رواية سارقة الهوي الفصل التاسع عشر 19بقلم مني السيد

         

رواية سارقة الهوي

الفصل التاسع عشر 19

بقلم مني السيد



توقف عقل يوسف عن التفكير لبرهة الا أن يده أسرعت لحملها بسرعة وكأنه رد فعل عكسي يدافع به عن نفسه فأسرع وهو يصرخ :

-" افتحي الباب يا ماما بسرعة"

 أسرعت منى تفتح الباب وقد شحب وجهها ولاحظ يوسف ذلك فقال محاولا أن يطمئن نفسه ويطمئنها:

-" متقلقيش يا ماما انا هاوديها اقرب مستشفى متخافيش وهبقا اطمنك"

كان يقول آخر كلماته في الطابق السفلي وخرجت نادين فزعة على صوته.  

-" فيه ايه يا استاذ يوسف ايه اللي حصل"

أجابها وقد تهالكت اعصابه:

-" تعرفي توديني اقرب مستشفى بسرعة"

أسرعت تحضر احدى العباءات خاصتها وهي تغلق باب الشقة وتقول لوالدها بصوت مرتفع:

-" متقلقش عليا يا بابا هشوف جارتنا فيها ايه وهاجي على طول"

وأسرعت تتقدم يوسف الذي بدأ يتصبب عرقا رغم برودة الجو، ورفعت يدها وهي تنادي:

-" توكتووووك يا توكتوك "

وبسرعة وقفت تلك العربة الصغيرة امامهم ودلف إليها يوسف وهو مازال حاملا مارية التي باتت في حضنه الآن وجلست نادين بجانبهم على اطراف الاطراف ومن ثم أخبرته بوجهتهم

-" مستوصف الصحابة يا اسطى بسرعة"

لم تمر سوى خمس دقائق الا ووصلوا للمكان المراد، وما إن توقف التوكتوك حتى هرع يوسف لداخل المكان واستقبلته ممرضة :

-" ايه فيه ايه مالها ؟!"

-" عاوز دكتور بسرعة لو سمحتي"

-"طيب قولي مالها بس وانا اجيبلها دكتور بعد كده"

كاد يوسف يضرب الممرضة على برودها ذاك ولكن منعه حمله لمارية بكلتا يديه، ثم أجاب بنفاذ صبر:

-" لخبطت في الاكل وعمالة ترجع واغمى عليها"

-" طيب حاضر سيبها هنا وروح انت الاستقبال عشان البيانات"

-" انتي اتجننتي اسيبها هنا فين وبيانات ايه؟ ما تسعفوها الاول وبعدين خدوا الزفت البيانات"

تدخلت نادين بسرعة:

-" معلش يا حبيبتي اخته وقلقان عليها روحي اندهي لنا دكتور بسرعة عقبال ما نستكمل البيانات انا ممرضة زيك وعارفة كل الاجراءات"

نظرت إليهما ببطء يكاد يجعل يوسف على حق في قتلها ثم استدارت وهي تزحف بخفيها وتصدر صوتا مقيتا بهذا الخف المزعج اللعين.

أمسكت نادين بمعصم مارية لتقيس لها النبض

-" النبض مش كويس يا استاذ يوسف تعالا تعالا ندخلها الطوارئ نريحها على اي سرير"

ركض يوسف خلفها بسرعة وبالفعل أراحها عند أول سرير وجده ثم أخذ يبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها المتعرق برفق وهو يلهث رغم خفتها وعدم شعوره بثقلها، في حين أسرعت نادين بالخروج لتدل الطبيب على مكانهم وحضر الطبيب بسرعة وقبل أن يسأل يوسف أسرع الأخير بإخبار الطبيب:

-" لخبطت في الاكل جامد وهي مش متعودة على ده وفضلت ترجع كتير وفي الاخر اغمى عليها كده"

كان يوسف يتكلم بسرعة وبدأ الطبيب في معاينتها وقبل أن يكشف الطبيب عن ملابسها سأله :

-" انت تقربلها ايه ؟!"

أسرعت نادين تخبره:

-" اخوها يا دكتور اخوها"

فبدأ الطبيب في كشف ملابسها مما جعل يوسف يدير وجهه ثم استأذن خارجا وهو يحدث نادين بهمس:

-" انا هاخرج برا معلش من فضلك خليكي معاها"

هزت رأسه تطمئنه بثقة :

-" متقلقش انا مش هاسيبها "

بعد قليل خرج الطبيب متوجها ليوسف:

-" متقلقش مش حاجة كبيرة دي نزلة معوية وعشان زي ما بتقول هي مش متعودة على كده جسمها متحملش الدوار والترجيع انا علقتلها محلول شوية وهتفوق وتاخد سوايل كتير وتاكل خضروات كتير وتريح متعملش مجهود ودي الادوية اللي هتاخدها بالشفا"

وانصرف الطبيب من أمام يوسف الذي دلف بسرعة حيث مارية وهو ينظر لها بأسى. 

