رواية سارقة الهوي الفصل الثالث عشر 13بقلم مني السيد

         

رواية سارقة الهوي

الفصل الثالث عشر 13

بقلم مني السيد



مارية: 

-" انت اتجننت يعني ايه اسافر مصر لوحدي من غير حد من أهلي لا وكمان عاوزني أغير اسمي واسم ابويا انت بتهزر أكيد"

أخذ يوسف نفسا عميقا محاولا تهدئة نفسه للمرة المائة:

-" قولتلك مليون مرة حياتك هنا في خطر وان اللي شوفتيه وسمعتيه مش حاجة بسيطة وانك لازم تكوني في أمان ودا مش هيحصل الا بالطريقة اللي قولتلك عليها "

رفعت مارية حاجبيها غير مصدقة وهي تهز رأسها يمنة ويسرة:

-" انت عاوزني اسيب حياتي وشغلي وأهلي ومن غير ما اقول لأي حد واجي معاك كده غوميضي؟؟"

-" منا قولتلك دا عشان امانك ومصلحتك ومصلحة القضية كمان"

-" قضية ايه ونيلة ايه انا مش موافقة ع الكلام دا وبعدين مين هيحميني ف مصر يعني انا ممكن اروح هنا للبوليس واحكيلهم كل حاجة وهما هيعملوا اللازم ويحموني"

زفر يوسف بغضب 

-" لا انتي فعلا مبتفهميش بقولك دي مافيا سرقة آثار يعني اول ما تحطي رجلك ف قسم الشرطة هتخرجي بس على نقالة"

تأتأت مارية وهي تجمع كلماتها بصعوبة :

-" احترم نفسك ايه مبتفهميش دي، وبعدين هي يعني المافيا مش هتعرف توصلي في مصر حتى لو غيرت اسمي ثم قولي ازاي اصلا هاغير اسمي هي سهلة كده"

جلس يوسف على المقعد في منزله وهو يضع يديه على عينيه ثم أسندهما على جانبي أنفه:

-" الأمور في مصر مش زي هنا أسهل كتير وبعدين كل دا هيتم بعلم الحكومة المصرية هما بنفسهم اللي هيحموكي ويغيرولك اسمك فهمتي"

جلست بدورها هي الأخرى وهي تسرح في اللاشئ :

-" طب ما الحكومة الامريكية اقوى وممكن تحميني أكتر"

انتفض يوسف من مكانه وضرب بكلتا يديه على الطاولة أمامها مما جعلها تنتفض هلعا

-" مش بقولك مبتفهميش هافضل اعيد وازيد في نفس الكلام تاني ، انتي شهدتي على جريمة قتل ومش قتل اي حد دا قتل سفير دولة تانية ومفيش اي دليل على كده الا شهادتك وكلامك تفتكري كده كافي انهم يحموكي ويحموكي من ايه وهما أصلا مش معترفين بالجريمة عشان مفيش جثة!!

قاطعته واقفة:

-" طب ما هي الجثة... " لم يدعها تكمل كلامها بنظرات عينيه التي شعرت انها ستخترقها حتما لا محالة

ترددت لثانية ثم سألت بوهن:

-" طب مينفعش اخد ماما معايا؟؟"

رفع يديه للسماء ثم أنزلهما مرة أخرى بنفاذ صبر:

-" لا مينفعش يا ماما عشان كده كلنا هنتقفش"

-" طب اشمعنا انت هتاخد مامتك"

جمع قبضته وكأنه يمنع نفسه من لكمها:

-" قولتلك عشان احنا المفروض هنسافر كعيلة ام وولادها الاتنين لكن لو سافرت انا وانتي بس بردو ممكن يوصلولنا بسهولة دا غير ان أمي ملهاش حد غيري في الدنيا وعلى جثتي أني اسيبها لوحدها ف خطر بأي حال من الأحوال"

-" شوفت اديك قولت خطر اهو يعني امي وابويا انا كمان ممكن يكونوا في خطر"

