
رواية عروستي ميكانيكي
الفصل الثامن عشر والتاسع عشر والعشرون
بقلم سما نور الدين
تسمر إبراهيم بمكانه بعد أن اتسعت عيناه فور سماعه لكلمات تلك التي تتململ بجسدها النحيف فوق ذراعيه ، كتمت العمة ضحكتها بصعوبة فأشارت له بيدها ثم قالت بصوت خافت :
- تعال ورايا على أوضتها .
كانت أنفاسها الساخنة تلفح رقبته التي تعلقت بها بكلتا ذراعيها ، شعر بحرارة جسده ترتفع وبذراعيه تشتد قوتها حول جسدها ليقربها منه أكثر وأكثر ، التفت بوجهه لينظر إلى وجهها المغموس داخل تجويف رقبته ليجد نفسه يتعثر بخطواته حتى كاد أن يقع بها ، فتماسك وتنحنح وهو ينظر أمامه ليتبع عمته ، وضعها بهوادة فوق فراشها ليجد عمتها تضع فوقها الغطاء بعد أن نزعت عنها حذائها .
وقف الإثنان ينظران إليها ، مالت شفتي إبراهيم بابتسامة تزين وجهه ثم مال بجذعه واقترب من وجهها فأمسكت العمة بمرفقه وهي تقول بصوت حاد خافت :
- أنت هتعمل إيه ؟!
زفر إبراهيم بضيق وإعتدل بوقفته ثم همس لعمته :
- في إيه يا عمتي هابوس مراتي ، هي مش قالت هات بوسة .
ضربته فوق كتفه وقالت وهي تمسك بذراعه وتجره ناحية باب الغرفة :
- البنت من تعبها طول اليوم بتتكلم أي كلام وهي نايمة ، يالا اتفضل أنت كمان على أوضتك .
وقبل أن يلتفت برأسه لينظر لتلك النائمة ، أمسكت عمته بذقنه لتمنعه من ذلك وهي تنظر له بتجهم وتقول بنبرة صوت حادة :
- إبراااهيم !!
رفع كلتا ذراعيه وهو يقول بإستسلام :
- خلاص يا عمتي خلاص ، خارج أهو .
خرجا الإثنان من الغرفة وأغلقت العمة الباب برفق وهي تقول بصوت صارم لذلك الواقف مكانه :
- على أوضتك وإياك تقرب من هنا ، وياريت تنام عشان بكرة يوم حافل اتفضل .
اقترب إبراهيم من عمته وأمسك برأسها ليطبع قبلة فوق جبينها وهو يقول بصوت يشوب نبرته الكثير من السعادة :
- تصبحي على خير يا زوزو .
وضع كلتا كفيه داخل جيبي بنطاله ومشى ناحية غرفته وبدأت شفتيه تصدر صوت أنغام ناعمة على هيئة صفير هادئ ، هزت العمة رأسها وهي تتبعه بنظراتها ووجهها ترتسم الإبتسامة فوق صفحته ، وهي تقول :
- معقولة بالسرعة دي ، جايز .
مضى الليل وأشرقت شمس الصباح ، ليتجهم وجه إيمان من تلك اللكزة التي تضرب وجنتها وصوت لحوح يقول :
- إيمان .. إيمان اصحي يا حبيبتي ، اصحي بقى يالا هتتاخري .
وبشق الأنفس فتحت إيمان أجفانها لتسرع بوضع كفيها فوق عينيها لتمنع عنهما هذا الضوء المزعج فتقول متأففة :
- حد يقفل الشباااك مش عارفة أفتح عيني ، واللي عمال يوزغودني دا ، أنا هفرتكه .
وجدت من يصفع ظهر يدها ويقول بصوت جاد وقوي :
- اتأدبي يا بنت ويالا قومي ، تعبتيني .
ضاقت عيني إيمان وقالت بصوت أحش بعد ما وضحت الرؤية :
- عمتي هو أنتي يا حبيبتي ، واللي معرفش بتصحيني ليه هي الساعة كام يا وزتي ؟
جلست عمتها بجانبها وهي تقول بعصبية واهية :
- بنت وبعدين إيه وزتك دي !! يالا قومي الساعة بقت ستة ونص .
فتحت إيمان عينيها وأسرعت لتقم وتجلس قائلة بصوت عال :
- يا نهار يا جدعان ، بتصحيني ستة ونص ليييييه ..هو أنا سواق أتوبيس نقل عام !! دا أنا بذات شخصيتي بفتح ورشتي الساعة عشرة .
تنهدت زهرة ووضعت ساقها فوق الأخرى وهي تقول بثقة :
- من هنا ورايح هتصحي بدري عشان تاخدي حمامك وتفطري وتروحي مع إبراهيم على الشركة ، يالا .
استعادت إيمان ثباتها الكامل وتسائلت :
- كل دا مطلوب مني أنا ، أصحى بدري وأخد الحمام اللي معرفش هأخده على فين ، وكمااان هروح الشركة مع الباشا و اللي بردو معرفش هروح معاه ليييه ولا شركة إيه دي من أصله ، أنتي حد مسلطك عليا يا عمتي .
وقفت العمة بحركة عصبية وقالت آمرة إياها :
- من غير ما أسمع ولا كلمة يالا قومي قدامي ، يالا على الحمام .
نفضت إيمان الغطاء عن نفسها وتركت فراشها وهي تتمتم بكلمات اعتراضية غير مسموعة أو مفهومة لتقف فجأة أمام باب الحمام ، استدارت وهي تحك أصابعها برأسها وتقول :
- لموأخذة هو أنا جيت هنا إزاي ، أنا أخر حاجة فاكراها إني كنت في العربية .
تقدمت عمتها ناحيتها وهي تقول والإبتسامة تعلو شفتيها :
- أنتي نمتي في العربية وإبراهيم شالك وجابك لغاية هنا .
اتسعت أعين إيمان وقالت بغضب :
- شالني !! يعني إيه شالني دي هو هياخدها حلوانة في سلوانة ولا إيه ، لو سمحتي يا عمتي تفهميه إنه حسه عينه يشيلني تاني .
تخصرت العمة ورفعت إحدى حاجبيها وقالت بصوت ساخر :
- غريبة الكلام اللي قولتيه وهو شايلك زي البيبي لا يدل خالص على إنك كنتي مضايقة ، بالعكس أنا شايفة إنك كنتي مبسوطة خالص .
رمشت إيمان عدة مرات وقالت بتلعثم وهي تشير لنفسها :
- آ آ آ أنا !! أنا اتكلمت وأنا نايمة ، أحييه اتكلمت قولت إيه يا عمتي .
لامست العمة شفتيها بأصابع كفها الصغير وظهرت الإبتسامة بعينيها وهي تقول :
- ابقي إسألي إبراهيم وهو هيقولك ، يالا يالا عشان منتأخرش على جدك .
ظلت إيمان بمكانها تلح على عمتها أن تفصح عن ما قالته وهي نائمة ولكن بدون فائدة ، أمسكت العمة بكتفيها لتستدير ثم لتدفع بها ناحية الحمام ، لتهمس ايمان لنفسها وكأنها تطمئن نفسها :
- أكيد قلت كلام كويس ماهو لو كان وحش كانت عمتي بهدلتني ، هو أكيد أكيد كلام كويس .5
وبعد برهة من الوقت كانت العمة وإيمان يقفان أمام خزانة الملابس الممتلئة عن أخرها ، لتصيح إيمان بغضب :
- فين هدومي يا عمتي ؟!
أجابتها العمة وهي تمد يدها لفستان معلق بالخزانة :
- هي دي هدومك من هنا ورايح ولا عايزة تروحي الشركة بالبنطلون والبلوزة ، يالا البسي الفستان دا .
أخذت إيمان الفستان ورمت به فوق الفراش وقالت وهي تحاول بصعوبة ان تكون هادئة :
- عمتي حبيبتي ، استهدي بالله كدة وقوليلي هدومي فين ، أنا مابلبسش فساتين تاني حاجة ياست الكل أنتي عايزاني أروح الشركة أهبب فيها اااايه !!
