أخر الاخبار

رواية نفق الجحيم الفصل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون بقلم ريناد يوسف

رواية نفق الجحيم 

الفصل الحادي والثلاثون والثاني والثلاثون 

بقلم ريناد يوسف

خلصت ستي عديله كلامها ورفعت يدها من علي بطني وأنا حطيت يدي مكان يدها علي بطني وانا عحاول إني المس اللي ماسك في الدنيا بأديه وسنانه ديه، ومااستسلمش للموت حتي بعد كل العذاب والضرب ديه!


بصتلي ستي عديله بمحبه وقالتلي:


مش قولتلك صاحب الجبر موجود يابنيتي.


شام بتنهيده:


وايه الفايده ياستي ماكرار أول مايعرف إني لسه حبله هيعمل العمايل لغاية مايسقطه، والنوبادي لازمن هيتأكد من موته حتي لو هيموتني اني عشان ديه يوحصول.


عديله: همليها على الله وارمي حمولك عليه، بس من اليوم وطالع عايزاكي تتجنبيه على كد ماتقدري عشان تأمني شره، يعني لا تدخلي الأوضه وهو فيها ولا تعدي قدامه رايحه جايه، ولا تبيتي غير معايه، ولبسك يكون واسع وتلبسي من خلجاتي السود الواسعين؛ الاسود معيبنش حاجه، وعلى كد ماتقدري تداري بطنك عن عيون الكل وتمسكي روحك ليبان عليكي الوحم قدامهم وخصوصي حوريه، وكمان عايزاكي تاكلي زين وتتغذى عشان وشك مايزيدش صفار والكل يقعد يسأل ويتغمز مالك.


شام: ولحد ميته هعمل إكده ياستي، هو الحبل عيقعد متداري يعني، ديه حاجه مهما اتدست عتتفضح في الآخر.


عديله: ومالو إحنا نعملوا اللي علينا وخلاص، وبعدين يابنيتي يمكن تجد في الأمور أمور ولما المعدول يلاقي شهورك عليت والحبل كبر يسكت ويتلهي ويسلم.


هزت شام دماغها بطاعه وإبتدت تفكر فى بكره واللي شايلهولها، وتفكر فولدها اللي هياجي علي الدنيا هيكون شكله أيه، وياتري هتحبه ولا هتشوف فيه أبوه وعمايله كل ماتبصله؟


أما عديله فراحت على الموطبخ وعاودت بصحن سليقه وكام حتتة لحمه وكام فطيره مقددين؛ عشان توكل شام وتخلي عافيتها تردلها، وحتي هي كلت معاها عشان تتقوى؛ لأن فيه اللي محتاجلها دلوك واللي لازمن تحافظ عليه وتقف جاره على كد ماتقدر.


كلوا التنين وبعدها قعدوا يتحدتوا ويتسامروا، وفضلت عديله فى الأوضه وعشان تسلى شام فرقدتها وتهون عليها وجعها بدأت تحكيلها عن جدها كارم وكيف إتجوزته وهي عيله يادوبك ١٢ سنه وكيف كان يعاملها كيف ماتكون بته مش مرته، وحبها وخلاها تحبه ومتستغناش عنيه وتخلفله البنات والولاد،


 وكمان حكتلها عن بناتها اللي إتجوزوا بعيد وطلعوا من العيله؛ لان عمهم الوحيد مخلفش غير بنات بس حوريه وعدويه، وكيف تعبوا البنته فبداية جوازهم فبلد بعيده ولحالهم وسط ناس اغراب، وقاسوا الأمرين واتحملوا وعاشوا، وربنا في الآخر عقب عليهم وملكوا واتحكموا ومن كتر العيال والخير والمسئوليه بطلوا ياجوا يزوروا أمهم غير كل كام سنه، 


وانها طول ماعارفه إنهم بخير ومرتاحين قلبها مطمن عليهم وعتدعيلهم ومسامحه فقلة زيارتهم ليها.


ومن كلام عديله شام حست إنها عتحثها عالصبر، وتبشرها بالراحه بعد التعب، وإنها لازمن تطمن أهلها عليها وتحسسهم إنها فأحسن حال كل ماتلاقي فرصه؛ عشان تطمن بالهم، وكل ديه من حكاوي عديله علي بناتها.


بعدها عديله استوت على السرير عشان تنام ودفنت رجليها وسط رجلين شام اللي إستغربت من برودتهم وقالتها:


وه ياستي رجليكي غاددين كيف التلج؟


عديله بضحكة وجع: هما إكده طول الصيف والشتا، كنت عدفيهم من رجلين كارم وكان يقضي الليل يزيح فيهم بعيد عنه واعاودهم تاني، ومن إهنه ورايح هدفيهم من رجليكي غصب عنك؛ امال اني مبيتاكي معاي عشان عيونك الحلوين دول بس ياك؟


إتبسمت شام وردت عليها بمحبه:


والله لو أطول ياستي أحطك فنص قلبي واقفل عليكي عشان تتدفي، دانتي اللي مهونه عليا المُر كله.


عديله: ربنا يحليلك المر يابتي ويجعلك اللي جاي كله خير وفرح وعوض من رب العالمين.


شام:يارب ياستي يارب. 


أما حدا عبد الصمد فبيته..


دهب:


يعني ايه ياناس خلاص إكده البت اتقطعت مننا واتقطعنا منها؟ لا هي بقي ليها اهل ولا إحنا بقت لينا بت نشوفوا عيعمل ايه الزمان فيها؟ 


آه ياناري عليكي ياشام وعلى نايبك..قليلة حظ يابنيتي والله..وكملت بصوت مخنوق.. قسموووا النوايب والكوم الكبير جه كووومك.. شقيه ومظلومه يابتي من يومك.. بوووه عليكي ياشام وعلى حظك يابنيتي بوووه


عبد الصمد بصلها وهو عيحاول يلاقي كلام يسكتها بيه ويهون عليها، لكنه للاسف ملاقيش، فا كل اللي طلع بيده إنه يقولها بترجي:


خلاص يادهب هوني على روحك وأودعيها عند ربك وهو مش هيضيعها، هي تعتبر روحها يتيمه مليهاش حد واحنا نعتبروها(....) وسكت مكملش الكلمه، وغمض عنيه بوجع، وردت عليه دهب بعتب مصحوب بدموع وبحة صوت مكيوده:


يابوي ياعبصمد على قلبك اللي بقي كيف الحجر الصوان قاسي، هان عليك تفكر فيها تفكير حتي، هانت عليك شام حبيبة روحك ياابو شام؟ 


سكت عبد الصمد وبص على بناته التنين، اللي وحده فيهم كانت قاعده فوق كوة الفرن الدافيه بعد الخبيز، 


والتانيه قاعده على اول سلمه، والتنين ساكتين وحاطين اديهم علي خدهم وراكبهم الهم على حال اختهم واللي جرالها،


 وحس إنه اصبح عاجز في عيونهم، ومبقاش سند ليهم ولا حمايه، ولا ليه لازمه من الأساس. 


فهمت عليه بسيمه من بصته، وحست باللي جواه وردت على أمها بحزم:


عقولك ايه يمه صلي على النبي فقلبك وبطلي نواح، وبعدين إنتي طماعه قوي يادهب.


إرجعي إكده لحالتك من شهر وإفتكرى كانت عامله أيه، وكت اللي جرا وبالذات في اليوم اللي صحينا من النوم ملقيناش شام ولا ابوي في البيت، وكلنا عرفنا إن شام خلاص في عْداد الأموات، وسلمنا أمرنا لله وإحتسباها حداه شهيده.


فاكره يومها كنا عاملين كيف؟ وكانت قلوبنا على رجا واحد، وهو إن شام تعيش على أي حال وأي شكل، وإن اي حاجه كانت جرتلها غير الموت ونومتها وسطنا طريحة الفراش كانت هتوبقي اهون. 


طيب نسيتي وكت مادخلت علينا شام ورا ابوي وهي حيه ترزق، وفرحة قلوبنا إن ربنا إستجاب لدعانا ورجانا كانت عامله كيف؟ 


جايه دلوك تعترضى على قلة شوفتك ليها وشوفتها ليكي! بدال ماتحمدي ربنا إنها عايشه ع الدنيا وعتشم هواها، وعرفتي إنها هتخلف ودنيتها هتتعدل اهي، واكيد بعد ماتضني وهيكونلها عيل ينور عينها. 


شام عايشه ع الدنيا ياام شام وديه لحاله يخليكي تحمدي ربنا عليه ليل نهار، وإن كان عالتلاقي مسير الحي عيتلاقى مهما طال الغياب. 


والراجل الزين اللي قاعد جارك ديه خفي عليه هبابه، اللي عترميه بتهمة قساوة القلب ديه مهانتش عليه بته وعاودها من خشم الموت، وحتي لما كان هيموتها حط روحه مع روحها قدام الموت ومكانش عاوز يسيبها تموت لحالها.. في الحين اللي كل يوم عنسمعوا بوحده كلها القطر أو وحده راحت تملى ميه لحالها وخدته البورامه، 


ولا وحده وقعت من فوق السطوح وهي عتقرص الجله، وكلنا عنوبقوا خابرين إنهم ميتين غسل عار، وناسهم من بعدهم عيكملوا حياتهم ولا كان كان ليهم وجود، والوحيد اللي مااستسهلش موت بته هو أبوي.. 


أبوي اللي هيفضل رفعة راس لينا وسند، وضهر وحمايه وحنان، واحسن أب في الدنيا كلها. 


أبوي مليهش ذنب فحاجه يمه أبوي عيمل اللي محدش يعمله ويشكر عليه من الارض للسما. 


خلصت كلامها وبصت لأبوها وابتسمتله، والفخر اللي شافه فعنيها خلى إبتسامته هو كمان ظهرت، برغم خوفه وقلقه اللي حاسس بيه على شام زي أمها ويمكن أكتر، 


بس كلام بسيمه بته خلاه يرجع يحس إن ليه قيمه مره تانيه، وإن بناته لساهم شايفينه سند ومفتخرين بيه، او عالاقل بسيمه، أما دهب فبعد كلام بسيمه بصت لعبد الصمد وطبطبت على رجله بحنيه وهمست من وسط دموعها:


كلامك صوح يابسيمه يابتي أبوكي مليهش ذنب فحاجه ومينلامش، حقك عليا ياعبصمد لو كنت قسيت عليك بالكلام، بس اني كمان معذوره، اني وحده اتحكم عليها متشوفش ضناها ولا تعرف حاجه عنها، وشام حبله ياعبصمد.. حبله أول حبل ليها وكان نفسي اكون جارها واراعيها واهون عليها تعب الحبل واطمنها، 


كان نفسي عيلها إيدي أول إيد تشيله وآني أكون اول حد يبص فوشه ويسمى عليه.


عبد الصمد:


الصبر يادهب الصبر، أوعاكي تفكري إنها صعبه عليكي إنتي بس يادهب، ديه ربنا وحده اللي يعلم القلب واللي فيه. 


حدا بيت المقاول.. 


