رواية سارقة الهوي الفصل الخامس 5بقلم مني السيد

            

رواية سارقة الهوي

الفصل الخامس 5

بقلم مني السيد


فتح يوسف الباب بعنف وهو يعلم أنها جاءت لتأخذ حقيبتها التي نسيتها من فرط توترها. كانت ملامحها متجهمة ويبدو أنها سمعت ما قاله منذ قليل. أسرعت منى إليها في لطف 

_" مارية حبيبتي نسيتي شنطتك !!" 

أومأت مارية دون أن تنطق ونظراتها النارية موجهة ناحية يوسف الذي يبادلها بنفس اللهيب. أسرعت منى تناولها حقيبتها وهي تتمتم رغم نظرات يوسف الحارقة 

_" فكري بقا السبت الجاي لو فاضية كلميني احنا معانا ارقام بعض خلاص" 

نظر يوسف بحدة إلى والدته ولم ينبس ببنت شفة في حين صمتت مارية ولم ترد وهي تلتقط حقيبتها وتهرول بها بعيدا وتمنع دموعها من الانحدار على قسمات وجهها الحزين.

أغلق يوسف الباب بعنف وهو يسأل 

_" يعني ايه بقا اللي انتي قولتيه دا انتي مصممة بردو انك تخليها تيجي ؟!"

_" يا يوسف انت شوفت البنت كان شكلها عامل ازاي واضح جدا أنها سمعتك وانا كنت بحاول الطف الجو شوية"

-" مفيش تلطيف ولا تعطيف. ليه أصلا وانتي مش هتشوفيها تاني"

_" طب ممكن افهم بس انت بتعمل كل دا ليه؟ انا قولتلك خلاص مش هاخليك تشوفها ولا تقرب منها تاني" 

_" اهو هو كده وخلاص" ودلف إلى حجرته يخلع ملابسه ومنى ورائه تحاول الفهم 

_" هو ايه اللي هو كده فيه ايه يا يوسف انت اول مرة تتصرف بالطريقة الغريبة دي"

استدار إليها وهو يحاوط وجهها بكفيه 

_" عشان خاطري يا امي اسمعي كلامي المرة دي انا خايف عليكي متخلنيش ابقا ف شغلي ولا اي مكان وانا قلقان عليكي"

_" هو ايه اللي قلقان عليا يا يوسف هو انا عيلة صغيرة وبعدين قلقان عليا من حتة عيلة مفعوصة زي دي، دي اد اللعبة " 

_" اهي اللي اد اللعبة دي يطلع منها بلاوي كتير عشان خاطري يا امي ريحيني واوعديني متخليهاش تيجي تاني "

زفرت منى حانقة وتركته وذهبت إلى حجرتها غاضبة.

وتبعها يوسف 

_" منمن انتي عارفة انا ميهونش عليا زعلك ولا يهون عليا تنامي زعلانة مني صالحيني وبكرة افهمك كل حاجة ماشي " 

استدارت منى توجه ظهرها له في غضب طفولي فضحك يوسف 

_" خلاص بقا يا منمن وحياة يوسف لا تجيبي بوسة يا شيخة " وانقض عليها يقبلها وهي تداري وجهها بيديها وتضحك وهو يصر على تقبيلها بأي طريقة وظل معها يتسامران ويتضاحكان دون ان يتطرقا للموضوع مرة أخرى إلى أن راحت منى في سبات عميق.

                    ************* 


بعد مرور أسبوع كانت مارية قد تناست الأمر ولكنها لم تنساه حاولت ألا يؤثر بها هذا الموقف ككل المواقف التي مرت بها قبل ذلك ولكن هذا اليوسف يعلق بذهنها لا تعلم لما تتذكره كل حين!! من الممكن ان يكون بسبب قلقها من انه الوحيد الذي يعلم بهوسها ولكنها كانت تنفض تلك الافكار من رأسها وتحاول التناسي بأنها لن تقابل هذا الشخص مرة أخرى مما يغص حلقها لا تعلم لماذا؟!!

كان اليوم الجمعة اليوم المخصص لها لمقابلة احبائها في الملجأ الخاص بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. كان يوم مقدس بالنسبة لها لا يمكن أن تخلف هذا الميعاد الا للضرورة القصوى. ظلت تلعب مع الأطفال إلى أن طلب منها الجميع العزف على البيانو والغناء وهذا ما كانت تبرع فيه بحق عدا كونها طبيبة!!

وبدأت أصابعها تلمس البيانو وكأنها تملك أصابع سحرية تتناثر من بينها الالحان وكأنها نورا يسري بين هؤلاء الملائكة الصغار. والأطفال يتمايلون مع عزفها وبدأ صوتها ينساب في المكان وكأن الاذان صُمّت إلا عن صوتها. هدوء مهيب يتخلله صوتها الملائكي.


