رواية المطلقه
الفصل الثاني2
بقلم حكاوي مسائية
زهرة انا أزهو على ربوة مشمشة، ندى الصبح ينعش روحي وتدفئني أشعة الشفق الجميل.
زهرة أنا رآني عابر سبيل،قطفني ،ذويت بين أصبعيه فرماني بكل بساطة .
تقرر مصيري ،انا عروسة ماريونيت،تحركني خيوط بأيد لها مصالح وآمال بعيدة عن أحلامي ،قرروا ان مروان أحبني ،قرروا يوم عرسي ،ومكان سكني ،قرروا وخططوا لحياتي بغيابي.
لا رأيي يهم ،ولا رأي أخي يفيد ،ولا قلق أمي غير المصير.
والمضحك المبكي أنني محسودة على هذا المصير .
يوم الحناء ،تكاد عيون سلمى وأمها تحرقني بلهيب من الحقد ،وكلما نظرت لها تمنيت ان تكون مكاني ،تجلس وتمد يدها لحناء كأنها عجنت بماء النار ،وتلبس هذا الأخضر الشبيه بغطاء الأضرحة، تزين لتقدم قربانا على مذبح المصلحة وعليها أن تبتسم رغم نزيف قلبها.
هدايا أهلي جحظت لها العيون ولكن هدية حماتي استدعت شهقات الإعجاب ،طقم من ألماس حول ياقوت أخضر على قاعدة من ذهب أبيض.
وفي الغد بعد عقد القران ،قدم لي العريس طقم من ألماس رغم روعته لم يبلغ جمال هدية أمه.
علت الموسيقى ،تمنيت مثل كل الصبايا ان أرقص مع عريسي حبيبي على أغنية لنا وحدنا ،تعيش معنا ذكراها طول العمر ،ولكن عريسي ليس حبيبي ،هو قضاء وحكم ،علي القبول به ،نظر إلي هشام ،وحده يهتم للمحة الحزن على محياي.
-ليتني أستطيع أن أصرخ فيهم جميعا ،وأحميك منهم .
-وماذا بيدك وكلهم قرروا مصيري .
-ابتسمي أختي فقلبي ينزف لحزنك البادي .
-رأيته يا حبيبي فكيف لم يلاحظه أبي ولا شعرت به أمي ،كيف باعوا عمري رخيصا.
تقدم مني ومد الي يده
-هل تسمح أميرتي بهذه الرقصة ؟
مددت إليه يدي ،وقمت أراقصه، لغة العيون لم تشف غليله،ويريد ان يهون عني مصابي.
-اخشى ان يأخذك مني عريسك لتقرصي معه.
-لا تخف ،فلا هو عريس يهفو ليضم عروسه في رقصة ،ولا هو حبيب يغار علي من ضمتك.
-قبلت الحكم حبيبتي ،فابتسمي لعل الشمس تشرق في سماءك.
-وكيف تصل الشمس أقبية السجون !
-ازرعي بها زهور أملك وافتحي بأسقفها طاقات أملك ،فتطردي برودة اليأس والاستلام.
-كيف ازرع زهرة في أرض قاحلة جفت نتيجة سنين عجاف .
-تجاهليها وازرعي بأرضك ،اسقيها بالأمل والتفاؤل،لعلك تغلبين جفاف عواطفه.
-لا تتركني هشام ،كلمني كل يوم فانت الحبل الذي يربطني بالحياة وقد تخلوا عني بعد ان أوهموني أنني أميرتهم الوحيدة ،قدموني قربانا على محراب العائلة تقربا لمروان لعله يعود إلى احضانهم.
-كلميه ،حاولي أن تجدي معه موضعا يجمعكما، أو اهتماما يقرب قلبيكما.
-وكيف أروض أسدا اعتاد غابته ونما وسطها ،كيف أجد موضع قدم في أرض تحتلها أخرى .
-تدخلين معركة وانت يائسة من النصر .
-بل مهزومة قبل ان أدخلها.
-لم تصدقي ادعاءه.
-كيف للحب الأول ان ينسى بين عشية وضحاها وقد استقر بالقلب سنين المراهقة والشباب.
-صدقوه لأنهم يريدون تصديق أحلامهم.
-ودمروا أحلامي تحت أقدامهم وهم يرقصون احتفالا بنصرهم المزيف.
