رواية المطلقه الفصل العشرين 20 بقلم حكاوي مسائية

 


رواية المطلقه 

الفصل العشرين 20

بقلم حكاوي مسائية



الثقة بالله تعطي الثقة بالنفس .

والثقة بالنفس تمنح القوة .

والقوة تسهل الصعب ،ومتى سهل الصعب سهلت الحياة .

لتسهل حياتك ،ثق بالله ،فما خلقك ليعذبك . 

طردت كل هواجسي ،وذهبت الى أمي 

-ماما ،لقد قررت ان اعطي لنفسي فرصة اخرى .

-مادامت الحياة ،فباب الفرص مفتوح حبيبتي ،قبل أن تقرري ،او تعطي جوابا لطارق ،استخيري الله .

-لقد استخرت ،وارتاحت نفسي .

-استخيري ثانيا وثالثا ،الله لا يمل منا ويحب العبد اللحوح .

-ماما ،هل سمعت عن طارق ما يريب؟ 

-لا والله ،سألت عنه وما سمعت إلا الطيب ،رجل يعرف الله ،بر بوالديه ،وناجح في عمله .

-صحيح ،لا اعلم عن عمله إلا انه مهندس معماري ،ولا شيء آخر .

-وتلك إحدى صفاته ،لا يحكي عن نفسه كثيرا ،ولكنني علمت انه يملك شركة مقاولات ،أسسها صغيرة وكبرت مع الوقت والجهد ،يعمل معه عدد من المهندسين .

-المهم أن يكون ناجحا كإنسان كما نجح كمهندس .

-صلي وادعي أن يكون من نصيبك إن كان به خير وان يصرفه عنك إن كان سببا لتعاستك .

-سأفعل ماما ،مادامت حارت بي الدروب ،فليس غير درب الله سيوصلني .

لست محجبة ،ولكنني أومن أنني بيد الله يفعل بي ما يشاء ،أحب المحجبات ،وأحب أن أكون منهن ،لست أدري ماذا أنتظر لألحق بركبهن. ولكنني حتما سأفعل.

كلما صليت ودعوت ازيد راحة واطمئنانا، فأخبرت أمي واتصلت بطارق اخبره بموافقتي، واعطيه موعدا مع أمي وعمي .

لم يستطع هشام الحضور ،ولكنه وعدني بحضوره عبر الواتس. 

وجاء طارق مع والديه ،وجديه عم ماما وزوجته ،كان في استقبالهم عمي وزوجته وماما .

أظهر والد طارق سعادته بقرار ولده الزواج أخيرا ،وتوجه إلى عمي 

-نحن تحت أمركم في كل طلباتكم ،يكفي ان طارق وجد من جعلته يرغب في الزواج ،لا يمكنك حاج صالح ان تتصور سعادتنا بذلك .

-ونحن تكفينا سعادتكم ،وفرحتك بحوريتنا ،لا طلبات لنا .ام لك رأي آخر يا زوجة أخي .

-لا رأي بعد رأيك اخي ،وحورية ابنتك .

-على بركة الله ،نادي العروس لنسمع رأيها .

دخولي ليس فيه تقديم قهوة ولا عصير كما هو دخول عروس مشرقية ،فكل ذلك يقدم قبل أي كلام أو حديث عندنا بالمغرب ،دخلت لأجلس جوار امي .

-انا اب طارق ،وقد جئت أخطبك له ،ما ردك يا ابنتي .

-الرأي رأي عمي .

-وانا موافق ،فهل توافقين .

-لا رأي يعد رأيك عمي .

-على بركة الله .

انبعث صوت هشام من هاتف ماما .

-وانا أول المباركين ،مبارك حوريتي .

توالت المباركات.

-نحدد موعد اعلان الخطوبة إذن .

-بعد إذنك عمي ،احب ان اعقد على عروسي في أقرب وقت .

ما رأيك حورية ؟

ارتبكت ،عقد مرة واحدة ،لم أدر بم اجيب .

-شقتي بطنجة جاهزة ،ولكنها شقة عازب ،ويجب أن تراها العروس وتغير فيها حسب ذوقها ،كما احب ان نجهز للعرس معا ،وأعرف حورية لن تخطو معي خطوة دون عقد .

