رواية سارقة الهوي
الفصل الثالث والثلاثون 33
بقلم مني السيد
بعد مرور عدة أيام كانت مارية قد انتظمت في عملها مرة أخرى وهي تشعر أنها تملك الأرض وما عليها فيوسف يعاملها كأميرة ومنى تعاملها كالمدللة وعملها يسير على أحسن حال خاصة مع تغير معاملة مدام شوشو من التحفظ إلى الود البسيط. لماذا تشعر أن شوشو وحامد وخالد لا دخل لهم بكل تلك الألاعيب والتهريب والقتل هل لأنها تداخلت بينهم ولم تجد منهم إلا كل خير فكيف لحامد المريض والذي تلازمه تقريبا في كل أوقات حياته أن يتآمر أو يهرب آثار بلاده وكيف لشوشو الأنيقة القوية والتي يبدو أنها تخفي شخصية هشة تحت ستار القوة ذاك ، وكيف لخالد.... انتشلها من تفكيرها صوت يوسف وهو يوصلها في سيارته ويقول :
-" هاااا فهمتي اللي اتفقنا عليه"
-" ايوة والله فهمت تحب اسمعهولك ؟؟! احاول ادخل مكتب شوشو ولو لقيت اي اوراق تخص رأفت او ايمن الصياد احاول اخد منها نسخة ؟ بس انا عندي سؤال هو مش المفروض اننا بنراقب شوشو وحامد يعني المفروض اجيب الاوراق اللي تخصهم هم مش كده وبعدين ايه اللي هيجيب حاجة تخص الظابط رأفت هنا اصلا "
كانا قد وصلا إلى البوابة الداخلية للمنزل وتوقف يوسف وأمسكها من إحدى وجنتيها :
-" يا روحي انا على المفتش كرومبو انا "
ضحكت مارية واستمتعت بلمسته لها حتى ولو كانت قرصة:
-" مين كرونبو دا دانت حتى مبتحبش المحشي"
صحح لها يوسف:
-" كرومبو مش كرونبو ودا ملهوش علاقة بالمحشي خالص"
-" طب يالا نزلني بقا عشان شوشو بتراقبني كالعادة"
-" ماظنش انها بتراقبك هي بتاخد قهوتها في التراس زي كل يوم وانتي اللي بتيجي في الوقت دا"
-" ايه دا ايه دا دحنا بندافع عنها كمان اهو "
-"فتح لها الباب من الداخل كالعادة وهو يقترب منها حتى كادت أنفاسهما تتلاقى :
-" يالا بقا انزلي عشان لو سيبتك تتكلمي مش هنخلص لحد بكرة"
-" ماشي ياسيدي بتطردني من عربيتك بكرة اجيب الموتوسايكل بتاعي ومش هتحاجك"
تمتم يوسف وهي تغلق الباب وهو يبتسم لها بإغاظة :
-" ابقي قابليني"
******
دلفت مارية للداخل بعد ان فتحت لها دعاء الباب ووجدت مدام شوشو تنزل الدرج وهي تتساءل:
-" خير يعني متخانقتوش انتي ويوسف النهاردة"
-" لا اصله رايق النهاردة عشان عملتله القهوة اللي بيحبها وبتعدله دماغه طول اليوم اديتله رشوة يعني"
ضحكت شوشو :
-" لاااا انا لازم اجرب انا كمان القهوة دي من ايدك "
-" خلاص تمام هاتطلع اتطمن على مستر حامد واعمله الفحوصات بتاعت الصبح وانزل اعملهالك"
-" خلاص ماشي بس انا لسه شاربة قهوتي هادخل المكتب اعمل شوية شغل وبعدين نشرب قهوتنا سوا"
-" اتفقنا"
صعدت مارية الدرج بعد أن وضعت حقيبتها في حجرتها وشوشو تتابعها بعينيها ثم استوقفت دعاء قائلة:
-" دعاء عاوزاكي تعملي كيكة بزبدة الفول السوداني بس حاولي ميكونش طعمها باين اوي"
-" طب ما نعمل كيكة عادية مفيهاش فول سوداني يافندم"
-" يووووووه يا دعاء انا عاوزة كيكة بزبدة الفول السوداني من غير ما يبان فيها طعم زبدة الفول السوداني ممكن ولا مش ممكن عشان يبقا استاذ خالد يقولي بتبوظ طعم الكيكة لما نشوف بقا هيقول ايه لما يدوقها"
-" خلاص خلاص حاضر يا فندم حالا"
ذهبت دعاء لمطبخها وشوشو لمكتبها في حبن أنهت مارية عملها مع حامد ثم توجهت إلى غرفتها واصطدمت في طريقها بدعاء المتأففة دائمًا:
-" مالك بس يا دعاء فيه ايه يا بنتي؟!"