أعادني هشام إلى مجلسي،يبحث بنظره على العريس،فوقع نظره عليه وتغيرت سحنته،تتبعت نظره فرأيت العريس وسط مجموعة فتيات ،ويبدو اهتمامه بإحداهن جليا .
تمردت دمعة ،مسحها هشام عن خدي ،وضمني إليه ،وغادر الحفل يخفي دموعه .
افقت على يده يسحبني الى جمع مودعا ،انهم أهلي ،كلهم يوصونه بي خيرا ،ارتميت بحضن ماما واجهشت بالبكاء .غطى على صوتي بضحكته
-هاهاها،اتركيهم يشتاقون اليك قليلا ،سنعود بعد شهر العسل ،وقد تغيرت مشاعرك .
سحبني من يدي الى رحلة نظمها جدي ،تبدأ بافخم فندق بالعاصمة ،لننطلق نحو إسبانيا في صباح الغد.
دخلنا جناحا زين خصيصا لنا كعروسين، لو كنت عروسا كما حلمت لما تمنيت احسن منه،دخلت الغرفة الجميلة ،المزينة بالورود الحمراء والشموع،قلب من بتلات وردات ضحوا بها هباء فلا قلب سعيد في هذه الليلة غير قلوب واهمة تركتها ورائي.
سمعت طرقا على باب الجناح ،فانتبهت لأرى نادلا يدفع مائدة عشاء العروسين ،رغم أن الفجر أذن منذ مدة ،نفحه مروان ببضع ورقات مالية ابتسم سعيدا بها ودعا له بالرفاه والبنين.
-تعالي لتأكلي شيئا.
-لا رغبة لي في الأكل .
-ولا أنا ،اعتذر منك بعض الوقت وسأعود سريعا .
-كما تشاء .
اقترب مني ،ورفع ذقني بيده
-ألن تسأليني عن وجهتي .
حركت رأسي ان لا.
-نِعمَ الزوجة،تعلمي ألا تسأليني من أين وإلى اين.
التفت مغادرا ،استحممت وغيرت بلباس نوم من حقيبتي ،لباس قطني احبه وأحضرته معي .جلست إلى المرآة امشط شعري الطويل ،واتخيل عريسا عاشقا يأخذ المشط من يدي ويخلل أصابعه بين خصلاته،كما قرأت في الروايات.
انتظرت رجوعه،وانتظرت ،ساعة ثم ساعتين،غلبني التعب والحزن ،وضمتني منامتي، فنمت.
يد تتحسس جسدي ايقظتني،نهضت ادفعه عني وانا لا أدري اين أنا ،ذهب عني الروع ،لأتذكر انني لست بغرفتي،وان الرجل الذي يحاول ان يعتليني هو مروان ابن عمي .
رائحة أزكمتني،وأصابتني بالغثيان.
-انت سكرااااان؟
-وهل فاجأنك ذلك؟
-ألم تقل انك أقلعت عن الخمر ؟
-كذبة ضمن كذب كثير.
-ولماذا تكذب يا ابن عمي ؟
-جوابك في سؤالك ،لأنك ابنة عمي ،مرغم ان اتزوجك واترك حبيبتي .
هربت منه ووقفت بعيدا
-اسمعني يا مروان ،انا مستعدة ان امثل معك مسرحية الزواج ،ثم بعد مدة اقول أنني اريد الطلاق ،وأصر عليه .
-ستطلبينه يا ابنة العم ،وستصرين عليه ،ولكن لما أقول انا.
اقترب مني ،نظراته مخيفة ،يتحسس جسمي فيشعرني بالاشمئزاز .
-ابعد عني يا مروان ،طالما اننا سنفترق ،لا تضيعني يا ابن عمي.
-وهل انا ملاك لأترك متعتي بجسد حورية ؟
-ارجوك يا مروان ،راع انني اختك الصغيرة .
-وهل يرغم اخ على الزواج من أخته .
-وما ذنبي لتنتقم منهم في انا؟
-ذنبك انك موجودة ليقدموك لي عوضا عن عشقي.
هجم علي ،بين شهوته ضرب وعنف ،ما استطعت مقاومة وحش جائع ،ولا تخيلت في ابشع كوابيسي ان ابن عمي سيغتصبني يوما.
ازحت عن جسدي جثته النتنة ،لقد نام فوقي بعد ان قضى وطره.وقضى على احلامي.