-عرس !!!هل سنقيم عرسا ؟

-نعم يا ابنتي ،فعروس ابني سيقام لها اجمل عرس .

كانت والدته من اجابت سؤالي 

-وانا ما كنت لأزوج حوريتي دون عرس يليق بها .

قال عمي .

عن أي عرس يتحدثون ،لا أريد عرسا بقدر ما أريد زواجا ناجحا، وزوجا محبا ،قاطع تفكيري صوت طارق.

-أجمل عرس لأجمل عروس .

نظرت إليه ،كانت عيناه تشعان بريقا وهو ينظر إلي ،اجلت بصري بالوجوه حولي ،كانت كلها مبتسمة مستبشرة .

-مابك حورية ؟

-اهه ،لا شيء عمي ،اعذروني .

وقفت و قصدت السلم انوي الصعود الى غرفتي .على اول درج يد تمسك يدي ،يد بت اعرفها جيدا .

-مابك حورية ،كأنك خائفة؟

-عرس !!لماذا العرس ؟

-لأفرح بك ،لنبدأ به حياتنا وذكرياتنا معا .

سحبت يدي من يده والتفت عنه 

-لا أريد عرسا ،لا أريد .

نكس رأسه قليلا قبل ان ينظر الي مرة أخرى .

-والعقد ؟ هل توافقين ان نعقد قريبا ؟

-لا بأس ،اتفق مع عمي على موعد .

تركته وصعدت أفر من وجوده قربي ،اخشى أن يسمع دقات الطبول بصدري ،اخشى أن يتبين هلعي من كل ما يحدث.

-ماذا قالت؟

-لا تريد عرسا ،ولكنها توافق على كتابة العقد ،وتركت لنا حرية اختيار موعده.

-ولكنني انتظرت عرسك وفرحتي بك طويلا بني .

-لا تقلقي أمي ،سنقيم عرسا كما تحبين ،سأقنعها .

-الحمد لله انها قبلت الزواج وقد رفضته كثيرا ،حورية قوية ولكنها خائفة ،ابنتي لما تعطي لا تضع لعطاءها حدودا ،ولهذا هي خائفة .

-اعلم يا عمتي ،فأنا أيضا خائف، ما يشجعني هو حبي لها وثقتي بها .

اتفقوا على كتابة العقد بعد أسبوع ،وطبعا لبعد المسافة ومشقة السفر أصر عمي أن يبقى أهل طارق ببيت المزرعة الصغيرة ،على أن يلحق بهم باقي الأسرة لحضور حفل القران.

حضر والدا مريم ،لقد وافقا عل زواج مريم ،والعمل بالمزرعة ،فرحتها طالت عنان السماء ،اما مروان فكأنه لم يحب ولم يتزوج قبلها ،كيف يمكن لقلب أن ينسى ويحب مرة أخرى ،أم أن حب مراهق غر ليس كحب رجل ناضج كما قال مروان !!!!.

وكلما رأيته أقول لنفسي ،إذا كان هو قد تجاوز خيانة حبيبته وقد غرست بقلبه خنجر غدرها، فلم لا اتجاوز غدره وقلبي لم يزل مغلقا لم يسكنه لا هو ولا غيره .

سأفتح قلبي ،ماذا أقول ؟قلبي دق ولم يأخذ إذني ولا رأيي ،انا فعلا احب طارق ،ولهذا انا خائفة .

دعوت مدام أمينة وابنتها ليلى وحنان واميمة ووالديها ،للحفل ،كما دعوت بعضا من زميلاتي بالعمل .

أصرت ماما وماما رحمة أن ألبس قفطانا من مخمل أزرق ،كنت أريد لباسا أخضر ولكنهما أصرتا على الأزرق الفيروزي المطرز بخيوط فضية ،وحتى المجوهرات كانت من فضة .لم أجادلهما ،ارتباكي وقلقي كانا كافيين لإسكاتي ،تكفي دقات قلبي الصارخة ،والأفكار المتتابعة بذهني التي تصيبني بدوار.

