طبق صيني باهظ الثمن ،وقع خطأ وانكسر ،أخذته يد بحب ،جمعت أجزاءه بشوق ولهفة ،وبألف اعتذار دهنت الشروخ بالذهب ،الطبق جميل نعم ،خطوط الذهب تزينه نعم ،ولكن تحتها جروح ،ذاك الهباء الذي لم يجمع من الأرض ما زال ينقصه ،سيبقى طبقا غاليا ولكنه لا يستعمل .
نظرت إليها ،لقد بقينا كلتانا ،نتجرع الألم ونلعق جراحنا،انا وزوجة عمي التي كانت تحمل في القلب هما،
هم ابنها الوحيد،الذي خرج عن طوعها وطوع أبيه،الذي فضل عليها امرأة غيرها،يعلم ابوه انها لن تصونه،وتحس بقلبها انه مخدوع فيها،ومتى أخطأ قلب الأم؟
حزينة هي حتى أنني أحسها أكثر حزنا مني،تحيطني بحبها ورعايتها حتى تخجلني،
-خالتي،لا تبالغي في تدليلي،أنا بخير اطمئني!
-لا ،لست بخير،لا تظني أنني لا أحس بك ،جرحك امتد إلينا جميعا وأنا أولهم.
-ولأجل ذلك أقول لك أنني بخير،ولا داع لاعتذارك، فمكانتك لم تتغير بقلبي.
-أعلم،وأنا لا أعتذر،أنا أقدم لك ما تمنيت أن يقدَّم لي يوما،لا تظني هذا القلب دون جروح حبيبتي.
ذاك الهباء
الذي ضاع سيبقى مكانه فراغ لا يملأه الذهب ،ولا يعوضه الاعتذار.
شردت بعيدا كأنها ترى مالا يُرى،خرج صوتها تجرحه غصة دمعة حبيسة:
-ذقتِ يا حبيبتي رشفة من كأس شربتُه الى آخره ،ولهذا تستحقين ان تعرفي السر الدفين في قلبين أسيرين لهذا الحب .
عرفت عمك بالجامعة ،فتى وسيما ومحبوبا ومهذبا ،وانا خجولة منطوية، لست ابنة عائلة بل سليلة قبيلة ،نعم أهلي قبيلة الهلاليين ،لا نزوج بناتنا للغريب ولا نتزوج من غير الهلاليين .
نما الحب بيننا ليصبح عشقا بلغ الوله،وانا موعودة لابن عمي الذي أكمل دراسته وتخرج من نفس الجامعة .
كل زيارة يجب ان نجتمع بحضور أسرتينا ،بعد ان أحببت عمك فهمت سر نظراته الي ،تأكدت انه عاشق لغيري مجبور علي ،وخطوت الخطوة الأولى
-كريم ،هل تحبني ياابن عمي ،ام انت مجبور على زواجنا .
-ومتى اعترفت قبيلتنا بالحب .
-الى متى سنقتل قلوبنا تنفيذا لعرف ما جعل الله له من سلطان .
-كأنك غير موافقة على ارتبطنا.
-وكأنك مثلي .
-والحل ؟لو تمردنا نفقد أهلنا وإن قبلنا نفقد سعادتنا ،لو قلت أنني أحب فتاة من غير القبيلة سخط علي جدي ،وحرمني إرثي ،وقد يطردني من إدارة الشركة ،والعمل براتب لن يكفي لأعيش كما تعودت ولا كما احب ان تعيش حبيبتي .
-ولو تمردت انا نفيت، ونبذت، ولولا القانون قتلت .
-هل يحبك يا رحمة ؟
-بل يعشقني .
-وهل يستطيع أن يعوضك عن مال أبيك؟
-أبوه غني ،ولكن ليس كأبي ،ويمكن أن أعيش معه أميرة ،ولكن سينقصني السند وعزوة الأهل.
-إن كان يعشقك كما تقولين ،سيكون لك السند ويغنيك عن الأهل .
-هل تشجعني لأرفضك أمام أبي وعمي ؟
-جميل سيكون برقبتي طول العمر .
-وهل ستكون الى جانبي ،أم تتخلى عني حفاظا على أهلك ؟
-سأكون لك الأخ والسند .
نظرت اليها :
-كيف يضحي بك ويجبن هو عن المواجهة ؟
-فكر انه سيخسر الكثير ،بينما لن أخسر إلا المال .
-وأهلك ؟ووالديك؟وسمعتك؟
-زين لي المخاطرة ،ووعدني أنه لن يتخلى عني ،وانه سيدافع عن سمعتي .
تشجيعه وحبي قوَّياني وواجهت أبي ،غضب وضرب وقسوة جعلت زوجة عمي تشفق علي ،أو هكذا تصورت.