-" يا حبيبتي انتي باباكي راجل اعمال كبير ومشهور وكمان دبلوماسي يعني هيقدر يحمي نفسه كويس لكن انتي طايشة وبتسرحي في كل حتة على كيفك دا غير انهم في مصر محتاجينك عشان سير القضية"

بعدما اختلج صدرها لكلمته الأولى اضطرب ثانية لكلماته الجارحة فاقتربت منه غاضبة وهي تصرخ:

-" ايه طايشة وبتسرحي دي انت قليل الادب "

أمسك بمرفقيها بكلتا يديه يهزها بعنف وهو يجز على أسنانه:

-" انا مكدبتش ولمي لسانك وصوتك لو علي تاني عليا مش هيحصلك كويس وهتبقي انتي اللي جبتيه لنفسك"

انفجرت في البكاء كطفلة جذبها أحدهم من شعرها على غفلة، فابتعد هو متفاجئا من ردة فعلها ونادما على ما فعله للتو. وقالت من بين شهقاتها:

-" انت عاوز تضربني لسه متحركناش من مكاننا وعاوز تضربني"

أخذ يوسف نفسا عميقا ثم أجلسها بهدوء وانخفضت نبرة صوته لاإراديا وهو يراها في هذه الحالة ناظرا في عينيها برفق:

-" انا مكنتش هضربك طبعا ومش قصدي ازعلك بس انتي اللي مش عاوزة تفهمي" 

نظرت له من بين احمرار شفتيها وعينيها المغرورقتين وخصلات شعرها المنفلتة من ذيل حصانها وبصوت واهن قالت:

-" بس انت خوفتني اوي"

ظل يوسف شاردا في شفتيها بعد تلك الكلمات الاربع التي لم يتعدى نطقها لها ثانيتين ونظرت هي له ببلاهة وهي تبلل شفتيها اعتقادا منها ان بهما شئ ما، اغمض يوسف عينيه وكأنه يقاوم شيئا ما في عقله...... ثم أخذ نفسا عميقا ونهض متثاقلا:

-" انا آسف حقيقي مكنتش اقصد اخوفك بس انتي متعليش صوتك عليا تاني ولمي لسانك دا شوية "

بخنوع لم يصدقه هو شخصيا تمتمت:

-" حاضر!!"

-" يعني خلاص هنسافر مع بعض؟!"

لماذا يأتي وقع كلماته على قلبها ببريق مختلف عما ينطق به او عما يقصده.

-" سيبني شوية أفكر" انتزعت نفسها من المقعد انتزاعا ثم قالت:

-" انا لازم امشي دلوقتي كان نفسي اشوف مامتك لكن لازم امشي" 

-" طيب هتردي عليا امتى؟"

-" بكرة... بكرة يا يوسف"

شعر ان اسمه تغير لحنه عند خروجه من شفتيها لقد سمعه ملايين المرات ولكن تلك اول مرة يسمع اسمه منها وبهذه الطريقة!!

هز رأسه يخفي اضطرابه ليبدو متفهما ثم قال:

-"طيب يالا بينا "

توقفت للحظة

-" يالا بينا فين؟!"

دون حتى ان يعرض عليها الامر:

-" هاوصلك البيت بنفسي"

-" لا انا هاروح لوحدي"

زفر يوسف بنفاذ صبر:

-" اهو ابتدينا من أولها اهو انتي ليه مش مقدرة حجم الموقف"

-" هو انت لما نسافر مصر هتفضل تعاملني كده بردو" كانت شفتيها ممتدة للأمام كطفلة غاضبة. نظر لها مطولا ثم تنحنح أخيرا :

-" كده اللي هو ازاي انا بقولك تعالي اوصلك فيها ايه دي كمان؟!"

طأطأت رأسها بحزن 

-" تمام يالا بينا"

هز رأسه متحيرا من تلك المجنونة التي تغير رأيها كل خمس دقائق.

