رواية سارقة الهوي
الفصل الثاني عشر 12
بقلم مني السيد
كان يوسف يجلس في هدوء متصفحا هاتفه ومنى بجانبه تشاهد التلفاز ولكنها تراقبه هو أكثر من مشاهدتها للتلفاز وأخيرا كسرت حاجز الهدوء الذي يخيم عليهما:
-" صحيح يا يوسف انت دخلت على الانستجرام بتاع مارية وشوفت صورها ليه"
انتبه يوسف وكأن أحدهم وكزه:
-" ابدا.. عادي"
رفعت منى إحدى حاجبيها:
-" هو ايه اللي عادي انت مش بتقول انك مش طايقها ومش عجباك دخلت تتفرج على صورها ليه امال"
زفر يوسف بنفاذ صبر:
-" ايوة مش طايقها ومش عجباني ودخلت عشان اشوف وراها ايه ولا بتعمل ايه ولا مصاحبة مين ولا فكراني هاسيبك تخرجي وتصاحبي اي حد تتعرفي عليه صدفة وخلاص"
ابتسمت منى بخبث:
-"اااااااااه عشان كده بس يعني؟!"
نظر يوسف إليها بغضب مبالغ فيه
-" ايوة عشان كده بس امال هيكون عشان ايه يعني وبعدين سيبك بقا من الكلام عن البنت دي عشان هيذيعوا الموكب بتاع المومياوات دلوقتي وانا عاوز اتفرج عليه بصراحة"
رفعت منى إحدى حاجبيها وهي تبتسم
-" اه وانا كمان كنت مستنياه عشان اتفرج عليه دي حتى مارية قالتلي اتصل بيها لما يجي، هات التيلفون دا لما اتصل بيها هات"
ناولها يوسف الهاتف دون ان ينظر لها وهو يمط شفتيه ويتمتم
-" شكلنا مش هنخلص من اللي اسمها مارية دي ابدا"
**********************
-" يا نؤنؤ تعالي يا نؤنؤ عشان نتفرج على كوكب المومياوات"
جاءت نهال على عجل وهي تضحك
-" كوكب ايه بس اسمها موكب "
-" ماشي ماشي تعالي بس دا شكله حاجة عظيمة اوي "
جلستا الاثنتان تتابعان بشغف وكلتاهما في حالة انبهار مما يحدث
-" ياااااه حلو اوي الموكب يا نؤنؤ انا حاسة اني عظيمة اوي وهاروح بكرة اتفشخر على اصحابي في المستشفى واقولهم اني فرعونة بقا وكده، انا نفسي اروح مصر اوي يا نؤنؤ"
ضمت نهال شفتيها
-" مظنش بعد العمر دا كله باباكي هيوافق ينزل مصر"
-" انا مالي ببابا انا عارفة ان هو مش عاوز ينزل مصر معرفش ليه بالظبط بس انا بتكلم عني انا وانتي"
تلعثمت نهال قليلا ثم قالت:
-" ماهو انا كمان مقدرش انزل مصر"
التفتت لها مارية بحدة وبنظرات متسائلة
-" ليه بقا ان شاء الله"
تلعثمت نهال مرة أخرى:
-" لأ ..لأ مش لسبب معين يعني انا قصدي عشان منسبش بابا لوحده وكده وبعدين هو كده كده مش هيوافق على سفرك لوحدك"
نهضت مارية معترضة بعنف:
-" يعني ايه يعني لو حبيت اسافر مصر هيمنعني مثلا؟"
-" يا ميرو يا حبيبتي هو خايف عليكي ايه اللي يوديكي بلد غريبة ومتعرفيش حد فيها "
رددت مارية متعجبة:
-" بلد غريبة !! دي بلدي انا اتربيت فيها ولسه فاكرة شوية حاجات فيها وبعدين ما اهل ماما هناك واكيد هيرحبوا بيا"
-" انا شايفة انك بتتلككي عشان مش لاقية حاجة تتخانقي عليها وخلاص"
-" يوووووه هو انتي كده على طوا انا رايحة انام عندي شغل بدري"
-" طيب ومتنسيش تقيسي الفستان زي كل يوم قبل ما بتنامي"
احمرت وجنتا مارية ونهضت مسرعة وأغلقت الباب ورائها وكأنما تواري نفسها في خجل، انها محقة ، فهي ترتدي الفستان كل ليلة وتقف امام المرآة تأخذ اوضاعا للتصوير لترى كيف ستأخذ الصورة لتحميلها على الانستجرام متسائلة كيف سيراها.
*********************
في يوم الحفلة
تجهزت مارية بحماس ودلفت إليها نهال متعجلة :
-" ها يا ميرو خلصتي؟!"