اسرعت الى الحمام تحت دهشتهما ،استفرغ حتى خارت قواي ،ساعدتني امي لاستلقي على الفراش بينما استدعت زوجة عمي مدام أمينة واخبرتها بحالتي 

جست نبضي ،ووضعت يدها على جبيني تتحسس حرارتي 

-هي بخير ،اتركانا قليلا .

بعد ان بقينا وحدنا .

-حورية ،هل انت مجبرة على هذا الزواج ،لأن مابك ،إما حالة رفض او هلع وخوف .

-لا لست مجبرة ،ولكنني مرعوبة .

-مم ؟

-من ،من ،من كل شيء .

-من الفشل ام من ليلة الزفاف .

-من كل شيء ،منه ،من ان ،ان 

-ان يغتصبك كما فعل ابن عمك .

-نعم ،لن أستطيع أن أكون معه ،وسيأخذني غصبا .

-ليس كل الرجال مروان ،أجلي ليلة الزفاف حتى تطمئني له ،وتألفي وجوده بحياتك .سأتركك الآن لتجهزي، ونتحدث لاحقا .

انتهت كتابة العقد بدعاء العدول ،وقبلة من طارق على جبيني ،أودع فيها حبه وفخره بي ،ويده تشد على يدي بتملك ،حتى نهاية الحفل وذهاب كل الحضور .

-ألن تذهب لترتاح ؟

-هل تعبت ام مللت مني ؟

-لا هذا ولا ذاك ،ولكن الطريق الى المزرعة طويلة ولم يبق على موعد الفجر إلا القليل .

-لن أذهب إلى المزرعة، مفتاح شقتك مايزال معي منذ اعطيته لي ،وغمز مبتسما ،ثم انني قلت لك أنني لايمكن أن أبيت ببيت عامر بغرباء عني .

-نعم قلت ،ولكنني لم افهم السبب .

-سترينه بعد ان نتزوج .

ضحك على احمرار وجهي من الخجل 

-لابد انك تصورت أكثر من الحقيقة .

-انا لم اتصور شيئا ،ولكنني مازلت لا أصدق اننا سنتزوج .

واجهني ،واخذ يدي بين كفيه .

-بل سنتزوج حوريتي ،وسنكون أسرة سعيدة ،فقط ثقي بي .

-وثقت بك يوم قبلت زواجك .

-وسأكون أهلا لثقتك .

سأتركك لترتاحي الآن ،وسآتي لآخذك لنفطر معا .

نمت ،فقد داهمني النوم من التعب قبل ان تهجم علي أفكاري وهواجسي ،وأفقت على صوت أمي توقظني 

-حورية ،قومي لتجهزي، طارق ينتظرك .

كان بالبهو أنيقا كما عهدته، يبتسم وهو يحدث ماما وزوجة عمي ،بينما يحمل فؤاد بيده .

-صباح الخير .

-صباح النور ،هل نمت جيدا .

-نعم ،كطفلة صغيرة .

كانت غالية تتشبث برجله قائلة 

-انا انا .

تريده ان يحملها ،فمددت يدي لآخذ منه فؤاد ،ولكنه رفض 

-دعيه سأحملهما معا .

وانحنى ليحمل غالية ،التي ضحكت بفرحة .

دار حديث مبهم بين الصغيرين فضحك قائلا .

-هات لهما عصير يا عمتي ،فهما على الشرفة يتحدثان في أمر مهم .

ضحكنا على كلامه ،ومدت كل واحدة يديها تأخذ احد الطفلين ،فأخذ يدي 

-ستظل حوريتي معي اليوم ،نحن أيضا لنا كلام مهم نقوله .

-في أمان الله يا ولدي .

جلست جواره بالسيارة 

-كيف سنظل معا ؟وأين ؟

-سنظل معا لأننا زوجين ،أما أين ،فهذه مفاجأة .

تعالي نفطر قبل ان ننطلق .

يبدو أنني لم أشبع نوما لأنني نمت في السيارة ،واستيقظت على لمسة على خدي ،فزعت لما رأيت وجهه قرب وجهي تختلط أنفاسنا، لقد كانت اللمسة قبلة على خدي .

-صباح النور حبيبتي .