لم يبرح مكانه إلا حين اطمأن انها قد دلفت إلى بيتها بأمان ثم عاد ادراجه إلى منزله وهو يفكر في ألف شئ وشئ !!

سمعت منى صوت مفتاحه يدور في الباب فهبت تستقبله

-" ايه يا يوسف انت كنت فين مش قولتلي انك ف اجازة ومريح شوية ف البيت روحت فين بقا"

-" ابدا يا ماما مشوار عملته كده ع السريع، اشتريتي الحاجات اللي كنتي عاوزة تجيبيها"

-" لااااا انت دماغك مش معايا خااالص انا قولتلك اني رايحة ابعت فلوس لاختي ف مصر عشان الفيلا اللي بتتوضب مش هشتري حاجات"

-" ااااه اه معلش نسيت"

-" يوسف انت فيك ايه ما تفهمني بقالك كام يوم كده احوالك متشقلبة ومش مركز وكمان مبتروحش الشغل هو فيه حاجة حصلت ف الشغل مأثره عليك كده"

جلس يوسف بجانبها بعد ان خلع معطفه ولف يده حول كتفيها وهو يضمها إليه:

-" مفيش حاجة يا حبيبتي متقلقيش نفسك انتي وكل حاجة هتبقى تمام ويمكن قريب كمان اعملك مفاجأة حلوة "

انتفضت منى في حماس :

-" ايه دا بجد هي ايه المفاجاة ها هاتتجوز ها؟؟!"

-" حيلك حيلك بقولك مفاجأة حلوة تقوليلي هتتجوز!!"

عبست منى ومطت شفتيها :

-" يعني هو فيه ايه مفاجأة حلوة تفرحني غير كده"

قهقه يوسف:

-" لا متقلقيش هتفرحك بس كله في وقته"

ثم نهض في تثاقل:

-" انا هادخل اريح شوية بقا عشان اليومين الجايين دول هيبقى فيهم شغل جامد"

-" ماشي يا حبيبي نوم الهنا"

*************************

طرقت نهال غرفة مارية وأجابت الأخيرة بخمول:

-"اتفضلي يا ماما" 

-" ما دام بتقوليلي يا ماما وبتحترميني كده يبقى انتي مش ف المود"

ابتسمت مارية ابتسامة واهنة:

-" ليه بس مانتي بتحبيني اقولك يا ماما اكتر من نؤنؤ ولا دلوقتي خلاص!!"

-" لا ياروح قلبي انتي تقولي اللي انتي عاوزاه بس انا شيفاكي متغيرة بقالك كام يوم من يوم الحفلة دا انتي حتى منزلتيش الصورة اللي اتفقنا عليها في ايه يا ميرو يا حبيبتي فهميني"

-" اصل بالي مشغول شويتين"

-" اممممم بإيه بقا يا ست الحسن والجمال"

-" مش انتي عارفة اني بعمل دكتوراه وبذاكر وكده !!"

-" اهااا !!"

-" في المستشفى عرضوا عليا اني اروح اكملها في بلد تانية وهما هيتكفلوا بكل المصاريف وكمان هتبقى تحت اشراف اكبر الدكاترة اللي في المستشفى وكده"

قطبت نهال حاجبيها في عدم فهم:

-" ايه الكلام اللي انتي بتقوليه دا ؟؟ هو انتي يهمك مصاريف يتكفلوا بيها ولا الكلام دا ؟ انتي فلوسك لوحدها تكفيكي دا من غير ما نتكلم عن فلوس باباكي! وبعدين بلد تانية ايه اللي عاوزة تروحيها وتسيبيني دي"

-" دي ... دي بلد في أفريقيا بعيدة شوية"

-" طب وانتي ايه اللي يوديكي ف بلد بعيدة كده "

-" ما هو اصل موضوع البحث بتاعي مرتبط بوباء موجود في المنطقة دي وانا لازم اروح بنفسي عشان كده"

هبت نهال واقفة :

-"وكمان وباء لالالا انا مش موافقة ع الكلام دا ابدا"