تنهدت العمة وأمسكت بيدها واتجها هما الإثنان ناحية الأريكة ليجلسا سوياً ، قالت العمة زهرة وهي تحاوط يد إيمان بكفيها :
- حبيبتي مش إحنا اتفقنا إمبارح إنك هتنفذي كل اللي هنقول عليه لمصلحة القضية ، ووعدتي كمال بيه المحامي بكدة
هزت إيمان رأسها بالإيجاب وهي تقول :
- حصل يا عمتي حصل بس أنا وعدته إني أسمع الكلام ، في إني أقعد مع جدي هنا معاكم وأعمل تحليل الدم ، وإيه تاني يا بت يا إيمان ؟؟ وإيه تاني ، بس هو كدة متفقناش بقى إني البس فساتين وأروح شركات لموأخذة .
شدت العمة بيدها على كف إيمان وقالت بصوت هادئ :
- إيمان اسمعيني كويس هشان نكسب القضية وجدك يطمن عليكي لازم تسمعي وتنفذي كلامي أنا وإبراهيم
عشان تكوني مستعدة لما تقفي قدام القاضي وهو بيتكلم معاكي ، فهمتي حبيبتي .
مطت إيمان شفتيها واستندت بوجنتها فوق كفها وهي تتمتم بإستسلام وضيق :
- الأمر لله لما نشوف أخرتها .
وقبل أن تمر الساعة كانت العمة كانت قد انتهت من تصفيف شعر إيمان ووضع زينة خفيفة تزين بها وجهها ، وقفت إيمان أمام المرآة تتطلع لهيئتها الجديدة تلتف يميناً وشمالاً تنظر لفستانها لتقول بتأفف :
- أنتي متأكدة يا عمتي إن الفستان دا بتاع الشغل ، دا أنا ممكن بالهيئة دي كلها أروح بيه أجدعها فرح ، وكمان دا ضيق وواصل لحد الركبة ، مايصحش يا عمتي .
أمسكت العمة بزجاجة العطر وزخت برذاذها حول عنق إيمان ثم وضعتها فوق منضدة الزينة وهي تقول :
- الفستان شيك جداً ومحتشم وأنتي فيه زي القمر يالا بقى عشان إحنا اتأخرنا عليهم ، يالا يالا .
كان الجد وحفيديه إبراهيم ومراد يتناولون الإفطار ويتناقشون حول الصفقة الأخيرة التي تمت بنجاح وأنهم الآن على استعداد للصفقة الجديدة وأثناء حديثهم أصدر مراد بصوته صفيراً عالياً عندما لمح إيمان وهي تنزل درجات السلم ، التفت إبراهيم ناحية ماينظر إليه مراد ليجد زوجته تظهر شيئاً فشيئاً بفستان أسود وبها خطوط بيضاء يعلوه سترة سوداء تصل حوافها لخصرها النحيل ويربط بين طرفيها دبوس من المعدن أظهر جسدها المتناسق ملامحه بشكل يجذب أعين الناظرين بقوة وسيقانها البيضاء التي يظهر جزء لا بأس منها ، ثم رفع عينيه لينظر لوجهها الذي ظهر بكامله نظراُ لشعرها المرفوع أعلى رأسها على هيئة كعكة صغيرة وعلى جانبي وجهها تنزل خصلات ناعمة تهتز بالقرب من أذنيها الصغيرتين .
تنحنح ثم التفت لمراد بوجه غاضب وقال :
- ماتحترم نفسك ، بتصفر على إيه !!
ضحك مراد وهو ينظر لتلك الجميلة التي اتجهت لجدها تقبل رأسه وقال :
- في إيه يا إبراهيم ، بنت عمي وبشجعها .
وقبل أن يرمي إبراهيم بالشوكة بوجه مراد ، قالت إيمان بصوت هادئ :
- صباح الخير عليكو .
وكان أول من نطق هو مراد بقوله :
- صباح الجمال .
زمجر إبراهيم وقال بصوت غاضب عال من بين أسنانه :
- مرااااد !!
رفع مراد يديه عالياً وردد بصوت ضاحك :
- أوكى أوكى يا peace ، man .
ابتسم الجد لإيمان وقال :
ء صباح الخير يا بنتي ، يالا اقعدي جمب جوزك وافطري عشان تروحوا الشركة سوا ، وهناك إبراهيم هيفهك على كل حاجة .
جلست إيمان بجانب إبراهيم وهي تردد بمضض :
- حاضر يا جدي اللي تؤمر بيه .
ظر إبراهيم لتلك التي جلست بجانبه فأراد أن يشاكسها قليلاً مال ناحيتها وهمس لها بقوله :
- إيه رأيك في البرفان ؟!
مالت إيمان بعيداً عنه وضاق مابين حاجبيها وهي تقول :
- براڤان إيه دا إن شاء الله .
ضحك إبراهيم ضحكة خافتة ثم قال بتهكم :
- أنتي إمبارح طلبتي مني طلب ، وأنا ناوي انفذهولك .
رددت بنزق :
- طلب إيه وبرافان إيه ، إيه الكلام اللي مش راكب على بعضه دا !!
غمز لها وهو يهمس :
- هبقى أقولك في العربية .
فطبت إيمان جبينها بقوة وهي تهمس لنفسها :
- دا عبيط دا ولا إيه ؟!!
قال الجد بصوت جاد :
- كلم كمال المحامي يا إبراهيم ، بكرة بعد الضهر في إجتماع مجلس الإدارة ، البيه ابني المبجل هيحضر وعايز نكون مستعدين لأني هحضر الإجتماع .
ظهرت الجدية بملامح إبراهيم وقال :
- ما بلاش يا جدي حضرتك تحضر ، وأنا ومراد وعمي كمال هنحضر الإجتماع وهنبلغ حضرتك بالنتيجة .+
ردد الجد بصوت صارم :
- أنا قلت هحضر الإجتماع يا إبراهيم ، ويالا اتفضلوا .
انصاع الأحفاد لأمر الجد واتجهوا جميعاً ناحية الباب ليصدح صوت الجد مرة أخرى قائلاً :
- إبراهيم .. مراد ، خلوا بالكوا من بنت عمكو .
التفتا لجدهما وهزا رأسيهما بنعم ، أمسك إبراهيم بكف إيمان وسار بها ، فحاولت أن تنزع يدها من راحة يده دون فائدة فقالت بتأفف :
- ماتسيب إيدي اللي كل ماتشوفها تلزقها في إيدك ، هو أنت واخد بنتك وساحبها وراك ع المدرسة يا جدع أنت .
لم يعرها أي انتباه ولم يجبها الا بجملة واحدة :
- هوشششش ، امشي وأنتي ساكتة .
زفرت وهي تستغفر ربها ، ومشت بجانبه للجراج لتجد السائق إمام واقفا مطأطأ رأسه بجانب السيارة ، صاحت به بوجه باسم
- صباح الخير يا أسطى اؤمؤم .
رفع إمام رأسه وأسرع بفتح باب السيارة لإيمان وردد بصوت هادئ :
- صباح النور يا إيمان هانم، صباح الخير يا إبراهيم بيه .
التوت شفتي إيمان جانباً وهي تقول بنزق :
- يادي النيلة على الهانم واللي مش هانم والبيه معاهم .
شد إبراهيم بقبضته على كفها فتأوهت بصوت مكتوم وهي تنظر لجانب وجه إبراهيم المتجهم والذي قال بصوت حاد :
- أنا اللي هسوق العربية وأنت خليك هنا لو عمتي أو جدي احتاجوا حاجة .
وقف إمام جانباً وقال بصوت يشوبه بعض الحزن :
- أمرك يا إبراهيم بيه .
تجلى الحزن والغضب معاً بوجه إيمان ولكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً غير ركوب السيارة ، وعند بدء تشغيل السيارة فتحت إيمان نافذتها وهتفت للسائق إمام قائلة :
- سلام يا أسطى اؤمؤم ، ومتقلقش موضوعك منسيتهوش وقريب أوي هتسمع أخبار حلوة ، آمين .
لم تحن له الفرصة لإجابتها نظراً لمرور السيارة أمامه بسرعة ، ضرب إبراهيم المقود بيده لتلتفت له إيمان قائلة بعصبية :
- أسطى إمام معملش حاجة عشان تعامله كدة ، مهما كان دا راجل وعنده عزة نفس .