-" مفيش حاجة، انا عارفة هي بقالها فترة لابدة في البيت ليه دحنا كنا مبنشوفهاش الا على الغدا وساعات العشا بس"
-" فيه ايه يا دعاء الست بتريح في بيتها مالك ، وبعدين يمكن عشان الحر داخل وكده فمبتحبش الفرهدة"
لوت دعاء شفتيها فأردفت مارية :
-" وبعدين ابقي خلي بالك من كلامك هنا احسن جودة ولا مدام شوشو يسمعوكي تلاقي نفسك هوبا في الفرن"
صرخت دعاء وهي تضرب بيديها على رأسها:
-" يالهوي الكيكة"
وفرت هاربة وهي تكاد تقع للمرة الثانية.
دخلت مارية إلى حجرتها وهي تضحك على دعاء وحركاتها وأخذت تقلب في هاتفها حين سمعت شوشو تتحدث في الحديقة التي يطل عليها شباك حجرتها:
-"يعني انت لغاية دلوقتي معرفتش هو برا البلد ولا لا ؟!"
-"........
وبالطبع لم تستمع مارية لرد الطرف الآخر ولكنها ظلت تستمع في إنصات
-" ماهو أكيد يعني خرج من مصر بباسبور مزيف، طب مش بتراقب رأفت زايد ليه يا بني آدم"
-"........
-" هو ايه اللي صعب انك تراقب ظابط امن وطني امال انا بديك الفلوس دي كلها ليه هااا ممكن افهم؟!"
-"......
-" خلاص ادامك فرصة لحد بعد بكرة بس تجيبلي اي طريقة اقدر اجيب بيها ايمن الزفت دا ادامي هنا سواء خرج برا مصر او لا انت فاهم؟؟!"
وأغلقت الهاتف وهي تزفر ثم جلست تحت المظلة في الحديقة وأرجعت ظهرها للوراء وفردت شعرها الذي تراه مارية لأول مرة منسدلا طويلًا ناعمًا حالك السواد !!
توقفت مارية وهي تشعر بظاهرة الديچاڤو وكأنها رأت هذا المنظر من قبل أغمضت عينيها تحاول التذكر ولكن ياللاسف !!!
سمعت طرقات على باب غرفتها فأذنت بالدخول لتدخل دعاء وهي تقول :
-" شوشو هانم بتقول لحضرتك اتفضلي اقعدي معاها في الجنينة شوية تشربوا قهوة مع بعض"
-" ايوة ايوة حاضر روحي انتي وانا هاجي وراكي على طول"
خرجت دعاء وأمسكت مارية هاتفها ترسل ليوسف آخر المستجدات التي سمعتها ثم تأكدت من مسح الرسالة بعد وصولها ليوسف وخرجت تعد القهوة لها ولشوشو.
خرجت مارية إلى الحديقة وهي تحمل صينية بها فنجاني قهوة وابتسمت قائلة:
-" انا عرفت من دعاء انك بتحبي قهوتك على الريحة دوقي بقا قهوتي وقوليلي ايه رأيك"
رشفت شوشو رشفة من فنجان القهوة وتلذذت به قائلة :
-" اممممم اوعي تكوني حاطلي فيه حاجة زي عدلات في النمر والأنثى"
قهقهت مارية وهي تقول:
-" ايوة ايوة عارفاه الفيلم دا بتاع السيكو سيكو نؤنؤ كانت دايما تفرجني عليه عشان بتحبه"
اعتدلت شوشو في مقعدها متسائلة بهدوء:
-" نؤنؤ مييين؟!"