ازحت عني جثته وقمت استر نفسي واغطي شعري المشعث الذي بقي منه الكثير بين أصابعه .
اخذت حقيبتي الصغيرة ،وخرجت اقصد استقبال الفندق.
-لو سمحتم ،اريد سيارة لأسافر .
-يمكنك طلب سيارة من سيارات الفندق مع سائق.
-اطلب لي سيارة ،وهذه بطاقة البنك .
طالت الطريق ،ورفيقتي دموعي ،ألم في صدري لم أحسه من قبل ،ضيق بأضلعي يخنق قلبي ،والدموع ،من أي نبع هذا السيل،الذي لم يطفئ هذه النار بين الجوانح.
على مشارف المدينة قررت ان أذهب إلى بيت جدي،وصلت بعد الظهيرة ،فتحت الخادمة وتفاجأت أنني من طرقت الباب،
-حورية!؟ سيدتي ،هذه حورية.
صوت من ورائي افزعني،كان صوت جدي العائد إلى البيت
-حورية ماذا تفعلين هنا؟
-ادخلي يا حورية ،تعالي يا قلب حنة.
-ارتميت بحضن حنة الحنون .ودخلت في نوبة بكاء هستيرية.
-اغتصبني ،يا حنة ،بكل همجية وعنف ،اغتصبني ،اغتصبني .
كنت أصرخ وانزل عني ثوبي،لتظهر كدمات زرقاء على كامل جسدي ،اثر أصابعه على خدي ،وخدوش على جيدي وصدري .
اصرخ ،وأصرخ،وانزل عني ثيابي كأنها تحرقني ،ثم لا شيء.
افقت،في غرفة ما على سريرما ،و دكتور يقف على راسي
-صدمة وانهيار عصبي،سأعطيها مهدئا،ونتركها ترتاح.
ماما تبكي ،وهي تضمني
-دمر حياة ابنتي ،ماذا جنت لينتقم منها؟
-كلنا أذنبنا في حقها .قالت حنة .
-ماذا قالت لك يا أمي ؟
-قالت انه اغتصبها ،وكان سكرانا ،واعترف انه كذب ومثل ليصل الى هدفه
-ابنك دمر ابنتي ،خان ثقتي وطعنني في مقتل .
-ليس ابني إن فعل ما قالت .
كان هذا صوت زوجة عمي.
-ماذا تريدين كإثبات على ما تقول ؟ان تأتيني جثة هامدة؟
جدال بالداخل ،وجدال بالخارج .
-دمر ابنتي يا أبي ،لو رأيته أقتله،سأقتله سمعت يا صالح،سأقتله.
-اهدأ يا اخي ،حورية ابنتي ،وانا من سآخذ بثأرها.
-أمنته على حفيدتي الوحيدة ،كيف يفعل بها فعل العدو الغريب،اين الرجولة ،اين الشهامة والشرف ،آخر الزمان ،نعم هو آخر الزمان .
ظل يردد ويضرب كفا بكف
-لا نخوة ،لا شرف ،لا غيرة ،آخر الزمان ،آخر الزمان.
حتى خاف عليه ولداه ،وانتبها الى حالته فتوجها اليه يهدئانه.
اما العريس ،فقد استيقظ ظهرا ،وبعد وقت تذكر اين هو ،ونظر الى دماء ابنة عمه على الفراش ،فابتسم .
-حورية ،اين انت ؟
بحث عنها في الجناح ولم يجدها ،رأى لباس نومها ممزقا على الارض ،خصلات من شعرها ماتزال عالقة بيديه،وحقيبة ملابسها حيث رآها امس ،اين هي ؟
نزل الى استقبال الفندق
-عروستي خرجت للتسوق ،ألم تترك لي رسالة؟
-عروس سيادتك أجرت سيارة وسافرت صباحا.
صفعة أفاقته ،فصعد الى غرفته ،بحث عن هاتفه حتى وجده ،يمسح وجهه بيده ،من يكلم ؟ومن يسأل؟هي ،القلب الطيب ،ستجد له ألف عذر .
-ماما
-غبي كاذب ،ظننت انك كسرتها ،كسرتني انا ،وأهنت اباك وجدك و فقدت عمك من اليوم انت وحيد ،لا تكلمني ولا تسأل عني.
وأغلقت بوجهه.
