أخر الاخبار

رواية سارقة الهوي الفصل التاسع والعشرون 29بقلم مني السيد

         

رواية سارقة الهوي

الفصل التاسع والعشرون 29 

بقلم مني السيد



منعها تجهم وجه يوسف من سؤاله عما حدث في مكتب رأفت منذ قليل ولكنها كادت تموت غيظا وهي تكبت كل الاسئلة التي تدور في بالها. وفكرت قد يكون من الأفضل ألا يتحدثا سويًا بالمرة فبعد ما حدث بالأمس تبعثرت كل مشاعرها وانقلبت أفكارها رأسا على عقب. 

وصلا للسيارة حيث تجلس منى تعبث بهاتفها ونظرت إليهما فرحة بوصولهما :

-" انتو اتأخرتو كده ليه؟ "

لم يجبها أحدهم وهي تتنقل بنظراتها بينهما في عدم فهم وعمّ الصمت حتى وصلا إلى منزل حامد فخري فتحدث يوسف باقتضاب موجهًا حديثه لوالدته:

-" ابقي كلميني لما تخلصوا عشان اجي اخدكم عشان متروحوش لوحدكم متأخر"

تدخلت مارية في الحديث بحنق:

-" ليه يعني منا كل يوم باجي لوحدي ومبيجراليش حاجة"

دون أن ينظر لها أجاب:

-" انا بكلم ماما"

صفقت باب السيارة بعنف وتوجهت للبوابة الداخلية للمنزل ومنى تتبعها وهي تنظر ليوسف بنظرات تلومه بها وتحاول اللحاق بتلك الأخيرة في أثناء خروج شوشو لركوب سيارتها والتي ما إن رأت ثلاثتهم وسمعت صوت صفق الباب بالخارج توقفت في فضول تنتظر تفسيرًا!!

توجهت مارية إليها في احترام :

-" مدام شوشو احب اعرف حضرتك بمامتي مدام منى الصواف، وبستأذن حضرتك يعني في انها جت معايا النهاردة لأن للأسف فيه ظروف طارئة في شقتنا مش هينفع تقعد فيها لوحدها"

وجهت شوشو حديثها لمارية:

-" انتي بتستأذني على ايه بس دي مامتك تشرفنا في اي وقت"

 ثم وجهت حديثها لمنى باهتمام:

-" أهلا وسهلا بحضرتك فرصة سعيدة جدا مبسوطة اني اتعرفت بيكي واكيد نفسي اتعرف بيكي أكتر!!"

شعرت منى باستغراب من طريقة شوشو في جملتها الأخيرة ولكنها ابتسمت ابتسامتها الودودة قائلة:

-" يكون ليا الشرف يافندم وبعتذر مرة تانية على أني هجمت ع البيت كده"

-" لا أبدا مفيش اعتذار ولا حاجة وعلى العموم انا مش هتأخر ساعتين بالكتير واكون هنا " ثم مالت على منى في حميمية وهي تسألها :

-" هي مالها مريم متخانقة مع يوسف ولا ايه؟!"

-" لوت منى شفتيها في حسرة وهي تمثل دور الام لكلاهما بجدارة:

-" هما على طول كده مولودين فوق روس بعض محدش بيستحمل كلمة للتاني"

هزت شوشو رأسها :

-" لااا دحنا لازم نقعد مع بعض بقا مش هتأخر عليكي"

هزت منى رأسها فرحة:

-" في انتظارك يا شوشو هانم"

ركبت شوشو سيارتها وأمرت السائق بالمضيّ إلى الشركة. 

وهرولت منى إلى جانب مارية تحدثها :

-" دي شكلها ست لطيفة اوي "

هزت مارية رأسها :

-" اممممم"

-" مالك يا ميرو هو فيه ايه اللي حصل بينك وبين يوسف"

-" بصي يا منمن مش هينفع نتكلم هنا خالص البيت كله عيون وودان لشوشو هانم وبعدين يعني مانتي عارفة ابنك مش بيطيقني"

ودارت رأسها للحظات: ( طب لو هو فعلا مش بيطيقني اللي حصل امبارح دا ايه ؟!!!! وتصرفاته بعدها ليه؟!! ندم مثلا انه عمل حاجة زي دي ) ارتجف جسدها على ذكر تلك اللحظات واغمضت عينيها وكأنما تمسح المشهد من ذاكرتها ولكنه وبالعكس تصور أمامها بكل حذافيره وكأنما عقلها يعمل ضدها!!