ارتسمت ملامح الغضب فوق صفحة وجه إبراهيم وقال :
- أنا حذرته لو لقيته واقف معاكي تاني هيكون دا أخر يوم له بالفيلا .
رددت بصوت غاضب :
- أنا اللي بقعد معاه وأنا اللي بتكلم معاه ، هو مالوش ذنب أسطى إمام زميلي وأنا بعتبره زي أخويا ، ولو زعلته يا باشا أنا اللي هقفلك ، آمين .
قطب إبراهيم جبينه وقال غاضباً :
- إيمان متعصبنيش الموضوع دا منتهي .
تأففت ونظرت للطريق وبعد برهة من الوقت والصمت وضعت يدها فوق معدتها وأخذت تلتفت برأسها يميناً وشمالاً وكأنها تبحث عن شيء ما على جانبي الطريق ، نظر لها إبراهيم لها بتعجب وسألها :
- في إيه تاني بتدوري على إيه في الشارع ؟!
ظلت تبحث بعينيها عن غايتها دون فائدة ، فزفرت بيأس قائلة :
- إيه النحس دا ، الشوارع دي مافيهاش عربية فول واحدة .
قطب إبراهيم جبينه وقال :
- عربية فول ، ليه ؟!
التوت شفتي إيمان وهي تقول :
- لا أبداُ عايزة أتصور جمبها تصويرة ، هيكون ليه يعني ، عايزة أفطر جعانة .
تعجب إبراهيم وأجابها :
- ممكن تبطلي لماضة وأنتي بتتكلمي معايا ، وكمان ماحنا لسة مخلصين فطار من شوية .
شبكت إيمان ذراعيها أمام صدرها وهي تقول بغضب :
- وهو دا كان اسمه فطار ، بتاكلوا الجبنة بالشوكة والسكينة وتقولي بتفطروا ، أنا عارفة بتشبعوا إزاي من الفتافيت اللي بتاكلوها دي .
ابتسم إبراهيم وقال وهو ينظر للطريق أمامه :
- لما نوصل الشركة هبعتلك العامل بالكافتيريا .
استطرد قوله بتهكم واضح وهو يميل بجذعه ناحيتها :
- هو أنتي دايماً بتتكلمي وأنتي نايمة .
اتسعت عينيها والتفتت برأسها ناحيته وهتفت به :
- هو في إيه بالظبط ، أنت وعمتي لوكلوك لوكلوك كتير في الموضوع دا عادي على فكرة ،وناس كتير بتتكلم وهي نايمة وكمان إمبارح كان يوم صعب ، سفر وخروج ولف في الحسين ومشوار الحارة ، فطبيعي يعني أنام زي الفسيخة وأقول أي كلام فاضي .
استطردت قولها وهي تشير له بأصبعها :
- آه صحيح افتكرت أخر مرة تشيلني ، ابقى إنغوزني بأي حاجة وصحيني أو سيبني مكاني لغاية الصبح .
حك ابراهيم ذقنه بأصبعيه وقال بصوت هادئ :
- مقدرش أوعدك خصوصاً بعد اللي قولتيه وأنتي متعلقة في رقبتي .
لوحت بكلتا يديها وهي تصيح به :
- أستغفر الله العظيم يارب ، متقولي يابن الحلال أنا قلت إيه ؟!
هز رأسه بالنفي وقال وهو يتأتأ بلسانه :
- لازم تفتكري لوحدك وساعتها وعد مني أنفذ اللي طلبتيه بالحرف الواحد .
ضاقت كلتا عينيها وهي تنظر له شزراً وتأففت بكلمات غير مفهومة ثم أشارت برأسها عنه لتنظر للطريق عبر زجاج نافذتها .
بعد أن وصل أمام الشركة نزل من السيارة هو وإيمان ، تسمرت إيمان أمام مكتب الأمن الصغير ، تحرك أنفها بطريقة غريبة توقف إبراهيم ونظر وراءه ليجد تلك التي تبحث بعينيها عن شيء ما ، نظر حوله ثم تقدم ناحيتها وهو يقول :
- أنتي وقفتي ليه ؟!
وجدت غايتها بعينيها والذي كان عبارة عن كيس بلاستيكي مملوء بشطائر الفول والفلافل ، قابع فوق مكتب صغير بحجرة الأمن ، تلعثمت بقولها :
- لا .. لا مافيش حاجة ، يالا بينا .
مشت بجانبه وعينيها تتسع باتساع ما حولها حتى كادت أن تتعثر ، أسرع إبراهيم بمحاوطة خصرها وهو يقول متلهفاً :
- حاسبي !!
اعتدلت بوقفتها وهي تهندم سترتها قائلة بإرتباك :
- توشكر خلاص ، خلاص أنا تمام بس خليك جمبي لنتوه في المعمعة دي ، يالهوتي كل دي شركة شركة إيه دي ؟!!!
أمسك بكفها الصغير وهو يقول :
- هتعرفي كل حاجة بعدين .
كانت أنظار جميع من حولهم لا تحيد عنهم وازدادت الهمسات دون التفوه بكلمة واحدة ، دلفا الإثنان للمصعد لتصيح بصوت عال :
- ياختااااي أنا مبحبش أركب البتاع دا ، بحس برأسي بتنزل وبتطلع لوحدها .
هز إبراهيم رأسه بتعجب وقال وهو يمط شفتيه :
- بتطلع وبتنزل لوحدها ، دا إزاي دا معلش ياستي استحملي ، ماهو مش معقول هتطلعي تسع أدوار .
أمسكت بذراعه وهي مغمضة العينين وقالت :
- كويس إني مفطرتش كان زماني رجعت في وشك.
ظهر الإشمئزاز بوجه إبراهيم وهو يقول :
- الله يخربيت قرفك ، خلاص وصلنا أهو .
تنفست الصعداء فور خروجها من المصعد وهي تتمتم بالشهادة ، سارا الإثنان بالممر الطويل والذي يتخلله عدة غرف لمكاتب الموظفين ذات الدرجة العالية ، عاودت إيمان النظر حولها بعيون متسعة يملؤها الإنبهار ، وكأنها خرجت من عالم لعالم أخر مغاير تماماً لكل ما رأته أو سمعت به ، نسمة باردة جعلت جسدها يقشعر ورائحة عطرة تتنفسها لأول مرة ، وبالنهاية وجدت نفسها داخل مكتب صغير تجلس بداخله شابة صغيرة ترتدي بنطال ضيق من القماش وبلوزة تحدد معالم جسدها بكل دقة تكاد حوافها أن تلامس خصرها ، ارتسمت الإبتسامة فوق ملامح تلك الشابة وتقدمت مسرعة ناحية إبراهيم حاملة بيدها دفتر صغير تحتضنه وكأنه صغيرها ، وقالت بصوت قوي :
- حمدالله ع السلامة يا إبراهيم بيه ، المكتب وكل شيء جاهز زي ما أمرت حضرتك بالظبط .
تقدم إبراهيم وبيده كف إيمان وهو يقول بصوت جاد :
- الله يسلمك يا ليلى .
كانت إيمان تسير بجانبه دون اعتراض ، دلفا للمكتب الكبير ليقف إبراهيم أمام السكرتيرة ليلى وهو يشير لإيمان ويقول :
- إيمان هانم مراتي وعضوة مجلس إدارة ، ومن أول النهاردة هتكوني أنتي السكرتيرة الخاصة لمدام إيمان ، زاغت عيني ليلى بينهما وقالت بتلكؤ :
- تحت أمرك يا أفندم ، مبروك يا أفندم ، ألف مبروك يا إيمان هانم ، أي .. أي أوامر تانية حضرتك .
أجابها :
- لا اتفضلي أنتي دلوقتي .
وقبل أن تخرج أشارت لها إيمان قائلة بنبرة صوت ممتنة :
- متشكرين يا أبلة .
انتقلت ليلى بعينيها بينهما وهي تحاول أن ترسم فوق وجهها ابتسامة شاحبة فهزت رأسها بالإيجاب وقالت :
- بعد اذنكو .