جلس ملتاعا،كيف استهان بتلك الطفلة؟ظن انه سيجدها باكية بركن ،ويأمرها فتأتمر ،ظن انه ذبح كبرياءها وستكون طوع أمره ،ولكنها فاجأته ،لم تخجل مما فعله بها ،بل عليه هو ان يخجل ،لن يردوها اليه منكسرة لأنها فقدت عذريتها، بل هو من فقد مصداقيته أمامهم ،أي حفرة أوقع نفسه بها.
كنت بحضن ماما ،اغمض عيني واسترجع شريط الأمس
-أرجوك يا مروان ،راع أنني اختك
-ابنة عمي ،وزوجتي ومن حقي أن اتمم زواجي بك.
-مادمت لا تحبني ،لا تلمسني ،سأقف الى جانبك حتى تتزوج أحلام .
-أحلام حبيبتي وقريبا ستصبح زوجتي ،في شقتها التي جددوا لك أثاثها .لن تدخليها أبدا ،غدا سأعقد عليها وتسافر معنا ،ولكنني اليوم لك وحدك .
-مروااااان ،دعني ارجوك ،تذكر أنني اختك ،اختك اختك .
حاولت أن أوقظ ضميره النائم ،ولكن صفعاته افقدتني وعيي ،وما عدت إلا بسبب ضيق صدري وعجزي عن التنفس بسبب وزنه على جسدي النحيل.
مازالت ماما تتأسف لي وما نفع الاسف
-ليتني ما قبلت ،ليتني وقفت بوجههم ورفضت ،ليتني ما صدقته ولا أدخلته بيتي .
-هدئي من روعك يا حبيبتي .
-لا تقولي لي أن أهدأ يا رحمة ! ابنك خدعنا جميعا نعم ولكن ابنتي من عانت منه ومن همجيته، والله لو ظهر الآن لقتلته بيدي وما يشفي قتله غليلي .
-من حقك حبيبتي ،وجهي منك في الأرض ،وقلبي على حورية يتمزق ،حورية ابنتي وأحب الى قلبي ،حزني عليها مضاعف لأن جزءا مني الذي أذاها.كسرني قبلها ،كسرني قبلها .
كانت تبكي ،تبكي اكثر من ماما ،وعمي اكثر غضبا من بابا ،اما جدي وحنة فصدمتهما اشد.
أجاز لي الطبيب الخروج ،فأسرعت الي حنة تضمني .
-ستبقى عندي حتى تشفى.
قرار لا يجادله أحد .ولكن كلهم رافقوني الى بيت جدي ،وكلهم استقروا هناك معي .
رعاية أسرتي ،وقرب هشام مني ساعدني على الشفاء، ولكن كدمات بنفسي مازالت تابثة ومؤلمة.
جاءت سلمى وأمها،طبعا لن تدعا فرصة كهذه لتشمتا وتنفثا سمهما
-ها تخاصمت مع زوجك في شهر العسل ؟
لم اعرها انتباها ،ونابت عني زوجة عمي
-ماذا تقولين ؟حورية صبية صغيرة ،مرضت واحضرها زوجها مسرعا خوفا عليها-
-ولكننا سمعنا غيرذلك .
-وماذا سمعت؟
-سمعنا ان حورية طلقت .
هببت في وجهها
-وان حصل وطلقني زوجي ،ماشأنك انت ؟متى تكفين عن حشر انفك في اموري .هذه حياتي وانا حرة فيها.
تدخلت ماما
-خذي ابنتك واذهبي ،سعيكم مشكور.
دخلت في نوبة بكاء
ماذا جنيت لأصبح حديث المجالس ؟ كيف رضي لي ابن عمي ان انعت بابشع الإشاعات؟عروس تعود الى ابيها صباح عرسها ،مذا جرى بينها وبين عريسها كل التكهنات مباحة .
ذبحني أهلي ،أقرب الناس إلي،من كنت اركن إلى احضانهم وانام ملء جفني بينهم ،من لا أحس بالأمان إلا معهم .
كيف سأثق في مخلوق بعد اليوم ؟كيف سأنام مطمئنة بعد اليوم ؟
لن أأتمن بشرا على نفسي ،ولن اثق في غير نفسي.
انهرت مرة أخرى ،زيارة زوجة خالي وابنتها رش الملح على جرح لن يلتئم ،جرح سيستمر نزيفه الى ماشاء الله .
