،وعلب اكل اطفال ،وزجاجة رضاعة ،ثم توجهت الى محل لباس اطفال واخترت له مجموعة أحببتها، وغيارات. 

عدت محملة ،ولم انس ان امر على محل لعب لأشتري سيارتين صغيرتين واحدة حمراء والأخرى زرقاء .

اول ما سألت ماما، عن السيارتين .

-مايزال صغيرا ليلعب بهما 

-اعلم ،ستساعدنا ليتعلم الحبو. 

أجلسته على الارض ولعبت معه بالسيارة الحمراء حتى احبها ،فمددته عل بطنه وابعدتها عن متناوله ،حاول بضع مرات قبل ان ييأس ويبكي .حملته ماما 

-هكذا سيتعلم ان يحبو ليصل اليها ،مرة أخرى لا تحمليه ،قربيها منه ،ثم ابعديها ودعيه يحاول .اذا كان سليما ،سينجح بعد بضع محاولات .

مر الاسبوعان وحان موعد الطبيب ،كنت اعتني بالطفل كلما عدت من العمل لأريح ماما ،تحسنت حالته وظهر عليه ذلك ،صوته يدخل البهجة إلى النفس ،اصبح يدفع برجليه زاحفا نحو غرضه ،وكلما مر اليوم ولا يأتي مروان لرؤيته تأكدت انه ماض في خطته ويرفض أن يخرج من البيت كما قال .

رآني الطبيب احمل الطفل فألقى بصره ورائي ينتظر دخول والده .

-اين ابوه ،هل تخلى عنه هو ايضا ؟

-لا ،بل كلفني بالعناية به .

- هل افهم ان امه قد تخلت عنه .

-تلك امور لا اعرفها ،انا فقط اوكل لي اخي مهمة وانا انفذها .

فهم انني ارفض الكلام في شأن عائلي 

-هات الصغير لافحصه .

-وزنه احسن ،وحركة مفصل الحوض اصبحت اكثر مرونة ،هل تروضينه. 

-ألاعبه ،ارفع رجليه الى رأسه ليضحك، وأضع شيئا بعيدا عنه ليصل اليه وحده .

-وهذا هو المطلوب ،تابعي ما بدأت معه .

ماذا تطعمينه؟ 

-خضر ،وفاكهة مطهوة، وحليب معلب وحساء اطفال من الصيدلية .

-جيد ،لقد تجاوب مع اهتمامك به ،سيكون بخير .

شكرته وعدت الى البيت اخبرماما بما قاله .

مر شهر قبل ان يدخل مروان علينا مساء .

-مساء الخير .

-اهلا يا مروان ،كيف اختفيت كل هذه المدة ،ألم تشتق الى ولدك .

-بلى ،ولكنني اقسمت ألا اراه حتى اخلصه من ام جاحدة. 

كيف حالك حورية ؟

-بخير يا ابن عمى .

كان فؤاد على الزربية تحيطه لعبه ،فاستلقى بجانبه 

-حبيبي الم تفتقد بابا ؟

ردد الطفل ،بابا ،وهو يلتفت اليه ،فحمله سعيدا واستلقى على ظهره ورفعه في الهواء 

-نعم بابا يا حبيبي وقد عدت لك ولن افارقك بعد اليوم .

-لقد أحببناه واعتدنا وجوده ،لن تأخذه منا بني .

اجاب امي وهو ينظر الي .

-لم اطمئن عليه كما اطمأننت وهو معكم ،لم ااتمن عليه امه كما ارتحت لوجوده باحضانكم. 

-حبيبي يحب ان ينام بحضني .

قالت امي.

-ليته لا يفارقه. 

فهمت نظراته ،فاستأذنت 

-تصبحون على خير.

لا يا ابن عمي ،لن اقع في فخك مرتين ،فلا الحب اضواني، ولا الهجر أضناني ،ولا البعد انساني .

