رواية سارقة الهوي
الفصل السادس 6
بقلم مني السيد
كانت مارية في عملها في المستشفى القريب جدا من بيتها وهي تحاول إقناع مديرها بإعطاءها إجازة ليومي الغد وبعد غد حتى تتمكن من الذهاب للرحلة الاستكشافية مع أطفالها الأعزاء.
ووافق الأخير بعد وعدها له انها ستعمل في يوم الجمعة الذي كانت قد اصرت من قبل ان يكون يوم إجازتها الأسبوعية!!
دلفت للمنزل وهي تنادي
_" يا نؤنؤ انتي فين يا نؤنؤ ؟؟!"
أجابتها الأخيرة من حجرتها
_" انا هنا يا ريري تعالي" دلفت اليها مارية قلقة
_" ايه دا انتي قاعدة ف السرير كده ليه انتي تعبانة ولا حاجة حاسة بحاجة" قالتها بقلق وهي تجس يدها لتقيس نبضها ونهرتها نهال
_" اييييه ايه حيلك هو انا عشان مريحة ف السرير شوية هاتعييني ولا ايه ولا عاوزة تعملي نفسك دكتورة عليا"
ضحكت مارية
_" لا خلاص ياستي مش هعمل دكتورة عليكي ولا حاجة بقولك ايه ما تيجي معايا الرحلة بتاعت بكرة دي اهو تغيري جو وتتسلي معايا شوية وتسليني بالمرة" دفعت نهال بالوسادة إلى وجه مارية
_" ايه تسليني دي يابنت اتأدبي"
_"خلاص خلاص انا غلطانة كنتي هتتبسطي والله بس ملكيش ف الطيب طبيب"
_" اسمها نصيب يا هبلة، وايه رأيك بقا عشان غلاستك دي انا هاجي معاكي وابقا فوق دماغك عشان تحرمي تقوليلي تعالي معايا في مكان تاني"
قهقهت مارية
_" لا ياستي مش هاحرم بس قولي لجوزك الاول عشان ميفضلش يتصل بينا ويزعجنا ويزعق انا بقولك اهو"
ألقت نهال عليها بالوسادة الأخرى
_" ايه جوزك دي يا قليلة الادب والله اللي يشوفك بتتكلمي عنه كده يقول ان هو اللي جوز امك مش انا اللي مرات ابوكي"
غطت مارية إحدى عينيها وهي تدعي البكاء :
_" ايوة يا باشا هي الست مرات ابويا دي اللي ضربتني ف عيني وبتطفي سجاير ف جسمي وتحطلي تلج ف قفايا" وأسرعت هاربة حين قامت نهال من فراشها تتوعدها
_" طب والله لاوريكي شغل مرات الاب بقا يا مارية وهالسعك على قفاكي بجد"
مع آخر كلماتها كانت مارية تلهث وراء باب حجرتها ونهال تبتسم من شقاوة تلك الصغيرة التي تضفي لونا على ايامها الباهتة. وسمعتها تقول من وراء الباب
_" حضري حاجتك بقا عشان هنمشي بدري مش هاقعد البسك والملك هدومك الصبح" وارتمت على فراشها ترتاح قليلا من العمل قبل أن تبدأ في حزم حقيبتها الصغيرة.
**************
كانت تغلق حقيبتها حين رن جرس الهاتف برقم غريب وأجابت
_" Hello... Hello !! Who is it?
وجاءتها الإجابة بعد برهة من الصمت في صوته الرخيم الصارم المقتضب
_" انا يوسف!!"
انتبهت كل حواسها وارتعدت اطرافها لا تعلم لماذا يحدث لها ذلك!! في حين أردف هو بنفس لهجته الصارمة
_" ماما مصممة تروح الرحلة وانا خايف عليها وانا لسه مرجعتش م السفر"
هزت رأسها متفهمة ما يطلب دون ان يصرح بذلك!
_" تمام انا ممكن اخدها من البيت معايا ف العربية وبعدين كلنا هنركب الباص مع بعض وهرجعها تاني بردو بعد الرحلة ما تخلص"
_" لأ ماما مش بتقدر تركب الباص عشان رجلها بتوجعها ولازم تفردها كل فترة"
لم تفهم مارية مقصدة من طريقة كلامه المتعجرفة فتساءلت
_" يعني تحب نسافر احنا ونلحق الباص بالعربية ؟؟!