دلفت إلى حجرتها هي ومنى، والأخيرة تنظر للمنزل في إعجاب :

-" حلو اوي بيتهم ذوقه عالي "

-" اهاا فعلا"

وضعت مارية متعلقاتها ثم استأذنت منى:

-" هاروح اتطمن على حامد بيه واعمله check سريع كده واجيلك لحد معاد الحقنة"

-" اوكيه تمام يا ميرو متشغليش نفسك بيا انا هقعد هنا هادية لحد ما تيجي"

ابتسمت مارية وغادرت لغرفة حامد.

جلست منى في مكانها تتفحص المكان إلى أن سمعت طرقات على الباب فأذنت بالدخول للطارق وهي متوقعة أن تكون ‏مارية هي من تطرق الباب ولكنها كانت دعاء احدى الخادمات وهي تقدم لها مشروبًا طازجًا، وتعرفها بنفسها

أسرعت منى بالقول :

-" متشكرة جدًا جدًا يا حبيبتي مكانش فيه داعي لكده"

-" لا ازاي بقا دي شوشو هانم اتصلت بيا مخصوص عشان تأكد عليا استقبل حضرتك كويس"

-" يااااه شوشو هانم دي ست في منتهى الذوق وشكلها طيبة حقيقي" 

لاحظت منى التواء إحدى شفتي دعاء ولكنها سرعان ما أخفتها قائلة :

-" بصراحة هي فعلًا طيبة ولما حد بيحتاج حاجة مننا على طول بتقف جنبه بس بصراحة بردو هي شديدة شديدة اوي"

شعرت منى أن دعاء تريد أن تحكي أكثر فانتهزتها فرصة قائلة:

-" تعالي تعالي اقعدي جنبي نتكلم شوية احسن انا زهقت من القعدة لوحدي "

-" ايوة بس انا ورايا حاجات كتير في المطبخ"

-" يابنتي تعالي نقعد ٥ دقايق لحد ميرو ما تيجي"

ضحكت دعاء :

-" انتو بتدلعوها بميرو والله دكتورة مريم دي محظوظة بحضرتك"

-" والله ميرو دي عسل احنا اللي محظوظين بيها"

-" انتو انتو مين ؟!"

-" قصدي انا واخوها يعني اصل احنا التلاتة ملناش الا بعض، قوليلي بقا هي مدام شوشو عندها ولاد"

مطت دعاء شفتيها قائلة :

-" للاسف لأ"

-" الله امال مين خالد اللي عايش هنا في البيت دا"

-" خالد دا يبقا ابن اخت حامد بيه ملهوش غيره يا حبة عيني بس كلام في سرك!!"

قرّبت منى أذنيها من دعاء لتهمس الأخيرة: 

-" انا بسمع طراطيش كلام كده من الناس القديمة هنا ان شوشو هانم عندها بنت ضايعة منها في ايطاليا وعشان كده كل كام شهر بتروح هناك تدور عليها"

اتسعت عينا منى دهشة :

-" معقول مع كل النفوذ والفلوس دي مش عارفين يلاقوها"

-" شوفتي مع كل الفلوس والنفوذ دي انما ياعيني قلبها متشحتف على ضناها ساعات على اد ما هي قاسية وجامدة بتصعب عليا والله خصوصا لما بتقعد ف المكتب تبص في صورها وهي صغيرة"

-" يااااه قطعتي قلبي عليها والله، بس اكيد عوضت الامومة بقا في خالد دا ولا بتعامله معاملة مرات الاب؟!"