-ماذا تفعل ؟

-اوقظ حوريتي من النوم ،تعودي على هذا من اليوم .

لم ينتظر ردي ،ونزل ،بقيت متجمدة بمكاني ،فتح الباب ومد يده يأخذ يدي ليخرجني من السيارة .

-تعالي حوريتي ،مارأيك بالمفاجأة؟ 

نظرت الى المنظر البديع ،بحيرة سد ،تحيطها قمم جبال أصبحت تظهر كأنها تلال صغيرة لارتفاع الماء ،خضرة على الجانبين ،وزرقة بالوسط كما بالسماء .

-سد بين الويدان!كم تمنيت ان أراه!

-اعلم ،يسعدني انني من حقق حلمك .

-أشكرك .

-هل بين الزوجين اشكرك ؟ لااااا ،لكل عمل جزاء .

اشار بأصبعه على خده 

-قبلة هنا .

-لا تحلم ،لم أطلب منك لأشكرك .

-بخيلة .لا يهم ،الأيام بيننا هههههه ،تعالي .

اخذ يدي الى أوبرج شهير هناك ،جلسنا بحديقته الغناء ،تقابلنا بحيرة السد .

-نشرب قهوة هنا ،ونطلب أكلا للغذاء يعد لنا ريثما نعود من جولتنا. 

لم يترك يدي ونحن نتجول في المكان ،طبيعة خلابة ،صمت وهدوء يريح النفس ،فجأة وقف ونظر الي 

-لماذا لا تريدين عرسا ؟

-ولِم تصر ان تقيم عرسا ؟

-لأنني احبك ،لأنني سعيد بك وبزواجنا، لأنني لو أستطيع لدعوت كل الناس ليشهدوا على فرحتي بامتلاكك 

-انت لن تملكني ،لست جارية ولن أكون .

-بل املكك كما تملكينني ،أم انك لا تحبينني .

-وما علاقة هذا بذاك ؟

-تملكينني لأنك تملكين قلبي ،وإن ملكت قلبك فقد ملكتك ،أرأيت العلاقة الآن ،لو أردت زوجة فقط لتزوجت منذ سنين ،ولكنني أريد حبيبة ،أعشقها وأجعلها ملكة ،وتعشقني فتجعلني ملكا .

-أهكذا ترى الزواج ؟

-وهل ترينه غير ذلك؟

هززت رأسي بالنفي. 

-إذن انت أحببتني ،قوليها حوريتي .

سبقتني دموعي 

-لو لم أحبك لما قبلت ان ارتبط بك .

-ومم تخافين ؟

-أخاف أن يكون حبك لي وهما ،أن تكون الأخرى ما تزال بقلبك ،لو غدرت بي تقتلني ،لن اتحمل أن تخونني ،لن اتحمل أن تقسو علي ،لأنني احبك سيكون صعبا بل قاتلا.

ضمني اليه يمسك رأسي على صدره 

-كيف أغدر بك وانت نفسي ،لا مكان لغيرك بقلبي ،انت الحورية التي أحيته وردت إلي روحي وحبي للحياة .

اردت أن اخرج من حضنه .

-اهدأي فهذا مكانك ،هنا أمانك ،دعي قلبينا يتناجيان،طال شوقهما للحب ،كفى خوفا ووحدة .

نظر الي ومسح دموعي 

-سنقيم عرسا يليق بحبنا .

-ماذا سيقول عني الناس ،امد يدي للحناء وانا لست ...

-شششش،بل انت عذرائي التي انتظرتني طويلا ،عذراء القلب ليكون لي وحدي ،عذراء الجسد لأعلمه أصول العشق ،ماتكون قطرات دم أخذت منك غصبا ،وفي الحلال ،ما ضيعتها استهتارا ولا حبا .

-أقسم أنني لم أحبه 

-وانا أصدقك ،أصدق رعشة جسمك لما ألمس يدك ،أخبرتني حمرة الخجل على محياك لما ابثك حبي ،باحت لي نظرة عينيك التائهة خوفا من خفقات قلبك الجديدة عليك .

-ولكن الناس يعلمون أنني تزوجت قبلك ،ولو أن زواجي لم يدم أكثر من ليلة سوداء .