تداركت مارية الأمر فأسرعت بمهارتها في الكذب تقول:
-" ديي .. دي واحدة صاحبتي كانت بتحب الافلام المصرية القديمة زيي كده"
هزت شوشو رأسها قائلة:
-" اهاااا"
وهنا خرجت عليهم دعاء بصينية عليها طبقين من الكيك وناولت احداهم لشوشو والآخر لمارية التي بدأت في التهام الكيك على الفور
-" دوقي بقا كيكة دعاء اللي مش هتدوقي زيها ابدا"
-" امممم حلوة اوي تسلم ايدك يا دعاء"
ابتسمت دعاء وأجابت:
-" تسلمي يا ست الدكتورة" ثم مضت في طريقها وتحدثت شوشو:
-" بتعمل كيكة تجنن بنت اللذيينة ولا عليها شوية محشي اوووه"
-" اهااا انا بموووت في المحشي"
-" وهو مين المجنون اللي ميحبش المحشي"
ردت مارية بتلقائية :
-" يوسف"
وبنفس التلقائية أجابت شوشو :
-" مجنوووون"
وقهقهت كلتاهما وشعرت مارية بالحميمية لأول مرة مع شوشو.
-" بس قوليلي بقا طعم البينت باتر (زبدة الفول السوداني) باين في الكيكة ولا لا عشان متراهنة مع خالد انها بتحلي الكيك ومش بتبان وهو بيقولي لا بتخلي الكيك وحش"
توقفت مارية عن المضغ بعد أن التهمت أكثر من نصف الطبق وأسرعت لتخرج ما بقي في فمها في منديل وهي تعتذر لشوشو:
-" انا آسفة جدا على اللي بعمله دا بس انا عندي حساسية من الفول السوداني ولازم اتصل بالصيدلية دلوقتي يبعتولي مضاد للهستامين لحسن هتقلب معايا بغم"
وأسرعت إلى غرفتها تقوم بالاتصال، في حين تجمدت عروق شوشو ولم تستطع التحرك ثم فجأة اخذت تعدو وصعدت الدرج بأقصى سرعتها وفتحت باب غرفتها بقوة وهي تحدث حامد:
-" عندها حساسية من الفول السوداني يا حامد"
نظر لها نظرات مبهمة وهو لا يفهم شيئًا:
-" هي مين دي يا شوشو؟!"
-" مريم ...دكتورة مريم عندها حساسية من الفول السوداني"
رفع حامد كتفيه كمن ينتظر المزيد من الإيضاح فاستطردت شوشو:
-" بنتي كمان كان عندها حساسية من الفول السوداني يا حامد"
ذهب إليها ليهدئها ويمسّد ظهرها بحنو :
-" اهدي بس يا شوشو انتي عارفة كام واحد عنده الحساسية دي في مصر مش يمكن تكون مجرد صدفة!!"
-" صدفة انها عندها حساسية ، وصدفة ان عندها حسنة جنب عينيها، وصدفة انها راحت ايطاليا وهي صغيرة ، وصدفة ان اسمها مريم ايييييه كل دي صدف يا حامد انا هاتجنن"
تحدث حامد بهدوء وترقب:
-" كده يبقا مقدمناش غير حل واحد"
تشبثت شوشو بيديه ونظراتها بشفاة حامد منتظرة هذا الحل ولكن منعه من الاستطراد طرقات خفيفة على الباب فأذن بالدخول.
دلفت مارية بهدوء وقد بدأ وجهها بالاحمرار وكادت شوشو أن تقع في مكانها بعد رؤيتها لمارية بهذا الحال فأسرعت إليها مارية تسندها مع حامد :
-" مدام شوشو مالك فيه ايه ؟!"
أسرعت مارية تقيس لشوشو النبض رغم شعورها بالوهن فربتت الأخيرة على يديها وهي تتمسك بهما بشدة كهاوٍ من مكان سحيق يتمسك بآخر يد قد تنقذه:
-" مفيش مفيش يا دكتورة انا بخير دوخت بس شوية"
أسرع حامد يأخذ يدي شوشو المتشبثة بمارية وهو يقول :
-" كان فيه حاجة يا دكتورة؟؟! "
انتبهت مارية لسبب مجيئها فقالت:
-" ايوة انا بستأذن يعني اني ادي لحضرتك الحقنة بدري النهاردة وامشي بعدها على طول لاني اخدت مضاد الحساسية ودا هيخليني محسش بالدنيا بعد شوية"
-" اه ايوة طبعا طبعا اصلا هي كده كده فاضل على معادها نص ساعة وتقدري تروحي على طول هاخلي محمود السواق يوصلك "
اعترضت مارية وهي تجهز الحقنة:
-" لا ابدا مفيش داعي انا اتصلت بيوسف وهو جاي في السكة عشان يروحني"
ودلفا إلى المكان المخصص للحقنة ثم ذهبت مارية في طريقها وعيون شوشو لم تبارحها وظلت متعلقة بها تتفحص كل تقاسيم وجهها بعناية واختلطت مشاعر الامل والالم والشوق جميعا نفس الوقت!!!