-" متقلقش يا استاذ يوسف هتبقا كويسة هي بس عشان مش متعودة ع الاكل المصري وتلاقي الفسيخ كان تقيل عليها حبتين، وكويس ان مامتك بخير"

انتبه يوسف انه لم يهاتف والدته فضرب على جبهته 

-" ااااه ماما دنا مطمنتهاش"

وأخرج هاتفه بسرعة :

-" ايوة يا ماما متقلقيش يا حبيبتي هي بخير ... نزلة معوية يا ماما ... حاضر حاضر يا حبيبتي متقلقيش انتي بس"

تحدثت نادين :

-" لو تحب تروح لوالدتك وانا افضل معاها هنا اتفضل"

-" لا لا انا مش هاسيبها"

وبعينين حالمتين تنهدت نادين :

-" يا بختهم بيك يا استاذ يوسف "

كان ينظر إلى مارية ولكنه التفت إلى نادين حين قالت ذلك وهو لا يفهم ماذا تقصد تحديدًا 

فأردفت موضحة:

-" يعني حضرتك ما شاء الله يعني محترم وبتحب والدتك واختك مفيش زيك كتير اليومين دول"

-" انتي عندك اخوات يا نادين"

تحدثت نادين بأسى :

-" لا يا استاذ يوسف للاسف انا وحيدة وعايشة مع بابا اصل ماما الله يرحمها"

-" خلاص اعتبريني اخوكي وم... مريم كمان اختك انتي النهاردة وقفتي جنبها زي اي اخت حقيقية"

ابتهجت نادين على عكس ما توقع من كلماته وقالت:

-" ربنا يخليك ليهم ... قصدي لينا بقا"

ابتسم يوسف ابتسامة صادقة والتفت لمارية حين رأى عينيها تتفتح كزهرة صغيرة مازالت لم تتعلم التفتح بعد! كان الارهاق يبدو على وجهها ولكنها ابتسمت لكلا منهما وحاولت الاعتدال إلا أن يوسف ونادين منعاها فأذعنت وارتاحت مرة أخرى وهي تتساءل بوهن:

-" هو ايه اللي حصل؟ انا فين هنا؟" 

حاولت نادين طمأنتها :

-" متقلقيش انتي بخير وكل شئ تمام ريحي انتي بس لحد ما المحلول يخلص وهنروحك على طول"

ثم نظرت لنادين وبامتنان حقيقي قالت:

-" شكرا بجد يا نادين انتي من هنا ورايح اختنا بجد "

لا تعلم لما شددت على الجمع في كلماتها ولكنها شعرت بصدق تلك اللحظة بينها وبين نادين وارادت ان تؤكد على ما سمعته منذ قليل من حديثهما.

-" متقوليش كده احنا اخوات وانا باعتذرلك يعني اني كنت غلسة شوية في الاول بس حسيتك معووجة كده ومتعنطزة فخفت منك بصراحة"

ضحكت مارية بوهن :

-" انا فهمت الاولانية ، لكن التانية اكيد زيها، على العموم يا ستي ادامك فرصة اهو تتعرفي عليا تشوفيني معنطزة ولا لا "

ضحكت نادين :

-" هو انتو في السعودية مكنتوش بتتكلموا مصري ولا ايه؟" 

استدرك يوسف بسرعة:

-" اصل انتي عارفة في السعودية فيه كل اللهجات وكده فعشان كده هتلاقيها متلخبطة كده على طول"

ظلا يتحدثان معها إلى أن ينتهي المحلول من سريانه في وريدها حتى لا تشعر بالملل ثم استجمعت نفسها وذهب الجميع للمنزل ويوسف يضع يدها في يده ليسندها في حنو وهي لم تمانع فقربه منها يشعرها بالأمان والاطمئنان على عكس ما يبدو منها !!!

استقبلتهم منى بلهفة وهي مازالت قلقة:

-" ايه يا ولاد ايه اللي حصل ؟ طمني يا يوسف ؟ انتي كويسة يا مارية؟"

ابتسمت مارية وهي مازالت تستند على يد يوسف:

-" متقلقيش يا منمن انا كويسة متخافيش"

-" قلقتيني اوي عليكي يا حبيبتي الحمد لله عدت المرة دي بس ابقي اهدي على نفسك بقا في الاكل هاا"

-" لا خلااااص حرمت "

تحدثت منى باستغراب وهي تسألها :

-" هو انتي وشك احمر ومنفخ ولا انا بيتهيألي"

-" لا مش بيتهيألك يا منمن ولسه هايحمر كمان وهافضل اهرش فيه طول الليل"

نظر إليها يوسف متسائلا:

-" ايه دا ليه كده؟"

-" أصلي بصراحة عندي حساسية من الجوز واللوز والفول السوداني"

هز يوسف رأسه ساخرًا :

-" ااااه وسيادتك لهطتي طبق رز بلبن بالمكسرات دي كلها زي الشاطرة مش كده"

نظرت إلى الأرض خجلة وقالت:

-" منا قولت مرة من نفسي مش هيجرالي حاجة من مرة !"

