رواية سارقة الهوي الفصل الثاني والعشرون 22بقلم مني السيد

         

رواية سارقة الهوي

الفصل الثاني والعشرون 22

بقلم مني السيد



خرجت مارية من الحمام بعد أن كفكفت دموعها ولكن آثار البكاء واحمرار انفها وتورم شفتيها مازالا على حالهما إلا أن ومع ذلك كان شكلها مثيرا للغاية.

قبل أن تخرج من الممر الموجود به الحمامات وجدت الشخص المطلوب وكأنه ينتظرها لم تعره انتباها وهي تمر بجانبه وتمسح آثار بكائها بمنديل، ولكنها سمعته يهمس:

-" يا ... يا آنسة .."

التفتت إليه بتعجب وهي تقطب ما بين حاجبيها :

-" أنا .. حضرتك بتناديني؟!"

-" ايوة يا فندم انا آسف جدا بس هو موضوع يهمك"

رسمت مارية الاستغراب على ملامحها :

-" موضوع ؟! موضوع ايه؟!"

-" انا آسف يعني بس انا سمعتك انتي وجوزك او خطيبك وانتو بتتكلموا عن الشغل وكده"

افتعلت الغضب قليلا:

-" اولا دا اخويا ثانيا انت ازاي..."

قاطعها في هدوء:

-" انا عندي ليكي شغل مناسب ومش في مستشفى ولا حاجة ايه رأيك"

التمعت عيناها بالظفر فها هو مبتغاها بدأ يتحقق وظن الآخر انه من فرحتها بفرصة العمل"

-" ازاي يعني مش في مستشفى انت واخد بالك ان انا دكتورة امال هاشتغل فين بالظبط"

-" بصي ياستي فيه راجل مهم جدا في البلد بس للاسف عنده مرض مناعي شديد اوي بيحتاج حقنة في النخاع واللي اعرفه ان مينفعش الا دكتور هو اللي يدي الحقنة دي دا غير انه لازم حالته يتابعها دكتور كل يوم تقريبا ها ايه رأيك والمرتب هيبقا كبير جدا على فكرة"

مطت مارية شفتيها وكأنها تفكر بجدية:

-" ايوة بس اخويا دا مش هيرضا يخليني ابات عند حد دا مش راضي بالمستشفى اللي هي مكان عام "

-" لا لا متقلقيش مفيش بيات ولا حاجة انتي هاتقضي مهمتك وتتابعي الحالة وتديله الحقنة في معادها والسلام عليكم بس كده، اعتقد اخوكي كده مش هيقدر يتكلم خصوصا لو قولتيله المرتب اللي لا يمكن دكتورة مبتدئة زيك تاخدوا"

-" خلاص خلاص انا هحاول اقنعه انا وماما وان شاء الله خير "

مد لها يده بالبطاقة التعريفية الخاصة به:

-" تمام وانا هاستنا اتصالك بس ارجوكي متتأخريش عشان حالته مبتستحملش فبيدوروا على اي دكتور بأي تمن، انا بقولك كده عشان تلحقي نفسك"

-" خلاص تمام بكرة ان شاء الله استنى مني تيلفون اوكيه"

غمز لها -" اوكيه"

ثم ذهبت في هدوء نحو الطاولة وهي تكاد ترقص فرحا في داخلها أن المهمة تمت بنجاح.

-" خلاص ياسيدي كله تمام"

تحدث يوسف باستغراب حقيقي:

-" ايه دا بالسهولة دي!!"

-" امال يابني داحنا جامدين اوي"

حك يوسف ذقنه الجديدة بسبابته وهو غير مقتنع:

-" مش عارف حاسس ان فيه إنّ في الموضوع كده"

-" هو انت على طول متشكك كده، مهمة وانتهت بنجاح ليه عاوز تبوظها"

-" طيب خلاص خلاص احنا نطلب اكل وبعدين نبقا نقوم عشان انا اصلا زهقت من المكان دا"

-" ليه بس دا حتى مكان لطيف اوي بجد" ثم اردفت بلؤم:

-" ياترى نادين هتاخدني نتغدى فين بقا بكرة"

نظر إليها شزرا :

-" هو انا مش قولت..."