جاءت زوجة عمي تطرق باب غرفتي .
-كيف حالك الآن ؟
-الحمد لله على كل حال.
-لي طلب ،رغم ان لا شيء يشفع لي لأطلب منك شيئا .
-قولي يا خالتي ،لا ذنب لك انت.
-ماذا لو نذهب الى الفيلا بالضيعة ؟
اضمن لك أنه لن يطأها أبدا حتى يعود عن غيه .
-لا استطيع يا خالتي .
-كم تمنيت ان تدخليها سيدة سعيدة ،اسعد بوجودك ويؤنسني قربك ابنة عزيزة .
-مازلت في مكانتك بقلبي يا خالتي ،ويؤسفني حزنك وخيبة أملك.
حكيت لأخي مادار بيننا ،واستقبل اقتراحها بالقبول ،ولكننا اتفقنا ان نذهب إلى فيلتنا بالضيعة الصغيرة ،المسافة ليست بعيدة ويمكن لهشام وماما متابعة أعمالهم والعودة كل مساء .
حثني هشام على الخروج للتجول بالمزرعة ،وممارسة الرياضة كل صباح ،ورسم لي تخطيط حديقة وشجعني على تنفيذه لأملأ وقتي .
غيرت بالرسم قليلا ،واستعنت ببعض الفلاحين لأنهي حديقة جميلة .
بعد اكثر من أسبوع دعوت هشام ليرى النتيجة .
ابهره عملي
-غيرت التصميم يا حورية
-ليس كثيرا، أضفت شجرة الرمان فقط ،وجعلت التصميم دائريا .
-كيف زرعت شجرة الرمان ومن أين جئت بها ؟
-استعنت بأربعة عمال ،حفروا حولها حتى ظهرت جذورها ،واجتثوها من جذورها ،لوضعها هنا في حفرة معدة سابقا ،تلزمها بعض العناية حتى تثبت في مكانها الجديد .
وحولها زرعت شجيرات ورد مختلفة الألوان ،ثم دائرة من زهرة المارغريت وبعدها دائرة زهرة ماري ليز ،واخيرا سور من شجيرات الياسمين .
-وجعلت شجرة الرمان هي الملكة ،ماسر حبك لها.
-زهرة الرمان هي أجمل أزهار الثمار ،فاقت الجوري في حمرته والورد في بهاءه، ولكنها الزهرة الأقصر عمرا ،وثمرة الرمان سر مكتوم و كل وحظه فالسعيد يفتحها على حبات ياقوت مكنون ،والشقي يلقى سوادا وعفنا .
هي صورة الحياة يا أخي ،ولهذا أحبها وأجلها .
توالت الأيام ،وتعبت امي من التنقل كل يوم بين الضيعة والمدينة ،و قررت ان نعود الى بيتنا .
قرار أحزن عمي وزوجته ،والتجآ إلى جدي
-حورية يا ابنتي ،لا شك انك رأيت حزن عمك وزوجته ،حزن وخيبة امل ،ارجوك ان تبقي معهما بضعة أيام أخرى، اعتبريها فترة نقاهة ،وثقي ان مروان لن يدخل البيت ولن تريه ،ولما تنتهي امتحانات هشام ،يمكنك العودة وستجدين هشام متفرغا لك ،او تسافران معا .
-جدي ،سمعت كلامك ورأيت ما حل بي ،ارجوك جدي لا ترغمني على دخول بيت لا اريده .
تدخلت ماما قائلة:
-عمي ،سنزيد اسبوعا آخر معا ،نقضيه جميعا مع صالح ورحمة ،ثم نعود الى بيتنا .
-بارك الله فيك يا ابنتي .
-رحمة وصالح لا ذنب لهما ،ومكوثنا معهما اسبوعا سيوضح موقفنا منهما ،وان علاقتنا لن تتأثر بخطأ ابنهما .
فعلا سعادة عمي وزوجته بنا لا توصف ،خالتي ،أعدت لكل منا غرفته ،ورافقتني الى جناح ابهرني فراشه من ستان أحمر قاتم مطرز بالابيض ،وبه حمام خاص .تراجعت الى الخلف متحفزة، فامسكت يدي
-ليس هو يا حورية ،هذا اعددته لك ،جوار جناحي ،والآخر بالجهة الأخرى من السلم .