-" امال لو مكنتيش دكتورة بس كنتي عملتي ايه"

-" انا دكتورة طفسة يا سيدي خلاص"

هز يوسف رأسه في تهكم وهو مازال ممسكا بها ثم وجهها نحو حجرتها فاعترضت قائلة:

-" اييييه دا انت موديني فين "

-" هادخلك اوضتك عشان ترتاحي"

-" لا لا مش عاوزة ادخل اوضتي هاتخنق لوحدي انا عاوزة اقعد معاكم هنا انا بقيت كويسة خلاص"

-" وتركت يده واستندت على الأريكة لترتاح عليها "

-" طلعي رجلك طيب على الكنبة عشان تريحي وانا هادخل جوا عشان تاخدي راحتك"

نادته بوهن به بعض الدلال:

-" يوسف ... انا بقولك عاوزة اقعد معاكم خليك قاعد معانا"

ارتخت عيناه لوهلة وتوقف ذهنه بل وقدمه عن السير حين نادت اسمه بهذه الطريقة فتنحنح قائلا:

طيب تمام اهي فرصة كمان عشان افضل معاكي لحد ما يجي معاد الحقنة"

انتفضت مارية :

-" حقنة!! حقنة ايه انا هاخد حقنة"

قهقه يوسف ضاحكا:

-" ايه يا ست الدكتورة بتخافي من الحقنة ولا ايه يا بيضا "

-" لا لا انا مبخافش طبعا بس دي وريد ولا ايه؟!"

غمزها يوسف:

-" ولا ايه"

احمرت وجنتاها وهي تنظر لمنى بعتب ومنى تبادلها النظرات وكأنها تقول لها ( الله وانا مالي)

-" طط.. طب ودي مين هيدهالي ؟"

ابتسم يوسف ابتسامة مغيظة وهو مازال ينظر إليها باستفزاز:

-" انتي عاوزة مين يدهالك"

ارتفع صوت مارية فجأة:

-" منمن طبعا اللي هتدهالي امال مين يعني"

تدخلت منى في هذا الحوار اللذيذ وقالت بتسلي:

-" انا مبعرفش ادي حقن يا ميرو"

نقلت مارية أنظارها بينهما وهي تكاد تبكي وقد احمرت وجنتاها أكثر فأكثر فأكثر. وأسرع يوسف يطمئنها قائلا:

-" بس بس اهدي نادين هي اللي هتديهالك هي اتفقت معايا انها هاتطلعلك كل يوم في نفس المعاد عشان تديكي الحقنة"

وكأنها بالونة منتفخة وفتح أحدهم صمامها أخذت تتنفس بلا هوادة وهي تحمد الله على وجود نادين وهي التي كانت لا تطيق رؤيتها من قبل!!!

انتبه الجميع مع صوت رنين هاتف مارية وقطب يوسف حاجبيه وهو يسألها:

-" انتي لحقتي تدي رقمك لحد داحنا لسه شاريين الخط النهاردة اوعي تكوني اتصلتي بمامتك ف امريكا"

أجابت وقد بدأت تحك في وجهها من أثر الحساسية:

-" لا طبعا انا معملتش كده وماما اصلا عارفة اني افريقيا عموما متعرفش اني في مصر تحديدا"

تدخلت منى وهي تتكلم بسرعة:

-" انتو هتفضلوا تتناقروا وتسيبوا التيلفون يرن، ردي يمكن تكون نمرة غلط ولا حاجة"

فتحت مارية هاتفها وأشار لها يوسف بتجهم أن تفتح مكبر الصوت وهي تهز رأسها نافيه وتضعه على أذنها وتجيب:

-" هالو...

-" اهي هالو دي لوحدها غلط...

-" مين معايا؟

اتسعت عينا يوسف غضبا وهو يشير لها مرة أخرى أن تفتح المكبر وهي ترفض للمرة الثانية وضربات قلبها تزداد توترا من عساه يعرفها هاهنا!!!

-" انا قولت اتطمن عليكي عشان عرفت انك تعبتي وروحتي المستشفى، الف سلامة عليكي يا قمر....

انزعجت مارية أكثر وعلا صوتها وبدأت تحك في وجهها بشدة:

-" انت هتقول انت مين وعرفت منين اني كنت في المستشفى ولا اقفل السكة في وشك وابلغ البوليس....

قهقه الطرف الآخر ضاحكا بصفاقة وسمع يوسف صوت ضحكاته من على بعد فأخذ الهاتف من يدها وفتح المكبر وهي تحاول منعه مع صوت الضحكات التي انتهت الآن وصاحبها يقول بغرور:

-" انا البوليس يا حلوة ههههههه انتي معرفتنيش انا رأفت يا قمراية!!!!


               الفصل العشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>