حوريه استنت لنص الليل، وإتوكدت إن الكل نام، وفتحت الخزنه وخدت كل اللي فيها من فلوس وأوراق ملكية الالات وعقود البيت والارض اللي حواليه وكل حاجه.. وكانت جايبه بلاص وحطت فيه كل حاجه، وطلعت عالسطوح وهي عتتسحب عشان محدش يحس بيها، واول ماوصلت ليسته بالطين كيف ماعيعملوا فبلاصات المش والجبنه القديمه، وربطت بوزه بجلابيه قديمه، وعلمته بعلامه ودسته فأوضة الخزين جار باقي البلاصات، وقفلت الأوضه ونزلت مره تانيه، بس النوبادي مدخلتش أوضتها، 


له داي نزلت لتحت على أوضة عديله فتحتها ودخلت تتسحب، فتحت الطاقه وحطت المفتاح فيها موطرحه وقفلتها واتسحبت تاني علي بره، 


لكن وهي طالعه صحيت شام على شخوله،


 واول مافتحت عينها شافت حوريه عتطلع من باب الأوضه وتقفل الباب وراها بالراحه ومن غير مايعمل صوت! 


اتعدلت شام فقعدتها وهي مستغربه، وهزت ستها عديله بالراحه وهي عتقولها:


ستي قومي، ستي مرت ولدك حوريه كانت إهنه في الأوضه وطلعت تتسحب معرفاشي ليه؟ 


فتحت عديله عنيها ورفعت دماغها وهي عتسأل شام:


ليه جايه داي هو كام الوكت دلوك؟ الفجر أدن؟ 


شام: له ياجده ميدنش النجم لساه مرشوش في السما والقمر قاعد، إحنا فنص الليل الظاهر إكده. 


إتعدلت عديله فقعدتها وإتلفتت حواليها وهي عتقول:


نص الليل! امال إيه جرالها داي عتهجم فنصاص الليالي؟ 


خلصت كلامها وربطت عصبتها ونزلت من السرير وراحت تاني عالصندوق تدور فيه وراحت على الأوضه كلها تفتش فيها وحمدت ربها لما لقت دهب شام وقرشينات نقطتها لساهم موطرحهم قاعدين فى المنطال البرام تحت السرير، وحتى قرشيناتها هي قاعدين بختمهم مغابتش منهم حاجه! 


عاودت للسرير وقعدت عليه وهمست لروحها:


عتدوري على إيه ياحوريه ولا عقلك شت من بعد موت توفيق ولا إيه؟ 


شام: هي عتاخد حاجه ياستي.. يعني عتمد يدها وتاخد اللي مش ليها؟ 


ردت عليها عديله بنفي:


الشهاده لله عمرها ماعيملتها ولا مدت يدها ولا حد في البيت كله فيه الداء ديه يابتي، بس هي فيه حاجه فنافوخها واني معارفاشي هي إيه، وعلى العموم كله هيبان دلوك.


عاودي للنوم عاودي ليل الشتا طويل والدنيا متلجه، وتعالي لَمى اتدفىَ فيكي رصرصت من السقعه. 


ضحكت شام ونامت ورفعت اللحاف لعديله عشان تدخل تحته، وناموا هما التنين فحضن بعض ودفنت عديله رجليها وسط رجلين شام وهمستلها وهي عتتاوب:


صوح نسيت اقولك إن دهباتك معاي إهنه في الأوضه، أني جبتهم من اوضة كرار عشان كرار عرف كييف الحشيش، وبعد موت أبوه مهيلقاش البغدده اللي كان فيها هو وامه، 


ومن إهنه ورايح اللي هتطوله يده هياخده من غير مايشاور وخصوصي لو الحاجه داي حاجتك انتي. 


شام: طيب ماهو لو ملقيهمش هيسألني ودتيهم وين ويقولي هاتيهم؟ 


عديله: لو عيملها قوليله اديتهم لأبوي لما جه عشان كان معذور وهو مهيقدرش يروحله يقوله هات دهب مرتي كِبره مهيخليهش ومهيقدرشي يعمل حاجه، هو هيتنطط ويتردح ويمكن يديكي ضربتين تلاته، بس ميعملش حاجه إتحملي دهباتك يستاهلوا. 


شام: له ياستي لو عازهم هديهمله أني لا حمل كتل ولا كلام وحديت اني مبقاش حداى طاقه. 


عديله: بطلي هطل انتي دلوك حبله وهياجيلك الأولي بدهبك وقرشيناتك الدنيا مااتضمنتش، وبكره حدش عارف فيه ايه، وحطي فبالك لو كرار عرف موطرح الدهبات وخدهم اني اللي هكتلك كتله بعمرك مش هو.. والله ياشام امسك سباطه خضره واقطعها عليكي. 


اتنهدت شام وغمضت عنيها وهي عتقول لحالها:


 لميته هقعد اتحمل ولميته هقعد خايفه من بطشك ياكرار ولميته هقعد تحت رحمتك وإنت الرحمه معتعرفش ليك طريق؟ 


وناموا التنين بعدها مقاموشي غير مع اذان الفجر على حس كركبة الكيزان والبستلات  اللي عتتملي للي قايم يتسبح أو يتوضى ويصلي. 


وحوريه اللي منامتش طول الليل أول ماسمعت اصوات اهل البيت، وإنهم بدوا يصحوا قامت ولبست شالها وربطت راسها وقررت انها خلاص لازمن ترجع تندلى وسط الحريم وتمسك زمام الأمور اللي إبتدت تفلت من يدها من تاني.. فوقفت فنص الصاله اللي بين الأوض وزعقت بحسها كله:


كل مره في البيت تقوم عشان نشوفوا حال البيت واللي جرا فيه اليومين اللي فاتوا، خلاص خدتولكم يومين رنجخه ونوم في العسل وماصدقتوا إن كبيرة البيت غفلت وكل وحده فيكم دخلت الكُن بتاعها ورقدت فيه. 


هموا خلصوا انا هندلى ويادوبك أوصل الموطبخ والاقيكم وراي نازلين وحده وحده كيف فرادي المراكيب. 


ونزلت قدامهم ومفيش دقايق ولقت الكل نازل وراها، ورده ونعمه وفكريه وبدور وعدويه، 


واتجمعوا في الموطبخ وإبتدوا فتجهيز الفاطور كيف ماكانوا متعودين يعملوا قبل مايموت توفيق،


 وطلعت حوريه ووقفت عالسلم ونادمت على صفوت وقالتله ينزل هو وعيال عمه عشان الكل يفطور مع بعضه، وراحت علي عزت وكرار صحتهم هما كمان وقومتهم. 


أما عديله فقامت على حس الزعيق  واتوضت وصلت، وفضلت تدعي لشام بالستر وتدعي لولدها توفيق بالرحمه والمغفره ولجوزها كارم، وقامت راحت على الموطبخ، ولقت حوريه واقفه فنصه ومتحزمه ورابطه بطنها كيف ماكانت تعمل قبل سابق وعماله تدى اوامر يمين وشمال للحريم. 


عديله: خيرك صاحيه النهارده متحزمه يعني؟ 


حوريه ردت عليها من غير ماتبصلها:


خيرك إنتي.. هي الحزمه مقرطه على أنفاسك ولا أيه؟


عديله: اني فيشي حاجه تقدر تطبق على انفاسي ياحوريه، اني بس عسأل عاللي جرالك، تتسحبي فنصاص الليالي فالأوض وتقومي من الفجور؟ 


خايفه يكون موت الغالي لحس عقلك. 


حوريه بحده:


فشرتي ياعديله، حوريه عقلها يوزن بلد وعمره مايتلحس، وإن كان عالأوض من إهنه ورايح مفيش اوضه مهدخلهاش واشوف اللي فيها عيعملوا ايه، 


خلاص من اليوم ورايح محدش هيعيش بكيفه كيف ماالكل عايز، 


مش معني إن الكبير مات يوبقي البيت يخرب وسكانه يعِيِطوا.. 


الكبير مات مرت الكبير قاعده، واللي كان ماشى عليه البيت فأيامه مش هيتغير من بعد موته، ودلوك شوفي كنتي جايه ليه وعايزه ايه ولو مكنتيشي عايزه حاجه استني بره على دكتك لغاية مانحطوا الفطور وتفطري مع الرجاله. 


عديله بصدمه تشبه صدمة كل الموجودين:


إنتي عتكلميني اني إكده ياحوريه؟ 


حوريه: إيوه عكلمك انتي امال عكلم مين يعني.. وبصت للحريم اللي سايبين اللي فيدهم وباصينلها يشوفوا اللي عتعمله فى ستهم، لكن صرخة حوريه رجعتهم للي عيعملوه تاني:


رجعي عنيكي للي فيدك منك ليها واعمليلك همه ولا ضريتوا عاللكاعه؟ 


اتحط الفطور والكل فطر وخلاص الرجاله عيستعدوا عشان يروحوا شغلهم من بعد غياب وتعطيل اكتر من أسبوع، وبص نعيم  لصفوت وقاله:


يلا ياصفوت اطلع هاتلنا الفلوس من فوق خلينا نتفقوا مع العمال وندوهم مقدم ونفولوا المعدات ونشتروا سطل جديد للجرافه.


وكمل سلام تعليماته لصفوت وهو باصص لابوه:


وهات كمان فلوس المشروع التالت ياصفوت خلينا ندوهم لمقاول تاني ونتفقوا معاه يشتغل المشروع، واني بنفسي اللي هشرف عليه وعلى الشغل فيه عشان التسليم هياجي فوشنا إحنا لأنه هيتم بإسمنا. 


هز صفوت دماغه بموافقه وبص لأمه اللي كانت متابعه كل حاجه بعنيها وساكته وقالها:


تعالى يمه افتحيلي الخزنه خليني أجيب الفلوس. 


حوريه ببرود:


واني افتحلك الخزنه كيف! مش المفتاح آخر نوبه خدتوه مني ومعاودتهوش تاني؟ 


نعيم: إيوه صوح اني قولت لمعروف يديه لسته، قومي يمه هاتي المفتاح خلينا نتيسروا علي مصالحنا. 


عديله قامت بضعف:


حاضر ياولدي استنى هجيبهولك.. ودخلت الأوضه وفتحت الطاقه وجابت المفتاح وعطته لصفوت. 


دقايق مسافة ماركب صفوت لأوضة أبوه وامه ونزل جري ووقف في نص البيت  ووشه مخطوف وبص لعمه وبلع ريقه بخوف ومنطقش، 


ومنظره رعب الكل وخلى عمه سأله بخوف مماثل لخوفه:


فيه إيه ياصفوت مالك نازل ترمح كيف اللي لدغتك حيه ووشك اتخطف في التو واللحظه إكده ليه؟ 


صفوت:مصيبه ياعم لدغة الحيه اهون منها الف مره.. الفلوس مقاعدينش في الخزنه ولا فيها اي ورق ولا عقود، الخزنه خاويه على الحديد ياعمي. 


منعم بصدمه:


عتقول ايه؟ 


صفوت: عقول الحديت المطين اللي سمعته واركب وشوف بنفسك.


نعيم:كيف ديه يعني؟ تعالا معاى نشوفوا إيه العباره! 


وطلعوا هما التنين ومعروف وسلام وعزت وحتي كرار ركبوا وراهم، وبمجرد مالكل دخلوا الأوضه ووعيوا الخزنه مفتوحه وفاضيه هِو.. الكل إتصدم ونعيم ضرب كف بكف وهو عيقول:


ياداهيه دقت على روسنا كلنا.. فين الفلوس راحت؟ ومش بس الفلوس فين العقود والاوراق وكل حاجه كانت في الخزنه؟ 


الكل فضل يتلفت على بعضه ونعيم نزل جري على تحت ووقف قدام حوريه وبصلها بعيون عتطوق شرار وقالها:


فين كل اللي كان في الخزنه ياحوريه؟ الخزنه محدش عيقدر يوصلها غيرك. 


