رواية سارقة الهوي
الفصل السابع عشر 17
بقلم مني السيد
كان الضابط يتوقع انبهارا اوحتى اندهاشا برتبته وموقعه في هذا السن الصغير ونظرت له مارية ببرود كمن تقول ( هااا وبعدين)
انزعج الضابط من رد فعل كلاهما وهو الذي اعتاد ان يدب الرعب في قلوب من يستمع لرتبته لأول مرة ولكنه أكمل على كل حال :
-" طبعا انتو عارفين اد ايه القضية دي حساسة، وانتا لازم ناخد بالنا من كل التفاصيل حتى لو كانت بالنسبة لكم مش مهمة انا عاوز اعرف كل تفصيلة عشان اقدر احدد هنشتغل ازاي"
-" هنشتغل يعني هنعمل ايه يعني بالظبط انا مش فاهمة حاجة هو مش المفروض ان احنا شهود بس يعني احكيلكم كل حاجة حصلت وانتو تحموني ولا انا فاهمة غلط"
نظر لها الضابط مرة أخرى بتلك النظرة الشرهة ولاحت على جانب وجهه ابتسامة اقل ما يقال عنها انها خبيثة.
-" انتي مش واخدة بالك انتم كنتم شاهدين على ايه وانك شوفتي الناس دي واحد واحد، وكمان تدخلتم في الموضوع ومسبتوش السفير مكانه"
هنا تدخل يوسف قائلا بثقة مما فعل:
-" اعتقد ان احنا عملنا الصح لان لو كنا سيبنا سعادة السفير كان الموضوع هيتكشف ومكناش هنقدر نشتغل في الموضوع من أساسه كان الموضوع هيبقا في ايد الحكومة الامريكية بس ومكناش هنقدر نوصل للناس اللي شغالة هنا في مصر معاهم"
رمقه الضابط رأفت بنظرة ندية وهو لا يملك سوى أن يوافقه الرأي بهز رأسه ثم قال:
-" انا معاك ان انتم عملتم الصح لكن الانسة محتاجة تفهم انها مش بس مجرد شاهدة واننا محتاجين نوصل للمعلومات اللي كانت مع السفير ونوصل للناس اللي بتساعد المافيا دي جوا مصر وبرا مصر والمشكلة ان المعلومات اللي عندنا تكاد تكون معدومة فانا عاوزك يا آنسة نقعد لوحدنا كده وتحكيلي كل حاجة حصلت ادامك بالتفصيل الممل" ثم أردف بابتسامة ملتوية:
-" مش آنسة بردو؟!"
هب يوسف واقفا يستشيط غضبا كمن على وشك القتل:
-" تقعد (معانا) احنا الاتنين لاننا احنا الاتنين شوفنا وسمعنا كل اللي حصل "
استدرك الضابط نفسه امام غضب يوسف الواضح فقال:
-" ايوة ايوة انا اقصد اني هاسمع منكم كل واحد على حدى يعني"
يوسف -" انا مش شايف ان فيه داعي لكده احنا مش متهمين عشان تقارن اقوالنا ببعض وكمان احنا عاوزين نعرف هنوصل ازاي للناس اللي حضرتك بتقول عليهم دول وهنتعامل ازاي في الحياة هنا في مصر"
تنهد الضابط وقد فقد الأمل في ان يتحدث مع مارية على انفراد:
-" طيب ، احنا فيه كذا حد طبعا مشكوك فيهم وعلى هذا الاساس هنجيبلكم شغل في الاماكن اللي هما بيشتغلوا فيها ونبدأ نشتغل"
هنا تدخلت مارية :
-" ايوة حضرتك بس انا دكتورة يعني ماظنش انا مجالي دا هيتوافق مع اماكن شغل الناس اللي بتتكلم عنهم دول "
-" لا متقلقيش احنا عاملين حسابنا على كل حاجة بس هنرتب كل حاجة وهاعرفكم بخطة التحرك المرة الجاية ان شاء الله تبقوا تيجوا الاسبوع الجاي في نفس الميعاد"
زفرت مارية متسائلة:
-" نفس الميعاد اللي احنا جينا فيه ولا اللي حضرتك جيت فيه؟!"