حتى لو عشت العمر كله وحيدة لن أكون لك ،فتلك الليلة ستبقى السد المنيع بيني وبينك.

اخذت رابحة الطفل لينام ،ووضعت امام والده العشاء ،مظهره ينبئ انه عاش معها في السجن الذي قرره لها ،جاع قبلها وحرم قبلها ،وصبر حتى ينفذ صبرها فتطلب النجاة .

اخرج من جيبه وثيقة الطلاق و ورقتي تنازلها عن المؤخر وعن الطفل ،ليس عن حضانته فحسب ،بل تنازلت عنه ،لا تريد زيارة ولا قربا .

-سأذهب غدا الى أمي ،ساقبل قدميها لتصفح عني .

-ساكون معك ،وفؤاد سيشفع لك .

-ساذهب الآن .

-الى أين؟ ادخل غرفة هشام ،خذ حماما ونم ،وغدا نذهب معا .هششش ،لا تجادلني ،هيا .

خرجت من غرفتي صباحا ،فرأيته ينزل السلم ،فقد الكثير من وزنه ،واسمرت بشرته ،حتى كتفاه بهما انحناءة بسيطة .

كسر ظهرك ببعدك عن ابيك يابن عمي .

على مائدة الإفطار أخبرتني ماما عن ذاهبهما الى الضيعة 

-حسنا ،انتظراني، ريثما استأذن لاذهب معكما، يكون فؤاد قد استيقظ من نومه.

رأيت بريق امل بنظرته .

-هل ستذهبين معنا ؟

-نعم ،اشتقت الى مريم وغالية .

نظر الي امي متسائلا عمن تكون مريم وغالية .ولكنها ضحكت وقالت 

-ساقول لعمك وزوجته انك لم تشتاقي لهما ،وانما جئت شوقا لمريم وغالية .

-مهما قلت ،عمي وماما رحمة يعلمان أن الحب كله لهما .ومن حبهما لي لن يصدقاك، فلا تحاولي .

وصلنا الى الضيعة ،تفاجأ البواب بوجود مروان الى جانبي ،وعلى باب البيت الكبير وقفت مريم مستقبلة ،ابتسامتها تنير وجهها الجميل ،عانقتنا وسلمت على مروان الذي يقف حائرا في من تكون هذه الجميلة ،ثم اخذت فؤاد بحنو ،وسألت 

-من يكون هذا الوسيم ؟

-ابن مروان .

تعرف ان مروان هو ابن عمي ولكنها لم تره من قبل ،فنظرت اليه 

-اعتذر ،لم اعرفك .

دخلنا خلفها ،وتفاجأ مروان بأمه تلاعب طفلة بين يديها ،كنت استمتع بحيرته. 

-ماما .

كأنها لم تسمع ،او ربما لم تصدق ،أعاد النداء فنفضت رأسها يمنة ويسرة ،واعاده فرفعت بصرها كأنها تريد ان تتأكد انها لم تجن شوقا اليه .

رأته فشلت ،اسرعت آخذ الطفلة من على ركبتيها ،واعطيها لأمها ،وضعت يديها على جانبيها تمسك الفراش كأنها تؤكد لنفسها أنها على الأرض وليست روحا هائمة تراءت لولدها بحلم .

جرى اليها وجثا على ركبتيه امامها يقبل يديها باكيا 

-سامحيني يا أمي، اغفري خطيئتي فأنا لا اغفر لنفسي .

نظرت الينا كأنها ترجو ان نؤكد لها انه ليس حلما ولا جنونا ،فأومأت لها امي برأسها .

خللت شعره بأناملها، وانسابت دموع حبيسة منذ زمن ،لتطفئ لهيبا يشتعل بحنايا الفؤاد .

ثم فجأة هبت واقفة مما جعله يسقط ارضا .

-كيف تجرؤ ان تدخل بيتي بعد فعلك .اتظنني نسيت ،ام تحسبني ضعيفة لأسامحك .