-" لا الصراحة هما الاتنين زي السمن على العسل وهو بيعتبرها امه وبيعتبر خاله دا ابوه بس هما كلهم من ناحية المشاعر والاحاسيس مش اد كده بيتعاملوا مع بعض كويس والسلام بس بردو الامانة لله لو حد فيهم بس قال اي كلهم يقفوا في ضهره"

-" غريبة اوي العيلة دي، وخالد دا بقا مش خاطب ولا متجوز؟!"

غمزت دعاء بإحدى عينيها :

-" لا مش خاطب ولا متجوز وبصراحة كده سمعته مرة بيقول للدكتورة انتي حلوة اوي من قريب"

انتبهت منى على كلماتها الأخيرة

-" يعني ايه من قريب هو ايه اللي يخليه يقرب منها يعني أصلا"

-" أصل الدكتورة اتكعبلت وكانت هتقع وهو لحقها انا شوفت المنظر وانا خارجة من باب المطبخ كان زي بتوع السيما بالظبط ولما لقيتهم كده مرضتش ابوظ اللحظة"

شعرت منى بالدم يغلي في عروقها لا تعلم لماذا فأسرعت دعاء تصحح بعدما لا حظت ذلك:

-" بس الشهادة لله الدكتورة بعدت بسرعة وشكرته وحسيت كده انه لما لاقاها عملت كده اعجب بيها أكتر"

استمر وجه منى في الاحمرار والغيظ يأكلها فأكملت دعاء:

-" حقا دا لو كان من نصيب الدكتورة يا سعدها وهناها قيمة وسيما وفلوس وفوق دا كله وسيم وزي القمر"

انتفضت دعاء فجأة على صوت جودة من خارج الحجرة:

-" دعااااااء اتفضلي على المطبخ أم كريم عاوزاكي"

أسرعت دعاء بالوقوف وهي تهمس بفزع وتضرب خديها بيديها:

-" يالهوي جودة بعد اذنك يا مدام احسن جودة هيعلقني، يارب يكون مسمعش حاجة من اللي قولتها احسن يقول لشوشو هانم وتطين عيشتي" وقبل أن تفتح الباب أردفت:

-" أصل جودة دا عين وودن المدام هنا في البيت"

هزت منى رأسها ضاحكة بعد أن أغلقت دعاء الباب خلفها وسمعت صوت جودة الخشن يحذرها:

-" انتي مش هتلمي لسانك دا شوية اييييه ما صدقتي تلاقي حد تتكلمي معاه"

-" والله يا استاذ جودة آخر مرة مش هتلكم مع حد تاني بس والنبي متقولش لشوشو هانم"

-" انا مش هقول عشان اللي سمعته ميوديكيش في داهية انتي كنتي بتتغزلي في خالد بيه بس لما الاقي حاجة توديكي في داهية اوعدك مش هتأخر وهبلغها على طول"

تجهمت دعاء وذهبت للمطبخ وهي تكتم صيحات وسباب من نصيب جودة ولكنها أفرغتهم هامسة حين اطمانت لذهابه بعيدًا!!

                                   ****************

دلف يوسف إلى مكتب شوشو هانم يسلّمها بعض الاوراق 

-" اتفضلي يا فندم دي اوراق مناقصة المزرعة اللي في وادي النطرون"

التقطت الاوراق ووضعت نضارتها ثم قالت:

-" تمام سيبهملي ادرسهم ونعمل اجتماع مصغر نتناقش فيه بكرة "

هب يوسف واقفا :

-" اوكيه تمام"

-" استنى"

التفت برأسه فقط منتظرا حديثها:

-" مامتك شكلها ست طيبة اوي"

اعتدل في وقفته مبتسما :

-" جدًا دي أحلى حاجة في الحياة أصلا"

-" امممم طب ومريم؟!"

-" مريم تاني أحلى حاجة في الحياة "

-" بس شكلكم مش متفقين"

ابتسم يوسف قليلا :

-" لا ابدا انتي عارفة هما الاخوات دايما كده بيتناقروا بس انا بحبها اوي"

اضطربت امعاءه وزادت خفقات قلبه بمجرد نطقه لتلك الكلمات!! لا يعرف لماذا !! 