ردت عليه حوريه بنبرة غضب عاليه:


تقصد إيه يانعيم، قصدك إني حراميه وسراقه؟ 


ومن ميته وحوريه فيها داء السرقه ومدت اليد، وبعدين الكلام ديه تقوله لو المفتاح كان معاي، لكن إنت من يوم ماحطيت الفلوس في الخزنه وإنت اديت المفتاح لأمك، وإنت خابر وكلكم خابرين إن الخزنه مليهاش غير مفتاح واحد. يعني  دوروا بينكم. عاللي خد الفلوس، وبعدين حوريه كانت فأيه ولا فأيه عشان تفكر ففلوس ولا سرقه؟ ولا هي يعملوها ويخيلوا! 


نعيم: قصدك إيه ياحوريه بحديتك ديه؟ 


حوريه: قصدي إن إنت وولدك آخر من شافوا الفلوس، وانتوا آخر من فتح الخزنه، وانتوا آخر من مسك المفتاح بتاعها، وحدش وراكم لا فتحها ولا طل فيها ولا شافها فاضيه ولا مليانه، 


يعني اللي لازمن يتسأل عالفلوس إنت وولدك مش اني.. وديت الفلوس وين يانعيم وخفيت فين كل أوراق الملكيه؟ 


نعيم بصدمه: عتسرقيني أني وولدي ياحوريه؟ 


حوريه: واه يانعيم ماانت توك مسرقني ولا إنت وولدك من اولياء الله الصالحين وحوريه شيخة منصر! 


معروف:


والله العظيم اني بيدي حاطط الفلوس في الخزنه آخر مره ومنزل المفتاح لستي ومن بعدها ماشفت حاجه، وبعدين هنسرقوا روحنا ليه يعني؟ 


حوريه:


إسأل روحك السؤال ديه، تلاقيك إنت وعتركب الفلوس فوق عرفت وكتها إن عمك روحه طلعت ومات، وقلت تعمل عملتك ومحدش وكتها هيعرف ولا هيكون فاضي يتهمك بشى وتلوش اللوشه كلها لحالك. 


سلام: اخوي مش حرامي يامرت عمي. 


كرار: ولا امي حراميه ياسلام. 


صفوت: لا ديه حرامي ولا داي حراميه ولا فيه في البيت حد مد يده وخد الفلوس، يوبقي الفلوس طارت أو خفاها جني! 


اقولكم ايه إنتوا فاهمين معنات إن الفلوس تتاخد ولا تختفي ديه إيه؟ 


معناه خراب بيتنا، معناه إننا صفينا عالحديده وإننا لو بعنا حالنا ومالنا واللي ورانا وقدامنا مهنقدروش نسددوا الفلوس داي للحكومه، وكمان لو جينا نبيعوا حالنا ومالنا مفيش ورق عشان نقدروا نبيعوا حاجه ونتصرفوا فيها، يعني معناها إن إحنا رحنا فستين داهيه والخراب هيطول الكل.


حوريه: هيطول الكل ماعدا اللي خد الفلوس. 


قالت كلامها وهي عتنقل عنيها مابين نعيم وعياله بإتهام صريح وقطع نظراتها حس عديله وهي عتقول:


هتقعدوا واقفين إكده ولا إيه.. هموا فتشوا البيت عالقرشينات بايكه بايكه وشبر شبر، اللي خد الفلوس والورق مطلعهمش بره، واللي هتلقوا الحاجه فموطرحه يتجاب وسط البيت إهنه وتتق. طع يده النجسه اللي خانت وإتمدت. 


وبالفعل هي قالت إكده والكل إتحرك يدور في البيت، وفكل زاويه من زواياه، وإبتدوا بالموطبخ اللي بعشكوا كل حاجه فيه وخلوه دمار مافيهش حاجه مش مكبوبه عالأرض، وبعدها طلعوا علي أوض الدور التحتاني كلها فتشوها شبر شبر، 


والزريبه فتشوها، وتلاليس التبن فضوها كلها، وركبوا بعدها عالأوض اللي فوق فتشوها اوضه اوضه وزنقوره زنقوره، وكل أوضه كان يدخلها اتنين وتلاته، وصاحب الأوضه كانوا يخلوه يستنى بره او يفتش أوضه تانيه، 


وحتى السطح ركبوا فتشوه وفتحوا صوامع الغله وبصوا فيها وقلبوها بقعوف الجريد، وفتشوا أوض الخزين وآخر المتمه عقلهم كان هيشت وهما ملاقيينش أي أثر للفلوس كيف ماتكون فص ملح وداب! 


أما حوريه فكانت قاعده فصحن البيت تحت ومربعه اديها وساكته بترقب وخوف أحسن يكتشفوا طريق البلاص، لكنها طمنت روحها بإنهم حتي لو لقيوه وعرفوا اللي فيه هتنكر إن ليها صالح بيه ولا شافته، ومحدش هيقدر يثبت حاجه عليها. 


لكنها ارتاحت وبلعت ريقها وهي واعياهم نازلين فاضيين ووشوشهم مطعونه بالغضب. 


نعيم بحس رج البيت رج:


الفلوس رااااحاااات وييين ياولاد الكلاب.. البيت هيتخرب ومن بعد العز هنمدوا يدنا ونستجدوا اللقمه.. اللي خد الفلوس وطمرها يطلعها ويحطها موطرحها وليه مننا السماح والعفوا من غير مانعرفوه حتى،


 والاهم من الفلوس عقود المعدات والبيت والجنينه ومخزن المعدات.. قسماً عظماً لو مالفلوس رجعت لأكون جايبكم تحت رجلي ودا. بحكم واحد واحد ودا. بح روحي فوقكم قبل مالعار يلحقنا والفضيحه تحلق فوق روسنا. 


حالة خوف على صدمه على رهبه على غضب كانت متملكه الكل ومخليه العقول كلها واقفه عن التفكير، والكل كان عيسأل روحه نفس السؤال:


ياتري الفلوس راحت فين ومين اللي خدها؟ 


دقايق من السكوت نعيم كان عقله هيفر فيهم، وعديله كانت عتنقل عنيها مابين الوشوش، 


ولاحظت إن اهدا وحده فيهم هي حوريه، وإفتكرت طلعتها قبل سابق من الأوضه ملغفنه، ولما عاودت للأوضه فنص الليل عاشيه، وإتوكدت إنها هي اللي واخده الفلوس.


لكنها متكلمتش واستنت لما تمسك عليها دليل، لان حوريه واضح إنها مخططه للموضوع زين قوي ومهتعترفش بسهوله، وإن اللي هيخليها تقر بعملتها ومتنكرهاش إنها تتعكش بالفلوس، ومن دلوك لحد الوكت ديه دعت عديله بإن ربنا يسترها على نعيم اللي حاساه هيطب ساكت بقهرته من الغلب ويحصل أخوه. 


فبصت للكل ودبت بعكاز توفيق اللي خدته من بعد موته وبقت تتعكز عليه بدال ماكانت تتعكز على توفيق ولدها وبحزم قالت:


نعيم، صفوت سلام معروف عزت.. قربوا إهنه واقعدوا واسمعوني زين. 


ملقتش حد سمع ولا قعد فدبت بالعكاز دبه اقوى وبحس أعلى قالت:


قولت اقعدددوا. 


الكل خد نفس وزفره وابتدوا يقعدوا عالدكك اللي جارها واللي قدامها وهي قالتلهم بحزم:


الفلوس راحت خلاص واللي سرقها قاصد في الوكت ديه بالذات إنه يشتت البيت ويفرق اللمه ويضروب الناس فبعضها بالشك، 


ويخلي الناس تمسك فبعضها، وعشان إكده الخبيث ديه متدوهش الفرصه إنه يكسب ويفرح بإنه قدر يوصل لمبتغاه.. الفلوس إنتوا اللي عتعملوها مش هي اللي عتعملكم، والراجل دراعاته مناجم دهب. 


نعيم: يمه الفلوس كتيره مش مبلغ يتعوض بيومين شغل ولا شهور ولا حتى سنه.. وغير الفلوس ورق المعدات والأرض والبيت. 


عديله بصت لحوريه وكملت:


وماله إشتغلوا على كد ماتقدروا، ولو عالفلوس اللي هتشتغلوا بيها أني معاي ورقة المبايعه بتاعة آخر معده اشتراها توفيق من ستر ربنا إنه مسكهاني وقالي خليها معاكي عشان طالع ولما اعاود ابقي أخدها منك، ونسيها.


داي تاخدها وتاخد المعده وتروح تبيعها وتشتغل بحقها بباقي المعدات، والشغل يكون ليل نهار وتاجوا على روحكم عشان متتفضحوش ولا ستركم يتكشف. 


وإن كان عالعقود اطمن مفيش حاجه هتتباع غير والكل لازمن يعرف بيها، ووكتها هيبان الحرامي وتبان العقود مع مين.. 


والفلوس مهما اتدست ريحتها عتفيح وعتفضح صاحبها بس إنتوا خلوا عينكم على بعض واللي هتبان عليه نعمه تجيبوه وتقعدوه وسطكم وتقولوله من وين جالك. 


بالك يانعيم ياولدي اللي عيمل إكده محداهوش عقل، لأنه عمل كيف اللي سرق جلابية أخوه اللي عاجباه ومعارفشي يلبسها فين، وهيفضل طول عمره يبصلها ويتحسر وخايف يلبسها احسن اخوه يعرف إنه حرامي..وصدقني ياولدي مهما طال الستر عالعايب مسير ربك هيرفع عنيه توب الستر ويعريه قدام كل الناس ويفضح ستره. 


خلصت كلامها وقامت راحت على أوضتها، وشاورت لشام تقفل الباب، وقفلت شام الباب عليهم وقالتلها ترفع معاها طرف المرتبه، وأول ماعيملت إكده بانت ملة سرير ملفوفه عليها دباره مرتين تلاته، رفعتها وقلبتها وطلع فبطنيتها كيس متثبت بالدباره، فكت الدباره وجابته وكان فيه عقد اللودر وعقد بيت ابو كارم القديم، ومتعرفش ليه دستهم مع بعض إهنه بعد ماكان العقد بتاع البيت مرمى في الطاقه ليه سنين! 


لكنها حمدت ربنا لانه أوحالها تدسهم رحمه بيهم من اللي عارفه هيوحصول. 


طلعت بعقد المُعده بعد ما دست عقد البيت تاني كيف ماكان، وادتها لنعيم وهي عتقوله:


خد يانعيم وبيع واشتغل، وكمان الحريم كل وحده معاها حتتة دهب من دهبها عايناها، 


البنته كل وحده عانت فيهم زتونه اني مشفتهاش في الدهبات ومرضيتش اتحدت، وحوريه عاينه كردان وحجل دهب وغويشتين تعابين أني عارفاهم زين ومجوشي في الدهبات، لو عُزت فلوس تعالى وخدهم وبيعهم ديه كله من خيرك وخير أخوك وعيالكم ومفيش حريم ليها فيه حاجه. 


حوريه بإعتراض:


الدهب اللي بقيته وارثاه من امي ومحدش هياخده ومش هفرط فيه، اللي جابه ولدك خدتوه وليكمشي أيوتها حاجه عندي. 


