رواية سارقة الهوي الفصل العشرون 20بقلم مني السيد

          

رواية سارقة الهوي

الفصل العشرون 20 

بقلم مني السيد



-" ايه دا انت بتراقبني ولا ايه"

-" ابدا يا قمراية دا بس عشان حمايتك انتي واللي معاكي متقلقيش مني خالص انا عاوزك ترتاحي كده وتاخدي عليا عشان نعرف نشتغل مع بعض"

-" يا فندم....

-" اهو شوفتي انا مش عاوز يافندم دي بقولك عاوزك ترتاحي وتاخدي عليا"

كان يوسف يقضم شفتيه المضمومتين بعصبية وهو يمسك الهاتف بيده ومارية تجيب:

-" اعتقد يافندم ان الشغل اللي ما بينا ميسمحليش اني ارتاح واخد على حضرتك واتمنى حضرتك تتفهم دا ان أي علاقة مهنية مينفعش يبقا فيها اي نوع من الاخدان على بعض"

-" حلوة علاقة دي عجبتني، المهم انا قولت اتطمن عليكي ودا في صميم شغلنا وشدي حيلك كده عشان احتمال نتقابل قبل المعاد المحدد عشان حضرتلك شغل ولازم تروحيه بسرعة ابقي تعاليلي المكتب بعد بكرة تكوني بقيتي كويسة"

-" اوكيه حاضر هانجيلك انا ويوسف بعد بكرة الساعة ١١ اوكيه؟!"

-" اوكيه"

وأغلقت الهاتف مع صوت هدير أنفاس يوسف الذي يتطاير الشرر من عينيه وهو ينظر لمارية بغضب!!

-" اييييه فيه ايه بتبصلي كده ليه ؟؟ انا مديتلوش النمرة والله دا حتى عرف اني كنت في المستشفى؟"

 اقترب من أذنها وهو يجز على أسنانه وبصوت خفيض ولكن يملؤه الغضب:

-" لما اقولك بعد كده على حاجة تعمليها لما اقولك افتحي السبيكر تفتحيه في وقتها على طول "

ثم رمى بهاتفها على الأريكة ودخل غرفته غاضبا صافقا الباب خلفه. 

لم تجد مارية داعيا لكل هذا الغضب ونظرت لمنى في حيرة:

-" هو انا عملت ايه دلوقتي هو اتنرفز عليا ليه دنا حتى رديت بكل جدية ومديتش فرصة لرأفت دا أنه حتى يطول معايا في الكلام صح يا منى"

كانت نظرات منى غريبة وهي تصلح لها خصلات شعرها وراء أذنها:

-" معلش يا ميرو هو بس بيحب كلامه يتسمع متزعليش"

هزت كتفيها حسرة على تلك الهدنة الجميلة التي كادت تهدئ من فوران بركان علاقتهما سويا!!

                   **************************

بعد يومان كانت تجلس في المكتب المتفق عليه ويوسف يسند رأسه بكلتا اصبعيه وهو ينظر لها بنفاذ صبر

-" فيه ايه بتبصلي كده ليه؟"

-" هو انا جيت جنبك !"

-" بترد عليا كده ليه كده؟"

-" عاوزاني ارد عليكي ازاي يعني؟"

زفرت مارية بحنق وهي تدير رأسها عنه:

-" اوووووف هو مفيش مرة يجي في مواعيده مظبوط ولا ايه؟"

وبابتسامة صفراء أجابها يوسف:

-" معلش بقا بيتقل عليكي وكده"

قطبت حاجبيها وهي تكاد ترشقه بسهام غير مرئية من عينيها مع دخول المقدم رأفت مبتسما ابتسامة لزجة ويتبعه هذا الولد النحيف حاملا له الحقيبة كالعادة، وضعها على المكتب ثم أشار له المقدم رأفت بعنجهية بطرف اصبعه بالخروج من المكتب. 