********************
كان يوسف ينتظرها أمام بوابة المنزل وهو في داخل سيارته وابتسم حين رآها من بعيد ثم تجهم حين اقتربت ورأى احمرار وجهها وقد بدأ في الانتفاخ وهي تركب السيارة :
-" ايه دا فيه ايه ؟! انتي معيطة؟! حد عملك حاجة جوا فهميني فيه ايه؟!!!!"
أجابت بوهن :
-" براحة يا يوسف مفيش حاجة من كل اللي بتقوله دا، انا بس أكلت كيك بزبدة الفول السوداني وانت عارف انا عندي حساسية واخدت الدوا وخوفت لادوخ وانا لوحدي عشان كده اتصلت بيك"
-" طب وليه تاكليها من أصله يا مارية مش هتبطلي الطريقة دية"
-" مكنتش اعرف يا يوسف والله وبعدين انت قصدك اني طفسة يعني ولا ايه"
-" لا ابدًا مش قصدي خلاص انا اسف "
لم تكن مارية في حالة تسمح لها بالمجادلة فرضيت باعتذار يوسف وأسندت رأسها للخلف على مقعدها وسرعان ما تزحزحت لتستقر فوق كتف يوسف الذي نظر لها نظرة جانبية مبتسمًا وكأن هذا مكانها الطبيعي!
فكتفه هو سندها .... وساندها .... ومسندها.
وصلا إلى المنزل ويوسف يحاول إفاقتها لتصعد معه السلم وهي تستند عليه وتتمتم باعتذارات غير مفهومة إلى أن أوصلها إلى حجرتها وأراحها على فراشها وخلع لها حذاءها ثم أسدل عليها الغطاء واستدار مغادرا لكنه توقف ينظر لها نظرة أخيرة قبل أن يخرج فعاد مقتربًا منها مرة أخرى ولم يستطع مقاومة نفسه في إبعاد خصلة من غرتها عن جبينها .. ليلامس بشرتها الملساء بإصبعه، وكطفل يعد نفسه بأن يأخذ آخر قضمة من حلوياته المفضلة قرر أن يتلمس وجهها الاحمر القاني لمرة أخيرة .. وازداد في الطمع فأمسك وجهها بكلتا كفيه مستمتعا بدفء ونعومة بشرتها وكأنه يملكها بين يديه بل ويملك العالم بأسره ولكنه تذكر كلمات والدته عنها بأنها أمانة لديهم فاستعاد رشده وسحب إحدى يديه لتتشبث مارية بالأخرى قبل أن يستطيع سحبها وتتمسك بها بكلتا يديها واضعة الثلاث كفوف تحت خدها ... توقف يوسف لا يستطيع التصرف وبالأخير جلس على المقعد المجاور لفراشها يتأملها وينتظر كذبًا أن تحرر يده وتتركها إلا أن الأخيرة لم تفعل!!!
أراح يوسف رأسه على طرف وسادتها وهو يتأملها في هذا الوضع الغير مريح ولكن قلبه مرتاح هكذا فلم يعبأ، كل الذي اهتم به هو أنه هناك جزءين منه بجانبها وعلى فراشها كم يتمنى لو يكون معها بكامل أجزاءه وروحه وكيانه !!!!
*********************
في الصباح شعرت مارية بشئ دافئ تحتضنه بين يديها فأخذت تتحسسه وهي لم تفتح عينيها بعد ولا تعلم أمازالت غافية أم أنها أفاقت !!
ولكن ما هذا الدفء الذي ينتشر في أنحاء جسدها من مجرد احتضانها لشئ لا تعرف كنهه ؟؟ ضغطت أكثر على هذا الشئ الذي تحتضنه فانتفض كلاهما مستفيقان في ذهول.
وقفت مارية على ركبتيها فوق فراشها ووقف يوسف بسرعة وظهر على وجهه الألم جراء هذه الوضعية المؤلمة التي كان ينام بها إلى جانب انتفاضته الفجائية التي آلمته بحق
-" انت.... انا .... هو ايه اللي بيحصل بالظبط"
-"محصلش حاجة انتي امبارح كنتي تعبانة وان جيت وصلتك وبعدين انتي مسكتي ايدي ومرضتيش تسيبيها فخوفت اصحيكي بس كده"
احمرت وجنتا مارية أكثر من احمرارهما جراء الحساسية فاستطرد يوسف:
-" وبعدين دا من حظي عشان لما اصحى اشوف الجمال دا كله أول حاجة يبقا انا أكيد محظوظ"
انسدلت أهداب مارية في خجل ثم تمتمت باستحياء:
-" يظهر ان احنا الاتنين محظوظين"
وقف يوسف مشدوها وتسمرت عيناها في عينيه وكأنما أحدهم التقط صورة ليوقف بها الزمن ليغيبا كلٍ في عيني الآخر .....
