رواية سارقة الهوي
الفصل الرابع والعشرون 24
بقلم مني السيد
شعر يوسف بالظفر حين تأكد من احساسه بأن رأفت ليس نزيها او شريفا كما يريد ان يبدو ولكن الآن قد تغير كل شئ وانقلب رأسًا على عقب كيف ستتم المهمة اذا كان الضابط المسئول عنها فاسد او متآمر او حتى طامعًا في ترقية على حساب اي شئ حتى لو كان كشف حقيقتهما امام حامد فخري وأعوانه.
كان لابد ليوسف من قرار حاسم فاتخذ قراره ومضى في سبيله لوجهة هو يعلمها جيدا !!
*******************
بعد ان اجتمعت بالطبيب المعروف في منزل حامد فخري وفهمت طبيعة حالته وكيفية التدخل السريع في حالات الطوارئ تركها الطبيب وذهب لملاقاة حامد في مكتبه:
-" ايه الاخبار يا حامد باشا اتمنى تكون بخير"
-" تمام يا دكتور كل شئ تمام هااا قابلت الدكتورة الجديدة ايه رأيك"
-" والله يافندم انا لما عرفت انها كانت عايشة في السعودية وكده بصراحة قلقت، بس لما شوفت شهادتها واخداها من جامعة دولية مرموقة وبعدين اتكلمت معاها لقيتها فعلا شاطرة وفاهمة وانا هاكون معاها النهاردة وهي بتدي حضرتك حقنة النخاع عشان اتأكد من مهارتها"
-" طيب يا سيدي تمام ملاحظتش حاجة تانية ؟!"
-" لاحظت انها بتتكلم انجليزي كويس اوي ودا بردو غريب على واحدة عايشة عمرها كله في السعودية والتعليم هناك انت عارف مش بيهتموا باللغات اوي بس هي فهمتني انها في مدارس دولية خاصة من صغرها "
-" امممممم محستش فيها بلكنة ايطالية مثلا ؟! والحاجات والمدارس اللي قالتلك عليهم نقدر نتأكد منها بسهولة مش كده؟!"
-" هو حضرتك قلقان منها في ايه بالظبط؟!"
-" انا بس عاوز اتأكد انها كانت في السعودية، عاوز اعرف كل المعلومات عنها قبل ما شوشو تيجي من السفر"
-" عندك حق شوشو هانم طول عمرها من وهي صغيرة مبتحبش تتفاجئ بحاجة عشان كده لازم تعرفها كل المعلومات عن البنت دي"
هز حامد رأسه بتوتر وكأنه يفكر في أمر ما أكبر من ذاك بكثير !!
-" انت معايا من اكتر من عشرين سنة يا أشرف انت مش بس الدكتور بتاعي انت صديقي كمان، بس اوعا تقول ادام شوشو كلمة وهي صغيرة دي احسن تقتلك"
قهقه كلاهما ثم تحدث أشرف:
-" انا عارف طبعا يا حامد بيه وليا الشرف ان..."
وقبل ان يكمل حديثه طرقت مارية طرقات خفيفة على باب المكتب فسمح لها حامد بالدخول وهو يقول:
-" لا وكمان مظبوطة في مواعيدك بالثانية"
-" الحقنة دي بالذات مينفعش فيها اي تأخير اتفضل حضرتك بس انا مش عارفة حضرتك تحب تاخدها فين"
-" في اوضتي انا دايما باخد الحقنة في اوضتي"
صعد الجميع لغرفة حامد التي يبدو انها ليست له وحده فقد لاحظت ذوقا نسائيًا في تلك الغرفة كما انه توجد على المرآة انواعا من أغلى قنينات العطور النسائية متراصة بشكل جميل.