عديله بلؤم:


براحتك ياحوريه خليلك دهبك، بس الدهب إنتي مدياه لعيالك قبل اي حد؛ عشان يحفظوا هيبتهم قدام الناس ويستروا روحهم، ولو كان الدهب حداكي أغلي من عيالك خلاص خليهلك وإشبعي بيه، واللي خدته امك في قبرها لما ماتت أوبقي خديه انتي. 


حوريه بصتها وسكتت وعيونها إشتعلوا بالغضب وهي حاسه إن عديله زنقتها فخانة اليك وحطتها قدام حبها لعيالها وحرصها على موصلحتهم وبين انانيتها، وخلتهم كلهم يبصولها بلوم وعتب وأولهم صفوت. 


فنفخت بغلب وقامت منتورة طلعت أوضتها وجابت الدهبات ورمتهم قدامهم عالارض وهي عتقولهم بغضب:


الدهب أهه وابقوا اوزنوه وحطوا وزنه عالدهب القديم.. وبصت لعديله وقالتلها بنبرة كره:


ارتحتي دلوك؟ 


عديله بهمس: غوري جاكي ورنه تحش نصك بديلها. 


حوريه راحت قعدت موطرحها تاني، وعينها وقعت على شام اللي كانت مديقه باب أوضة عديله وعتبص من وراه وهي متخبايه، وبمجرد ماشافتها بصت لعديله وقالتلها:


أمال فيه دهب في البيت مدسوس ومجيباش سيرته يعني يامرت عمي، غريبه! 


مع إن عينك كيف عين الصقر وعترقبي كل حاجه ومعتفوتكشي فايته، مقولتيش ليه على دهب شام مرت كرار كيف ماقولتي على دهبي ودهب البنته وعرفتيه؟ 


عديله:


عشان شام محداهاشي دهب واني عارفه. 


حوريه بإستغراب:


كيف ديه يعني! ديه توفيق جايبلها ياجي كيلوا دهب بحاله! 


عديله:


توفيق الله يرحمه عرف إن أبوها مكروب وهو مكانش معاه فلوس يساعده كيف ماانتوا خابرين، وعشان توفيق معيشوفش حد فزنقه وميفكهاش قال لشام اول ماابوها ياجيلها زياره تديه الدهبات بتوعها يفك زنقته، وهو لما ربنا يفرجها عليه هيوبقي يجيبلها موطرحهم. 


الكل سمع الكلام وإتصدم وكرار وقف على حيله وحوريه ضربت على صدرها وبحسها العالي قالت:


ياحزززني عطت فلوسنا ودهبنا لأبوها؟ 


وشام سمعت إكده وقفلت الباب بتاع الأوضه قوام ورجعت على قفاها ووقفت فنصها ترجف، وخايفه وباصه للباب ومستنيه كرار يدفعه ويدخل عليها فأي وكت ويمسكها يعجن جسمها من الضرب، وبمجرد ماافتكرت الالم اللي عيسببهولها دموعها نزلوا وحدهم، وكل خليه فجسمها صرخت بإستغاثه على حد يلحقها، لأنها لساها ماطابت من آخر طريحه. 


عديله دبت عكازها في الارض وردت عليها بحزم:


هي لا عتدى ولا تاخد ولا عتقدر تعمل حاجه من نفسها، قولتلك المرحوم اللي شار عليها. 


كرار بغضب:


وليه مقالتليش ولا هو قالي؟ 


عديله: ويقولك ليه؟ دهبه وهو اللي مشتريه وهو اللي ليه حق التصرف فيه إيش كونتك إنت عشان يشاورك ولا يقاولك؟ 


كرار: طيب كانت الفاجر داي قالتلي وخدت رأيي؟ 


عديله: قولتلك ليهاش صالح هي عبد المأمور وعيملت اللي إتأمرت بيه، واقعد وهدي حالك مش غايب منكم كوم فلوس وجايين تتنفضوا على حتتين دهب ملهمش عازه، ولا انتوا تاجوا في الهايفه وتتصدروا! 


حوريه بوعيد:


والله والله ماحد ورا موضوع الدهب وعطيته لناسها ديه غيرك إنتي ياوش الشوم. 


نعيم بزعيق:


حوررريه، كيف عتكلمي أمي إكده وكيف تقوليلها وش الشوم؟ 


والله لولا ماإنك مره لكنت قس.متك نصين دلوك وبالعكاز اللي فيدها. 


صفوت هو كمان قالها بغضب:


كيف يمه تحدتي ستي إكده ومن ميته وإنتي عتعمليها؟ 


نعيم: له ماهي الظاهر إنها قالت لروحها إن توفيق مات واطيح اني فناس البيت وأولهم العجوزه الغلبانه.. بس له ياحوريه، ورحمة الغوالي اللي التراب ملفلفهم دلوك، لو سمعتك عبتي فأمي ولا اتطاولتي عليها لاكون مبلعك لسانك. 


حوريه إتمصمصت بعدم رضى ومردتش، لكن كرار رد مكانها:


ايه جرالكم إيه كلتوها بالحديت على كلمه قالتها، ماهي متغاظه والحق معاها والمغلوب عيقول أي حاجه.. هملوها فحالها هتلاقيها من فين ولا من فين، شويه تاهمينها بسريقه، وشويه عايزين تقسموها نصين، مالكم إكده ماصدقتوا لقيتوا فرصه عليها؟! 


الكل بصله وسكت وحوريه إتبسمت بفرحه وهي واعيه كرار وقفلهم كيف شوكه فحلوقهم ومرضيلهاش بالاذيه، مش كيف عزت وصفوت اللي واحد فيهم سكت والتاني خد صف عمه، ومن إهنه قررت الخير اللي حازته هيكون لمين من عيالها.


خد نعيم العقد وطلع هو وصفوت وباقي الرجاله، وباعوا المعده وباللي قبضوه من حقها بدأو شغل، وإتأجروا معدات تانيه إيجار بالساعه وإشتغلوا شغل من نار ووزعوا روحهم على المشاريع التلاته وإبتدوا في التلاته مع بعض، وحتي نعيم بقي يشتغل بيده معاهم وياخد ورديه عالمُعدات من ٤ ورديات في اليوم كل ورديه ٤ ساعات، إتهلكت فيها صحتهم والمعدات وبرضوا مستمرين لأنهم في ورطه لا ينفعوا فيها يقفوا وياخدوا نفسهم ولا يوقفوا شغل. 


فضلوا عالحال ديه كام اسبوع، وبعدها باعوا باقي الدهبات اللي قاعدين بتوع الحريم لما احتاجوهم وكملوا بيهم وخلصت فلوسهم، 


 ونعيم إستلف من كل اللي يعرفه وليه عليه عشم عشان يكمل المشروعات شغل ويقبض العمال ويسلمهم للحكومة. 


وبعد ديه كله عارف هو وعيال اخوه وعياله إنهم هيطلعوا من التعب ديه بأديهم فارغه، وإنهم كل ديه عيحاولوا يحافظوا علي إسمهم وسمعتهم وسط المقاولين ليس إلا.. وطول الوكت كل العقول هتشت عالفلوس ويسألوا راحت وين ومين خدها وكل واحد فيهم ركبه الشك من ورا التاني. 


حالتهم اتدهورت عن الاول كتير من حيث المصاريف وبقوا عايشين من ريع الجنينه وزرعها، وأبو دراع وأبوه لما عرفوا اللي حوصول زرعوا الجنينه كلها تحت الشجر خضار بكافة انواعه للبيت يطبخ منه، مع إن ديه هيضعف الشجر ويقل محصوله، عشان الخضار عيعوز ميه كل ٣ ايام او اسبوع بالكتير،


 والشجر مش عيحب الميه الكتيره، بس قالوا مش مهم المحصول السنادي والمهم البيت وستره وشبع أهله. 


عدت الايام وجابت شهر والتاني والتالت، وشام طول الوكت ديه حريصه إن محدش يلاحظ عليها ايوتها حاجه، لبسها كله من جلاليب عديله السوده الواسعه أم سفره، وقعدتها طول الوكت في الموطبخ ياإمه فأوضة عديله، وحتي خلجاتها نقلتهم بصندوقهم لأوضة عديله عشان متدخلش الأوضه عند كرار لأي سبب من الأسباب. 


اما هو فامن بعد ماسقطها مقربش ليها تاني ولا اشتهاها عشان مبقاش يشوفها قبال عنيه كيف لاول، 


واللي ساعده على إكده كمان الشغل اللي خد كل وكته وحيله وبقي يعاود وش الصبح هو وإخواته وعيال عمه، ويترمي كيف الكتيل من التعب ميدراش بنفسه، وهما ساعتين تلاته ويقوموا عالشغل من تاني. 


أما شام فكان الموضوع ديه رحمه ليها من رب العالمين، وحست إن كل اللي عيجرا من تدبيره لأمرها وامر اللي فبطنها ولطفه بيهم.. من اول سرقة الفلوس لغاية المشاريع وتعبها عشان يلهى كرار عنهم. 


بقت تقضى اغلب وكتها في الموطبخ قدام  الكوانين وعديله معاها مسابتهاش محادياها وواخده بالها منيها وحارساها، ومن كتر ماشام طول الوكت في الموطبخ الحريم بقوا يتكلوا عليها فأغلب الشغل ويروحوا يناموا أو يطلعوا أوضهم يقعدوا فيها بعيد عن دخانة الكوانين. 


وشام من كتر قعدتها في الموطبخ اعتادت على اللهب والدفى بتاع الكوانين، وبقت لما تروح تنام بالليل جسمها يتزفزف وتوبقي عايزه تعاود الموطبخ تولع نار وتنام جارها. 


في الوكت ديه خطت فى شهرها الرابع، وطلعلها هبابة بطن مدوره كيف ماتكون واكله وكله تقيله وشبعانه، ومتداريه فوسع الجلاليب، ومباينش عليها حبل بالمره، ولا حد لاحظ عليها حاجه، ومن بعد الشهر التالت ووحمها خف وقدرت تاكل من غير ماتستفرغ اللي تاكله، والغريبه إنها بقت تاكل أضعاف وكلتها العاديه، كيف ماتكون إتفجعت، وجسمها ووشها إتملوا هبابه، غير اللي عديله كانت كل يوم والتاني تشيعلها عليه من الدكان مع ممدوح واخوه عيال صفوت، وتبيتهولها فوق راسها وتفضل شام تقروض فيه كيف الفاره وتشرب في العصير، وعديله كل طلعة يوم تدعيلها إن ربنا يعمي عيون كرار عنها ويجعل من بين ايديه سد ومن خلفه سد فيغشيه ومايبصرهاش،وبمجرد ماكان يعدي اليوم عليها بسلام وتشوفها نايمه جارها في السرير زينه كانت تحمد ربها الف حمد وشكر. 


خلصت عديله صلاة الفجر وقامت راحت على السرير ونامت جار شام ويادوبك غمضت عنيها وقامت فاطه على فزعة شام من عز نومها وبخوف قالتلها:


بسم الله الحفيظ، مالك ياشامه يابنيتي إيه اللي فزعك إكده، كوبستي ولا إيه يابنيتي؟ 


شام إتعدلت نص عدله وحملت على كيعانها و بصت لبطنها ورجعت بصت لعديله وقالتلها بخوف:


ستي بطني فيها حاجه عتمشي! 


عديله إتبسمت وحطت يدها على بطن شام بحنيه وقالتلها:


ياصباح الفرح والسرور، ولدك دبت فيه الروح ياشامه! 