لوحت إيمان لها بيدها وكأنها تودعها وهي تقول :
- إذنك معاكي يا قطة .
نظرت إيمان لإبراهيم لتجده متخصراً وينظر لها شزراً
ًفقالت بقلق :
- إيه ؟؟ أنت بتبصلي كدة ليه ؟؟ غلط إني شكرت العروسة على تعبها معانا .
تنهد بإستسلام وأمسك بيدها برفق وتقدم بها ناحية الأريكة ، جلسا الإثنان فوق الأريكة القابعة بجانب جدار المكتب الزجاجي ، بدأ إبراهيم حديثه بقوله :
- إيمان أنا وعدتك إني مش هستقوى عليكي تاني ومش هقولك أي كلمة تجرحك ، بس لو سمحتى أنا عايز منك في المقابل إنك تسمعي كلامي ، لأن دا في مصلحة القضية ومصلحتنا كلنا ، اتفقنا .
هزت ايمان رأسها بالإيجاب وقالت بصوت هادئ :
- حاضر اتفقنا .
قال إبراهيم :
- جميل بعد حوالي نص ساعة في مدرسين هييجوا يقعدوا معاكي ، فعايزك تكوني متعاونة معاهم اتفقنا يا إيمان .
هبت لتقف وتقول بعصبية :
- مدرسين !! مدرسين ليه إن شاء الله ؟!! شايفني جاهلة أنا معايا دبلوم يا باشا ولا نسيت !!
أمسك إبراهيم بذراعها لتجلس بجانبه عنوة وقال بصوت يشوبه الغيظ :
- أنا عارف إنك متعلمة ومعاكي دبلوم ، بس المدرسين اللي هيقعدوا معاكي دول عشان حاجة تانية ، هيقعدوا معاكي لمدة شهر عشان في النهاية لما تقفي قدام القاضي وتتكلمي ، يلاقي قدامه واحدة متحضرة ومثقفة .
ضربت إيمان ظهر يدها براحة يدها الثانية فوق خصرها وهي تقول :
- ميتحضرة وموثقفة ، متقلقش من الناحية دي حضرتك ، لو على ميتحضرة فأنا هحضر الجلسة في معادها بالمظبوط ومش هتأخر ثانية واحدة ، ولو ع الثئافة ، فإحنا متثئفين أوي لموأخذة حتى إمتحني كدة .
تنهد إبراهيم وقال بصوت صارم :
- من غير ما أمتحنك ، أنتي وعدتينا إنك هتنفذي اللي هنقولك عليه .
زفرت بضيق وهي تقول بصوت غاضب :
- الأمر لله ، صبرنا يارب .
وقف إبراهيم وقال :
- أوكي هسيبك دلوقتي وهمر عليكي بعد نص ساعة ، لو احتاجتي حاجة السكرتيرة برة قوليلها على اللي أنتي عايزاه وهي هتجبهولك لحد عندك .
ظلت جالسة فوق الأريكة تنظر لذاك الذي خرج لتوه من مكتبها ، فهرولت ناحية الباب وفتحته ببطئ ثم أخرجت رأسها فقط لتنظر لتلك الشابة التي تنظر بتمعن لشاشة الحاسب ، وبصوت خافت قالت إيمان :
- بسبس بسبس ، أنتي ياحلوة .
أخذت السكرتيرة تلتفت برأسها وتبحث بعينيها عن مصدر هذا الصوت ، لتجد تلك التي تنظر إليها وتشير لها بيدها ، أسرعت ليلى ناحيتها وهي تتسائل بتعجب :
- في حاجة يا إيمان هانم ، اؤمري .
اعتدلت إيمان بوقفتها وهي تقول بوجه باسم :
- الامر لله ياعسل بقولك عارفة الشباب اللي واقفين حراسة تحت عند كشك الأمن اللي قدام الشركة .
رمشت ليلى بعينيها عدة مرات وهي تستعب سؤالها فقالت :
- السيكيورتي ، أيوة يا أفندم مالهم ؟!
ضربتها إيمان بكتفها وهي تقول بصوت قوي :
- الله ينور عليكي هما الكومسرية دول ، اندهيلي بقى واحد منهم دلوقتي ، عايزاه في حاجة كدة بس بسرعة اللهي يسترك
الفصل التاسع عشر
- طلبتي السيكيورتي ليه ؟!!
ضاق مابين حاجبي إيمان وهمست لنفسها تسب السكرتيرة :
- آه يا بنت اللذينا يا فتانة .
هبت واقفة وضربت سطح المكتب بقبضتها وهي تقول غاضبة :
- هي الحلوة اللي برة دي ، أنت مشغلها مخبر لحسابك ولا حاجة !!
استدار إبراهيم حول المكتب ووقف بقبالتها وهو يقول من بين أسنانه بغيظ :
- طالبة السيكيورتي ليييه يا إيمان ؟!!
وقبل أن تجب سمعا الإثنان طرقاً خفيفاً فوق سطح الباب ، فنظر الإثنان ناحية الباب ونطقا معاً :
- خش .. ادخل .
لينظر الإثنان لبعضهما ويتبادلا بينهما نظرات غضب قاتلة ، دلف للمكتب عامل الكافتيريا الخاصة بالشركة حاملاً بين يديه صينية مملوءة ببعض الشطائر وكوب من الشاي .
وقف العامل يتأملهما هما الإثنان فأشار له إبراهيم بأن يضع ما يحمله فوق المنضدة الصغيرة التي تقع أمام الأريكة ، انصاع العامل لإشارة صاحب العمل وأسرع بخروجه ، ليلتفت إبراهيم برأسه نحو إيمان التي أسرعت بقولها وهي تنظر للشطائر :
- إيه دا ؟!!
أجابها إبراهيم :
- مش قلتي جعانة وعايزة تفطري .
حاولت إيمان أن تتخطاه وهي تقول :
- طب وسع كدة قبل الشاي مايبرد .
أمسك بمرفقها يمنعها من المرور وهو يردد بإصرار :
- طلبتي السيكيورتي ليه يا إيمان ؟!!
نفضت ذراعها عن يده وهي تنظر له بتحدي وتقول :
- طلبته عشان يجيبلي سندويتشات فول وطعمية زي اللي شوفتها معاهم ، ارتحت حضرتك دلوقتي .
رفع إبراهيم رأسه لأعلى ينظر للفراغ أمامه ليستعب ماقالته ، فأستغلت إيمان تلك الفرصة وتخطته مسرعة نحو الأريكة لتجلس فوقها وتمد يدها نحو الشطائر تتفحص عما بداخلها ، التوت جانبي شفتيها وقالت بنزق :
- ماشي الحال كل نعمة ربنا حلوة .
اعتدلت بجلستها فوق الأريكة وقالت بحسرة وهي تصدر صوتاً بشفتيها :
- كان زماني دلوقتي قاعدين أنا والواد بلاطة قدام الورشة بنضرب أجدعها سندويتشات فول وطعمية وكوبيتين شاي سخنين ، يااااه كانت أيام .
التفت إبراهيم ناحيتها ممتعض الوجه وأخذ يلوح بيده ويقول بصوت حاد :
- أنتي مش عاجبك هنا ، ووحشتك القعدة هناك في الحارة .
كانت تأكل غير آبهة بحديثه ثم ترتشف الشاي بأريحية وتقول :
- والله كل واحد وكيفه ، أنا القعدة وسط ورشتي في الحارة بالدنيا كلها .
تنهد بإستسلام وهز رأسه يميناً وشمالاً ثم اتجه إليها ليجلس بجانبها وهو يقول :
- ما علينا المهم دلوقتي إن مستر نبيل أستاذ اللغة العربية هيوصل بعد شوية ، وأتمنى تكوني أد المسئولية يا إيمان هانم .
التهمت الشطيرة الأخيرة بكاملها ثم قالت بنزق وبملامح وجه متجهم :
- والله أنا ما عارفة إيه لازمة عم المستر اللي جاي دا ، مانا بتكلم عربي زي الفل أهو ، ولا أكونش بتكلم هندي وأنا مش واخدة بالي .