جلس معتدلا ثم حوّل ناظره إلى مارية:

-" لاااا داحنا بقينا عال العال اهو ، دانتي حتى احلويتي اكتر"

قبض يوسف على سلامياته وكأنه يمنعها من الالتقاء بوجه ذلك السخيف، وبادالته مارية نظرة سخيفة كخاصته:

-"ممكن اسأل سؤال؟!"

انتبه يوسف لطلبها هذا، وشبك رأفت يديه فوق المكتب ثم قال بابتسامة عريضة -"اه طبعا اتفضلي يا قمر"

سألت مارية بجدية:

-" هو انت مبتعرفش تشيل الشنطة بنفسك؟! عندك سبب يعني مخليك ممشي الولد وراك طول الوقت كده عشان يشيل ليك الشنطة ولا الموضوع ايه بالظبط انا بحاول افهم يعني تعبان او مريض او كده؟!"

كتم يوسف ضحكته وهو ينتظر إجابة رأفت الذي اندهش من سؤالها أو بالأحرى من طريقتها المتسائلة بحق!! 

هزت مارية رأسها تحثه على الإجابة فاضطر قائلا:

-" ابدا دا النظام عندنا هنا في مصر انتي بس عشان لسه جديدة"

رفعت حاجبيها استنكارا ثم استطردت

-" طيب، اتفضل حضرتك كنت بتقول لقيت شغل وكده هاا بسمعك"

تحمس المقدم رأفت وهو يخرج بعض الأوراق  والصور من حقيبته  ثم مد لها بصورة رجل في عمر والدها تقريبا وهو يقول:

-" حامد فخري، دا احنا شاكين انه الراس الكبيرة هنا في مصر لكن للأسف مفيش اي دليل عليه وخصوصا في العملية الأخيرة الدي اتبدلت فيها الموميا  بعد ما وصلت المتحف الكبير مباشرة"

جلس كلا من مارية ويوسف باهتمام وانتباه فأردف رأفت:

-" حامد مريض بمرض مناعي بيحتاج انه ياخد نوع معين من الحقن وكمان بيتاخد بطريقة معينة وبجدول زمني ودا طبعا بيحتاج لدكتور شاطر مش مجرد ممرضة هي اللي تدي الحقنة دي وكده وطبعا هما بيدوخوا كل مرة لحد ما يلاقوا دكتور يرضا يقيم معاهم...و"

قاطعه يوسف معترضا :

-"  لا ثانية واحدة !! يقيم؟!!! لا طبعا مش هينفع مارية تقيم او تبات هناك"

نظر له المقدم رأفت بنفس العنجهية قائلا:

-" ودا ليه بقا ان شاء الله هي معهاش حد من أهلها لا يقولها رايحة فين ولا جاية منين"

وقبل أن يهم يوسف بالرد المناسب هبت مارية تقول:

-" يوسف بيتكلم صح انا مش ممكن ابات هناك لوحدي وفي وسط ناس حضرتك عارف انهم خطرين دا اولا وثانيا مش معنى اني لوحدي ومن غير أهلي اني براحتي ومفيش لا دين ولا أخلاق تحكمني انا اه متربية في امريكا لكن متربية على الاخلاق والدين قبل كل حاجة"

-" طيب طيب اهدوا بس انا كل قصدي يعني عشان تبقي متواجدة معاهم بصفة مستمرة ونخلص من القضية دي بسرعة ، بس ع العموم هما اكيد هيرضوا بأي دكتور يوافق انه يتفرغلهم حتى بالنهار بس"

-" اوكيه تمام يبقا بالنهار بس، ها هاروح امتى وازاي"

ابدا انتي هاتروحي  النهاردة بالليل مطعم في وسط البلد هاديكي اسمه وتقعدي مع اي حد انتي تختاريه و.." اختلس النظر إلى يوسف بضيق ثم اردف:

-" وتحاولي تتكلمي في موضوع الشغل دا ادام الراجل دا" 

ثم أخرج لها صورة أخرى واستكمل حديثه :

-"والباقي هيبقا عنده متقلقيش"

-" اوكيه تمام اتفقنا"

كل هذا وما زال يوسف يسند رأسه بإصبعيه وكأنما يستمع لحكاية مملة وهو يحدق برأفت منتظرا أن يأتي عليه الدور والذي ما إن لاحظه الأخير تنحنح قائلا: 

-" بالنسبة للأستاذ يوسف انت هتفتح شركة سياحة صغيرة كده على ادك بتحويشة العمر اللي جبتها من السعودية وطبعا انت عندك لغات كتير ف دي هتبقا حاجة سهلة بالنسبة لك وواحدة واحدة هندخلك في تجارة الآثار عشان تقابل الناس دي وتعمل معاهم بيزنس و..."

