رواية سارقة الهوي
الفصل الحادي عشر 11
بقلم مني السيد
بزئير أسد يحاول كبح غضبه همس يوسف كلماته الغاضبة وهو يضغط على أسنانه من خلف أذنها
-" مش هتبطلي الارف اللي بتعمليه دا ؟! انتي عارفة هنا فيه كام كاميرا مراقبة؟!!"
ارتجف جسدها تحت يده القابضة عليها كسجّان وجد سجينه الهارب. ولم تساعدها أحبالها الصوتية حتى للتبرير أولاستيعاب ما كادت تفعله للتو فهي ولأول مرة لم تحسب حساب للكاميرات!!
وانقذها البائع حين حضر مبتسما لا يشعر بتلك العاصفة التي تكاد تفتك بها.
-" ooooooooh here is the groom! And I kept wondering how come this beautiful lady shopping her ring by herself!!!"
-" اوووووه وأخير العريس جه وانا اللي مستغرب ازاي القمر دا يجي يشتري خاتم الجواز بنفسه"
لم تكتشف أنها كانت تبحث عن خاتم زواج إلا حين تفوه البائع بذلك، واحبالها الصوتية مازالت ترتجف لكن دون جدوى فصوتها ذهب مع الريح ومازالت يد يوسف تقبض على يدها ولكن بخفة أكثر
-" I haven't proposed yet, she is just rushing"
-" انا لسه متقدمتلهاش حتى، هي بس اللي مستعجلة"
قضم البائع على شفتيه بحسرة لا تعلم هل حزن عليها من وقع تلك الكلمات البغيضة التي قالها يوسف للتو؟! أم على فرصته في البيع التي ضاعت!!
أخذ يوسف الخاتم من يدها وأرجعه للبائع دون ان يتركها ومن نفس اليد جذبها لخارج المتجر كمن يجذب حيوانه الأليف من طوقه وأخيرا استجمعت نفسها وعادت لطبيعتها فخلصت يدها من يده وصرخت به :
-" انت ازاي تعمل اللي انت عملته دا وازاي تقول كده للراجل انت اتجننت"
لم يستطع تمالك نفسه هو الآخر فصرخ بدوره
-" انا اللي اتجننت انا لسه مخلصك من مصيبة كانت هتوديكي في داهية المفروض تشكريني على فكرة"
-" اشكرك على ايه على قلة ذوقك وقلة ادبك اييييه شكلي ايه انا ادام الراجل دلوقتي كأني انا هموت عليك وانت اللي مش طايقني"
اقترب منها وهو يجز على أسنانه وبصوت الزئير المكتوم مرة أخرى
-" اولا انتي اللي قليلة الأدب "
شهقت مارية وفتحت فمها لترد له الكيل ولكنه لم يسمح لها حين قبض على ذراعها مرة أخرى في عنف ينافي صوته الخفيض الحازم
-" ثانيا هو دا اللي همك منظرك اني مش طايقك ودي فعلا حقيقة ، متخيلتيش لو كان اكتشف اللي كنتي هتعمليه ودا بسهولة جدا كان هيحصل كان هيبقا ايه منظرك ولا كان زمانك موجودة فين دلوقتي ؟ انتي المفروض تشكريني بقولك؟! "
فتحت فمها مرة أخرى للاعتراض ولكن نهال كانت تقترب منهما في توتر وهي تقول
-" ايه دا مالكم فيه حاجة ولا ايه وتشكرك على ايه يا استاذ يوسف"
انقبض قلب مارية ... حتما سيكشفها أمام والدتها سيبوح بسرها الذي لم يعلمه أحد حتى الآن ... إلا هو !!!
ترك يوسف ذراع مارية بحركة بطيئة ولكنها تظهر مدى تقززه منها ثم توجه بالكلام لنهال :
-" لا ابدا دي كانت هتقع وانا سندتها فشكلها اتضايقت عشان كده بقولها انها المفروض تشكرني يعني"
في هذه اللحظة وكأن دمائها التي اندفعت دفعة واحدة الى رأسها عادت لتستقر كل نقطة في طريقها ونظرت إليه نظرة ممتنة بحق بعد أن كانت تريد ضربه منذ قليل!!
استطرت نهال:
-" طب يالا تعالوا نقعد عشان منى قلقت لما لاقيتكم كأنكم بتتخانقوا من بعيد"
وكأن على رأس مارية الطير لم تستطع التحرك او التحدث. فمشاعرها ارهقت من هذا اليوسف الذي أدهشها برد فعله المراعي وقبله بكلماته المتغطرسة. تشعر بأنها ركبت أرجوحة افعوانيه تقلبها رأسا على عقب كل حين!!