-" ايوة يا نؤنؤ خلاص بس بقولك ايه فهمي بابا اني يادوب عشر دقايق بس وهامشي من الحفلة دي، كويس اوي اني وافقت اجي معاكو"
رمقتها نهال بنظرة ساخرة:
-" قال يعني وافقتي عشان خاطرنا يابت اطلعي من دووول"
-" ايوة طبعا عشان خاطركم امال عشان ايه يعني وعشان كده بقولك هما عشر دقايق بس"
رفعت نهال إحدى حاجبيها بلؤم:
-" ايوة يادوب تلحقي تاخديلك صورتين ولا حاجة"
زمّت مارية شفتيها في حنق ثم نظرت نظرة أخيرة للمرآة وهي تستدير غير مصدقة جمالها في ذاك الفستان الليلكي. فتدخلت نهال:
-" والله حلوة وزي القمر وأجمل بنوتة في الدنيا يالا بقا عشان باباكي على آخره"
-" طب يالا بينا... يالا "
التقطت مارية حقيبتها السوداء الصغيرة وأسرعت تفتح الباب وكأنها على موعد !!
استقلت مارية السيارة في الامام بجانب السائق في حين جلست نهال بجانب والدها في المقعد الخلفي وكان الصمت سيد الحوار كالعادة في وجود والدها
قطعت نهال هذا الصمت وهي تجرب حظها في فتح حديث لا ينتهي بالجدال بينهما كالعادة
-" ايه رأيك يا سامي في مارية النهاردة بذمتك مش شبه الأميرات!!"
نظر سامي في المرآة الأمامية يتفحص مارية بنظرة مقتضبة ولكنها طالت حين بادلته مارية النظر متأهبة لسماع رأيه فأشاح بوجهه عنوة
-" ايوة حلوة"
بهاتان الكلمتان الباهتاتان فقط أنهى الحوار قبل أن يبدأ ورأت مارية في عينيه وكأنه تألم لرؤيتها بهذا الشكل لا تعلم لماذا راودها هذا الشعور!! ترى هل يكرهها والدها فعلا ؟؟ ولماذا يفعل إن كان شعورها حقيقيا؟؟ أحيانا كثيرة تشعر انه على وشك احتضانها أو تقبيلها كأي أب ولكنه يتراجع في اللحظة الأخيرة وكأنه يمنع نفسه أو أن هناك شيئا يمنعه!!
وصلت السيارة إلى مكان الحفل ودلف كلا من والداها وزوجته أمامها ثم تبعتهم هي وهي تشعر بثقل كبير في قلبها جراء ذلك الموقف البسيط من والدها. إلى جانب شعورها بغرابتها في مثل تلك الأماكن ولكن حدسها ينبئها بخطب ما !!!!!
حاولت مارية الانغماس مع المدعويين ولكن بلا جدوى فقد سئمت بسرعة من اولئك المتصنعين.
تسللت بهدوء ناحية إحدى الزوايا الهادئة وبيدها كأس العصير وأخذت تنظر للخارج من تلك النافذة الهائلة وانعكاس وجهها على الزجاج يظهر مدى ضيقها وإحساسها بالوحدة رغم وجودها بين كل أولئك الناس!! لم تشعر بمن يلتقط لها صورا وهي على هذا الوضع البائس ولكنها سمعت صوت التقاط الصور من قريب فانتفضت فجأة وكأنما تذكرت أمرا ما !!
ثم أسرعت تخرج هاتفها لتلتقط لنفسها صورا كما خططت لتثبت لذلك اليوسف أنها أنثى وليست أي أنثى !!
ولكن انعكاس الزجاج خلفها ضايقها في الهاتف فتسللت تبحث عن مكان هادئ آخر وياحبذا لو وجدت مرآة تظهرها بكامل أناقتها ....
لم تشعر بنفسها حين دخلت في ممر طويل وهي تتفحص المكان علها تجد ضالتها وبالفعل وجدت أمامها مرآة طويلة واستعدت لتأخذ وضع التصوير إلا أنها رأت في أنعكاس المرآة مجموعة من الأشخاص المتشحين بالسواد يكبلون شخصا آخر يبدو عليه الوهن ويقتادونه نحو درج في ممر آخر مقابل للمرآة ايضا.
فزعت مارية ودون تفكير انساقت قدماها خلف هؤلاء الاشخاص وقلبها ينتفض ترى من هؤلاء ومن ذاك الذي يختطفونه؟؟!
خلعت حذائها ذو الكعب العالي وبخفة وجدت نفسها في قبو واسع للغاية وهناك الكثير من الخزائن الخشبية المغلقة والحديدية المفرغة. وهؤلاء الأشخاص يوقفون الشخص المختطف أمام أحدهم ثم شرعوا بتكبيله بشرائط بلاستيكية سميكة. كانت ضربات قلبها قد وصلت إلى أوجها وكأنها تسابق اللحظات ايهما يدق اسرع وهي ترى الشخص المكبل ما هو إلا السفير المصري ويواجه أحدهم الجالس على مقعد بمنتهى الهدوء ويقول:
- "You thought we couldn't reach you anywhere?? Specifically here??
-" انت كنت فاكر اننا مش هنقدر نوصلك ف اي مكان هاا؟؟ وتحديدا هنا؟!