كل يوم نستيقظ على رائحة إفطار شهي من يد زوجة عمي .
وكل يوم ترافقني في جولتي الصباحية أعجبت بحديقتي كما انبهرت بحديقتها ويدها الخضراء ،ما غرست غرسا إلا بارك الله فيه.
لنصل الى حديقتي لابد ان نمر من طريق بين الضيعتين ،طالما تجنبته مخافة ان أقابل فيه شبح كابوسي الرهيب.
طريق على جانبيه أشجار صفصاف تجعله ظليلا طول النهار ،ملائم للمشي والتنزه، واليوم رأينا من بعيد سيارة مروان ،خفق قلبي وتجمدت بمكاني،منعه عمي من دخول الضيعة ،وامر بذلك الحراس ،ينام بسيارته رأسه على الزجاج الجانبي .
-عودي الى البيت حبيبتي ،سألحق بك.
ذهبت إليه وطرقت الزجاج ،لزمه وقت ليعرف أين هو .
-ماما ،أخيرا حن قلبك .
-لا ،ما تركت لي قلبا يحن .
ماذا تفعل هنا ؟
-منعني الحراس من دخول بيتي .
-أي بيت ؟ما عاد لك شيء هنا بعد فعلك الشنيع .
اذهب من هنا قبل ان يراك صالح.
تركته قبل ان يرى ضعفها في دموعها ،ولحقت بي وقد تباطأت لندخل معا .
لم ييأس ،ولم يتعظ ،ولا يعترف انه المخطئ.
بعد عشاء وسمر طويل ،توجه كل الى غرفته ،وعلى فراشي استدعي النوم بالقراءة ،ولكنه يستعصي علي ،شعرت بالعطش فنزلت الى المطبخ اطلب الماء ،بالبهو نور يطرد الظلام ولكنه لا يكاد ينير ،أضأت نور المطبخ لأصرخ مذعورة .
انه هو ،يفتح البراد ،التفت الي
-زوجتي العزيزة ،وفي بيتي ،اي رضا هذا .
اقترب مني ينظر الي نظرة شهوة أثارت اشمئزازي .
دفعته بكل قوتي وقهري وغضبي ،فترنح متقهقرا الى الخلف ،وقذفت يده مجموعة كؤوس من على الرخام ،فتهشمت على الارض ،صرختي ايقظت النائمين ،واول من وصل إلي زوجة عمي ،ضمتني وهي تصيح به
-ما الذي جاء بك الى هنا؟
-بيتي وزوجتي .
صاحت به أمي
-زوجتك يا مخادع يا كاذب ،ستطلقها رغما عنك.
-برافو ،ايتها الطفلة ،استطعت ان تجعليهم كلهم في صفك
-لأنها اصدق وأشرف منك
كان هذا صوت عمي
-انت من ارغمتني على ما فعلت
-تعلق خطيئتك علي انا ،من كذب وادعى ومثل ،انا ؟
-قلت لك لا أحبها واحب غيرها .
-وقلت لك افعل ما شئت وتحمل مسؤولية افعالك ،انت من خططت لتخدعنا جميعا يا خسيس .
-ألست ابنك ،لماذا تشفق عليها وتقسو علي .
-ليتني قسوتك عليك .
طلق حورية يا نذل .
لن افعل ،ستبقى على ذمتي ،ما دمت لن اتزوج أحلام.
ستطلقها رغما عنك ،هات مفاتيح السيارة والشقة .
اخذها منه عنوة ،
اخرج من بيتي ولا تعد اليه ابدا .
ولاتدخل الشقة ،ابحث لعشيقتك عن وكر يلائمكما معا .
جاء جدي صباحا ،وجدني وقد تجدد الجرح والألم .
-كيف انت الآن يا حورية ؟
-طلقني منه يا جدي ،لا اريد ان أراه في حياتي ،مادام في عناد مع عمي ،سيذلني ويبتزكم بي ،ارجوك يا جدي طلقني منه.
-يكون خير بإذن الله يا ابنتي ،ماذا نويت ،تبقين مع عمك ام تغادرين مع امك
-ستبقى معي يا أبي ،لن يجرؤ على العودة هنا ،وقد يذهب إلى بيت أخي ويفضحه بين جيرانه ،واخي لن يصبر عليه .
ابقي معنا يا حورية ،اعدك ان أحميك منه ،ويطلقك خلال أيام