وبخارج الملجأ كانت منى تهرول ومعها يوسف متذمرا.

_" ياماما هو لازم يعني النهاردة كنا جينا الاسبوع الجاي بعد ما ارجع م السفر" 

_" ما خلاص بقا يا يوسف يا حبيبي احنا وصلنا خلاص وصدقني مش هنتأخر " 

_" ااه انا عارف مش هنتأخر بتاعتك دي والله يا ماما تعبان جدا وعاوز ارتاح" 

_" والله هترتاح يا يوسف بعد ما تقعد مع الولاد القمامير دول وهتتبسط. ناس كتير كلموني عن المكان هنا وحتى المشرفة عربية يعني هعرف اتفاهم معاها وبعدين انا قولتلك سيبني اروح لوحدي انت اللي مرضتش و...

الله ايه دا ايه دا سامع الصوت الجميل دا"

انتبه يوسف لهذا الصوت الذي أسره بالفعل 

_" اه يا ماما فعلا حلو اوي تلاقيهم مشغلينلهم التلفزيون ولا حاجة" 

_" طب يالا يالا تعالى نديهم اللعب والهدايا ونعدي ع المشرفة عشان تدخلنا ليهم بسرعة" 

وقد كان...

فتحت منى باب حجرة الموسيقى بخفة وهي ترى هؤلاء الأطفال ملتفين حول البيانو أو حرفيا حول تلك الضئيلة التي تعزف وتغني في عذوبة ولكنها لم تتعرف عليها من ظهرها.

لا حظت مارية تعلق نظرات الاطفال بالباب وبعضهم خائف والبعض الآخر مترقب فتوقفت عن الغناء ثم التفتت بروية لتتفاجأ بدخول منى المبتسمة يليها يوسف المتجهم خاصة حين رآها ولكن منى لم تلحظها إلى الآن. اعتدلت مارية في وقفتها وتجمع الأطفال جميعا خلف ظهرها وحينها فقط رفعت منى رأسها عن الأطفال لتري بمن يحتمون. 

فغرت منى فاهها وظلت تنقل نظرها بين مارية ويوسف الذي يرمق والدته بنظرات نارية مليئة بالشك وهي تنظر له وتهز رأسها مدافعة عن نفسها واتهام عينيه لها بأنها دبرت هذا اللقاء. ثم تحولت نظراتها إلى مارية وهي تبتسم ابتسامة متوترة

-" م... مارية ايه دا انتي بتشتغلي هنا ولا ايه" 

تدخلت مشرفة المكان العربية 

-" لا دكتور مارية ما عم تشتغل هون هي متطوعة بتيجي ايام الجمعة لحتى تقضيهم مع الاولاد وكمانا لتقوم بالكشف المجاني عليهن "

رفع كلا من يوسف ومنى حاجبيهما دهشة مع اختلاف التفكير فمنى كانت فخورة بما يقال في حين كان يوسف يرفع حاجبيه غير مصدق هذا الهراء. وتحدث بسخرية قليلا 

_" انتي فعلا دكتورة؟" 

هزت مارية رأسها إيجابا دون أن تتحدث وأسرعت تستأذن في الخروج ولكن منعتها صرخات الاطفال المتوسلة وتمسكهم بيدها وبملابسها حتى لا تخرج بهذه السرعة. وحاولت منى حل الموضوع حين تحدثت 

-" ايه يا مارية احنا جينا مشيناكي ولا ايه خليكي قاعدة مع الولاد واهي فرصة تعرفينا بيهم عشان ياخدوا علينا احنا كمان"

نظرت مارية بلطف نحو منى وهي تحاول الابتسام ثم انتقلت بأنظارها نحو يوسف الذي مازال متجهما وينفث نيرانا من أذنيه. ولكنه اعتدل في وقفته متحدثا 

_" ممكن تخليكي عشان ماما عاوزة تتعرف ع الولاد هنا بجد وانا هاستنا برا ف العربية لحد ما تخلص عشان اروحها"

تدخلت منى تنهره

_" تستنى ف العربية فين ف عز البرد دا لا طبعا انت هتقعد معانا هنا" نظر لوالدته بنفاذ صبر هو يعلم أنها لم تدبر هذا اللقاء فصدمة وجهها حين رأتها طبيعية ووالدته لا تعرف التمثيل هو مؤمن بذلك تماما ولكن ما هذا الحظ الذي يجلبها إليه كل حين!!!!