دخلت القبو حيث حبسني والدي،غيرت ملابسي بعباءة خادمة ،نصحتني ألا أعود وإلا أجبروني على الزواج او قتلوني،وهربتني.
قصدت عمك وجدك ،الذي ذهب الى أهلي خاطبا،ليحفظ سمعتي بين أهلي ،وافقوا ولكنهم رفضوا أن أعود او انتسب اليهم .وابن عمي سهلت طريقه فقد كنت أول متمردة ولم أكن الأخيرة .
وعرفت ان زوجة عمي لم تشفق علي بل هربتني لتبرئ ابنها وتقطع الخيط الذي يربطه بي.
تزوجت عمك،وعشت مع والديه اللذين عوضاني عن أهلي حبا وعطفا. حملت بمروان فانقطعت عن الدراسة ،وجاء ليزين حياتي ويدخل البهجة الى قصر جدك ،والدك كان يدرس بالعاصمة حيث اشترى له جدك شقة ليقيم بها .
صالح بعد الليسانس تسلم إدارة الضيعتين ،والحياة تنساب سلسة سعيدة .
بلغ مروان الخامسة من عمره ،هو أصلا ابن جديه ولم تتعبني تربيته. فراغ يشعرني بالملل،صارحت صالح بنيتي في إكمال دراستي ،لم يعطني جوابا،أصبح كثير التردد على المدينة بعذر العمل ،وتسويق غلة الارض,
جدتك صارت لي أما وصديقة ،أحست ببعد صالح عني ،فاشترى جدك الفيلا ،وانتقلنا اليها ،عاد إلي بضعة أيام ثم توالت ليالي غيابه .
-انجبي بنتا أو ولدا،سيفرح صالح بحملك ويلزم فراشك .
تلك كانت نصيحة جدتك ،وفعلا بعد أسابيع ظهرت علي بوادر الحمل ،لم يفرح صالح كما توقعت ،ولا غير
عادته في الغياب والسهر .
-أبي ،سأعود انا ورحمة الى فيلا الضيعة .
-ولماذا وجل عملك بالمكتب هنا ،وكيف تأخذ مروان منا .
-إذن تبقى رحمة معكما ،واتزوج بأخرى تعيش معي بالضيعة .
-تتزوج علي وأنا من تخليت عن أهلي ومستقبلي من أجلك ،كيف يطاوعك قلبك وتحب غيري ؟
-ما أحببتها والله ،ولكنني أذنبت في حقها وهي حامل مني .
-وانا لا كنة لي إلا رحمة وإن تزوجت غيرها تحمل أن تطرد كما طردت رحمة من أجلك .
ألا يذكرك هذا في سيناريو قريب لك ؟
-فعلا لا تقع الثمرة بعيدا عن الشجرة.
-ظننت أنني إن عدت معه الى بيتنا هذا ،سأذكره بأيامنا الجميلة وانبه عشقنا الغافي، وحتى لا أكون وحدي عادت معي جدتك ومروان ،بينما جدك لازم مكتب التسويق لعله يمنع صالح من السهر والخطأ.
بعد أن رمت قنبلة حملها بوجهه اختفت،ولأنه ظن أنه من جرها الى الخطأ اتعبه ضميره، وصور له أنني السبب في خطيئته ورفض أبيه ان يصلحها.
بجناحنا كنت أحاول أن استرد زوجي وحبيبي ولكنه كان شاردة باردا،اردت ان أعيده من خياله إلى واقعي.
-ماذا بك يا صالح ،ترى هل مات عشقي بقلبك؟
لم يجبني .
توددت إليه،ضممته إلي ولكنه دفعني بعنف ،فصحت بوجهه.
-من حقك ان تهينني وقد أهنت نفسي بزواجي منك .
-زواجك مني إهانة ؟ومن تكونين انت ؟
-سليلة الهلاليين،وأهنت نفسي لما خرجت عن طوعهم حبا في خائن مثلك ،لو تزوجت ابن عمي لصانني ،ولما استقويت على وحدتي .
ضعيف الحجة يكون دائما سريع الغضب طويل اليد .طالت يده علي ،وخرجت هاربة من غضبه ،أصرخ تحت عنفه، وجدتك مع مروان أسفل السلم .
صفعة على وجهي قذفتني على الدرج ،واستيقظت بالمشفى .
عرفت أنني فقدت الجنين ،ومعه فقدت ثقتي بوالده .
مروان يبكي بحضن جدته لقد رآني أسقط ،ورأى الدم يغرق ثيابي .ورأى فزع جدته وغضب ابيه .