-سامحيه يا رحمة ،فقد عرف خطأه وأصلحه .

دخل عمي لاهثا ،لقد اخبره البواب فجاء مسرعا يخشى الأسوء .

-وهذا لن يشفع له ،وجود ابن له لن يشفع له يا زوجة أخي، من رضي لنفسه الذل فلن نعزه .اخرج من بيتي .

-اسمعه أولا يا عمي ،ارجوك ،اسمعه واحكم بعد ذلك .

-وانا راض بحكمك .

انسحبت مريم ،وراءها رابحة التي سلمت فؤاد لامي ،دخلت وراءهما المطبخ 

-اعدي شايا يا رابحة،وانت يا مريم استريحي بغرفتك .

جلسنا بالصالون وجلس مروان قرب امي كأنه يحتمي بها ،وحكى لهما ما حكاه لنا ،وقدم لأبيه وثيقة الطلاق وورقتي التنازل .

وضعها بإهمال على الطاولة 

-وحق هذه؟ 

واشار الي 

-حقها الذي اضعته ،حياتها التي دمرتها ،كيف ترد كل هذا .؟

نكس رأسه ،لا يعرف بم يجيب او انه يرتب ما يقول .طال صمته ،ولما رفع رأسه نظر الي ثم الى عمي وهم ان يتكلم فسبقته 

-انا اسامحه ،مروان اخي الكبير ،وإن اخطأ فانا كأخت اسامحه واغفر له .

ثم ابتسمت .

-ثم مابها حياتي ،انا راضية عنها ،مولدة ذات سمعة ،ولو لبيت رغبات المصحات الخاصة لكنت اغنى من دكتورة.

ضحكت لأكسر جليد الترقب والخوف .دون ان تتكلم وضعت امي فؤاد بحجر رحمة ،كأنه احس بمن تكون ،فنظر اليها وضحك لها 

-مروان ،مروان الصغير .

فرح عمي لما رأى زوجته حنت ،وابتسمت امي .

-لكل شخص من اسمه نصيب ،وانت اخذته كله ،انت رحمة يا رحمة .

قلت لنفسي. 

تنظر إلى الصغير ودموعها تنساب كأنها تغسل حزنا طال .

-كنت أريد لك اما تفتخر بها .

-وستكون يا أمي، فقط ارضي عني .

انا أطلب منكم حورية ،وساصونها، واكون لها كما تمنى جدي ،نِعم الزوج والسند .

صرخت 

-طبعا لا اقبل ،لا تلو يدي يا ابن عمي .

-ابدا يا حورية ،ليس ليَّ يدٍ ولا فرض امر واقع ،انا اطلب يدك وغفرانك .

-قلت لك أنني سامحتك ،ولكن هذا لا يعني شيئا آخر ،سبق ان قلت لك انت اخي ،وستبقى اخي ،يكفي انني اضع ستارة تخفي صور تلك الليلة حتى لا أعتبرك شيئا آخر .

خرجت مسرعة ،وجريت مبتعدة ،هذه المرة دموعي انا التي تمردت على قوتي لتظهر ضعفي ،وما اريدهم ان يروني ضعيفة .

عدوت وعدوت، ولما تعبت وجلست لأستريح ،وجدتني بحديقتي تحت شجرة الرمان .

هكذا إذن ،ناديتني يا شجرة الرمان ،أعلم ما ستقولين. 

اعلم ان زهرة الرمان متى ذبلت لن يحييها سقي ،فالقادم هو ما اذبلها ،اعلم انني لما فتحت رمانة حظي وكانت فاسدة سوداء القلب ،فلا أمل ان تحصل معجزة لأجدها بين يدي و حباتها كياقوت من الجنة .

اعلم ان الميت لا يعود ،واعلم انني مهما تظاهرت وادعيت ،لن أسامحه ولن اغفر له ،إنما اريح قلوبا حولي لن ينفعني عذابها


        الفصل الخامس عشر من هنا 

تعليقات



<>