منع إبراهيم نفسه بشق الأنفس من أن يخنقها فضرب فخذيه بكلتا كفيه وهب واقفاً يقول بصوت حاد وهو يلتفت اليها واضعاً كفيه بجيبي بنطاله :
- أظن إنك فعلاً مش واخدة بالك ، بس من حجم المشكلة اللي بتواجهنا يا بنت عمي ، لكن اللي متأكد منه إنك عند كلمتك ، صح ولا أنا غلطان ؟!!
رفعت عينيها لأعلى كي تقابل عينيه وتقول :
- ها .. لا طبعاً مش غلطان ، وإن شاء الله نخلص من المشكلة دي على خير .
سمعا الإثنان طرقاً على الباب لتدخل السكرتيرة بعدها موجهة حديثها لإبراهيم قائلة :
- مستر نبيل برة وطالب مقابلة حضرتك حسب المعاد يا إبراهيم بيه .
وقبل أن يجيبها إبراهيم ، صاحت ايمان بصوت قوي وهي تنظر شزراً للسكرتيرة :
- ألا قوليلي يا أبلة ، وأنتي في المدرسة مخدتيش في حصة الدين إن الفتان بيروح النار .
هزت السكرتيرة رأسها بعدم فهم وهي تنتقل بعينيها بين إيمان وإبراهيم الذي أسرع بقوله :
- اتفضلي أنتي يا ليلى وخلي مستر نبيل يتفضل
خرجت ليلى مسرعة ، فأمسك إبراهيم بمرفق إيمان لتقف بقبالته وهو يقول بحزم :
- ليلى بتكون سكرتيرتك يعني هي هنا لمساعدتك وتنفيذ طلباتك وفي نفس الوقت لو شافت إن الأمر يحتاج إني أتدخل بتتصل بيا ، فهمتي ؟!
أجابته وهي تنفض مرفقها :
- فهمت .
دلف رجل يبلغ من العمر حوالي خمسون عاماً داخل المكتب ، ليتجه إبراهيم إليه مادداً له يده لمصافحته وهو يقول :
- أهلاً مستر نبيل .
ليجيبه الرجل بحماس :
- أهلاً بحضرتك إبراهيم بيه ، أنا جيت حسب الموعد .
أشار إبراهيم لإيمان لتتقدم ناحيتهما وقال :
- أعرفك بتلميذتك النجيبة ، إيمان مراتي .
استطرد إبراهيم قوله وهو ينظر لإيمان :
- أعرفك مستر نبيل يا إيمان أستاذ اللغة العربية .
انتقل نبيل بعينيه لإيمان ومد يده بالمصافحة وهو يقول :
- أهلا إيمان هانم اتشرفت بحضرتك .
صافحته إيمان بقوة وقالت وهي تهز يده بحماس :
- يا ألف أهلاً وسهلاً بأستاذ الأساتيذ كلهم ، نورتنا يا حج والله .
اختفت الإبتسامة من وجه نبيل وتم استبدالها بعلامات التعجب الشديد ، ولم يجبها إلا بهز رأسه ببلاهة كبيرة ، تنحنح إبراهيم بصوت عال بعد أن شعر ببعض الحرج وقال وهو يتجه للمنضدة دعوة منه للجلوس حولها :
- اتفضلوا هنا .
جلس كل منهما بقبالة بعضهما ، واستأذنهما إبراهيم وخرج من الغرفة داعياً الله في سره أن يتم الأمر على خير دون مصائب .
رسم الرجل ابتسامة باهتة فوق شفتيه ثم قال :
- قوليلي يا بنتي ، أنتي معاك شهادة إيه ؟!
ابتسمت إيمان وهزت رأسها ورفعت يدها لأعلى لتفتخر بما ستقوله :
- دبلوم صنايع قسم كهربا أد الدنيا .
اقتربت منه بعد التفتت برأسها يميناً وشمالاً بترقب وتوجس ، وهمست قائلة بصوت خافت :
- ألا قولي يا أستاذ مستر نبيل ، هو الواحد إمتى يعرف أنه بقى بريمو في العربي وعشرة على عشرة ومحدش أده .
أمسك بنظارته لتعتدل فوق عينيه وقال بصوت هادئ قوي وبنبرة صوت يملؤها الثقة :
- شوفي يا بنتي هتعرفي أنك كويسة في اللغة العربية اول ما تلاقي نفسك بتعرفي تقري وتفهمي كلمات القصيدة الجاهلية للشاعر الليث بن فاز الغضنفري .
كانت تنظر له بأعين متسعة وفاه مفتوح ، تهز رأسها من أعلى إلى أسفل ببلاهة وهي تقول :
- يا صلاة النبي والحج ابن فايزة الغفير ، كان بيقول إيه لموأخذة .
ابتسم وقال وهو يمط شفتيه :
- يا لسخرية القدر ، بقى الليث بن فاز الغضنفري في الزمن دا بقى اسمه الحج ابن فايزة الغفير ، ما علينا يا بنتي اسمعي وركزي معايا اول بيت بالقصيدة بيقول إيه ..
- ومدركل بالشنصلين تجوقلت -
- عفص له بالفيلطوز العقصل -
رمشت بعينيها عدة مرات وقالت :
- يا دين النبي تصدق بالله يا أستاذ مستر نبيل أنا أول مرة اعرف إن الشعرا أيام الفراعنة كانوا بيقولوا كلام كبير كدة عن البرباطوز .
اقترب منها هو هذه المرة وهو يقول بصوت جاد :
- تصدقي أنتي بالله إني ماشوفتش ولا هشوف واحدة عبقرية في اللغة زيك يابنتي .
رجعت بظهرها للوراء وهي تربت فوق صدرها والابتسامة تفترش وجهها ، فقالت بإمتنان :
- توشكر يا ذوق يا أستاذ الأساتيذ ، والنبي إبقى بلغ الباشا لحسن دا فاقد الأمل فيا خالص .
أجابها المدرس وهو يقول بجدية :
- لا إزاي ، مالوش حق .
استندت بذراعيها فوق سطح المنضدة الكبيرة ومالت برأسها للأمام وهي تقول متسائلة :
- ألا قولي يا عم الحج ، قصدي يا أستاذ مستر نبيل هي عربية حضرتك ماركتها إيه ؟!
رمش الرجل بعينيه عدة مرات وقال مستغرباً :
- عربيتي أنا !!!
ضحكت إيمان ضحكة خافتة وقالت وهي تلتفت برأسها يميناً وشمالاً وقالت :
- هو في حد تاني هنا غيرك لموأخذة ، أيوة ياحج عربيتك أنت .
مط الرجل شفتيه للأمام وقال وهو يهرب بعينيه بعيداً عن نظراتها إليه :
- عربية صغيرة كدة على أد الحال 128 .
رفعت إيمان حاجبها وقالت :
- هي صغيرة آه ، بس جامدة وبتستحمل أنت بس تغيرلها كل فترة زيت بس يكون زيت من النوع النضيف وهي هتعيش معاك من غير ما تشتكي كتير ، وع العموم لو اشتكت .
أشارت لنفسها بيدها وقالت بصوت قوي :
- محسوبتك موجودة في أي وقت ترجعهالك وأكنك مستلمها جديدة نوڤي .
ازدادت علامات التعجب بملامح الرجل وقال :
- أفندم !!
قطع الحديث بينهما هاتف الرجل الذي صدح رنينه عالياً ، لتقف إيمان وتقول :
- على ما ترد حضرتك أكون وصيتلك على كوباية شاي .
فغر الرجل فاهه وهو يتبعها بنظراته وهي تتجه ناحية الباب ، ليعود لوعيه بمعاودة صياح رنين الهاتف ، فتحت إيمان الباب وقالت وهي تشير للسكرتيرة بيدها :
- ليلى .
هبت ليلى لتقف ثم أسرعت بخطواتها نحو إيمان التي قالت :
- مش اسمك ليلى بردو .
هزت ليلى رأسها وقالت :
- أوة يا إيمان هانم ، اؤمري حضرتك .
ردت إيمان :
- ياختي الأمر لله ، هو أنا كنت زعلانة منك عشان فتنتي عليا بس خلاص المسامح كريم ، اوعي تعمليها مرة تانية ، المهم ابعتي هاتيلنا كوبايتين شاي .