قاطعه يوسف :

-" واحده واحده انت بتكلم عيل صغير ولا ايه انت عارف عشان بس يبقا ليا اسم في الموضوع دا والناس دي تثق فيا وتآمن ليا  محتاج كام سنة؟؟"

-" دا شغلي انا بقا يا استاذ يوسف اني اخليك تدخل بسرعة وبرجل صلبة وبثقة"

زفر يوسف وشعوره بالنفور من هذا الشخص يزداد خاصة وهو يشعر انه يريد ان يبعده عن مارية بأي طريقة لا يعلم هل هذا مجرد شعور أم أنه حقيقة بالفعل !!

وصلا الاثنان إلى المنزل على رائحة طعام ذكية وعينا مارية تلمع وهي تصعد الدرج وتقول :

-" هو اللي انا شماه دا بجد ولا حقيقة"

ضحك يوسف :

-" بجد ولا حقيقية دا ايه الذكاء دا "

ابتلعت ريقها الذي سال من تلك الرائحة التي تحبها كثيرا:

-" انا حاسة ان الريحة بتقرب الريحة دي من عندنا من عند منمن " ثم قفزت بخفة تصعد الدرج زوجيا ويوسف يضحك على تلك الشقية، وبسرعة فتحت باب الشقة وهي تسحب نفسا عميقًا 

-" امممممم الله عليكي يا منمن يا أحلى منمن في الدنيا انا مش مصدقة مناخيري وخلااااص بريّل"

جاء يوسف من خلفها وهو يقول بإغاظة:

-" بريّل؟! في دكتورة محترمة تقول بريل ايه القرف دا!"

نظرت له بغضب وهي تعض على شفتيها من الداخل:

-" بص انا مش هتخانق معاك عشان لو اتخانقت هاضطر اتقمص على الأكل وادخل اوضتي وانا لا يمكن اضيع أكلة المحشي دي ابداااااا دي كنز يابني دنا مكنتش باكلها الا لما حد يكون جاي من مصر وجايب معاه كرنب وتخيل بقا دي بتحصل كل فين و فيييييين "

-" ليه ماهو فيه كرنب في امريكا عادي "

-" انت شكلك مبتحبش المحشي صح عشان كده مش خبير فيه متعرفش ان الكرنب اللي هتاك مش زي الكرنب المصري بتاع المحشي الجميل اللي مش قادرة استنى عليه وهادخل اكله من الحلة على طول"

كانت تقول كلماتها وهي تهرول نحو المطبخ وتحتضن منى الواقفة تباشر نضج الطعام "

-" حد قالك قبل كده انك احلى منمن في الدنيا هه حد قالك"

وأخذت تقبلها في وجنتيها وتأخذ طبقا وتقول :

-" انا عاوزة آكل دلوقتي استوى مستواش هاكله دلوقتي"

نهرتها منى مبتسمة:

-" يابنتي استني لسه مستواش عشان بطنك متوجعكيش تاني"

وكأنما تذكرت ما حدث منذ يومان تراجعت قليلا وهي مترددة ثم قالت:

-" ايوة فعلا عندك حق بس انا مش قادرة بقا طب بصي هادوق واحدة بس لحد ما يستوي "

أشارت منى بسبابتها محذرة:

-" واحدة بس !"

-" اه والله واحدة بس وهادخل اخد دش واغير هدومي واستنى وانا آخر أدب ها ايه رأيك ؟!"