أجابها موافقا بإجابة مقتضبة غير مفهومة
_" اهااا"
فتساءلت
_" pardon me "
افندم
وبإجابة مقتضبة مرة أخرى وبصيغة آمرة
_" ياريت!"
_" اوكيه عشان خاطر منمن هاعمل كده" حاولت السيطرة على نبرة صوتها المغتاظة من عجرفته وبرودته . وسألها مرة اخرى
_" انتي متأكدة ان المكان دا امان وتمام ولا لأ"
رفعت حاجبيها وهي تحاول كتم انفاسها لئلا تنفخ نيران غيظها في السماعة
_" أكيد يعني مكان امان وتمام، واخدين فيه اطفال صغيرين هيكون ايه يعني؟!!
وببرود مرة أخرى وكأنها هي المدينة له وليس العكس قال
_" تمام هتستناكي الساعة ٧ ف البيت " ثم أغلق الهاتف دون حتى أن يشكرها.
زفرت مارية وقلبت شفتيها قائلة
_" يا برودك يا أخي ايه دا، والله منمن دي خسارة فيك"
****************
في الصباح الباكر كانت مارية تضع حقيبتها وحقيبة نهال داخل السيارة وهي تقول
_" النهاردة بقا هعرفك على حد انما اييييه يتحب على طول كده "
_" ايه دا يا مرمر انتي عرفتي حد ؟بتحبي يعني؟ بجد؟ هو مين طيب؟؟ وهشوفه امتى؟ هاتتجوزوا صح؟؟؟!"
لا تعلم لماذا حين سألت نهال كل تلك الاسئلة خطر ببالها شخص...شخص واحد فقط!! شخص غليظ متعجرف يعرف عنها أكثر مما ينبغي!! نفضت تلك الافكار ثم قالت بمرح
_" ايه دا يا نؤنؤ بس اللي يشوف طريقة كلامك يفتكرني عانس وبعدين ايه انتي عاوزة تخلصي مني ولا ايه؟ واصلا انا هاعرفك على واحدة ست بلاش مخك يروح لبعيد"
قلبت نهال شفتيها في خيبة امل
_" واحدة ست !!! طيب يا اختي وماله"
وعلى باب منزل منى ترجلت مارية لتدق الجرس وقبل ان تفعل وجدت منى تفتح الباب بلهفة وابتسامة مضيئة كوجهها
_" صباح الخير يا مارية انا جاهزة وكل حاجة جاهزة"
_" صباح النور يا منمن طب يالا هاتي الشنطة ويالا بينا "
استقلت منى السيارة والتفتت إليها نهال
_" اهلا وسهلا بيكي مارية مبطلتش كلام عنك من الصبح"
ابتسمت منى ببشاشة
_" وانا والله مببطلش كلام عنها مارية دي قمر "
فكرت مارية مع من عساها تتكلم عنها ؟؟
استقلت مارية السيارة بعد ان وضعت حقيبة منى بالخلف
_" احب اعرفكم بقا منمن صاحبتي الاسكندرانية القمر " وغمزت لمنى في المرآة ثم أشارت لنهال
_" ودي نؤنؤ مامتي "
ضحكت نهال ومدت يدها لمنى
_" انا اسمي نهال نؤنؤ دي بتقولهالي لما تبقا راضية عني"
مدت منى يدها بدورها
_" ربنا يخليكم لبعض يارب"
دعت الاثنتان في نفس واحد
_" آمين"
ثم اردفت منى تحدث نهال
- " بس بصراحة شكلك مش باين عليكي انك مامتها خالص "
تجهمت نهال ونظرت لمنى في عدم فهم ( هل تعلم منى انها ليست والدتها الحقيقية وان كانت تعلم فلم هذا السؤال الخبيث) فسألتها بحدة
-" مش فاهمة قصدك ايه بالظبط هو باين عليا اني..."