ضحك قائلا 

-الناس ،لو تعلمين مايقول الناس عني لأنني لم اتزوج حتى اليوم 

-ماذا سيقولون ،انت رجل ،لن يستطيعوا أن يقولوا عنك ما يقال عن بنت .

ضحك عاليا حتى أدمعت عيناه 

-بل يقولون ماهو ألعن ،قالوا أنني شاذ ولهذا عشت زمنا بأوروبا ،قالوا بأنني عاجز جنسيا ولهذا لم اتزوج.

شعرت بحرارة تطال جسدي كله من الخجل .

-أرأيت اننا لانسلم من ألسنة الناس مهما فعلنا ،فلماذا تحرمين نفسك وتحرميني من الفرحة .

-لا أريد عرسا ،إن كان من أجلي فلا تهتم ،انا اريد وعدا منك ان تعاملني بالحسنى ،إما عشرة بمودة وحب ،أو فراق بمعروف .

-وانا اريد عرسا ينسيك عرسك الأول ،ذكرى تمحو ذكريات حزينة ومؤلمة ،صورا نريها لأولادنا ونحكي لهم عن لقاءنا وحبنا .

-أولادنا !!!

-نعم ،أريد منك على الأقل ولدين وبنتين ،لي أخت واحدة ،وكم تمنيت أن أكون أسرة كبيرة .

-وإن لم أنجب الولد ؟

-إذن أربعة بنات .المهم أن تكوني أمهم .

-سيكون صعبا وقد تجاوزت الثلاثين .

-ابدا ،ألم تلد خديجة رضي الله عنها وقد تزوجت سيد الخلق وهي في الأربعين ،ثم انظري الى الأوروبيات، لا تتزوج الواحدة إلا وقد فاقت الثلاثين بكثير ،وتنجب عادي .ثم انني سأكون معك ،سنربيهم معا .

-وعد ؟

-وعد ،هاه ،العرس ؟

اجبته بابتسامة:

-نقيم احلى عرس.

عرفت ان امي وزوجة عمي ،كانتا في انتظار اقناعي بحفل الزفاف لأنه بمجرد وصولنا ذهب اليهما هاتفا 

-لقد وافقت ،وافقت على العرس استعدي عمتي لنسافر معا .

عانق عمته بينما جاءت زوجة عمي تعانقني 

-مبروك يا ابنتي ،ألف مبروك ،والله أسعدتني بموافقتك .

-بارك الله فيك ماما رحمة ،لقد اقنعني طارق وطرد هواجسي .

جاء يلف ذراعه حول خصري .

-معي لا هواجس ولا خوف بإذن الله .

-ما حكاية السفر ،لم تخبرني عنه .

-نسافر لتري شقتنا ،وتغيري فرشها ،ونشتري لك احلى القفاطين وأجمل فستان زفاف .

-وعملي ؟

-قدمت لك طلب اسبوع عطلة ،ذهبت اليوم الى رئيستك مدام فطومة .

-نعم ،بينما رحمة عند رئيستك ،جهزت انا حقيبة سفرك ،فقط وافقي .

-مادامت وافقت على العرس ،فما يأتي معه مقبول ،اليس كذلك حوريتي .

-هو كذلك ،متى نسافر ؟

-غدا ،فبعد اسبوع قران مريم ومروان وزفافهما .

-مبارك ماما رحمة .

سافرنا بالسيارة،طنجة بعيدة جدا ،مدينة البوغاز ذات البحرين ،ذكرني السفر أنني سأبتعد عن ماما ،سأتركها وحدها فانقبض قلبي حزنا وخوفا عليها .

نظرت إليها بدت سعيدة ،سعيدة لي ،ككل أم تريد ان تطمئن علي ،أن تراني بكنف رجل ،ان تفرح بأولادي، كأنها احست بنظراتي اليها فالتفتت إلي 

-زرت طنجة مع والدك وانت صغيرة ،كنت تحبين جولاتنا في أسواقها وانت بيننا ،لو قيل لي انك ستعيشين بها يوما لما صدقت .