في مثل سنه تحفر الصور بالذاكرة ،ومازالت تفزعه حتى بلغ المراهقة ،ومازالت تزوره الى اليوم.
لم يفارقني عمك،وطال مكوثي بالمشفى أسبوعا ،وكلما سألت عن السبب قالوا ان جسمي ضعيف وأحتاج العناية،وبعد خروجي ،جاء بي صالح الى هنا رغم اعتراض جدك ،ولازمني ،لا يفارق الضيعة وإن احتاجه جدك جاء عندنا .كل ليلة يضمني الى صدره ،ويقبل جبيني
-سامحيني يا نبض قلبي .
أحببت لهفته علي،واحببت عودة صالح العاشق ،الذي لا ينام إلا بحضني ،رأسه على صدري او كلي على صدره .
ومروان ينام بحضن جدتك ويقوم ليلا باكيا يسترجع صور تلك الليلة من صالح.
سعادتي بعودة حبيبي إلي جعلتني أفكر في أن أعوضه ونفسي عن الجنين المفقود ،وتعللت بشراء فساتين لأستشير دكتورة نساء،وهناك كانت الطعنة القاتلة بحق ،وكدت أجن.
-كيف تنتظرين الحمل وانت استأصلت الرحم ؟
أخذت منها ورقة تثبت استئصال الرحم وقصدت مدير المشفى ،وضعتها على مكتبه
-هل يمكن ان تشرح لي هذا؟ .
-سيدتي لقد تمت العملية لما وقعت على السلم وفقدت الجنين ،تبين تهتك في جدار الرحم ،احدث نزيفا كان سيودي بحياتك لولا العملية .
-ومن سمح لكم بإجراءها،؟لماذا لم تطلبوا موافقتي ؟
-كنت في غيبوبة ،وزوجك مسؤول عنك وقد وافق ،وحفاظا عليك من الصدمة طلب ان نقول أن الجرح من أجل تنظيف الرحم بعد الإجهاض.
خرجت محطمة ،نصف أنثى ،أنا الطبق الذي كسره ولم يبق صالحا إلا للزينه،عرفت لماذا يقبل جبيني ويستسمحني كل ليلة ،لأنه أخذ مني دوري في الحياة ،أخذ مني أمومتي وبهجة عمري .
هل أغفر وأسامح؟وإن لم أفعل إلى من أعود ؟ كسر ظهري يوم تمردت على سندي وظهري ،يوم قبلت أن أضحي لأجل رجلين ،واحد يريد التحرر من قيدي وآخر يريد ان يقيدني اليه.
رجعت بالورقة في يدي ،كان يسأل أمه عني
-ألم تقل أنها ستزور صديقة مثلا؟
كل هذا الوقت في شراء فستان ،ليست عادتها ،ولا من عادتها ان تتسوق وحدها من دوني.
-لعلها تريد ان تفاجئك به .هاهي قد وصلت.
ترجلت من السيارة وقد وصل الي .
-أين كنت ،قلقت عليك ،وخشيت أن يصيبك مكروه .
-أكثر من هذا؟لا أظن .
ومددت له ورقة الطبيبة ،وملف المشفى .
-هذا لا شيء ،المهم هو انت ،هو وجودك معي ،انت رحمتي وكدت أموت وانا اراك تسحبين من بين يدي .
-ومن السبب ،من رفضني واستحلى حضنا غير حضني ،من فضل حمل عشيقته على حمل زوجته ،من بدل لمساته ضربا وحنانه شوكا ؟
جدتك مصدومة ،وحده كان يعرف ،ووحده أخذ القرار بذبحي.
لم تحملني رجلاي وكدت أسقط فتلقفني وحملني الى مخدعي ،لا طاقة لي ولا رغبة في الكلام ،قلت ما عندي ،وكفى.
مازال يحضنني ويستسمحني ،ومازلت أبكي نفسي كل يوم .ثم فجأة تذكرتها .
-الفتاة التي أخطأت معها ،ألم تكن حاملا.تزوجها وضم إليك ابنك.
نظر إلي مشفقا ،وتنهد
-لم تكن حاملا لأني لم ألمسها.