وهزت دماغها بنفي ورجعت قالتلها:


لاااه مش واد، داي بت عشان رعصت في الرابع البنته عتوبقي خفيفه عن الولِده..كانت عتتكلم وهي عتمسد على بطن شام وفجأة حركة يدها إتوقفت لما حست بحركه تحت يدها وبصت لشام وهمستلها:


بتك عتعارك عراك جوا بطنك ياشامه كيف ماتكون متحلفه للدنيا! 


شام اتبسمت وحطت يدها على بطنها وغمضت عيونها وهي حاسه بحركة بتها القويه كيف ماتكون سمكه عتعوم فى شبر ميه، وهمست لروحها بتمني:


ربنا يجعل فيكي كل العوض لأمك يابنيتي ويكتبلي شوفتك سليمه معافايه واكحل عيني بوشك صبح وعشيه. 


أما في الوكت ديه على محطة القطر.. 


السيد بفرحه:


يابووووي ياهوا بلدي وريحتها وجمالها، إشتقنا والله ياأرض الحبايب. 


همام وهو عيتحرك من جاره:


بقالك ٥ شهور تنق عايز تعاود لما هوستني، واديك عاودت، يلا عاد من اليوم وطالع سكتك غير سكتي ومعاوزش طريق ولا قعدة تجمعنا. 


السيد بفرحه: يابوي متخافش لا هقابلك ولا هجالسك، اني كل اللي هعمله من اليوم وطالع إني هحب على يد أبوي واستسمحه وامسك منيه الطوريه وانزل الغيط بداله وافلح وازرع واراعيه هو وأمي واخواتي واعوضهم غيابي وانسيهم الفضيحه اللي فضحتهالهم وسط الناس. 


همام وهو عيبعد عنه:


الله ينور عليك روح وإعمل اللي قولت عليه واني ليك عليا هدعيلك كل يوم ربنا يثبتك ويزيدك إيمان لغاية ماتوبقي شيخ جامع. 


خلص كلامه وإتكى فطريق غير اللي ماشي فيها السيد والسيد راح على بيته بفرحه وشوق وخبط علي الباب بالغلق خبطتين، وجاله الحس اللي خلى الدموع تتجمع فعنيه وهي عتقول:


إيوه ياللي عالباب جايه أهو اصبر هبابه. 


وفتحت الباب وبمجرد مافتحت وشافت السيد ولدها قدامها صرخت بفرحه وهي عتفتح اديها بشوق وتاخده فحضنها:


سيد ياحبيبي..سيد ياولدي، إنت عاودت يانن عيني، إخص عليك خليت قلبي إتكوى من الحزن عليك وأني مخابراشي جرالك إيه وعيميل إيه الزمان فيك؟ 


رد عليها السيد وهو دافن دماغه فرقبتها كيف الطير المهاجر اللي عاود لعشه:


كتلتني الغربه والبعد عنكم يمه وكوت قلبي أكتر منك، حقكم على راسي أني بغل وعويل واستاهل ضرب البولغ اللي مشيت ورا همام وضيعت روحي وإتهجولت من بلد لبد وجوعت واتعريت واتبهدلت وعرفت إن الله حق وإن اللي عميلته كان الكفر بعينه. 


أمه بعدته عنها ومسحت دموعه اللي غرقت وشه وقالتله بحنيه:


هون علي روحك ياولدي اديك إتعلمت درسك والعلام مش ببلاش والشاطر يعيش ويتعلم.. وبصت للبيت جوا ونادمت بعلوا حسها:


إقتدار.. فوزيه بت ياإقتدار تعالي إنتي واختك اخوكم عاود، أبو السيد تعالا السيد عاودلنا بالسلامه. 


شويه وجات بنيه تطلع عشر سنين تجري وبعدها جات بنيه تطلع ١١ سنه والتنين إتعلقوا فرقبة السيد بفرحه وشوق وهو حضنهم وفضل يضحك بفرحه، وقوام بص للشنطه بتاعته وفتحها وطلع منها لعبتين إشتراهم من إسكندريه على شكل قرود وماسكين دفوف فأديهم التنين وأول ماينداس على رجليهم يضربوا الدفوف ويعملوا صوت عالي، والبنات شافوا القرود وخطفوهم منيه بفرحه وإبتدوا يلعبوا بيهم وخدوهم ورمحوا لبره يوروهم لعيال البلد ويغيظوهم بيهم.. واول ماإتحركوا ظهر ابوهم اللي كان واقف وراهم والسيد عشان قاعد مكانش شايفه وبنبرة سخريه قاله:


يامرحب يامرحب.. غايب ٥ شهور ومعاود بقردين؟ صوح صدق اللي قال ياما جاب الغراب لأمه.. بالك إنت القردين دول دفعت حقهم كد ايه ياسيد اني؟ 


وقف السيد وبص لأبوه بصة ندم ولساه هيونطوق ويتأسفله، لكنه إتفاجأ بكف عفي نزل عليه من إيد أبوه خلى ودنه صفرت في الحال وحط يده عليها بوجع وغمض عنيه. 


أما حدا همام:


همام خبط على باب بيتهم واللي فتح الباب أبوه اللي بمجرد ماشافه قدامه برق عنيه بصدمه، وفثانيه وبدون مقدمات كان ساحبه من دراعه لجوا البيت وقافل عليه الباب ومن غير كلام ولا حديت مسك السباطه اللي ورا الباب ونزل بيها عليه فين يوجعك، وهمام يترجاه يرحمه، وعلى حسه جات امه وخياته البنات واخوه وإبتدوا يحوشوا عنه، لكن ابوه ماهملهوش غير لما إشتفي فيه ضرب وبرد ناره عالأرض اللي خسرها وباعها بسبب عملته النجسه. 


عدى باقي اليوم وإخوات سيد عرفوا عيال البلد إن سيد اخوهم رجع والعيال عرفوا اهاليهم، وقوام الخبر إنتشر لحد ماوصل لمسامع كرار اللي بمجرد ماسمع الخبر نار قادت في جتته وقرر إنه يركب الطرومبيل ويروح لبلد الشيخ جاهين في التو والساعه، ويقوله إنهم عاودوا، واللي جرا عليه من عذاب وقهر يسير عليهم، وياخدوا جزائهم بالجلد في الأول، وبعدها يصفي حسابه هو معاهم على العمله اللي عيملوها ولبسهواله وهربوا. 


وخبر رجوعهم صحى بين ضلوعه النار من تاني وخلاه شاف من أول وجديد قدامه كل حاجه حوصلت في اليوم اياه بينهم وبين مرته، وعشان هما بعيد عن يده ومهيطولهمش دلوك، قرر إن شام هى اللي  تاخد بدالهم اللي هيبرد ناره ويصبره مؤقتاً. 

نفق الجحيم  32

ريناد يوسف 


وصل كرار لعند سراية الشيخ جاهين، ونزل وطلب الدخول، وبمجرد مادخل حكيم وقف بتحفز كيف اسد شاف عدوة، لكنه قعد تاني لما افتكر إن كرار دايس عتبته، وإنه لا من الرجوله ولا من الادب والذوق إنه يهين حد فمطرحه، ولا يعاتب ولا يحاسب حتي، لأن من داس عتبتك جاب الحق عليك.


اتقدم كرار ورمى السلام عالكل، والكل رده والشيخ جاهين إبتسمله بود وهو عيرد عليه بعدهم كلهم:


يااهلاً بأهل السلام، عليكم السلام والرحمه والهداية، تعالى ياولدى اقعد نورت الديوان وشرفتنا.. ضيافة الضيف قوام يابشندي. 


كرار بتعالى: انا لا جاي اقعد ولا اتضايف، ولا يهمني إنكم توروني كرم الضيافه وتعملوا حالكم عتردوا الاساءه بالمعروف وانكم احسن مني. 


اني كل الحكايه إني جايلك بخبر، همام والسيد شركاتي في الذنب والعمله وصلوا البلد، وجاي اقولك عشان تعاقبهم نفس العقاب اللي خليت ابوي يعاقبهوني، ١٠٠ جلده قدام كل الناس.


وعشان نتساوو في الوجع الجلد ميكونش على ادين ابهاتهم، لان مفيش أب فقساوة ابوى وهينزل الكورباج على جسم ولده بنفس القوة اللي كان عيضروبني بيها أبوي، باقي الابهات كلها عتحب عيالها مفيش حد كره ضناه غيره هو.. عايزهم يحسوا بنفس الوجع اللي حسيت بيه من غير نقصان. 


هز جاهين دماغه ليه بتفهم ورد عليه:


متقلقش الشيخ جاهين عادل وكفة ميزان عدله وحكمه متميلش واصل. 


عاود على بلدك وخد حكيم وبشندي وإتنين غفرا ووريهم بيت العيلين دول، ولو عايز تعاود معاهم عشان تشوف العقاب بعينك عاود، مش عايز تعاود خليك والخبر هيوصلك وهتعرف إنهم خدوا نايبهم زيهم زيك بالظبط. 


كرار بنبرة غل:


له السمع ميكيفنيش ولا يبرد ناري، الشوف بس هو اللي هيخمد النيران القايده فقلبي منهم هما التنين. 


خلص كلمتينه وطلع ركب الطرومبيل بتاعه وتبعوه حكيم وبشندي واتنين غفر وركبوا معاه، 


وطول الطريق من بلد حكيم لحد بلد كرار محدش فيهم كلم التاني ولا نطق بكلمه وحده، وبشندي عشان عارف الحكايه كان مستني كلمه وحده بس من كرار لحكيم وكان متحلفله يعاوده على بلدهم كركره من رجليه،لكن كرار نفد من وعيد بشندي بسكوته. 


وصلوا البلد وقوام راح بيهم كرار علي بيت السيد الأول، وديه لقيوه قاعد بره باب بيتهم جار أبوه فنزلوا مسكوه بمنتهي السهوله، وحطوه جوا الطرومبيل وحكيم قال لابوه إنه واخده ينفذ فيه الحكم وهو لازمن يكون موجود عشان الحكم يتنفذ بيده كيف ماحكم ابوه وابو السيد قاله امين. 


وبعدها راحوا على بيت همام وخبطوا عالباب، وبمجرد ماأبوه فتح الباب وشاف حكيم قباله عرف إن وكت الحساب حان، وإن ولده مطلوب عشان يوفى حق ربنا، ومع ذلك قلبه وجعه عليه وعاللي هيجراله، وبتسليم للأمر قال لحكيم:


دقيقتين هدخل اجيبه من جوه اصله نايم. 


وفعلاً دخل ودقايق وكان طالعلهم وهمام وراه طالع بنومه وعيلبس فطاقيته ويساله:


مين ديه بس اللي عايزني يابوي، يعني مكانش قادر يستني ولا تقولوله نايم تعالاله كمان هبابه؟ 


لكنه بمجرد ماوصل الباب وشاف مناظر اللي واقفين قدامه ووعي السيد في الطرومبيل وواحد كامشه، وكمان كرار واقف وسطهم، وعنيه عتطق شرار، راح النوم من عيونه، وفهم إن فيه حاجه كبيره مستنياه، وإن شهور الهروب كلها كانت من غير فايده، واتلفت حواليه عشان يلقاله مهرب من قدامهم، لكنه ملحقش يفكر قبل مابشندي يهجم عليه يمسكه من دراعه ويجره معاه عالطرومبيل وجسمه عيرجوف كيف البهيمه اللي سايقينها عالمـ.دبح


وركبوا كلهم الطرومبيل محشورين فوق بعضهم وأبو السيد وابو همام حصلوهم في القطر، وطول طريق الرجوع همام وكرار عيونهم عتحكي كلام بالكوم، بس اللسان مااتحركش ولا نطق، ومن اهم الكلام اللي فهمه همام من عيون كرار اللي كانت عتنطق بالوعيد، إنه ليه معاه حساب واعر قوي، ودين لازمن يندفع، وإنه هيحاسبه على كل كبيره وصغيره، ومش هيفوتله حاجه، بس ميته عاد الله اعلم. 