-" طيب انا هاخد الملف دا معايا في البيت وبكرة زي ما قولتلك فيه اجتماع مصغر انا وانت وخالد وحامد بيه"

تمام ولو حضرتك ليكي اي ملاحظات كلميني في اي وقت عشان بكرة تكون كل حاجة تمام"

-" اوكيه يا يوسف على فكرة انا عاجبني شغلك اوي"

-" متشكر جدا يافندم واتمنى افضل عند حسن ظنك"

لملمت شوشو أشيائها بعد ان ذيلت توقيعها على بعض الاوراق ومن ثم ذهبت إلى المنزل مسرعة.

بادرتها دعاء وهي تفتح الباب:

-" شوشو هانم حضرتك جيتي بدري يعني النهاردة"

نظرت لها شوشو بجفاء دون أن تنطق ثم نظرت لجودة نظرة ذات مغزى فهز لها الآخر رأسه ودعاء لا تفهم شيئا. 

انتفضت الأخيرة على كلمات شوشو الموجهة لها في حزم:

-" خلصتوا الغدا ولا لسه؟"

-" نص ساعة بس ويكون كل شئ جاهز "

-" تمام انا هاطلع اخد دش تكونوا حضرتوا السفرة وحضري مكان لدكتورة مريم ومامتها معانا"

-" حاضر يافندم هادخل ابلغهم حالا"

-" انتي روحي شوفي شغلك جودة هيبلغهم"

أسرعت دعاء إلى المطبخ وتوجه جودة لحجرة مارية ليبلغها بحضور الغداء معهم.

وجهت مارية حديثها لمنى 

-" غريبة اوي اول مرة يخلوني احضر معاهم الغدا "

-" اكيد عشان انا معاكي قالوا عيب ناكل لوحدنا وكده "

هزت مارية رأسها وتوجهتا الاثنتان إلى طاولة الطعام بحضور الجميع

-" شرفتينا يا مدام منى والله النهاردة"

-" دا الشرف ليا يا حامد بيه اني اتعرفت بيك وبشوشو هانم"

تدخل خالد :

-" انا مش مصدق ان حضرتك تبقي مامت يوسف ومريم انتي شكلك صغير اوي"

-" ربنا يجبر بخاطرك صغير ايه وانا شبه الدبدوبة كده"

ضحك الجميع وتحدثت شوشو:

-" لا حقيقي وشك بيبي فيس خالص وبشرتك ما شاء الله نضرة جدا"

ثم طرقت على طاولة السفرة قائلة:

-" نمسك الخشب لحسن تفتكرينا بنحسد "

قهقهت منى بصدق :

-" ايوة ايوة طب احسدوني على دهوني دي شوية يمكن حاجة تأثر فيها"

-" ليه انتي عملتي دايت قبل كده ومنفعش"

-" يوووووه عملت كتير اوي وكنت بلعب رياضة وبمشي كتير اوي لما كنا في أمري...."

انتبه الجميع وبادرت شوشو بسرعة وكأنما التقطت سمكة في صنارتها :

-" ايه دا انتو روحتو أمريكا"

تلعثمت منى وحاولت التبرير :

-" هه اه زمان قبل ما مريم تيجي اصل باباهم كان بيسافر كتير"

-" اممممم الله يرحمه "

تمتمت منى بصدق " الله يرحمه"

وبعد انتهاء الغداء دعت شوشو منى إلى شرب الشاي بالخارج:

-" تعالي يا مدام منى نقعد في التراس شوية الجو جميل النهاردة"

-" قوليلي منى على طول بقا احنا بقالنا فترة مع بعض خلاص"

ضحكت شوشو بصدق :

-" اه فعلا بقينا أهل خلاص"

-" ايوة عارفة انا نفسي اتعرف على كل الناس اللي في مصر وساعات ببقا ماشية نفسي احضنهم كلهم"

-" ياااه للدرجة دي الغربة كانت صعبة عليكي"