-ولكنني سأبتعد عنك ،كيف أتركك وحيدة .

-من قال انني وحيدة ،زوجة عمك وعمك سيكونان معي ،سنعيش بين بيتنا والمزرعة ،ادارة الميتم ستلهيني .

-مارأيك ماما أن نزيل كلمة ميتم و نجعل مكانها دار ،فتصبح دار حنا غالية .

-وما الفرق ؟

سأل طارق الذي كان يتابع حديثنا 

-سيصبح أخف وأهون على نفس اليتيم ،سيقول اسكن دار حنة الغالية ،كأنه يسكن دار جدته مع امه واخوته. -حوريتي فكرت بنفسية ابن الدار .

-سأطلب من عمك أن يغيره ،تعلمين انه يجب أن يتغير في كل أوراق المعاملات والرخص .

وصلنا الى الشقة ،كانت بآخر طابق  بعمارة عصرية جميلة بحي راق ،واسعة بشكل ملحوظ ،من مدخلها تواجهك قاعة كبيرة تكون الصالون ،صبغت جدرانها بلون ابيض مائل الى الأصفر ،فرشت بأرائك تركية من مخمل بني اللون ،على اليمين رواق يؤدي إلى مطبخ كبير وغرفة معيشة وحمام ،وعلى اليسار يظهر قوسان متقابلان بينهما مصطبة مرتفعة بدرجتين فرشت بصالون عصري وطاولة منخفضة ،تتوسط جداره نافذة كبيرة جدا كما نافذة الصالون ،اما القوسان فكل واحد مدخل لرواق صغير به حمام وغرفة نوم ،من المطبخ يمكن الخروج الى شرفة تحيط بجميع الحجرات وتطل عليها كل النوافذ ،لم يغفل تزيينها بنباتات و قعدة عربية .

بعد ان استرحنا دعانا لنأكل بمطعم على الساحل ،وعدنا نروم النوم لنبدأ يوم غد من أوله .

نمت وأمي بإحدى الغرفتين 

-هاه ماذا تنوين تغييره في الشقة .

-الحقيقة انها مجهزة بذوق رفيع ،ما رأيك لو غيرت الصالون التركي بآخر مغربي .

-أوافقك الرأي ،مادامت غرفة المعيشة والصالون بين غرفتي النوم على الطريقة الغربية ،فليكن الصالون الكبير على الطراز المغربي .

-هذا كل شيء .

-وغرفة النوم؟

ارتبكت 

-لم أرها لأقرر.

-لابد انها بذوق ذكوري ،غيريها او أدخلي عليها لمسات انثويه. شاهديها غدا وقرري .

-حاضر ،تصبحين على خير ماما .

-قبل ان تنامي هات زجاجة ماء ،فانا أشرب ليلا .

نهضت متوجهة الى المطبخ ،حرصت ألا أصدر صوتا حتى لا أزعج نومه ،ولكنني تفاجأت به يسير نحو المطبخ عاريا إلا من سروال قصير جدا ،حمدت الله انه لم يحس بي وعدت إلى الغرفة .

-أين الماء ؟ مابك؟

-لاشيء ،طارق في المطبخ ،وانا بلباس النوم .سأنتظر حتى يدخل غرفته .

لن أقول لها أنني رأيته بلباسه الداخلي فقط ،اخجل أن أقول ،إذن فهذا سره الذي يقول أنني سأعرفه لما نتزوج ،وحدته جعلته يعتاد أن يتجول ببيته بحرية عاريا تقريبا ،لهذا فضل أن يكون وحده بشقتي .ضحكت في سري ،لابد انه ينتظر أن يضحك ساخرا من خجلي لما أعرف ،وانا سأتظاهر انني لم اره الليلة .

على مائدة الإفطار سألني 

-هل قررت ماذا ستغيرين ببيتك ؟

-بيتي؟

-نعم بيتك ،وانت ملكته ،غيري فيه ما تشائين ،ولما أغيره لآخر أكبر سيكون عليك تقرير ديكوره كاملا .

-هل تنوي أن تغير الشقة ؟

-ليس الآن ،عندي قطعة أرض، سنبني عليها بيتنا ليسع أسرتنا كما خططنا لها .

