رواية سارقة الهوي
الفصل الاول 1
بقلم مني السيد
سماء غائمة بسحاب يكاد يحجب الرؤيا.... هواء لافح وكأنه سوط خشن يضرب وجوه المارين...أرض بيضاء وسيارات بيضاء مشهد باهت لتلك الثلوج المتكومة يمينا ويسارا وحيث يجري النظر!
وفي هذا البرد القارص لبلاد العم سام تحديدا في ولاية واشنطن التي تغطيها طبقات من الثلوج السميكة الآن، ترجل من سيارته في ثقة متوجها إلى عمله وهو يغطي رقبته بياقة معطفه الباهظ الثمن علّه ينعم ببعض الدفء ويمنع لفحة الهواء الباردة من أن تتسلل إليه.....
طويلا مهابا كان يتحرك ناحية أمن السفارة ليسلمه مفاتيح سيارته البيضاء وبياض الثلج معها يعكس سمار بشرته وشعره الناعم وملامحة الحادة التي تزيده وسامة.
التفت على نداءات زميله :
- (Hey Joe, you're late today, but you still have 2 minutes befor you indulge into work)
-" هاي جو، انت اتأخرت اوي النهاردة ، لسه فاضل دقيقتين قبل ما تغوص في شغلك"
ابتسم چو فهو معروف عنه مدى انضباطه في مواعيد عمله خاصة حين يكون هذا العمل مكتبي بداخل السفارة، لذلك تعجب زميله اليوم من حضوره قبل العمل بدقيقتان فقط.
-(For me, these 2 minutes are enough to see you Chris)
-( بالنسبة ليّ الدقيقتين دول يدوب كفاية اشوفك فيهم كريس)
واستدار متوجها مرة أخرى إلى بوابة السفارة المصرية حيث يعمل ولم تكتمل استدارته إلا واصطدم بكائن مبهم لا يعلم ماهيته فلا يظهر منه الا تلك العينان السوداوتان ذات الاهداب الطويلة للغاية وتلك الحسنة المميزة اللافتة للنظر بجانب تلك العينان الكحيلتان.
وحين تمتم هذا الكائن عرف انها فتاة وهي تعتذر
-(Oh my God I'm so sorry, Sir)
-" يا ربي، انا آسفة جدا يا فندم"
لم يكد يجيبها إلا وفرت بسرعة من أمام عينيه.
لم تكن سوى لحظات إلا أنه شعر ان كل ما يرى حوله هو تلك العينان الهدباء وكأن صورة تلك العينان انطبعت في عقله، إلى جانب رائحتها التي التصقت بأنفه وأثارت رجفة سريعة في قلبه في تلك الثواني المعدودة تلك التي رآها فيها فحسب.
هز رأسه متعجبا من نفسه ومما حدث ثم توجه إلى القنصلية المصرية حيث عمله. حيّى الجميع ثم توجه إلى مكتبه ليبدأ رحلة غوصه في عالم العمل. خلع معطفه ثم انكب على بعض الاوراق لينجزها بسرعة فاليوم عمله كله منصب على الاوراق وعلى وجوده في المكتب بخلاف معظم الايام التي تتطلب منه التواجد خارج المكتب او خارج الولاية او حتى في بعض الأوقات خارج البلاد بالكامل.
سمع طرقات خفيفة على الباب وبعد سماحه بالدخول إلى الغرفة دلفت فتاة لطيفة ذات شعر أشقر لامع قصير وعينان خضراوتان برّاقتان وتحدثت بابتسامة ساحرة
-"Hi Joe, how are you doing?"
- هاي جو، ايه الاخبار؟"
-" I'm doing great Amanda، What about you?"
-"انا تمام يا أماندا، وانتي؟"
وبصوت خفيض وعينان تشّعان لهفة
-"I'm good!!!"
-"انا بخير!!"
ولم تتحدث اماندا مرة أخرى ولم تخبو ابتسامتها، وكذلك لم تتزحزح عيناها عنه وهو ينظر لها منتظرا ان تكمل حديثها وحين فقد الأمل نظر لأوراقه مرة أخرى وهو يتحدث بلهجة عملية
-" Is there anything else Amanda?"