كادت إيمان أن تلتفت ولكنها أسرعت لتنظر لليلى التي تحدق بها ، وقالت :
- بعد شوية في آنسة هتيجي ومعاها ولد صغير هي اسمها عزة ، أول ماتيجي تدخليها على طول بلغيهم تحت عشان يدخلوهم اوعي تنسي ، واوعي تفتني تاني أنا بقولك أهو .
استدارت إيمان وأغلقت الباب بوجه تلك التي تقف واجمة ، رفعت ليلى رأسها لأعلى وكانها تستنجد قائلة :
- أعمل إيه بس يا ربي .
جلست بمكتبها وعملت بما يلزم ولكن هذه المرة دون إبلاغ إبراهيم بشيء ، اتجهت إيمان ناحية المنضدة فسمعت الرجل يقول عبر هاتفه :
- معلش يا حبيبتي استحملي شوية ، أهم حاجة أخدتي العلاج في معاده ، هانت أهو أنا غصبن عني إني مش معاكي بس أهو بحاول أجمع الفلوس اللازمة ادعيلي يا أم العيال ادعيلي .
نظر أمامه ليجد إيمان تجلس بقبالته بتوجس ، فأستطرد قوله بصوت خافت :
- طب سلام دلوقتي ، لا .. لا مش هتأخر عليكي في رعاية الله .
ابتسمت إيمان وهي تقول :
- ألف سلامة على المدام ، معلش أنا سمعت حضرتك بتقول إنها أخدت العلاج ، مالها ألف سلامة عليها .
وضع الرجل الهاتف بجيب سترته وقال بنبرة صوت حزينة :
- أصلها حامل ، وحملها المرادي صعب أوي مكانش في الحسبان خالص موضوع الحمل دا ، إحنا عندنا تلات أولاد في مدارس وجامعات ، بس أمر الله نفذ هي المفروض تكون بالمستشفى اللي بتابع فيها دلوقتي مع الدكتورة بتاعتها ، لكن الظروف يعني صعبة شوية ، الأولاد ودروسهم والله المستعان .
توقف الرجل عن حديثه وحاول أن يكون ثابتاً وهو يقول :
- أنا آسف يا بنتي شيلتك همي ، يالا نبتدي الدرس .
هبت واقفة واتجهت لمكتبها لتمسك بحقيبتها ، أخرجت منها مبلغاً من المال واقتربت من الرجل الذي كان ينظر لها بتعجب .
أمسكت إيمان بكف الرجل ووضعت به بضعة ورقات مطوية من المال وقالت بتصميم ونبرة صوت قوية :
- وعزة جلال الله لتاخد الفلوس دي وتروح تأخد المدام على المستشفى على طول متستناش .
نظر الرجل لكف يده التي أطبقت عليه يد إيمان ، ثم رفع نظره إليها ليجدها أمسكت بالقلم وأعطته إياه وهي تقول :
- اكتب هنا حضرتك ، اسم المستشفى واسم المدام ، وإن شاء الله هتقوم بالسلامة هي واللي في بطنها ، اكتب يا أستاذ .
ظل الرجل محدقاً بها إلى أن رفع يده إليها وقال :
- أنا مستحيل يا بنتي أقبل بحاجة زي دي ، اتفضلي فلوسك .
اقتربت منه إيمان وقالت بعد أن أنزلت بيد الرجل جانبه :
- يا أستاذ لو حضرتك معتبرتنيش زي بنتك ، فأنا اعتبرتك زي أبويا ، الناس لبعضها يا أستاذ واوعي تفتكر إن الفلوس دي صدقة ولا حاجة ، لا يا عم الحج دا عربون للدروس الجاية إن شاء الله ، ومش دروس ليا بس ، لا .. دا حضرتك هتدرسلي أنا والبت لوزة والواد بلاطة ، وخصوصاً الواد بلاطة دا عشان حمار في العربي يعني هتتعب معاه أوي ، وهتستحق أكتر من الفلوس دي عشر مرات .
ابتسم الرجل بإمتنان لها وقال وهو يهز رأسه :
- أنا .. أنا مش عارف .. .
أسرعت إيمان بقولها :
- يالا يا أستاذ اكتب اسم المدام والمستشفى .
أجابها الرجل بعد أن كتب بالورقة ماطلبته منه :
- ربنا يبارك فيكي يا بنتي .
الفصل العشرون
كتب الرجل بالورقة اسم المستشفى واسم زوجته وأعطاها لإيمان التي قالت وهي تطويها :
- إن شاء الله أول ما توصل للمستشفى بالمدام نكون عملنا اللازم وماتحملش هم حاجة ، آمين يا أستاذ مستر نبيل .
ارتسمت فوق شفتي الرجل ابتسامة امتنان وهو يقول :
- أنا لساني عاجز عن الشكر يا بنتي .
أمسكت إيمان بمرفق الرجل ومشت بجانبه ناحية باب مكتبها وقالت مسرعة :+
- بعد الشر عليك يا حج من العجز ، اتفضل معايا عشان تلحق تعمل اللازم .
خرجا من المكتب ومشيا سوياً بضعة خطوات وعند مكتب السكرتيرة التي هبت واقفة تناظرهم بتوجس ، صافح الرجل إيمان بحرارة وغادر مودعاً إياها بكل امتنان .
مدت إيمان يدها بالورقة للسكرتيرة ليلى وهي تقول بصوت قوي :
- بصي يالولة .
رفعت السكرتيرة حاجبها وهي تردد بتعجب :
- لولة .
أجابتها إيمان بقولها :
- أنتي مش اسمك ليلى ؟!
هزت السكرتيرة رأسها بنعم ، فرددت إيمان وهي تدس الورقة بكفها :
- يبقى دلعك لولة ، المهم الورقة اللي في ايدك دي مكتوب فيها اسم واحدة ست هتنزل في المستشفى اللي اسمها مكتوب هنا بردو ، فا أنتي بقى هتعملي إييييه ، هتبعتي واحد من هنا لهناك يدفع كل المصاريف اللي هتطلبها المستشفى ، وطبعاً هتقوليلي إزاي ومنين .
هزت السكرتيرة رأسها بالنفي وقالت :
- لا يا أفندم مكنتش هقول حاجة ، أنا كالعادة هودي الورقة الحسابات وأبعت حد من هناك زي ماقلتي وكله من تحت حساب حضرتك .
رفعت إيمان حاجبيها عالياً وهي تهز رأسها بحماس وقالت :
- اللهم صلي على النبي شاطرة يالولة عفارم عليكي ، أنا كنت هقولك يحاسبوا الباشا الكبير بس طلع ليا حساب أهو وأنا مش واخدة بالي ، تصدقي يالولة أنا حبيتك خلاص يالا بقى اعملي زي ماقلتي كدة بالظبط ، ولما تخلص المهمة دي تبلغيني .
استدارت إيمان متجهة إلى مكتبها تاركة ورائها تلك التي تحدق بظهرها بوجه ترتسم عليه البلاهة بوضوح ، وبعد مرور ربع ساعة سمعت إيمان طرقاً على باب مكتبها جعلها تنتفض من نومتها فوق الأريكة ، فاستقامت بجلستها وقالت بصوت عال :
- خش .
فتحت السكرتيرة الباب ليتخطاها صبي صغير مسرعاً ناحية إيمان التي فتحت ذراعيها تحتضنه قائلة بتهليل :
- بلاطة !! وحشتني ياض من امبارح .
وقفت السكرتيرة متسمرة مكانها لتنتفض فور سماعها لصوت عزة بجانب أذنها قبل أن تتخطاها
- مش قلتلك سيبينا ندخل على طول ومالوش لازمة الإستئذان ، أديكي وقفتي وتنحتي على الفاضي .
هرولت عزة باتجاه إيمان فاتحة ذراعيها وهي تقول :
- وحشتيني ياااصاحبتي .
وبعد التهليل والترحيب الحار نظرت إيمان للسكرتيرة التي ظلت بمكانها وقالت وهي تلوح لها بيدها :
- واجب الضيافة واللاذي منه يالولة ، حاجة ساقعة وعصير وشوية حلويات حبشيهم على ذوقك أنتي ، بس بسرعة .