ابتسم بسماجة :
-" ههههههههه انتو هتعملوا علينا امريكان بقا ولا ايه "
تجاهلت مارية ما قاله للتو ثم بدأ الاثنان في سرد الاحداث التي حدثت في تلك الليلة بالتفصيل. وبعد ان انتهيا جذبها يوسف قبل أن تتحدث مرة أخرى قائلا:
-" طب نستأذن احنا بقا عشان ورانا حاجات كتير نعملها"
بعد أن خرجا من بوابة البناية التي يقع بها المكتب بدأت مارية بالحديث:
-" انا مش مستريحة بصراحة للراجل دا"
بنظرات نارية أجابها:
-" امال عمالة تلكي معاه وتفتحي مواضيع وتدلعي كده ونيجي في الميعاد اللي احنا جينا فيه ولا اللي انت جيت فيه"
قالها وهو يقلد صوتها الرقيق بسماجة فضحكت غصبا عنها وقالت:
-" انا بتكلم كده يعني ؟!" واستدركت انها قال عنها انها تتدلل فتجهم وجهها لتتحول من شخص لآخر فقالت بحدة:
-" وبعدين ايه بتدلعي دي وتفتحي مواضيع شايفني سافلة ولا قليلة الادب عشان اعمل كده "
-" انا مش قصدي كده بس حاولي متتكلميش مع الناس بيساطة كده واعملي حدود"
-" حدود ايه وهما فين الناس اللي انا بتكلم معاهم دول هو انا لسه عرفت حد ولا شوفت حد انت فاكرني زيك " وبدأت بتقليده بدورها:
-" تعبتي نفسك يا نادين، مكنش فيه داعي لكل دا يا نادين، الله ملوخية بالارنب واااوايا نادين"
قهقه يوسف ضاحكا :
-" اولا اسمها ملوخية بالارانب مش بأرنب واحد، ثانيا انتي مالك متضايقة من نادين اوي كده ليه؟!"
هزت كتفها بعدم اهتمام وقالت بتعالي:
-" انا اتضايق منها ليه يعني دي حتى هي اللي بتدلع وتحاول تفتح مواضيع زي ما كنت بتقول عليا من شوية"
-" اه فعلا بنت لبقة وذوق جدا " احمرت وجنتاها غضبا وانتفخت اوداجها :
-" يعني لما هي تدلع تبقا لبقة وذوق لكن انا يبقا سفالة وقلة ادب؟؟؟؟"
-" اديكي اعترفتي اهو انك كنتي بتدلعي "
-" يووووووه هو انت لازم تطلعني غلطانة والسلام "
ابتسم ضاحكا واوقف سيارة أجرة وفتح لها الباب وانتفضت حين أسند ظهرها بيده ليحثها على الركوب فاعتذر بأدب:
-" آسف مكنش قصدي اضايقك"
اكتفت بابتسامة صغيرة وهي ممتنة لاعتذاره ومتسائلة عما فعلته تلك اللمسة
البسيطة بها!!
في المنزل اندفعت مارية كريح لطيفة أتت بعد يوم حار وهي تحمل بعض الأكياس ويوسف يحمل البعض وهي تنادي على منى:
-" يا منمن يا منمن انتي فين تعالي شوفي انا جبتلك اييييييه"
خرجت منى من حجرتها :
-" ايه يا ميرو ايه الزعبوبة اللي انتي عملاها دي؟!"
انعقد حاجبي مارية وهي لا تفهم معنى الكلام :
-" هي نؤنؤ مكانتش بتكلمني عربي ولا ايه ؟ ايه الكلام اللي انتو بتقولوه دا ؟"
-" لا مانتي طول مانتي معانا هتتعلمي كلام كتير اوي ومش بس مصري هنعلمك كل اللهجات عشان انا ويوسف لفينا بلاد كتير اوي مع بعض صح يا يوسف"
هز رأسه موافقا وهو يبتسم ابتسامة لطيفة في حين كانت مارية تنظر لهما باعجاب مليئ بالحسرة وهي تقول :
-" يابختكم"
تحدث إليها يوسف وهو يخرج ما في الأكياس :
-" ايه كان نفسك تلفي بلاد كتير"
طأطأت رأسها وهي تقول في ألم:
-" لا كان نفسي يبقا حد معايا في كل حاجة كده حد بيحبني ويخاف عليا وروحه زي روحي زيك انت ومامتك كده بالظبط"
-" وهي مدام نهال مش بتحبك انا شايف انكوا متوافقين جدا"
-" اها هي بتحبني جدا وانا بموت فيها لكن ..لكن فيه حاجة !! مش قادرة اوصفها انت فاهم"
كانت منى لازالت تقف في إحدى الأركان وهي تتابع ذلك الحديث الصميم الذي يحدث بسلاسة ودون ان ينتهي بمشاجرة وصفق الأبواب لم ترد التدخل حتى لا تفسد ذلك الود الذي بدأ يلوح في الأفق
استطرد يوسف:
-" فاهم فاهم بس انتي احتياجك دلوقتي يعني لحد يكون زي مامتك ولا حد روحه زي روحك زي ما بتقولي؟"
-" ما هي نؤنؤ زي مامتي ومنمن زي مامتي بس انا مش عاوزة زي؟!"
