رواية سارقة الهوي
الفصل التاسع 9
بقلم مني السيد
ظل الطبيب يقرأ الورقة التي تركتها مارية بتمعن ثم هز رأسه أخيرا ليقول:
_" you have to thank God for having this doctor in the right time and the right place.
_" انت لازم تحمد ربنا على وجود الدكتورة دي في الوقت المناسب والمكان المناسب"
زفر يوسف بتململ على ضياع تلك الفرصة، لا يعلم لماذا يشعر بالغضب تجاه تلك الفتاة هل لأنها سرقته في بادئ معرفته بها أم لأنها سرقت قلب والدته وجعلتها تتحداه للمرة الاولى في حياتها. لا يعلم!! كل ما يشعر به هو أن تلك الفتاة وجودها في حياتهم خطر كبير !!
*****************
انتظرت منى حتى يخرج الطبيب بعد ان طمأنهم على حالتها ثم التفتت إلى يوسف تلومه على استحياء
-"شوفت بقا انت ظلمت البنت ازاي!!"
رفع يوسف حاجبه بغضب مصطنع
-"ولا ظلمتها ولا حاجة، انا بس كنت عاوز اتطمن على حالتك مش اكتر"
-"واديك اتطمنت انها عملت كل حاجة صح بس بردو انت زعلتها"
-" وانا مالي ما تزعل ولا ...." قاطعته منى بنظراتها الغاضبة تؤنبه على كلماته التي لم ينطقها. فاستطرد محاولا ارضائها
-" يعني قصدي انها المفروض تفهم اني قلقان عليكي وتتفهم ده مش تقعد ترمي كلام وتقول ناس معندهاش احساس ولا ذوق وكلام سخيف زيها"
ابتسمت منى رغما عنها
-" ايوة بس لازم بردو نصالحها ونراضيها دا لولاها كان زماني..."
-" بعد الشر عليكي يا ماما اوعي تكملي "
-" خلاص يبقا لازم نصالحها !! ايه رايك نروحلها بيتها نشكرها"
هب يوسف واقفا:
-" حيلك حيلك بيتها ايه ونصالحها اييييه ، انا هبقا ابعتلها اي هدية على شغلها او حتى على بيتها عادي"
-" ايوة بس..."
قاطعها يوسف بحزم
-" مفيش مرواح بيتها والكلام دا وبعدين انتي لسه تعبانة متفكريش ف الحاجات دي دلوقتي، لما تخفي خالص إن شاء الله نبقا نشوف الموضوع دا، انا مش عارف بس انتي عملالها أهمية اوي كده ليه؟!"
ابتسمت منى بخبث وتمتمت
-" واضح فعلا ان انا اللي عملالها أهمية فعلا"
لم يلحظ يوسف نبرة التهكم في صوت والدته فأكمل غير مبالي :
-" انا هاروح اخد دش بقا واغير هدومي واجيلك عشان انا اللي هاحضرلك الأكل بنفسي النهاردة ياجميل "
-" تسلم ايديك وعينيك ياروح قلبي"
**************************
بعد مرور يومين
اخذت منى هاتفها في تردد وهي تحاول الاتصال بمارية ولكنها لا تعرف ماذا ستقول.... إلى أن أجابت مارية في فرح
-"هالو ..منى.. ازيك عاملة ايه طمنيني عليكي وحشتيني والله"
شجعتها لهفة مارية في السؤال عنها للتحدث
-"انا زعلانة منك اوي اوي كده بردو متسأليش عني اليومين اللي فاتوا دول!!"
تنهدت مارية وهي تغمض عينيها ثم استجمعت كلماتها وقالت في هدوء
-" لا انا عارفة انك اكيد في أيد أمينة وقولت اسيبك ترتاحي ومحبتش ازعجكم!!"
-" تزعجينا ايه بس وكلام فارغ ايه انتي كده هتزعليني بجد وهبقا عاوزة منك حق عرب"
ظلت مارية تلف بعينيها وهي لا تفهم كلام منى
-" يعني هدفعلك حق العرب كلهم ولا ايه انا مش فاهمة"
قهقهت منى ضاحكة
-" لا انتي عاوزة كورس تعليم لهجة مصرية مكثف ونبتدي في الكورس من النهاردة انا لازم اشوفك"
تململت مارية في الرد
-" وانا والله يا منى بس انتي عارفة انا مش هقدر اجيلك تاني البيت معلش اعذريني"
-"لا مش هعذرك انا هتجنن واشوفك وانتي مش عاوزة تيجي تزوريني وانا عيانة انتي كده عاوزة تزعليني !"
لا ابدا والله يا منمن بس .... !"
-منى:
" مفيش بس ...انتي هتيجي يعني هتيجي انا زهقت من القعدة لوحدي"
تأكدت مارية حينها أن يوسف لن يكون موجودا ولكنها فكرت..... بالطبع لن يكون موجودا فهو بالتأكيد لا يريد أن يراها ومنى تعلم ذلك جيدًا . حسنا وهي ايضا لا تريد أن تراه، ستذهب لتثبت له ان تعجرفه وتكبره لا يشكلان لها أي أهمية بل بالعكس !! حتى وإن كان موجودا فلتريه رأي العين أنها لا تهتم لأمره أو لكلامه !!