أغلقت ليلى الباب وهي تردد ببلاهة :
- أحبشهم .
وبداخل المكتب كانت عزة تنظر حولها بانبهار شديد لتقول :
- الله أكبر ومن شر حاسد إذا حسد ، إيه الأبهة دي كلها يا إيمو ولا العربية اللي وصلتنا لغاية هنا ، أنا كان هيغمي عليا أول ما دخلنا الشركة بتاعتكو دي حاجة عظمة خالص يا أسطي إيمان .
وقبل أن ترد إيمان كان الولد بلاطة يلوح لإيمان بهاتفها وهو يقول بلهفة :
- تليفونك دا يا أسطى ؟!
فهزت إيمان رأسها بنعم ، ليسرع بلاطة بسؤاله :
- فيه نت ؟!
فهزت إيمان رأسها للمرة الثانية وهي تمسك بمرفق عزة لتجلس بجانبها فوق الأريكة وهي تقول :
- أيوة يا بلاطة فيه نت ، اتفرج على اللي أنت عايزه .
قالت عزة لإيمان التي تجلس بجانبها :
- حالك اتشقلب من تحت لفوق في يوم وليلة يا صاحبتي ، مين كان يصدق إن في مسافة أسبوعين تسافري لأهلك الأغنيا ، فترجعي زيهم وكمان متجوزة .
استندت إيمان بوجنتها فوق كفها وهي تقول بنزق :
- آه ياختي حالي اتشقلب بجد ، ولا كان ع البال ولا كان ع الخاطر .
رفعت إيمان رأسها وقالت لعزة :
- المهم قوليلي والواد طيارة فتح الورشة وابتدا شغل ولا لا ؟!
أجابتها عزة بحماس :
- أيوة .. أيوة من الساعة تسعة الصبح سمعنا طيارة بينده على أخويا وبيقوله يحصله على الورشة ، وبعدين وأنا خارجة لقيته بينضف الورشة ويروقها ، ومافيش ساعتين إلا ولقينا واحد ومعاه عربيته وبيسأل عليكي بس الشهادة لله طيارة قام بالواجب والزيادة .
وضعت إيمان مرففيها على ركبتيها واستندت بوجنتيها على كفيها وقالت وهي تتنهد بحزن :
- طب الحمد لله ، طمنتيني .
اقتربت عزة منها وربتت فوق كتفها وهي تقول :
- مالك يا إيمو ، شكلك مش مبسوط .
ظلت إيمان مائلة بجذعها للأمام ، فردت ذراعيها أمامها وقالت وهي تنظر للفراغ :
- دخلت دنيا مش دنيتي يالوزة ، وواقعين في مشكلة مع عمي وأنا السبب ، وهنقف قصاد بعض في المحاكم وعشان خاطر جدي مطلوب مني أكون إيمان هانم بدل من الأسطى إيمان والحكاية كلها مش قادرة أبلعها ومش عارفة أعمل إيه ؟!
أجابتها صديقتها بصوت هادئ :
- لو مكانش الموضوع فيه جدك كنت قلتلك خليكي زي مانتي ومتتغيريش عشان خاطر حد ، بس معلش استحملي شوية لغاية ما الريح تعدي بزعابيبها .
صدح صوت أغنية عال قام الصبي الصغير بتشغيلها عبر الهاتف المحمول فبدأ يهز كلتا يديه مثلما يفعل شباب المناطق الشعبية ، فانتبها كل من إيمان وعزة ونظرا لبعضهما ليبتسمان ، فهزت عزة رأسها ناحية أخيها إشارة منها لصديقتها للقيام والرقص على أنغام تلك الأغنية الصاخبة ، استجابت إيمان على الفور وقاما الإثنتان ليرقصا سوياً .
وبالخارج رفعت السكرتيرة ليلى رأسها فجأة تحدق بباب مكتب إيمان فور سماعها لتلك الأصوات العالية ، سمعت همهمات بجانبها فوجدت اثنان من الموظفين بالشركة يقفان عند باب مكتبها ينظران لها ثم لبعضهما وهما يكتمان الضحك بكفيهما .
وأثناء ذلك كان يسير إبراهيم برواق الشركة هو ومراد يتناقشان حول الصفقة الجديدة التي تنتوي شركتهما الفوز بها ، ولكن مما أثار انتباهه نظرات موظفي الشركة وهما يمرون بجانبه والإبتسامة التهكمية بملامح وجوههم ومنهم من كتم ضحكته بشق الأنفس ، وصل لأذنه صوت موسيقى عال وكلما يقترب تزداد قوة الصوت والتي كان مصدرها مكتب زوجته العزيزة ، دلف للداخل ليجد السكرتيرة تهب واقفة وتهز يديها بعصبية تحاول ان تنطق بأي كلمة ولكنها لم تستطع وهي تنتقل بناظريها بينه وبين باب مكتب إيمان ، وما إن فتح باب المكتب وجد ثلاثة من المجانين يرقصون حول المكتب زوجته وصديقتها وصبي صغير يلوح بذراعيه لأعلى ولأسفل وكانه يمسك بسيف الأبطال ، وأغنية عايم ببحر الغدر شط الندالة مليان تصدح بالأرجاء .
كاد أن يقع مراد أرضاً من نوبة الضحك التي انتابته ، صرخ إبراهيم بصوت عال وهو يلوح بذراعه عالياً :
- اقفلي الزفت دااااا .
انتفضا الفتاتان وتسمر الصبي بمكانه ، استدارت إيمان حول نفسها تبحث عن هاتفها لتغلقه هرعت لسطح مكتبها لتمسك بهاتفها وتغلقه ، اقترب إبراهيم منها بخطوات بطيئة وكأنه أسد يستعد لإلتهام فريسته هربت عزة وهي تمسك بأخيها وجرت به ساحبة إياه ناحية باب المكتب لتقف به وراء مراد الذي وقف مكتفاً ذراعيه أمام صدره مستمتعاً لما يشاهده ، تلعثمت إيمان بقولها وهي تدور حول المكتب :
- إيه يا باشا بس في إيه ؟! هو حصل حاجة لموأخذة .
قال إبراهيم بصوت عال حاد وهو يدور ورائها حول المكتب يتمنى لو أمسك بها :
- أنتي عايزاني أتجنن عليكي ، أنا سايبك مع مدرس اللغة العربية أرجع الأقيكي قالباها حفلة وعايمة في بحر الزفت .
رفعت اصبعها وقالت لتنبهه :
- الغدر حضرتك .
صاح بها بقوة :
- اسكتي خالص مسمعش صوتك !!
ثم وقف ليلتفت حوله يبحث بعينيه عن المدرس ، فاستطرد قوله :
- وديتي المدرس فين انطقي !!
صرخ بكلمته الأخيرة ، لتنتفض إيمان وهي تقول :
- مشي ، اديته اللي فيه القسمة ومشيته .
ضاقت عيني إبراهيم ومال برأسه للأمام وهو يقول مغتاظاً منها :
- اديتيه إيه ؟!
وقفت إيمان وهي تقول وتلوح بيديها :
- الراجل مراته هتولد كمان يومين وتعبانة ، اديته حقه وزيادة وقلتله يروح يأخد مراته على المستشفى ويقعد جمبها اليومين دول ، غلطتش أنا ولا كونش غلطت .
وكالعادة مسح وجهه وهو يزفر بغضب مكتوم ، ثم أشار لعزة والصبي الصغير وقال :
- ومين بقى اللي جاب دول هنا ، وإيه اللي كان بيحصل من شوية وقلبهالي استعراضات .
استقامت إيمان وقالت بعد ما استعادت بعضاً من قوتها :
- دي لوزة قصدي عزة صاحبتي و حبيبتي وأخوها بلاطة ، مانت شوفتهم قبل كدة يا باشا ، أه ويكون في علمك عزة هتبقى مديرة عملياتي .
أغمض إبراهيم عينيه فاستغلت إيمان الفرصة ظناً منها أن الأوضاع ستهدأ بقولها :
- يا باشا أنت زعلان ليه دلوقتي صدقني أنت بس لو سمعت الأغنية هتلاقيني بذاكر بردو ، اسمعها كدة وركز في كلام الأغنية وهي بتقول ، دنيا فيها الفاعل مبني على المفعول الفرح فيها ماضي بابه صبح مقفول شوفت يا باشا .