انفتح الباب فجأة ومنى تتساءل:
-" مارية هو يوسف قالك انه هينزل بدري النها....."
قطعت كلامها حين رأت هذان التمثالان لا يتحركان رغم دخولها فرفعت صوتها مرة أخرى
-" اييييييه فيه ايه انتو الاتنين؟! وانت ايه اللي جابك هنا يا يوسف"
انتبه يوسف لوالدته فتحدث مرتبكا:
-" ابدًا يا ماما دي مارية امبارح تعبت عشان أكلت فول سوداني انتي عارفة عندها حساسية وكده فانا جبتها ونامت وبعدين انا جيت الصبح اتطمن عليها لا تكون سخنت ولا حاجة"
-" امممم وجيت تطمن عليها قبل حتى ما تدخل الحمام وتغسل سنانك دانت حتى مبترضاش تقولي صباح الخير قبل ما تغسل سنانك!!"
شعر يوسف كمراهق امسكت به أمه ينظر لبنت الجيران من خلف النافذة فأسرع يقول:
-" منا قولت هابص بصة بسرعة واخرج وبعدين هي اصلا اتخضت مني ومبلمة اهو من ساعة ما دخلت"
هزت مارية رأسها بشدة توافقه كلامه فوجهت منى حديثها لابنها:
-" طب يالا يالا من هنا خليني افتح الشبابيك واهوي البيت"
خرج يوسف وهو يخلل شعره بأصابعه ويكاد يأكل بعضه بعضا حتى لا ينظر لمارية نظرة أخيرة في وجود والدته.
وجهت منى حديثها لمارية هذه المرة :
-" يالا يا حلوة انتي كمان حضري هدومك عشان تغيري الهدوم اللي عليكي من امبارح دي وتلحقي تروحي شغلك يالا"
هزت مارية رأسها مرة أخرى دون أن تنطق
-" هو انتي اللي طالع عليكي تهزي راسك وبس النهاردة"
للمرة الثالثة هزت مارية رأسها ولكن تلك المرة بالنفي فضحكت منى قائلة :
-" طب يالا يالا اخرجي وشوفي هتعملي ايه في وشك عشان فيه بقع حمرا كتير"
أسرعت مارية نحو المرآة وتكلمت أخيرًا بصرت مبحوح :
-" الحساسية بقا "
تلك المرة كانت منى هي من تهز رأسها وهي تبتسم نصف ابتسامة
****
خرج كلا منهما لعمله ولم توافق مارية أن يوصلها يوسف حتى لا تشعر بالإحراج أكثر من ذلك أمام منى وفضلت أن تذهب بنفسها.
وأمام البوابة الرئيسية بالخارج لم تشعر مارية بهذا الذي يراقبها وقد تلونت وجنتاه بألوان الطيف وهو يضرب أخماسًا في أسداس.
فتحت دعاء لمارية باب المنزل كالعادة فقبلتها مارية على غير العادة وهي تبتسم ابتسامة بلهاء:
-" صباح الخير يا دودو"
وتلك الأخيرة تقلب كفًا بكف وشوشو تقف أمامها وكأنما كانت تنتظرها فأقبلت عليها مارية بنفس الابتسامة وبادلتها شوشو ابتسامة مترقبة
-" صباح الخير يا مدام شوشو"
-" صباح النور... انا كنت عاوزة اعتذرلك عن اللي حصل امبارح حقيقي انا آسفة جدًا"
كادت مارية تقول لها أن هذا أحسن شئ قد حدث لها فقد جعل هذا يوسف ينام ليلته في حجرتها وتصحو على نظراته إليها ولكنها قالت :
-" لا ابدا محصلش حاجة وانا اتعودت على كده خلاص عادي باخد الدوا قبل ما تحصل مضاعفات وببقا كويسة"
-" طيب انا كنت عاوزة اكلمك في موضوع بمناسبة اللي حصل دا!!"