التزم السفير الصمت وهو يحاول الوقوف بصمود. فاستطرد الرجل
-" I decided to catch you here just to let you know there is no where to run from me "
-" انا قررت امسكك هنا بالذات عشان تعرف انه مفيش مكان تقدر تهرب فيه مني!!"
وأخيرا تحدث السفير بحزم:
-"What do you want?!
-" انت عاوز ايه؟!"
-" You know exactly what I want"
-" انت عارف بالظبط انا عاوز ايه"
-" You'll never get that from me and you know that"
-" انت عمرك ما هتاخد اللي انت عاوزه مني وانت عارف كده كويس"
-" I tried several ways but you seem insisting "
-" انا جربت طرق كتير معاك بس واضح انك مُصر"
-" I will never let you to steal our history and stay silent "
-" انا مش هسيبك تسرق تاريخنا واسكت"
-" You've chosen honey , the information or your life!!"
-" انت كده اخترت يا حلو ، يا المعلومات يا حياتك!!"
تنحنح السفير محاولا اخفاء خوفه وتوتره
-" you can't kill me here , and of course the information isn't with me now "
-" انت مش هتقدر تقتلني هنا وبعدين المعلومات اكيد مش معايا هنا "
-" you're trying your chances, but yes I can kill you right here right now just to make sure the information you have will never be with anyone else "
-" انت بتجرب حظك يعني، ايوة انا ممكن اقتلك هنا ودلوقتي حالا عشان اضمن ان المعلومات دي مش هتوصل لحد تاني"
ثم قهقه الرجل بضحكة رنانة غير عابئ بمن قد يسمعه وأردف
-" take these information with you to heaven you little hero"
-" ابق خد المعلومات اللي معاك بقا دي في الجنة ياعم البطل"
ثم أشار لأحد معاونيه بإشارة من اصبعه الذي ما إن تلقى الإشارة تحرك دون تردد نحو رقبة السفير يحقنها بشئ ما !!!
كل ذلك ومارية تراقب بأنفاس مكتومة غير قادرة على استيعاب ما حدث للتو ولم تتمالك شهقتها حين سقط السفير أرضا لا تعلم اذا كان ميتا ام ماذا !!!
التفت الجميع نحو صوت الشهقة فتحركت مارية بحذر نحو الارض في هدوء شديد وقلبها يكاد يفجر صدرها ضربا.
وبعدها سمع الجميع صوت يوسف وهو يتحدث لاحدهم ضاحكا ومصدرا شهقة مشابهة لما فعلته مارية منذ قليل
-" Oh no, You kidding me that's can't be true"
-" مش معقول انت اكيد بتهزر "
وقف الجميع مندهشين ورئيسهم غير قادر على اتخاذ قرار خاصة ان صوت يوسف كان مسرورا ويدل على انه بالجوار لكنه لم يرى شيئا. واستطرد ضاحكا مرة اخرى
-" The party is so boring,I'm going to take Jessy to the basement and I'm gonna kick her ass, ok bye for now**"
-" الحفلة مملة اوي، انا هاخد البت جيسي في البدروم تحت وهنقضيها، اقفل بقا انت دلوقتي"
اطمأن المجرم ان المتكلم يتحدث في الهاتف ولم يرى شيئا بالفعل فأشار لمعاونيه بسرعة الخروج من الباب الخلفي للقبو وألقى نظرة أخيرة على السفير الملقى على الأرض ثم اختفى...
التقطت مارية انفاسها ثم أسرعت نحو السفير تحاول إفاقته وتقيس له النبض ولكن يبدو ان الاوان قد فات حاولت مرارا وتكرارا إلى ان وصل إليها يوسف مهرولا
-" هاا عايش ولا ميت؟؟!"
ردت بتلقائية :
-" كان بيتنفس دلوقتي لكن ...."
استغربت من هدوء اعصابه وسألته وهي متفاجئة من ردة فعله وفي نفس الوقت مازالت تحاول إفاقة السفير
-" هو انت اللي كنت بتتكلم دلوقتي؟؟ هو انت كنت هنا وسمعت؟؟!"
أجابها وهو يضع يده على رقبة السفير:
-" وشوفت كمان، كانوا هيقفشوكي بغباوتك لو مكنتش لحقتك ، انتي اييييه ؟ على طول كده بتجري المشاكل وراكي، المهم تعالي ساعديني نقومه بسرعة"
نظرت له ببلاهة
-" نقومه نوديه فين؟!"
جز على أسنانه غاضبا بقولك ايه مفيش وقت لاسئلتك دي "
انصاعت لكلامه وهي تشعر انها في كابوس يكاد يجثم على صدرها لا تعرف ماذا تفعل وإن كان ما افعله صحيحا أم ماذا؟؟!
وفي خضم توترها لم تشعر بنفسها إلا وهي تخلع الساعة الذكية من يد السفير وتدسها في حقيبتها الفضية الصغيرة على عجل!!!!