اما السيد فكان طول الطريق يتلفت حواليه ويرجف من الخوف لان هيبة الغفرا وبشندي وحكيم وجمودهم يقول إنهم واخدينه لقضى واعر قوي، ولعن روحه الف مره عشان لغى عقله ومشى ورا همام كيف البهيمه وعيمل عمله شكله هيقعد يدفع فحسابها العمر كله، وكل مره يدفع الحساب وجع أكتر من المره اللي قبلها، كيف مايكون الغلط اللي عيمله كل مادا وعيربىَ وتزيد فوايده. 


وصلوا اخيراً لمندرة الشيخ جاهين، وبمجرد مانزلوا من الطرومبيل لقوا عروستين خشب منصوبين قدام باب المندره، وناس كتير متجمعه فحلقة حاوي حواليهم، وبمجرد ماالتنين رجليهم حطت عالارض، جاهين ادى أمره للغفرا بربط التنين عالعرسان، وقبلها تجريد نصهم الفوقاني من الهدوم، وبالفعل الغفرا إبتدوا يعملوا إكده فوراً. 


همام طول الوكت كان جامد وعيبص بعنيه عالكل بشموخ وعزة نفس مانعاه من الانهيار حتي فأكتر المواقف ذل ومهانه، 


لكن السيد كلمة انهيار كانت قليله على وصف الحاله اللي هو فيها، لأنه كان عيرجف كيف ورقة شجر فمواجهة ريح شراقي، ودموعه نازله من غير كِبر ولا متلاوم من الناس، وطول الوكت عمال يدعى على همام وصُحبته بعلوا حسه. 


إتربطوا التنين وفضلوا قبال عيون الناس متنشرين كيف الغسيل عالحبال، ومستنيين القصاص،


 لغاية ماوصلوا ابهاتهم، وبمجرد ماوصلوا الشيخ جاهين شاور لبشندي، وبشندي فهمه ودخل المندره وجاب منها كورباجه، وطلب من الحاضرين اللي معاه كورباج عفي فيهم يجيبه،


 وطبعاً ألف من تطوع وجرى علي بيته يجيب كورباج، ومن بين الكرابيج اللي جات كلها بشندي نقى اقواهم وأشدهم واختاره. 


وجاهين وجه كلامه لابو همام وابو السيد يأمرهم بحزم:


يلا كل واحد فيكم يتلافى كورباج ونفذوا حكم ربنا بيدكم وربوا اللي عجزتوا عن ربايته من صغركم. 


ابو همام مد يده ومسك كورباج وإتقدم ناحية ولده وبصله هبابه وافتكر ارضه اللي خسرها والناس اللي كلت وشه بسببه وغيابه عن البيت وقلقه وقهرته عليه، ورفع يده بالكورباج في الهوا ونزل بيه علي ضهر همام خلاه صرخ من الألم، وعلي صرخته وصوت لسعة الكورباج صرخ السيد بخوف وبكى بحسه العالي.. 


اما ابو السيد فمدله بشندي الكورباج وهزه قدام وشه عشان يمد يده عليه ويمسكه، لكن يده اللي اتمدت كانت عترجف رجفه قوية خلت الكورباج وقع منها بمجرد مامسكه، وبص للشيخ جاهين وقاله بأسف:


سامحني ياشيخ، لا يدي ولا قلبي مطاوعيني أجلد حته من كبدي.. اعفيني منها وخلي غيري يتولى المهمه واني حتي في الموطرح مهقعدشي عشان مهتحملشي، بس أول ماتخلصوا نادموني آخده.. خلص كلامه وجرى من المكان كله، وحركته داي والدموع اللي شافها كرار فعيونه، ورقة قلبه على ولده، خلوا كرار يفتكر يوم جلده، ويفتكر القسوه اللي كانت فعيون أبوه عليه، وكيف كمل المية جلده كلهم بيده، وقلبه مارقش ولا رأف بحاله واصل، كيف مايكون عدوة ولقى فرصته عليه. 


أما ابو همام، فهما يادوبك ٥ جلدات ويده في الساته وقفت في الهوا، ونزلها تاني وهو واعي جسم ولده اتفتح جروح من الكورباج والدم سال منه، ومنظره خلى قلب أبوه رق عليه، وبص للشيخ جاهين وبرجاء قاله:


واني مقادرشي تاني ياشيخ سامحني، يدي إنصاعت لقلبي ومقادراشي تأذي اللي اتلقته وهو لساه جاي على الدنيا وربى عليها اكتر من إكده. 


إتفهم جاهين رق التنين علي عيالهم وأمر اتنين من الغفر يتولوا مهمة الجلد، وديه خلى نار كرار تزيد أكتر، ومن نص قلبه وروحه دعى على أبوه إن ربنا يجازيه على قساوة قلبه، قلبه اللي عمره ماحبه ولا إعتبره ولده ولاشاف منيه رأفه ولا شفقه كيف اللي عيكنها كل أب لولده. 


وبرغم إن التنين اتجلدوا قبال عنيه وفرفطوا فرفيط من الوجع، إلا إن ديه برضوا مشفاش غليله كيف ماكان هيشفى لو الجلد كان تم بيد ابو كل واحد فيهم كيف ماحوصول معاه. 


خلص الجلد واتفضت اللمه وجاهين شيع لابو همام وابو السيد ودعاهم لمندرته وخلى الغفر يدخلوا همام والسيد فيها، وقدم واجب الضيافه ليهم، وبرغم إنه عارف إن محدش فيهم هيدوق الزاد، لكن الواجب لازمن يتعمل والاصول متعديش عليه. 


وفعلا كيف مالوكل اتحط اتشال ومحدش داق حاجه، غير بس جاهين اللي كل لقمتين عيش بتمر، وديه خلى الكل إتعجب عليه؛ عشان ساب وليمه طيبه من كل شكل ونوع، وكَل الوكل ديه كيف مايكون زاهد متقشف عايش فجوف جبل! 


اما كرار فركب طرومبيله وروح وهو حاسس روحه بركان غضب عيفور ويكبكب، وأول ماوصل البيت دخل يدور على شام كيف الديب المسعور، وكانت نايمه فأوضة عديله، اللي من اول ماشافته داخل بزعابيبه وعيتلفت يمين  وشمال عرفت إنه ناوي لشامه عالشرور، فزعقت بعلوا حسها وهي عامله حالها موعيتهوش وقالت:


ياورده، يانعمه يافكريه، وحده منكم يابنته تعمل كباية شاي بلمونه للقزينه شامه كنها مسمومه عتستفرغ عمال على بطال غرقت الموطرح والفرشه، وبطنها عتكركب ومعتلحقش تروح الكابينيه عتهرهر علي روحها الحزينه الحقوها هتموت..


 ياعيني عليكي ياشامه وعاللي نابك تلاقيكي كلتي حاجه مبخوخ فيها يابنيتي. 


شام سمعت كلام ستها عديله وحست إن فيه حاجه مش مظبوطه عتجرا، وبمجرد مالباب إتدفع عليها واتفتح بعنف وتاق منيه كرار وشافته قدامها، قوام مسكت بطنها واتوجعت بحسها العالي، ووطت عالارض في الجانب التاني من من السرير وعملت روحها عتستفرغ بالكدب وفضلت تتبوع، وكرار بصلها وشاف مونظرها واتخيل الترجيع بتاعها وقوام سد الباب عليها وهو عيشتم ويتوعدلها فاقرب فرصه بالحساب العسير. 


اما عديله فبلعت ريقها وهي واعياه طالع من البيت مره تانيه، وجرت علي شام ودخلت عليها الاوضه وبحس واطي قالتلها:


بس خلاص مشى بكفاياكي بويع عالفاضي لتلحلحي العيل من موطرحه.. الحمد لله يابتي إنك طلعتي نبيهه وفهمتي عليا، حاكم كرار كان جاي وناويلك على شر، ولو كان مسكك مكانش هيسيبك لو اتلمت عليه ٣ بلاد. 


شام بإستغراب: وهو إيه اللي فكره بيا ماكان ناسيني، وليه جاي مقلوب القلبه داي؟ 


عديله:


متشغليش بالك تلاقي موضوع الدهبات حارقه وحارق أمه، ولازمن هيقعدولهم شويه كل هبابه يتفكروهم وتقوم قيامتهم، 


بس إنتي اول ماتشوفي خلقته مقلوبه تعملي حالك عيانه وعتموتي واستفرغى حتي بالكدب، كرار قراف قوي وبالذات من الاستفراغ عيكره روحه ويتوف اللقمه من خشمه لما عيشوف حد عيستفرغ. 


ودلوك إلبدي النهارده فالاوضه إهنه ومتبانيش قدامه واصل واني هروح اخلي البنته يعملولك حاجه حاميه تشربيها واقولهم انك بعد الشر اتسممتي ومدروخه؛ عشان محدش ينادم عليكي، ومتنسيش كيف ماقولتلك لما تنامي تناميشي على ضهرك نامى على جنبتك وخلي ضهرك للباب عشان بطنك متيبرزش واتغطي وداري روحك. 


شاه هزت دماغها لستها بالموافقه، وطلعت عالسرير ونامت وعطت قفاها للباب واتغطت،


 وعديله طلعت بضعف تعمل اللي قالتلها عليه. 


اما شام فحطت يدها على بطنها تهدي اللي حركته زادت من اول ماكرار دفع باب الاوضه، ومتعرفش شام ديه نتيجة الخوف اللي حست بيه هي ورجف روحها، ولا البت نفسها خافت من بطش أبوها وحست إنه جاي وناويلهم هما التنين على شر. 


أما كرار فطلع وقعد في الجنينه عالمصطبه اللي قدام بيت ابو دراع، وأبو دراع كان قاعد بعيد هبابه جار الدمسه وعيشوي قناديل ويعمل شاي وعيدندن مع روحه، 


وكأنه ولا شايف كرار بالمره، وكرار فضل يفروك فموطرحه عايز يروح يكلم ابو دراع ويفضفض معاه، ويقوله كد ايه هو مستفقده ومشتاقله وتايه من غيره، لكن عزة نفسه حايله بينه وبين اشتياقه، ومخلياه متردد يروحله ويترمي فباطه. 


ومن وسط فركة يمين وشمال سنط هبابه وركز ورفع كف يده اللي فيه الجرح القديم ورفعه قدام وشه واتأمله وإفتكر كل اللي كان يعمله عشانه أبو دراع ومحبته القديمه وحمايته وحنيته وخوفه، وسأل روحه ياتري ليه كل ديه إتغير وياترى راح وين، وإيه اللي غير النفوس وخلاها تنفر من بعضها إكده، وليه الدم بقى ميه؟ 


وفي اللحظه داي قطع تأمله وتفكيره يد ممدوده قدام وشه بكباية شاي، ومن غير مايرفع عينه على صاحبها عرفه من الخاتم اللي فيده، فاتبسم وغمض عنيه وخد نفس عميق كأن روحه كانت على طرف مناخيره وردت جواه من تاني، ورفع عنيه على ابو دراع وهو عيمد يده ياخد منيه كباية الشاي وبعتب قاله:


يدوم الخير ياصاحبي من يد مااعدمها. 