اجاب عن سؤال بعيني
-كنت في سهرة مختلطة،لما كنت ابيت بعيدا عنك كنت أخجل ان أعود إليك سكرانا مترنحا فأنام بالمكتب ،لم تكن لي رفيقة رغم سخرية أصحابي ،ولكنني شربت تلك الليلة كثيرا ونمت حيث انا ،استيقظت صباحا لأجدها قربي تبكي وتتهمني أنني اغتصبتها. لم أصدقها ولكن صاحب الشقة أكد لي أنني لم أكن في وعيي وأخذتها الى الغرفة أمامه .بعد مدة جاءت إلى المكتب وقالت أنها حامل وعلي ان اتحمل نتيجة تهوري وأتزوجها. كنت أخبر صديقي بكل شيء ،وأخبرته أن والدي يرفض وهددني إن تزوجتها ان يحرمني من كل شيء ،فأختفت فجأة ،ثم ارسلت إلي تبتزني وتطلب مالا فرفضت وقلت لها أنني مستعد ان اتزوجها وأطلقها بعد ان تلد مع نفقة وسكن .مرة أخرى اختفت ،لأقابلها بعد الحادث، وبعد ان تسببت في أن أمد يدي عليك وافقد ابني منك، رأيتها بيد رجل آخر وقد سقط قناع البراءة عنها، وعلمت انها ومن كان يدعي أنه صديقي اتفقا علي ليبتزاني ويربحا من وراء غبائي مالا او شقة .
عاد إلي وقد تأكد ان لا راحة له إلا بحضني ،وارتحت انه لم يلمس غيري وانسابت الحياة ،وكبر مروان،أحب عمل أبيه فترك الدراسة وتعلم قواعد الفلاحة من عمك وجدك ،واتقنها، واخذ مكانهما في التسويق والمكتب ،وعين سكرتيرة ،عرفت كيف تستغل براءته وعدم خبرته ،واوقعته في حبها .
-جربت الرفض وعانيت منه ،لو انك كنت عونا لمروان على ابيه وجده .
-لم نرفضها، بل فرحت انه سيتزوج ويملأ البيت أحفادا، وكلمنا جدك ليتخلي عن حلمه ان يزوجه إياك،وافق وطلب من عمك أن يسأل عن أهلها ويعرف من أبوها لنخطبها منه،ولكن السؤال عنها عرّف عمك من تكون فانقلب ورفضها.
-من هي ،ولماذا ما يزال مصرا على رفضها .
-ابنة المرأة التي نصبت عليه ،وسبب عجزي الدائم وحرماني من أولاد غير مروان ،سنها ينبئ انها كانت طفلة لما كانت أمها تتلاعب بالرجال وتبتزهم،بحث واستقصى ليتأكد انها من سفاح لا يُعرَف لها أب ،وان أمها التي دفعتها لتتعرف على مروان ،وتخطط لها وهي تنفذ .
لو تأكدت ولو خمسين بالمئة انها تحبه ،لقبلتها وحاربت مع ابني ضد من يقف بوجه سعادته ،ولكنها تستغله لتصل لما لم تستطع أمها الوصول إليه.
-وهل يعرف مروان من تكون؟
-لا ،وكلما حاولنا ان نخبره هاج وغضب .
-ليتك تجبرينه أن يسمعك ،قد يقتنع برأيك وقد يخبرها فإن كانت تحبه جاءت إليك وإن كانت كما يقول عمي اختفت كما فعلت أمها من قبل.
-ليته يسمعني ،بل ليته يفهم أنني كلما رأيتها ذكرت الأذى الذي تسببت لي فيه أمها .
نمت ما بقي من الليلة بحضنها ،ما أظنها غمض لها جفن ،وكيف تنام وقد نبشت كل القبور .
اشرقت الشمس بأمر ربها ،تنير الأرض وتطرد الظلام ،وليتها تنير القلوب وتطرد عنها الظلام ،جاء عمي يخبرنا أنه ذاهب إلى المدينة ،فرجوته ان يأخذني معه.
-سنذهب جميعا إلى بيت جدك.
سألها بلهفة:
-وهل ستعودين معي الليلة .
ابتسمت له
-اشتقت إلي ؟
-أخذتك حورية مني الليلة واستعصى علي النوم.
ضحكتُ قائلة:
-اوعدني يا رب.
وصلنا عند حنة التي فرحت بنا وبعد الغذاء تبعت جدي الى غرفته
-ماذا تريد حوريتي؟
-طلب صغير ،واتركك لترتاح .
-انت تأمرين ،قولي ماذا هناك؟
-طلقني من مروان يا جدي ،لا انا اناسبه ولا هو يناسبني .ويغني الله كل واحد من سَعَته .
-الطلاق الآن سيضر سمعتك.
-وبقائي على ذمته سيضرني أكثر ،اريد ان أعود إلى المدرسة ،ولا تضيع عني هذه السنة .واريد ان أخلي فكري من كل شيء إلا الدراسة ،وسمعتي ستتأثر بطلاقي الآن او بعد حين. المطلقة لا بد ان تلوكها الألسن ولكن الزمن كفيل بوضع ستارة علي ،وسينساني الناس وينشغلون بأخرى.
وهكذا ،بعد ثلاث جلسات أمام قاضي الأسرة حملت لقب المطلقة