ويوجد ايضا سرير طبي خاص في احدى زوايا الغرفة وكأنه في غرفة منفصلة متصلة!! جلس حامد مستعدا للحقنة وبدأت مارية في عملها بتركيز وانتهت منه بسرعة ودقة مما ادهش كلا من حامد والطبيب معًا
-" واضح يا دكتور ان فيه ناس هاتسحب البساط من تحت رجليك دكتورة مريم شكلها شاطرة جدا"
-" الحمد لله يافندم اتمنى اكون عند حسن ظن حضرتك انا مقدرش اقولك كانت ايدي خفيفة ولا لا لان الحقنة دي للاسف لازم توجع ولازم تاخد وقتها فاتمنى اني مكنش تقلت على حضرتك اكتر من اللازم"
-" كده بردو يا دكتورة مريم بعد العمر دا كله تيجي انتي تاخدي مكاني كده على الجاهز"
-" لا يافندم انا مقدرش طبعا" ثم وجهت كلامها لحامد الذي استلقى على سريره الوثير الآخر
-" طيب نسيب حضرتك تستريح شوية!"
-" اوكيه يا دكتورة مريم لو احتاجتك هادوس على الزرار دا هيرن في اوضتك"
-" تمام يا حامد بيه ومن المفضل كمان ان حضرتك تاخد نمرتي عشان لو مكنتش في الاوضة ولا حاجة ، زيادة تأكيد"
طرقات قوية على باب الحجرة استغربتها مارية من عساه يدق على باب حجرة النوم هكذا !!
من بعدها دلف شاب طويل ذو شعر كستنائي ناعم وذقن طويلة مدببة من نفس لون شعره بل افتح قليلا يهذبها بطريقة على احدث صيحات الموضة ولكنها تليق به للغاية كما ان لون عينيه يكاد يكون بنفس لون شعره وذقنه مما اعطاه مظهرا متناسقا ووسيما للغاية.
-" ايه يا حبيبي انت اخدت الحقنة" ثم نظر حوله يبتسم لدكتور أشرف ثم لمارية بدورها :
-" اه يا عم انت لقيت دكتورة حلوة وصغيرة بقا عشان كده طب والله لا اقول لشوشو عليك"
ضحك حامد ضحكات متقطعة متعبة :
-" ياواد يا خلبوص متقلقش شوشو عارفة كل حاجة من قبل ما تحصل اصلا انت عارفها متعديش من عليها فتفوتة"
-" هي هاتيجي امتى صحيح؟!"
-" يمكن بعد اسبوع او اقل لسه مخلصتش اللي بتعمله في ايطاليا، المهم انت قولي عملت ايه في الشركة وعملت ايه في ايمن الصاوي دا كمان"
قاطعت مارية حديثهما قبل أن يدخلا فيه:
-" طب استأذن انا بقا، ولو احتجت حاجة يا حامد بيه انا في اوضتي لحد معاد خروجي"
ابتسم لها كلا من حامد وذلك الشاب الوسيم وخرجت مسرعة وهي تؤنب نفسها:
( مش كنت وقفت اسمع هيقولوا ايه عن الشركة دي، ومين ايمن الصاوي دا كمان لا لا طبعا غلط كده كانوا هيشكوا فيا وبعدين يعني هما لو فيه حاجة عن الموميا كانوا هيقولوها ادامي مثلا دا ايه الغباء بتاعك دا يا مارية؟؟ طب امال انا هاعرف معلومات ازاي دنا حتى مش هاعرف اتصنت من الابواب الكبيرة اللي حطينهالي في كل حتة دي؟ لما اروح ابقا احكي ليوسف عن كل حاجة..... يوسف !! )
وكأنها لم تتوقف عن التفكير به، وكأنه يقبع في جزءٍ من عقلها يراقبها ويراها من داخلها من حيث لا تدري!!!
*************************
شبّك الرجل المهيب يديه على مكتبه الفخم:
-" بس انت عارف يا يوسف انه مينفعش تتخطى الظابط اللي بيشتغل معاك في المهمة!!"