قاطعته بدلال:

-" والنبي يا يوسف عشان خاطري عشان خاطري"

ثم أمسكت يديه المستندتان على الطاولة بكلتا يديها مما اربكهما معا:

-" انت عارف اني تقريبا مليش اصحاب ودي فرصة عشان اتعرف على ناس شبهي وناس جديدة عشان خاطري يا يوسف سيبني اروح مع نادين"

زفر يوسف كمن ليس بيديه حيلة خاصة مع تلك النظرة المستجدية منها وذلك الوجه البرئ الذي ترسمه يجعله لا يستطيع مقاومة قبول جميع طلباتها.

-" طب يالا خلصي اكل عشان تروحي تحضري لبسك ونتفق على اجابة الاسئلة اللي هيسألوها ليكي"

-" ايه دا هما هيسألوني"

ضحك يوسف بملئ فيه:

-" دول مش بعيد يعملولك استجواب رسمي "

-" ايه دا يعني انت كده وافقت؟ يعني هاروح؟ متشكرة جدا متشكرة اوي يا يوسف"

                           ***********************

كانت مارية تستعد منذ الصباح الباكر لذلك اليوم بمنتهى الحماس وهي تختار من بين ملابسها وتحاول حفظ كل إجابات الاسئلة التي توقع يوسف ان تطرحها عليها الفتيات. سمعت طرقات خفيفة على الباب:

-" اتفضلي يامنمن"

كانت بالفعل منى هي من يطرق الباب بتلك الخفة. جذبتها مارية من يدها وهي تقول :

-" تعالي تعالي جيتي في وقتك، انا محتارة البس دا ولا دا ولا ايه رأيك في دا؟؟؟!"

-" يابنتي اهدي دا اللي يشوفك كده يقول رايحة الملاهي؟"

-" انتي بتقولي فيها والله حاسة اني هاتنطط من الفرحة"

-" طيب هي قالتلك هتروحوا فين بالظبط؟!"

-" لا هي قالت هنتغدى في مكان وبعدين معرفش هيعملوا ايه"

اختارت منى بين الملابس اكثرهما راحة وقالت:

-" انا شايفة دا شيك وينفع لكل الاماكن ومريح كمان "

-" يا سلام عليكي يا منمن يا قمر انتي"

وطبعت قبلة قوية على إحدى وجنتيها:

-" يالا نفطر بقا انا حضرت الفطار من بدري بس كنت مستنياكم تصحوا"

توجهت منى للباب وهي تقول:

-" طيب انا هادخل اصحي يوسف عشان كمان ينزل يصلي الجمعة"

وحين فتحته وجدت يوسف يجفف وجهه بمنشفته :

-" يوسف صاحي ومحضر نفسه ومتوضي كمان اهو يا ست الكل"

جرت إليه مارية تسأله:

-" هو انا ينفع اجي اصلي معاك الجمعة في الجامع يا يوسف"

ابتسم تلك الابتسامة الخلابة :

-" دي مش فسحة ولا هزار بس ينفع طبعا، عندك هدوم واسعة تروحي بيها؟!"

لوت شفتيها وهي تفكر فأنقذتها منى:

-" انا هاديها عباية وطرحة من عندي بس هتبقا كبيرة عليكي شويتين "

قفزت مارية فرحًا :

-" مش مهم مش مهم المهم اروح اصلي في الجامع"

سألها يوسف باهتمام:

-" هو انتي مكنتيش بتروحي الجامع ف امريكا"

-" انت عارف اصلا ان يوم الجمعة مش اجازة مع اني كنت عاملاه اجازتي بس الجامع كان بعيد اوي اوي عني ومكنش عندي حد يشجعني اني اروح"

-" وبتعرفي تصلي بقا على كده؟!"

تلعثمت قليلا:

-" ا.. اكيد يعني بعرف اصلي هو فيه مسلم ميعرفش يصلي!!"

-" طب تعالي تعالي انا هاوريكي انا بصلي ازاي وانتي توريني انتي بتصلي ازاي واللي عنده حاجة يعرفها للتاني ايه رأيك ؟!"

هزت رأسها موافقة بشدة

وتوقف يوسف في منتصف الصالة يؤدي حركات الصلاة وهي بجانبه تقلد حركاته وهو يعلمها ماذا تقول وماذا تفعل في كل ركن من أركان الصلاة.

-" ها فهمتي ولا ايه ؟!"