أبو دراع وهو عيقعد جاره ويمدله قنديل شامي مشوي كان فيده التانيه:


من قلبك معاوزش تعدمها بعد مادوقت ضربها؟ 


كرار وهو عياخد منيه القنديل:


متفكرنيش عاد خليني ناسي. 


ابو دراع رفع القنديل بتاعه علي خاشمه نحت منيه نحته ورد عليه وهو عيمضغها:


يد أبو دراع محدش عيدوقها ويقدر ينساها ولا ينسى ضربتها واصل، متحاولش. 


كرار بصله بطرف عينه ومتكلمش وبدأ ينحت في القنديل بسرعه وغيظ ومنظره خلي أبو دراع سأله وهو عامل حاله إنه مش مديله إنتباه:


هاه قول إيه اللي مخليك قاعد تحوص كيف مره عتطلق من ساعة ماقعدت وحتي وكلك وكل واحد مغلوب؟ 


قول إيه اللي غالبك؟ 


كرار بوجع: همام والسيد عاودوا البلد. 


أبو دراع بلا مبالاه:


وايه يعني مايعاودوا؟! 


كرار وهو جازز علي سنانه:


ياابو دراع عقولك اللي خدوا شرف مرتي قبلي عاودوووا البلد من تااااني. 


أبو دراع: إيوه واخد بالي، طيب ودلوك يعني خايف يقولولك عايزين مرتك نوبه تانيه ولا إيه؟ 


ماخلاص ياكرار زيد بعد عن عبيد وكل واحد فحاله، انساهم وانسى كل اللي جرا، ومرتك اهي محبوسه فبيتك بين اربع حيطان لا حد هيشوفها ولا هي هتشوف حد، وهما إتجنب شوفتهم واي موطرح يقعدوا فيه. 


كرار: وفكرك بإجتنابهم وحبسة مرتي هقطع لسانهم وقولهم اللي هيقولوه لناس البلد؟ ولا فكرك بعد مايتجوزوا إخوات مرتي هيتقطع لسان الناس اللي هيتاكدوا من إن كل كلمه عيقولها همام والسيد صحيحه وإنهم معيكدبوش؟ 


أبو دراع:


له من الناحيه داي اطمن وقطع لسنتهم خليه عليا اني، واني هعرف مااخرسهم وابلع كل واحد فيهم لسانه بالكلام اللي على طرفه. 


إتبسم كرار وبص لأبو دراع بحنين، وحس إنه قاعد دلوك قدام ابو دراع بتاع زمان، سنده وحمايته وحيطته العفيه اللي عيتدارى وراها من كل حاجه عتخوفه، وكان نفسه في اللحظه داي يترمي فحضنه ويقوله إتوحشتك، بس للأسف جمود أبو دراع عليه ممساعدهوشي. 


فترة سكوت عدت عالتنين قطعها ابو دراع وهو عيسأل كرار:


ملقيتوش الفلوس والحجج لسه وعرفتوا اللي خدتهم من ناس البيت وتاوتهم؟ 


كرار بحسره:


له والله ملقينالهمش اثر، وكأن اللي خدهم جني وخفاهم تحت الارض. 


ابو دراع بضحكه:


قصدك جنيه.. جنيه نتايه عتقيه مغفلجه هههههه


كرار: تقصد إيه بكلامك وضحكك ديه، وإشمعنا تاهمها فمره مش فراجل؟ 


ابو دراع رد عليه وهو عيرمي عَصَبِة القنديل بعد ماخلصه:


عشان رجالة البيت محدش فيهم يده طويله ولا ممكن يسرق وطبعه عفش غيرك، 


بس إنت أجبن من إنك تمد يدك على لوشه كيف داي، واللي مد يده قلبه قوي ومعيخافش ولازمن يكون يحسن التدبير والتخطيط؛ عشان يعمل العمله الشينه داي، وعشان صنف حوا معروفين بإن الشطان عيطوع عقلهم كيف العجينه، وإن حوا هي اللي طلعت آدم من الجنه، فمفيش غير حوا اللي عتطلع أدم من كل جنه. 


كرار: كلامك واعر ياابو دراع وعيقول إنك عارف مين اللي خدت الفلوس والحجج! 


ابو دراع وهو عياخد شفطه من كباية شاي كرار يحبس بيها:


اني ولا اعرف ولا ليا صالح، ولا هتدخل مابينكم فمواضيعكم الملغفنه، بعدوني عنكم وخلي ناركم تاكل حطبكم اني مليش دعوه بيكم. 


كرار اتنهد وخد من يد ابو دراع كباية الشاي وابتدا يشرب فيها، وعقله إبتدا يتنقل بين حريم البيت؛ ويشوف مين اللي تقدر تعملها وتجروء على عمله كيف داي، وتفكيره مراحش غير لوحده بس بعد ما عقله اقنعه إن كل حريم البيت يعرفهم ويعرف طبعهم، وإن يدهم عمرها مااتمدت على فلوس مهما كان كترها.. 


والوحده داي هي شام.. شام اللي إدت دهبها لابوها يفك زنقته ومش بعيد تكون هي اللي سرقت الفلوس والحجج وعطتهمله.


بس رجع يقول لروحه إن ابوها جه ومشي وهو ابوه عايش لسه مماتش، وحتي كانش عمه وواد عمه جابوا الفلوس للبيت لسه! 


وديه نفى في التو واللحظه شك إتولد حوالين شام كان ممكن يكلفها حياتها على يد كرار. 


أما في البيت حدا حوريه والحريم


حوريه: الا هي عديله كانت عتقولكم إيه عااللي متتسماش؟ 


بدور:


كانت عتقول إنها اتسممت، ياكشي يكون بخ فخشمها حنش ويريحنا منيها. 


عدويه:


وه، حرام عليكي يابدور متدعيش عالغافل، هي عملالك ايه يابتي مخليكي حطاها فوق راسك وزاعقه إكده؟ داي كيف ماتكون ضرتك ومكيوده منها مش مرت ولد عمك! 


بدور: عملها بافعالها انشاله، وبعدين إيه ضرتي داي، هو برضك اللي يبصلي آني يبص لوحده من بعدي؟ 


قالت إكده وهي عتعدل فخلجاتها وتعدل فإشاربها على راسها بدلال، وتميل رقابتها شمال ويمين بثقه خلت فكريه ونعمه بصوا على بعض وضحكوا ضحكه مكتومه،


 واختها ورده ردت عليها بعد مالوت خشمها شمال ويمين:


إيوه يابت أبوي أمال إيه، دانتي اللي يبصلك مايشبعلك من حلا ولا يمل من طلتك البهيه، دانتي خراط البنات بعد ماخرطك طسته عربيه فرطته فرط ومخرطش غيرك ولا بدالك الحمد لله إنتي اول خرطه وآخر خرطه. 


خلصت ورده كلامها ونعمه وفكريه مقدروش يكتموا ضحكتهم أكتر من إكده، وضحكوا بحس عالي، وحوريه سمعت ضحكتهم وزعقت فيهم بعلوا حسها:


إاااكتمي منك ليها ابوكم لساه ميت مكملش سنه ياغوازي وانتوا ضحكتكم رنت في البيت؟ 


والله عال، آدي ربايتك ياتوفيق وخلفتك وتعبك ومقامك حداهم. 


البنات كشروا بندم واستسمحوا امهم وإفتكروا إن ابوهم صوح لساه مطبقش سنه وحس ضحكتهم طلع عالى غصب عنهم، وهما التنين بصوا لورده بلوم عشان هي اللي منها السبب، أما ورده فكانت مشغوله عتبعد عن ادين بدور اللي عايزين يطولوها عشان يحاسبوها علي مسخرتها عليها، ومش منتبهالهم ولا منتبهه للومهم. 


حوريه:


يلا وحده فيكم تغور تقول لممدوح ينادم الرجاله عشان يتعشوا، وهموا جهزوا العشا خلينا نخلصوا من فلقة العشا وغسل المواعين وكل وحده تروح موطرحها وتكن، والواحد يفرد ضهره على سريره عاد. 


خلصت كلامها وقعدت قدام الكانون وشردت، وعدويه سألتها بشفقه:


مالك بس يابت ابوي شايله هم الدنيا فوق كتافك ليه، هوني على روحك هبابه. 


حوريه ردت عليها بعد ماخدت نفس جامد:


الفراق نار عتكوي فى الروح كوي ياعدويه والليل طويل من غير وليف، وساعات النهار معتعديش واليوم ماسخ، وانتي مش مستنيه فآخره راجلك يدخل عليكي من باب البيت بطلته وهيبته وحسه اللي يخليكي تحسي بالامان. 


عدويه:


معلهش سنة الحياة ياخيتي، والموت علينا حق. 


حوريه بسرحان: بس الوحده مره ياعدويه يختي ميتمناهاش عدوا لعدوه.. يارب ياعدويه تموتي قبل نعيم. 


عدويه بفزعه:


وه، ليه اموت ليه، بعد الشر علي لساني صغار توفي من خشمك. 


حوريه: يابت ياعبيطه عقولك تموتي قبله بس مش دلوك بعدين بعدين، عشان هو اللي يشيعك لقبرك وهو اللي يعيش وحداني مش انتي وهو اللي يتعب. 


عدويه بإدراك:


إاايوه إيوه فهمت، إذا كان إكده يارب ياخيتي يسمع منك ويجعل يومي قبل يومه. 


خلصوا الحريم العشا، والرجاله اتعشوا وطلعوا على الشغل لوردية الليل، والحريم شالوا الوكل وشطبوا البيت، وكل وحده راحت على موطرحها..وسكلل البيت بالسكوت من بعد ماكان حس الرجاله عيلعلع فيه ليل نهار معيبطلش،


 ومبقاش يتسمع فيه غير حس صراصير الليل وحس الضعاضف، وحس عديله وشام وهما عيتودودوا وعديله تحكي لشام عن كل حاجه كانت عتوحصول في البيت قبل ماتاجي، وعن اللي عيمله توفيق فولده يوم اللي عرف بعملته معاها، وعن اللي قاله كرار، وعن ربطة ابوه ليه في الشجره طول الليل، وعن طلاقه لحوريه مرته، 


وكانت تكسر طولة الوكت والساعات البطيئه والليل الطويل ووحشة الاهل على شام بالحكاوي، وتصبرها لغاية ماربنا ياذن ويتولدلها رفيق من بطنها يواسي ويسلي ويصبر ويملى عليها الدنيا ويهون العيشه. 


أما حدا الشيخ جاهين قبل ساعات في الديوان.. 


جاهين وهو باصص علي همام والسيد اللي نايمين على بطونهم وعيأنوا بوجع وتتسابق آهاتهم:


ودلوك يارجاله إدينا حق ربنا باقي حق المخلوق.. عيالكم. لازمن يكتبوا علي خيات المستوره ويتجوزوهم، البنته وحده فيهم كانوا متكلمين عليها وحلوا كلمتهم بعد عملتكم وحدش جالها من بعدها بقالهم ٥ شهور اهه، 


والتانيه حدش هياجيلها ولا حد هيدق باب بيتهم بعد العمله السوده اللي إتعملت فاختهم. 


أبو السيد:


اللي تشوفه ياشيخ وتامر بيه علي رقابينا سيف. 