غمز مبتسما ،وخجلت من نظرة ماما الي .

-سنغير الصالون بآخر مغربي .

-هذا فقط ؟

أجابت ماما وقد لاحظت ارتباكي .

-وربما غرفة النوم .

قام واخذ يدي 

-تعالي لتريها ،طبعا سأغيرها ،ولكن ربما تريدين تغيير لون الجدران. 

تبعته وقد ارتفعت حرارتي خجلا من أمي ،أو ربما لأنني سأدخل غرفة نومه ،لا أدري .

كانت كما توقعت أمي ،غرفة يغلب عليها الطابع الذكوري ،جدران مطلية باللون الرمادي ،وخشب اسود ،أما الفراش الواسع فعليه غطاء رمادي وأسود .

عطره الرجولي يملأ جو الغرفة ،رأيت اللوحة أعلى السرير وركزت عليها بصري ،دوائر متداخلة باللونين الرمادي والأسود وبالوسط قرص صغير بلون سماء صافية ،كأنها دوائر حيرة وتيه وهناك بالعمق يظهر الفرج .

-سأغير اللوحة أيضا .

-بل احتفظ بها ،كأنها تعبر عني .

-بل كانت تعبر عني وعنك ،نحن الآن هنا .

ووضع أصبعه على اللون الازرق .

-تظن؟

-أكيد ،لقد خرجنا من دوامة الحزن الأسود والشك الرمادي ،الى اليقين الصافي ،الى الثقة المشرقة .

رد فعل واحد خطر ببالي ،وهو ان اعانقه واحس بالأمان في حضنه ،فهربت من نفسي وخرجت من الغرفة .

-سأكلم مهندسة ديكور لتغير الصالون وغرفة النوم .

-هل تعرفها ،وهي من فرشت الشقة ؟

ابتسامة جانبية علت وجهه 

-نعم ،هي صديقة عزيزة .

-لا داع لتكلمها ،سأغير كل شيء بالشقة ،وحدي وعلى مهل .

-كيف على مهل إذا كنت أعد الأيام لتزفي الي .

-ولكنني لا أريد ذوق امرأة اخرى ببيتي ،أم لك رأي آخر .

-على الأقل قابليها، قد تتفقان على رأي .

-وانا لا أريد لا رأيها ولا رؤيتها .

-هل تغارين حوريتي أم قلبي طماع ؟

-طبعا طماع ،ولم أغار عليك؟

-لأنك تحبينني،كما أغار عليك لأنني اعشقك .

-دعنا من هذا الآن ،يجب أن نخرج لأختار ما أريد .

-أولا سنقابل المهندسة فقد اخذت منها موعدا ،وإذا لم يعجبك ذوقها ،افعلي ماتشائين. 

إن رفضت سأؤكد له غيرتي عليه ،لا بأس ،أراها وأفعل عكس ما تقترح .

دخلنا مكتبها ،ديكور جميل ومريح جلسنا على اريكة مقابلة لمكتب كبير وراءه شرفة ،أمامنا طاولة منخفضة عليها صور ومجلات كلها عن هندسة الديكور ،وعلى الجدران لوحات وصور لغرف وصالونات.

-ستكون المدام هنا بعد قليل .

هاهي تتركنا ننتظر ،لابد انها مغرورة او متكبرة لتتأخر عن موعدها معنا ،لابد انها قصدت ان تجعلنا ننتظر .

كنت انظر الى ساعة يدي ،يظهر علي التوتر بل بوادر الغضب 

-اهدأي يا حورية ، معنا متسع من الوقت يا ابنتي ،مادمت ستغيرين كل شيء بالشقة ،فالأحسن أن تكلفيها هي ،فأنت ستعودين الى عملك وتجهيزات عرسك .

كدت أقوم رافضة كلام أمي حين دخلت امرأة في سنها ،تجاوزت الخمسين ،محجبة وهادئة .

-صباح الخير ،اعتذر لأنني تأخرت عليكم ،السيارة فعلتها معي مرة أخرى .

اهلا بك عزيزي طارق ،هذه عروستنا الجميلة؟

-اقدم لك زوجتي حورية .وهذه عمتي وحماتي .