-" ايوة ايوة فهمت والله وحفظت كمان دا كان فيه حاجات كتير اوي انا بعملها غلط"

-" طيب كويس انك اتعلمتي ابقي صلي بقا انتي وماما جماعة لما تكونوا في البيت"

نظرت له نظرة عميقة :

-" ولو انت موجود ابقا صلي معانا انت كمان يا يوسف"

رف قلبه لطريقة طلبها ولطريقة نطقها باسمه، بالرغم من انه سمعه آلاف المرات إلا انه حين يسمعه منها يشعر بها تدغدغ مكانا في قلبه بذلك اللحن المختلف لاسمه!!

نهر نفسه ثم قال بجدية:

-" يالا بقا نفطر وخشي البسي عشان منتأخرش على الصلاة وعشان وراكي فسحة حلوة النهاردة "

ابتسمت مارية وهي تهز جسدها كله يمينًا ويسارًا كالأطفال فاستطرد يوسف:

-" ومتنسيش تتصلي بالراجل بتاع المطعم بس حاولي يكون الوقت متأخر شوية قال يعني اخدتي وقت عقبال ما اقنعتي اخوكي"

-" ماشي حاضر تمام متقلقش"

بعد رجوعهم جميعا من الصلاة فتحت نادين باب شقتها مبتسمة وهي تقول:

-" تقبل الله منكم يا جماعة"

اجابها الجميع عدا مارية:

-" منا ومنكم"

ثم نادت على مارية:

-" البسي بسرعة بقا عشان نص ساعة ولازم ننزل ماشي"

رددت مارية وهي تصعد الدرج بسرعة"

-" ماشي ماشي نص ساعة وهتلاقيني عندك"

التفت يوسف لنادين :

-" نادين .. مريم أمانة عندك هاا"

احمرت وجنتاها فرحًا ام خجلًا :

-" متقلقش يا استاذ يوسف دي في عنيا"

                             *****************

أسرعت مارية لحجرتها ترتدي ملابسها بسرعة ورفعت شعرها بذيل حصان كعادتها ثم خرجت لتجد يوسف منهمكا في هاتفه وكأنما يفعل شيئا مهمًا للغاية. وحين توقفت أمامه رفع بصره إليها يتفحصها من رأسها لأخمص قدميها.

-" ايه رأيك؟"

تبسم يوسف وهو ينظر لعينيها ... عينيها فقط :

-" حلوة .. حلوة اوي"

توقفت عن الحركة وكأنما توقفت الأرض هي الأخرى عن الدوران وكأنما توقف الزمن عند تلك اللحظة .... عند نظره لعينيها ونظرها لعينيه!!!

خرجت منى من حجرتها بعد ان بدلت ملابسها فالتفت الاثنان لها في نفس اللحظة وكأنما امسكت بهما في جُرمٍ ما !!

-" فيه ايه مالكم؟!"

-" لا ابدا مفيش يا ماما"

ثم اسرع بقوله محاولا تشتيتت انتباه والدته لما رأته منذ قليل:

-"بقولك ايه بما ان الاستاذة هتتغدى برا النهاردة فنروح انا وانتي كده سون فاسون نتغدى برا بردو تحبي تروحي فين"

تدخلت مارية:

-" ايه دا ايه دا ايه الخيانة دي هاتتفسحوا من غيري"

-" مانتي هاتتفسحي من غيرنا اهو"

مطت شفتيها فمعه كل الحق:

-" ايوة بس انا كان نفسي اجي معاكو"

-" خلاص ليكي عندي فسحة ياستي اتفقنا"

صفقت بيديها ثم ذهبت مسرعة تخطف حقيبتها وتسارع بالنزول لنادين.

               ******************************

تعرفت إلى صديقات نادين الثلاث سلمى ويمنى وشيماء واحببتهم كثيرا وهي ايضا يبدو انها راقت لهم فقد ظلت مارية تضحك معهم وكانت بالفعل تقضي أفضل أوقات عمرها إلى أن رن هاتفها وكان يوسف المتصل فابتعدت عن صحبتها قليلا :

-" ايوة يا يوسف ...لا لا متقلقش انا كويسة اوي ... اه مبسوطة والله... حاضر حاضر مش هنسى الساعة ٦ هتصل بيه ... خلاص تمام"

لم تكن تريد لهذه المكالمة ان تنتهي بالرغم من قصرها ولكنها زادت من شعورها بالسعادة في هذا اليوم الذي لن يتكرر!!