-" اه والله اوي وخصوصا ان مكنش ليا اصحاب ولا حد ازوره ويزورني ولا اي حاجة"

-" اه سمعت ان المرحوم كان شديد شويتين"

-" ايوة فعلا دي حقيقة"

-" بس حاسة انكو كنتو مقفلينها اوي على مريم دي حتى معرفتش يعني تطعيس بتفتكرها أكلة"

قهقهت منى فهي الأخرى لا تعرف معنى تطعيس بالرغم من إقامتها في السعودية مدة لا بأس بها فحاولت ان تجيب إجابة بانورامية:

-" اه فعلا باباها كان بيخاف عليها من النسمة عشان كده تلاقيها ياعيني مش عارفة اي حاجة ف اي حاجة كل همها كان في دراستها وبس"

-" هي فعلا دكتورة شاطرة حامد ودكتور اشرف كمان بيشكروا فيها جدًا"

-" ربنا يحفظها ويحميها يارب"

-" يارب وكمان اسمع ان لغتها في الانجلش حلوة جدًا"

-" ايوة منا بقولك كانت شطورة وبتعرف اسباني وايطالي كمان"

انتبهت شوشو واعتدلت وهي تبتسم بالرغم من أن صدرها يتأجج في انتظار إجابة السؤال الذي ستطرحه الآن:

-" دا اكيد اتعلمتهم لما كانت في ايطاليا صح؟!"

ارتبكت منى قليلا :

-" هي قالتلك انها راحت ايطاليا؟!"

كانت الإجابة في حد ذاتها سؤال!! ولكن دهاء شوشو اخبرها ان ثمة شئ في الأمر فأقرت كاذبة:

-"بيتهيألي قالت لحامد"

-" ايوة بس دا كان وهي صغيرة خالص هي عندها فكرة من ساعتها واتعلمت الباقي بقا في المدرسة"

كادت ضربات قلب شهيرة تتوقف ولكنها حاولت التماسك وأنقذها رنين هاتفها فاستأذنت لترد على الهاتف بعيدًا وحين دلفت إلى الداخل اقفلت الهاتف ووقفت تلتقط أنفاسها غير مصدقة ما حدث للتو! هل يعقل؟! هل يمكن أن تكون ....؟! قاطعها حامد وهو يهرول إليها :

-" مالك يا شوشو فيه ايه يا حبيبتي مالك"

-" مفيش تعبانة شوية بس وعاوزة اطلع استريح اعتذر لمدام منى"

-" طيب تعالي يا حبيبتي اطلعك واوصلك لحد السرير وبعدين ابقا انزل اعتذرلها"

                     **************************

بعد أن انتهى دوام مارية خرجت هي ومنى لتجد يوسف ينتظرهم عند البوابة الخارجية فنظرت لمنى نظرة عتاب فأجابتها الأخيرة:

-" انتي عارفة مقدرش على زعله ولا اقدر اكسر له كلمة"

ركبت السيارة وذهب الجميع للمنزل وفور دخوله دلف يوسف بسرعة إلى غرفته دون أن يتحدث مع أحد ومارية تنظر خلفة وتحول نظرها إلى منى متسائلة وتجيبها الأخيرة بهزة من كتفيها بأنها لا تعلم !!

بعد قليل شعرت مارية بالغيظ والفضول معا فقررت أن تطرق عليه الباب بأي حجة ستخترع سببا حين وصولها إلى غرفته ولكنها لن تتركه يعاملها بهذا البرود وتظل صامتة!!

بعد طرقات خفيفة أذن لها بالدخول

دخلت متفحصة وضعه لعلها تعلم ما الذي يفعله وحده هكذا ولكنها وجدته جالسا على الأريكة المقابلة للبلكون فذهبت أمامه وهي تنظر للخارج بفضول فسألها ببرود:

-" نعم!!"

-" نعم!!"

-" هو احنا هنغني ؟! مش خبطتي نعم عاوزة ايه "

-" هو فيه ايه انت بتكلمني كده ليه ؟!"