-" فيه حاجة تانية يا أماندا؟"
وكأنما انتبهت لنظراتها البلهاء ارتبكت وهي تحاول استجماع ما تبقى من رشدها
-" Oh ya, Mr salem needs your ID, we have to renew it very soon"
-" اوه طبعا، استاذ سالم عاوز بطاقة تعريفك الخاصة بالسفارة، لازم نجددها ضروري "
ولأنه يعلم مدى حساسية ذاك الموضوع نهض من مكانه وهو مازال يتحدث بعمليته
-" Ok, Amanda you can go,I'm going to give it by myself"
-"ماشي يا اماندا ، تقدري تمشي انتي انا هاديها له بنفسي"
استأذنت اماندا في وجل وهي تمط شفتيها لاعنة غباءها. كيف بعد كل تلك السنوات من العمل معه لم تستطع ان تلفت انتباهه إلى إعجابها به بل وحبها له ولو لمرة واحدة؟ كيف لم تستطع بجمالها وعذوبتها ان تلفت نظره خاصة بتلك الخصلات الذهبية الناعمة وبشرتها البيضاء الملساء وعيناها التي يتغزل بهما كل من في المكان!! لابد ان تجرب شيئا جديدا لتلفت أنظاره إليها خاصة بعد ابتعاد ايميلي خطيبته السابقة عن حياته!! لقد واتتها الفرصة هذه المرة ويجب ألا تتخلى عنها وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تجعله يشعر بما تكنه له من مشاعر لسنوات عدة.
*******
بعد خروج أماندا تحسس جيب معطفه المعلق أمامه ليخرج محفظته التي تحتوي على بطاقة تعريفه ولكن للأسف لم تكن المحفظة في مكانها المعتاد. انعقد حاجبيه وهو يعبث بكافة جيوب معطفه ويفكر. ترى هل نسيها في المنزل!!! لا لا انه يتذكر جيدا انه أخذها قبل خروجه وليس من عادته النسيان. إذن كيف..؟؟
وفجاة تذكر تلك الضئيلة ذات الأهداب الطويلة وكيف اصطدمت به عند دخوله. وحين تذكرها عادت رائحتها تضرب صدره ليرجف تلك الرجفة السريعة مرة أخرى ولكنه سرعان ما ضرب المكتب بقبضته في غيظ مقاوما رجفته التي لا يفهم لها معنى وهو لا يتخيل أن يُخدع بهذه الطريقة البدائية وكيف لم يشعر بها!!
توجه إلى غرفة مراقبة الكاميرات ليتحقق من ظنونه التي تكاد تفتك به فهو لا يريد التصديق بأنه تعرض لتلك المهزلة على يد تلك الهزيلة!! وطلب من الموظف المسئول إعادة تلك اللقطات التي حدثت منذ سويعات، والتي اكدت له أنها هي السارقة بالفعل بالرغم من عدم ظهور ذلك على الكاميرات بوضوح. يبدو انها كانت تعلم مكان الكاميرات جيدا، يالبراعتها !!
ولكن تلك اللقطات لم تعطيه أي جديد لا عن شكلها ولا عن وجهتها فقد اختفت بشكل مثير للدهشة. اعتصر قبضته بشدة وهو يشعر بالإهانة، ثم توجه إلى مكتبه محاولا أن ينكب على عمله ككل يوم ويتناسى ذلك الموضوع فهو يستطيع الحصول على كل البطاقات المهمة في المحفظة في خلال يوم كما يمكنه وقف جميع بطاقات الائتمان بمكالمة هاتفية واحدة ، ولكن لا مجال لإزاحة تلك العينان التي سلبته محفظته!!!!
ولا مجال إلا في التفكير كم جعلته يشعر بالحمق !!!
دلف مرة أخرى إلى مكتبه وهو ينفث نيرانا من كل فتحات وجهه. كيف لم يشعر بها؟ كيف تخدعه بتلك الطريقة الساذجة؟ كيف لم يشعر بخفة يدها؟ كيف يكون أحمقا لتلك الدرجة ؟بل والأهم كيف سيتعرف عليها وقد كانت تحجب كل ملامحها !!
في نهاية دوام العمل تحرك جو بتجهم وهو يزفر فقد كان يوما ثقيلا بحق بسبب تلك السارقة التي قضّت صفو يومه واستمتاعه بالعمل. قاطع افكاره زميله كريس
-" Hey Joe, are you going to the party tomorrow?"
" ها يا چو انت رايح الحفلة بكرة"
أجاب چو بضيق
-" sure Chris, I defnitly will."
-"طبعا يا كريس بالتأكيد هاروح"
غمز له كريس "you shouldn't bro, Emily will be there"
-" انا لو مكانك مروحش ايميلي هتكون موجودة هناك"
هز جو كتفيه وعلى وجهه ابتسامة هازئة
-" That will be more fun, "
-" دا كده هيكون ممتع اكثر " .