ابو همام: اللي تقول عليه يمشي ياشيخ. 


جاهين: طيب نشوفوا عيالكم هيقولوا ايه يمكن ليهم رأي تاني؟ رأيك ايه ياد منك ليه؟ 


السيد بوجع وصوت باكي: اني راضي باللي تقولوا عليه بس متضروبوش تاني بالله عليكم، ايوه اني هتجوز هتجوز. 


جاهين بص لهمام:


وإنت يامعرعر ايه قولك؟ 


همام بغضب مكتوم:


وهو فيه قول هيتقال بعد قولك ياشيخ ولا حد يقدر يخالف؟ 


جاهين لابهاتهم: طيب حيث إكده قولولي سن كل واحد فيهم. 


ابو همام: ولدي طبق ال١٨ وزادوا ٧ شهور 


جاهين: زين يتعقدله. 


ابو السيد:


واني ولدي طبق ال١٧ وزادوا ٥ شهور. 


جاهين: له ديه هيتأجل جوازه ٧ شهور تانيين، ومن إهنه ليومها لو المستوره جالها نصيب غيره تتوكل علي الله وتتجوز، مجالهاش يوبقي الحكم نافذ ويتنفذ. 


ودلوك خدوا عيالكم وروحوا، والنهاردة السبت، الخميس الجاي ياابو همام هيروح حكيم يجيبك إنت وولدك لبيت عبد الصمد؛ عشان تعقدوا عالبينيه، وتجيب فيدك حتتة دهب على حسب مقدرتك وعلى حسب الذوق والاصول، وفي الوكت ديه تكون جهزتلها موطرح فالبيت وجبت خشبك. 


أبو همام بأنصياع:


حاضر ياشيخ اللي تؤمر بيه. 


وقاموا التنين وخدوا عيالهم وروحوا. 


وبالفعل ابو همام إبتدا ينفذ كلام الشيخ ويرش اوضه من أوض البيت بالجير، وشيع جاب سرير وصندوق وحصيرة، واشترى زتونه دهب يقدمها لعروسة همام، 


وكمل كل الشروط، وكل ديه ومرته طول الوكت تعارك وتبرطم عليه وعاللي جايالهم من آخر الدنيا بالنسبالها، ومعارفينش اصلها من فصلها ولا إيه طبعها. 


أما حدا عبد الصمد فبيته تاني يوم 


دخل علي بناته ومرته وقعد جارهم وهو ساكت وعمال يتطلع على بسيمه من أول مادخل من الباب، وسألته دهب بقلق وخوف:


مالك ياعبصمد فيه حاجه حوصلت ولا ايه، سمعت حاجه عن شام؟ حد جابلك خبر عنها، بتي فيها حاجه؟ 


رد عليها عبد الصمد وهو لساه عيتطلع لبسيمه:


اطمني علي شام، شام طول ماسامعينش عنها حاجه عفشه توبقي بخير، بس حضري روحك لفراق تاني، جاني مرسال النهارده من الشيخ جاهين عيقول ان الوادين اللي كانوا مع كرار عاودوا، وقالي اجهز حالي واديكم خبر عشان هيجيبه وياجي الخميس يعقدله علي بسيمه ونزفوهاله،والتاني بعد ٧ شهور يعقد على بشاير. 


دهب سمعت الكلام وضربت على صدرها بقوة وبحسره ردت عليه وهي باصه لبسيمه:


يامررري، يعني راحت التانيه كيف اختها مش إكده؟ ياحزنك يادهب بناتك عيتفرقوا من حواليكي وحده وحده، وهتصفي لحالك، حتي شوفتهم هتحرم عليكي ولا كنك ولدتي وضنيتي ولا ربيتي وتعبتي.. ياقلة حظك يادهب وقلة حظ بناتك. 


عبد الصمد نكس دماغه للارض ومردش عليها ولا على نواحها، لكن اللي رد عليها بسيمه اللي وقفت في نص البيت بشموخ وقالت:


ايه يمه اللي عتعمليه ديه؟ برضك وحده تندب وتنعي وهي سامعه خبر جواز بتها! ديه بدال مازغروتك تجلجل في الدار وتسمع سابع جار؟ 


طب وحياتك مادام استخسرتيها فيا ماحد مزغرتلي غيري. 


خلصت كلامها ورفعت يدها فوق خشمها وضربت زغروته عاليه وطويله طالعه من نص قلبها كأنها صرخه متنكره فهيئة فرح، وفضلت تلف البيت كله وهي عتزغرت، وحتى أوضة ابوها وامها اللي كانت نايمه فيها شام قبل ماتتجوز فتحتها ودخلتها وزغرتت فيها وهي عتبص للسرير موطرح ماكانت شام تنام، 


واتخيلت منظرها وهي منتهيه من الوجع والالم وعتصارع الموت، وافتكرت ابوها وهو عيقول عضها ديب، وعليت زغروتتها غصب عنها كأنها نذير حرب أو صوت ناقوس خطر عيدق معلن عن اقتراب أخد التار. 


وبعد ماخلصت زغريت واتوكدت إن كل الجيران سمعوا صوت الفرح عيصدح فبيت عبد الصمد، مسكت طرحتها ولفتها علي راسها وهي عتقول لامها وابوها:


اني رايحه لبيت البلانه انقي كام حتتة قماش يليقوا بعروسه، واوديهم


- لام وصفي- الخياطه تخيطهملي قوام قوام؛ عشان يلحقوا يجهزوا قبل الخميس واخدهم معاي،


 أصل لو عليكم انتي وابوي مقايمينش من طريق الدخانه، وانتي هتقعدي من اهنه ليومها تنعي، وابوي يقعد جارك يسمع، همي يابت يابشاير تعالي معاي، ولا اقولك خليكي إنتي إهنه طلعيلي الخلجات اللي جوا الصندوق وافرزيهم وشوفي اللي ينفع آخده منهم معاي واللي يتساب، آجي القاكي مخلصه. 


وانتي ياام شام قومي طيبيلي شوية فريك ودشيهم عشان تعمليلي هبابة كشك محمصين اخدهم معاي وادسهم فأوضتي اكل منهم في الليل انتي عارفاني عجوع فنص الليل وهستحي من اولها اقوم اكركب فحلل الناس الغريبه وانقص وكلهم..قومي يادهب جهزي حاجات العرايس وافرحي وفرحيني بتك عروسه. 


خلصت كلامها وجريت على بره قوام وطلعت وقفلت الباب وراها قبل مايتفضح اللي عتحاول تدارى فيه، وقناع القوة يقع من فوق ملامحها قدام الكل ويفضح زيف فرحتها.


راحت فموطرح فاضي وحررت دموعها وطلعت كل التناهيد المحبوسه، وبعد ماحست إنها شالت من فوق قلبها شويه من الوجع نزفوا مع الدموع، لبست قناع القوة والفرحه الكدابه من تاني، وراحت على بيت البلانه، وفضلت تختار من القماشات الحلوة الملونه، وتختار من اقلام البودره السحريه وموارد الكحل، والمكاحل، وكل حاجه لازمه العروسه فجهازها خدتها من عندها، وكل ديه وهي عتحكيلها هي وحريم البلد القاعدين، واللي بيت البلانه معيخلاشي منهم عن راحة شام وجوازتها اللي ولا في الاحلام، وعن عريسها هي كمان وجماله وغناه واصله وفصله، ورسمت للكل صوره وهميه ولونتها، وخلتهم يشوفوا إنها رايحه لجنه مفيش وحده من بنات البلد وصلتها، وخلتهم يحسدوها ويحسدوا شام على حظهم الزين، وع العرسان اللقطه اللي وقعوا عليهم، واللي الفرحه اللي علي وش بسيمه وفنبرة صوتها وفضحكتها الرنانه عتأكدها. 


وعاودت بسيمه لبيتها من تاني وهي محمله بصرر الهدوم والطلبات، وكمان جايبه معاها الحريم  اللي عرضوا يساعدوها ويشيلوا معاها ومع البلانه لحد البيت، ويسألوا دهب لو محتاجه مساعده فخبيز الفرح ويعرضوا عليها مساعدتهم. 


وبمجرد مادخلت شام بالحاجه نزلتها، وقالت لامها بخباثه:


فين يمه الفلوس اللي رمهالي عريسي عالصينيه حطتيها؛ عشان ادفع منها حق الحاجه داي، هو عاطيني فلوس بزيادة وقالي جهازك كلياته عليا متكلفيش ابوكي حاجه. 


بصتلها دهب وسكتت وهي مش فاهمه، بس حس بسيمه العالي خلاها نطقت:


يمه فين الفلوس عقولك الفرحه تولتك ولا إيه؟ 


دهب بعدم فهم: الفلوس جوا يابتي في الصندوق! 


جاوبتها وكانت تقصد فلوس ابوها، لكن بسيمه وصلت الرساله اللي عايزه توصلها للحريم بالمظبوط ومشي الحال. 


وعدت الايام قوام وخلص ابو همام كل المطلوب منه، وبسيمه استعدت لفرحها بكل الاستعدادات وفضلت طول الاسبوع تلم البنته فبيتهم كل عشيه ويغنوا ويطبلوا ويرقصوا وناصبه فرح ولا فرح بت العمده، 


وجه يوم الحنه وعملت ليلة حنه كبيره، وطبخت هي وامها واختها والحبايب وعشوا معازيمهم، 


وكانت ليله اللي يشوفها يقول إنه اصحابها فرحانين عشان ميعرفوش اللي فيها..


وإن فرحتهم مكسوره، وإن غياب شام فيوم كيف ديه كاسر نفوسهم كلهم،


اذن العصر وحضر الشيخ جاهين وحكيم، وحضر همام وابوه، وكذا حد من قرايبهم، وكتبوا الكتاب، ومن بعدها دخل همام البيت بطلب من الشيخ جاهين مع عبد الصمد؛ عشان يلبس عروسته شبكتها، ومن اول مادخل وهو عيتلفت حواليه علي الحريم، وشافت بسيمه عينه اللي زاغت على الحريم من تحت البيشه واتوعدتله تخزقهمله بالهداوة وتخليهم يكرهوا يبصوا لصنف مره، ولغاية ماقرب منها ومد يده بفضول يشوف الوش اللي تحت البيشه إيه شكله؟ وبسيمه اول ما مد يده مسكت البيشه بيدها ثبتتها، وهو طلع الزتونه من جيبه وقالها بهمس:


اكشفي وشك ورقبتك يااسمك ايه البسك الزتونه اني جوزك دلوك متخجليش مني، إسمك بسيمه صوح؟ 


بسيمه التزمت الصمت، وقوام مدت يدها خطفت منيه الزتونه ولبستها لحالها من غير ماتكشف وشها، وبعدها رفعت وشها  من تحت البيشه وردت عليه:


الزتونه اتلبست ومهمتك انتهت خد بعضك واطلع ووكت المشي شيعلي مع ابوي متدخلش إهنه تاني. 


قالت كلامها بحده خلت همام يطلع قوام وهو حاسس بالحرج من الحريم اللي كلهم شافوا كسفته من بت عبد الصمد، واتحلفلها بس يدخل بيها بيته ويتقفل عليهم باب هيعلمها تكلم جوزها كيف قدام الناس، وديه هيكون اول درس ليها والبقيه تاجي تِباع. 

   الفصل الحادي والثلاثون من هنا

لقراءة باقي الفصول اصغط هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close