لم تدعها منى تكمل حديثها وشعرت بالاحراج فأسرعت بالقول
-" انا قصدي يعني ان شكلك صغير اوي كأنك اختها الكبيرة ولا خالتها الصغيرة
وطوال الرحلة لم ينقطع الحديث بين ثلاثتهم باستمتاع وحماس للرحلة"
**************
وصل الجميع لمكان التخييم والتف الاطفال حول مارية ما إن رأوها. وأخذ الاطفال يساعدون المشرفين لتعليمهم كيفية نصب الخيمة ولاحظت مارية عدم ارتياح منى فبادرت بسؤالها
_" ايه يا منمن مالك؟!"
_" هو.. هو احنا هننام هنا؟؟ مفيش فندق يعني؟"
رفعت مارية حاجبيها دهشة
_" دي رحلة استكشافية يا منمن يعني عشان الولاد يتعلموا ازاي يعتمدوا على نفسهم في كل حاجة وبعدين كويس احنا جايين في مكان كويس ودافي عشان انتي عارفة معظم الاولاد حالات خاصة "
_" ايوة لكن.. يوسف لو عرف.." قاطعتها مارية بغضب مبالغ
_" يعني ايه يوسف لو عرف هو انتي اللي مامته ولا هو اللي باباكي" شعرت بالخجل جراء غضبها المبالغ فيه حين سمعت اسم ذاك المتعجرف فاستطردت بهدوء
_" وبعدين متخافيش انا معاكي وهاخد بالي منك كويس وهخلي خيمتي بين خيمتك انتي وماما متقلقيش وبعدين الجو هنا مش تلج اوي زي الولاية بتاعتنا متقلقيش"
تمتمت منى _" طيب"
وبدأ الجميع في الاستقرار في مكانه ووزعت منى البسكويت الطازج الذي حضرته طوال الليل. ومن ثم بدأ الجميع بتحضير الطعام واشعال النيران للشواء والدفء ومارية لم تفارق كلا من منى، ونهال، والاطفال. تساعد هذه وتضحك مع تلك ومرات عديدة تحتضن أطفالها الاعزاء.
رن هاتف منى فانتفضت وهي ترى اسم يوسف وتنظر لمارية تسألها العون والأخيرة تنظر لها وتشجعها على التحدي
_" أ.. الو ايوة يا يوسف يا حبيبي احنا وصلنا خلاص اهو " لم تسمع مارية بالطبع رده على الطرف الآخر ولكن لاحظت ارتباك منى وهي تنظر لها في حيرة فأخذت الهاتف بجرأة
وبصوت ثابت متحدي أجابت
_" هالو انا مارية " كما فعل معها بالأمس
_" اديني ماما هو فيه ايه؟ حصلها حاجة؟!"
حدثها بنفس عجرفته المعهودة
_" لا ابدا محصلش حاجة بس هي مشغولة شوية"
زفر بضيق ثم قال
_" مشغولة؟!! عني؟! طب اديني اسم الفندق او المعسكر اللي نازلين فيه"
ضحكت مارية من غروره وكانه لا يصدق ان والدته يمكن أن تنشغل عنه ابدا يبدو انه طفل مدلل للغاية. نحّت افكارها جانبا ثم أجابته بلؤم:
_" اه مشغولة بتحط حاجاتها في الخيمة بتاعتها !!!"
وكأنما هدأت أصوات العالم من حولها حتى صرصور الحقل ألجم لسانه عن الصفير وصوت انفاس يوسف الهادرة فقط هي كل ما تسمعه. ثم تحدث أخيرا وهو يضغط على أسنانه
_" تركبي عربيتك دلوقتي حالا وتروحيها البيت زي ما جبتيها"
ضحكت مارية باستهزاء
_" نعم !!! انت بتهزر انت عارف انا سوقت كام ساعة لحد ما وصلنا لهنا وبعدين هي مبسوطة ومرتاحة والاولاد فرحانين بيها اوي سيبها بقا انت ومتدخلش"
وبهدوء ينذر بالخطر قال
_" اديني ماما"
_" ايوة بس هي... " لم تستطع إكمال جملتها من هدير صوته الغاضب
اديني ماما دلوقتي حالا"
ارتعدت يدها وهي تسلم الهاتف لمنى غصبا عنها.
وأجابته منى بتلعثم وخوف
_" ايوة يا حبيبي!!"
_" ابعتيلي الموقع بتاعكم حالا!!!"