-" ليه بس يا نؤنؤ دي فرصة كبيرة ليا وانتي طول عمرك بتدعميني وبتشجعيني مينفعش تيجي دلوقتي وتعملي كده"

-" ايوة بس دا مكان بعيد وخطر وهتبعدي عني"

-" مفيش خطر ولا حاجة انا دكتورة وهاعرف احمي نفسي كويس دا غير انه مش وباء بالمعنى الحرفي يعني دا مرض لسه بيدورولوا على علاج وبعدين ايه هتبعدي عني دي هو انتي مش كنتي عمالة تزني عليا وتقوليلي اتجوزي اتجوزي ماهو انا لما هاتجوز هابعد عنك بردو مش كده ولا ايه" 

وقفت نهال مبتسمة وهي تنظر بلؤم

-" ايه دا ايه دا انا سمعت كويس ولا وداني فيها حاجة غلط"

نظرت مارية بعدم فهم:

-" ايه فيه ايه انا قولت حاجة غلط مش دا اللي انتي كنتي بتقوليه"

-" ايوة بس انتي دايما كنتي رافضة فكرة الجواز ولو جت سيرته كنتي بتقولي. ' لو' على سبيل انه مش هيحصل"

ظلت مارية تنظر لها ببلاهة:

-" ايوة يعني فين المشكلة انا مش فاهمة؟!!"

-" انتي دلوقتي بتقولي لما اتجوز، لما لما فاهمة يعني ايه لما؟!!"

احمرت وجنتا مارية على الفور وأشاحت بوجهها

-" انتي عليكي حاجات يا نؤنؤ بتسيبي الموضوع المهم وتمسكي في كلام غريب كده"

سألت نهال بخبث:

-" هو انتي منزلتيش الصورة ليه صحيح يا ميرو"

ابتسمت مارية ببرود دون أن تظهر أسنانها :

-" كان في الحفلة ... يوسف كان في الحفلة!!"

فتحت نهال فمها مندهشة:

-" معقولة ازاي كده دنا مشفتوش خالص وبعدين انتي كمان اختفيتي فجأة "

-" انا مختفتش ولا حاجة انا كده كده قولتلك عشر دقايق وهمشي ولما اتأكدت انه شافني مشيت بس كده"

-" طب وايه رد فعله بقاااا؟!"

-" والنبي يا نؤنؤ انا مش فايقة للكلام دا انا عاوزاكي تبلغي بابا بموضوع السفر دا عشان انا مليش حيل للخناق معاه وكمان عشان ابتدي احضر اوراقي وحاجاتي"

-" انا بصراحة مش عارفة اقولك ايه اذا كان انا نفسي مش موافقة على موضوع السفر دا"

-" الموضوع دا منتهي وانا بلغت المستشفى بموافقتي ع القرار"

-" يعني انتي مش بتعملي كده عشان تهربي؟!"

-" اهرب !! اهرب من ايه"

-" من يوسف واحساسك بيه !! انتي اول مرة تحسي كده طول عمرك بتعتبري كل الرجالة اخواتك" قالتها مبتسمة ابتسامة ذات معنى

شردت مارية وهي تتمتم:

-" اااه اخواتي كلهم اخواتي حتى يوسف هيبقى اخويا"

-"يعني ايه الكلام دا؟!"

هبت مارية تقف بغضب:

-" يعني ولا حاجة يعني يوسف زيه زي غيره وروحي قولي لبابا بقا عشان ابلغ المستشفى اخليهم يحددوا لي ميعاد السفر"

تنهدت نهال وهي تحاول ان تحبس دموعها

-" طب هتقعدي اد ايه طيب؟؟"

أمسكت مارية بوجنتي نهال وهي تقبلها 

-" ادعيلي بقا اخلص م الموضوع دا بسرعة وانا ارجعلك هوا"

-" موضوع ايه يابت انتي؟!"

-" الدكتوراه يا نؤنؤ الدكتوراااااه"

*********************


                الفصل الرابع عشر من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>