-أهلا بك سيدتي ،أهديتنا حورية جميلة نشكرك عليها ،أخيرا ستتحقق امنيتي ان أرى طارق عريسا ام انني غير مدعوة. 

-عليك إذن ان تسرعي في تغيير ديكور البيت كما تريده العروس .

كنت صامتة أؤنب نفسي على سوء ظني ،لما وجهت الي الكلام.

-ديكور الشقة انا من صممته ،قولي لي ما تنوين تغييره ،و عرفيني ذوقك في الألوان والأقمشة ،سأعد لك صورا تختارين منها ما يعجبك .

-لن نغير غير الصالون وغرفة النوم .

نظر الي مبتسما ،الآن تأكد من غيرتي عليه ،حتى ماما ابتسمت بارتياح ،لقد فضحتني أفعالي.

خرجنا من مكتب المهندسة بعد ان اتفقت معها ان نلتقي في الغد ونقعد وقتا اطول لنتفق على ما أريد. 

بطلاقة شابك اصابع يده باصابعي، كأنه يقول لي لاتخافي فانا لك وحدك .ابتسمت له كأنني اجيبه :اعلم ،وانا اثق بك .

بعد مهندسة الديكور ،ذهبنا الى عمارة بأكبرشارع بالمدينة 

-لماذا نحن هنا ؟

-لتزوري شركتي ،وهنا مفاجأة اخرى .

رفعت بصري الى البناء فرأيت لافتة عليها اسم شركة مقاولات 

-هنا مقر شركتك ؟

-نعم بالطابق الثالث .

كانت المكاتب تشغل الطابق كله ،حرص أن يقدمنا الى كل العاملين معه ،قبل ان نتوجه الى مكتبه ،استقبلنا  رجل اربعيني 

-الحمد لله على سلامتك مهندس طارق 

-الله يسلمك ،اقدم لك زوجتي ،وهذه عمتي وحماتي .

-مبارك ،اسعدتني والله .

-وهذا الأستاذ أحمد، سكرتيري الخاص ومدير مكتبي .

-اهلا بك سيدي .

مرة أخرى علت ابتسامة راحة وجهي ،ومرة أخرى نظر الي مبتسما فخورا لتأكده من غيرتي عليه .

-تعالي ،المفاجأة بالطابق الرابع .

كانت شقة على مساحة الطابق كله ،على بابها لوحة كتب عليها 

Caftan Fashin

دخلنا ،فاستقبلتنا سكرتيرة بترحاب. 

-السيد حسن بانتظاركم ،تفضلوا .

أدخلتنا مكتب المصمم ،الذي وقف مرحبا .

-أخيرا جاري العزيز ،ستصبح زبوني. 

-هذه عروسي ،اريد لها أجمل تصاميمك .

-عندي لها المطلوب .

قدم صورا لقفاطين تحفة ،ولكنها ليست كما احب ،اثقلت بالخرز ،ورصعت حتى طغى العمل على القماش ،كما سيطغى الثوب على من ستلبسه. 

-انا افضل البساطة في الصنع ،لا تثقل القماش بالترصيع ولا بالتطريز، ثم أنني لا أريد غير قفطان الحناء ،وقفطان ابيض للزفاف. 

-اريدك ليلة الزفاف بفستان .

-لابأس ،سأصمم لها قفطانا على شكل فستان ،ستكون فيه عروسا مميزة .وقفطان الحناء تريدينه بأي لون ؟

اجابت أمي 

-أخضر ملكي ،والتطريز بخيوط الذهب ،كما نعرفه.

-لهذا رفضت أن ألبس الأخضر يوم عقد القران .

-كنت أعلم ان طارق سيقنعك .

أن تحسي انك ملكة ،تختارين فرش بيتك ،وتصمم لك ثيابك ،وفوق كل هذا من توجك ملكة يمسك يدك يمدك بالثقة والأمان ،ويبثك حبه في كل نظرة ،ذاك هو العوض من الله الذي انتظرته طويلا


           الفصل الواحد والعشرين من هنا 

لقراءة باقي الفصول اضغط هنا

تعليقات



<>