عادت مرة أخرى للفتيات اللاواتي ظللن يتهامسن ثم نطقت احداهن:

-" سيدي ياسيدي مكملناش كام اسبوع في مصر وبقينا نتكلم في التليفونات ونحمر "

تحسست وجنتيها بيدها وكأنها ستمحي آثار احمرارهما :

-" ايه دا انتو فاهمين غلط على فكرة دا يوسف"

قهقهت الفتيات :

-" اه اذا كان يوسف يبقا مفيش مشكلة هههههه تعالي هنا قوليلنا ايه حكاية يوسف دي، وعرفتيه امتى ومنين؟ معاكي صورته طيب!"

نهرتهن نادين بغضب:

-" ايه يا بنات مالكم دا يوسف اخوها "

قالت احداهن :

-" اااااه اخوهااا طب وماله ورينا صورته بردو ميخسرش"

هبت نادين واقفة:

-" يالا بينا نتمشى شوية على الكورنيش ولا نروح اي حتة تانية انا اتخنقت من المكان دا"

اتفقت معها سلمى:

-" اه فعلا يا نادين انا زهقت"

في حين نظرت لها يمنى بخبث:

-" مالك يا نادين بس اهدي يا ماما اهدي "

في ذاك الوقت استأذنت مارية لتقوم بمكالمتها الهاتفية فانتهزت نادين الفرصة:

-" ايه يا بنات قلة الادب دي البنت تقول علينا ايه هنموت ع الرجالة ولا ايه"

أجابتها يمنى بنفس ذات الخبث:

-" لا هو واضح ان فيه واحدة معينة هي اللي هتموت على واحد معين، طب مش كنتي تقوليلنا كنا ظبطنا لك اخته اكتر من كده"

انفعلت نادين بغضب

-" عيب يا يمنى الطريقة دي"

-" خلاص خلاص يا ستي لا عيب ولا مش عيب انا غلطانة اسكتي بقا عشان اهي جاية اهي"

هلّت مارية عليهن بابتسامتها الخلابة :

-" ها يا بنات هنعمل ايه تاني"

أجابت شيماء:

-" ايه رأيك نتمشى على الكورنيش"

-" اوكيه حلو اوي وناكل حلبسة "

ضحكت الفتيات وتوجهن لوجهتهن في مرح.

                                       *****************

كانت الساعة تخطت التاسعة وهاتف مارية مغلق وكل محاولاته للاتصال بها قد فشلت. فكر أن ينزل لمنزل نادين ويسأل عنهما لكنه وجد ذلك غير لائقا فاضطر للانتظار بجانب النافذة لبعض الوقت إلى أن رآها عائدة مع نادين في صمت!!

فتحت باب الشقة ثم توجهت إلى غرفتها في هدوء استغربه يوسف فقد تحدث معها خلال اليوم حوالي الثلاث مرات وكانت مليئة بالفرح ومفعمة بالحيوية عكس حالتها الحالية تلك!!

طرق بابها عدة مرات ولم يسمع صوتها:

-" مارية مالك فيه ايه انتي كنتي كويسة لما كلمتك فيه حاجة حصلت؟! طب فيه حد زعلك؟!"

-" من فضلك يا يوسف انت بالذات سيبني لوحدي دلوقتي" قطب ما بين حاجبيه لماذا هو خاصة!!

-" ما هو انا مش هامشي من هنا الا لما اعرف مالك ولو مطلعتيش انتي برا هادخلك انا هااا تختاري ايه"

لم تجبه وارتمت على الفراش ووضعت الوسادة فوق رأسها وهي تكاد تبكي. 

لم يجد يوسف بدا من الدخول بعد كل محاولات إقناعها بالخروج

هبت من مكانها

-" يوووه يا يوسف بقا لو سمحت سيبني لوحدي من فضلك"

-" لما اعرف مالك الاول ابقا اسيبك او مسبكيش هنشوف"

انفجرت فجأة في البكاء مما اربكه وأسرعت إلى حقيبتها تخرج شيئا ما :

-" عاوز تعرف مالي اهو اهو"

وأمسكت أمام عينيه بقلم حمرة وهي تكاد تعتصره بين أناملها الرقيقة. 

فتحدث يوسف متسائلا وهو يفرد يديه كمن لا يفهم أين المشكلة:

-" قلم روچ!!"

-" مش بتاعي يا يوسف مش بتاعي!!"

ثم انهمرت عبراتها من عينيها كمن فتح سدا أمام فيضانا!!!


           الفصل الثالث والعشرون من هنا 

لقراءة باقي الفصول من هنا

تعليقات



<>