جلس كل منهم في مقعدة ومارية تعرفهم على الجميع طفلا طفلا وتذكر مواهب ومميزات كل طفل بفخر. وتحدثت منى بفرح 

_" انتو ولاد قمامير اوي ايه رأيكم بقا نلعب شوية مع بعض " 

قامت مارية بالترجمة للأطفال الذين ما إن سمعوا ذلك حتى تقافزوا فرحين. 

كان يوسف يراقب بصمت ولكن حين رأى فرحة والدته وانضمامها للعب مع هؤلاء الملائكة الصغار انفكت بعض عقداته وبدأ بالضحك والابتسام أخيرا وهو يراقب مارية دون أن تشعر بذلك أو كما يظن هو !!!

فقد كانت تشعر بعيناه ترمقها بأسياخ من حديد ساخن ولكنها أخفت توترها ببراعة.


بعد انقضاء اليوم كانت منى في غاية السعادة، وقد انتقلت عدوى السعادة إلى يوسف الذي ما إن ابتسم حتى شعرت مارية أن ثقل الهواء قد انزاح ، وضيق المكان قد اتسع. لا تعلم لم شعرت بهذا الشعور ولماذا يهمها يوسف لهذه الدرجة ولكنها أرجعت ذلك الى خوفها من معرفته بهوسها على السرقة.

خرج كل منهم إلى سيارته في حين لحقتهم المشرفة بصعوبة وهي تلهث

_" بدي خبركون بشي مهم كتير "

التفت الجميع أليها في اهتمام فأردفت

_" نحنا عنا رحلة الاسبوع الجايي والأطفال انبسطوا كتير وبدون اياكون تيجوا بهي الرحلة الاستكشافية" 

صفقت منى بفرحة كالاطفال

_" الله انا من وانا صغيرة وانا نفسي اطلع رحلة استكشافية" نظر إليها يوسف بتعجب

_" استكشافية ايه يا ماما مينفعش طبعا الكلام دا انتي تعبانة ودي مخاطرة كبيرة" 

عقدت مارية حاجبيها فالسيدة منى تبدو بصحة جيدة وكذلك نفسية جيدة. كانت تفكر في ذلك حين تمعنت منى في وجهها وكأنها وجدت الحل 

_" متقلقش عليا دكتورة مارية هتكون معانا عشان لو جرالي او جرا للاولاد حاجة مش كده يا مارية ؟؟!"

أذعنت مارية بالقبول تحت نظرات منى المتوسلة ونظرات المشرفة المتأملة.

_" اوكيه تمام انا جاية " ثم وجهت حديثها ليوسف لأول مرة منذ بداية اليوم 

_" متقلقش على مامتك هخلي بالي منها كويس وهاخدها وارجعها لحد بيتها ساغ سالي " 

ضحكت منى مقهقهة وهي تلهث : 

_" سالي مين بس يابنتي انتي بوظتي العربي خالص اسمها صاغ سليم" ابتسمت مارية ابتسامة متوترة تحت نظرات يوسف المتزمرة

_" معلش بقا انا نص الكلام واقع مني أصلا " ربتت منى على كتفيها بحنو وما كادت تتحدث حتى قاطعها يوسف 

_" أظن كفاية كده بقا اوي وكل واحد يروح بيته عشان الدنيا برد وغلط تقفي ف البرد كل الوقت دا يا ماما ونبقا نشوف موضوع الرحلة دا لما أرجع م السفر" انتبهت مارية لجملته الأخيرة واستغربت حالها لماذا اهتمت لهذه الدرجة بسفره أو وجوده من عدمه. في حين تهدلت كتفا منى وهي تقول

-" ايه دا يعني انت لو مرجعتش قبل الرحلة مش هاروح؟؟!" 

_"لا طبعا يا ماما مش هينفع تروحي انا مآمنش عليكي لأي حد" قالها وهو يلقي نظراته النارية على مارية.

تدخلت المشرفة 

_" عموما الرحلة بتكون الاحد الجايي اتمنى تكون حضرتك رجعت بالسلامة وقتا" 

وكأنها اهدته هدية العام 

_" شوفتي بقا يا ماما اهو هكون لسه مجتش معلش نعوضها مرة تانية ان شاء الله" وألقى التحية على المشرفة وابتسامة صفراء نحو مارية ثم ركب سيارته مع والدته وغادر .....

ومارية تشعر بالحنق والغضب على هذا المتعجرف الذي يصر على إحراق أعصابها ودمها معا ولكنها وللأسف لا تستطيع التفوه ببنت كلمة!!


                 الفصل السادس من هنا

لقراءة باقي الفصول من هنا 

تعليقات



<>