دفعها يوسف بخفة بعد ان تجمدت في مكانها ثم سار يوسف خلفهم وهو يشير لها ان تتقدمه وهمس في أذنها وهي تعبر أمامه
-" هي متعرفش؟؟"
وبنظرات خجلة هزت مارية رأسها بالنفي
فأردف بصوت غريب تكاد تستشعر الحنو فيه :
-" لازم تشوفيلك حل على فكرة"
وللمرة الثانية هزت رأسها ولكن بالإيجاب تلك المرة.
وصلوا جميعا إلى الطاولة حيث منى تنتظر في ترقب:
-" ايه يا يوسف ايه اللي حصل ؟!"
-" ابدا يا ماما كانت هتقع فسندتها فطلعت زعابيبها "
التفتت إليه مارية في حدة
-" ايه زعانفها دي شايفني سمكة!!"
وببرود نظر إليها وهو يمط شفتيه وكأنه يبتسم وسحب لها مقعدها بنفاذ صبر لتجلس:
-" ممكن تقعدي بقا شوية عشان انا مش طايق نفسي" ثم وجه حديثه لوالدته:
-" يالا يا ماما لو سمحتي عشان نروح"
-" نروح ايه انا لسه مشربتش العصير وبعدين انا عاوزاك في موضوع تعالى بس اقعد"
زفر يوسف بنفاذ صبر وهو يسحب كرسيه ليجلس هو الآخر
-" اتفضلي يا ماما خير موضوع ايه ؟!"
-" انا عاوزاك تخرجنا انا ومارية يوم السبت الجاي عشان هي عندها حفلة وعاوزة تهرب منها"
نظرت لها نهال غير مصدقة ما تقوله وكأنها تقول ليس هذا ما اتفقنا عليه، فأشارت منى إليها من تحت الطاولة بالانتظار
-" وانا مالي انا اخرجكم ليه ما انتو شاطرين اهو وبتعرفوا تخرجوا لوحدكم"
-" كده بردو يا يوسف انا كنت عاوزاك تودينا حتة بعيدة كده يكون الجو فيها حلو عشان ننطلق ونخليها متروحش الحفلة"
-" اولا انا مش فاضي يوم السبت عشان انا كمان عندي حاجات مهمة جدا في الشغل، ثانيا خليها تشوفلها اي طريقة تهرب بيها من الحفلة بتاعتها دي بعيد عني ، تلاقيها مش لاقيه فستان يليق عليها ولا عارفه تظبط شعرها وتعمل الحاجات بتاعت البنات دي ، عشان كده مش عاوزة تروح ماهي طول النهار عمالة تلف بالموتسيكل بتاعها زي الرجالة، ومالية الانستجرام بصورها وهي شبة الولاد كده"
ضربت مارية على الطاولة
-" لااااااا دانت زودتها اوي انتي ازاي تتكلم عني كده "
وببروده المعتاد :
-" ايه بكدب؟! قومي شوفي اقرب مراية كده وبصي عليها ببنطلونك الجينز والجاكيت والكوتشي الرجالي ولا شعرك اللي عملاه كحكة كده على طول دا، دا منظر بنت تقدر تلبس فستان وتحضر حفلة ؟! انتي اخرك حفلة تنكرية تخربشي فيها كده يا قطة"
ضيّقت مارية عينيها وهي تقترب منه عبر الطاولة الفاصلة بينهم:
-" طب ايه رأيك بقا انا هاروح الحفلة دي وهلبس فستان وهاوري الناس كلها انا بنت ولا لا بس للأسف انت الوحيد اللي مش هتنول شرف انك تشوفني وانا كده عشان اللي زيك اخره معايا البنطلون الجينز والكوتشي الرجالي"
قهقه يوسف ضاحكا باستهزاء:
-" يااااه الحمد لله اني مش هيحصلي الشرف والا أكيد كنت هشوف عروسة المولد ادامي" نهض عن مكانه بعنف وبصوت حازم لا يدع مجالا للجدال:
-" يالا يا ماما لو سمحتي"
نهضت منى بدورها وهي تخفي ابتسامتها وغمزت لنهال وهي تقبلها مودعة ثم قبلت مارية التي لم تكن تركز سوى في مبادلة نظرات يوسف المحدقة المتحدية وهو ينتظر والدته ان تنتهي من تحيتهم وهو يضع يديه في جيبه بنفاذ صبر!!!