هز رأسه متفهما:
-" يعني انتي دلوقتي عاوزة ماما عاوزة ماما مش كده كنتي فكرتيني كنت جبتلك ببرونة بالمرة"
على عكس ما توقع ان تثور ثورتها ضحكت ببراءة وهي تنقض على الاكياس وتقول:
-" لا انا عاوزة من دا يا حزمبل انا عاوزة من دا"
هنا تدخلت منى وضحكت هي الأخرى:
-" قوليلي بقا انتي تعرفي حزمبل منين يا سوسة"
وكأنها اكتشفت وجود منى فجأة ابتسمت ثم قالت:
-" انا هاقولك اصل نؤنؤ عاشقة للأفلام المصرية القديمة وعشان انا روحت امريكا وانا صغيرة فكانت خايفة لا العربي يضيع مني ففضلت بقا تفرجني ع الافلام القديمة لحد ما حفظتها"
ثم قلدت سعاد حسني " انا عاوزة من دا يا حزمبل انا عاوزة من دا اهو دا اللي هيقدر يسعدني من كلمة واحدة"
تدخل يوسف وهو يقلد عم حزمبل هو الآخر ويثخن صوته " كله الا دا"
وبشقاوة ذهبت مارية تتقافز إلى جانبه وهي تنظر له محدقة" لأ هو دا "
تدخلت منى وهي تجلس على السفرة
-" طب يالا يا صغيرة على الحب احسن انا موتت من الجوع جيبالي ايه؟"
نزعت مارية عينيها عن يوسف بصعوبة وهي تحاول استدراك نفسها وارتعش صوتها فجأة كمن أُمسك بالجرم المشهود في حين ان الآخر مازال محدقا بها وشردت عينيه بتفاصيلها
-" هه اااه انا جيبالك مفاجأة اصلي عرفت من يوسف يعني انك بتحبي الفسيخ ف روحنا جيبنالك فسيخ ورنجة عشان يوسف قالي مش هينفع تاكلي فسيخ كتير"
كررت اسمه مرتان وكأنها تستمتع بلفظها له وهو الآخر استمتع بسماع اسمه من شفتيها لا يعلم لماذا فاعتدل واقفا ثم تجهم فجأة:
-" انا مرضتش ازعلك لما اصريتي تجيبيه وتدفعي بس اعملي حسابك دي آخر مرة هيدخل البيت وآخر مرة هتدفعي حاجة ف البيت دا"
لا تعلم مارية لماذا كان مزاجها معتدلا اليوم فلم ترد النقاش والجدال معه فكشرت وجهها وهي تكتم الضحك -" طب ومالك بس كده مبوز ليه؟؟ عشان يعني انت مبتحبش الفسيخ ؟؟ ماحنا جبنا تونة ابقا كل تونة عشان عضلاتك دي كمان " لم يستطع التماسك والتجهم أكثر من ذلك وجلس مستعدا للتونة :
-" طب يالا بقا عشان عضلاتي بتصرخ وتقول أكلونيييي"
كانت منى تراقب كل ذلك بقلب منشرح وهي ترى انهما بدآ يتفاهمان او على الأقل لم يتشاجرا اليوم ولكنها انزعجت حين رأت نظرات الانزعاج على وجه مارية حين سمع الجميع دقات مميزة على الباب والكل يعرف من صاحبتها !!