-" اها اتفضلي "
-" انتي عارفة طبعا ان حامد عنده مرض مناعي نادر ومن ساعة ما جاله المرض دا وهو بقا موسوس وخايف على نفسه طبعا من كل حاجة"
تابعت مارية في اهتمام وهي لا تعلم إلى أين سيؤدي هذا الحديث:
-" اها !!"
-" فهو يعني كان بيطلب منك انك تعملي شوية تحاليل وفحوصات كده عشان يبقا متطمن يعني وكده فهماني"
-" ايوة بس انا بعمل check up ( فحص دوري) على نفسي كل ٦ شهور وانا متأكدة ان كل شئ تمام"
تابعت شوشو في محاولة لإقناعها:
-" منا قولتلك بقا انه موسوس وانا عاوزة اريحه مش هنخسر حاجة وهنتطمن عليكي كمان مش حكاية يعني"
أجابت مارية ببساطة :
-" اوكيه ماشي شوفوا تحبوا امتى وانا جاهزة"
-" خلاص انا هاروح اتصل بمعمل التحاليل اللي بنتعامل معاه دلوقتي حالا نص ساعة وهيكونوا هنا"
استغربت مارية مدى تحمس شوشو لهذا الأمر ولكنها بالأخير لم تبالي فانتهزت الفرصة واستأذنت شوشو:
-" طيب ممكن ادخل اعمل شوية شغل في المكتب هاستعمل الكمبيوتر يعني"
حادثتها شوشو وهي تطلب أرقام المعمل :
-" ايوة ايوة طبعا اتفضلي "
ثم مالت إلى أذنها قائلة بهمس :
-" الباسوورد بتاعت الكمبيوتر ١١١٩٩٥"
تنبهت مارية لذلك الرقم خاصة أن شوشو لم تقله كرقم ولكنها قالته كتاريخ والأغرب أن هذا هو تاريخ ميلادها الحقيقي شخصيًا!!!
دلفت لداخل المكتب بسرعة وحاولت البحث عن أي شئ يخص رأفت زايد أو أيمن الصياد إلى أن وجدت ضالتها، عقود بيع اراضي بسعر زهيد جدا من الدولة إلى رأفت زايد ومن ثم عقود بيع لنفس هذه الاراضي بسعر بسيط أيضا من رأفت زايد إلى أيمن الصياد. مما يوحي بالرشوة أو تسهيل الحصول على أراضي الدولة بسعر زهيد والأدهى انه يبدو أن تلك الاراضي قد تضاعفت أسعارها آلاف المرات في مدة قصيرة جدا مما يدل على استخدام رأفت لمعلومات وظيفته للتكسب منها !!!
نسخت مارية بسرعة تلك العقود ثم أسرعت للخارج لتجد مندوب المعمل قد حضر.
أنهت تحاليلها بسرعة فتلهفت شوشو قائلة :
-" انا هاخده فوق بقا عشان يعمل التحاليل لحامد بعد اذنك"
نادتها مارية قائلة:
-" ما تعملي حضرتك تحاليل انتي كمان عشان الدوخة اللي جتلك امبارح!! اهو نتطمن عليكي بردو"
-" اه فعلا عندك حق هاعمل انا كمان شوية تحاليل"
وأسرعت هي والمندوب للأعلى !!!!!
*********************
بعد انتهاء دوام عملها وفي توقيت خروجها المعتاد خرجت مارية من البوابة الرئيسية على السيارة الأجرة التي تنتظرها بالخارج ولم تلحظ ذاك الشخص الذي كان يراقبها صباحا من بعيد ولكنه اقترب الآن بما يكفيه لرؤيتها جيدا.
وبعد مضيها أسرع بفتح هاتفه :
-" هاللو مستر سامي انا نادر .. انا عملت زي حضرتك ما قولتلي وبقالي كام يوم براقب البيت اللي حضرتك ادتني عنوانه"
-" اخلص يا نادر من غير مقدمات فيه جديد؟؟ فيه حاجة حصلت ؟! شوشو جرالها حاجة؟!"
-" لا يا فندم شوشو مفيهاش حاجة بس المشكلة حاجة تانية"
-" ما تخلص يا نادر انت هتنقطني"
-" بنت حضرتك اللي المفروض في كينيا ..... موجودة هنا وبتيجي كمان كل يوم!!!!"
سقط الهاتف من يد سامي وكأن العالم سقط وانهار فوقه !!!!!