ظلت مارية محدقة في الطريق الذي ذهبا فيه بغيظ إلى أن قاطعتها نهال:
-"ايييييه روحتي فييين انتي بجد هتروحي الحفلة؟!"
-" ايوة هاروح وقومي بينا بقا دلوقتي ندور على اجمل وأغلى فستان دلوقتي" رفعت نهال حاجبيها منبهرة بما فعلته منى فهي لم تكن لتستطيع ان تقنع مارية بأي حال من الأحوال !!!
استغرقت مارية في تفكير عميق ثم سألت نهال بجدية :
-" هي مش عروسة المولد دي حاجة حلوة يعني وشكلها حلو؟! انا كنت بنبسط بيها اوي وانا صغيرة ولا هو قصده ايه بالظبط؟!"
قهقهت نهال ضاحكة :
-" قومي قومي ندور ع الفستان وانا هقولك هو قصده ايه بالظبط"
******************
بعد ساعات من البحث استقر الامر على ذاك الفستان الذي تتدرج ألوانه بالتل
من أسفل لتشعرك بالغرق في لوحة هادئة من ألوان السماء الليلية المتدرجة بانسيابية لتصل لأعلى لللون الأسود بصدر مكشوف على شكل قلب ويرافقه قفازات طويلة تصل لأعلى ذراعها من اللون الأسود لتكتمل اللوحة باستدارة مارية في المرآة لتنبهر هي ذاتها بجمالها داخل هذا الفستان.
وبعيون متسعة مغرورقة بالدموع تحدثت نهال بانبهار:
-" انا مش قادرة اصدق عينيا ايه الجمال دا يا ميرو انا مش عارفة انتي اللي تحفة ولا الفستان هو اللي تحفة عليكي "
استدارت مرة أخرى بفرح
-" بصراحة وانا كمان مش مصدقة ايه دا دا انا طلعت حلوة اوي في الفساتين اهو"
-" طب يالا يالا ناخده بسرعة عشان نشوف بقية الحاجات"
وباستغراب سألت مارية:
-" حاجات ايه تاني انا تعبت اوي وبعدين الفستان دا يجنن لوحده هانعمل فيه ايه تاني"
-" بس يابت انتي، انتي تمشي معايا وانتي ساكتة ، لسه البورتفوليو والهيلز"
-" لا لا لا هيلز ايه انا كده هتكفي على وشي"
-" اسمعي الكلام الفستان دا عاوز هيلز اسود جامد ويكون 9 انش كده ولا حاجة"
فتحت مارية عينيها وفمها دفعة واحدة
-" 9 انش ايه يا شيخة حرام عليكي دنا كده كأني بنتحر من الدور السابع انا عاوزة اوريه انوثتي مش اضحكه عليا"
-" الا صحيح يا مارو ملاحظتيش حاجة؟!
انتبهت مارية وعقدت حاجبيها وهي تسأل في قلق:
-" حاجة ايه بالظبط"
-" ملاحظتيش وهو بيقول ان صورك كلها ع الانستجرام شبه صور الولاد"
زفرت مارية وهي تنظر لنفسها مرة أخيرة بهذا الفستان
-" ايوة لاحظت امال انا عاملة في نفسي كل دا ليه!!"
ابتسمت نهال بخبث ممزوج بالفرح
-" معنى كده انه بيدور وراكي ويتفرج على صورك"
هزت مارية رأسها بخيبة وقالت في نفسها
( اكيد مش بيدور عليا من اعجابه مثلا دا بيدور عشان يشوف البنت الحرامية بتعمل ايه تاني ف حياتها ولا وراها ايه تاني)
انتشلتها نهال من تفكيرها :
-" اييييه سرحتي ف ايه ؟؟!"
-" لا ابدا ما انا كنت بفكر انزل صوري بقا يوم الحفلة بالفستان عشان الباشا يشوف اني بنت وبنت زي القمر كمان"
-" ايوة ما هو دا اللي كنت هقولك تعمليه"
-" طب يالا نشتري الهيلز بقا عشان الحق اتدرب عليها اليومين اللي فاضلين بدل ما اقع وانزل صورتي بالجبس بدل الفستان"
-" بعد الشر عليكي يا حمارة انتي، امش ادامي يالا امشي"