-مارية "خلاص هعدي عليكي بعد ما اخلص شغل مش هتأخر"
-منى بفرحة "تمام وانا مستنياكي"
بعد عدة ساعات كانت مارية على موتورها السريع تنطلق في طريقها لمنزل منى وصدرها يعلو ويهبط وكأنها هي التي تركض في الطريق وليس الموتوسيكل وأرجعت ذلك إلى رغبتها في عدم رؤيته فهو بالفعل يوترها كلما رأته!!
رنت مارية الجرس لمرة واحدة فقط ثم انفتح الباب بعد قليل ومن خلفه وجه منى البشوش وابتسامتها التي تريح القلب مما طمأن مارية وهدأ من ضربات قلبها المنفلتة.
فتحت منى الباب على مصراعيه ومن ثم يديها ولم تدع لمارية أي فرصة واحتضنتها بلهفة حقيقية.
-" وحشتيني وحشتيني اوي يا ميمو"
تفاجأت مارية بهذا التدليل الجديد وبادلتها العناق وهي تخبرها بصدق:
" وانتي كمان وحشتيني اوي بجد، بس ايه ميمو دي حلوة اوي "
فكت منى حصارها وهي تشدها للداخل
"مانتي كمان بتدلعيني وتقوليلي يا منمن اشمعنا انتي بقا !!!"
جلست مارية بجانب منى التي حكت لها ما حدث معها في الأيام الفائتة بالتفصيل وما قاله الطبيب عن حسن حظها لوجودها معها في تلك الليلة. كانت مارية تشعر بحب منى يتغلغل داخلها مع كل كلمة تخرج منها فهي تشعر انها انسانة أصلية بقلب نقي ونادرا ما قابلت مارية أناس من هذا النوع.
سمعت مارية صوت سيارة تدلف للمنزل فتأكدت أن يوسف قد أتى مما أسرع في دقات قلبها وزاد توترها بالتأكيد لن يسر من وجودها. فكرت بأي طريقة أو حجة تستطيع بها تفادي مقابلته هكذا فجأة وهي التي كانت قد نوت أن تقف أمامه بشموخ تمثال الحرية إلا انها وجدت نفسها بالأخير كالفأر المذعور.
هبت مارية واقفة لا تعلم ماذا تقول ثم أخيرا تحرك عقلها لتقول:
-"انا عاوزة ادخل الحمام ممكن؟!"
ابتسمت منى ابتسامة ذات معنى ثم أشارت إلى اتجاه الحمام وهي تقول:
-" اتفضلي اهو من هنا"
أسرعت مارية باتجاه الحمام وأغلقت الباب على عجل ثم اسندت ظهرها إليه تلملم أنفاسها التائهة.
(هو دا اللي اتفقنا عليه يا مارية مش قولتي هتقفي ادامه زي الوحش ومش هتخافي منه هو بيعملك ايه عشان يرعبك كده مالك امسكي نفسك شوية بقا واطلعيله وريله مقامه...) انتهت من حديثها اللازع مع نفسها على صوت منى وهي تقول:
-" الله ايه الورد الابيض الجميل دا مش عادتك يعني تجيبلي ورد !!"
-يوسف: " لا دا مش عشانك دا كان عشان صاحبتك"
عقدت الاثنتان حاجبيهما واحداهما من وراء الباب تنفث لهيبا:
(مين صاحبتها دي اللي جايبلها ورد ان شاء الله وايه السبب؟!)
قاطعت منى افكارها وسألت نفس سؤالها وتنبهت مارية منتظرة الإجابة
-" صاحبتي مين دي يا يوسف اللي جايبلها ورد"
-" اللي انقذت حياتك ياستي ومش عارفة تعمليلها ايه ولا ايه اديني جبتلها ورد اهو عشان متقوليش عليا حاططها في دماغي"
تراقص قلب مارية فرحا من وراء الباب واعتدلت تستعد للخروج وهي تحاول ضم شفتيها عنوة حتى لا تظهر ابتسامتها الحمقاء
فتحت الباب بهدوء وبدأت أولى خطواتها نحوه... تقصد نحوهم
وسمعت منى تسأله بخبث
-" طيب امال انت جبته هنا ليه هيدبل كده لو كنت ناوي نروحلها بكرة"
-" ابدا ياحبيبتي انا روحت اسيبهولها في المستشفى بتاعتها قالولي انها مشيت وانها كمان بكرة أجازة قولت اجيبه هنا بقا بدل ما يدبل على الفاضي"
حاولت مارية ألا تتعثر في مشيتها وهي تكاد ترقص لقد احضر لها الورود!! وتوقفت خلفه تماما وهو يعطيها ظهره محاولا خلع معطفه قائلا:
-"شكلها متستاهلش الورد الحلو دا عشان كده مبقاش من نصيبها...." استدار ليضع معطفه على طرف الأريكة لتتلاقى عيناه المندهشتان بعيناها ذات النظرة البركانية ومنى خلفهم تعض على شفتيها وتحدث نفسها
-(يعني كان لازم تقول الكلمتين دول البنت كانت جاية هتطير من الفرحة ياه عليك يايوسف وعلى كلامك)
ظلت منى تحدث نفسها وهي تنظر لكلاهما متوقعة أن ينقض أحدهما على الآخر من وقفتهما المتربصة والمليئة بالتحدي ونظرات عينيهما المتضادة. فيوسف ببرودته المعهودة يضيق عينيه وعلى شفتيه شبح ابتسامة ساخرة ومارية تجز على أسنانها وتحرك لسانها في جميع أنحاء فمها وكأنها تمنعه من أن يخرج متفوها بكلام هي تريد قوله بشدة !!!