-" طيب يا مقروضة دوقي يالا وقوليلي رأيك؟"

-" الجواب باين من ريحته يا منمن دنا بنهاااار"

ولاحظت الاثنتان وقوف يوسف على باب المطبخ عاقدا ذراعيه ويظهر التجهم بالغا على وجهه"

وجهت له مارية الحديث وفمها ممتلئ بالمحشي:

-" مالك مبوز كده ليه دا الليلة عيد"

ربتت منى على كتفيه بحنو :

-" متخافش عاملالك فراخ مشوية وسمبوسك هتاكل صوابعك وراهم"

اتسعت عينا مارية وهي مازالت تمضغ الطعام"

-" انت طلعت بجد مبتحبش المحشي، لااا انت غريب بجد مش معقول"

تجاهلها وكأنما لم تتحدث من الأصل ووجه الحديث لوالدته:

-" انتي مش شايفة ان كل دا تعب عليكي دا البتاع دا لوحده بيهد الحيل ازاي تعملي كل الأكل دا لوحدك انتي عارفة انا مبحبكيش تتعبي كده"

توقفت مارية عن بلع الطعام مع احساسها بتأنيب الضمير :

-" فعلا يا منمن انا آسفة اوي مكنتيش تعبتي نفسك كده"

-" بتتأسفي على ايه هو انتي كنتي طلبتيه مني دنا اللي عملته لوحدي عشان عارفة انك بتحبيه، وبعدين هو انا عندي أغلى منكم عشان اتعبله يعني دا غير اني جبت معظم الحاجات جاهزة فيه واحدة هنا بتوضب الخضار وتجيبه جاهز"

انفعل يوسف :

-" انتي كمان نزلتي ؟!"

-" لا ابدا والله يا يوسف ما نزلت دي نادين ادتني نمرتها وانا كلمتها وبعتتلي الحاجة مع ابنها الصغير اصلها ست ارملة يعني واهي تعتبر مساعدة بردو يا حبيبي"

زفر يوسف وهو يتوجه نحو غرفته :

-" مش عارف انا على ايه الدلع دا كله، انا داخل انام لما الأكل يجهز ابقي صحيني يا ماما"

أشارت لها منى الا تأخذ على خاطرها منه فهزت مارية رأسها بلا اهتمام قائلة:

-" سيبك انتي كله يهون عشان خاطر الاكلة الجامدة دي يا منمن يا قمر "

انا هادخل اخد دش بسرعة واجيلك احضر السفرة واحط الاكل"

ربتت منى على ظهرها :

-" ماشي يا ميرو وانا هادخل اريح خمسة واخد الدوا اللي قبل الاكل بنص ساعة ولما تحضري ناديني عشان اصحي يوسف بس بقولك ايه قبل  ما تحطي الاكل تقوليلي اصحيه احسن دا بيحب الاكل سخن مولع "

-" اه منا عارفة "

نظرت لها منى تستغرب علمها بذلك فتلعثمت مارية مرددة:

-"  ه.. هو قالي مرة قبل كده يوم الملوخية فاكرة"

ردت منى بلؤم:

-" انا مش فاكرة بس يظهر انتي اللي بتفتكري كل حاجة بيقولهالك!!"

احمرت وجنتا مارية وأخذت تهوي بيدها على وجهها :

-" انا هادخل اخد دش احسن الجو بقا حر جامد هنا يظهر من المحشي باين"

ابتسمت منى :

-" ايوة فعلا عندك حق من المحشي اه"

وأسرعت مارية بالدخول للحمام وهي تخلع ملابسها بالداخل.

بعد أن أخذت حمامها لفّت نفسها بمنشفتها الكبيرة وتذكرت :

-" يووووه مجبتش هدوم بردو يادي الغباء، هاعمل ايه دلوقتي؟! هاخدها  جري بقا بسرعة،  كده كده يوسف نايم ومنمن في اوضتها"

وأطلت برأسها من الباب فوجدت الهدوء مسيطرا على المكان فاتخذت القرار بالخروج!!!


             الفصل الواحد والعشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>