-" يافندم الكلام دا لو انا ظابط زيه وبعدين حضرتك سمعت التسجيل بنفسك حتى لو هو مش متعاون او متآمر مع حامد وعصابته فهو غير أمين، انا يافندم حطيت حياتي وحياة والدتي وحياة مارية في خطر عشان بس تكتمل المهمة دي، انا كنت اقدر اسلمكم مارية هي تعمل كل حاجة لوحدها بس لاني شوفت وسمعت اللي حصل معاها كان من واجبي اني اكون موجود في المهمة دي، وبعدين حضرتك عارف ان سعادة السفير مكانش بالنسبة ليا مجرد رئيس او مدير في الشغل حضرتك عارف العلاقة ما بينا كانت عاملة ازاي"
-" عارف عارف يا يوسف، طيب انت طلباتك ايه دلوقتي"
-" انا بصفتي موظف ذو طابع خاص في الدولة وحضرتك عارف اني بتعامل مع القطاع بتاعكم مباشرة من زمان ومع حضرتك شخصيا فاعتقد ان دا يديلي الحق اني اشتغل في المهمة دي من غير المقدم رأفت"
-" انت طول عمرك شغال ومتعاون معانا هنا في المخابرات واثبت جدارتك في الموضوع دا لكن من غير ظابط يوجهك دي هتبقا حاجة صعبة جدا"
-" ماهو يا فندم احنا لو غيرنا المقدم رأفت مش بعيد يشك ولو ليه يد في العملية دي كده المهمة كلها هتبوظ"
-" طيب بص يا يوسف انا هاشتغل معاك بنفسي على القضية دي التعامل هيكون مباشر معايا ومهمتك هتزيد اكتر لانك هتفضل تتعامل مع المقدم رأفت بس بهدف تاني، بهدف كشفه مش بهدف العمل معاه"
وقف يوسف بسعادة وهو يسلم على 'حاتم المراغي' مدير المخابرات شخصيا باحترام ويشكره لانه تفهم الموقف ووافق على مساعدته في الأمر واتخذ كلاهما احتياطات وسبل الإتصال ببعضهما في أمان!!!
*********************
دلفت مارية وهي تضع الاكياس التي في يديها وتنادي:
-" يا منمن يا يوسف تعالوا شوفو انا جبت ايه"
هرولت منى من حجرتها بابتسامتها البشوشة:
-" ميرو حبيبتي اتأخرتي اوي، ايه جايبة ايه؟!"
-" جبت فطير مشلتت وعسل وهنتهلوس للصبح"
-" هنتهلوس ايه بس انتي هاتجنينا كده اسمه هنتلحوس"
-" ايوااااااا هنتلوحس دي امال فين يوسف؟!"
-" كلمني من شوية وقال انه جاي في السكة"
أغلقت مارية الأكياس بخيبة بعد ان كانت قد بدأت في فتحها بحماس
-" ايه يا ميرو مالك زعلتي كده ليه هو انا منفعش "
اقتربت منها مارية وهي تلف يديها حولها :
-" متنفعش ازاي بس يا منمن يا قمر انت دانت تاكل الجو كله"
-" والله انتي بكاشة زي الواد التاني وبتاكلوني ف كلمتين متنكريش انك زعلتي انه مش موجود"
-" يامنمن انا مش قصدي كده انا بس عارفة ان الفطير والعسل دا غلط عليكي ومش عاوزاكي تتقلي فيه انا جبت واحدة بس والله لينا كلنا عشان كلنا منتقلش"
-" طب احمدك يارب اخيرا بقيتي تفكري بعقلك مش ببطنك "
سمعت السيدتان صوت مفتاح الباب وهو ينفتح وضربات قلب مارية تنفلت منها ويوسف يدلف مناديًا :
-" يا ماما يا ميرو تعالو شوفو انا جبت ايه"
نظرت إليه الاثنتان وحين رآهما قال فرحا:
-" جبتلكوا فطير ومش بس انتي يا ماما مش عاوزك تتقلي فيه هه"
انفجرت كلا منهما في الضحك وهو ينظر إليهما غير فاهم إلى أن ذهبت مارية للأكياس خاصتها وفتحتها ليجد أمامه فطير وعسل فاغمض عينيه بخيبة أمل:
-" انتي طبعا اللي جبتي الحاجات دي انتي ايييه مبتهمديش هتخلصي الاكل اللي في مصر كله كده"
-" والله انا قولت ناكل ونلحوس اصل نؤنؤ كانت بتعملنا الفطير دا هناك في امريكا لكن كنا بناكله بعسل مش بمش"
ثم اردفت وهي تسرح للاعلى وتمسك بخصلات شعرها
-" حلوة الكلمة دي (مش بمش ) ههههه"
-" طب يالا تعالي يا ماما شوفي عاوزة تاكلي بايه بالمش بتاعي ولا بالعسل بتاع الهانم"
قفزت مارية في مكانها :
-" قولي بالعسل يا منمن عشان خاطري وغيظيه"
ضحكت منى :
-" ماهو انا عشان ارضي كل واحد ليكو هافطس انا "
هتف الاثنان في وقت واحد:
-" بعد الشر عليكي"
-" خلاص انا هادوق واحدة بس من دي وواحدة من دي عشان متزعلوش وهادخل اصلي وبعدها هاريح لاني من الصبح منمتش القيلولة بتاعتي عشان كنت قلقانة عليكو"
ضحك يوسف :
-" لا كله الا القيلولة تعالي يا ماما تعالي كلي بس"
جلس الجميع على السفرة وبالفعل اخذت منى قطعة من كل واحد منهما ثم أسرعت إلى غرفتها لترتاح بعد يوم طويل.
-" ما تدوقي يابنتي اللي بالمش دي هتعجبك والله"
-" انا بصراحة عاوزة ادوق بس سمعة البتاع دا وحشة اوي بسمع عنها دايما"
تحدث وهو يكتم ضحكاته
-" لا لا متقلقيش نضيف مفيهوش حاجة"
-" ماشي بس بشرط انت كمان تاكل من اللي بالعسل بتاعي"
لم يجبها وأسرع يلف لها قطعة من الفطير المنغمسة في هذا الجبن المالح ويدسها في فمها غصبًا، حاولت المقاومة حتى تأخذ منه وعدًا ان يتذوق من خاصتها ولكنا لم تستطع مقاومته وهو يدس اللقيمة في فمها. تحدثت وهي تمضغ:
-" انت فلاس اوي وايه رأيك بقا هاعمل فيك زي مانت عملت فيا هه"
وبسرعة لفت قطعة من الفطير وغمستها كلها في العسل ثم انتقلت بها إلى فمه بسرعة قبل ان يهرب:
-" هتاكلها يعني هتاكلها وريني هتهرب ازاي"
حاول يوسف التملص وسط قهقهاتها ولكن خاف من العسل الغزير الذي ملأت به قطعة الفطير وهو يتساقط في كل مكان فأمسك بيديها ضاحكًا محاولا اثنائها:
-" حاسبي بس حاسبي هت...."
لم يكمل حديثه فقد دست اللقيمة في فمه كما فعل معها ولكن للاسف تلخطت ملابسه وملابسها ووجهه وأصابعها بكمية العسل الغزيرة التي اضافتها للفطير!!
كانت يده الممسكة بيدها قد تلطخت هي الأخرى بالعسل المتساقط منها فنظر كلاهما ليدها التي تقريبا كانت مكسوة بالعسل بالكامل وبصوت متحشرج تحدث يوسف:
-" كده بردو ايدك اتلحوست بالعسل"
هزت رأسها وهي لا تستطيع التحدث من نظرات عينيه الهادئة القاتلة والتي لا تبرح عن عينيها وصوته المتحشرج الذي يحرك جميع سكناتها ويجعلها غير قادرة على اتخاذ اي خطوة ودون تفكير قرّب يوسف اصابعها من فمه وأخذ يمتص العسل من فوقهما كنحلة استقرت فوق زهرة فيحاء ومارية لا تستطيع الحراك ... فقط تنهار!!! دقات قلبها تنهار .. عينيها في عينيه تنهار .. وأصابعها المرتعشة بداخل فمه تعلن استسلامها ورفع رايتها البيضاء وقد قررت دون وعي منها ان تترك نفسها وقلبها وأنفاسها ليفعل بهما ما يشاء!!!!