وضع إبراهيم يده هذه المرة فوق صدره وشعر وكأن بوادر ذبحة صدرية ستصيبه لا محالة ، فزفر بعصبية وهو يهتف بها :
- هو مافيش فايدة فيكي مهما أتكلم وأعيد وأزيد ، مافيش عندك أدنى شعور بالمسئولية .
مالت عزة لمراد الواقف بجانبها وقالت بصوت خافت :
- الا قولي يا كابتن ، هو الشبح ماله زعلان ليه ؟!
التفت إليها مراد ينظر لها من أسفلها لأعلاها وهو يقول بصوت هادئ :
- شبح !! شبح مين ؟!
ضربت راحة كفها بظاهر كفها الثاني فوق خصرها وقالت بعد أن مصمصت شفتيها :
- الباشا الكبير اللي متظرظر على البنية قصادك دا ، روح اللهي يسترك هادييه وخليه يخف ع البت شوية .
نظر لها مراد بعدم مبالاة والتفت برأسه ليعاود مشاهدة مايحدث ، اغتاظت منه عزة فتمتمت ببعض كلمات سباب غير مسموعة ، ونظرت هي الأخرى لصديقتها التي تدور حول المكتب وزوجها يدور روائها ، وفجأة اندفع الصبي ناحية إبراهيم ليقف أمامه مهدداً إياه برفعه لكلتا ذراعيه عالياً وهو يصيح :
- مالكش دعوة بالأسطى وكلمني أنا راجل لراجل .
اقترب إبراهيم من الصبي أمسك بياقة قميصه ليرفعه عالياً فوق الأرض ومشى به ناحية الأريكة واجلسه فوقها عنوة وهو يقول بصوت قوي :
- أنا هكسر دماغ الأسطى بتاعك ، اقعد هنا وماسمعش صوتك !!
اندفعت عزة ناحية أخيها لتجلس بجانبه وتضمه لحضنها وقالت وهي تنظر شزراً لإبراهيم :
- بس يا محمد مالكش دعوة بيه ، واحد ومراته مالناش فيه .
ضربت إيمان الأرض بقدميها وهتفت بإبراهيم :
- مايصحش كدة دول ضيوف عندنا ، مش من التكاتيك خالص كدة يا باشا على رأي عمتي .
تخصر إبراهيم والتفت إليها وهو يقول بعد ماضاقت عينيه :
- تكاتيك !! إيه التكاتيك دي اللي قالتها عمتي .
اقتربت منه وهي تقول شامخة بأنفها لأعلى :
- عمتي قالتلي إنها هتعملني التكاتيك اللي هي إزاي نتصرف مع الناس ، إزاي نتعامل مع الضيوف واللي حضرتك بتعمله دا يا باشا مش من التكاتيك خالص حضرتك ، فا إهدى كدة وصلي على النبي .
صدحت ضحكات مراد عالياً وهو يضرب كفيه ببعضهما وهو يقول :
- أنتي مشكلة بجد يا بنت عمي
تنهد إبراهيم بيأس وفرك وجهه بيده بقوة وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة محاولة منه لنفسه كي يهدأ قليلاً ، أشار لإيمان بأن تجلس بجانب عزة فاستجابت له بعد أن رأت وجهه يتلون بالإحمرار الشديد وما إن جلست إيمان ، أخذ إبراهيم يغدو الغرفة ذهاباً وإياباً يدعو الله بسره الصبر والتحمل ، فقال بصوت حاول بشق الأنفس أن يكون هادئاً :
- إيمان والآنسة وزة اسمعوني كويس .
قاطعته عزة وهي تشير له بيدها قائلة :
- يا باشا محسوبتك عزة ولو هنشيل التكليف يبقى تقولي لوزة .
علا صدره وانخفض مع إصدار صوت تنهيدة قوية وقال من بين أسنانه :
- آنسة عزة لو سمحتي متقاطعنيش خالص لغاية ما أخلص كلامي ، لأنه كلام مهم ليكو أنتو الإتنين وبالأخص ليكي أنتي يا زوجتي العزيزة .
ربتت إيمان فوق صدرها بيدها وإبتسامة امتنان لما قاله تملأ وجهها ، هز رأسه يأساً واستطرد قوله :
- المرحلة دي مهمة جداً يا إيمان ، لأننا بنحاول نبني شخصية جديدة تناسب الوضع الصعب الحالي ، وعشان كدة لازم تساعديني الأساتذة اللي بيقعدوا معاكوا هما اللي هيكونوا حجر الأساس لبناء الشخصية الجديدة ، شخصية مثقفة متحضرة ، فهمتوا ؟!
كانت الإثنتان تنظران له وهو يتحدث والبلاهة تظهر بوضوح بملامح وجههما ، ظل فاههما مفتوح دون رد فصاح بهما إبراهيم :
- ما تردوا فمهمتوا قصدي إيه ؟!!
انتفضا الإثنتان ونظرا لبعضهما وهما يتلعثمان بقولهما :
- آه .. آه طبعاً فهمنا .
ضاقت عيني إبراهيم وقال وهو يقترب منهما :
- طب فهمتوا إيه ؟! فسروا الكلام اللي قولته .
لكزت إيمان ذراع عزة وهي تقول وعينيها تنتقل بينهما :
- قوليله يا لوزة إن إحنا فهمنا كل الكلام اللي رصه ولا رصة حجر الشيشة المظبوط دا .
نظرت عزة لها شزراً وقالت بثقة :
- عن نفسي فهمت طبعاً المهم أنتي قوليله بقى أنتي فهمتي إيه ؟!
ردت إيمان وبنظرة قاتلة ، قالت من بين أسنانها :
- ماتتكلمي يا بت وتقولي .
لكزتها عزة بقوة قائلة :
- وأنا مالي هو الشبح جوزي أنا ، دا جوزك أنتي .
صرخ بهما إبراهيم :
- بس أنتو الإتنين بتتعازموا على إيه ؟!
مال بجذعه وأشار بسبابته ناحية إيمان التي تراجعت برأسها للوراء قليلاً تنظر لاصبعه فأصاب عينيها الحول ، فقال إبراهيم بنبرة صوت قوية :
- أنتي هتتعلمي يعني هتتعلمي مافيش وقت ، المدة المحددة شهر واحد بس لازم تساعديني مفهوم ؟!
هزت إيمان رأسها وهي تقول :
- مفهوم بص يا باشا أنا كل اللي لقطته من الكلام الجامد دا ، إنك عايزني أبقى مثقفة صح ؟!
اعتدل إبراهيم بوقفته وهو يقول بنزق :
- حاجة زي كدة .
اعتدلت إيمان وقالت باسمة :
- يبقى مافيش داعي لكل الأساتيذ اللي بتحدفهم عليا دول ، مافيش غير زوعرب أفندي المثقفة ، هو اللي هايدينا دروس في الثقافة .
ضربت عزة ذراع إيمان وهي تصيح بحماس :
- الله ينور عليكي يا بت يا إيمان ، مافيش غير زوعرب المثقف .
تجهم وجه إبراهيم وهو يقول :
- زو .. زوعرب !! إيه زوعرب دا ؟ أستاذ في إيه بالظبط .
وقفت عزة وهي تقول بفخر :
- يا باشا دا أستاذ في البوسطة ، شغال موظف هناك دا عليه ماسكة جورنان ، أستااااذ دا أنا هخليه يحكيلك حكاية القنبلة اللي نزلت على دماغ نجية وذكية ، حاجة آخر فخااامة يا باشا .
نظرت إيمان لوجه زوجها الجامد الملامح وهي تقول :
- إيه مالك ؟! شكلك مش عارفها أومال ثقافة إيه ومدرك إيه بس ،وحد في الدنيا ميعرفش قصة قنبلة نجية وذكية ، والبلد اللي أهلها كلهم قصيرين وعينيهم ضيقة .
ضرب إبراهيم جبهته وقال وهو يدور حول نفسه :
- يا رب بدل المصيبة بقوا اتنين .