زفر يوسف وهم بالرد ولكنه سمع أزيزا من هاتفه فأشار بسبابته على فمه لتصمت نهائيا وعينيه تتسعان في حزم. هزت رأسها متفهمة وفتح هاتفه بطريقة مختلفة ثم جلس يستمع لرأفت وهو يتحدث مع أحدهم:

رأفت: -" الو ايوة يا فهمي باشا ازي حضرتك؟!

فهمي: -" هو احنا لسه هنقول ازيك وعامل ايه فيه ايه يا رأفت انت مش شايف شغلك كويس ليه؟! كل الفلوس اللي بتاخدها مش مكفياك ولا محتاج قرصة ودن عشان تعرف تشتغل كويس؟"

 رأفت: -" ياباشا والله بحاول في كل الاتجاهات بس مش لاقي اي معلومة تفدني؟!"

فهمي: -" طب والساعة؟!"

رأفت: -" انا باعت ناس في بيت أهل المرحوم وقلبوا عليها الدنيا ملقيوهاش أكيد مكانش لابسها ساعة اللي حصل لأنها مكانتش في الاحراز كمان"

فهمي: -" هنستغبى بقا قولتلك كان لابسها يعني كان لابسها انت مبتفهمش، كده الباشا الكبير هيزعل وانت عارف ان دا زعله وحش"

رأفت: -" لا لا كله الا زعل الباشا الكبير هحاول تاني ادور على الساعة دي اما نشوف اخرتها وبعدين ياباشا مش انتو معاكو التيلفون ما هو اكيد الليستة عليه"

فهمي: -" المرحوم كان رابط الاتنين ببعض مينفعش نفتح حاجة على التيلفون من غير ما يكون معانا الساعة بتاعته وبعدين اصلا التيلفون مش موجود دلوقتي بس هايجي قريب"

رأفت: -" يا فهمي باشا انت مش قولت ان التيلفون معاكم ؟!"

فهمي: -" انت اسألتك بقت كتير وغبية في نفس الوقت بقولك متقلقش من موضوع التيلفون هاتلنا انت بس الساعة او اي معلومة من اللي قولتلك عليها"

رأفت: -" حاضر ياباشا هحاول حاضر"

فهمي: -" هتنفذ مش هتحاول"

رأفت: -" تمام يا باشا تمام"

وانغلق الهاتف واغلق يوسف هاتفه هو الآخر فأسرعت مارية:

-" تيلفون ايه وساعة ايه انت فهمت حاجة؟!"

-" عاوزة ايه ؟!"

-" نعم هو ايه اللي عاوزة ايه؟!"

-" انتي خبطتي ودخلتي كنتي عاوزة ايه؟"

تذكرت حجتها التي لم تجدها بعد :

-" هه ااااااااه كنت بقولك يعني اني ... اصل انا عاوزة اكلم نؤنؤ وحشتني اوي وزمانها قلقانة عليا جدا"

نظر لها لبرهة متفحصا ثم هز رأسه بالموافقة 

-" يعني ايه كده اكلمها يعني؟!"

-" ايوة كلميها منا قولتلك ماشي"

غلى الدم في عروق مارية من طريقته الباردة التي يتعامل معها بها فقالت:

-" هو انت فاكرني بستأذنك مثلا!"

بنفس وتيرة البرود أجابها:

-" اومال؟!"

-" انا بعرفك بس عشان لو حاجة حصلت متقوليش بوظتي الدنيا ولا تجيب الغلط عليا في حاجة"

-" طيب ماشي"

كادت مارية تضرب الارض بقدميها من الغيظ"

-" هو ايه اللي طيب ماشي؟!"

-" ماشي فهمت انك مش بتستأذنيني وانك بتعرفيني عشان مالومكيش بعد كده"

رفعت إحدى حاجبيها وانتظرت لا تجد ردًا آخر على كلامه فخرجت وصفقت الباب خلفها وهي تكاد تبكي. 

فتحت هاتفها بسرعة فور دخولها لغرفتها وطلبت رقم نهال وانتظرت الرد. 

-"هالو؟!!"