وبالأخير تفادته مارية دون كلام بل وكأنها لم تره ولم تسمع ما قال منذ قليل ثم ذهبت إلى منى تقبلها على وجنتيها قائلة
-" معلش يا منمن بقا انا هامشي عشان كده انا اتأخرت اوي"
حاولت منى اثنائها عن الذهاب علّ الموقف يهدأ قليلا بجلوسها معهم قائلة
-" هو مش انتي اجازة بكرة ما تخليكي قاعدة معانا قصدي معايا شوية"
-" ماهو عشان بكرة اجازتي مش عاوزة اعكر مزاجي بحاجات متستاهلش" رفع يوسف احدى حاجبيه مستنكرا ما قالته للتو، ومنى لا تقوى على التفوه بكلمة فمارية معها كل الحق ولكنها تتكلم عن ابنها الذي لن يمرر تلك الجملة بسلام وستشتعل الغرفة الآن!!
التقطت مارية معطفها الذي كان ملقى بجانب ورودها البيضاء التي رأتهم الآن كجثة شاحبة ودون أن تفكر ودون أن يشعر أحد التقطت البطاقة المصاحبة لباقتها التي لم تكن من نصيبها ولكن تلك المرة لم يؤنبها ضميرها هي لم تسرق.... !! الورود لها .. والبطاقة لها.. هذا حقها!!
خرجت بسرعة قبل أن يلحظ أحد أخذها للبطاقة ودون أن تنظر ورائها أغلقت الباب خلفها بعنف.
نظرت منى ليوسف بعتاب :
-" كده بردو يا يوسف تكسف البنت وهي في بيتنا:
-" وانا ايش عرفني انها في بيتنا؟! انتي قولتيلي مثلا انك هاتجيبيها؟! ولا خلاص انا مبقاليش لازمة في البيت دا مش كده ؟ "
- " ايه يا يوسف الكلام اللي انت بتقوله دا !"
-" ايييه مش هي دي الحقيقة انا ياما كنت بتحايل عليكي عشان اخلي النلس تجيلك هنا البيت وتقعدي معاهم وانتي تقوليلي لا ابدا مبحبش حد يجيلي البيت اشمعنا بقا الست هانم دي اللي بتخليكي تعملي كل اللي هي عاوزاه هه؟!"
- " يابني والله انا اللي اتصلت بيها وقولتلها تيجي هي مكلمتنيش من يوم ما تعبت وانا كمان اللي اتحايلت عليها تيجي هي مكانتش راضية وانت عارف ليه كويس"
يوسف باستنكار
-" كمان اتحايلتي عليها كمااان؟؟! وليه بقا الهانم مكنتش عاوزة تشرفنا بزيارتها؟! "
زفرت منى تنهي الحديث
-" خلاص يا يوسف خلاص انت عمرك ما هتعترف بغلطك ابدا"
رفع يوسف يديه لأعلى غير مصدق ما تقوله والدته:
-" كمان انا الغلطان؟!"
زمت منى شفتيها وقامت تلتقط باقة الورود فنهرها يوسف بنبرة حازمة:
-" سيبي الورد دا يا ماما انا هتصرف فيه"
-" هتعمل فيه ايه اوعا ترميه هزعل منك"
وبنفس النبرة الحازمة الباردة اصر:
-" قولتلك سيبيه يا ماما ومتخافيش مش هارميه وسيبك بقا من الكلام عن البنت التافهة دي عشان كل ما نجيب سيرتها بنتخانق وبتنرفز وقوليلي ...انتي اخدتي دواكي؟"
ابتسمت منى بخبث وقالت لتغيظه وهي تتوجه لحجرة نومها :
-" ايوة يا يوسف مارية حبيبتي اديتني الدوا وقاستلي الضغط قبل ما انت تيجي على طول..... تصبح على خيريا حبيبي"
قالتها مبتسمة وهي تعلم أن كلامها سيجعل الحمم تطاير فوق رأسه أكثر فأكثر.
زفر حانقا ثم التقط الورود متوجها لغرفته وهو يبحث عن البطاقة ليمزقها وهو ينهر نفسه أين كان عقله حين كتب تلك الكلمات السخيفة لتلك الفتاة السخيفة !!! بل أين تلك البطاقة اللعينة !!!