مر اليوم كأي يوم رتيب من أيامه، ولكن موضوع سرقة محفظته ذاك كان يعكر عليه صفو يومه وصفو المتعة التي ستجلبها حفلة الغد. ولا يعرف لماذا لم يبلغ الشرطة وقد كان بإمكانهم أن يعثروا له على تلك السارقة في غضون ساعات قليلة. ولكنه سيفعل! سيقوم بحل أمر البطاقات اولا ثم يذهب بعد غد ليبلغ الشرطة ليتلذذ برؤيتها تُعاقب.
*************
فتح باب منزله وهو ينادي
-"يا ماما انا جيت، انتي فين ياحبيبتي؟"
هرولت إليه والدته بفرحة وهي تقول
-" انا هنا اهو يا يوسف يا حبيبي حضرتلك الغدا وعملتلك ملوخية انما ايييه هتعجبك اوي"
قهقه يوسف بسعادة صادقة " امممم ملوخية!!! وطبعا معاها فراخ وشوربة لسان عصفور اموت واعرف بتجيبي الحاجات دي منين يا أروبة انتي"
-"يابني العالم اصبح قرية صغيرة" ضحك الاثنان ملئ قلبيهما ثم أردفت والدته
-" والله كل حاجة موجودة في الماركت يا يوسف يا حبيبي وانا بحب اعملك مفاجآت من اللي بتحبها "
قبل يوسف يديها وهو يقول " ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي بس عشان خاطري متتعبيش نفسك كتير كفاية يوم واحد تعملي فيه أكل سيبيني انا اجيب الاكل باقي الاسبوع او توافقي بقا اني اجيب حد يساعدك"
-" ياحبيبي انا عايشة عشانك لو اطول اجيبلك نجمة م السما هاجيبهالك بس موضوع حد يساعدني دا لا يمكن اوافق عليه ابدا انت عارف انا مبحبش حد غريب يدخل البيت"
هز رأسه بيأس من كثرة مناقشته لهذا الموضوع
-"عارف عارف طب يالا بقا ناكل الملوخية والا هتبرد وانتي عارفة انا مبحبهاش باردة"
-"حاضر يا روح قلبي عقبال ما اشوف مراتك وهي بتعملك الطشة يا حبيبي"
ضحك يوسف مرة أخرى
-" منا كنت هاتجوز ومكنتش عاجباكي وكنتي كل ما تشوفيها تقلبي شفايفك زي الأرفانة"
-" ايوة ارفانة هي المزعزعة المسلوعة اللي بتقولك يا چو اللي اسمها ايميلي دي كانت هتنفعك بحاجة ولّا هتعرف تعملك طشة ملوخية بلدي أصيلة، دي بركة انها غا.. قصدي مشيت"
-" اولا يا حبيبتي كل الناس هنا بتقولي يا جو انتي الوحيدة اللي بتقوليلي يا يوسف. ثانيا هي ايميلي فعلا مكنتش هتعرف تعمل ملوخية عشان مش هتعرف تشهق عليها زيك يا جميل"
وأخذ يدغدغها وهي تقهقه
-" بس يا ولد عيب مش هتبطل هزارك دا بس بقولك" وامتلأ البيت بضحكاتهما معا فوالدته هي كل ما يملك بل وكل من يحب في هذه الدنيا. وقد ترك ايميلي بسبب موقفها مع والدته وعدم تقبلها لها بالمرة بالرغم من انه كان يحبها!!
**********
في صباح اليوم التالي كان چو يتأهب للذهاب لاستخراج بطاقاته الضائعة وفور خروجه من باب منزله إلى حديقته لاحظ شيئا معلقا بين مساحات سيارته اقترب ليجد كيسا بلاستيكيا وحين فتحه وجد محفظته ولكنها خالية من النقود ومعها ورقة صغيرة ليست بخط اليد مكتوب بها
-" Sorry, I can't handle it🤷🏻♀️، but I always return the important things. So I hope that would make it up to you 😉"
-" آسفة مقدرتش اتحكم في نفسي🤷🏻♀️ ، لكن انا دايما برجع الحاجات المهمة. وباتمنى ان دا يعوضك ولو قليل😉"
وبجانبها وضعت ذلك الوجه الغامز الضاحك. ابتسم دون إرادته فهو رغم ما حدث الا انه اعجب بتلك الحركة يبدو انها سارقة راقية!! أو أنها خافت حين رأت اين يعمل!! ربما !!
ولكن مهلا.. كيف دخلت من بوابة منزله إلى الحديقة الداخلية؟؟ كيف فعلت ذلك تلك المتسللة ؟؟ وزاده هذا غيظا وعزما على أن يجدها بأي طريقة. ويعلم أنه سيفعل.