بصوت خفيض يغلب عليه الحزن تحدثت مارية:

-" نؤنؤ"

-" مارية حبيبتي وحشتيني اوي اوي انتي وحشة انا زعلانة منك كل دا متكلمنيش اييييه كل مرة اقعد بالاسبوع والعشر ايام مستنية مكالمتك"

-" متزعليش يا نؤنؤ انتي عارفة مفيش شبكة ومفيش نت في المكان اللي انا فيه وباضطر اروح على مكان تاني بعيد عشان اكلمك وبعدين منا بكلمك اهو"

-" خلاص يا حبيبتي المهم انتي كويسة ومبسوطة"

بصوت حزين تمتمت مارية:

-" الحمد لله يا نؤنؤ الحمد لله"

-" مالك يا حبيبتي صوتك مش مبسوط"

وكأنما انتظرت هذه اللحظة لتصب ما في عينيها من فيضانات وانهارت بالبكاء على كل شئ وهي تقول:

-" وحشتيني اوي يا نؤنؤ وحشتيني اوي"

انهارت نهال هي الأخرى من البكاء:

-" منا قولتلك ولا انا ولا انتي نقدر نبعد عن بعض انتي اللي ركبتي دماغك"

-" معلش بقا يا نؤنؤ خلاص اللي حصل حصل"

طيب يا حبيبتي متزعليش ان شاء الله تخلصي ونتقابل قريب او حتى اجيلك انا قوليلي عنوانك بالظبط وانا اجيلك"

-" لا لا تجيلي ايه مش هتستحملي انتي العيشة هنا دي صعبة اوي"

-" وانتي ايش عرفك يابت انتي استحمل ايه ومستحملش ايه انا عاوزة اجي وارقص مع الافارقة انتي مالك انتي"

ضحكت مارية من قلبها ومسحت دموعها قائلة:

-" هنا بعد ما بيرقصوا بيتعشوا بالضيف اللي كان بيرقص معاهم"

-" يا ماما ..... لا خلاص بس اوعي تنسي انتي وتهزي وسطك معاهم عشان انا عارفاكي ما بتصدقي تسمعي طبلة"

-" لا متخافيش عليا "

وقبل أن تنهي مارية المكالمة استوقفتها نهال بسرعة:

-" صحيح يا ميرو بقولك ايه ابوكي بيسأل على الشنطة هايتجنن"

-" يوووه هو فيها ايه الشنطة دي مخليه يسأل عليها بالطريقة دي"

-" والله ما اعرف يا بنتي دنا حتى قولتله اشتريلك زيها بالظبط ونفس الماركة مصمم انه عاوز الشنطة وعمال يسألني انتي فين بالظبط وهترجعي امتى"

ضحكت مارية بأسى :

-" دا مسألنيش وانا مسافرة انا رايحة فين بالظبط جاي دلوقتي وبيسأل على الشنطة!!"

-" معلش يا مرمر انتي عارفة قطته جمل"

-" خلاص ماشي قوليلو اني هاخلي بالي عليها ولو عاوز اشحنهاله وابعتهاله اوكيه" -" 

-" قولتله على الحل دا بردو وقالي مينفعش الشنطة تيجي لوحدها"

همهمت مارية بحزن بالغ وهي تحبس العبرات في عينيها غصبًا ثم قالت:

-" طب انا هقفل دلوقتي يا نؤنؤ عشان انا مش سامعة نص كلامك هاكلمك بعدين"

أغلقت الهاتف وهي تشعر أنه بالرغم من اتساع تلك الدنيا.. وهذه الأرض أن لا مكان لها فيهما، وأنها محاطة بجدران وهمية عالية تطبق على صدرها المتأجج بالدموع وتمنعها حتى من التنفس، تمنعها من رؤية السماء واستراق الأمل منها وكأنما هذه الجدران ستطبق عليها وتدفنها تحتها للأبد !! وضعت رأسها على الوسادة ولم تعلم بأي وقت أغمضت عينيها المعبأتين !!!!


                  الفصل الثلاثون من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close